البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ظاهرة العصبويَّة النِّسويَّة رؤية نقديَّة

الباحث :  أ. على أكبر رشاد
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  25
السنة :  السنة السابعة ربيع 1423هجـ 2002 م
تاريخ إضافة البحث :  February / 16 / 2015
عدد زيارات البحث :  2032

ظاهرة العصبويَّة النِّسويَّة رؤية نقديَّة

على أكبر رشاد (*)

لا ريب في أنَّ ضروب الظُّلم التي حاقت بالمرأة هي من أفظع صنوف الظلم وأقدمها في التاريخ الإنساني، ولا شكَّ في أن ذلك يحتّم على العقلاء وطلَّاب الخير أن يبادروا عاجلًا لمداواة هذا الجرح الإنساني الغائر، وإسعاف آلامه المدمنة بالوسائل العلميَّة والمنطقيَّة والعمليَّة.
من الطَّبيعي أن ليس كلّ مدافع عن «حقوق المرأة» هو بالضَّرورة من أنصار نزعة التفوّق النَّسوي (Feminism)، كما أنه ليس من الضَّروري أن يكون كلّ من يلتزم موقفاً نقدياً من ظاهرة العصبوية النسوية (فيمينسميَّة Feminism) (1)من مناوئي حقوق المرأة، ومن ثم لا ينبغي المساواة بين القضيَّة الأساسية المتمثِّلة في الدفاع عن حقوق المرأة ومنزلتها الإنسانية وبين النّزعة العصبويَّة النسويَّة، علاوةً على أن إخضاع نسق فكري معيّن، أو اتجاهٍ ما، إلى الدِّراسة التحليلية النقدية لا يعني بالضَّرورة إنكار الأبعاد الإيجابية في ذلك الفكر، أو التفريط بالمعطيات الصحيحة لذلك الاتجاه، فما أكثر الأنساق والاتجاهات غير الصحيحة التي تضمّ، إلى جوار الأبعاد السلبية والمكوّنات الضارة، معطيات إيجابية وعناصر نافعة تتلازم معها بالضَّرورة.
الظَّاهرة وتنوُّع الاتّجاهات
لقد انشقّت أجواء أوائل القرن السَّابع عشر الميلادي عن ظهور النَّزعة النَّسوية بوصفها حركةً لاستيفاء حقوق المرأة، لكنها ما لبثت أن تحوّلت، الآن، إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)رئيس المعهد العالمي للثقافة و الفکر في إيران
(1)«الفيمينسم (Feminism): مصطلح من أصل فرنسي، تمّ استخدامه في أوروبَّا للإشارة إلى حركة التحرُّر النسوية، بيد أنه استخدم، في هذا المقال، على نحو أخص، ومقابلًا لمصطلح «النظام الأبوي». أقترح أن يقابله في العربيَّة: نزعة التفوُّق النسوي، النّزعة النسويَّة، النخبويَّة النسوية، السيادة النسوية، النِّظام النسوي، ظاهرة العصبويَّة النسوية. لكن ما دام لم يتم الاستقرار على مصطلح محدَّد، فقد قمت بالمزاوجة بين هذه التنويعات وبين الأصل اللَّاتيني، بانتظار أن يتم الرسوَّ على اختيار بعينه.

[الصفحة - 309]


«مشروع»، أو «أطروحة»، أو «منهج للدَّرس»، لها حضورها في أغلب حقول العلوم الإنسانية كالحقل المعرفي، والوجودي، وفي مجال الإلهيات، والأناسة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وفي مضمار فلسفة الأخلاق وفلسفة الحقوق وفلسفة السياسة. بل ربما امتدّت، في مداها، لتسجّل حضورها، أحياناً، حتى على مستوى بعض حقول العلوم الطبيعية كعلم الأحياء مثلًا.
تأسيساً على هذا، اكتسبت هذه النّزعة هويَّة ذات أضلاع متعدِّدة، بحيث راح كل ضلع من أضلاعها يستوعب وحده، أحياناً، مسالك متنوِّعة ترتكن إلى مرتكزات ومنطلقات مختلفة.
وفي نطاق مجالٍ محدود هو الدراسات الاجتماعية، وحقل علم النفس الاجتماعي، برزت نِحَل متنوِّعة مثل العصبويَّة النسويَّة الليبرالية، الماركسية، والاشتراكية، والنفسيَّة، والوجودية، والراديكالية، وأخيراً عصبويَّة ما بعد الحداثة.
إذا كان الادّعاء بأن الفلسفة كانت، في القرون الوسطى، خادمة للدِّين، فإن العلم قد أضحى، في رأينا، في العصر الجديد، خادماً للأيديولوجيات! فبدلًا من أن يؤلف الجانب المعرفي البنية التحتية التي تقوم عليها النَّظريات الحقوقية والسياسية، صارت النُّظم السياسية والحقوقية تزوّر أسساً ومباني معرفيَّة متطابقة مع محتواها!
لقد نفذت الأيديولوجيات إلى الواقع المعاصر، فأصبح من الممكن تلمّس بصماتها حتى في علوم كعلم الأحياء، بل تحوّل عنوان، مثل «علم الأيديولوجيا»، إلى واقع قائم. إن العقلاء يدركون جيِّداً أن اختلاط حقول البحث والدراسة، وتسييس العلم والفلسفة ووضعهما تحت طائلة الاتجاهات المختلفة، وفي معرض المسبقات والفرضيَّات السياسية، لن يفضي إلى نتيجة غير تحريف الحقائق وغموض فضاء العلم والمعرفة الإنسانية. لقد سعت الماركسية، في يوم من الأيام، إلى تعميم الأصول الهشّة لـ «الديالكتيك الماركسي» كي تشمل، في آنٍ، مرافق العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية جميعها، بيد أنها لم توفَّق. وفي برهة أخرى، بادر النازيون إلى إقامة مدَّعياتهم الفارغة على أسس علمية، مستفيدين من طاقات ألوف علماء الأحياء وعلماء الاجتماع، ومن جهود ثلاثين ألف طبيب عضو في الاتحاد الوطني للأطباء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 310]


وفي التنظيم الطبي للحزب النازي، ومع ذلك لم يحصدوا غير الإخفاق. واليوم، ها هي العصبويَّة النسويَّة تعيد الكرّة مرة أخرى، وهي تسعى إلى تكرار التجارب المخفقة نفسها بذريعة الدفاع عن حقوق المرأة.
إنَّ الدِّفاع عن الحقوق المشروعة للمرأة لا يتطلب، في نظرنا، تحريف العلوم والأفكار، كما لا يحتاج إلى قلب الحقائق الطبيعية والواقعيات الإنسانية.
تضخيم الفوارق
يؤدِّي تضخيم الفوارق الطَّبيعية الواقعية، بين المرأة والرجل، على أسس اجتماعية، ودقّ أسفين الثنائية بينهما في الجانب الطبيعي والفسلجي (علم وظائف الأعضاء)، ارتكازاً إلى الأسس نفسها، بحيث يتمّ تفسير حتى النشاطات الوراثية والفسلجية والإفرازات الهرمونية على أنها نتيجة لهيمنة المؤسسة الحاكمة على المجتمع وحصيلة للتربية الاجتماعية الخاصة...، يؤدِّي هذا كله إلى تشويه العلوم والمعارف. وما دامت هذه الرؤية لا تحظى بالطابع العلمي، فهي لن تفضي مطلقاً لحلّ مشكلة الحقوق المغيّبة للمرأة، كما لن تؤدِّي إلى استعادة مكانتها المفقودة.
هل يمكن النَّظر إلى الفوارق الطبيعية والفسلجية وتفسير الاختلاف الجنسي المشهود، في سلوك الكائنات الحية الأخرى، مما له شبه كبير بالفوارق والاختلافات الموجودة بين البشر؟ هل يمكن تفسير ذلك على أساس أنه نتيجة طبيعية وثمرة لتربية اجتماعية وتاريخية خاصة؟ إذا لم يكن الأمر كذلك ـ وهو ليس كذلك ـ فلماذا نعرض لهذا التصوُّر حيال الإنسان وحده، ونقصر مثل هذا التَّعاطي عليه؟ هذا النَّمط من التعاطي يعني السعي إلى حل معضل ما بإيجاد معضل أكبر منه!
التَّطرُّف المزدوج
الإفراط والتَّفريط هما أكبر ساحة نُحرت عليها الحقيقة على مدار التاريخ. ففي برهة من عمر الإنسانية، جعل المفرطون والمفرِّطون «الإنسان» مساوياً لـ «المذكر» وحسب، فصارت المرأة عندهم في المرتبة الأدنى! لقد تحوّلت هذه الرؤية المناهضة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 311]


للدين والإنسانية والعلم إلى منشأ لصنوف من الظلم لا تحصى أصابت المرأة ونزلت بساحتها. أما الآن، فقد راحت العصبويَّة النسائيّة الراديكالية تصرّ على نزعة التفوّق النسوي من خلال الانزلاق إلى توجّهات متطرفة غير علمية في الصِّفات النسوية، وعبر الاتكاء على الفوارق الفسلجية!
ما نراه صائباً، في نظرنا، هو أنه لا يمكن دفع مقولة خاطئة بمقولة خاطئة أخرى، وإن الدفاع السيِّى يلحق أضراراً بالقضية أكثر ممَّا يفضي إليه الهجوم الجيد.
يبدو أن النزعة «الفيمينسمية» المتطرِّفة ترى أن وجود ضرب من سلطة أحد الجنسين: الرجل أو المرأة، على الآخر، هو حتمية لا بد منها. استناداً إلى هذه النَّظرة ذهبت العصبوية النسويّة إلى نعت المنظومة الاجتماعية القديمة بصفة «النظام الأمومي»، كما تصور ذلك «الفيمينسميون» الماركسيون، من دون الاستناد إلى أي دليل عقلي أو علمي معتبر.
انطلاقاً من هذا التصوّر، وتأسيساً عليه، راحت الماركسية تواجه الوضع القائم الذي يعبّر بزعمها عن هيمنة «النظام الأبوي»، لتعيد البشرية، عبر نضالها، إلى النظام الأمومي! على حين نجد ـ في نقد هذا المنزع ـ أن هذا التصور يستند، من جهة، إلى فرضية مسبقة خاطئة، كما نجد من جهة أخرى أن سلوك بعض المجتمعات، في تنظيم نسق العلاقات الأسرية، في الماضي، لم يكن صحيحاً، كما ننتهي أخيراً إلى أن المناهج المتطرِّفة التي تتدلَّى بين حدّي الإفراط والتفريط، في معالجة المشكلة الموجودة حاضراً، نأت عن جادة الصواب.
حكم واحد لموضوعات مختلفة!
من الآفات الأخرى التي يفضي إليها المنهج «الفيمينسمي» هو إصدار حكم واحد على موضوعات مختلفة. فما يترتب، منطقياً وموضوعياً، على الفوارق البيئية الثقافية العميقة، والفوارق الدينية، واختلاف الحرف والعادات والتقاليد والرسوم، وكذلك تنوّع صنوف الظلم التي نالت النساء؛ هو أن يصار بالضرورة إلى دراسة حقوق المرأة والوسائل الكفيلة بتأمينها على نحو منفصل من مجتمع إلى مجتمع آخر. وإلَّا فإن إصدار نُسَخ علاج عامة، والركون إلى توصيات لا تستند إلى الرؤية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 312]


والبصيرة غالباً، ما أدّى إلى مضاعفة أوجاع المجتمع الإنساني المريض، وأفضى بالبشرية المعاصرة إلى زيادة التَّبعات السلبية وإضافة أمراض جديدة!
التَّحليل المتكرِّر
من الآفات الأخرى، التي تبرز على النِّطاق المعرفي والمنهجي، هي التحليلات المتكرِّرة الآحادية التي تركن إليها النزعة «الفيمينسمية». فقد تعاملت هذه النزعة مع مرتكزات الماركسية والاشتراكية والنفسانية والوجودية، والمنهجيات المنبثقة عنها، على أنها «حق»، مع أن هذه الاتجاهات عجزت عن مواجهة مئات الأسئلة الفلسفية والعلمية الأساسية، وأعلنت عن استسلامها بإزائها. إن تبنّي «الفيمينسمية» لهذه الاتجاهات والرّكون إليها، في تقديم تفسير للوجود والحياة وتدبير الطبيعية والمعيشة، لم يكن لهما، في النَّتيجة، إلَّا عرض طرق عمل مثالية متكرِّرة غير فاعلة، لم تستطع حتى الآن أن تزيل المشكلات وتتخطى المعضلات، ولن تستطيع.
من بين الفرضيات الخاطئة، في نسق التحليل «الفيمينسمي»، الاستهانة بالأدوار النسوية التي تنهض بها المرأة وتحقيرها، كما هو الحال في الدور المصيري الذي تلعبه الولادة بوصفها أداة لإدامة النسل البشري ـ الذي يُعَدّ بدوره إكليلًا في تاج الخليقة ـ، فضلًا عن الاستخفاف، أيضاً، بدورها في تربية الأولاد، هذا الدور الذي يهبها موقعاً متفرِّداً في تربية البشرية، وكذلك الاستهانة بالمهمة التي تضطلع بها على مستوى تدبير المنزل وتنظيم شؤون الأسرة التي تعدّ بدورها النواة التي تؤلف المجتمع. إن نظرة الازدراء هذه التي تحفّ بالأدوار الحياتية العظيمة، فضلًا عن أنها تردع المرأة عن أداء هذه المهمات على نحو صحيح مصحوب بالإحساس بالعزة والرضا، ومن ثم تعرّض مستقبل الحياة الإنسانية إلى الزوال، وتستخفّ بالدور التاريخي للمرأة ولا تعبأ به، وتفتح المجال للتعامل مع ماضي المرأة والنظر إليه بازدراء واحتقار، فإنها تعمد، أيضاً، إلى إضفاء الصحة على مقولة التفوّق الذاتي للرجل، وتهب قيمةً للنظام الرجولي وإلى ما يقوم به الرجال من مهمات وحسب. وهذا الأمر بنفسه ظلم مضاعف آخر يلحق النساء بذريعة نزعة التَّفوُّق النسوي، وبدعوى الدِّفاع عن حقوق المرأة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 313]


يلحظ، أساساً، أن الرؤية الذكورية للمرأة والتعاطي مع الحياة والوجود والعلاقات الإنسانية، عبر النزعة الرجولية، يفضي إلى التَّقليل من شأن المرأة والحطّ من منزلتها الإنسانية الرفيعة. فـ «الذكورية، أو الرجولية»، ليست من لوازم «إنسانية» المرأة، ومن ثم إذا ما أريد للمرأة أن تحقق شأنها المتعالي الرفيع، فعلينا أن نتعاطى معها كـ «إنسان» لا كـ «رجل»، و «الرجولة» ليست من لوازم إنسانية المرأة.
في الحقيقة إن تشبيه النساء بالرجال ومقارنتهن بهم، وتشبّه النساء بالرجال، هو إقرار بأفضلية الرجال. وهذا ما لا يتوافق مع نظرة الاستهانة والتحقير المفرط الذي تتعامل به «الفيمينسمية» المتطرفة مع الرجل، كما لا يتسق أيضاً مع الشأن الكريم والمنزلة المحترمة اللذين تحظى بهما المرأة.
لقد أدى تلبُّس المرأة بالطابع الرجولي، في العصر الحاضر، إلى أن تعيش المرأة حالة من الاستلاب والغربة عن الذات، والمكوث في برزخ «المرأة ـ الرجل» دفع المرأة إلى التورّط في أزمة شخصية وإلى الانجرار إلى دار «الأثنينية» وفصام الشخصية. لهذا بات النسق السلوكي للسيدات ونمط تصرفهن متغيراً تبعاً لتفاوت «البيئات» واختلاف «الأدوار المرتقبة منهن» وبحسب طبيعة شروط حضورهن في «البيت أو المجتمع». ونحن نعرف جميعاً أن حالة كهذه تردع الإنسان عن النهوض بالمهمات الثابتة والنشاطات المؤثرة.
تسييس الحياة الخاصة
من النَّوازع الخاطئة الأخرى للنخبويَّة النّسوية المتطرّفة هو تسييس جميع شؤون الحياة الإنسانية، حتى العلاقات الزوجية والسلوك الجنسي الخاص والعلاقات الأسرية! لقد كانت مقولة السياسة ولعبة السلطة محصورتين، في يوم من الأيام، في مضمار العلاقات العامة وحسب. لكن، من خلال شعار أن «الأمر الشخصي» هو «أمر سياسي» الذي عرض له وتبنّاه دعاة الموجة الثانية من العصوبيَّة النسويَّة، زحفت السياسة أيضاً إلى دائرة العلاقات الخاصة، ونفذت إلى مدار العلاقات العائلية (العلاقة بين المرأة والرجل وبين الوالدين والأولاد) كذلك. ومن الجلي أن رؤية كهذه تجرّ إلى تبديل حالة الصفاء والحب وأواصر التعاون القائمة بين أعضاء الأسرة بالتَّخاصم والتَّنابذ، وهذا ما حصل فعلًا!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 314]


ازدراء مؤسسة الأسرة
إن نسبة صنوف السُّلوك المضطرب وألوان الظلم والأذى الذي لحق المرأة إلى أصل وجود مؤسَّسة الأسرة، وإلى الزِّواج القانوني والشَّرعي، والإضرار بسمعة مؤسسة الأسرة والنَّيل من قداستها وتعريض سلامتها للخطر، عبر تبنّي نظريات عديدة، مثل: «الزِّواج الحر»، و «فصل العلاقات الجنسية عن مدار البيت، والتفكيك بينها وبين الحمل والولادة»، والدَّعوة إلى الأسرة المكوَّنة من أب واحد، والتبشير بـ «الحب المفتوح»، و «الاكتفاء بالجنس المماثل» هذه جميعها، وما شابهها، آفات أخرى أورثت المجتمع البشري سلبيات كثيرة ومشكلات لا قِبَل له بها.
لقد عملت هذه الصيغة من التعامل على «محو صورة المسألة» بدلًا من «حلها وعلاجها»، تماماً كما يحصل لأهالي بلد يسيطر عليه حاكم ظالم، وتستبدّ به حكومة ظالمة، فبدلًا من أن يواجه أهلُ ذلك البلد الحاكمَ الظالم تراهم يبادرون إلى رفض أصل وجود الحكومة وضرورتها، وينفون أصل الحاجة إلى وجود النظام الاجتماعي! لا ريب في أن أسلوباً كهذا يفضي إلى تعقيد المشكلات الموجودة ومضاعفتها.
فضلًا عن الآفات والتَّبعات السَّلبية التي سلفت الإشارة إليها، فقد تركت مرتكزات الظاهرة «الفيمينسمية» ومنطقها آثاراً سلبية مكثّفة على الصُّعد النفسيَّة والأخلاقية والاجتماعيَّة والسياسية، وراحت تأخذ بتلابيب المجتمع الإنساني المعاصر، وتضغط عليه بشدّة. ومع الأسف، نجد أن الواقع يزداد سوءاً على الرّغم من تضاعف الادّعاءات والمزاعم وتكاثف المبادرات!
رعايةً للاختصار، ستتم الإشارة إلى بعض تلك النتائج والمضاعفات السلبية. في بعض المجتمعات عمدت حركة العصبويَّة النِّسوية إلى ضرب النَّسق التقليدي للعائلة وتقطيع أوصاله، من دون أن تنجح في استبداله بنظام آخر معقول ومنطقي يحلّ مكان النظام القديم، ومن ثمّ أدَّت حالة تراكم الخصومة والصراع، وبثّ بذور النفاق في رحاب العائلة وفي ثنايا ربوعها الدافئة، إلى استبدال المودَّة والرحمة بالشنآن والبغضاء والقسوة، وإلى تغيّر الدفء والوفاء إلى البرودة والخيانة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 315]


لقد تحوَّلت العلاقات العاطفية الدافئة، القائمة على أساس الطبيعة الإنسانية، والتي تفيض بالهدوء والسكينة، إلى علاقات اعتبارية متيبِّسة لا روح فيها، وإلى ضوابط متكلّفة. بكلمة واحدة، أفضت تبعات هذه الحركة إلى الهبوط بالعلاقات الطَّبيعية الحميميَّة القائمة بين أعضاء الأسرة، إلى مستوى العلاقات النَّفعية لشركة تجارية أو حزب سياسي، كما نزلت بأجواء الأسرة إلى مستوى غدت فيه ساحة لألاعيب السلطة!
أما على مستوى بعض المجتمعات، أو الطبقات الاجتماعية، فنرى أنَّ الدَّور الحيوي المصيري المتفرِّد الذي يلعبه الحمل والولادة، والمهمَّة المقدسة التي تنهض بها حضانة الأولاد وتربيتهم، تتحركان على مسار يهوي نحو الأفول، ما يعرّض سلامة النَّسل الإنساني، ويرمي به إلى مهاوي الضياع والخطر.
لقد راحت ظاهرة أولاد الشَّوارع والفتيات والفتية اليافعين الذين يعيشون ضغوطات عقدة غياب الأب وفقدانه، ويفتقدون إلى حنان الأم وأفيائها التي تتضوع بشذى الحب، تهدّد المجتمع الحديث. ثم إن هذه التَّبعات جميعها هي من نتائج نظريات «الحب المفتوح» و «الزواج المشاعي» و «العلاقات الحرة» و «الأم العازبة!» و «الزواج المشترك»، وما إلى ذلك من ضروب النَّزعات الشاذَّة.
الصحَّة النفسية
إنَّ أوَّل ما تخسره المرأة المفتونة بشعارات العصبويَّة النِّسوية هو الجوهرة النفيسة المتمثِّلة بـ «الصحَّة النفسية». إن تلظِّي المرأة التي لا ملجأ لها، ولا ملاذ، ولا مستقبل، في أتون الأزمة النفسية، وعيشها في ظلِّ حياة كئيبة، ومعاناتها للضياع... ذلك كله يعكس عقدة مغلقة أخرى من عقد الحياة الاجتماعية ومعضلاتها في العالم المعاصر!
لقد استبدلت المرأة الغربية «الحرِّية الحقيقية» بـ «إحساس الحرية»؛ هذا الإحساس الذي لا يزيد عن كونه حالة نفسية كاذبة. لذلك، ما إن تنتبه هذه المرأة قليلًا، وتعود للحظة إلى ذاتها، حتى تدرك كذب هذه الحالة، وتكون في مواجهة المضاعفات المشار إليها في ما سبق من قول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 316]


إنَّ الأزمة الأخلاقية الضَّاربة كالأخطبوط في شعاب حياة الإنسان الغربي ووجوده، هي من بين تبعات شعارات «الفيمينسمية» المتطرِّفة ونسقها السلوكي. كما أن شيوع العلاقات الجنسيَّة الشاذَّة والمناهضة للفطرة، مثل الاكتفاء بالممارسة الجنسية المثليّة والنَّزعة الذكورية، والميل إلى الإمتاع الذاتي (بالعادة السرِّية والمساحقة) صارت بأجمعها سبباً لشيوع أمراض جسميَّة ونفسية لا تحصى.
لقد نفخت البرجوازية بداية عصر النهضة بلهيب الشعارات الفيمينسمية، بهدف استغلال المرأة واستثمار طاقتها، وبذريعة تحريرها من أسر العمل في المنزل، وبدعوى تخليصها من أداء الوظيفة في نطاق العائلة المغلقة، ما أدَّى بها إلى العمل في المصانع والخدمة في المجتمع (الأسرة الكبيرة والمفتوحة)، بوصفها طاقة عمل رخيصة، علاوة على ما تتصف به من دقة وطاقة وأناة في الأداء. لكن لم يكن نصيبها في إطار الموقع الجديد غير المواقع الهامشية التافهة وغير الأساسية، ولم يُعهد إليها بغير المشاغل الأسرية وشبه الأسرية.
الإمتاع وعروض الجمال، وممارسة الإغراء عبر مهمَّات الضيافة والاستقبال والسكرتارية، والعمل في التربية ورياض الأطفال، وممارسة البيع، والنهوض بدور جذب المشتري في المتاجر والمعارض، وبقية ضروب العمل الخدمي هي المصاديق الغالبة في العمل النسوي.
تعاني المرأة، اليوم، من تبعات جسميَّة ونفسية فادحة وكثيرة؛ ناشئة عن عملها خارج المنزل، وعلى نحو ما من المسؤولية المضاعفة التي تتحملها نتيجة العمل المزدوج في المنزل والمجتمع، والدور الذي تنهض به على الصعيدين.
ولم يكن الاستغلال السِّياسي للعصبويَّة النِّسوية والحركة الفيمينسمية، كما في استثمار المرأة في نطاق المنافع الأيديولوجية والحزبية، أقل من استغلالها اقتصادياً. و «الفيمينسمية الماركسية»، من خلال ما ذهبت إليه من أن الاختلاف بين المرأة والرجل هو جزء من الحرب الطبقية، ومن ثم إدخال المرأة في عداد البروليتاريا، أنكرت عمليَّاً أوَّلية النضال من أجل حلّ مشكلة المرأة، هذا علاوة على ما انتهت إليه من تحريف الواقع وإيجاد الانحراف في مسار النضال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 317]


إذا كان ظهور الحركة «الفيمينسمية» يومى، في البدء، إلى وجود الظُّلم بحقّ المرأة، فإن تطوُّر هذه الحركة وانبثاق اتجاهاتها الجديدة تحوّل إلى دليل على عدم فاعلية هذا المسار والوسائل التي استخدمت في الدِّفاع عن المرأة وتأمين حقوقها الضائعة.
بعد أربعة قرون من بزوغ هذه الحركة والجهود التي بذلت، في هذا الاتجاه، لا نجد، في سجلّ هذه الحركة، غير السلبيات والجرائم، مثل تحريف الحقائق العلمية، وزيادة الغموض في مقولة الحقوق، وزيغ مسار النِّضال، وعدم نيل الحقوق المشروعة للمرأة، وتسعير حالة التَّخاصم والصراع، وزوال حالة الصفاء، وانعدام الوفاء، وشيوع التَّبعات الروحية والجسمية الفادحة، وتفشّي الأضرار الاقتصادية والاجتماعية، وغياب الأرصدة الأخلاقية، وافتقاد الملاذات الدينية والتقليدية. وفي النهاية، هبوط منزلة المرأة وعدم نيلها للشأن الذي يليق بها في المجتمع المعاصر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 318]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف