البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 7 / 2014  |  1518أصدقاؤنا في الرياض

توبي جونز مجلة جاكوبين 22 تشرين الأول 2014
أصدقاؤنا في الرياض

يوم الأربعاء الماضي، أصدرت محكمة جنائية سعودية حكماً بالإعدام بحق الشيخ الشيعي نمر النمر، أحد المعارضين السياسيين البارزين في المملكة. وتبرر السلطات السعودية الحكم بأنه لدواع تتعلق بالأمن القومي. وحُكم على النمر لاتهامه بتهم ملتبسة لها علاقة بالتحريض على الفتنة، في محكمة أُسست من أجل النظر في القضايا ذات العلاقة بالإرهاب.

وكما هو حال القضايا غالباً في السعودية، ما له علاقة بحكم القانون والأمن القومي هو في أحيان كثيرة مسرح لكل ما يُنافي العقل. وحكم الإعدام، الذي قد يُخفف إلى حكم بالسجن لمدة طويلة، هو نتاج نظام يستند على الإقصاء السياسي، ونظام يُضحي بالبشر بُغية الحفاظ على السلطة المركزية وامتيازات النخبة.

كان النمر قد اعتُقل وحُكم بعد ذلك ليس أنه يُشكل خطراً على المجتمع السعودي، بل لأنه لمدة طويلة كان منتقداً لسياسة القمع وثائراً ضد التمييز الطائفي وقائداً لمظاهرات تطالب بإصلاح النظام السياسي الظالم. ولطالما كان النمر شخصية بارزة في دعم ما هو إلى حد كبير غير معروف، بينما ما يُعرف عنه أنه داعم بحق لحركة الاحتجاج المستمرة في المجتمعات ذات الأغلبية الشيعية في شرقي السعودية.

منذ العام 2011، وبعد فترة قصيرة من احتجاجات المواطنين ضد آل خليفة في بلد البحرين المجاور، خرج الشيعة السعوديون أيضاً إلى الشوارع. وفي ردها على المظاهرات، استخدمت السلطات الأساليب القمعية بوحشية وجرّمت عدداً كبيراً من المواطنين واتبعت إجراءات بوليسية بشكل عدائي في المجتمعات الشيعية، ولاحقت النشطاء أو اعتقلتهم أو قتلتهم.

لا يشكل النمر تهديداً إلا على النظام نفسه. فقمع الدولة المُغطى بلغة الأمن والفتنة هو مسعى واهن لتعتيم الحقيقة الأساسية. ونظراً لحجم التعبير عن الغضب ضد النظام، خصوصاً بالنسبة للطائفة الشيعية، من الجدير بالملاحظة أن المظاهرات في الشوارع لا تزال على وتيرة يومية منذ صدور الحكم بحق النمر.

بالطبع، حتى المراقبين العرضيين لسياسة السعودية من غير المحتمل أنهم متفاجئون بصدور قرار يقضي بإعدام رجل دين شيعي بارز. فبعد كل شيء، يُعتقد على نحو واسع أن السعودية مركز التطرف الديني والحقد الطائفي. وبالتأكيد لهو صحيح أن العداء للمذهب شيعي له تاريخ في السعودية.

فالشيعة، الذين يمثلون ما يُقارب الـ15% من سكان السعودية، لطالما استُهدفوا تاريخياً من قبل المتعصبين للدين والحكومة المركزية التي تعادل النظام الاستبدادي. والطائفة الشيعية تواجه التمييز المنهجي والإقصاء منذ التوسع الاستبدادي لآل سعود من وسط جزيرة العرب في أوائل القرن العشرين.

لكن الأوبئة الطائفية، حتى في السعودية، لها تاريخ خاص. وهي منتشرة إلى حد يصعب تخيله. وبالتأكيد إن الميل التمييزي أصبح أكثر تجذراً في الجيل الماضي، أما الجماعات الأسوأ في معاداة المذهب الشيعي، خصوصاً أولئك الذين يتبنون العنف ويدعمون أقلمة الحرب السنية الشيعية، فهي صغيرة لكنها أقلية قوية.

إن العداء للمذهب الشيعي اليوم ليس بالأغلب نتاج تفسير رجعي أو تعصبي للإسلام، أو ما يُسمى على نحو واسع بالوهابية، بل هو تلاق لعدة قوى سياسية، وأهمها وجود دولة هشة.

وجراء مواجهة عدد من التهديدات الداخلية والخارجية، كالسعي الإيراني من أجل النفوذ في الخليج وصعود السلطة الشيعية في العراق ما بعد الاجتياح الأمريكي والانتفاضة في البحرين والدولة التابعة في السعودية وأهم من كل ذلك تفشي مروحة من التحديات الداخلية أمام السلطة السعودية منذ العام 2003 بما في ذلك الفساد الرسمي المستشري وغياب الحقوق السياسية، جراء كل ذلك رد المسؤولون في الرياض بإشعال السياسية التمييزية المعادية للشيعة. وبدلاً من توسيع المشاركة وتحقيق المساواة، اندفع النظام نحو مزيد من السعي خلف سياسة التصعيد الطائفي.

بهذا المنحى، فإن الحكم ضد النمر لا يمت بصلة للأمن القومي أو هو انعكاس للشعور المتزمت المعادي للشيعة بقدر ما هو مؤشر على هشاشة النظام.

قد يُقال إن في التهديد وراء إعدام النمر تسعى الدولة إلى زرع الخوف عند المعارضين الشيعة الآخرين لمنعهم من تحدي سلطتها. هذا بالتأكيد صحيح، لكن النظام أيضاً يرمي اللحوم الحمراء لأسوأ الرجعيين داخل البلاد ويُشارك في سياسة الإلهاء وتقديم الشرعية السياسية للأشكال الحادة والسامة للطائفية التي تتفشى في كافة أنحاء المنطقة. والأثر الواضح أن العداء للمذهب الشيعي، في الداخل والخارج، سيستمر في كسب زخم أكبر، كما يبدو عليه الحال مع صعود الدولة الإسلامية في العراق والشام. والأدهى أن المناورة السعودية تستند أيضاً على إدراك واضح بأن الأشكال المحتملة الأخرى للاعتراض، ضد تهم الفساد أو الحالة الأمنية المتشددة، يمكن حرف الانتباه عنها عبر إشعال العداء ضد الشيعة والتضحية بأفراد شيعة.

إن التطرف في السياسة السعودية هو أيضاً سياسي-اقتصادي وجزء لا يتجزأ من "العلاقة الخاصة" للملكة مع الولايات المتحدة. فمنذ اندلاع الاضطراب في البحرين عام 2011، تواصل الولايات المتحدة دعمها للأنظمة العربية الاستبدادية في الخليج بدلاً من الدفع نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان. والتبريرات تتضمن الأولويات حول "الأمن" والحاجة إلى احتواء إيران وضمان تدفق النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية.

مع أخذ تلك الأولويات بعين الاعتبار، فإن عدم رغبة الولايات المتحدة لمواجهة دور السعودية في صعود الدولة الإسلامية، بغض النظر عن تعليقات وزير جون كيري والتي يبدو أنها تقر بهذا الأمر، تسمح للملكة بتصرفها المتناقض. ومهما كانت حدود القوة الأمريكية، الواقع الفعلي هو أن واشنطن لا تضغط أبداً على السعوديين لاشتراكهم في نشر التطرف ما بعد العام 2003 أو الإرهاب المعادي للشيعة.

بعيداً عن تلك المتناقضات، من المهم تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه حكومة الولايات المتحدة ورأس المال الأمريكي في تفشي الاستبداد وسياسة التمييز في السعودية في المقام الأول.

ينحدر النمر من قرية صغيرة تُدعى أوامية في المحافظة الشرقية للسعودية، مكان حيث للنفوذ الأمريكي جذور عميقة. مكان يقع في الشرق حيث تعيش أغلب الطائفة الشيعية في المملكة وحيث تنتشر معظم أبار النفط. وبالنسبة لنظام قلق بشأن التهديدات الداخلية، فتحديات الشيعة للسلطة لها معنى ليس من حيث المضمون بل من حيث موقعهم أيضاً. والحكومة الأمريكية ورأس المال الأمريكي يعي هذا جيداً.

على الرغم من أن المصالح السياسية الأمريكية والمشتركة قد تخلت عن السيطرة المباشرة على مصادر النفط السعودية في أوائل الثمانينات، لا تزال تلك المصالح موجودة في المحافظة الشرقية، حيث يعيش الشيعة، من أواخر الثلاثينيات ولمعظم القرن العشرين.

جراء التخوف من اليد العاملة المُعبأة سياسياً في منتصف القرن العشرين، نسقت شركة النفط العربية الأمريكية (المعروفة بتوظيفها لمسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية) على نحو وثيق مع مسؤولي السعودية من أربعينيات القرن الماضي ولغاية السبعينيات من أجل تأسيس نظام سياسي مركزي وتمييزي معاد للديمقراطية وللعمال وسعت إلى إنشاء هيئات منضبطة وطيعة في مكان حيث يفتقر فيه آل سعود كثيراً للشرعية السياسية. والنظام السياسي التي تسعى السلطات السعودية إلى فرضه من باب المحاكمات وعقوبة الإعدام هو إرث ذاك التعاون في القرن العشرين.

لم يعد صناع القرار الأمريكي يفكرون بمصالح شركة نفط أمريكية تتحكم بالنفط السعودي. لكن مصالح الولايات المتحدة العملانية والاقتصادية السياسية تغيرت كثيراً. منذ أواخر السبعينيات، في الواقع تلك الارتباطات تكاثرت، وأهمها مبيعات الأسلحة واشتراك المجمع الصناعي العسكري الأمريكي مع الثروة النفطية السعودية. فلا محرّك لتدوير البترودولار السعودي والخليجي أكبر من مبيعات الأسلحة الهائلة والباهظة. وتلك المبيعات تُبرر على نحو كبير في لغة الأمن واستحضار تهديدات إقليمية كصدام حسين وطهران بغض النظر عن ماهية النظام فيها. لكن في الحقيقة هي مربحة للغاية.

وفيما اتخذت في بعض الأحيان موقفاً معارضاً للسياسة الأمريكية على مر العقد المنصرم، تبقى الرياض ملتزمة بعلاقتها مع واشنطن. والعكس هو صحيح أيضاً. فصناع السياسة الأمريكيون لا يزالون يرون السعودية ضرورة لا مفر منها ليس لإظهار رغبتها في التغيير أو التطور نحو نظام سياسي أكثر تعددية ومسامحة، بل لأنها ليست كذلك.

من أجل الدفع نحو الديمقراطية في السعودية، أو حتى ببساطة نحو مقاربة أكثر أهمية لكيفية نشر المحاكم السياسية المحلية في الرياض للكوارث الإقليمية، لا بد من إيجاد فرصة إقامة حكومة لا تفضل احتياجات الطاقة الأمريكية على حساب مصالح مواطنيها. وتلك هي المخاطرة التي لا ترغب الولايات المتحدة ورأس المال الأمريكي بخوضها.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف