البحث في...
عنوان المقطع
الملقی
محتوى المقطع
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عنوان المقطع : المحاضرة (4)

الملقی : الشيخ علي ديلان

تاريخ إضافة المقطع : November / 17 / 2021

عدد زيارات المقطع : 276

حجم الملف الصوتي : 29.253 MB

عدد مرات تحميل المقطع : 690

تحميل المقطع الصوتي

محتوى المقطع :
بسمه تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وآله الطاهرين المعصومين(ع)..

ويحسن بناء أن نُجمل ذكر بعض النظريّات تمهيداً لذكر رؤية القرآن الكريم وتوضيحاً لها:
1- النظريّات العنصرية: وهي نوع من النظريّات التي لا تنظر إلى الكلّ الإنساني نظرة واحدة، وإنّما تعتقد بوجود فارق حقيقي عنصري بين أفراد البشر، وأنّ الإنسان على الرغم من أنّه يمثّل الموجود الأعلى مركزاً من بين الكائنات الحية إلّا أنّ هذه الأعلائية ليست ثابتة للجميع، ومن أهمّ هذه النظريّات العنصرية:
النظرية النازية: وهي نظرية تعبّر عن أيديولوجية معيّنة مركّبة من توجّهات فكرية خاطئة وسياسية كانت السبب في الاعتقاد أنّ العنصر (الآري)- وهم في الأصل مجموعة من الشعوب المتحدّثة باللغة الأوروبية الهندية القديمة - هو عنصر متميّز ويمثّل أعلى الأعراق البشرية ويتوجّب على جميع الأعراق أنّ تمتثل له وتطيعه من أجل أن تأخذ بتلك الأعراق إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، فيما إذا كانت الأعراق قابلة للتطوّر والتحسين، وأنّ هناك أعراقاً لا بدَّ من أن تخضع للتطهير العنصري فيما اذا لم تكن قابلة للاصلاح  كالعرق السامي.
نظرية الشعب المختار: وهي نظرية عنصرية دينية ظهرت على يد اليهود، وقد تمثّل هذا بوضوح في كتاب (التلمود) وبعض النصوص التوراتية التي أشارت إلى أنّهم أبناء الرب، وتعتقد هذه النظرية أنّ العرق اليهودي هو أعلى باقي الأعراق ويجب أن يحكم العالم، كما تؤمن هذه النظرية بالتطهير العرقي وتعتبر بعض الأعراق البشرية أو جميعها على حدّ الحيوانات ويطلقون على كلّ شخص خارج دائرة العنصر اليهودي بـ(الجوييم) ويعني الأجانب والغرباء جاء في (سفر إشعياء -/٥-٦): (ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم - أمّا أنتم فتدعون كهنة الرب تسمّون خدام إلهنا، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون)، وكان هناك تطرّف كبير في كتاب (التلمود) لتركيز هذه الفكرة.
وهناك أيضا أنواع أخرى من العنصريّات كالعنصرية اللونية والقومية ونحوهما.
لقد رفض القرآن الكريم كافّة انواع النظريّات العنصرية سواء تلك القائمة على أساس التوجّهات الأيديولوجية والسياسية كالعنصرية النازية، أو تلك التي نادى بها بعض أهل الأديان من اليهود وبعض النصارى، قال القرآن المجيد: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي ‌خَلَقَكُم ‌مِّن ‌نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ)([1]) و (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا ‌خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ)([2]) فجعل سبحانه معيار التفاوت الإنساني على اساس (التقوى) والقرب الإلهي، وأيضا أجاب القرآن عن التمايز العرقي اليهودي بقوله تعالى: (وَقَالَتِ ‌ٱلۡيَهُودُ ‌وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ)([3]).
وأيضاً قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في مقام رفض الانحياز والتعصّب لفئة دون فئة: (فإنْ كان لا بدّ من العصبية فليكن تعصّبكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور).

2- النظريّات الباطنية : وأقصد منها تلك النظريّات التي تركّز على الجانب الروحي من الإنسان، وتنظر إلى حياة الإنسان بتمامها على أنّها علاقة ضيّقة شخصية بين الفرد وربّه من دون أن يكون هناك أيّ اهتمام بالإنسان الآخر أو الارتباط بعلاقات أخرى وقد تصل بعض الاتّجاهات في داخل هذه النظرية إلى موقف متطرّف وذلك بالانزواء عن كامل الحياة والاستغراق بالعزوبية والانشداد إلى العالم الإلهي من خلال ممارسات التصوّف الروحية، بل حتّى أكثر هذه النظريّات اعتدالاً عندما يعايش المجتمع والكائنات الأخرى فإنّما هو على سبيل أنّ هذه المخلوقات هي مظاهر الإله ومخلوقات الرب.
ويتبنّى هذه النظريات كثير من المسيحيين والبوذية وبعض المتصوّفة المسلمين، وقد حارب القرآن الكريم هذا النوع من الأفكار فقال: (وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ)([4])، بل قرّر القرآن الكريم أنّ رسالة الإنسان في الحياة ليست حبيسة الممارسات الروحية فقط، بل لم أجد في باب تفضيل الأعمال ولا رواية واحدة تنصّ على أفضلية عبادة على خدمة الإنسان أو سعادته أو قضاء حاجته أو السعي في طلب العلم، وهناك روايات كثيرة تؤكّد أفضلية السعي في قضاء حاجة المؤمنين، وإقامة العلاقات الاجتماعية، وصلة الأرحام، ونحو ذلك، على العبادة.

3- النظريّات المادية الإلحادية: وهذه النظريّات مختلفة في موقفها من علاقة الإنسان بما حواليه وهل يحمل رسالة في الحياة أو لا يحمل، ويمكن تصنيف جميع - أو معظم - هذه النظريّات إلى اتّجاهين:

أ - اتّجاه يرى أنّ الإنسان -بل الحياة جميعاً- لا يحمل غاية ولا هدف، وليس له رسالة، وإنّما تُؤسَّس علاقة الإنسان بالإنسان من خلال نظريّات اضطرارية وليست قيمية، فمثلاً أنّ الفيلسوف الشهير (برتراند رسل) يقول: إنَّ الأخلاق في ذاتها ليست ذات قيمة، ولكنّنا نضطر إلى السلوكيّات الأخلاقية حتى لا نقع نحن في المأزق، ويضرب مثالاً على ذلك: (أنّي لا أسرق بقرة جاري حتى لا يسرق المجتمع بقرتي) ويعني بذلك أنّ تشريع إباحة السرقة سوف يؤدّي في نهاية المطاف إلى خسارتي كشخص.
ووفق هذه النظرية أنّ الإنسان إذا كان في مأمن من خطر المجتمع فإنّ له أن يفعل ما يشاء بزعم أنّ الأخلاق ليست لها قيمة إلّا الخوف من الخسارة إزاء المجتمع الذي أُواجهه.

ب - اتّجاه يرى أنّ الإنسان هو الأساس والمحور، ولكنّه لا يُقصد من ذلك الإنسان كنوع، وإنّما الإنسان كشخص، وأنّ رسالة الإنسان في الحياة تتمثّل بأن يستثمر كل ما في الأرض، سواء من الطبيعة أو الكائنات الحية الأخرى أو أفراد الإنسان ما دام أنّ هذا يجلب السعادة له، وعلى هذا الأساس تُشرّع كثير من دساتير وقوانين الدول.
لقد رفض القرآن الكريم هذين الاتّجاهين وقرّر أنّ الأخلاق والقيم العالية التي هي محلّ توافق بشري أساس التعامل الفاضل والسلوك الحسن وعليها ينبغي أن تبتني القوانين، فإنّ كان (برتراند رسل) رفض الأخلاق إلّا بدافع من الخوف، فإنّك تجد القرآن الكريم يقول: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ ‌يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ)([5])، وقد أمر الله تعالى في كتابه الإحسان للوالدين ولذي القربى واليتامى والمساكين والقول الحسن للناس: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ ‌حُسۡنٗا)([6]) وغير ذلك من مكارم الأخلاق.
ومن هذه الآيات وغيرها والروايات الكثيرة نعلم جيداً رفض الرؤية الإسلامية للأخلاق الفردانية التي تجعل من الأفراد هم صُنّاع الأخلاق.

4- نظرية الخلافة العامّة للانسان: وهذه النظرية تؤكّد سيادة الإنسان على الأرض بما تحمل من وجود طبيعي وأحيائي.
وهي رؤية القرآن الكريم حيث نظرت للإنسان نظرة ثنائية، فهو من جهة خليفة الله تعالى في الأرض ومن جهة أخرى هو المسؤول عن إعمار الأرض المادّي والأخلاقي وهذا يعني أنّ هناك امتيازا من ناحية خلافته وهناك مسؤولية من ناحية اعماره الارض وقد تمثّلت هذه الرؤية بآياتٍ كثيرة نذكر منها:
ﵟوَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ ‌خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ (([7]) ﵟثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ ‌خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ)([8]) وفي الآيتين تنصيص على خلافة الإنسان على الأرض، ومثلها آية (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ ‌خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ)([9]).
ومن الآيات التي تحظى بأهمية بالغة في هذا الموضوع آية (إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ ‌خَلِيفَةٗۖ)([10])، وقد دار حوار معروف بين الله تعالى والملائكة في هذا الشأن.
 كما أنّ هناك آيات أخرى أكّدت مسؤولية الإنسان في حفظ الأرض والاستفادة منها وإعمارها والعيش وفق الحياة الهادئة، قال تعالى: (وَلَقَدۡ ‌مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَۗ)([11]) (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ ‌وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا)([12]) وغير ذلك من الآيات الشريفة.
وقد نظر القرآن لهذه الخليفة بمنظار متساوٍ بين جميع أفراده فلا فرق بين الأعراق ولا فرق بين الألوان ولا بين القوميّات ولا حتى بين الذكر والأنثى فكلّ النوع هو خليفة الله تعالى، وكلّهم مسؤولون عن إيجاد الحياة الكريمة، وهذه النظرة العادلة بين أفراد الإنسان قد قرّرها القرآن العزيز بقوله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ‌نَّفۡسٖ ‌وَٰحِدَةٖ ‌وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ)([13])، وأيضاً قد قرّر القرآن الكريم مسؤولية الإعمار والحياة العادلة بقوله تعالى: (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ‌ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ)([14])، وقال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ‌ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا)([15]).
----------------------------------
[1] النساء / 1.
[2] الحجرات / 13.
[3] المائدة / 18.
[4] (الحديد /27)
[5] النحل / 90
[6] البقرة / 83.
[7] الانعام / 165.
[8] يونس / 14.
[9] فاطر / 39.
[10] البقرة / 30.
[11] الأعراف / 10.
[12] هود / 61.
[13] النساء / 1.
[14]  الملك / 15.
[15] النساء / 58.
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف