البحث في...
عنوان المقطع
الملقی
محتوى المقطع
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عنوان المقطع : المحاضرة (5)

الملقی : الشيخ علي ديلان

تاريخ إضافة المقطع : January / 13 / 2022

عدد زيارات المقطع : 216

حجم الملف الصوتي : 12.372 MB

عدد مرات تحميل المقطع : 332

تحميل المقطع الصوتي

محتوى المقطع :
تكملة المحاضرة السابقة

وبهذا نعلم أنّ خطوة الملاحظة تتأتى على فرضية الإله، وذلك أن الملاحظ قد رصد وجود الكون وطرح فرضية الإله اللامادي  كأحد الفروض المحتملة في تفسير النشوء الكوني. ومن هذه الناحية يمكن أن يكون الإله المفروض ملاحظاً بشكل غير مباشر، ولذا اعترف الفلاسفة المحدثون والاتجاهات الأيدلوجية باستطالة الملاحظة بهذا المعنى على فرضيتنا.

ثم لك أن تقول: لا يجب في جميع الفروض العلمية أن تكون حسية بل الواجب أن تكون الظاهرة المراد تفسيرها شيئاً حسياً، أما في الفرض فلا يجب ذلك.

وأيضا نؤكد أن الملاحظة بهذا المعنى مما يقبل التكرار، وذلك من ناحية تكرر العلاقة بين الإله وهذه المفردة الكونية المنظمة، أعني (هذه القطعة المنظمة من الكون لها علاقة مع منظم) و(هذه القطعة المنظمة لها أيضا علاقة بمنظم) وهكذا..  فيكون التكرار في الملاحظة هو رصد تعدد التنظيمات، مع طرح فرضية الإله المنظم في كل واحدٍ واحدٍ منها.

والنتيجة أن فرضية الإله فرضية تخضع للملاحظة غير المباشرة، أي ملاحظة الظاهرة الحسية مع فرض تفسيرها من خلال فرضية الإله، أو نقول: إن فرضية الإله حتى تكون علمية -أو أي فرضية أخرى- لا يجب أن تخضع للملاحظة الحسية المباشرة وإنما الواجب خضوع نفس الظاهرة المراد تفسيرها للحس، وهذا الأخير هو الذي أراه أنسب في هذا الموضوع.

تطبيق الخطوة الثانية

وأما الخطوة الثانية (الفرضية) فهل يمكن أن تنطبق على فرضية الإله أو لا؟ والجواب، بالإيجاب، وذلك أن الفرضية العلمية هي ذلك الفرض القادر على تفسير الظاهرة الحسية، وبما أن فرضية الإله المصمم الذكي فرضية قادرة على تفسير نشوء الكون فيتوجب أن تكتسب العلمية في قبال فرضيات أخرى يمكن أن تطرح في قبال فرضيتنا.

وهل تنطبق شروط الفرضية العلمية على فكرة الإله؟ قد يتصور بأن بعض الشروط لا تنطبق على فرضيتنا ولكن الصحيح وفاقاً مع معظم الملاحدة أن الشروط جميعاً تنطبق على فرضية الإله، فمثلاً الشرط الأول (أن تكون الفرضية واضحة وغير مبهمة) يتأتى في فرضيتنا، لأننا لا نريد أن نتعرّف معرفة تامة على الفرض المفسِّر، بحيث نحيط به إحاطة تفصيلية وإنما غاية ما نطلبه ان نتعرف عليه كفرض له (قدرة على تفسير الظاهرة) ويكفي لذلك في بحثنا أن يكون الإله قادر بقدرةٍ تمكنه من إيجاد الكون، وعالم بقدرٍ يمكن من خلاله أن يبدع القوانين الكونية البديعة وصنع الحياة وما شابه ذلك.

ومن أجل هذا عبّرت الاتجاهات الإلهية الحديثة على فرضية وجود الله بفرضية (المهندس العظيم) ولعله اصطلاح أقتبس من كتاب (العهد القديم) كما في (سفر الحكمة ٢١:٧) (٢:١٤) و(سفر يوشع بن سيراغ ٢٨:٣٨).

وأياً كان فلا نحتاج إلى الإحاطة العلمية التامة التفصيلية بالفرضية المفسرة بقدر ما يجب أن نعلم أنها قادرة على تفسير الظاهرة، ولديها الصفات التي تمكنها من ذلك.

وأيضاً، إنّ الشرط الثاني من شروط الفرضية (أن يكون التفسير معقولاً) فيقال بشأن فرضيتنا ذلك، بل سيتضح أن الفرضيات الأخرى المطروحة في قبال فرضيتنا هي فرضيات غير معقولة وزائفة ولا يمكن أن تكتسب صفة العلمية ولكن مع ذلك سوف نتعامل مع الفرضيات الأخرى على أنها فرضيات علمية لا زائفة.

وأما الشرط الثالث، أعني ألّا تصطدم الفرضية العلمية مع الحقائق الثابتة علمياً وعقلياً فكذلك سوف يتضح بعد قليل أن ماعدا فرضية الإله هي فرضيات تصطدم مع الحقائق العلمية بل والانطباعات العلمية السائدة.

تطبيق الخطوة الثالثة

أما الخطوة الثالثة (اختبار الفرضية) بحسب تجميع الشواهد المؤيدة أو المعاكسة فهي أمر مسلم بين الإلهي والملحد وهنا بالتحديد يقع الاختلاف بين الاتجاهين فإنّ كلاً منهما - بشكل عام - يسلم بتطبيق الخطوة الأولى والثانية وبتوافق تام، وأيضاً أن كليهما يسلّم بتطبيق الخطوة الثالثة ولكنهم يختلفون في الإثبات والنفي.

اختبار الفرضية

بعد أن اتضح أن فرضية وجود الله تعالى فرضية علمية يقع التساؤل الآتي: هل إن اختبار الفرضية وتوظيف حساب الاحتمالات يقضي براجحيّتها أو لا؟ ويحسن بنا أن نجيب على سؤال سابق له ربط بسؤالنا وهو: متى لا يصح ترجيح فرضية الإله الذكي؟

والجواب: هناك موارد لو صحت لما أمكن ترجيح فرضية الصانع الذكي، وهي:

١- إن جاز أن يخرج الوجود من العدم الصفري، وإن (هذا الخروج من العدم) لهو أرجح من (أن يخرج الوجود بسبب وجودي)، فحينئذ يمكن أن يقال: إنّ فرضية الصانع هي فرضية غير راجحة.

٢- أن نعتقد - إذا تجاوزنا العقبة الأولى - بأن الكون بجميع أرجائه فاقد للنظام والقانون بالكلية بحيث لا نجد شيئاً منظماً بقانون، فعندئذ سوف نفتقد الشواهد المؤيدة لفرضية الإله الصانع الذكي بل ستكون الشواهد معاكسة لها تماماً.

٣- إذا كان الكون مليء بالعيوب بشكل كبير بحيث كنا نعلم أكيداً أنّ هذه العيوب لا يمكن أن تصدر من عليم حكيم فهذا أيضاً سوف يكون عائقاً من ترجيح فرضية الصانع الحكيم إذا ما تجاوزنا العقبة الأولى والثانية.

وجميع هذه الأمور خاطئة باتفاق السواد الأعظم، بل ان الأمر الأول والثاني قد أطبق الجميع ومن دون استثناء على بطلانه. فلا يوجد من يتفوه بإمكانية خروج الوجود من العدم الصفري، فضلاً عن أن يكون هذا النمط من الخروج هو الراجح، وهناك محاولة مؤسفة أظهرت هبوط التفكير الإلحادي في هذه المسألة طرحها (لورانس كراوس) – وهو من الملاحدة المعاصرين- في كتابه (كون من لا شيء) حاول فيها صنع مغالطة، خلاصتها: أنّه أوهم القارئ بأن الكون خرج من العدم، ولكن عندما أراد أن يفسر العدم فسره بالعدم الفيزيائي وهو يعني ببساطة شيء له وزن ولكنه ليس بمادي، وهذا بالإضافة إلى مجرد فرض غير مدعوم بأي شاهد بل أنه من الفروض الزائفة. نجد أن (كراوس) يعترف بأن العدم الصفري (اللاشيئية) لا يمكن أن يخرج منه وجود فهو من ناحية يوهم القارئ خروج الكون من العدم، ولكن عندما يتحدث عن العدم لا يريد منه العدم المقصود (الصفري) فيصنع نوعاً من المغالطة اللفظية الموهمة للقارئ.

وأيضاً، فإنّ الأمر الثاني على خلاف ما أطبق عليه علماء الفيزياء والعلوم ذات العلاقة التي أثبتت بوضوح النظام الكوني ودقة قوانينه المستطيلة على الكون بجميع مفرداته وتفاصيله، وهكذا أقرّ علماء الطبيعة والبيولوجيا مكرراً بأنّ تطوّر العلوم كفيل بتفسير كثير من الأشياء غير معلومة الفائدة ولا أحد يجزم بعدم فائدة شيء، بل العلم دائر بين أشياء قد اكتشف فائدتها وأخرى لا يعلم فائدتها لا أنه يجزم بعدم فائدتها.

أضف إلى ذلك أنّ العلم اكتشف التناسق الكوني والطبيعي والحياتي والنفسي في كثير من الموارد مما يعني عدم صحة الأمر الثالث المذكور. ونحن يكفينا خطأ الأمر الأول أعني ما قيل فيه بجواز خروج الوجود الكوني من العدم الصفري من اجل اثبات مرامنا.

والنتيجة: إنّ الأمور التي إذا قدّر صحتها سوف تثبت عدم راجحية فرضية الإله، قد تثبت فسادها. وبالتالي كل فرضية أو ادعاء من هذا القبيل بحيث يطرح بهدف اثبات عدم صلاحية فرضية الإله للراجحية فهو مردود بما ذكرناه.

تطبيق المنهج على الفرضية

 الآن نحاول أن نوظّف الحساب الاحتمالي في ترجيح فرضية الإله، ويكون ذلك عبر تطبيق هذا المنهج على موارد كثيرة وكل مورد يجب أن يحمل مجموعة من الشواهد الصالحة للترجيح، ولكن بما أن الموارد كثيرة جداً فنحاول الاقتصار على واحد أو بعض منها مراعاة للوقت. ولكن على سبيل الإجمال أن أهمها ثلاثة:

١- بداية الكون.

٢- قوانين الكون.

٣- دقة النظام العام.

حيث يقع الحديث في المورد الأول في تفسير بداية الكون، وفي المورد الثاني في دلالة القوانين الكونية وما يتفرع عنها من قوانين أخرى الكاشفة عن راجحية فرضية الإله على فرضية الطبيعة الصامتة، والثالث في دلالة ما يشتمل عليه النظام الكوني والأرضي من نظام كاشف عن وجود قوة واعية هي المسؤولة عن إيجاده.

بداية الكون

بداية نقول: إنّه يمكن في هذا الموضوع بالذات أن نوظّف الطريق الفلسفي والطريق العلمي.

أما الطريق الفلسفي (العقلي) فيكون عن طريق ما ثبت فلسفياً وهو محل اعتقاد جميع الملاحدة إلا الشاذ الذي لا يعبأ به من (استحالة خروج الأشياء من العدم) وإلّا كان معنى هذا رياضياً (1=0) لأنّ العدم يمثّل صفراً وجودياً فكيف يخرج من الوجود، وهذا الأمر عالي الوضوح ومن بديهيات العقل البشري. وتمثل هذه النقطة محل إحراج الملاحدة حيث إنّهم من جهة يؤمنون بمعطيات العلم الحديث وهو قد أقرّ بثبوت الانفجار العظيم وأن الكون له بداية ولكنه من جهة أخرى لا يتمكّنون من تفسير خروج الشرارة الأولى (البيضة الكونية) من العدم وفي الحقيقة أنّ هذا الطريق متين جداً ويشّكل عقبة كبيرة للإلحاد المعاصر.

وأما الطريق العلمي القائم على أساس حساب الاحتمالات فهو يتأتى بعد تجاوز عقبة خروج الأشياء من العدم والنظر إلى نفس (البيضة الكونية) المسماة بـ(النقطة المفردة) فإن هذه النقطة رغم ما نجهله عنها وعن حقيقتها إلا أن المؤكد هو استبطانها جميع القوانين الكونية سواء تلك التي اكتشفها الإنسان أو التي يسعى نحو اكتشافها.

 إذاً نحن أمام تركيبة معقدة من الوجود، وليس أي تعقيد بل التعقيد المتضمن لجميع ما يشتمل عليه الكون من مجرات وطاقات وثقوب سوداء وما إلى ذلك. ومن الواضح أن الباحث أمام فرضيتين إزاء هذا التعقيد العظيم إما أن يفترض ان هذا التعقيد منشؤه العدم الصفري إذا بنينا على جواز خروج الشيء من العدم. وأما أن يفترض أن منشأه المصمم الذكي فإذا أجريناها حساب الاحتمالات وتجميع الشواهد فمن الطبيعي أن ننتهي إلى نتيجة تكون في صالح فرضية المصمم الذكي (الخالق سبحانه) فإن كل جانب من جوانب التعقيد يشير إلى راجحية فرضية الإله وهكذا الثاني والثالث فتجتمع الشواهد وتتراكم على فرضيتنا المبحوث عنها فيتصاعد الاحتمال وترتفع القيمة الاعتقادية.

وبنفس هذه الطريقة يمكن تطبيق حساب الاحتمالات على الموردين الثاني والثالث مع بعض الاختلاف.

إشكالية دوكنز

هناك كلام للملحد المعاصر (ريتشارد دوكنز) في كتابه (الجديد من الانتخاب الطبيعي ٧٢-٩٢) يمكن تلخيصه بنقطتين:

١- إذا أمكن تفسير ظاهرة معيّنة بفرضية علمية مهما كانت قيمة هذه الفرضية فهو كافٍ بلا حاجة إلى الالتجاء للفرضيات الميتافيزيقي.

٢- إنّ وجود الإنسان وكل الكائنات الحية يمكن تفسيرها عبر فرضية التطور الاحيائي، وكذا أن الكون يمكن تفسيره عبر التطوّر الكوني، إذاً فلا حاجة إلى افتراض المصمم الذكي.

وفي الحقيقة: إنّه قد أوقع نفسه في مأزق خطير أمام المعنيين في هذا المجال، حيث أفصح طرحه في كتابه المشار إليه عن عدم فهم الرجل بتطبيق حساب الاحتمالات -أو أنه يتعمد سوء الفهم-، ذلك أن المتبع في ترجيح فرضية على اخرى هو الاعتماد على فكرة تراكم الشواهد وصعود القيمة الاحتمالية، ومجرد أنه يمكن تفسير الظاهرة بتفسير مادي لا يكون كفيلاً بإسقاط جميع الفروض الميتافيزيقية.

ولنسمع ماذا يقول في هذا الشأن لتعرف مدى ضآلة الطرح الذي يدعي انه طرح علمي قال في (الفصل٦/ من كتابه الانتخاب الطبيعي): لو افترضنا أن تمثال المرمر لمريم العذراء تحرك من اليمين إلى الشمال فلا ينبغي أن يفسّر ذلك على أن هناك أمراً غيبياً، فإنه من الممكن أن تفسّر ذلك بأن الجزئيات المختلفة في التمثال الصلب ترتطم أحدها بالأخرى باستمرار بشكل بحيث تحرك التمثال أو يد التمثال باتجاه واحد فتحرك اليد أو التمثال من اليمين إلى الشمال وهذا الاحتمال وإن كان ضعيفا جداً بما لا يمكن تخيله بحيث أن النسبة الاحتمالية من الضعف لا يكفي أن تكتب الأصفار بمقدار عمر الكون ولكنه يمكن ولو بهذه الدرجة الضعيفة وما دام كذلك فلا حاجة إلى افتراض التفسير الغيبي، هذا هو تلخيص كلامه.

ونلاحظ عليه:

 أولاً: إنّ بداية الكون لا تقبل أصلا احتمالية للفرضيات الأخرى لأنه كان عدما صفريا فكيف خرجا من العدم.

ثانياً: إنّ حساب الاحتمالات يرجح كما علمنا ما تكون الشواهد في صالحه وأما ما ذكره فهو مجرد ادعاء زائف لا قيمة له اذ كيف له أن يقصي فرضية نسبتها الاحتمالية أعلى من ٩٩،٩٪ لمجرد أن يكون هناك احتمالية للفرضية المادية.

ثالثاً: إنّ (دوكنز) نفسه يعتقد بأن فرضية حصول الحياة من الطبيعة الجامدة هي أكبر من عمر الأرض ولذا اضطرّ إلى احتمالية أن تكون البداية الأولى للحياة في الأرض من كائنات فضائية، وهو بهذا قد هرب من المطر إلى الميزاب!.

رابعا: انه خلط بوضوح بين التطور الاحيائي والتطور الكوني، فإن الأول ان كان ممكنا على اساس بعض القوانين البيولوجية فإن الثاني لا معنى معقول له اصلا لعدم تعقل التطور في الجانب الكوني الفيزيائي، إذ ليس هناك شيء واحد تطرأ عليه الظروف مثلا فيكيّف من نفسه بما يتناسب مع تلك الظروف. فإن كان ثمة نظام كوني موجود فلا بد ان يبحث عن سببه الحقيقي دون هذه التخرصات الزائفة.  
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف