البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 7 / 2014  |  1048الفرصة اليمنية في سوريا وصعود الدائرة الشيعية

ريا نوفوستي أندرو كوريبكو 22 أيلول 2014
الفرصة اليمنية في سوريا وصعود الدائرة الشيعية

استقال رئيس الوزراء اليمني نتيجة صفقة أُبرمت بين الحكومة والحوثيين برعاية الأمم المتحدة. فبعد إبعادها طويل الأمد عن الحياة السياسية والاجتماعية، نظمت المجموعة التي تُعد فرعاً من الطائفة الشيعية نفسها من أجل مزيد من التمثيل على مر العقد المنصرم. وعلى الرغم من نفيها الرسمي لكل ما يُقال، لطالما اعتُبر الحوثيون وكلاء إيرانيين في شبه الجزيرة العربية. إن الأحداث الأخيرة في اليمن، التي تبدو بالظاهر غير مرتبطة كلياً بالحرب الدائرة في سوريا، تُعد بالغة الأهمية لناحية دق ناقوس الخطر لدى المتشددين الإقليميين الذين يُنفذون الإستراتيجية الأمريكية والسعودية ضد دمشق.

إن انضمام الحوثيين إلى الحكومة اليمنية وإظهارهم السريع والماهر للقوة والنفوذ في الآونة الأخيرة يضعان السعودية في موقع الدفاع الإستراتيجي. فالسعوديون لا يواجهون فقط احتمال قيام حكومة صديقة لإيران عند حدودهم الشيعية الجنوبية، بل من وجهة نظر إقليمية، يبدو أن إيران من خلال الحوثيين تعزز دائرتها الشيعية. وكل ذلك يصب في مصلحة سوريا، إذ أن السعوديين الآن يعيشون الحيرة بين مواصلة العمل العدائي لتغيير النظام في دمشق ومخاطرة مواجهة زعزعة استقرار بتنفيذ شيعي في الداخل، أو التفاوض مع إيران والتوصل إلى اتفاقية من شأنها تخفيف جميع التوترات.

 

الدائرة الشيعية

تخوض السعودية وإيران صراعاً على شاكلة الحرب الباردة من أجل النفوذ في الشرق الأوسط، مع محاولة الأولى قيادة الأغلبية السنية ودعم الثانية للأقلية الشيعية. وكجزء من المنافسة، كل طرف يناور بُغية تحقيق النفوذ في جميع الدول الإقليمية. فيوسع السعوديون نفوذهم على البلدان الخليجية عبر مجلس التعاون الخليجي بقيادة الرياض وحقق الإيرانيون المكاسب في ما يُسمى الهلال الشيعي بين إيران والعراق وسوريا. ولو أن هذا الترتيب الجيوسياسي بقي وحيداً في الشرق الأوسط، لكان النفوذ الإقليمي ظل منقسماً نسبياً بالتساوي، مع عدم قدرة أي من الجانبين على تحقيق المكسب على حساب الآخر. ولكن، كان بمقدور إيران تحريك النفوذ الشيعي "خلف خطوط العدو" في البحرين وشرقي وجنوبي السعودية واليمن. فهذا الهلال الشيعي العكسي، حين يلتحم مع الهلال الموجود، يُشكل دائرة شيعية للنفوذ الإيراني حول السعودية بهدف مواجهة المتمردين السنة المدعومين من السعودية والذين يُحاربون في سوريا والعراق.

 

اليمن كباب خلفي للسعودية

يُعد اليمن البلد الأفقر في العالم العربي ولطالما كان مركزاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة. وهو مجتمع منقسم تماماً ويتألف من جماعات كثيرة تتنافس على المصالح، بدءاً من الحوثيين الشيعة وأنصار الله، مروراً بإرهابيي القاعدة المتفرعين من المذهب السني ووصولاً إلى الإنفصاليين اليمنيين في الجنوب. وكان اتحاد الشمال والجنوب في اليمن عام 1990 سابقاً لأوانه، إذ أن الجنوب بقي غير متحمس وحاول الانفصال مرة أخرى خلال الحرب الأهلية عام 1994. بعد انتصار الشمال والحفاظ على اليمن موحداً، استمرت الحكومة الضعيفة بإدارة البلاد على نحو سيء وبقي اليمن يعاني من عدم الاستقرار.

بدأ الحوثيون انتفاضتهم ضد السلطات في العام 2004 ومنذ ذلك الحين قصفت الطائرات الحربية السعودية على نحو متكرر مواقعهم بالقرب من الحدود المشتركة. ويتخوف السعوديون من أن يقوم الحوثيون الذين يُشتبه بولائهم لإيران بنشر نفوذهم وأسلحتهم ومقاتليهم في المنطقة الشيعية المتاخمة في جنوبي السعودية، إضافة إلى زعزعة استقرار المملكة وتمدد خصمهم في الخاصرة الخلفية الرخوة. أتت أحداث الربيع العربي لتزيد من هذا التخوف، لأن الأقلية الشيعية بدأت بالتمرد في البحرين ذي الحكم السني، وفقط وحده التدخل العسكري الهائل ما أخمد التظاهرات بعنف، على الرغم من أن التظاهرات لا تزال مستمرة على فترات متقطعة ليومنا هذا. أضف إلى ذلك، المظاهرات الشيعية في شرقي السعودية أرعبت المملكة جراء التفكير بأن إيران قد تستطيع التأثير على الأحداث بشكل مباشر داخل حدودها، لذا زادت المملكة بسرعة من العطايا الحكومية إلى مواطنيها بُغية شراء همودهم.

 

الأحداث الأخيرة

في خضم كل تلك الأحداث، لم يحظ اليمن بالاهتمام المطلوب في الإستراتيجية السعودية. وعلى الرغم من أن الرياض خسرت نفوذاً نسبياً في تشرين الثاني 2011 حين استقال الرئيس علي عبد الله صالح الذي حكم لمدة طويلة وكان حليفاً للسعودية بعد مظاهرات واسعة النطاق ضد حكمه، بسرعة استعاد نائبه زمام الأمور واستمر إلى حد كبير في اتباع السياسة الموالية للسعودية التي انتهجها سلفه. لكن الخطأ في تلك الإستراتيجية كان مواصلة النشاط المعادي للحوثيين من قبل الرئيس الجديد عبد ربو منصور هادي والتقليل من شأن عزمهم السياسي وقوتهم ونفوذهم. فاستمر الحوثيون في تمردهم المطالب بمزيد من الحقوق والتمثيل، واستفادوا من رفع الأسعار الجديد للمحروقات مما أدى إلى السخط ضد الحكومة، ومن ثم نفذوا خطوتهم بسرعة في السيطرة على العاصمة. وألقوا باللوم على رئيس الوزراء لاتهامه بأنه من سبب الاضطراب الأخير ما دفعه إلى الاستقالة وادعى الحوثيون أنهم يريدون العمل مع هادي ولا يبغون إسقاطه. هذا الأمر أدى إلى كسب دعم الجيش، الذي لعب دوراً مهماً في منع إراقة الدماء على نحو واسع. حينذاك، رعت الأمم المتحدة صفقة سلام أدت إلى توسيع الحكومة فضمت ممثلين عن الحوثيين وأنصار الله والجنوبيين.

 

خطوط في الرمال

إن انتصار الحوثيين هو فعلاً انتصار لجميع الجماعات غير الممثلة، على الرغم من أنه يُعد هزيمة إستراتيجية للسعودية. فعبر إظهار قدرتهم على تغيير الأحداث السياسية بسرعة في البلاد وكسب دعم ضمني من القوات المسلحة، أظهر الحوثيون للسعودية أنهم قوة جدية يُحسب لها حساب. إضافة إلى ذلك، أدت الصفقة إلى تشريع نفوذهم داخل حكومة البلاد ما من شأنه أن يجعل الضربات الجوية المتقطعة في الصحراء الشمالية أمراً غير كاف لاحتوائهم. لذا إذا جاز التعبير يمكن القول إن خطوط الوكالة تُرسم في الرمال بين إيران والسعودية، مع إحراز طهران لنصر غير مباشر عبر النجاح المذهل للحوثيين في الآونة الأخيرة.

وبعد أن أصبحوا قوة شرعية في اليمن ويتمتعون بنفوذ قيادي على جيش البلاد، فتح الحوثيون (وإلى حد ما إيران) خاصرة خلفية إستراتيجية من الإضطرابات ضد السعودية. وتواجه الرياض الآن خطر انتقال النفوذ والقوات الحوثية نظرياً عبر الحدود الجرداء مع اليمن إلى داخل المنطقة التي يسكنها الشيعة هناك. الأهم أن أي انتفاضة شيعية في جنوبي السعودية ستفتح نافذة فرصة للشيعة في الجزء الشرقي من البلاد لإحياء انتفاضتهم، ما سيؤدي على الأغلب إلى رد فعل متسلسل من زعزعة الاستقرار داخل المملكة. بالطبع، هذا السيناريو يمكن تفاديه إذا ما توجه السعوديون (ولو سراً) للجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران.

 

صفقة كبرى

إن المصالح الآنية لإيران في هذا السياق هي الدفاع عن أمن الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في سوريا، وليس إسقاط المملكة السعودية، كما أن السعوديين لهم مصلحة في حماية بلدهم وحدودهم فوق أي اعتبار. وفي مواجهة وهم الانتفاضة المحلية بتأثير شيعي وإيراني كردٍ على الدعم العسكري للمتمردين السوريين، سيتعرض السعوديون بشكل واضح للتهديد. كما الاستقرار الهش لشرعية حكمهم قد ينزلق إلى حرب أهلية. إدراكاً منهم لهذا الأمر، سيبرم السعوديون صفقة مع خصمهم اللدود، إيران، بدلاً من خسارة سلطتهم أو أرواحهم. وهذا يعني أن الظروف تتهيأ أمام الخصوم الإقليميين للجلوس على طاولة التفاوض وتحقيق انفراج مؤقت.

وإذا لم يتحقق هذا الأمر، من غير المعروف بالضبط مجرى الأحداث بالتفصيل، لكن ما هو أكيد أن النفوذ الإيراني عند الباب الخلفي اليمني للسعودية والدعم السعودي للمسلحين المعادين للحكومة في سوريا سيكونان على رأس جدول الأعمال. يمكن الافتراض بأنه حتى إذا لم يمتنع الطرفان أبداً عن تقديم الدعم لحلفائهما الإقليميين بالكامل، قد يضعان سقفاً قصير الأمد لدعمهما من أجل إحراز تقدم في ملفات أخرى. على سبيل المثال، قد لا تتوقف السعودية واقعاً عن مساندة الإرهاب في سوريا والعراق، لكن يمكنها إعادة توجيه وكلائها المسلحين هناك للعودة إلى المحافظتين الجنوبية والشرقية والحدود اليمنية وربما إعادة التسلل إلى اليمن نفسه كحظر أمني. من جانبها، ستخفف إيران الدعم المُقدم للحكومة التي يُشارك فيها الحوثيون مُقارنة بمستواه الحالي، والاكتفاء بتشريع نفوذها وعدم هز القارب. في هذه الحالة، وبعد استدارة السعودية وإيران كليهما حول الآخر، قد تُعيد الرياض التركيز على القضايا الداخلية (وربما الوجودية) بدلاً من السعي وراء تغيير النظام في سوريا.

 

الاستنتاج

إن الأحداث الأخيرة في اليمن أخذت الكثيرين على حين غرة، لكن بعد التمعن نرى بأنه ما كان لها أن تكون مفاجئة. فالإيرانيون، الذين يتميزون بتاريخ يمتد إلى أربعة آلاف عام، هم خبراء في الردود اللا متناظرة على التهديدات التقليدية والإنقلاب الزائف في اليمن يجب أن يُرى على أنه رد على التحالف المتنامي المُعادي لسوريا واكتمال للدائرة الشيعية. والصعود السريع والمذهل للحوثيين من تحت وطأة المظالم السياسية والاجتماعية وتحولهم إلى عناصر مُهيمنة في الحكومة اليمنية الجديدة يضع السعودية في موقع دفاعي إستراتيجي وقد يؤدي إلى إعادة تبديل أولوياتها في السياسة الخارجية. فبدلاً من الهجوم لتغيير النظام في الشمال إلى موقف دفاعي في الجنوب من شأن ذلك أن يُخفف الضغط على الجيش العربي السوري ويُضعف إلى حد كبير من تحالف أوباما الساعي لتغيير النظام السوري. بالطبع، السعوديون لن يتخلوا بالكامل على الإطلاق عن دعم المسلحين الإسلاميين في سوريا، لكن إذا ما استخدمت إيران دعمها للحوثيين في اليمن من أجل الضغط على المملكة، قد يرشح عن ذلك صفقة إقليمية كبرى من شأنها أن تشتري المزيد من الوقت القيّم لنجاة سوريا.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف