البحث في...
عنوان المقطع
الملقی
محتوى المقطع
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عنوان المقطع : المحاضرة (1)

الملقی : الشيخ علي ديلان

تاريخ إضافة المقطع : January / 5 / 2022

عدد زيارات المقطع : 493

حجم الملف الصوتي : 8.353 MB

عدد مرات تحميل المقطع : 330

تحميل المقطع الصوتي

محتوى المقطع :
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وآله الطاهرين المعصومين.

لقد شغلت فكرة وجود الإله التفكير البشري منذ ظهور التساؤلات الأولى حول (الخلق) و(مصير الإنسان) و(مسؤوليّته في الحياة). كيف وجدنا؟ وما هي نهايتنا؟ وما الذي ينبغي أن يفعله الإنسان في مسيرته الحياتية وتعاملاته مع الآخر؟ وقد كانت هذه التساؤلات ولا تزال تُمثل الركائز المهمة والاصيلة للرؤية الكونية وأصول الأديان، ويُعبَّر عنها في علم الكلام المتعارف بـ(التوحيد) الذي هو موضوع التساؤل الأول، و(النبوة) وهو موضوع التساؤل الثالث، و(المعاد) وهو موضوع التساؤل الثاني.

وكان إلحاح الإنسان منذ الزمان الاول بالغاً ومستمراً في السعي نحو الحصول على إجابات شافية إزاء هذه التساؤلات، حيث قد دلّت على ذلك الآثار والتنقيبات والوثائق التأريخية المدوّنة أو المنقوشة على الحجر والجدران، ووجد العلماء المختصون في العلوم ذات العلاقة أنّ الحضارات سواء القديمة منها او المتأخرة، والشعوب البدائية والمدنية على طول مسار التأريخ قد تبنّت الاعتقاد بفكرة الإله بغضّ النظر عن كونه هو الإله الواحد الشخصي المُعبّر عنه بـ(الإله الإبراهيمي) أو الاله المتعدّد وفق الاعتقادات الشركية، أو كان آلهة جسمانية أو انه إله ماورائي ميتافيزيقي، فإنك تجد أن الانطباع السائد عند البشر هو الاعتقاد بالإله، ودونك مراجعة الدراسات المتعلقة باعتقادات الانسان وايمانياته ونشوء الاديان كتلك الباحثة عن عقائد ما بين النهرين –اولى الحضارات في العالم-  وعقائد مصر والشرق القديم، ونحوها[1] فرصدوا المعابد والالهة والاديان وبعض الشعائر والطقوس والحكايات وما شاكلها، مما يؤكد على قدم فكرة الاعتقاد بالإله الخالق والمدبر.        

    وفي الطرف الاخر تجد أن موقف المنكرين للاعتقاد بالآلهة يمثل الاعتقاد والموقف الطارئ الشاذ على الانطباع الإيماني البشري العام، والذي ينحسر ويمتد تبعاً للظروف والملابسات الحاكمة كإثارة الشبهات او ضعف الطرح الديني او مواجهة قوة اعلامية لا دينية ذات تأثير كبير على المتلقي او نحوها من العوامل التي قد تُؤثّر بشكل مضاد على الاعتقاد بوجود الله بل قد تكون عوامل مؤيّدة لهذا الطارئ الاعتقادي.

    إذا ما أردنا أن نرصد أهم المواقف البشرية إزاء فكرة وجود الله تعالى لا سيّما في العصور الأخيرة، وبعد غض الطرف عن سعة مساحة بعضها قبال المواقف الاخرى، نجد أنّها تتمثّل بما يأتي:

المواقف البشرية إزاء وجود الله تعالى

الاول: الإلحاد

 وهو موقف يتبنى الاعتقاد - الجازم أو الظنّي - بعدم وجود الله سبحانه أو أي قوى ماورائية كانت هي المسؤولة عن إيجاد الكون والحياة والإنسان، والملاحظ أنّ الملاحدة ليسوا على اعتقاد واحد وانما هم مختلفون من نواحٍ متعدّدة من قبيل الاختلاف في الأسباب التي قادتهم إلى هذا الاعتقاد فالملاحدة القدماء: كانوا يعتقدون بفكرة أزلية الكون المادي (أي ليس لهذا الكون بداية ولا نهاية)، وهذا الاعتقاد قادهم إلى الاستغناء عن فكرة الإله المُوجد والخالق.أما الملاحدة المُحدَثون: فإنّهم يعدّون الاعتقاد بفكرة أزلية الكون أقرب إلى الخرافة منها إلى الحقيقة، تبعا منهم لما هو مقرر في علم الكونيات الحديثة من الالتزام بنظرية الانفجار العظيم، وأما سبب إلحادهم فيعزونه لأسباب أخرى مثل: إمكانية تفسير كلّ الحوادث الكونية عبر الفروض والنظريّات العلمية المادية ممّا يعني أنه لا حاجة إلى افتراض وجود ما ورائي مسؤول عن الخلق وتسبيب الأسباب.

وكذا ان الملاحدة يختلفون من ناحية درجة اعتقادهم بالإلحاد، فالمعروف والمشهور شهرة عظيمة جداً في الأوساط الغربية أنهم ينكرون وجود الله سبحانه بدرجة ظنيّة، ويبقى عندهم احتمالية لوجوده تعالى وإنْ كان احتمالاً ضعيفاً، وفي مقام الموازنة يكون التقديم والعمل على الاحتمال الأقوى، فهم يقولون:

لو افترضنا فرضين: الأول: وجود الله تعالى وهو المسؤول عن هذا الكون، والثاني: إن القوانين الطبيعية هي المسؤولة عن هذا الكون، فإذا رجحنا أن المسؤول عن وجود هذا الكون هي الفروض المادية، وهذا الترجيح كان بنسبة 80%  مثلاً، فيقولون: في مقام العمل العقلائي نأخذ بهذه الدرجة الظنيّة، ونترك الدرجة (دون الظنيّة).   

  أما الملاحدة العرب فإنّهم يبدون جزماً ويقيناً بإلحادهم رغم أنّ الشبهات والإشكاليات التي يطرحونها ليست إلّا إشكاليات الملاحدة الغربيين، وما يطرحونه من استدلالات انما هي ادلة اولئك. وفي الحقيقة، ان الملحد العربي ونتيجة عوامل كثيرة ومعقدة يحمل في ذهنه ازدواجية غير متوافقة ولا متناسقة، إذ إنّه من جهة يدّعي اتباع المنهج العلمي وهذا المنهج - حسب ما هو معروف - لا يورث إلا الظن لأنه يعتمد على الاستقراء الناقص ومن جهة أخرى هو يجزم بإنكاره لوجوده تعالى، وربما سيأتي الحديث عن ذلك، وهذه الازدواجية لا تجدها بشكل عام عند الملحد الغربي، فمثلا ان (ريتشارد دوكنز) رغم تزعمه للمنبر الالحادي في هذا الزمان انه يحتفظ باحتمالية لوجوده تعالى، بل يقول:" نحن الذين في جانب العلم لا يجب ان نكون اعتقاديين بثقة"[2].

الثاني: اللاأدرية:

وهو موقف صامت تجاه الاعتقاد بوجود الله سبحانه والاعتقاد بعدم وجوده، ويمكن التعبير عنه أنه موقف (لا اعتقادي) ولذا يُعبّروا عن أنفسهم بـ(اللاأدرية) أي هو لا يدري هل أن الله تعالى موجود أو أنه غير موجود.

ويمكن أن نضع أصحاب (الموقف اللاأدري) على أصناف ثلاثة:

1. الصنف الأول: يعتقد أصحاب هذا الصنف أن الإنسان لا يملك الوسائل المعرفية القادرة على إمكانية إثبات الوجود الماورائي الميتافيزيقي.

2. الصنف الثاني: يعتقدون أن الإنسان يملك هذه الوسائل المعرفية إلّا أن المعطيات العلمية لم تتوفر بالشكل الكافي الذي من خلاله نتمكن من إعطاء موقف محدد.

3. الصنف الثالث: يعتقدون أن الإنسان يملك الوسائل المعرفية والمعطيات العلمية إلا أنه مبتلى من ناحية قوته العقلية او شدة التأثيرات النفسية، إذ إنّها دائماً ما تكون مبتلاة بسيل من التشكيكات والشبهات التي تجعلنا في حيرة من إبداء الموقف الاعتقادي سواء كان في صالح الاعتقاد بفكرة وجود الله تعالى أو ضدها أو أي موضوع آخر لا نمتلك إزاءه قناعة كافية.

والملاحظ أنّ اللاأدرية لا يمانعون من إمكانية إثبات وجود الله تعالى إلّا أنّهم لم يعثروا على الأدلّة الكافية لإقناعهم، ثم أنهم يختلفون من ناحية مدى انسجام موقفهم النظري مع الموقف العملي، فمثلاً هناك من يعتقد أيدولوجياً بموقف اللاأدرية ولكنه يلتزم من الناحية العملية بوجود الله تعالى والدين، وغالباً ما يؤمن عملياً بالدين الذي نشأ عليه، او انه لا ادري أيدولوجياً (نظرياً) ولكنه ملحد عملياً أو أنه لا أدري أيضاً عملياً، وهذه المواقف سوى الأخير غير متناسقة من الناحيتين الأيدولوجية والعملية وذلك بسبب تدخل الجانب النفسي وتأثيره على الموقف الايدولوجي فيفرض على نفسه التزاماً عملياً معيّناً.

وأول ظهور للاأدرية بشكل رسمي في جانبه الإفراطي (أي لا أدري في كل شيء) كان على يد بعض المدارس الشكية التي ظهرت في اليونان، زمن سقراط ويُعبّر عنه بمذهب الشك، إلّا أنه سرعان ما اندثر.

ومن ثم ظهرت (لا ادرية مفرطة) في أوروبا الحديثة بعد الانقلابات التي طالتها من ثورات صناعية وفلسفية وفكرية حيث ظهر الشك مرة أخرى ولكن بأسلوب آخر أخذ صبغة التحليل الفلسفي والعلمي. ولكن على وجه العموم ان عمدة ما اعتمدوا عليه في موقفهم السلبي من (حصول القناعات)، هو:

إن المعرفة إما أن تكون عن طريق العقل أو عن طريق الحس، وإن كلا الطريقين يخطئ، فلا وثوق بهما معاً، وأقاموا على ذلك الشواهد، وأيدوها بأدلة أخرى لسنا معنيين بها في هذه الأبحاث. وأما في هذا العصر فليست اللا ادرية هي لا ادرية في كل شيء بل في بعض الموضوعات دون بعض، ولكنها كإتجاه عرف عن اللاادرية تجاه فكرة وجود الله تعالى، فهو واقعي معتقد في معظم القضايا -أو كلها- ما عدا الميتافيزيقيا بينما هو لا أدري تجاه الماورائيات.

الثالث: الربوبية

وهو موقف يعتقد بالله سبحانه وبأنه هو الخالق لهذا الكون، إلا أنه لا يعتقد بمطلق الأديان، ويدعي أن الله تعالى قد اكتفى بما ألهمه للإنسان من عقل وفطرة أخلاقية تمكنه من تسيير حياته العامة مما يعني الاستغناء عن الأديان والأنبياء (ع)، وهم يرفضون التدخل الإلهي في حياة الإنسان رغم اعتقادهم بالله سبحانه بما هو خالق للكون بجميع مفاصله فلا يقبلون بالمعجزات ولا استجابة الدعاء ولا بالقانون الإلهي (الشريعة الدينية) ولا بالحساب والثواب والعقاب (المعاد) ولا بأي شيء يرتبط بمسألة تدخل الله سبحانه وتعالى في حياتنا و في مجال كوننا، ولهذا يُعبَّر عنهم أيضاً  بـ(اللادينيون).

لقد واجه الربوبيون عدة إشكالات حول الحكمة والغرض الإلهي من إيجاد الإنسان كجزء من الحياة المعقدة والكون العظيم، ولِمَ أنه لم يتدخل -أبداً- في حياتنا الفردية وسلوكياتنا ونزاعاتنا ومشاكلنا الاجتماعية والحروب الدولية والعالمية؟.

ثم ما هو مصير الإنسان المظلوم الذي قضى حياته البائسة ذليلاً مسلوب الحق وقد مات وهو على هذا السبيل؟ إنّ هذه التساؤلات وغيرها أحدثت اتجاهات داخلية في (الربوبية)، وكل ذهب إلى مذهب في ذلك.

والملاحظ أنّ الربوبي وخلافاً للملحد وللاأدري، يؤمن بإمكانية إثبات الوجود الإلهي وأن هنالك أدلة كافية لإثبات وجوده تعالى، إلّا أنه أنكر صحّة الأديان عبر عدم قناعته ببعضها كما حصل ذلك في أوروبا المسيحية حيث الاعتقادات اللاموضوعية والغريبة مثل: الاعتقاد بالثالوث المقدس وبإلوهية المسيح وهكذا، مما اوجب التشكيك في جميع الاديان.

الرابع: الدينية([3])

وهو الموقف السائد كما أشرنا آنفاً، ويعتقد أصحاب هذا الموقف بوجود آلهة لهذا الكون وبأن هذه الآلهة تتدخل في حياة الإنسان وفي الكون على المستوى القانوني (الشريعة) والمستوى الإثباتي العقدي كما في معجزات الأنبياء (ع) والمستوى الوجودي الفلسفي باعتبار أن كل ما عداه سبحانه مرتبط به مفتقر إليه بل وعلى المستوى الشخصي والاجتماعي كما في التدخلات الإلهية المتعلقة بقضايانا الشخصية حيث ندعو الله تعالى لقضاء حاجاتنا مثلاً أو رفع الابتلاء على بلدنا أو مجتمعنا هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّ هذا الموقف يعتقد بأن الجزء الأهم في مجمل التدخلات الإلهية هو إرسال الأنبياء (ع) و تنزيل الكتب من أجل التديّن بدين إلهي، وأيضاً إن من أهم أصول هذا الموقف - غالباً - هو الإيمان بوجود العالم الآخر بعد الموت حيث يقع الحساب ويأخذ كل ذي حق حقه.

ومن الواضح أن هذا الموقف الديني يتفق مع الموقف اللاأدري - على بعض اتجاهاته- من ناحية إمكانية إثبات وجود الله سبحانه، ويتفق مع الموقف الربوبية بأن الإنسان يمتلك الوسائل الكافية والقدرة الذهنية الناضجة للاعتقاد بوجوده تعالى.

 وبعبارة أخرى: يتفق الموقفان (الديني والربوبي) على نقاط ثلاث:

الأولى: إنّ الله تعالى كوجود ميتافيزيقي قابل للإثبات، وليس خفياً علينا بدرجة أنه لا يمكن للذهن البشري من الوصول إلى إثباته.

الثانية: إنّ الذهن البشري له قدرة إدراكية ناضجة تمكّنه من إثبات الماورائيات.

 الثالثة: إنّ هناك معطيات وشواهد وقواعد عقلية ومناهج منطقية كافية في حصول القناعة والإيمان بالوجود الإلهي.

ويختلف الموقفان في إمكانية إثبات نبوة الأنبياء (عليهم السلام) ومعجزاتهم وما جاءوا به من أديان وتعاليم إلهية.

والنتيجة: إنّ هذه المواقف الأربعة هي أهم ما يمكن أن يُطرح في مساحة الاختلاف إزاء فكرة وجود الله سبحانه.

 عبء الاثبات

    وإذا ما دققنا النظر في المواقف الاربعة سنجد أن في بعضها مزاعم وادعاءات، كما في الربوبية والالحاد والدينية، وفي بعضها الاخر مجرد مواقف دون تبني وجهة نظر اعتقادية كما في الموقف اللاأدري، وتجد ان كل فئة من اولئك تطالب الفئة الاخرى بالدليل وربما تدعي أنها هي الاصل الذي ينبغي ان يتبنى عند فقدان الادلة الاثباتية الموجبة لصحة الفكرة او السلبية النافية لها.

    لعلك كثيرا ما تسمع او تقرأ من بعض اصحاب هذه المواقف من ان عبء الاثبات ( أي: من تقع عليه  مسؤولية الاثبات) إنما يقع على الخصم ويعتبر نفسه غير مسؤول عن ذلك، فمثلا ان الملحد غالبا ما يطالب الالهي – الربوبي والديني- ان يثبت دعواه من وجود الله سبحانه في حين انه يجد نفسه غير مطالب بمسؤولية الاثبات وكأن الالحاد هو الاصل حين لا يتوفر الدليل على وجوده تعالى، ولا يصح الخروج عن هذا الاصل الا بتقديم ادلة كافية وموضوعية على اثبات وجود الله. او قد يدعي الالهي أن الاصل معه وان الالحاد هو الذي يحتاج الى دليل. وكل من الطرفين يحمّل الاخر مسؤولية الاثبات وينأى بنفسه عنها ما امكن له ذلك.    

والصحيح أنّ القاعدة المتبعة عقلائيا وعلميا في باب الجدل والنقاش الموضوعي هي أن الإدّعاء - كل إدعاء - يجب أن يكون مقرونا بالدليل الإثباتي، لان الادعاء ليس سوى ابراز فكرة غير واضحة بشريا وهو يستدعي لكي يتقبلها المتلقي ان تكون مشفوعة بالدليل والا فسوف يضحى مجرد ادعاء محض لا يحمل- بطبيعة الحال- قيمة علمية، إذ كل إنسان بإمكانه أن يدعي ما شاء من الدعاوى الزائفة ويثبت لنفسه اوصافا لا تليق إلّا بالآله ويدعي كل شيء على كل شيء.. إذن مجرد الدعوى من دون ان تقترن بالدليل لا قيمة لها وانما قيمتها تتناسب مع قيمة إثباتها تصديقيا.

    وهذا، إذا ما غضضنا النظر عن أهمية الإدعاء وخطورته التي قد تحتاج الى أدلة إثباتية أكثر. يقول (لابلاس): (إن الإدعاءات الإستثنائية تتطلب أدلة إستثنائية) فمن يدعي أنه رئيس قبيلة فإنه من الممكن إثبات دعواه بأدلة طبيعية كأن يسال أفراد القبيلة عن ذلك، أما من يدعي أنه (طبيب) فلا بد من إثبات دعواه في إبراز الشهادة الرسمية المصدرة من قبل الجهات الخاصة، ولكن من يدعي (النبوة) والاتصال بالسماء وهي دعوى غير عادية فإن الأدلة الاثباتية لها يجب أن تكون من الأدلة غير العادية.

الخلاصة:

أن من يدعي - أي إدعاء - فيتوجب عليه أن يقرن دعواه بالدليل، وهذا يعني أن عبء الإثبات يقع- كما أشرنا - على الإلهي والملحد على حد سواء.

وأما الموقف اللاأدري فهو يمثل القاعدة والأصل حيث لا يمتلك الباحث الدليل على الإثبات، كأن يفرض أن أدلة الإلهيين والملاحدة جميعا لم تنفع في تحصيل القناعة له فحينئذ له أن يتخذ( اللاأدرية) موقفا يلتزم به لا أن يصحح الإلحاد - مثلا- لمجرد أن الإلهيين لم يتمكنوا من اقناعه، وقد حاول بعض الملاحدة – عن قصد او دون قصد- ان يوظف بعض المغالطات لترسيخ فكرة ان البرهان واقامة الشواهد انما هي مسؤولية الالهي واما غير المؤمن فليس على عاتقه مسؤولية اثباتية كما فعل (ريتشارد دوكنز) في كتابه (وهم الاله ص28-29).

هذا كله في تأصيل القاعدة عند فقدان الدليل الإثباتي. وأما ما هو حجم المسؤولية الإثباتية إزاء الدعاوى؟ بمعنى اخر: نحن اوضحنا ما هو المقصود بعبء الاثبات. وقلنا: انه مسؤولية اقران الدعوى بالدليل، اما الان فنتساءل عن حجم وثقل هذه المسؤولية على من تقع؟ ونخص بالذكر ما يتعلق بمبحثنا، أعني (وجود الله تعالى). فهل يمكن أن يكتفي الباحث بدليل واحد يثبت به دعواه؟ وهل له أن يغض النظر عن الأدلة الإثباتية التي يقيمها الطرف الآخر؟ أو يجب عليه أن يلاحظها ويقارنها مع ما لديه من معطيات وشواهد؟

--------------------------------

[1]مدبولي،1995 - راجع: مظهر، سليمان، قصة الديانات، مكتبة

[2] دوكنز، ريتشارد: وهم الاله، ترجمة بسام البغدادي، اصدار تجريبي، 2009، ص56

([3]) لا يختلف هذا الموقف عن موقف الربوبية من ناحية فكرة وجود الله تعالى وإنما عزلناه لتباين الاتجاهين.
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف