البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

المرأة في الإسلام حقوق ام حماية

الباحث :  د. تكتم رضائي
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  25
السنة :  السنة السابعة ربيع 1423هجـ 2002 م
تاريخ إضافة البحث :  February / 16 / 2015
عدد زيارات البحث :  1848

المرأة في الإسلام حقوق أم حماية

د. تكتم رضائي (*)

بعد إلقاء نظرة سريعة وخاطفة، في مجموع ما ورد من تعاليم الإسلام، في خصوص المرأة، نجد في هذه التّعاليم ميلًا شديداً ودفاعاً واسع النِّطاق عنها، مبنيَّان على أسس قويمة، وقد يكونان أحياناً أفضل وأوسع نطاقاً حتى من الحق الذي منحه القانون لها، بل إن ما ورد في شريعة الإسلام، في هذا الخصوص، أسمى بكثير من الآراء والرؤى التي تتضمَّنها أي دعوة وضعيَّة تعمل لصالح المرأة. وبالطَّبع، دائرة البحث، في هذا المجال، واسعة جدَّاً، فيتعذَّر إحصاء جميع نماذجها في هذا المقال، ولهذا نكتفي فيه بالإشارة إلى عدة قضايا، وهي:
1 ـ المساواة: وهي أصل لا ريب في ثبوته في الإسلام، وحدوده واسعة النطاق جدّاً. وهذا الأصل يجري في قضايا الحياة جميعها، وفي حق الناس جميعهم. فقد ورد في بعض الأحاديث التَّأكيد على ضرورة رعاية المساواة بين الأبناء وأفراد الأسرة في التوجُّه والالتفات إليهم، بل حتى في توزيع النظرات عليهم، فقد روي أنه: «نظر رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر، فقال النبي (صلي الله عليه و آله و سلم): فهلَّا واسيت بينهما؟!» (1).
ومع ذلك، نجد أن الإسلام قد سمح بالتمييز في التَّعامل بين البنت والولد، قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور...» (2). فمن الواضح، كما نرى، أنَّه قد روعي، في هذا الحديث الشريف، جانب الإناث أكثر من الذكور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)باحثة إسلاميّة،من إيران
(1)الوسائل، 21/487، باب 91، الحديث 3.
(2)نفسه، 21/514، باب 3، الحديث 1.

[الصفحة - 338]


وقد ذكر الحر العاملي (قدس سره) هذا الحديث في الوسائل تحت عنوان: «باب استحباب شراء التّحف للعيال والابتداء بالإناث».
وروي، أيضاً، في بعض المصادر، عن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال: «ساووا بين أولادكم في العطيَّة، فلو كنتُ مفضِّلًا لفضَّلتُ النِّساء» (3).
2 ـ زيادة الرقّة على البنات: أثنى الإسلام على معاملة الأبناء بالتودُّد إليهم والعطف عليهم، وخصَّ الإناث بمزيد من ذلك، فقد أكد كثيراً على هذا الأمر، فورد عن الإمام أبي الحسن الرضا (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال: «قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): إنَّ الله، تبارك وتعالى، على الإناث أرقّ منه على الذكور...» (4). وعلى هذا الأساس أورد الحر العاملي (قُدّس سره)، في «الوسائل»، باباً تحت عنوان: «باب استحباب زيادة الرقّة على البنات».
3 ـ منزلة الأم الخاصَّة: إن للأب والأم في الإسلام مقاماً رفيعاً وسامياً، وعليه فلا بدَّ من احترامهما وتكريمهما، خصوصاً الأم التي ورد في حقها تأكيد أشد، لما لها من منزلة خاصة، فورد عن النبي الكريم (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال: «إذا كنت في صلاة التطوُّع فإن دعاك والدك فلا تقطعها، وإن دعتك والدتك فاقطعها» (5). وقال، صلوات الله عليه وآله، أيضاً: «الجنَّة تحت أقدام الأمهات» (6). وعن الإمام أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام)أنه قال: «قال موسى بن عمران: يا ربِّ أوصني... قال: أوصيك بأمِّك. قال: ربِّ أوصني، قال: أوصيك بأمِّك. قال: ربِّ أوصني، قال: أوصيك بأمِّك. قال: ربِّ أوصني، قال: أوصيك بأبيك. قال: لأجل ذلك أن للأم ثلثي البرّ وللأب الثلث» (7).
وقال الإمام أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «واعلم أن حق الأم ألزم الحقوق وأوجبها لأنَّها حملت حيث لا يحمل أحد أحداً، ووقَتْ بالسَّمع والبصر وجميع الجوارح مسرورةً مستبشرة بذلك. فحملته بما فيه من المكروه الذي لا يصبر عليه أحد، ورضيت بأن تجوع ويشبع، وتظمأ ويروى، وتعرى ويكتسي، وتظلّه وتَضْحى. فليكن الشكر لها والبر والرفق بها على قدر ذلك، وإن كنتم لا تطيقون بأدنى حقها، إلَّا بعون الله» (8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)ميزان الحكمة، 4/3673.
(4)الوسائل، 21/367، باب 7، الحديث 1.
(5)مستدرك الوسائل، 15/181، الباب 70، الحديث 4.
(6)نفسه، 180.
(7)نفسه، 181، الحديث 5.
(8)نفسه، الحديث 2.

[الصفحة - 339]


وحينئذ، لما كان للأم، بلحاظ كونها امرأة، حقوقاً أو مكانة وقيمة أكثر من الأب، بوصفه رجلًا، نطرح التَّساؤل الآتي: هل قنَّن المناصرون للمرأة والمدافعون عن حقوقها ـ بمن فيهم المتطرِّفون منهم ـ حقوقاً كهذه الحقوق؟! وهل ارتفعوا بالمرأة الى هذا المقام السامي الذي رفعها الإسلام اليه؟!
4 ـ الوحي يوصي بالمرأة: إن جبرائيل (عليه السلام)كان يوصي بالنساء خيراً، وبهذا ورد الخبر عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)؛ حيث قال: «ما زال جبرائيل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة» (9).
فالتعبير بـ «ما زال» واضح وصريح جدَّاً في أنَّ الوحي كان يوصي النَّبي (صلي الله عليه و آله و سلم)، كلَّما هبط، بالمرأة خيراً، ويقف إلى جانبها ويكثر من الوصيَّة بها، وكان يذكّر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) دائماً بهذا الأمر الحيوي، حتى أن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) صار يظن أن للمرأة حقاً بحيث لا يجوز لأحد طلاقها إلَّا إذا أتت بفاحشة مبينة. وهذا، أيضاً، وقوف إلى جانب المرأة ودفاع عنها يضاف إلى ما ثبت لها من حقوق.
5 ـ الملاك في كمال الإيمان: إن الإحسان إلى النِّساء والزَّوجات والتلطُّف بهن والتودُّد إليهن هو الملاك في كمال الإيمان وأفضليّته، وفي القرب من مجلس النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) يوم القيامة، فقد روي عن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) أنّه قال: «أقربكم مني مجلساً يوم القيامة... خيركم لأهله» (10)، وقال، عليه وآله الصلاة والسلام: «أحسن الناس إيماناً... ألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي» (11). فإنَّ في المنهج الخلقي الرفيع الذي سلكه النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) تعييناً لملاك الإيمان عند المرء المسلم.
6 ـ تحمُّل سوء خلق الزَّوجة: ورد، في بعض الرِّوايات، التأكيد على ضرورة تحمُّل سوء خلق الزَّوجة وسلوكها والصَّبر على أذاها وعدم مقابلة ذلك بالانتقام والثأر، أو إلحاق الأذى بها كي لا يتلاشى كيان الأسرة بالطَّلاق. وإلى جانب ذلك وُعِد الصَّابرون بالأجر الأخروي العظيم، فقد روي عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال: «... ومن صبر على خلق امرأة سيِّئة الخلق، واحتسب في ذلك الأجر، أعطاه الله ثواب الشاكرين» (12).
وورد كلامٌ لأمير المؤمنين (عليه السلام)، في خطبة له تحدَّث فيها عن سلوك بعض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9)عدة الداعي، 81، بحار الأنوار 100/253.
(10)الوسائل، 12/153، ح24.
(11)بحار الأنوار، 68/387.
(12)الوسائل، 20/174، ح5.

[الصفحة - 340]


النساء، أكد فيه ضرورة مسايرة النِّساء ومداراتهن، ونورد هنا الفقرة المتعلِّقة ببحثنا هذا، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «... فداروهنّ على كل حال، وأحسنوا لهنّ المقال، لعلهنّ يُحسنّ الفعال» (13). وهنا يلاحظ القارى أنه (عليه السلام)يوصي الرِّجال بمداراة المرأة وضرورة المعاملة الإنسانية لها، حتى في حالة صدور أفعال غير لائقة منها، أو سلوك غير صحيح، ولم يوص بالانتقام منها، أو بالتعصّب واستعمال أساليب الضغط والقوة. كما أنه يتَّضح من هذه التعاليم العلويَّة السامية أن سلوك المنهج التربوي والأخلاقي والمعاملة الإنسانية للمرأة من جملة الأساليب التربوية اللازم اتباعها، وفي ذلك إشارة إلى مسألة ظريفة في العلاقات العائلية لا بأس بالالتفات إليها والعمل في ضوئها، وهي معاشرة النساء بحسن الفعال والمقال معهن، ومحاولة إصلاح أخلاقهن بذلك، لا بالشدَّة والغلظة والقوة..
7 ـ المعاشرة بالمعروف: ومن جملة الأمور التي نرى للدِّين فيها ميلًا أكثر ورعاية أشد لجانب المرأة، زيادة على ما لها من حقوق، الإيصاء بمعاشرتها بالمعروف، قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {وعاشروهنّ بالمعروف} (14)والمعروف يتضمن، علاوة على الحق القانوني العادل، معنى رعاية القيم والأمور الأخلاقية والإنسانية، وإن افترضنا أنَّ بعض الرجال راعوا جانب الحق والعدل في سلوكهم مع النساء، ولم يعملوا بالآية الكريمة فهم، في هذه الحالة، يكونون مقصِّرين؛ وذلك لأن المعروف هو ما زاد على الحق، ورعاية جانب الحق والعدل فرض وحق، وليس معاشرةً بالمعروف.
8 ـ مراعاة المزاج والرَّغبة: إنه لابد للرجل من مراعاة أهله وعياله في الأمور المرتبطة بالمزاج والذوق والرَّغبة، وذلك بأن يتبع، في مزاجه ورغبته، مزاج أهله وعياله ورغبتهم، فقد ورد التصريح بذلك في جملة من التعاليم النبوية، فروي أنه (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «المؤمن يأكل بشهوة أهله، والمنافق يأكل أهله بشهوته» (15).
وهذا هو الملاك في معرفة المؤمنين ممَّن يتَّبع اتباعاً عاطفياً ميول زوجته ورغباتها، مراعياً في ذلك مزاجها ومذاقها الخاصَّين ومقدِّماً لهما على مذاقه ومزاجه. أما المنافق فهو على العكس من المؤمن في ذلك، حيث تكون زوجته تابعة له في رغباته ومشاعره العاطفية، فهل تجد لمثل هذه القيم من نظير في الفكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13)نفسه، 20/180، ح7.
(14)النساء، 19.
(15)الوسائل، 21/542، ح3.

[الصفحة - 341]


المناوى لفكر الإسلام والمدَّعي إعطاء المرأة حقوقها؟ وهل بإمكان هذا الفكر أن يتخذ موقفاً صلباً وثابتاً وبهذا العمق، كهذا الموقف الذي وقفه الاسلام إلى جانب المرأة؟!
9 ـ الزَّي والتجمُّل: ولا بد للرجل، أيضاً، من احترام شعور المرأة وأحاسيسها المرهفة في مجال حب الجمال والتجمّل والزِّينة والتزيُّن، كما أن على الرجل ألا يكره زوجته على تقبُّل ذوقه الشخصي ورؤيته الخاصة إلى الجمال والزينة والفن، ولا يجعل هذا المذاق وتلك الرؤية ملاكاً وميزاناً في الحياة العائلية المشتركة يحكّمه حيث يشاء. فقد روى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني (قدس الله روحه) في كتابه «الكافي» حديثاً يقدِّم صورة واضحة لهذا الموقف في باب عنوانه: «باب الفرش، كتاب الزَّي والتجمُّل»، رواه عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، وهو يمثل سلوك الإمام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)مع أزواجه، وفيه درس كبير، قال (عليه السلام): «دخل قوم على الحسين بن علي فقالوا: يا بن رسول الله، نرى في منزلك أشياء نكرهها! وإذا في منزله بسط ونمارق، فقال (عليه السلام): إننا نتزوج النساء فنعطيهنّ مهورهنّ فيشترين ما شئن، ليس لنا منه شيء» (16).
ومن الواضح أن إعطاء الحرِّية للمرأة، في هذا المجال الخاصّ بالنِّساء، ليس إسرافاً ممنوعاً، بل هو مطلوب، لأنه يوافق الضَّوابط والمعايير الإسلامية.
إذاً، فالمعيار، في هذا النوع من السلوك، المشروع، هو عبارة عن الشعور والإحساس والذوق الفني الرفيع والمرهف للنساء الذي يعطي المرأة خيار تزيين بيتها بما شاءت وأحبّت، وتنميقه بكل جميل، وهذا إنما ينمّ عن منتهى التقدير والاحترام لمزاج الزوجة وشعورها ضمن إطار الأسرة، كما أنه يبطل أي نحو من أنحاء سلطة الرجل وتحكّمه بمشاعر المرأة وأحاسيسها ومزاجها.
10 ـ حبّ النساء والإيمان: قال الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «العبد كلما ازداد للنساء حبّاً ازداد في الإيمان فضلًا» (17)، وقال (عليه السلام)، في حديث آخر قرن فيه حبّ المرء للأولياء (عليهم السلام)بحب النساء: «كل من اشتد لنا حبّاً اشتد للنساء حبّاً» (18).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16)الكافي، 6/476، ح1، مسند الإمام الحسين (عليه السلام) ، 3/254.
(17)الوسائل، 20/24، ح10.
(18)نفسه، 20/24، ح12.

[الصفحة - 342]


ولا ريب في أن هناك انتقاداً واسع النطاق للغرائز والشهوات الجنسية في جانبها السلبي، خصوصاً بعد اعتبار ذلك من الثوابت والأصول المسلَّم بها، وأنه كل شيء في الحياة. كما أنَّ في الرّوايات تأكيداً على ألّا يكون الغرض من الزواج تحقيق الأهداف الشخصية والشهوانية وتلبية الرغبات الجنسية فحسب. ويتَّضح من جملة هذه الأحاديث أن المقصود ـ كما يثبته الكثير منها ـ ضرورة حبّ النساء والتلطف بهنّ وبذل المزيد من الحب للأهل، ونعني الحب القائم على أساس إنساني رصين، فقد ورد أن الإحسان إلى الأهل والحب لهم سبب في القرب من مجلس رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يوم القيامة، قال (صلي الله عليه و آله و سلم): «أقربكم مني مجلساً يوم القيامة... خيركم لأهله» (19).
وقال، عليه وآله الصلاة والسلام: «أحسن الناس إيماناً... ألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي» (20).
لقد كان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) في قمَّة الخلق الرفيع، إذ إنَّه كان أرأف الناس وأعطفهم وأبرَّهم بأهله، ما يعكس صورة واضحة عن الأساس والمعيار في صدق العقيدة ورسوخ الإيمان بالدين.
11 ـ النَّهي عن الإضرار بالمرأة: حذَّرت بعض الرِّوايات من الإضرار بالمرأة بمختلف أنواع الإضرار، ونهت عن ذلك. قال الله تعالى في كتابه العزيز: {... ولا تضارُّ والدة بولدها ولا مولود له بولده...} (21)، وقال تعالى في موضع آخر: {أَسْكنوهنّ مِنْ حيث مِن وُجْدِكم ولا تضارّوهنَّ لتضيِّقوا عليهن...} (22).
فإن من الأمور الثابتة والأصول المسلّم بها أصلي التمكين والنشوز اللذين لابد من عرضهما على قاعدة «لا ضرر»، لئلّا تكون ارادة الرجل ورغبته في التمكين والرضاع، وغيرهما من حقوق الزوج، موجبة لإدخال الضَّرر على المرأة. وقد روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، في تفسير قول الله: {لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده} أنَّه قال: «كانت المراضع تدفع إحداهنّ الرجل إذا أراد... فنهى الله عن ذلك أن يضارّ الرجل المرأة، والمرأة الرجل» (23).
فإنه حتى لو لم يكن مورد هذا الحديث المنع عن الاضرار بالمرأة، فإن القاعدة العامَّة والضابطة الكلية: «لا ضرر» تشمل موارد الضرر والأذى جميعها، فإن مقتضى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19)نفسه، 12/153، ح24.
(20)بحار الأنوار، 68/387.
(21)البقرة، 233.
(22)الطلاق، 6.
(23)الوسائل، 20/189، ح1.

[الصفحة - 343]


«لا ضرر» النهي عن جميع أنحاء الإضرار والأذى في العلاقات الاجتماعية والعائلية والفردية.
12 ـ تكامل الدِّين والمرأة: يرى الإسلام أنَّ كمال الدين يكون في ظل الحياة والعيش مع المرأة، وفي ظل الحياة الزوجية، وإن في ترك الزواج وعدم تشكيل هذه العلاقة ضعف الدين وتقوية النزعات التي لا يرتضيها الإسلام. وهذا يعني الهروب من المجتمع واختيار العزلة والرهبانية المخالفة لأصول الإسلام وتعاليمه، وأنموذجاً لذلك نذكر حديثاً واحداً عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال فيه: «من تزوج أحرز نصف دينه... فليتَّق الله في النصف الآخر...» (24). إذاً فالملاك في تكامل دين المرء ـ طبق هذه التعاليم النبيلة ـ هو عبارة عن الحياة الزوجية والاقتران بامرأة، وإن نقص الدين وضعف الإيمان في ترك الزواج. وهذه مكانة ومنزلة رفيعة للمرأة يعجز عن اللحوق بها أي مذهب أو قانون، وذلك لأن المرأة تلعب دوراً مهمَّاً في تكامل إيمان الرجل، وأداء هذا الدور يكون على نحوين:
1 ـ إمَّا أن تكون المرأة هي التي تؤدِّي دور تكامل الإيمان لدى الرجل مباشرة.
2 ـ أو أن تلك العلاقة الزوجية نفسها تكون سبباً في تكامل الدين والعقيدة.
ومن خلال كلتا الصورتين يتَّضح الدور الحساس والحيوي الذي تؤدّيه المرأة في تثبيت العقيدة والدين وترسيخهما في قلوب الشباب ونفوسهم.
13 ـ نصف أجر الشهداء: إن لنوع الأعمال والجهود التي يبذلها الإنسان درجات ومراتب ذات قيم، وإن كل عمل منوط بما له من قيمة وفائدة مترتبة عليه، فإن أعلى القيم وأرفع الدرجات هي من نصيب الشهداء جزاءً للفداء والإيثار والتضحية، وإن أقل الأعمال ـ بلحاظ الأهمية والقيمة ـ التي لها نصف أجر الشهداء عبارة عن وظائف المرأة المنزلية ووظائفها إزاء زوجها، فقد أقرّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) مثل تلك الدرجة والمنزلة للمرأة جزاء ما تزاوله من أعمال داخل المنزل. لقد أقرّ (صلوات الله عليه وآله) ذلك في حديث له مع رجل جاء إليه فقال: إنَّ لي زوجة إذا دخلت تلقّتني، وإذا خرجت شيَّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت لي: ما يهمك؟ إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل لك غيرك، وإن كنت تهتمّ لأمر آخرتك فزادك الله همَّاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24)نفسه، 20/17، ح11.

[الصفحة - 344]


فقال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «إن لله عمّالًا، وهذه من عمّاله، لها نصف أجر الشهيد» (25). فقد عدّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) كل ما تزاوله المرأة من أعمال داخل المنزل، بما في ذلك سلوكها مع زوجها، عملًا لله، وأن القائم به من عمّاله تعالى، وله نصف أجر الشهداء، وهذه درجة ومنزلة تفوق ما للمرأة من حق أو حقوق قانونية.
14 ـ سوء الخلق مع الأهل والعيال: في الحديث أنه أتي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فقيل له: إنَّ سعد بن معاذ قد مات، فقام رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد، وهو قائم على عضادة الباب، فلمَّا أن حُنِّط وكُفِّن، وحُمل على سريره، تبعه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرَّة ويسرة السرير مرة، حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) حتى لحده وسوَّى اللِّبن عليه، وجعل يقول: «ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً يسدّ به ما بين اللبن»، فلما فرغ وحثا التراب عليه وسوَّى قبره، قال: «إنِّي لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن الله يحب عبداً إذا عمل عملًا أحكمه». فلما سوَّى التربة عليه، قالت أم سعد: يا سعد، هنيَّاً لك الجنة! فقال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «يا أمَّ سعد، مه! لا تجزمي على ربِّك، فإن سعداً قد أصابته ضُمّة»، قال: فرجع رسول الله ورجع الناس، فقالوا له: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء... وأمرت بغسله وصلَّيت على جنازته، ولحدته في قبره، ثم قلت: إن سعداً قد أصابته ضُمَّة! ... فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): «نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوء» (26). فإن سعداً، ومن دون أي شك أو تردُّد، لم يكن ـ مع كل هذا التبجيل والاحترام الذي قام به النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) تجاهه ـ إنساناً عاصياً، أو ظالماً، أو متمرّداً على القانون، كما أنه لم يكن متغاضياً أو متجاهلًا لحقوق زوجته، فإنه لو كان كذلك لم يكن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) ـ من دون شك ـ ليعامله بمثل هذه المعاملة، بل لم يعامله حتى بأقل من ذلك، إذاً ليس كل هذا التقدير والاحترام إلَّا من أجل كونه مسلماً صادقاً ومراعياً لحقوق الناس والأسرة والمجتمع تماماً، وليس في هذا الأمر أدنى شك. إنَّما الأمر الأهم، في ما يتعلق بحق المرأة وحقوق الزوجة، الذي يستحق التنبيه عليه في كلام النبي (صلي الله عليه و آله و سلم)، الإشارة إلى القيم والمبادى الأخلاقية التي لا بدَّ من رعايتها في المعاملة مع المرأة، ذلك أن سعداً كان سيِّء الخلق مع زوجته وأسرته، ومن ثم ابتلي بضغطة القبر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25)نفسه، 20/32، ح14.
(26)الأمالي (للصدوق)، ص 469، تحقيق مؤسسة البعثة.

[الصفحة - 345]


إن تلك المعايير والملاكات جميعها ـ بكل تلك العظمة والظرافة والأصالة ـ لم يتوفّر عليها أي دين أو مذهب آخر.

من شرائط الدِّين

ونكتفي، في هذا العرض السريع، بذكر هذا المقدار، في ما يتعلَّق بحماية المرأة والدفاع عنها وأخذ جانبها ورعايتها بما يزيد على حقوقها، وفي الأحاديث الشريفة الكثير مما ذكرنا.
وفي الختام، نرى من المناسب أن نذكر كلاماً للمحدِّث الكبير الشيخ الصدوق (رحمه الله)ـ الشيخ الذي لا تخفى على عالم سعة اطلاعه وتبحره الواسع في الحديث، كما لا يخفى على أحد قرب عهده من زمن الأئمة (عليهم السلام)؛ الأمر الذي يضفي على كلامه اعتباراً إلى اعتباره ـ يذكر فيه شرائط المنتسب للفرقة المحقّة الشيعة الإمامية في جملة أمور، قال: «ومن شرائط دين الإمامية: اليقين... وأداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر... والإحسان إلى النساء» (27).

وهكذا، فعلى كل من يدَّعي التشيع والنُّزوع إلى مباني الشيعة وعقائدهم أن يكون كذلك، وأن يكون سلوكه ومعاشرته للنساء بهذا الشكل، ذلك أن من العلامات الأساسية لهذه الفرقة حسن الطريقة وإكرام المرأة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27)نفسه، ص 750.

[الصفحة - 346]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف