البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحوار وضرورات الأخلاق والمنهج دراسة في الخطاب الشيعي على الإنترنت

الباحث :  أ. فؤاد العلي
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  31
السنة :  السنة الثامنة خريف 1424هجـ 2003 م
تاريخ إضافة البحث :  February / 23 / 2015
عدد زيارات البحث :  1133
الحوار وضرورات الأخلاق والمنهج
دراسة في الخطاب الشيعي على الإنترنت
أ. فؤاد العلي.(*)
{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ اءُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ اءِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّؤُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام/108] .
تعريف الانترنيت
قبل البدء في بحث هذا الموضوع، تنبغي الإشارة إلى مقدمة، وهي تعريف الإنترنت/ برنامج البالتوك، لكي نستطيع بعدها بيان المناسب وغير المناسب فيه. هل هو كالحسينية، أو كالبيت، أو كالمسجد في النجف الأشرف أو قم المقدسة، أو هو شيء آخر؟ وهل يحق لنا التصرُّف حسب تشخيصنا نحن المكلفين، أو علينا أيضاً أن نقلد ونعمل برأي فقيه أو عالم حتى في التعامل مع الآخرين من خلال البالتوك؟
إنّ التعريف يتضح من خلال النظرة الاءُولى لعموم شبكة المعلومات (الإنترنت) التي غزت العالم، واخترقت الحدود والموانع ـ إضافة إلى الموانع التقنية ـ التي وضعها الحكام والسلاطين؛ لأجل تحجيم المعلومات التي تصل إلى الشعوب وتقييدها. لذا فإنّ البالتوك هو وسيلة للاتصال والتواصل مع الآخر عبر الحوارات المباشرة الصوتية والكتابية، أو هو وسيلة الاتصال الجمعي مع الآخرين من مختلف بقاع العالم، ومن مختلف الطوائف والأقلِّيات. أي هو بمعنى الالتقاء بالآخرين من مختلف بقاع العالم، ومن مختلف الاتجاهات الفكرية والثقافية، بل قل هو زيارتهم إلى بيوتهم ومكاتبهم وغرفهم ومؤسساتهم، وهذا اللقاء يختلف عن لقاءاتنا اليومية
________________________________________
(*)باحث من العراق

[الصفحة - 91]


التي اعتدنا عليها داخل مدينة ما أو بلد ما، ذي معالم ثقافية معلومة لنا غالباً. وبهذا يبدو أنه ظاهرة جديدة على مجتمعاتنا.
كيفيَّــة التَّواصل
هنا نتساءل: ماذا ينبغي علينا قوله في هكذا سفر ولقاء مع اءُناس من مختلف أنحاء العالم؟ وأي رسالة علينا إيصالها إليهم؟ وكيف نوصل إليهم رسالة أهل البيت (عليهم آلاف التحية والسلام)؟ وهل هذه هي وظيفة المكلفين وعامة الناس أو المبلغين وأهل العلم من دون غيرهم؟
نستشف كيفيَّة التَّواصل مع الناس من خلال هذه الروايات الشريفة:
الاءُولى: عن إمامنا وسيدنا وصيّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) الإمام الباقر (عليه الصلاة والسلام)، حيث يقول في قول الله عزّ وجلّ: {وقولوا للناس حسناً} : «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم» (1) .
والثانية: في الكافي بسنده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «رحم الله عبداً حبّبنا إلى الناس ولم يبغِّضنا إليهم. أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعزّ، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشراً» (2) .
والرواية الثالثة: في البحار بإسناده عن سليمان بن مهران قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) ، وعنده نفر من الشِّيعة وهو يقول: «معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حُسناً، واحفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول وقبح القول» (3) .
من الملاحظ أن الرواية الشريفة ناظرة إلى عموم الناس، مطلق الناس، وليس فيها تخصيص للشيعة من دون غيرهم، بل ولا للمسلمين من دون غيرهم. والعلة في الحث على جعل الخطاب محبَّباً إليهم ظاهرة، وهي أن الإنسان بفطرته يحبّ معتقداته ومقدَّساته، ويحبّ أن يُظهر هذا الحبّ، بل يحبّ أن يُشعره به الآخرون؛ ليتلذَّذ بحلاوة إيمانه واعتقاده بمذهبه ودينه وبمعشوقه، بغض النظر عن سلامة هذا
________________________________________
(1)الوسائل، ج16، ص 341، رواية 21711.
(2)الكافي، ج8، ص 229، رواية 293.
(3)بحار الأنوار، ج68، ص 151، رواية 6، باب 19، ط. الثالثة 1983م، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

[الصفحة - 92]


المعتقد وهذا المقدس أو ذاك وفساده {كذلك زينّا لكلّ اءُمّة عملهم} . بل وكما يشير العلامة الكبير السيد الطباطبائي (رحمه الله) في تفسيره للقرآن الكريم: إنَّ الإنسان مغروز على الدفاع عن كرامة ما يقدسه، والمقابلة في التعدِّي على من يحسبه متعدياً إلى نفسه.
لذا نحن في تعاملنا مع الناس، من مختلف بقاع الأرض، نواجه خطّاً دفاعياً محكماً، وسدَّاً منيعاً في نفوسهم عمّا يحبونه وما يقدّسونه. بل نواجه رغبة منهم في إظهار هذا الحبّ والتقديس. بل حتى نواجه ميلًا منهم لإشعارهم بأننا ندرك هذا الحُبّ والتقديس الموجود في كيانهم. إذن نحن أمام سدٍّ دفاعي محكمٍ تمتد جذوره إلى أعماق نفس الإنسان وبشريته، منشؤه الحبّ والتقديس لهذا المعتقد، وعدم الاعتقاد بأي نقص وخلل في بنائه. وفي الوقت نفسه، علينا اختراقه، بل هدمه وإنشاء بناء فكري آخر مناقض له في محلِّه، لكن كيف؟
أسلوب المصادمة والمواجهة المباشرة
يقول أصحاب التخصُّص في العلوم العسكرية: إنه من المتعسّر أن تنجح المواجهة المباشرة بين قوَّتين متساويتين بالقوة، وينبغي استخدام خطط اءُخر لإنزال الضَّربة وتحقيق الهدف. نفهم من هذه القاعدة ـ ومن خلال الآية الشريفة في بداية الموضوع ـ أنّ المصادمة المباشرة مع المخالفين، إضافة إلى التسبّب في عدم نجاح المواجهة وتحقيق الهدف، تحمل آثاراً سيئة قد نهانا عنها الشارع المقدَّس.
وقد جاء في تفسير الآية الشريفة، المذكورة في بداية هذا المقال، في تفسيرالميزان للعلّامة الكبير السيد الطباطبائي (رحمه الله) :
«السبّ: معروف. قال الراغب في المفردات: (العَدْو: التجاوز ومنافاة الالتيام، فتارة يُعتبر بالقلب فيقال له: العداوة والمعاداة، وتارة بالمشي فيقال له: العَدْو، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له: العدوان والعدو، قال: {فيسبُّوا الله عدواً بغير علم} ، وتارة بأجزاء المقرّ فيقال له: العدواء. يقال: مكان ذو عدواء أي غير متلائم الأجزاء) انتهى.
________________________________________

[الصفحة - 93]


والآية تذكر أدباً دينيَّاً تُصان به كرامة مقدَّسات المجتمع الديني، وتتوقّى ساحتها أن تتلوث بدرن الإهانة والإزراء بشنيع القول والسبّ والشتم والسخرية ونحوها. فإنّ الإنسان مغروز على الدفاع عن كرامة ما يقدسه، والمقابلة في التعدّي على من يحسبه متعدّياً إلى نفسه، وربما حمله الغضب على الهجر والسبّ لما له عنده أعلى منزلة العزّة والكرامة. فلو سبّ المؤمنون آلهة المشركين، حملتهم عصبيتهم الجاهلية أن يعارضوا المؤمنين بسبّ ما له عندهم كرامة الألوهية، وهو الله عزّ اسمه. ففي سبّ آلهتهم دافع إلى ذكره تعالى بما لا يليق بساحة قدسه وكبريائه.
وعموم التعليل المفهوم من قوله: {كذلك زيّنا لكلّ اءُمّة عملهم} يفيد عموم النهي لكلّ قول سيّىء يؤدي إلى ذكر شيء من المقدَّسات الدينية بالسوء بأي وجه أدى» (4) .
وفي تفسير الأمثل لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي جاء في تفسير الآية الشريفة:
«تناولت الآيات السابقة موضوع قيام تعاليم الإسلام على أساس المنطق، وقيام دعوته على أساس الاستدلال والإقناع لا الإكراه. وهذه الآية تواصل التوجيهات نفسها، فتنهى عن سبّ ما يعبد الآخرون، أي المشركون؛ لأنّ هذا سوف يدعوهم إلى أن يعمدوا هم أيضاً ـ ظلماً وعدواناً وجهلًا ـ إلى توجيه السبّ إلى ذات الله المقدَّسة {ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم} .
يُروى أنّ بعض المؤمنين كانوا يتألَّمون عند رؤيتهم عبادة الأصنام، فيشتمون أحياناً الأصنام أمام المشركين، وقد نهى القرآن نهياً قاطعاً عن ذلك، وأكد التزام قواعد الأدب واللياقة حتى في التعامل مع أكثر المذاهب بطلاناً وخرافة.
إنّ السبب واضح، فالسبّ والشتم لا يمنعان أحداً من المضي في طريق الخطأ. بل إنّ التعصب الشديد، والجهل المطبق اللذين يركبان هؤلاء، يدفعان بهم إلى التمادي في العناد واللجاجة، وإلى التشبُّث أكثر بباطلهم، ويستسهلون إطلاق ألسنتهم بسبّ مقام الربوبية جلّ وعلا، وذلك لأنّ كلّ اءُمة تتعصب عادة لعقائدها وأعمالها، كما تقول العبارة التالية من الآية: {كذلك زيّنا لكلّ اءُمّة عملهم} .
________________________________________
(4)الميزان في تفسير القرآن للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، ج7، ص 314، ط. الثانية 1971م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

[الصفحة - 94]


هنا ينبغي الانتباه إلى ثلاث نقاط:
1 ـ هذه الآية نسبت إلى الله تزيين الأعمال الحسنة والسيئة لكلّ شخص، وقد يثير هذا عجب بعضهم، إذ كيف يمكن أن يزيّن الله أعمال المرء السيئة في نظره؟
سبق أن أجبنا[عن] مثل هذه الأسئلة، فأمثال هذه التعبيرات تشير إلى صفة العمل وأثره..
2 ـ الأحاديث الإسلامية أيضاً تواصل منطق القرآن في ترك سبّ الضالين والمنحرفين، فقد أمر كبار قادرة الإسلام بضرورة الاستناد إلى المنطق والاستدلال دائماً، وبلزوم تجنّب استعمال سلاح شتم عقائد الآخرين. وقد جاء في نهج البلاغة أن الإمام عليّاً (عليه السلام) خاطب فريقاً من أصحابه الذين كانوا يسبّون أتباع معاوية في حرب صفِّين، فقال: «إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر» (5) .
ولا تخفى الدَّلالة على المتأمل في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فعبارة: «إنِّي أكره» تعبير عن كراهية الشارع المقدس، حيث إنّ الأدلة الثابتة (6) تدل على أنّ إرادة عليّ (عليه السلام) لا يمكن أن تتخلف عن إرادة الله تعالى، وأنّ كراهته لا يمكن أن تتخلف عن كراهة الله تعالى.
لكن هل ينحصر هذا النهي من الشارع عن التَّسبيب في سبّ الله عزّ وجلّ اسمه فقط أو هناك توسّع في النَّهي؟
أولًا: الرواية الشريفة التي ذكرها العلامة الطباطبائي، في شرح هذه الآية المباركة، نقلًا عن تفسير العياشي، عن عمر الطيالسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: ولا تسبّوا.. الآية قال: فقال: «يا عمر هل رأيت أحداً يسبّ الله؟». قال: فقلت: «جعلني الله فداك، فكيف؟ قال: «من سبّ وليّ الله فقد سبّ الله» (7) .
ثانياً: إضافة إلى الرواية الشريفة، هناك استفتاء شرعي من اثنين من فقهائنا هما: سماحة السيد الخامنئي وسماحة السيد كاظم الحائري ـ دام ظلهما الوارف ـ ينصّ على حرمة التسبّب في سبّ وليّ الله.
________________________________________
(5)الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج4، ص 391.
(6)بما أن البحث خارج عن إثبات ذلك من القرآن الكريم والسنة الشريفة، فقد تمَّت الإشارة إلى النتيجة من دون بيان الأدلَّة. ولكي لا نحرم أنفسنا من جمال ذكر كلام الرسول الخاتم (صلي الله عليه و آله و سلم) ، نورد هذه الرواية الشريفة: قال السيد شرف الدين في النص والاجتهاد ص 574، وقال (صلي الله عليه و آله و سلم) : «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني». أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، ج3، ص 131، حديث 4617، وهو حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، وصحّحه الذهبي في تلخيصه.
(7)الميزان، ج7، ص 324.

[الصفحة - 95]


وعن النبي الأكرم (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال لعليّ (عليه السلام) : «من سبّك يا عليّ فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله» (8) .
وعن الصادق (عليه السلام) : «من سبّ وليّ الله فقد سبّ الله» (9) .
لذا نفهم من تفسير الآية الشريفة أنّ الشارع المقدس قد نهانا عن هذا النوع من الخطاب، الذي يستبطن نوعاً من التَّسبيب إلى ذكره تعالى اسمه بما لا يليق. بل وبموجب الرواية الشريفة، والاستفتاء الشرعي، يظهر أنّ النهي يتّسع ليشمل وليّ الله، وما لهذا التسبيب من موبقات وآثام والعياذ بالله تعالى. فتأمَّل أيها المسلم في أن لا تتسبب في سبّ وليّ الله أيضاً!
أمّا القاعدة التي يعتمدها المتخصِّصون في مجالهم، فإنها تفيد بأنّ الشخص الذي ينوي القيام بمواجهة هذا السَّب بشكل مباشر، عليه أن يحرز التفوُّق على الطرف المقابل أولًا وقبل كلّ شيء. حيث إنّ المخالف لا يرى أي تفوُّق حقيقي بين فكره والفكر المواجه له. بل في كثير من الأحيان يرى صواب رأيه وبطلان الآخر.
فكيف يمكننا إحراز التفوُّق؟
هناك عدة طرق لتحصيل هذا التفوُّق منها:
1 ـ الصدمة: أن يكون على شكل صدمة، كالمعجزة مثلًا، والتي يمكن أن يأتي بها الأنبياء والرسل والأئمة الاثنا عشر المعصومون (على نبينا وآله وعليهم آلاف التحية والسلام). فإنّ صدمة المعجزة تدفع بالشخص إلى الاستسلام أمام هذا التفوُّق الهائل عليه، من دون الحاجة إلى معالجة تفاصيل بنائه الفكري وإزالتها تدريجياً.
2 ـ سلب القدرة: يمكن تحصيل التفوُّق من خلال سلب القدرة من الطرف المقابل، وذلك يعتمد، أولًا وقبل كلّ شيء، على تجنّب المواجهة المباشرة معه، وتفصيل ذلك كما سيأتي.
3 ـ الترغيب: أي بمعنى أن يتم إيصال معالم مدرسة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) إلى الرأي الآخر، بشكل يستجلب نظره إلى حدّ كبير، ما يشعره
________________________________________
(8)الجامع الصغير للإمام الحافظ السيوطي، ج2، ص 608، حديث 8736 وصحّحه؛ المسند للإمام أحمد بن حنبل، ج7، ص 455، حديث 26208؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، ج3، ص 130، حديث 4615 و4616 وصحّحه الذهبي في التلخيص.
(9)الاعتقادات للشيخ الصدوق ـ باب التقية.

[الصفحة - 96]


بتفوقها على مدرسته من دون المساس بمنهجه. وهذا أيضاً يستدعي عدم المواجهة والمصادمة المباشرة.
نستنتج مما مرَّ أنّ اءُسلوب المصادمة والمواجهة المباشرة غير عملي بالنسبة لنا، وذلك بسبب أنّ هذا الاءُسلوب يفعّل النظام الدفاعي الغريزي لدى الطرف الآخر، ويدخلنا في صراع لا تفوّق فيه، ولا يخدمنا بشيء لتحقيق الهدف، بسبب تكافؤ ما يمتلكه الطرفان من أدوات الحوار، وبيان الحجة، وإقامة الدليل، ولو دفعاً بالصدر من قبل الطرف المخالف عندما تعييه الحجة والبرهان.
وبسبب تعذّر توجيه الصدمة في الوقت الحاضر؛ لذا يسقط هذا الاختيار تجنُّباً للوقوع بالمحذور من التسبُّب في سبّ الله عزّ وجلّ اسمه وسبّ وليّ الله.
اءُسلوب سلب القدرة
الاءُسلوب الثاني من المواجهة هو اءُسلوب سلب القدرة من الطرف الآخر، أي انتزاع تلك القدرة التي بها يواجه خصمه. وهذا الاءُسلوب يحتاج إلى جهد وتنفيذ دقيقين. يوجَّه هذا الجهد إلى ركائز البنية الفكرية للمخالف، والسعي لهدمها واحدة تلو الاءُخرى. أي من خلال بيان زيف شرعيتها، وهشاشة قوتها، وضعف قواعدها، وقصورها عن الصمود أمام مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، وهذا ما يعبَّر عنه بتعرية الضلال، أي بيان أنّ الاءُسس للمدرسة المخالفة هي خاوية، ضعيفة، مهزومة وغير حقيقية.
من جملة ما يفيدنا هنا هو: مخالفتهم لآية الغدير، آية الولاية، حديث الثقلين، رزية الخميس، السقيفة، فدك، الهجوم على دار السيدة الزهراء المرضية (عليها السلام) وكسر ضلعها، وغضبها على القوم، ثم شهادتها. هذه من الاءُمور التي تترك آثاراً عند الطَّرف المقابل وتهز ثقته بمدرسته وقادته، حتى وإن لم يظهر هذا التزلزل في ثقته بهم.
وأيضاً العمل على بيان ضعف هؤلاء القادة غير الشرعيين، وعجزهم عن تشخيص الحكم الشرعي في مواطن كثيرة. بل وارتكابهم للكثير من المخالفات، حتى وصل الأمر ببعضٍ منهم إلى ارتكاب الجرائم المنكرة، واعترافهم بها في بعض المواطن.
________________________________________

[الصفحة - 97]


ونعوّل كثيراً على تناول هشاشة مصادر الحديث والرواية عند المخالفين، وبيان زيفها ومخالفتها لصريح الأدلَّة الشرعية. وهنا يمكننا الاستفادة من الكثير من الكتب والمصادر لعلمائنا الأبرار المتوفرة على شبكة الإنترنت، والتي لم يسبق للمخالفين الاطلاع على ما تتضمَّنه من حقائق طوال حياتهم.
وهكذا سوف تُسلب القدرة من المخالف في هذه المواجهة، وسوف يشعر بالعجز والضعف العميقين.
ومثل هذه الإثارات لا يمكنه أن يتجاهلها، سيما إذا سمعها وتلقاها بشكل علمي مملوء بالمحبة والإخلاص، وخالٍ من الإثارة والاتهام المنهيّ عنهما.
جدير بالذكر هنا، أنّ الآخرين قد باشروا بممارسة هذا الاءُسلوب (سلب القدرة) في مواجهتهم للطائفة الشيعية بشكل غير مباشر. وهذا ما يتضح جلياً في تقرير المخابرات الأمريكية الذي نُشر في العام الماضي، والذي يصرّح بضرورة ضرب مراكز القوَّة في الطائفة الشيعية، وأهمها مراكز القيادة المتمثلة بالمرجعية الدينية، وأيضاً الشعائر الحسينية التي تشكل مصدر إشعاع فعَّال للفكر الثائر المقاوم لأنواع الظلم والاضطهاد والتزوير.
لِنَرَ الآن، بماذا يأمرنا الشارع المقدس ونحن نمارس الاءُسلوب الثاني من أساليب المواجهة؟
ورد في الكافي الشريف بسنده عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال: «إذا ظهرت البدع في اءُمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله» (10) .
أيضاً ما تنصّ عليه فتاوى المراجع وفقهاء الدين أعلى الله تعالى مقامهم، وحفظ الباقين منهم ذخراً للإسلام والمسلمين. نورد منها ما ورد في الاستفتاءات من سماحة آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي دام ظله الشريف:
«باسمه تعالى، كل من أحرز ضلالة المُضَلّ، وجب عليه شرعاً تنبيه الغافلين والمغرَّر بهم على ذلك، من باب أنّ الوظيفة الشرعية بيان الحكم الشرعي للجاهل به، والله الهادي إلى سبيل الصواب» (11) .
________________________________________
(10)الكافي، ج1، ص 54، رواية 2.
(11)موقع سماحته على شبكة الانترنت: http://www.tabrizi.org .

[الصفحة - 98]


نلاحظ هنا التباين بين النهي الوارد على الاءُسلوب الأول المتمثل بالسبّ والمصادمة، والذي يستبطن نوعاً من التسبيب لذكره تعالى اسمه بما لا يليق به، وسبّ وليّ الله، وبين ما ورد في هذه الرواية الشريفة، ومن الاستفتاء الشرعي من الحث، بل وجوب إظهار (العلم) وفضح أهل الريب والبدع وكشفهم. وهذا يفيد على أنّ محلّ بذل الجهد والطاقة هو في بيان ضلال المُضَلَّل، وكشف زيف المدعين بالإسلام والولاية، لا باءُسلوب المصادمة والمواجهة المباشرة المثيرة.
نذكر مثالًا من موارد تطبيق هذا الاءُسلوب (سلب القدرة) هو أثناء الحوار أو ما يُعرف بالمناظرة مع المخالفين. حيث إن قوة المخالف تكمن في ثلاثة محاور.
1 ـ شبهات واتهامات ضد عقائد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وفكرها.
2 ـ العجز في فهم العقائد والاءُسس في مواضيع: علم الفقه، الكلام، الحديث أو غيرها لدى الطائفة الشيعية.
3 ـ عقائد واءُسس مدرسة المخالفين.
بعد الفراغ من ردّ الشبهات الواردة، ورفع العجز عن فهم عقائد الطائفة الشيعية الحقة، وإفهام الطرف المقابل بهما، يصل الدور إلى العمل على بيان ضعف تلك الاءُسس التي شُيدت عليها مدرسة المخالفين وهشاشتها.
من الاءُمور المهمة التي ينبغي عدم الغفلة عنها هي معرفة القيمة الحقيقية لمدارس المخالفين التي ننوي العمل على اختراقها وهدم اءُسسها ومعرفة القوة الحقيقية لها ومتانتها، أي أن نتعرف على ماهية المدارس الاءُخر.
كما علينا التأكيد في المقابل على قوة مدرسة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) ومتانتها وأصالتها، وأنها هي الإسلام بعينه والإسلام هو بعينها، بل هي الإسلام كله، هي القرآن كله، الحق كله، بل الحق يدور معها، بل هي النور كله، وذلك أنها تنتسب إلى أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وعترته الذين هم جميعاً مصدر ذلك كله.
بما أنّ هذا الاءُسلوب (سلب القدرة) يقوم على أساس اختراق جميع جدران
________________________________________

[الصفحة - 99]


البنية الفكرية للمخالف، ويعمل على هدم اءُسسها واحدة تلو الأخرى، فهو يستلزم بالضرورة الانطلاق من قاعدة متينة ورصينة لتنفيذ هذه المهمة في ساحات الطّرف الآخر. وأنّ أي تزلزل وتفكك في صلابة قاعدة الانطلاق سوف يترك آثاراً سيئة جداً على الغاية، بل قد تكون النتائج معكوسة لا سمح الله تعالى، حيث الدفاع عن المبدأ الحق، والجدل مع المخالف جارٍ على قدم وساق. كما أنّ محاولات إقناعه بأنّ في البين تمويهاً على بعض الحقائق، وإخفاءً لبعضها الآخر، هي الأخرى جارية بغية تعريفه بالحقيقة المغيّبة، وبالحقوق المضيّعة والمفرّط فيها.
من هنا ندرك مدى فاعلية هذا الاءُسلوب وقدرته على تغيير عقيدة الشخص، فيما إذا كان بناؤها هشّاً ضعيفاً غير مستحكم القواعد، وهذا يسري على المخالفين والموالين على حد سواء. ونفهم أيضاً ما تعنيه تلك الوصايا والروايات العديدة من أهل البيت، أرواحنا لهم الفداء، في حث شيعتهم على التَّسلُّح بنور العلم؛ لردء الوقوع في مثل هكذا مواقف تشكل خطراً جسيماً على المؤمن.
نستنتج مما مرَّ أنّ هذا الاءُسلوب تدعمه أدلة شرعية تدل على وجوب كشف الباطل والضلال وتعريتهما، وبعد التوصل من خلال التفحص إلى أنّه مفيد في المواجهة وتحقيق الهدف، يتبين أنّه سلاح ذو حدّين، ويستدعي الجهد والتنفيذ الدقيقين.
* * *
________________________________________

[الصفحة - 100]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف