البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحرِّيَّات العامَّة في عصر الإسلام

الباحث :  د. محمد ميشيل غُريِّب‏
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  11
السنة :  السنة الثالثة خريف 1419 هجـ 1998 م
تاريخ إضافة البحث :  January / 21 / 2015
عدد زيارات البحث :  1392
‏ الحرِّيَّات العامَّة في عصر الإسلام

د. محمد ميشيل غُريِّب‏ (*)

1 - أهمية المصدر الإسلامي‏

إن الإسلام، وقد أتى به النبي العربي الكريم (صلي الله عليه و آله و سلم)، فاق المسيحية شأناً في الإسهام بتحرير الإنسان من كوابته الاجتماعية والسياسية والعقائدية. وهذا ما لا يخفى على كل متعمِّق دارس في تاريخ الإسلام، وفي ما تضمَّنه من دعوات إصلاحية بارزة واجتهادات فقهية فلسفية، دمغت مجتمعات بشرية واسعة بآثارها الحميدة. وقد تأثر فلاسفة الإسلام في ما بعد بفلاسفة اليونان، وحاولوا التوفيق بين مبادئهم وتعاليم أولئك. وبلغ هذا التأثير أشده لدى إخوان الصفاء، فقالوا: «متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال» (1) .

وكان طبيعياً، بالتالي، أن يرى موضوع الحريات الذي طرقه فلاسفة اليونان امتداداً وتطويراً له في تآليف المسلمين. وأوضح مثال عليه تأثر الفارابي (أبو نصر، محمد توفي في دمشق سنة 950م) بفلسفة أفلاطون. وكانت له مؤلفات سياسية واجتماعية عدة أبرزها «كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة». وفيها أوفى الآراء حول سبل توفير الحرية والسعادة للإنسان.
إنما الفارق الأساسي، بين نظريتي أفلاطون والفارابي، حول أفضل النظم التي تؤمن حريات المواطنين، في جمهورية الأول ومدينة الثاني، أن هذا الأخير تأثر جداً بالدين الإسلامي. فالحاكم عنده، لا يكفي أن يكون فيلسوفاً كما عند أفلاطون، بل هو نبي كريم يتلقَّى الوحي من اللَّه تعالى. فيضع حدود الحريات وشروطها.
وبالتالي فمدينة الفارابي تشمل العالم كله، والبشرية جمعاء، وليست محدودة بحدود جغرافية. وذلك لأن الدين الإسلامي نفسه، لم يختص بمدينة معينة، ولا

(*)محامٍ، أستاذ في الجامعة اللبنانية ـ کلية الحقوق.
(1)حسن صعب: علم السياسة، دار العلم للملايين، بيروت 1996، ص 83.

[الصفحة - 233]


بفئة بشرية دون أخرى. { يا أيُّها النَّاسُ، إنَّا خَلَقْنَاكُم من ذكرٍ وأنثَى، وَجَعْلناكُم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أتْقاكُمْ، إنَّ اللَّه عَليمٌ خَبير } }الحجرات/13} .

ثم يأتي ابن خلدون، في القرن الرابع عشر، في دراساته الاجتماعية الوفيرة، ليذكِّرنا بأرسطو وأبحاثه عن دساتير المدن اليونانية. إنما ما تميز به ابن خلدون هو عزوفه عن العقلانيات والمثاليات، في سعيه عن أفضل حياة للإنسان، ليرتكز على الواقع والتاريخ وحدهما.

إنما ما يؤسف له كثيراً هو تجاهل هذه الآثار المهمة من قبل معظم علماء الغرب، المشتغلين بشؤون التاريخ والفلسفة والحقوق وعلم السياسة. وإن هذا التجاهل لا يقف عند حد الآثار الإسلامية الدينية بل يكتنف أيضاً نفراً كبيراً من علماء العالم الإسلامي، وهم من المفكرين النوابغ.

وإن ذلك النقص، في نظرنا، مقصوداً كان أم غير مقصود، ليفقد المؤلَّف العلمي الكثير من وزنه وقيمته العلمية، ويجعله أثراً مبتوراً ومتحيزاً لغير مصلحة العلم المطلقة. وهذا ما أحببنا لفت النظر إليه، أمام كلِّ راغب في الاستزادة من مطالعة المؤلَّفات التي تدور حول الحريات العامة.

2 - عدم فصل السلطات (الحريات في الدين)

أ ـ المبدأ
لا مجال للحديث عن حريات عامة في الإسلام، مستقلة عن سلطة الحاكم، فالسلطة التي كانت مجتمعة في يد الرسول الكريم (صلي الله عليه و آله و سلم)، كانت سطة مستمدة من اللَّه، ومنزَّلة في السور القرآنية. وهي تفرق بين أمور الدنيا وأمور الدين، أي لا تفصل بين سلطة روحانية وسلطة دنيوية، كما فعلت المسيحية من قبل. بل تجمعها جميعاً في شخص الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم)، الناطق بآيات اللَّه.

وبعد وفاة الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم)، خلفه خلفاؤه في كل ما استجمع من سلطات في قيادة المؤمنين وفي القضاء بينهم، ورئاسة جيشهم، إنما لم يكن لهم بالطبع، ما كان اللَّه قد خص به محمداً(صلي الله عليه و آله) من نبوَّة.

[الصفحة - 234]


ب ـ اللَّه مصدر كل الحقوق‏

إن الحريات الشخصية، في الإسلام، هي، فقط، تلك التي جوَّزها في آياته، وبيَّن أحكامها وحدَّد حدودها. فاللَّه هو مصدر كل الحقوق وبالتالي جميع الحريات، يتَّضح ذلك بالاستناد إلى آيات كثيرة، منها:

{ قُلْ: هَلْ من شُرَكَائِكم من يَهْدِي إلى الحقِّ قل اللَّه يهدي للحقّ أفَمَنْ يهدي إلى الحق أحقّ أن يُتَّبع أمَّن لا يهدي إلاّ أن يُهْدَى فما لكم كيف تحكمون } {يونس/35} .
وآية أخرى عن مصدر السلطة القضائية، وهو أيضا اللَّه:
{ واللَّه يَقضي بالحقِّ والذين يَدْعُوْنَ من دُوْنِه لاَ يَقْضُون بشي‏ءٍ إنَّ اللَّه هُوَ السَّميعُ البَصِيْر } {غافر/20} .

ج ـ الانتقال من المجتمع القبلي المبعثر إلى مجتمع موحد
وهكذا نرى أن الإسلام قد نقل الإنسان من مجتمع قبلي إلى مجتمع موحد خاضع لشريعة اللَّه. فالانتماء للقبيلة كان قبلاً مصدراً لحماية الفرد ولتمتعه بالحقوق والحريات التي تجيزها تقاليد القبيلة وإرادة رئيسها، والخروج من القبيلة كان تجريداً من كل هذه الضمانات، وتشريداً له في متاهات غير آمنة (2) .
أمَّا مشيئة اللَّه، فكانت تستخلص من أقواله المنزلة في القرآن، ومن السنة والحديث الشريف المنسوبين إلى النبي الكريم (صلي الله عليه و آله و سلم). وقد أسهم الفقهاء في عهود الخلافة إسهاماً فعالاً في تفسير الكثير من مكنونات الشريعة وجلاء غوامضها وإشكالاتها. وكانت لهم في ذلك مذاهب شتى. وهذا الاجتهاد غير غريب عن الديانات الأخرى.

3 - حرية الشعب السياسية
يمكننا التحدّث عن حرية شعبية سياسية هامة في الإسلام، برزت في عهود الخلافة المتعاقبة، وهي تكمن في أساس الديموقراطية الصحيحة.

(2)ادمون رباط: الوسيط في القانون الدستوري العام، دار العلم للملايين، بيروت 1964، ص 231.

[الصفحة - 235]


فقد كان من حق الأمة أن تخلع الخليفة من منصبه، فيما إذا هو شذَّ عن أصول الحكم الصحيح، ولم يطبق الشريعة خير تطبيق، ولم يعدل في الرعية. وكان الشعب بالتالي رقيباً على تصرفات الحاكم يستطيع محاسبته ومعاقبته، وهو أمر لم يُسبق الإسلام إليه، بهذه الصراحة وهذه الشرعية الديموقراطية الواضحة.

وليس أدلّ على هذه الديموقراطية، مما ورد في القرآن الكريم: { وأَمْرُهم شُوْرَى بينهم } {الشورى‏/38} . { وَشَاوِرْهُم في الأمر } {آل عمران/159} .

4 - حريات أهل الذمة

أ ـ التمييز بين المسلمين وغير المسلمين‏

ميَّز الإسلام بين المسلمين وغير المسلمين في الحقوق والواجبات، ضمن الدولة الواحدة. فالآخرون، وهم أهل الذمَّة، مجبرون بما ليس المسلمون مجبرين به، من جزية وخراج. كما كانوا ملزمين بالاحتفاظ بأملاكهم العقارية وزراعتها، لإمداد الجيوش الإسلامية بالمؤن الغذائية. وقد سوغ الإسلام ذلك بما كان ملقى على عاتق المؤمنين من واجب الجهاد المقدس، في سبيل قهر الجيوش المعادية المحيطة بهم. ومن هنا، كان التفريق بين دار الإسلام ودار الحرب.

ب ـ المحتسب‏
كان للمحتسب، وهو من كبار معاوني الخليفة، سلطات واسعة في الحفاظ على النظام العام والآداب. ومن جملة صلاحياته أنه كان يحرص على تحريم المسكرات ومعاقبة تجَّارها وينظم تصرفات المسيحيين واليهود الاجتماعية والمهنية وحتى الشخصية، وهم أهل الكتاب. كما كان يهتم بتزويج الأرامل، حرصاً على الأخلاق العامة.
وقد كان التمييز جلياً أيضاً في الميدان الثقافي. فللمسلمين علوم الفقه واللغة والآداب والتاريخ وما شابهها، وهي ما نسميه اليوم بفئة العلوم الإنسانية. ولأهل الكتاب، من مسيحيين ويهود، العلوم التطبيقية والتقنية المختلفة من هندسة وطب وشتى المهن الفنية.

[الصفحة - 236]


5 - مبدأ المساواة

من جملة محاسن الإسلام، مساواته بين المسلمين جميعاً، في الحقوق والواجبات. وقد جاء في الحديث الشريف:
«الناس سواسية كأسنان المشط».
«لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى».
وفي القرآن الكريم:
{ إنَّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم } {الحجرات/13} .
ومن هنا، فإن الإسلام يضع أسس المساواة بين أبناء الأمة، وهذا أس الحريات العامة وأوَّلها إطلاقاً.
وللإسلام فضل كبير في تحرير العبيد، ووضع حد لتجارة الرق. بينما نرى الغرب الاقطاعي والاستعماري، استمر في استغلال الشعوب الفقيرة والضعيفة، في إفريقيا وآسيا، حتى أواخر القرن التاسع عشر. فبنى حضارته وعمرانه على حساب حرية ودماء ملايين العبيد، الذين كان يسوقهم كقطعان الماشية، إلى مزارعه ومناجمه الأوروبية والأمريكية.

فقد جاء في القرآن الكريم: { ومَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خطأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةَ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَّةٌ مُسَلَّمة إلى أَهْلِه } {النساء/92} .
{ لا يُؤَاخِذُكم اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانكم، ولكِنْ يُؤَاخِذُكم بما عَقَدُتُم الأيْمان فَكَفَّارَتُه إطعامُ عَشْرَةِ مساكين من أوْسَطِ ما تُطْعِمُون أهلِيكم أوْ كِسْوَتِهِم أو تَحرِيرُ رَقَبَةَ } {المائدة/89} .
{ والّذينَ يُظَاهِرُون مِنْ نِسَائِهم ثُمَّ يَعُودونَ لما قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أن يتماسّا } {المجادلة/3} .

6 - تحرير المرأة
أ ـ تحريم الوأد
يكاد يكون تحرير المرأة أهم إسهام أتى به الإسلام في مجال الحريات العامة. فبعد أن كانت تُعدّ إنساناً ثانوياً، وفي بعض الحالات، شخصاً غير مرغوب

[الصفحة - 237]


فيه، يمكن دفنه حياً عند الولادة، في رمال الصحراء، أتت الرسالة الكريمة ترفع شأن المرأة وتكرمها، وتحرم قتلها أو احتقارها.
فورد في سورة التكوير، في الآيات (1 إلى 9) ما يلي:
{ إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وإذا النُّجُوم انكَدَرت * وإذا الجِبَالُ سُيِّرتْ * وإذا العِشَارُ عُطِّلَت * وإذا الوحوشُ حُشِرَت * وإذا البِحَارُ سُجِّرَت * وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَّت * وإذا الموؤُودَة سُئِلت بأيّ ذنب قتلت } .

كما ورد، في الآيتين( 57 و58)، من سورة النحل:
{ وَيَجْعَلُونَ للَّه البَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُون * وإذَابُشِّر أحدُهُم بالأنثى ظلّ وَجْهُهُ مسودَّاً وهو كَظِيم } .

ب ـ حرية اختيار الزوج‏
من ناحية الزَّواج، فقد أعطى الإسلام المرأة الحرية في اختيار الزوج، وليس لأحد غصبها عليه، ولو كان أحد الأبوين. فالرسول الكريم فسخ زواج خنساء بنت خذام الأنصارية لأن أباها أكرهها عليه‏ (3) .
كما أنَّ الإسلام منح المرأة حق الاحتفاظ بهويتها الشخصية. فهي تعرف بعد زواجها باسم عائلتها الأصلية، دونما تبعية لزوجها، حتى لا تفقد شخصيتها وهويتها وحقوقها!

ج ـ تعزيز مكانتها العائلية
عزَّز الإسلام مكانة المرأة في العائلة. فجعل العلاقة بينها وبين قرينها سكينة واطمئناناً، وجعل المودَّة والرَّحمة أساس العلاقة الزوجية: { ومِنْ آياته أَنْ خَلَقَ لَكُمْ من أَنْفُسِكم أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } {الرّوم/21} .

وقد فرض الإسلام تكريم المرأة لا التسلط عليها واستعبادها. فألزم الرجل بمسؤوليات مادية، تتمثل بتقديم المهر، والإنفاق على الأسرة. وذلك تطبيقاً للآية الكريمة: { الرِّجَالُ قَوَّامُون على النِّساء بِمَا فَضَّل اللَّهُ بَعْضَهُم على بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالهم } {النساء/34} . وهذه المسؤوليات الملقاة على الرجل، تعدّ أيضاً تسويغاً
(3)مجلة «الثوري الناصري»: بيروت، عدد 3/3/80.

[الصفحة - 238]


للقاعدة الشرعية التي ترعى نظام الإرث: { للذَّكر مثلُ حظِّ الاءُنْثَيَيْن } {النساء/11} . ويعدّ ذلك تقدماً كبيراً بالنسبة لعصر الجاهلية، حيث كانت المرأة محرومة من أي إرث‏ (4) .

د ـ مساواتها في العقاب‏
في ميدان العقاب، ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة، في آيتين واضحتين:
{ الزَّانِيَةُ والزَّانِي فاجْلُدُوا كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا مِئَة جَلْدَة } {النور/2} .
{مَنْ عَمِلَ صَالحاً مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى فَلْنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلْنُجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُون} {النَّحل/97} .
ويذكر عن الرسول الكريم (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه كان يحسن معاملة زوجاته ويحترم آراءهن، ويقبل أن يراجعنه في ما لا يرضين به. فأصبحت سيرته قدوة للناس يحتذى بها.
وثمة عادة كانت شائعة عند عرب الجاهلية، في ضرب نسائهن لتأديبهن وتقويم ما لا يرضى عنه الرجل. فاستنكر الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) هذه العادة ودعا لنبذها. ويذكر على لسان عائشة: «ما ضرب الرسول بيده امرأة قط ولا خادماً».

هـ ـ تعدُّد الزَّوجات‏
أما بشأن تعدُّد الزَّوجات، فإن المذاهب في تفسير قيوده شتى. إنما يبقى ثابتاً أن التعدُّدية غير مستحبَّة، وهي مقيَّدة بشروط ثلاثة تجعل منها حالة استثنائية. وهذه الشروط هي: الضرورة الماسة، والقدرة على الإنفاق، والعدل بين الزوجات.
وإن التشدد في منع التعددية الزوجية، إضافة إلى صونه لكرامة المرأة، وتعزيز مكانتها في الأسرة، يجد أهمية متزايدة في عصرنا الحاضر. فالتكاثر البشري على وجه الأرض، آخذ في التضخم الهائل والمخيف، بشكل يهدد المستقبل القريب بمخاطر المجاعات والاضطرابات الأهلية.

و ـ حرية الطلاق‏
أما بشأن الطَّلاق في الإسلام، فهنا أيضاً نجد حرية المرأة مصونة وموفورة، رغم أن الطَّلاق، كما جاء في الحديث الشريف، «أبغض الحلال عند اللَّه». فلها
(4)القاضي الشيخ فيصل مولوي: محاضرة في كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية (الفرع الأول)، 22/1/80 (غير منشورة).

[الصفحة - 239]


الحق فيه إن اشترطته في عقد الزواج. وحتى لو لم تفعل، لها الحق في طلب الطلاق من القاضي، في حالات عديدة يعود تقديرها له.

ز ـ حقها في العمل‏
إن الإسلام لم يضع حواجز أمام عمل المرأة المنتج والمفيد للمجتمع، بدليل أن النساء الصحابيات شاركن في القتال وفي الفتوحات. وهذا ما يجعل المطالبة بمساواتها بالرجل، وفتح أبواب العمل والتوظيف لها، مطلباً عصرياً ملحاً. وإن استوجب ذلك «تغييراً في العادات والتقاليد، واستبدالها بتشريعات تنبع من حفظ كرامة المرأة كإنسان» (5) .
وإن المطالبة بتحرير المرأة، من تقاليد تنسب زوراً إلى الدين، ليست حديثة. فقد سبق لقاضي المسلمين ابن رشيد، منذ تسعة قرون، أن نبّه لذلك إذ قال: «المرأة في الظاهر صالحة للحمل والحضانة فقط. وما ذلك إلا لأن حالة العبودية التي أنشأنا عليها نساءنا، أتلفت مواهبها العقلية. فحياة المرأة تنقضي كما تنقضي حياة النبات. وقد كان ذلك سبباً في شقاء المدن وهلاكها»(6) .

ح ـ مبدأ مساواتها بالرجل‏
إن مبدأ مساواة المرأة بالرجل، من حيث الجوهر، وارد في القرآن الكريم: { يا أَيُّهَا النَّاسُ اتّقوا ربَّكُم الذي خَلَقَكم من نفسٍ وَاحِدَة } {النساء/1} .
وفي الحديث الشريف: «إنما النساء شقائق الرجال» (7) .
وكذلك مساواة المرأة بالرجل في ميادين العمل والمكافأة:
{ مَنْ عَمِلَ صَالحاً مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى، وهو مُؤمِنٌ، فَلَنُحْيِيَنَّه حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون } {النحل/97} .
وفي آية أخرى:
{ إنَّ المُسْلِمينَ والمُسْلِمَاتِ والمُؤْمِنِين والمؤمنات والقَانتين والقَانِتَاتِ والصَّادِقِين والصَّادِقاتِ والصَّابِرينَ والصَّابِراتِ والخاشِعِينَ والخاشِعَاتِ والمُتَصَدِّقين }

(5)الدكتورة أمان شعراني: محاضرة في المركز الثقافي الإسلامي، جريدة السفير، بيروت 16/5/1980.
(6)المحامي عبداللَّه زخيا: محاضرة له في دار الفن والأدب، بيروت 1970 (غير منشورة).
(7)حديث شريف: رواه أحمد وأبو داوود والترمذي.

[الصفحة - 240]


{ والمتَصدِّقاتِ وَالصَّائِمين والصَّائماتِ والحافظينَ فروجَهم والحافظات والذَّاكرين اللَّه كثيراً والذاكراتِ أعَدَّ اللَّهُ لهم مغفرةً وأجراً عظيماً } {الأحزاب/35} .
وعن المساواة في الأجر:
{ فَاسْتَجَابَ لَهُم رَبُّهم إنّي لا أُضيع عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم، من ذَكَرٍ وَأُنْثَى، بَعْضُكم مِنْ بعضٍ } {آل عمران/195} .

ط ـ تحرير المرأة من الجهل‏
ورد في الحديث الشريف: «أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها». هذا إضافة إلى القاعدة العامة: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة» (8) .

ي ـ تكريم الزوجة
قال الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم):
«خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة، إن نظرت إليها سرتك، وإن غبت عنها حفظتك» (9) .
والمساواة العائلية بين الزوج والزوجة، لا تتنافى، في الإسلام، مع إعطاء الأولوية لرأي الرجل، حيث ورد في القرآن الكريم:
{ وَلهنّ مثلُ الذي عليهنّ بالمَعْرُوفِ، وللرِّجالِ عليهنّ دَرَجَةٌ } {البقرة/228} .

ك ـ قصور المرأة في الشهادة ورئاسة الدولة
إن مبدأ تساوي الرجل بالمرأة، يجد حداً له في أمرين، يسوِّغهما الفقه الإسلامي بالضرورات الاجتماعية والنفسانية. وهما الشهادة أمام القضاء ورئاسة الدولة.
ففي القرآن الكريم: { واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم فإنْ لم يَكُوْنَا رَجُلَين فَرَجُلٌ وامرأَتَان ممَّن ترضُون من الشُّهَدَاء أن تَضِلَّ إحْدَاهما فَتُذَكِّرُ إحْدَاهُما الأُخْرى } {البقرة/282} .

(8)حديث شريف، المقاصد الحسنة، الحافظ السخاوي، ص 277.
(9)حديث شريف، عن مسلم وابن ماجه.

[الصفحة - 241]


ولكن قانون الموجبات والعقود اللبناني، وهو قانون مدني مطبق في القضاء العدلي على جميع الطوائف، لم يراع هذا المبدأ وساوى شهادة المرأة بشهادة الرجل، بعد حلفان اليمين على الكتب المقدسة.
وكذلك الحديث الشريف يحرم على المرأة رئاسة الدولة: «ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» (10) .
وهنا أيضاً نشير إلى أن الدستور اللبناني، لم يستبعد المرأة بنص صريح، من رئاسة الدولة.

7 - قاعدة المحبة
كما في المسيحية، كذلك في الإسلام، دعوة صريحة لحب الآخر كما النفس. ورد في الحديث الشريف:
«لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وكم هذا القول قريب من قول السيد المسيح، «هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم».

8 - الحريات الدينية
إن الإسلام لا يكره أحداً على اعتناق دينه، بل ترك الحرية التامة لاختيار الأفراد حسب قناعاتهم. وفي ذلك آيتان كريمتان:
{ لا إكْرَاه في الدِّين قد تَبَيَّن الرُّشْدُ من الغَيِّ } {البقرة/256} .
{ وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } {الكهف/29} .

9 - حق الثورة على الظلم‏
إن إمكانية الثورة على الظالمين والمستبدين، واردة في كتابه تعالى: { وَلاَ تُطِيعُوا أمْرَ المُسْرِفينَ الذين يُفْسِدُونَ في الأرضِ ولا يُصْلِحُون } {الشعراء/151 و152} .

(10)جورج كلاس: مقال منشور بصحيفة «النهار»، بيروت 13/9/1983.

[الصفحة - 242]


وفي الحديث الشريف: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه فذلك أضعف الإيمان» (11) .
وقال أبو بكر الصديق عند توليه الخلافة: «أطيعوني ما أطعت اللَّه فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم». وقال الخليفة عمر بن الخطاب: «إن رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوموه» (12) .

10 - إحياء الشريعة الإسلامية الأصولية
في الربع الأخير من القرن العشرين‏
إن الدول الإسلامية، في القرن العشرين، تبرز متفاوتة الدرجة، في تطبيقها للشريعة الإسلامية.
ويشهد الربع الأخير من القرن العشرين، عودة بعض الدول الإسلامية، إلى الاعتماد أكثر فأكثر على الشريعة الإسلامية، بوصفها نظام دولة وحيداً. ويأتي ذلك فيما يشبه الانقلابات السياسية، والثورات الفكرية الحضارية، التي تعيد تقييم أوضاع دولها وشعوبها. وتأتي في طليعة تلك الدول إيران، بعد الثورة الإسلامية العارمة ضد نظام الشاه الامبراطوري محمد رضا بهلوي.
وما ساعد على هذا الوعي الإسلامي، الآخذ في النمو، نقمة شبه شاملة من هذه الشعوب على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين. فهذه الدول قد ساعدت على إنشاء دولة إسرائيل سنة 1948، وعلى طرد الفلسطينيين من أرضهم ومنازلهم. كما استمرت في مساعدتها لها ضد الدول العربية جمعاء، في الحروب المتلاحقة، خصوصاً في سنتي 1967 و1973.
كما أن سياسة هذه الدول الخاطئة إزاء العرب عامة، أبعد ما تكون عن مفهوم الحريات الديمقراطية للشعوب، في حق تقرير مصيرها، وأقرب ما تكون من التحيّز العنصري الأعمى. فقد أيدت العنصرية الصهيونية، رغم فظائعها التي فاقت كل حد، وكانت وراء دمار لبنان شبه الكامل، ومحاولة تمزيقه إلى دويلات طائفية، بعضها تابع لها سياسياً وعسكرياً.

(11)رواه ابن ماجه.
(12)د. عبداللَّه هديه: قسم العلوم السياسية، الكويت (بحث قدم في ندوة حقوق الإنسان في الوطن العربي) 1985م.

[الصفحة - 243]


وإن احتلالها لقسم من جنوب لبنان، الذي اتفق على تسميته اصطلاحاً بـ «الشريط الحدودي»، ومحاولتها احتلال الباقي حتى نهر الليطاني، طمعاً بمياهه، قد أدى إلى تهجير معظم أهله.

كل ذلك أدّى ويؤدي إلى تعاظم النقمة ضد الاستعمار الغربي، وإلى يقظة إسلامية شاملة تنبه الأمتين العربية والإيرانية، إلى قدراتهما القومية الهائلة، من نفطية واقتصادية وسواها، إن هي وُظِّفت ضد الاستعمار الغربي.

















[الصفحة - 244]


 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف