ملحق الرصد 9 - مراكز الدراسات والبحوث الغربية والعربية

ملحق الرصد 9 - مراكز الدراسات والبحوث الغربية والعربية

عنوان الملحق

مراكز الدراسات والبحوث الغربية والعربية

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

نعيش اليوم في أوقات هائجة حيث الثابت الوحيد هو التغير، وحيث ما لا يمكن تصوره قد أصبح واقعاً أسود، وحيث الخط الفاصل بين السياسات المحلية والدولية قد أصبح إلى حد كبير ضبابياً. إن وعد وخطر العولمة قد غيرا من كيفية نظرتنا للعلاقات الدولية وفتحا عملية صنع السياسية على مجموعة جديدة من الأطراف وجداول الأعمال والنتائج. في السياسة، المعلومات لا يمكن ترجمتها إلى عامل قوة ما لم تكن في الشكل الصحيح وفي الوقت المناسب. والحكومات وصناع القرار السياسي في أغلب الأحيان ينتهزون اللحظة لأن القوى الاجتماعية والسياسية تكون في نفس الاتجاه أو لأن أزمة ما تجبرهم على التصرف. في أي حال من الأحول، هم يتصرفون غالباً بسرعة ويتخذون القرار بالاستناد على معلومات متوفرة، لا تؤدي بالضرورة دائماً إلى السياسة الأكثر اطلاعاً. باختصار، صناع القرار السياسي والمهتمون الآخرون في عملية صنع السياسية بحاجة إلى معلومات تكون سانحة ومفهومة وموثوقة ومتاحة ومفيدة.

وهناك مصادر محتملة عديدة لهذه المعلومات، من بينها الوكالات الحكومية وأساتذة الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات الاستشارية والوكالات الدولية. لكن في البلدان في كافة أنحاء العالم، السياسيون والبيروقراطيون على حد سواء يلجؤون على نحو متزايد إلى مجموعة متخصصة من المعاهد التي تُلبي احتياجاتهم. والمؤسسات البحثية المستقلة والمنظمات التحليلية التي تُعنى بالسياسة العامة، تُعرف على نحو شائع بـ"مراكز الفكر"، تزود صناع القرار السياسي بالحاجة الشرهة إلى المعلومات والتحليلات المنهجية ذات العلاقة بالسياسة. هذه الحاجة إلى المعلومات أدت إلى تأسيس أولى مراكز الفكر- المعهد الملكي للشؤون الدولية (1920) ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (1910) ومعهد كايل للاقتصاديات العالمية (1914) ومؤسسة بروكينغز (1916)- في الجزء الأول من القرن العشرين ولا تزال القوة الأساسية وراء انتشار منظمات البحث في السياسة العامة ليومنا هذا. وحركة المجتمع المدني الدولي تساعد أيضاً في الحث على الاهتمام في مراكز الفكر باعتبارها مصدراً بديلاً للمعلومات حول قضايا ذات اهتمام دولي ووطني ومحلي وكناقد محتمل لسياسات الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية حيث باستطاعتها التحدث بصوت مستقل عن الحكومة والمجتمع التجاري.

في معظم القرن العشرين، مراكز الفكر المستقلة التي قامت بالأبحاث وقدمت النصح بشأن السياسة العامة كانت ظاهرة تنظيمية وُجدت بشكل أساسي في الولايات المتحدة، مع عدد أقل بكثير في كندا وأوروبا الغربية. ورغم أن مراكز الفكر وُجدت في اليابان لوقت ما، افتقرت بشكل عام إلى الاستقلالية وكان لها ارتباطات وثيقة بالوزارات أو الشركات الحكومية. لكن حصل انتشار حقيقي لمراكز الأبحاث في أنحاء العالم في الثمانينيات كنتيجة لقوى العولمة وانتهاء الحرب الباردة وظهور مشاكل تنتقل بين الأوطان. لكن ثلثي جميع مراكز الفكر اليوم تأسس بعد العام 1970 وأكثر من النصف تأسس منذ العام 1980.

إن أثر العولمة على حركة مراكز الفكر ملموس على نحو أكبر في مناطق كأفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب شرق آسيا، حيث كان هناك جهد حثيث من قبل المجتمع الدولي لدعم تأسيس منظمات بحثية مستقلة تُعنى بالسياسة العامة. ومن خلال مسح أخير أجراه معهد بحوث السياسة الخارجية حول هذا الجهد، تُلمس أهمية هذا الجهد ويثبت أن معظم مراكز الفكر في تلك المناطق تأسس في السنوات العشر الأخيرة. واليوم هناك 4500 مؤسسة من هذا النوع في كافة أنحاء العالم. وكثيرة هي مراكز الفكر التي تأسست خلال الحرب الباردة وتركز على الشؤون الدولية والدراسات الأمنية والأبحاث في السياسة الخارجية.

مراكز الفكر تتواجد تقريباً في كل بلد يتجاوز عدد ساكنيه بضعة ملايين وفيه القليل من الحرية الفكرية. وفي خلال معظم القرن الأخير، كانت الأغلبية العظمى لمراكز الفكر موجودة في الولايات المتحدة، لكن اليوم ولأول مرة يتجاوز عدد مراكز الأبحاث في العالم العدد الموجود في الولايات المتحدة. ومراكز الفكر اليوم تعمل بتشكيلة من الأنظمة السياسية وتنخرط في مروحة من النشاطات المرتبطة بالسياسة وتتضمن مجموعة متنوعة من المؤسسات التي لها أشكال تنظيمية مختلفة. وفيما تؤدي جميع مراكز الفكر الوظيفة الأساسية نفسها، أي جلب المعرفة والخبرة لدعم عملية صنع السياسة، ليست جميع تلك المراكز تحظى بالمستوى نفسه من الاستقلالية المالية والفكرية والقانونية. والتحدي الذي يواجه جميع مراكز الأبحاث هو كيفية تحقيق استقلاليتها والحفاظ عليها بحيث يمكنها بوح "الحقيقة للسلطة".

في الولايات المتحدة، يمكننا أن نجد جميع أنواع مراكز الفكر، فيما بقية العالم لديها مراكز أبحاث بمجال وتشكيلة أكثر محدودية. والمراكز خارج الولايات المتحدة تقع في ثلاث فئات أساسية- التابعة للجامعة والتابعة للحكومة والتابعة للحزب السياسي- ولا تحظى بالدرجة نفسها من الاستقلالية كنظيراتها الأمريكية.

بصرف النظر عن تركيبها، تصبح مراكز الفكر جزءاً ثابتاً من المشهد السياسي، وكذلك أيضاً هي الآن جزء لا يتجزأ من العملية السياسية في بلدان كثيرة. ومراكز الفكر من مختلف الأنواع تؤدي وظائف مختلفة كثيرة من بينها:

    - القيام بأبحاث وتحليلات حول المشاكل السياسية.

    - تقديم النصح بشأن المخاوف السياسية الفورية.

    - تقييم البرامج الحكومية.

    - تفسير السياسات لصالح وسائل الإعلام الالكترونية والمطبوعة، وبذلك تسهيل الفهم العام للمبادرات السياسية ودعمها.

    - تقديم مد من الشخصيات البارزة لصالح الحكومة.

فيما ظهور مراكز الأبحاث لم يكن دائماً يُنظر إليه من قبل المؤسسة السياسية على أنه إيجابي صرف، كان لتلك المراكز رغم ذلك الـتأثير الإيجابي الأكبر من السلبي على العملية السياسية. وهذا واضح بشكل خاص في كثير من البلدان النامية والانتقالية حيث لعبت مراكز الفكر دور المحفز على التغيير الذي ساعد في نقل المشهد السياسي وأدى إلى مجتمع مدني نابض بالحياة.

وأهمية مراكز الفكر تصاعدت جراء المفهوم بأنها قادرة في أغلب الأحيان على القيام بما لا يمكن للبيروقراطيات الحكومية أن تقوم به. بالتحديد، مراكز الفكر هي:

    - موجهة للمستقبل على نحو أكثر فاعلية مما يقوم به موظفو الأبحاث الحكومية الذين يعملون في بيئة حيث الجهود في جو من التعطيل الإبداعي نادراً ما تُكافأ.

    - ميالة أكثر لتوليد جداول أعمال سياسية مُصممة من جديد، فيما تنجح البيروقراطيات بالاعتماد على بيئة أمنية من الإجراءات العملانية المعيارية.

    - قادرة أكثر على تسهيل التعاون بين المجموعات المنفصلة من الباحثين من أجل هدف مشترك لأن ليس لديها مصلحة مكتسبة ثابتة في أي مجال.

علاوة على ذلك، تساعد مراكز الفكر التأليف الفكري الآتي من خرق الحواجز البيروقراطية لأنها:

    - أفضل من الوكالات الحكومية في نشر الأبحاث السياسية ذات العلاقة داخل الحكومة وخارجها لتصل إلى النخب السياسية والإعلام والرأي العام.

    - أفضل ملائمة للتعامل مع الطبيعة المتعارضة للقضايا السياسية العالمية.

    - أفضل قدرة على جمع وإشراك أصحاب الشأن في عملية صنع السياسة.

    - أفضل قدرة على تلخيص العملية السياسية- من جمع المعلومات إلى المعرفة/صنع السياسة.

    - أفضل قدرة على تخيل وسائل التنفيذ مما تتمتع به البيروقراطيات الحكومية التي قد تنقسم داخلياً بين قسم ومجال التخصص.

لغاية فترة ليست ببعيدة، افترض الباحثون والصحفيون أن مراكز الفكر ظاهرة أمريكية فريدة وأن تلك المراكز الموجودة في العاصمة واشنطن وحولها هي الأكثر تأثيراً. كلا الفرضيتان بحاجة إلى نقاش. أولاً، رغم أن الولايات المتحدة موطن بعض مراكز الأبحاث الأكثر شهرة في العالم، تظهر مراكز فكر بأعداد كبيرة في معظم البلدان النامية والمتطورة. في كندا وبريطانيا وأوروبا الغربية وكافة آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، أصبحت مراكز الفكر تتمتع بحضور أكثر سطوعاً في الأعوام الأخيرة. وبتمويل من المؤسسات الخيرية والشركات والمنظمات الدولية كالبنك الدولي والأحزاب السياسية، تصبح مراكز الفكر ظاهرة عالمية. 

ما يجعل مراكز الفكر في الولايات المتحدة فريدة، إلى جانب عددها الضخم، هو مدى مشاركتها بشكل فعال في عملية صنع السياسة. باختصار، ما يميز مراكز الفكر الأمريكية عن سائر نظيراتها في الأجزاء الأخرى من العالم هو ليس التمويل السخي التي تحظى به بعض تلك المراكز. بل قدرة المراكز الأمريكية على المشاركة بشكل مباشر وغير مباشر في عملية صنع السياسة ورغبة صناع السياسة لاستخدامها من أجل النصح السياسي الذي يدفع بعض الباحثين إلى الاستنتاج بأن مراكز الأبحاث الأمريكية لها الأثر الأكبر في رسم السياسة العامة.

مع استمرار تصاعد عدد مراكز الفكر في الولايات المتحدة وفي كافة المجتمع الدولي، سوف يكون هناك ميل للتخمين بأن تأثيرها سيتصاعد أيضاً. لا شك أن مراكز الفكر باستطاعتها ولها مساهمات قيمة في السياسة المحلية والخارجية. لكن سيبقى الباحثون يتساءلون عن حجم ذاك التأثير وما هي الوسائل الخاصة. والإجابة على تلك الأسئلة وغيرها ستسير بطريقة ما لتقدم تبصراً إضافياً عن دور ووظيفة تلك المنظمات ودورها في عملية صنع السياسة المحلية والخارجية.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف