البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

August / 23 / 2018  |  9382الاستعمار الثقافي الفرنسي ... الجزائر نموذجا

الشيخ كاظم الصالحي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية نيسان 2018
الاستعمار الثقافي الفرنسي ... الجزائر نموذجا

الاستعمار الثقافي الغربي للبلدان العربية والاسلامية الاخرى امتداد طبيعي للحروب الصليبية التي دارت رحاها في فلسطين عشرات السنين فان الدواعي والغايات متشابهة هي بسط الهيمنة والسلطة على هذه المناطق الزاخرة بثرواتها الطبيعية التي يحتاجها المستعمر, وتمثل اسواقا كبيرة تستوعب البضاعة الاوربية الفائضة عن الحاجة , ولتحقيق اهدافه جد المستعمر في بث الفرقة بين المذاهب الاسلامية واثار المعارك بين بلدانها لتمزيقها الى دويلات لا تقوى على مواصلة حياتها بدون الاستعانة بدول الاستعمار, ومن جهة اخرى خطط ونفذ الاستعمار قراراته في طمس الهوية الدينية والوطنية للبلدان المستعمَرة بغزوها ثقافيا بمختلف الادوات والاساليب وهدم مقومات هويتها واهمها الدين واللغة كما حصل في البلد المسلم الجزائر ابان الاحتلال الفرنسي الخبيث الذي دام 132 عاما (1830-1962) وهذا ما نلاحظه تباعا:


لمحة تاريخية:

وصل الإسلام إلى الشمال الإفريقي عن طريق عقبة بن نافع وأستقبله سكان هذه المنطقة برحابة صدر, عدا في بعض الأماكن, حيث كان الأمازيغ – وهم السكان الأصليون في المغرب العربي – يعتقدون أن المسلمين الفاتحين لا يختلفون عن غيرهم من الوندال والفنيقيين والرومان الذين تعودّوا على غزو منطقة المغرب العربي وكان الأمازيغ – وتعني هذه العبارة الأحرار- يتصدّون لهذه الغزوات ببسالة . وبعد فترة وجيزة إنقلب هذا الإعتقاد رأسا على عقب حيث أصبح الإسلام هو الدين السائد في منطقة المغرب العربي وأهم مقوّم لحياة المغاربة الذين إنطلقوا في خدمته حيث ساهموا في فتح الأندلس وفي إيصال الإسلام إلى جزء كبير من أوروبا .

وغداة سقوط الأندلس بدأت شواطئ المغرب العربي تتعرض لإعتداءات الإسبان والبرتغاليين بدافع الثأر من المسلمين الذين أشادوا حضارة للإسلام في الأندلس .

و أثناء هذه الحملات الصليبية التي كان يتعرض لها المغرب العربي على مدى مئات السنين إنطلقت الخلافة العثمانية وشرعت في توسيع رقعتها بإتجاّه الأقاليم العربية والإسلامية , وأستغاث حينها ولاّة المغرب العربي بالخلافة العثمانية التي أمرت أسطولها البحري في البحر الأبيض المتوسط  بالتوجه إلى السواحل المغاربية وتوفير الحماية للمسلمين فيها , وبموجب هذا أصبحت دول المغرب العربي تحت الوصاية العثمانية في الفترة (1515 – 1830) تاريخ إحتلال فرنسا للجزائر وبقية الدول المغاربية في وقت لاحق .

وقد إستغلّت فرنسا وقتها ضعف الجزائر التي أرسلت أسطولها البحري للمشاركة مع الأسطول العثماني في معركة –لافارين – سنة 1827 لمواجهة بعض الأساطيل الأوروبية , وكانت النتيجة أن تحطمّ الأسطول الجزائري وأصبحت المياه الإقليمية الجزائرية سهلة المنال أمام القوات الفرنسية التي كانت تخطط لإحتلالها.  لوحة زيتية تبيّن رحى معركة الزمالة، التي جرت في 16 ماي 1843 تحت قيادة الأمير عبد القادر الجزائري.

فهاجمت الجزائر عام 1830بحملة بلغ قوامها 37600 جندي.

استعدادات قبل الغزو الفرنسي:

وجهت فرنسا اهتمامها قبل الغزو البلد الاسلامي الجزائر لمعرفة السبل والأساليب التي تيسر بها نجاح المهمة ، فالفرنسيون لم يكتفوا باحتلال الأرض والسلطة على الشعب بل عملوا على احتلال عقول الجزائريين ونفسيتهم ايضا،  فالهدف المنشود هو الهيمنة التامة على المجتمع الجزائري بكامل عناصره ومؤسساته بما فيها الأسرة والمدرسة والمسجد، وعناصر الثقافة من دين ولغة و...ومن ثم مسخ هويته وتحويل بيئته إلى بيئة فرنسية لتصنع منها وجودا فرنسيا لغة ودينا وأخلاقا وعادات وتقاليد, وجعل الشعب الجزائري شعبا مغايرا لحقيقته منسلخا عن دينه ولغته وعن انتمائه الحضاري, راضيا بالتبعية لفرنساعاطفياولغويا وفكريا .مراحل الاحتلال الفرنسي للجزائر

جرائم الاستعمار الفرنسي:

طيلة 130 عاما من الاحتلال الظالم ارتكب الاستعمار الفرنسي جرائم كبيرة شملت كل المجالات, وما يهم البحث هنا التعرف اجماليا على الجرائم التي طالت مقومات الهوية الجزائرية وفي مقدمتها الدين واللغة العربية , ونترك الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق الشعب الجزائري من ابادة جسدية وسلب للاموال وابادة للقرى وثروات عامة مما يندى لها جبين الانسانية الى كتب التاريخ التي دونت ووثقت هذه الجرائم البشعة. 

جدير ذكره ان الاستعمار الفرنسي ولتحقيق غاياته الخبيثة جند خبراءه من الفلاسفة والمستشرقين والضباط ممن لهم معرفة بالإسلام واللغة العربية و...لدراسة مميزات الشعب الجزائري ومعرفة مداخل التأثير فيه. وقد وجدوا أن الشعب الجزائري يتميز بتمسكه بدينه واعتزازه بلغته العربية، وحبه لوطنه وأرضه وغيرته على عرضه وشرفه، وعليه فان السبيل للسيطرة على هذا الشعب  وإحداث التغيير المرغوب في ذهنيته وسلوكه لا يتم إلا بالفهم العميق لحقيقته، والسعي إلى النفاذ إلى أعماق نفسيته لتغييرها, وإعادة تشكيلها بما يتلاءم مع أغراض السياسة الاستعمارية، لأن بقاءه متمسكا بهويته الثقافية العربية الإسلامية وبشعوره الوطني يعطيه مناعة تحصنه ضد التأثيرات التي تأتيه من خارج ذاته، ومن هنا بدأ التخطيط لسياسة استعمارية تدميرية لمقومات الهوية ومنها الدين واللغة, فلنلاحظ:

القضاء على اللغة العربية:

-أصدر الحاكم العام الفرنسي للجزائر في 24 ديسمبر 1904م قرارا ينص على عدم السماح لأي معلم جزائري أن يفتح مدرسة لتعليم العربية دون الحصول على رخصة من السلطة العسكرية بشروط[1] .

-في 8مارس 1938م أصدر رئيس وزراء فرنسا  كاميي شوطون  قرارا نص على حظر استعمال اللغة العربية واعتبارها لغة أجنبية في الجزائر. وجعل اللغة الوحيدة للبلاد هي اللغة الفرنسية. ومُنع أساتذة جمعية العلماء المسلمين من التدريس حيث نص القرار على «إغلاق المدارس العربية الحرة التي لا تملك رخصة العمل، ومنع كل معلم تابع للجمعية من مزاولة التعليم في المدارس المرخصة إلا بعد أن يتحصل على رخصة تعليم تقدمها له السلطات المعنية»، لكن السلطات الفرنسية أمتنعت عن إصدار الرُّخص رغم الطلبات العديدة التي قُدمت[2].

وعملا بالقرارات الاستعمارية قام الفرنسيون بـ:

- فرنسة التعليم في المرحلة الابتدائية، وجعل اللغة العربية لغة أجنبية واختيارية في المراحل الأخرى.

ب- تقسيم اللغة العربية إلى ثلاث لغات يمكن إهمالها في التعليم:

* عربية عامية يستعملها الشعب وليست مادة صالحة للتعليم في المدارس.

* عربية فصحى «لغة القرآن الكريم».

* عربية حديثة وهي نتاج بعض المتعلمين ولغة أجنبية وأداة للقومية العربية، ولذلك يجب إبعادها من برامج التعليم.

ه- محاربة معاهد التعليم العربي «الحر» التي تقوم بنشر اللغة العربية ومحاولة تصفيتها.

و- اضطهاد المعلمين الأحرار في سلك التعليم العربي الحر وسجنهم وتغريمهم بقصد صرفهم عن العمل في نشر التعليم العربي بين الجزائريين.

ي- التقتير في منح رخص التعليم للمعلمين الأحرار والمنظمات الجزائرية القائمة بنشر التعليم العربي الحر.

ن- تعطيل النوادي العربية الحرة التي تقوم بنشر اللغة العربية بين الشباب الجزائري، وتربيته تربية عربية إسلامية.

ي- مصادرة أملاك قطاع التعليم العربي, فسارعوا إلى الاستيلاء على أوقاف المؤسسات ومصادرة أملاك وعقارات كانت تابعة لهيئة الأوقاف، وهي الهيئة التي تشرف على تمويل التعليم العربي[3].

2- السعي للقضاء على الدين الإسلامي:

انتهجت الإدارة الاستعمارية سياسة الكاردينال «لافيجيري»: «علينا أن نخلص هذا الشعب ونحرره من قرآنه، وعلينا أن نعنى على الأقل بالأطفال لننشئهم على مبادئ غير التي شب عليها أجدادهم، فإن واجب فرنسا هو تعليمهم الإنجيل، أو طردهم إلى أقاصي الصحراء بعيدين عن العالم المتحضر».

والشواهد التاريخية تؤكد ما كان يدعو إليه سكرتير «بيجو» سنة 1832 عندما بدا مقتنعا بأن: «آخر أيام الإسلام قد دنت وفي خلال 20 عاما لن يكون للجزائر إله غير المسيح، ونحن إذا أمكننا أن نشك في أن هذه الأرض تملكها فرنسا فلا يمكننا أن نشك على أي حال بأنها قد ضاعت من الإسلام إلى الأبد، أما العرب فلن يكونوا رعايا لفرنسا الا إذا أصبحوا مسيحيين جميعا»

وللقضاء على الدين، انتهج الفرنسيون سياسة التنصير والمتمثلة في إخراج المجتمع الجزائري من دينه بإغرائه أو إرغامه على اعتناق الديانة المسيحية التي تخول له الحصول على الحقوق مثل أفراد المجتمع الفر نسي.

وإذا كانت سياسة التنصير وسيلة للفرنسة وهدفا من أهداف السياسة الاستعمارية الفرنسية للجزائر فعمدت إدارة الاحتلال إلى طرائق من أهمها:

أ- تكثيف نشاط الإرساليات الدينية المسيحية التي أخذت تتوافد على الجزائر باسم هيئات تعليمية وجمعيات خيرية، وتغلغلت في المناطق الأكثر فقرا لإغراء الأهالي بالمساعدات المادية واستدراجهم إلى الدين الجديد.

ب- التركيز على تنصير الأولاد الصغار وخاصة اليتامى والمشردين وأبناء الفقراء...؛ حيث كانوا يغرونهم بكل الوسائل لاستجلابهم وتنشئتهم على الديانة المسيحية,  ففي سنة 1867 شرع الكاردينال «لافيجري» بتنفيذ خطة كبيرة في لتنصير الأطفال الجزائريين فكتب في مقدمة برنامجه: «علينا أن نجعل من الأرض الجزائرية مهدا لدولة عظيمة مسيحية أعني بذلك فرنسا أخرى يسودها الإنجيل دينا وعقيدة، فهذه هي آيات الله».

ومن أخطر ما فعله هذا الكردينال أنه كان ينصّر الأطفال ثم يجعل منهم (أباء بيضا) ليتولوا الدعوة إلى الديانة المسيحية بين أهليهم، تنفيذا لتوجيه «لوفيبو» سكرتير المارشال بيجو الذي قال في تصريح له في سنة 1838: «إن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين».

ج‌- تحويل عدد من المساجد الهامة في المدن الجزائرية إلى كنائس للمسيحيين أو بيع لليهود.

د- أخضعت فرنسا المؤسسات الإسلامية (مساجد، وقضاء شرعي، ومواسم إسلامية، ورجال دين) لإشرافها المباشر وعملت على تسخير رجال الدين للعمل كجواسيس للإدارة على مواطنيهم.

د- تطبيق قانون فصل الدين عن الدولة الذي صدر في فرنسا سنة 1905.

هذا وقام الفرنسيون المحتلون بمسخ وتشويه تاريخ الجزائريين , فقد كان الأطفال الجزائريون في مدارس الاحتلال يدرسون في مادة التاريخ ان الجزائر قديما كانت تسمى «الغال» وكان أجدادنا يسمون «الغاليين» بحيث ينشأ أبناء الجزائريين وهم يعتقدون منذ الصغر بأن أصل أجدادهم ينحدر  من الغاليين في جنوب فرنسا، وليس من العرب في شبه الجزيرة العربية، وبذلك يصبحون أسهل انقيادا، وأسرع استجابة لقبول سياسة الفرنسة، والتنصير، والإدماج في فرنسا, كما قاموا بتزييف جغرافية الجزائر , فقد كان المنهاج التعليمي  يغرس في أذهان التلاميذ الجزائريين أن بلادهم جزء لا يتجزأ من الوطن الفرنسي (الأم) وأن الجزائر تمثل ثلاث مقاطعات فرنسية في ما وراء البحر المتوسط, والجغرافية مثل التاريخ مادة مهمة في تكوين الروح الوطنية لدى المتعلمين والدفاع عن الوطن.

وقامت فرنسا بتشجيع الهجرة اليهودية إلى الجزائر، وقانون كريميو 1870 خير دليل على ذلك[4].

وقام المحتلون بالاعتداء على المساجد والزوايا ودور العبادة ومصادرة الأوقاف الإسلامية. برغم من أن اتفاقية استسلام الجزائر العاصمة كانت تدعو إلى احترام الحرية الدينية للاهالي. ان وحشية الاستعمار الفرنسي لم تقتصر على تدمير المساجد أو تحويلها إلى كنائس. بل قامت بقتل المصلين المعتصمين بها ومثال ذلك قتل أربعة آلاف مسلم اعزل معتصم في مسجد كتشاوة قبل تحويله إلى كنيسة.

محاولة مسخ الهوية الجزائرية[5]:

اضافة الى ما مر ذكره من محاولات المستعمر الفرنسي الجادة لتجريد الشعب الجزائري من هويته الاسلامية والعربية عمل على مسخ هويته الوطنية , فقد أصدرت الإدارة الاستعمارية الفرنسية في 23 مارس 1882 قانون الحالة المدنية أو قانون الألقاب الذي ينص على استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب. وسبق صدور هذا القانون محاولات متواصلة لطمس الهوية الجزائرية، أهم ملامحها إجبار الأهالي على تسجيل المواليد الجدد وعقود الزواج لدى مصلحة الحالة المدنية الفرنسية، بعدما كانوا يقصدون القاضي الشرعي أو شيخ الجماعة.

و الغاية من استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب هو تفكيك نظام القبيلة لتسهيل الاستيلاء على الأراضي، وتغيير أساس الملكية إلى الأساس الفردي بدلا من أساس القبيلة، وطمس الهوية العربية والإسلامية من خلال تغيير الأسماء ذات الدلالة الدينية وتعويضها بهوية هجينة، وإحلال الفرد في المعاملات الإدارية والوثائق مكان الجماعة، وأخيرا تطبيق النمط الفرنسي الذي يخاطب الشخص بلقبه وليس باسمه.

و بموجب هذا القانون لم تكتف السلطات الاستعمارية بتغيير أسماء وألقاب الجزائريين بصفة عشوائية بل عوضت العديد منها بأسماء مشينة ونابية وبعضها نسبة لأعضاء الجسم والعاهات الجسدية، وألقابا أخرى نسبة للألوان وللفصول ولأدوات الفلاحة وللحشرات وللملابس وللحيوانات ولأدوات الطهي. ولم يكن هناك أي منطق في إطلاق الألقاب على الأشخاص، وكل ما هنالك هو رغبة في تحطيم معنويات الجزائريين، من خلال منح الفرصة لترديد أسمائهم مشينة طول الوقت وعلى مرّ الأزمان. وما يزال الأبناء والأحفاد يتوارثون هذه الأسماء منذ عام 1882.

التاثيرات الثقافية للغزو الفرنسي :

كان للمخطط الفرنسي في محاربة دين الشعب الجزائري ولغته تاثيرات سلبية كبيرة منها[6]:

1- بروز نخبة مثقفة ثقافة غربية تعلمت في مدارس فرنسية وبلغة غير عربية تحت رعاية المحتل ومقربة منه واصبحت اداة طيعة في يده لضرب الثقافة العربية الإسلامية.

2- بروز صراع فكري ثقافي وديني بين المعربين الذين تتلمذوا في مؤسسات التعليم العربي الحر (الزوايا، المدارس القرآنية، الكتاتيب،...)، وتحمل راية الفكر الحضاري الأصيل، والمفرنسين الذين تتلمذوا في مؤسسات ومدارس التعليم الرسمي الفرنسي ويحملون راية الفكر الغربي والثقافة الهدامة.

ويلاحظ أن الجزائر لا تزال تعاني من أثر سياسة الاحتلال الثقافية، فان بعض الجزائريين المثقفين ثقافة فرنسية خالصة يعارضون فكرة تعريب التعليم والإدارة في الجزائر، متأثرين بما تعلموه في المعاهد الفرنسية في عهد الاحتلال من معلومات ضد اللغة العربية والإسلام، وانتماء الجزائر الحضاري والمصيري إلى الأمة العربية والعالم الإسلامي.

يقول د. السعيد عواشرية: لقد أفرط وأسرف الاستعمار في محو مقومات هويتنا، فلا نزال نسمع أن اللغة الوطنية هي لغة الماضي فقيرة وضعيفة الأفكار، غير قادرة على مواجهة الضروريات العلمية، وحسب هؤلاء فإن اللغات التي تستعمل الحروف اللاتينية وحدها هي القادرة على تحمل هذا الدور بجدارة واستحقاق، ويزعمون أن العربية لغة عاطلة، عديمة الفائدة وضعت للقيام بشعائر الصلاة ونظم الشعر.

3- انتشار الأمراض والآفات الاجتماعية والانحرافات السلوكية في الأوساط الشعبية، وكثرت الأساطير والخرافات بفعل حملات المستعمر لتجهيل الشعب وجعله شعبا مخدرا ميتا يحث على الفكر المضلل وينهض على طقوس الدراويش.

تجدر الإشارة هنا أن المجتمع الجزائري ورث عن الاستعمار الفرنسي سلوكيات اجتماعية سيئة لا تزال إلى حد اليوم متفشية في أوساط أفراد المجتمع من تزوير وبيروقراطية ورشوة وحقرة وتهريب وخيانة و....

4- الانبهار بالحضارة الغربية والاغتراب: حتى ان «لويس عوض» يدعو لدراسة مناهج التعليم في البلدان المتقدمة ومراجعة مناهجنا على غرارها، معتبرا ذلك بأنه مسايرة لأبنائنا وبناتنا خطوة خطوة لأبناء الأوروبيين وبناتهم، وأنه هو الطريق الحقيقي للعصرنة, متهما تراثنا بالسذاجة ومن ثمة ينبغي طرحه جانبا، والارتماء في أحضان المناهج الغربية فهي طريق النجاة؛ حيث يقول: «فهل يحق لنا أن نأمل في بناء دولة عصرية إذا كان أبناؤنا يقتاتون على هذا الغذاء العقلي من سذاجات المعرفة وخزعبلات العقائد؟ أليس أجدر بنا أن نسير في الطريق الذي تسير فيه الدول العصرية فنعيد صياغة مناهجنا وبرامجنا وقراراتنا على غرار ما يدور في المدارس الغربية؟».

الاستعمار الثقافي وجذور الفرنكوفونية[7]:

 ان فكرة الفرنكوفونية[8] قديمة قدم المشروع الاستعماري الفرنسي في بلادنا وستبقى ما بقي في جعبة فرنسا بصيص من تطلع إلى مقاربة عالمنا بعين كولونيالية لا ترى في مجتمعاتنا غير أملاك استعمارية تقدم لها الجزية الثقافية عن حيازتها حقاً في الاستقلال الوطني.

الدول الاعضاء في منظمة الفرانكفونية

كانت فرنسا في جملة أكبر الدول التي خاضت تجربة الاستعمار في نهاية القرن الثامن عشر، بُعيد ثورتها الكبرى في العام 1789 ولم تكن هي إلا عقود ثلاثة عن خروجها من مصر، حتى زحفت قواتها إلى الجزائر مخرجة إياها من إطار السلطنة، أو الرابطة العثمانية، ومجرّبة إخراجها من إطارها الحضاري والثقافي العربي  الإسلامي. وكانت صريحة في الجهر بطبيعة استعمارها وتميزه عن سائر أشكال الاستعمار الأخرى ، وأخصَّها بالذكر الاستعمار البريطاني.

ففرنسا ما كانت تكتفي من مستعمراتها بما يطلبه منها سائر ملل الاستعمار من نهب الثروة، وجلب العمالة الرخيصة، وتأمين السوق للسلع الرأسمالية، وتوفير مواطئ قدم للجيوش البرية والبحرية، وقاعدة بشرية تستخدم لأداء السُّخرة العسكرية في جيش المحتل، فقد كانت تطلب إنجاز جراحة ثقافية ولغوية تستتبع المستعمَر للمستعمِر، وتأتي بمعاول الهدم على استقلال شخصيته وكيانه، فتدفعه إلى اقتداء الغالب والإذناب له، والتماهي معه، وفقدان القدرة على وعيه لذاته إلا في علاقته الانجذابية به! فعلت ذلك بنجاح، ثم جرّبت تكرار ذلك في الجزائر ابتداء ثم في سائر بلاد المغرب العربي تالياً.

كانت فرنسا تدرك أن حقبة الاحتلال الاستعماري حقبة انتقالية في تاريخ البشرية، وأن جيوش الغزاة لا بد منكفئة يوماً إلى حدودها بعد أن تحقق مقاومة الشعوب المستعمرة القدر الضروري من التراكم الذي به تجبرها على ذلك الانكفاء. لذلك انصرفت بعناية إلى توفير شروط ديمومة سيطرتها في المستعمرات حتى بعد اضطرارها إلى الجلاء عنها، فجهدت للاستيلاء على العقل واللسان والوجدان استدراراً لصلة اتباع يرتبط بها المغلوب بالغالب.

نجحت فرنسا  بهذا الخيار الثقافي الاستعماري  في مسخ الشخصية الثقافية واللغوية للمجتمعات الإفريقية التي استعمرتها. ويكاد لا يوجد اليوم مجتمع إفريقي  باستثناء المغرب العربي لا تمثل اللغة الفرنسية لغته «الوطنية» الجامعة. ومع أن فرنسا فشلت في أن تئد اللغة العربية أو تخرجها من الميدان في بلدان المغرب العربي، كما فعلت بنجاح في سائر مستعمراتها الافريقية، إلا أنه سيكون من باب المكابرة الادعاء بأنها لم تحرز نجاحات هائلة في مجال تحقيق هدف الاغتصاب الثقافي واللغوي في بلداننا، والشواهد على ذلك  اليوم  وافرة: يكفي أن لسان فرنسا ما زال لسان الإدارة في هذه البلدان، ولسان التعليم فيها من الطفولة حتى الكهولة، والرأسمال الأمثل لتنمية الموقع الاجتماعي.

الاستعمار الثقافي بديل الاستعمار العسكري:

يقول د. ادريس جنداري[9] : خضعت مجموعة من دول العالم العربي للاستعمار الفرنسي؛ الذي بدأ في اختراق المنطقة المغاربية منذ 1832 من خلال احتلال الجزائر؛ ووصلت السيطرة الاستعمارية ذروتها بعد فرض الحماية على المغرب سنة 1912 .

و نفس الوضع عاشته سوريا في المشرق العربي؛ فقد فرض الانتداب الفرنسي عليها بضوء أخضر من عصبة الأمم المتحدة عام 1922؛ وبسطت سيطرتها على جزء من المنطقة العربية؛ باسم الإصلاحات؛ و نقل المنطقة إلى العصر الحديث؛ و استمرت الهيمنة الاستعمارية الفرنسية؛ حتى ستينيات القرن العشرين (بخصوص المغرب العربي)؛ حيث انسحبت فرنسا على وقع مقاومة شرسة؛ لكن هذا الانسحاب لم يكن تاما؛ لأنه كان من جنس الاستقلال الناقص وتمكنت فرنسا من الجمع ما بين الانسحاب الشكلي و الإبقاء على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة؛ و ذلك بالاعتماد على خدامها الذين سيحملون راية الفرانكفونية[10] عاليا. و يتشكل هؤلاء –في الأغلب- من النخبة السياسية الحاكمة؛ و كذلك من النخبة الثقافية التي دافعت عن مصالح فرنسا في المنطقة؛ بادعاء الدفاع عن قيم الحداثة؛ التي لا يمكنها أن تتجسد إلا عبر اللغة الفرنسية !

إن الحفاظ على مصالح فرنسا؛ يمر عبر ترسيخ استعمار بديل؛ يعوض الانسحاب العسكري؛ و هو أخطر من سابقه. هكذا كان قادة الاستعمار يفكرون منذ البداية؛ لذلك توجهوا إلى إخضاع النفوس و العقول ثقافيا؛ للتمكن من إخضاع الأجساد؛ و حتى إذا توهمت الأجساد التحرر؛ تبقى العقول و النفوس مقيدة و تابعة.

هذا بالضبط هو ما وعاه مدير التعليم في المغرب خلال الفترة الاستعمارية (جورج هاردي) الذي يقول: « إن انتصار السلاح لا يعني النصر الكامل؛ إن القوة تبني الإمبراطوريات؛ و لكنها ليست هي التي تضمن لها الاستمرار و الدوام. إن الرؤوس تنحني أمام المدافع؛ في حين تظل القلوب تغذي نار الحقد و الرغبة في الانتقام. يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان.. «

و لذلك فإنه ليس من الغرابة أن تتأسس الفرانكفونية؛ كآلية استعمارية مباشرة بعد انسحاب فرنسا عسكريا من مستعمراتها؛ و التواريخ التي ترتبط بهذا التأسيس توضح هذا الأمر بجلاء :

ـ 1960 انعقاد المؤتمر الأول لوزراء التربية والتعليم في فرنسا وإفريقيا؛ حيث تبلور مفهوم الفرانكفونية نظرية ومنهجاً.

ـ 1961 تأسس اتحاد الجامعات الناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية.

ـ 1962نشرت مجلة (ESPRIT) الفرنسية عدداً خاصاً حول محور (اللغة الفرنسية لغة حية) واعتبر محتوى العدد بمثابة البيان الأول للفرانكفونية.

ـ 1964تأسست فدرالية الجمعيات للانتشار الفرنسي.

ـ 1966 تشكلت اللجنة العليا للدفاع عن اللغة الفرنسية، وأُقِرت بمرسوم جمهوري. ويرأسها رئيس الوزراء الفرنسي، وتتألف من عشرين شخصية تنتمي لعالم السياسية والأدب والفن والعلوم والإعلام والصناعة. وتحددت مهمتها في تطوير العلاقات الثقافية بين الدول الفرانكفونية من المستعمرات وغيرها، ودراسة الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك.

ـ 1966في الفترة نفسها تأسس المجلس العالمي للغة الفرنسية، وهو عبارة عن أكاديمية فرنسية دولية للبت في النزاعات اللغوية المتوقعة بين مستعملي اللغة الفرنسية من الدول الفرانكفونية، وسائر المشتغلين بها من أهل الفكر.

ـ 1966 أيضاً تأسست المنظمة الدولية للبرلمانيين الناطقين بالفرنسية، ثم انبثقت عنها مؤسسة (كوكبة المشاهير) التي بدأت تمنح جوائز أدبية لأفضل الكتاب والشعراء الفرانكفونيين.

ـ 1969 تأسست في باريس الفدرالية الدولية لأساتذة اللغة الفرنسية.

ـ 1970 تأسست الفرانكفونية بمفهومها الجديد، باسم (وكالة التعاون الثقافي والفني للتبادل الثقافي مع الحكومات)، واعتبر تاريخ تأسيسها (20 مارس) بمثابة اليوم العالمي للفرانكفونية. وقد اجتمع لذلك رؤساء تونس والسنغال ونيجيريا تحت الرعاية الفرنسية، فضمت الوكالة الفرانكفونية 12 دولة أصبحت بعد ذلك 50 دولة تمثل القارات الخمس.

ـ 1974 تأسست الجمعية الفرانكفونية للاستقبال والاتصال.

ـ 1986 انعقد المؤتمر الأول للفرانكفونية بباريس وقد ضم بالإضافة إلى المستعمرات القديمة بلداناً أخرى وقد تتابعت المؤتمرات كل سنتين

ـ 1997 انعقد مؤتمر الفرانكفونية في هانوي؛ حيث تم إحداث منصب الأمين العام للفرانكفونية الذي يكون بمثابة سكرتير عام لها، وناطق رسمي باسمها، وممثل لها في المحافل الدولية، والمؤتمرات، والهيئات، والمنظمات؛ وقد تم انتخاب بطرس غالي لشغل ذلك المنصب.  القمة 16 لمنظمة الفرانكفونية 2016.

ـ 1998 انعقدت المناظرة الوزارية للفرانكفونية في بوخارست؛ حيث تم إقرار مصطلح (المنظمة الدولية للفرنكوفونية) للدلالة على مجموع هيئات الفرانكفونية.

إن ما يبدو واضحا من خلال هذا الجرد هو أن بداية الفرانكفونية؛ صارت بشكل متواز مع انسحاب فرنسا من مستعمراتها؛ و هذا ليس صدفة بل يجد تفسيره في الاستعمار الجديد؛ الذي أسست له فرنسا بعد دحرها على يد المقاومة المسلحة.

ثورة العلماء والشعب:

لقد قاوم الشعب الجزائري قوات المحتل الفرنسي وخاض حروبا مشرفة بقيادة علمائه وابرزهم المجاهد عبدالقادر بن محيي الدين عالماً فاضلاً، وفارساً مدرباً، ولما احتل الفرنسيون الجزائر، ودارت رحى القتال بين الحامية الفرنسية وبين أهالي بلدته وهران بقيادة السيد محيي الدين ومعه ولده عبدالقادر, ثم بويع بالإمارة في 1832م، وتولى قيادة البلاد, واختار عاصمته مدينة معسكر، ورتب جنوده وباشر القتال، واضطر الحاكم الفرنسي إلى مهادنته وتوقيع معاهدة «دي ميشيل» والتي تعترف فيها فرنسا له بجميع مقاطعة وهران، وأن يستورد الأسلحة من أي جهة أراد، وبرز للقتال وانتصر على الفرنسيين في يوم «المقطع» في  1835م، فجهزت فرنسا جيشاً  استولى على عاصمته ولما انتهى الخصام بينه وبين فرنسا رتب جيشاً منظماً واهتم بشؤون الزراعة والتجارة والتعليم، ولكن فرنسا نقضت معاهدتها، فنشبت الحرب بين الفريقين، ونادى الأمير بالجهاد عام 1839 واستمرت الحرب أربع سنوات , ولكن عدم تكافؤ القوتين أدى أخيراً إلى سقوط معظم حصونه، واستيلاء العدو على أكثر مدنه، ففر إلى المغرب، وظل متربصاً حتى لاحت ثورة 1846، فانقض على بلاد الجزائر ثانية،

عبد القادر الجزائري

حتى بلغ بلاد البربر. المجاهد عبد القادر الجزائري لكن قوة عبدالقادر كانت قد تناقصت، وأحاطت به الجيوش فأسرع إلى الحدود المراكشية، ولما رأى إخوانه المسلمين تواطؤاً مع فرنسا ضده سلم نفسه للفرنسيين في1847، وسجن ثم ذهب إلى الأستانة وفي عام 1855 ذهب إلى دمشق، وكان منزله مقصداً للناس، وقضى بقية حياته في مباحثة العلماء، وإسداء الخيرات، والاشتغال بالذكر والعبادة وتوفي 1883.

وبعد المجاهد عبد القادر حارب الشعب سياسة التفرقة الطائفية برفع شعار «الإسلام ديننا، والعربية لغتنا والجزائر وطننا» الذي أعلنه العالِم عبد الحميد بن باديس، ورأى المصلحون من أبناء الجزائر في ظل فشل حركات المقاومة، أن العمل يجب أن يقوم –في البداية- على التربية الإسلامية لتكوين قاعدة صلبة يمكن أن يقوم عليها الجهاد في المستقبل، مع عدم إهمال الصراع السياسي فتم تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

عام 1931 م بزعامة ابن باديس، التي افتتحت مدارس لتعليم ناشئة المسلمين، وهاجم ابن باديس الفرنسيين وظلمهم، وشنع على عملية التجنس بالفرنسية وعدها ذوبانا للشخصية الجزائرية المسلمة، وطالب بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، وأثمرت هذه الجهود عن تكوين نواة قوية من الشباب المسلم يمكن الاعتماد عليها في تربية جيل قادم.

ابن باديس 

عملت فرنسا على تذويب الشخصية الجزائرية وسلخ الجزائر عن هويتها العربية والإسلامية. ولعبت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس أكبر الأدوار في مواجهة الغزو الثقافي الفرنسي , وتمكنت من إنشاء مدارس عربية وإسلامية في مناطق عدّة في الجزائر , وكان لها الفضل في الإعداد للثورة الجزائرية التي دحرت فيما بعد الاحتلال الفرنسي عن الجزائر .

--------------------------------

[1] موقع ستارتايم

[2] الموسوعة الحرة

[3] موقع http://choob.yoo7.com

[4] المصدر: منتدى الشعوب – 18/6/2011

[5] الموسوعة الحرة

[6] منتدى الشعوب - د. السعيد عواشرية.

[7] مقال للدكتور عبد الاله بلقزيز- كاتب مغربي معاصر حاصل على شهادة دكتوراة الفلسفة من جامعة محمد الخامس بالرباط. ويشغل منصب أمين عام المنتدى المغربي العربي في الرباط، وهو أيضاً مدير الدراسات في «مركز دراسات الوحدة العربية» في بيروت سابقاً.

[8]الاستعماريةأو الكولونيالية بالإنجليزية: Colonialism) تطلق على السيطرة والتأثير الذي تفرضه الدولة المستعمرة على الكيان التابع لها، والنظام أو السياسة التي تنهجها للحفاظ على السيطرة. وتأتي مرادفا للإمبريالية.

[9] الحوار المتمدن 7/7/2010الفرانكفونية ايديولوجية استعمارية في عهد ما بعد الكولونيالية - الاستعمار الثقافي كبديل للاستعمار العسكري

[10] الفرانكفونيّة : رابطة تضمّ الدول والشعوب التي تتحدث الفرنسيّة كلغة رسميّة أو حتى لغة عادية ، وقد ظهر هذا المصطلح لأوّل مرّة في القرن التاسع عشر – موقع المعاني

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف