البحث في...
عنوان المقطع
الملقی
محتوى المقطع
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عنوان المقطع : المحاضرة (2)

الملقی : الشيخ علي ديلان

تاريخ إضافة المقطع : November / 17 / 2021

عدد زيارات المقطع : 820

حجم الملف الصوتي : 12.161 MB

عدد مرات تحميل المقطع : 480

تحميل المقطع الصوتي

محتوى المقطع :
بسمه تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وآله الطاهرين المعصومين(ع)..

المحور الأول
 المنهج والمصادرات.
يُعرّف المنهج بأنّه طريقة يتبعها الباحث في تحليل وتحقيق موضوع معين، ويجب أن تكون هذه الطريقة عامة يمكن توظيفها في موارد مختلفة، فمثلاً الطريقة الاستدلالية المتبعة في إثبات أنّ حبّة الأسبرين لعلاج الصداع هي ذات الطريقة المتبعة في تحقيق وإثبات أنّ الفيروس الفلاني هو سبب المرض الفلاني، وتعتمد هذه الطريقة على ملاحظة وتتبّع المؤيدات والشواهد الإثباتية أو على تكرار التجربة مرات عديدة والنظر إلى موارد فشل التجربة أعني أن نجرّب مثلا حبّة الأسبرين ولكن لم نلحظ ارتفاع الصداع.. فنخرج بعد ذلك بنتيجة نهائية.
وهذه الطريقة المتبعة والمعتمدة على التتبّع والاستقراء يسمى بـ(المنهج الاستقرائي) وكما تلاحظ، أن هذا المنهج يمكن توظيفه في موارد مختلفة ومتباينة مثل المثالين أعلاه، وكذا مثل العلاقة بين الحرارة وتمدد الماء، أو العلاقة بين الفقر واضطراب الأمن وهكذا.

وهناك مناهج رئيسة أهمها اثنان:
الأول: المنهج الاستقرائي، ويُوظّف في علوم مختلفة من قبيل علم الفيزياء والكيمياء والأحياء ونحو ذلك من العلوم الطبيعية، وكذا في علم النفس والاجتماع والاقتصاد وغيرها من العلوم الإنسانية، وأيضاً يُوظّف في بعض مسائل علم الكلام والفقه وغيرهما من العلوم الدينية.

الثاني: المنهج العقلي، ويسمّى بالمنهج الاستنباطي وهو طريقة يتبعها الباحث لا تعتمد على التتبّع والملاحظة والتجربة، وإنّما تعتمد بشكل كامل على التفكير العقلي مثل علم الرياضيات، فإنّ جميع الاستنتاجات فيها خاضعة للطرق العقلية، وأيضاً بعض مسائل علم الكلام من قبيل إثبات وجود الله تعالى عن طريق دليل الحدوث أو الإمكان -مثلاً- ومن العلوم التي تعتمد المنهج العقلي علم الفلسفة.
هذا فيما يرتبط بالمناهج، ونريد الآن أن نؤكّد بأن بحثنا (نظام الخلقة وخلافة الإنسان) يخضع في بعض جهاته للمنهج الاستقرائي وفي البعض الآخر للمنهج العقلي، مثلاً: لكي نثبت أنّ الوجود الإنساني وجود مركب من حقيقتين، هما الوجود المادي والوجود النفسي (الماورائي)، فهنا وظّف علماء الكلام والفلاسفة المنهج العقلي لإثبات الوجود النفسى.
وأما بالنسبة إلى خلافة الإنسان فالمنهج المتبع فيه من أجل اكتشاف الرؤية الدينية هو المنهج الاستقرائي. وقد تسأل عن طريقة تطبيق هذا المنهج في هذه المسألة؟ والجواب يتمّ ذلك من خلال تتبّع النصوص الدينية من الآيات الشريفة والروايات الصادرة من الهداة المعصومين (عليهم السلام) والخروج بعد ذلك بنتيجة تمثّل الموقف الديني منها طبقاً للمنهج الاستقرائي.
وأما المصادرات فهي جملة من القضايا والمبادئ التي يجب افتراضها ثابتة أو مثبتة مسبقاً، وتكون منطلقاً أو مشتركاً بيننا وبين الآخرين، ولكلّ بحث مصادراته الخاصة، وأهم ما يمكن أن نجعله مصادرة لبحثنا، هو:
1- الحقائق العلمية: ونريد بها ما يثبت صحّته بشكل أكيد لا يقبل التشكيك والاتهام وهي أعلى درجة إثباتية في العلوم الحديثة حيث تمثل الدرجة الأقل منها (النظرية) والأقل من النظرية تكون (الفرضية).
2-المبادئ الأخلاقية العامة: ونريد بها القضايا المتضمنة فكرة الحسن والقبح والتي هو من قبيل (العدل حسن) و(الظلم قبيح) وهكذا فإنّ هذه المبادئ الأخلاقية تكتسب شرعيّتها من الأحاسيس الوجدانية العامة عند البشر، وهي تشكّل عقبة كبيرة أمام من لا يعتقد بها.
3- الطرق العقلائية: وهي طرق يسلكها عقلاء البشر ولها قيمة بشرية باعتبارها سلوكا أو التزاماً عاماً يتخطى الحدود الزمانية (التاريخية) والمكانية (الجغرافية) من قبيل: (رجوع الجاهل إلى أصحاب الاختصاص)، (الرئاسة أو الخلافة للأصلح) بل أصل وجود رئاسة تنظيمية هي من الضرورات العقلائية بمقتضى التدافع البشري في كسب المصالح ودفع المفاسد.
4- الأمور الفطرية: ونقصد من الفطرة ما جبل عليه الإنسان في أول الخلقة، وأن الفطري ما كان جزءاً من هذه الحقيقة التكوينية، من قبيل (الانجذاب نحو الجمال) (دفع الضرر عن النفس ولو كان الضرر محتملا) و(حب الاستطلاع) و(العلاقة الخاصة بين الأم وصغارها) وغير ذلك من الأمور التي فُطر عليها الإنسان ومنها (إدراك وجود الله تعالى).       ثم ان الأمور الفطرية على قسمين:
إحساسية كما في الانجذاب نحو الجمال أو نحو الجنس المخالف، وإدراكية كما في إدراك وجود الله تعالى، وإدراك حسن العدل وقبح الظلم مثلاً.
إنّ الفطرة تمثّل قيمة معرفية وعلمية عالية، ولها تأثير في الثقافة البشرية وعلومها لاسيّما فيما يتعلّق بالجانب القانوني، فإنّ تشريع أي قانون يصطدم مع الفطرة الإنسانية سوف يواجه رفضاً عاماً، ويشتد الرفض كلما كان الأمر الفطري أشد تأثيراً على سلوكنا وحياتنا فمثلاً، إذا صدر قانون (يمنع الزواج) أو( يقضي بتحريم المعرفة) أو نحو ذلك فإنّه سوف يبوء مباشرة بالفشل.
ثم ان أهمية طريق الفطرة بمبحثنا باعتباره يتدخل في تشخيص حقيقة الإنسان وما تشتمل على القوى الداخلية، كقوى التفكير والرغبة وغيرهما كما أنّ له دوراً في تحديد مواصفات خليفة الله في أرضه.
والخلاصة: إنّ هناك مناهج متعدّدة ومصادرات كثيرة يمكن توظيفها في موضوع بحثنا، فمن المناهج: المنهج العلمي والمنهج العقلى، ومن المصادرات: الحقائق العلمية والمبادئ الأخلاقية، والطرق العقلائية والأمور الفطرية.  

المحور الثاني
 الإنسان ودرجته الوجودية.
يقع البحث في هذا المحور على النظام الخلقي للإنسان حيث نبحث عن أجوبة بعض التساؤلات
1- ممّ يتكون الوجود الإنساني؟
2- ما هي الفوارق التكوينية العامة بين الإنسان وباقي الكائنات الحية؟ وهل تدفعنا هذه الفوارق إلى الاعتقاد بفكرة خلافة الإنسان باعتباره يمثل أفضل حقيقة وجودية في دائرة كوننا؟ وماهي مؤهلاته التكوينية التي تجعل منه موجوداً مختلفاً؟.
3- هل لوجود الإنسان قيمة غائية، أو أنّ وجوده محض صدفة واتفاق؟
أما الجواب على السؤال الأول فنذكر أنّ هنا عدّة نظريّات حاولت أن تبدي رصداً دقيقاً لهذا الموجود، ومن هذه النظريات نذكر بعضا منها:

النظرية الأولى: إنّ الإنسان موجود ثنائي مركّب من نفس وبدن ويمثل الجزء الأول منه الحقيقة الإنسانية، و أما الجزء الثاني فهو آلة للنفس تحقق من خلاله مقاصدها، وإذا أراد الإنسان أن يعبّر عن حقيقته بكلمة (أنا) مثلاً فإنّه يشير بذلك إلى الجزء الأول بالخصوص، وفي داخل هذه النظرية اتجاهات متعدّدة نترك البحث فيها إلى دراسة أعمق من حيث طبيعة العلاقة بين النفس والبدن لا سيّما نقطة التقاء النفس بأي جزء من بدن الإنسان هل في الدماغ أو في غيره؟
وعلى العموم: إنّ الاعتقاد بثنائية الإنسان هو الرأي المعروف بشرياً على مستوى الأديان والاتجاهات الفكرية وهو رؤية القرآن الكريم حيث أشار إلى الجانب البدني في آيات كثيرة منها: (وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰالة ‌مِّن ‌طِينٖ)([1]) وأشار إلى الجانب النفسي في قوله تعالى: (فَإِذَا ‌سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ)([2]) فكان خلق الإنسان وفق هذه الرؤية من أمرين ذات خصائص متباينة أحدهما لا يمثّل شيئاً في ساحة الوجود وثانيهما هو الاثمن على المستوى الكوني، حتى أنّ الله تعالى نسبه إليه فقال: (مِن ‌رُّوحِي)([3]) ولم يقل (من الروح) أو (من روح) وذلك كما يقول السيد العلّامة ( قده) في الميزان ( للتكرمة والتشريف)([4]).

 النظرية الثانية: إنّ الإنسان موجود أحادي غير مركب من بدن ونفس بل ليس هو إلّا البدن، ذلك الوجود المادي المحض الذي تنتهي حياته بالموت ولم يكن بعد ذلك شيئاً مذكورا وهذه النظرية هي النظرية التي يلتزم بها عموم الملاحدة واللا أدرية، والالتزام بها من قبلهم مبني على إنكار كل موجود ما ورائي، ومن الواضح مخالفة هذه النظرية للرؤية القرآنية التي تجعل من الموت قنطرة للدخول الى العالم الاخر.
وقد يُنسب هذا الرأي إلى العلم الطبيعي الحديث وهي نسبة خاطئة؛ ذلك أن طابع العلوم الطبيعية ومنهجها وهدفها إنّما يقتصر على ما هو طبيعي ومادي، ولا يستهدفون في أبحاثهم الموجودات الماورائية والسبب في ذلك أنّهم يعتمدون على الأدوات الحسية والقضايا التجريبية، وهذه الأدوات يطبّقونها حصراً على المجال الطبيعي ولا يتدخّلون في الشأن الماورائي، ويعدونه خارج اختصاصهم ولذا تجد أنّ كثيراً منهم إن لم يكن أكثرهم هم من المؤمنين بالله سبحانه وبالنفس الماورائية، اتباعا منهم للأديان التي يعتقدونها.

والنتيجة: إنّ هاهنا نظريتين رئيسيتين تجاه حقيقة الوجود الإنساني، وقد حاول فلاسفة الإسلام بل الفلاسفة الغربيين - الكثير منهم طبعاً - أن يثبتوا هذا الوجود الماورائي (النفس) بأدلة عقلية ولم يكتفوا بالأدلة الدينية، ومن أبرز المحاولات على المستوى الشرقي الإسلامي هي محاولات ابن سينا وملّا صدرا واتباعهما، وعلى المستوى الغربي هي محاولات (رينيه ديكارت) الفيلسوف الشهير.
----------------------------
[1] (المؤمنون/12)
[2] (الحجر / 29)
[3] (الحجر / 29)
[4] الميزان: 12/ 155.
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف