البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

العالمية الاسلامية المفهوم والخصائص

الباحث :  عبد الكريم ال نجف
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  13
السنة :  السنة الرابعة ربيع 1420 هجـ 1999 م
تاريخ إضافة البحث :  January / 25 / 2015
عدد زيارات البحث :  1351

العالميَّة الإسلاميَّة، المفهوم والخصائص‏

عبد الكريم آل نجف‏ (*)

العالمية الإسلامية مفهوم كوني‏
جدليَّة المطلق والمحدود، واحدة من الجدليَّات الصَّعبة التي يعيشها الإنسان على ظهر هذا الكوكب، ولا يستطيع أن يجد لها حلاًّ خارج الإطار الديني الصحيح، فالذين آمنوا بالمطلق بكيفيَّةٍ تخرج عن حد الاعتدال انساقوا إلى عالم مثالي ورؤية طوباوية تنكر المحدود، وتحلّق في الخيال وتهرب بأصحابها إلى أعالي الجبال وأعماق المغارات، فراراً من المحدودية، وفزعاً إلى المطلق الذي يزعمون أنّه قد لعنها وأمر بالفرار منها، من دون أن يعلموا أنهم بعملهم هذا قد هربوا من محدوديَّة الأرض المنبسطة والحياة الطبيعية إلى محدوديَّة أضيق هي محدودية الرهبنة والتصوُّف.
وهناك من أنكر على هؤلاء فعلتهم وتفكيرهم، واعتقد أنَّ الصَّواب هو في الانفصال عن المطلق والانقطاع إلى المحدود، بوصفه الواقع الملموس الذي ترتبط به حياة الإنسان، ويستحق الحماسة والولاء، وانغمر هؤلاء في اتجاههم هذا من دون أن يشعروا بأنهم قد حوّلوا المحدود إلى مطلق، وبالتالي فإنهم لم ينفصلوا عن المطلق الحقيقي إلاّ على أساس التبعية لمطلق زائف مصطنع.
وهكذا يقف الإنسان عاجزاً بين عملاقين، محدود يفرض نفسه على كلِّ حال، ومطلق لا يمكن الفرار منه، فإذا أنكرنا المحدود وقعنا في محدود أضيق، وإذا أنكرنا المطلق وقعنا في الفراغ واللاإنتماء، وأصبح المحدود محور الوجود واللاعب الوحيد في الساحة، وهذا هو معنى الإطلاق الذي أنكرناه. إنها محنة الإنسان عندما
________________________________________
(*)باحث إسلامي من العراق.

[الصفحة - 172]


يبتعد عن هدي السماء، فهو دائماً يفرّ من شي‏ء ويقع في أسوأ منه، ينكر شيئاً فيقوده إنكاره هذا إلى إيمان بمماثلٍ زائف.
وهنا تأتي رسالة الدين السماوي الصحيح، لتنتشل الإنسان من هذا العجز، وتفكَّ بين يديه رموز هذه الجدلية، وتضع كل شي‏ء في موضعه، المطلق في المحل الذي يستحقُّه، والمحدود في الدائرة التي خلق لها، فالمحدود صنيع المطلق ومخلوقه، والإيمان بالمطلق لا بد من أن يقودنا إلى الاعتراف بالمحدود الذي خُلق من قبله وصار آية دالَّة عليه، وربيباً يحنو عليه ويخلق الخلائق من أجله، ويعتني بسعادته ويرسم له طريق الحياة الرغيدة الكريمة. إنها رسالة المطلق الحقيقي إلى المخلوق المحدود جاءت لتنقذ الإنسان من أسر المحدودية عن طريق شدّه بالمطلق اللامتناهي، ولترسم له من خلال ذلك علاقة متوازية مع الوجود المحيط به، ولتبيِّن له أن المطلق الحقيقي لا تنشأ بينه وبين المحدود علاقة جدلية، إنما هذه العلاقة تظهر عندما يصطنع المحدود مطلقاً زائفاً، أو عندما يزيّف بعض خصوصيَّات المطلق الحقيقي. فتكون العلاقة بينهما جدليَّة صعبة. ولتثبت له، من خلال ذلك، أن الحاجة إلى المطلق حاجة حقيقية ماسّة، وأن الانفصال عنه أمر متعذر.
إنَّ ما يحصل، في المجال التجريدي والفلسفي، له ميدان واسع على الساحة الاجتماعية، فما لمسناه من العلاقة الجدلية بين المطلق والمحدود نلمسه على الساحة الاجتماعية من خلال صور شتَّى تأتي في مقدِّمتها العلاقة بين دائرتين من الانتماء: دائرة الانتماء الكوني والإنساني الكبرى، ودائرة الانتماء المحلي الصغرى، فأيُّهما الأصل وأيهما الفرع؟
فهناك من أعطى كل شي‏ء للدَّائرة الكبرى، وأنكر الدَّائرة الصغرى معتبراً الروابط القبلية والقومية والوطنية مظاهر برجوازية تنتمي لمرحلة تأريخية بائدة، أو أنّها في طريقها إلى الانقراض، وأن البشرية ماضية قدماً نحو الأممية. وكان هذا السلوك طوباوياً حالماً لم يستطع أن يؤثِّر في الواقع شيئاً، وسرعان ما أثبتت التجربة فشل هذه الرؤية، وبيَّنت أن غلوَّ أصحابها بالدائرة الكبرى لم ينقذهم من قبضة الدائرة الصغرى، إذ لم تكن الأممية السوفيتية إلاّ أممية الأمة الروسية ومحوريتها للأقمار السوفيتية الدائرة في فلكها والتي سرعان ما انفصلت عنها عند سنوح الفرصة التأريخية المؤاتية لذلك.
________________________________________

[الصفحة - 173]


وهناك من سلك سلوكاً عكسياً، فأعطى كل شي‏ء للدائرة الصغرى معتبراً الدائرة الكبرى امتداداً هامشياً لها. وهذا ما جعل الأمم تباري في أن تكون القطب القائد للبشرية والمحور الذي تدور من حوله، فهتف الألمان للعرق الآري الرفيع، ونادى الإنجليز نداءهم المعروف: «سودي يا بريطانيا واحكمي»، ويدَّعي الأمريكان اليوم أن التأريخ قد انتهى على أيديهم، وكأن المهدي قد ظهر من البيت الأبيض وانتهى كل شي‏ء، ولو سألت أفراداً من اليونان أو الهند أو الصين أو اليابان أو روما لوجدت في أنفسهم شعوراً من هذا القبيل، وإن كان شعوراً كسيراً يتشبَّث بالماضي ويتأسَّف للحاضر، وينظر بعين الأمل للمستقبل. ولم يعلم هؤلاء أن ما قاموا به ليس إنكاراً للدائرة الكبرى، بل تكريس لها ولكن بصورة زائفة عدوانية، حيث ادّعوا أن دائرتهم القومية الصغرى هي نفسها الدائرة البشرية الكبرى، فلا تأريخ ولا حضارة ولا قيادة إلاّ تلك الصادرة عنهم. فلم يُحذف المطلق، وإنما تمَّ تحويل المحدود إلى مطلق زائف، وهذا تكريس لدائرة المطلق وليس حذفاً لها.
وهنا تأتي رسالة الدِّين الصحيح لترفع النزاع بين الدَّائرتين، امتداداً لدورها المنوّه به آنفاً في رفع النزاع بين المحدود والمطلق، ولتُبيِّن أن النزاع بين الدَّائرتين إنما هو نزاع الأخوين الأكبر مع الأصغر عندما يفتقدان المحور الأبوي الذي يؤلِّف بينهما، فلم يُخلَق الأخوان للنِّزاع وإنما للمودَّة والمحبَّة والتناصر، وما حصل من النزاع بينهما حالة خاصة ناشئة من فقدان المحور الأبوي بينهما، وكذلك الأمر بين الدائرتين الانتمائيتين الكبرى والصغرى، فانهما لم تُخلقا للصراع وإنما خُلقتا للتناصر والمحبَّة، وما حصل من النزاع بينهما كان بسبب غياب الدور السماوي الذي يؤلف بينهما، ولو أن الإنسان سار في ظلال السماء لوجد الدائرتين متآخيتين متآلفتين متناصرتين، ولم يجد نفسه متحيِّزاً بأيهما يأخذ وأيهما يترك، فهما دائرة واحدة ذات وجهين، وليستا دائرتين جدليتين متصارعتين. قال تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم } {الحجرات/13} .
وهكذا نجد المبادرة السماوية هي وحدها القادرة دائماً على إنقاذ الإنسان مما يتورَّط فيه من محن ومشاكل ناشئة عن المحدودية التي تضرب بأطنابها عليه،
________________________________________

[الصفحة - 174]


فهي التي تجعل المحدود مطلقاً تارة، وتزيّف المطلق بإضفاء خصائص المحدود عليه تارة أُخرى.
ولذا لا تكتفي السماء بإسداء الحلول المباشرة فقط، وإنما تعمل على معالجة حالة المحدودية من خلال الوسائل الجذرية الآتية:
1 - الارتباط بالمطلق سبحانه وتعالى‏
فإن الارتباط بالمطلق اللامتناهي يفتح أمام الإنسان نافذة يطلّ من خلالها العالم المادي المحدود على العالم المطلق اللامتناهي المجرَّد عن خصائص المادة لا ليكونا عالماً واحداً، كما تقول فلسفة التناسخ والحلول، وإنما لكي ترتبط الساقية الصغيرة بالمحيط الكبير. ولولا هذا الارتباط لطغت هذه الساقية وتصورت نفسها هي المحيط الكبير غروراً وانتفاخاً ولتضرَّرت كثيراً من التقوقع في هذه المحدودية التي هي فيها، لكنها بالارتباط بالمحيط الكبير سوف تعرف حجمها وتتوسع آفاقها وتسعى نحو الكمال الذي تجده في المحيط الكبير.
إنَّ ارتباط الإنسان باللَّه، سبحانه وتعالى، هو النافذة التي يطلُّ من خلالها هذا الكائن المحدود على العالم اللامتناهي، فيتحفز للحدِّ من طغيان المادة ويتوق للخلاص من صندوق المحدودية الذي يحل فيه بحثاً عن مزيد من المعنوية والكمالات، وتتسع آفاقه الذهنية بحيث تتجاوز عالم المادة لتنهل من الفضاء اللامتناهي لما وراء المادة، إنها الثورة الذهنية التي تحصل عند السجين عندما يقضي حياته في غرفة، فيتصوَّر من شدة ارتباطه بها نهاية العالم، ثم تقوده لحظة سعيدة إلى الاطلال من وراء شرفة لينظر في المحيط من دون أن تقف عينه على حدّ أو حاجز، بل يجد عينيه عاجزتين عن الإحاطة بالجزء اليسير منه، واستيعاب أقلّ القليل من مساحته، فيدرك حينئذٍ خطأه الفادح حينما كان يعدّ غرفته خلاصة الوجود، وتتجلى له الحقيقة بكامل أبعادها بعدما كان مخدوعاً بجزء يسير منها.
2 - الحثُّ على الخروج من قوقعة الزَّمان والمكان إلى ما هو أبعد منهما
ففي القرآن الكريم ثلاث عشرة آية تدعو إلى السير في الأرض والبحث عن أحوال الأمم السابقة، والتدبُّر في المصائر التي وصلت إليها واكتشاف السُّنن
________________________________________

[الصفحة - 175]


التأريخية التي جرت عليها، كقوله تعالى: { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم } {غافر/21} .
فهذه الآيات تحمل دعوة مزدوجة للخروج من قوقعة الزمان والمكان اللذين يحلُّ الإنسان فيهما إلى الزمان والمكان البعيدين عنه، بحثاً عن الحقيقة الإنسانية والكونية التي لا يتم اكتشافها إلاّ عندما يفك الإنسان عن نفسه محدودية الزمان والمكان اللذين يحلُّ فيهما، ويستشرف الآفاق البعيدة منهما. فالحقيقة لا تتضح إلاّ بعد استيعاب الزمان بتمامه والمكان بأكمل أبعاده.
3 - التنبيه على حقائق وقوانين ما وراء الطبيعة
ويشتمل القرآن الكريم على منبّهات كثيرة من شأنها إلفات نظر العقل البشري إلى حقائق وقوانين كونية طبيعية لم يكن هذا العقل قد أدركها يوم هبوط الوحي، مثل قانون الزوجيَّة العام القائل: { ومن كل شي‏ءٍ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } {الذاريات/49} وإلى حقائق وقوانين كونية أُخرى تنتمي إلى عالم آخر لا نعيش فيه، أو تمثل استثناءاً من العالم الذي نحياه، فهي حقائق وقوانين ما ورائية ليس بإمكان العقل البشري أن يتوصَّل إليها بنفسه أو أن يدرك كنهها يوماً ما، كولادة عيسى (عليه السلام) من غير أب، وتكلّمه وهو في المهد، وقيامه بإحياء الموتى، وبعثه بالنبوة وهو لا يزال في مرحلة الطفولة، وعدم إحتراق إبراهيم (عليه السلام) بالنار، وتسخير الريح لسليمان، وتكلّمه مع الحيوانات، والإسراء بالنبي الأعظم (صلي الله عليه و آله و سلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم إرجاعه إلى محلِّه في ليلة واحدة، والإشارة إلى وجود الجن والشيطان، فجميع هذه الحقائق الماورائية تفتح أمام الذهن البشري نافذة واسعة للاطلال على أكوان وعوالم وقوانين غير التي يعيشها الإنسان في عالمه، ولتنصحه بعدم الاكتفاء بالنظر إلى العالم الذي يعيش فيه، لأن هذا العالم لا يمثل الحقيقة الكونية الكاملة، بل هو الجانب المحسوس منها فقط، وهناك جوانب وأعماق في هذه الحقيقة عليه أن يأخذها بنظر الاعتبار، ويحسب لها ما تستحقه من الحساب.
إنَّ العقل الذي يبحث وينقّب في الأرض بحثاً عن حقائقها أوسع وأكمل من العقل الذي يبحث وينقّب في جزءٍ محدود منها، والعقل الذي يتخذ من الكون
________________________________________

[الصفحة - 176]


مسرحاً له أكمل وأنشط من العقل الذي يكتفي بأن تكون الأرض مسرحه الوحيد، والعقل الذي ينظر إلى ما وراء الطبيعة أرهف وأحذق من العقل الذي يقتصر على ما هو طبيعي، والأهمُّ من ذلك كلّه أن العقل الذي يتحرَّك في دائرة أوسع يكون قد أدرك مساحة أكبر من الحقيقة الكونية، والعقل الذي يتحرك في دائرة أضيق لا يستطيع أن يجزم بالحقيقة التي أدركها لأن ما أدركه هو جزء الحقيقة وليس الحقيقة الكاملة.
ومن هنا نجد القرآن ينبّه على القوانين الكونية الطبيعية التي لم تكتشف بعد، كما ينبِّه على الحقائق والقوانين الكونية الماورائية، لكي يكشف الواقع الكوني بتمام أبعاده ومجالاته الطبيعية، وما فوق الطبيعية، حرصاً على أن يتحرَّك العقل في الساحة الكونية بتمامها من دون أن تُحجب زاوية منها عنه، من أجل أن يتوصل إلى الحقيقة بكاملها، ويكون ألمعياً في إدراكاته.
ويتأكد هذا الاتجاه حينما ننظر في القرآن الكريم فنجده يتحدث عن يوم سيشهد انهدام النظام الكوني القائم؛ وذلك { يوم تمور السماء موراً * وتسير الجبال سيراً } {الطّور/9 و10} { فإذا النجوم طُمست * وإذا السماء فُرجت * وإذا الجبال نُسفت } {المرسلات/8 - 10} { وإذا الشمس كُوِّرت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سُيِّرت * وإذا العشار عُطِّلت * وإذا الوحوش حُشرت * وإذا البحار سُجِّرت }{التكوير/1 - 6} { وإذا السماء انفطرت * وإذا الكواكب انتثرت * وإذا البحار فُجِّرت } {الانفطار/1 - 3}.
وكل ذلك يدلُّ على أن النظام الكوني القائم سوف ينهدم وأن المصير النهائي للإنسان يرتبط بنظام كوني آخر لا نعرف حقائقه وقوانينه وخصائصه؛ وهذا ما يحفّز الذهن البشري على عدم الانحصار في إطار الكون الذي نحياه، والتطلع إلى الكون الآخر الذي سيستضيفنا في نهاية المطاف، فيزداد الذِّهن بذلك اتساعاً.
4 - العالمية على الصعيد الإنساني‏
فالدِّين رسالة اللَّه إلى العالم بأسره وليس رسالة إلى إقليم بعينه أو قومية خاصة، وهذه العالمية تشكّل رافداً آخر من روافد الأفق الذهني الواسع الذي يسعى الإسلام لتحلية الإنسان به، ووسيلة أخرى من وسائل إخراج الشخصية الإنسانية من
________________________________________

[الصفحة - 177]


قمقمها المحلِّي الضيق إلى الأفق الإنساني والكوني الرحيب، فإن ألفة الإنسان لبيئته المحلية وانحصاره بها يجعله مفرطاً في إعلاء شأنها والمغالاة بها، ومتطرفاً في التقليل من شأن الآخرين، ومخالفاً للحقيقة في الجهتين، والتأريخ الإنساني حافل بالادعاءات المتعصبة الصادرة عن قبائل وقوميات وشعوب مختلفة ترى نفسها بشراً دون باقي الناس، وإن من عداها همج وحيوانات أو في أحسن الفروض بشراً من الدرجة الثانية أو الثالثة، بل إنَّ التأريخ الحديث شهد محاولات فكرية عديدة نظرت علمياً إلى مثل هذه الادعاءات. الأمر الذي يكشف عن مدى حاجة الإنسان، مهما تقدم في مضمار المدنية، إلى هدي السماء الذي يعرّف بينه وبين أخيه الإنسان الآخر ويجمعهما في إطار واحد، وإن التعصب والانحصار في الأفق المحلي الضيق مرض مزمن أصيبت به البشرية منذ مطلع التأريخ وما زالت مصابة به حتى الآن رغم التقدُّم المحرز في العلوم والفنون، بل إن هذا التقدُّم ربما ساعد في رسوخ المرض وتجذّره أكثر.
وعالمية الإسلام ليست خاصة بجيل من البشرية دون آخر، فالبشرية بجميع أجيالها مشمولة بهذه النظرة العالمية، وهي جميعاً اُمّة واحدة. قال تعالى مخاطباً أنبياءه { إن هذه أمتكم اُمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } {الأنبياء/92، وورد هذا المعنى مرة أخرى في: المؤمنون/52} .
وهكذا فعالمية الإسلام لا تقتصر على الامتداد أفقياً واستيعاب المكان فحسب، بل تمتد في عمود الزمان بصوره الثلاث: الماضي والحاضر والمستقبل لتستوعب آخر فرد ظهر ويظهر على الأرض، ولتكوّن من الجميع «أمَّة واحدة» في إطار واحد هو { أنا ربكم فاعبدون } ، أي إطار العبودية للَّه سبحانه وتعالى، بل هناك ما هو أعظم من ذلك، فإذا دققنا النظر في الإطار المذكور وجدنا القرآن الكريم يعبِّر عنه تعبيراً واسعاً بحيث لا تكون الأُمّة البشرية الواحدة على سعتها إلاّ عالماً من عوالمها، ذلك أن القرآن الكريم أطلق على اللَّه سبحانه وتعالى وصف «رب العالمين»، وقد تكرر هذا الوصف في القرآن «40» من مرّة فالرب الذي يقول لأنبيائه: { إن هذه أمتكم اُمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } لا بد ومن أن ندرك سعة ربوبيته، وهو حينما يقول: { أنا ربكم } فهذا لا يعني انحصار ربوبيته بالدائرة
________________________________________

[الصفحة - 178]


البشرية، وإن أضاف ذاته الأحدية إلى البشرية باعتبار أنّها المخاطب بهذا الخطاب. وإلاّ فالدائرة البشرية ليست إلاّ عالماً واحداً من عوالم هذه الربوبية المطلقة التي إن كان الإنسان قد أدرك بعض عوالمها فلعلَّ العوالم التي ما زالت مجهولة عنده أعظم، وإن كان بوسعه الوصول إلى حقيقة بعض هذه العوالم فلعل العوالم الماورائية التي ليست بوسعه الوصول إلى حقيقتها أعظم.
وهكذا نصل إلى أن العالمية الإسلامية ليست مفهوماً بشرياً جاء به الإسلام ليوحِّد من خلاله المجتمع البشري ويؤاخي بين أفراده فحسب، وإنما هي مفهوم كوني جاء به الإسلام ليوحِّد بين عالم البشرية والعوالم الكونية الأخرى ويصهره مع هذه العوالم في إطار الفضاء اللامتناهي لربوبية «رب العالمين». هذا الفضاء الذي تتناهى فيه سائر المخلوقات، فلا يكاد عالم الإنسان أن يُدرك فيه فضلاً عن أن تُدرك دوائره القبلية والقومية الصغيرة.
إنه مفهوم تربوي أخلاقي يريد أن يربط الساقية الصغيرة بالمحيط الكبير لكي لا يزهو هذا الإنسان بنفسه ولا يغترُّ بما يمارسه من دور الخلافة على الأرض، فإنّه من أول فرد وحتى آخر فرد لا يمثل من الناحية الكونية إلاّ عالماً صغيراً من عوالم «رب العالمين» اللامتناهية. وإن امتياز الخلافة الذي منحه اللَّه إيَّاه ليس ناشئاً من امتياز في الخلقة، فقد خلق اللَّه الإنسان من عنصر زهيد وهو التراب، الأمر الذي جعل إبليس يزهو بعنصره الناري عليه ويأبى السجود له، وإنما يقوم امتياز الخلافة على أساس ما أودع في الإنسان من ملكات أخلاقية وخصائص روحية، قال تعالى:{ ونفخت فيه من روحي } {الحجر/29} ، ولذا كان الرسول الأعظم (صلي الله عليه و آله و سلم) فخر الكائنات وسيد المخلوقات بسبب { وإنّك لعلى خلق عظيم } {القلم/4} ، فعالم البشرية أدنى من العوالم الكونية الأخرى في المقياس الكوني والخلقة الكونية، لكنه بالمقياس الأخلاقي يمكنه أن يكون سيد العوالم الأخرى إذا سبقها في مضمار العبودية والتبعية لف«رب العالمين»، وكان أطوع هذه العوالم للَّه سبحانه وتعالى.
وهكذا فالعالمية مفهوم كوني تربوي تصطف فيه العوالم الكونية ليقارن عالم الإنسان نفسه بها ويدرك قيمة الملاك الأخلاقي في وجوده، هذا الملاك الذي بإمكانه
________________________________________

[الصفحة - 179]


أن يجعل الإنسان سيداً للعوالم الأخرى رغم أنّه من الناحية الكونية أدنى رتبة من سائر العوالم، ومن دونه يبقى الإنسان في رتبتة الأدنى هذه.
إن العالمية مفهوم يتسق مع الوسائل الثلاث الماضية في اتجاهها الرامي إلى دفع الإنسان للتحليق في أوسع الفضاءات، والتحرك في أكبر الدوائر والتحديق في أبعد الآفاق، ويمتاز عليها بالبعد الأخلاقي المؤكد الذي يعطي هذه الحركة والتحليق والتحديق الواسع النطاق مضموناً إيجابياً خلاّقاً.
وفي ضوء هذا الاتساق يصبح من الطبيعي أن يطلق على هذا المفهوم تسمية العالمية. بعدما كان المفهوم مشتقاً من حيث المضمون من ربوبية «رب العالمين» فوقد أطلق القرآن هذا الوصف على اللَّه سبحانه وتعالى أربعين مرة.
فهي التسمية الطبيعية التي لا داعي للبحث عن بديل لها، بل هي التسمية الوحيدة التي لا بديل لها، لما تتضمَّن من دلالات وأَبعاد وإيحاءات المفهوم التوحيدي الكوني الذي تشير إليه.
ومن هنا فإنَّا نستغرب من بعض المفكرين والكتاب والإسلاميين استخدامهم لتسميات أُخرى كتسمية «القومية الإسلامية» أو «الأممية الإسلامية» أو «الوطنية الإسلامية»، وهو استخدام نورد عليه الإشكالات التالية:
1 - إن الاصطلاحات والتسميات تعدُّ جزءاً حيوياً من النسيج الفكري العام لحضارة معينة أو عقيدة معينة، ومن هنا فإن استعارة المصطلحات والتسميات من عقائد وحضارات الآخرين من شأنه أن يشوّه صورة العقيدة والحضارة التي تنتمي إليها. فالأممية والوطنية والقومية مصطلحات تنتمي للحضارة الغربية ولها مكانة خاصة فيها، وهي بطبيعتها تحمل إشعاعات وإيحاءات غربية لا يمكن فصلها عنها، وبالتالي فإن استخدامها للدلالة على معانٍ إسلامية من شأنه أن ينتج صورة مشوَّهة سمجة ليست غربية ولا إسلامية. فكما أن الجمع بين عقيدتين متناقضتين في عنوان واحد كأن يقال: الشيوعية الإسلامية فمثلاً ـ أمر غير سائغ، فكذلك الجمع بين جزئين من عقيدتين أو حضارتين متناقضتين أمر غير سائغ.
________________________________________

[الصفحة - 180]


2 - إن عملية الجمع هذه ستحجب إشعاعات المفهوم الإسلامي والخصوصيات التوحيدية التي يتميز بها المصطلح الإسلامي من غيره، فأين العالمية الإسلامية بالمفهوم الكوني التوحيدي الأخلاقي الذي تجلَّى أمامنا آنفاً من الأممية أو القومية أو الوطنية الإسلامية؟
3 - إن عمليَّة الجمع هذه من شأنها أن تضعف النظرية الإسلامية، وتصوِّرها بصورة النظرية الفقيرة التي لا يمكنها أن تقف مستقلة على قدميها ولا تنشى‏ء المصطلحات الخاصة بها، مع أنّها نظرية غنية من حيث الإمكانات الأساسية، ومن خلال ما سردناه بشأن المفهوم الكوني يتضح أن العالمية روح تسري في الإسلام وتؤثر في كل زواياه، ولذا فهي تتجلى في أصول الدين جميعها، ثم تشق طريقها للظهور في مختلف جوانب الشريعة.
وعندما نعدّ العالمية روحاً فهذا يعني أن الدين لا يمكن إلاّ أن يكون عالمياً وأن حذف العالمية من الإسلام يعني حذف الروح من الجسد، وكما أن الرب الذي لا يكون ربَّاً للعالمين، بأن يكون رباً لعالم دون آخر ولأُمة دون أُخرى كما تصور اليهودية الحاضرة ربها، أو أن تكون يده مغلولة وربوبيته مشلولة لا تؤثر ولا تدبر، كما تدعي اليهودية الحاضرة ذلك، فكما أن رباً كهذا ليس برب حقيقي، فكذلك الرسالة التي يبعثها إلى الأرض لا تكون رسالة حقيقية ما لم تكن عالمية في مداها البشري والكوني ومحتواها الأخلاقي، وفي ضوء هذا المفهوم نستطيع أن نفتح آفاق البحث في قضيَّتين مهمتين، هما:
1 ـ خصائص العالمية الإسلامية.
2 ـ الموقف من الدَّعوات العالمية الأخرى.
خصائص العالميّة الإسلامية
إنَّ العالمية التي تنبعث عن مفهوم إلهي كوني هي العالمية الحقيقية الوحيدة التي يمكنها أن تحقق للإنسان أهدافه في حياة كريمة وما عداها دعوات عاجزة عن تحقيق ما تريد، وغالباً ما تكون غطاءاً للعدوان على الآخرين.
________________________________________

[الصفحة - 181]


ذلك أن العالمية التي يراد بها أن تكون إطاراً جامعاً لأفراد النوع الإنساني لا بدَّ من أن تنبع من مصدر أسمى من الإنسان، كما هو الشأن في كل جهة يراد منها أن تكون إطاراً جامعاً لأفراد مختلفين، ومنشأ هذه الضرورة هو أن يكون الإطار المطلوب قادراً على التأثير في الأفراد الذين يشتمل عليهم، وليس بإمكان أحدهم أن يجعل من نفسه إطاراً جامعاً للآخرين، لكونه مساوياً لهم من الناحية النوعية، وبالتالي غير قادر على التأثير فيهم، فلو أصرّ على أن يكون إطاراً جامعاً للآخرين أصبح هدفه متوقِّفاً على الإكراه والعنف والعدوان، وهذا هو الركن الأخلاقي للعالمية الإسلامية التي تمتلك في ذاتها المسوِّغ الأخلاقي لأن تكون إطاراً جامعاً لأفراد الإنسانية، بينما لا يستطيع الإنسان فوالايديولوجيات النابعة عنه ـ أن يجعل نفسه إطاراً جامعاً للآخرين من جنسه، لأنه يفتقد المسوِّغ الأخلاقي والنوعي الذي يجعله بهذه المثابة، ولذا يعدُّ ادّعاء الغرب بكونه المركز والمحور للبشرية، بحد ذاته، عدواناً على الآخرين الذين يرفضونه، الأمر الذي يجعل الغرب يتصرف بقوة وقهر وإكراه لفرض هذه الادعاء وتطبيقه فيصبح عدوانه مضاعفاً بحقهم، قال تعالى: { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما أُلَّفت بين قلوبهم ولكن اللَّه ألَّف بينهم } {الأنفال/63} فحتى الرسول الأعظم (صلي الله عليه و آله و سلم) على ما أوتي من صبر وخلق عظيم لا يستطيع أن يكون بما هو إنسان جامعاً للآخرين، وإنما اللَّه هو القادر على ذلك.
وفي ضوء ذلك نستطيع أن نحدد الموقف الإسلامي من الدعوات العالمية الأخرى كالمسيحية، والماركسية، ودعوات العولمة الغربية الليبرالية.
فالمسيحية الحاضرة، وإن كانت تشترك مع الإسلام في المفهوم الكوني والقاعدة الإيمانية التوحيدية، إلاّ أنّها لما كانت ديانة فردية روحية لا شأن لها مع المجتمع ولا تنطوي على مشروع اجتماعي شامل ومتكامل الأبعاد، لذا فهي عاجزة عن إنجاز الهدف المنشود، فكما أن النار لا تحرق ما لم تقترب من الجسم المقصود إحراقه كذلك المفهوم الكوني لا يؤثر أثره ما لم يقترب من الواقع الاجتماعي ويحيط بجميع أبعاده وجهادته ويخضعه لتأثيره، ومن هنا نستطيع أن نسجّل عليها ثلاث نقاط ضعف هي:
1 - فقدان الشمولية: فهي تنظر إلى الفرد دون المجتمع، وللروح دون الجسد، وللمثال دون الواقع.
________________________________________

[الصفحة - 182]


2 - فقدان الواقعية: بمعنى الاحتفاظ ببعض الواقع الإنساني وإغفال بعضه الآخر والانطلاق من واقع ناقص.
3 - فقدان التوازن: بمعنى الإيمان بجانب إلى حد الإفراط والتقليل من شأن جانب آخر إلى حد التفريط.
وحينما تنحسر النظرية عن الواقع، وتبدو ضعيفة أمامه لا تكون قد خسرت دورها التأثيري المطلوب فيه فحسب، وإنما ستكون خاضعة لتأثيره أيضاً، فتنعكس أمراضه عليها، وهذا ما حصل للمسيحية الحاضرة التي عجزت عن التأثير في الواقع وكانت ضعيفة أمامه فانتهى بها الأمر إلى الوقوع تحت تأثيره مرتين، فحينما لم تفلح في إنقاذ المجتمع اليهودي من أمراضه وكان أقوى منها لم يقف عجزها عند حدود عدم التأثير فيه، بل تعدَّاه إلى ظهورها، بوصفها ديناً يحمل أمراض المجتمع اليهودي في تمجيد السلالة الإسرائيلية واضفاء كل الامتيازات عليها، بل والإيمان بإله يؤثر الإسرائيليين على سائر البشر بوصفهم شعب اللَّه المختار، وهذا ما يتناقض مع المفهوم الكوني الذي يفترض في المسيحية أن تكون قد استندت إليه، هذه المرة الأُولى.
والمرة الثانية حينما انتهت حركة الإصلاح الديني في مطلع عصر النهضة الأوروبية إلى انقسام الكنيسة إلى عدّة مذاهب قومية، كالبروتستانتيَّة في المانيا، والأرثذوكسية في روسيا القيصرية والانجليكانية في بريطانيا، فيما حافظت الكاثوليكية على الشعار العالمي للمسيحية لا لضعف الشعور القومي في إيطاليا أو قوة التأثير المسيحي العالمي فيها، بل لرغبة إيطاليا في المحافظة على الدور المركزي الذي لعبته تأريخياً على صعيد الدين المسيحي بوصفه مجداً قومياً لها، كما لو كانت الكاثوليكية مذهباً قومياً لإيطاليا.
ثم تواصلت صُعدة القومية حتى أصبحت، في أوائل القرن العشرين، الدين الجديد لأوروبا، وقبالة المثالية المسيحية المتطرفة ظهرت مادية أوروبية متطرِّفة طرحت نفسها بديلاً من العالمية المسيحية الفاشلة وعلاجاً للعنصرية الجديدة التي سادت الحياة الأوروبية آنذاك معتبرة القاعدة الإلحادية هي الأساس الصحيح لبناء
________________________________________

[الصفحة - 183]


عالمية واقعية قادرة على تذويب النزعة العنصرية وبناء مجتمع أممي يتآخى أفراده بقوة العامل الاقتصادي الذي يؤثّر في الجميع بدرجة واحدة، بعدما اُعتبر العامل المحوري والأصيل في الشخصية الإنسانية. وهكذا تأرجح الفكر الأوروبي بين عالمية لاهوتية مثالية؛ تنظر إلى الإنسان من جانبه الروحي فقط، وعالمية مادية تنظر إلى الإنسان من جانبه المادي فقط وبين هذا التطرُّف والتطرُّف المضاد ضاعت الحقيقة المتوازنة على أوروبا وكان ذلك على حساب المسألة الحيوية للإنسان المعاصر وهي المسألة العالميّة. فكما فشلت المسيحية في معالجة النزعة العنصرية، وفشلت الماركسية هي الأخرى في ذلك. وكما انقسمت المسيحية إلى عدَّة مذاهب قومية بسبب ذلك الفشل، توزعت الماركسية بين عدة اتجاهات قومية دارت من حول الاتحاد السوفيتي السابق، اتجاه في الصين وآخر في البانيا وثالث في يوغسلافيا.
وإذا كانت الأممية السوفيتية قد فشلت على الصعيد الخارجي فإِنها فشلت على الصعيد الداخلي أيضاً. والفارق بين الحالتين أنها عوَّضت عن فشلها الداخلي بالقوة الغاشمة التي احتكمت إليها في تطبيق تلك الأممية على واقع عنيد في رفضه لها، بينما عجزت عن اللجوء إلى ذلك في التغطية على فشلها الخارجي. وظلت تتحيَّن الفرص لاستخدام هذا الأسلوب، وقد استخدمته فعلاً مرتين: الأولى في تشيكسلوفاكيا السابقة والثانية في أفغانستان.
لقد فشلت المسيحية لأنها عجزت عن ملامسة الواقع والتأثير فيه، وظلت أسيرة التجريد المثالي، ففرض الواقع نفسه عليها، وحيث لم يلامس هذا الواقع توجيه سماوي، لذا فقد اتسم بالانحراف، وحينما فرض نفسه على المسيحية حمل معه إليها ذلك الانحراف، وكانت نتيجة ذلك أن نظر كتابها المقدس إلى بني إسرائيل على أنّهم المجتمع الإنساني الوحيد وأنهم الشعب المختار.
ولقد فشلت الماركسية لأنها نظرت إلى العامل الاقتصادي الذي ليس هو العامل المقوّم لإنسانية الإنسان، لذا فهي حينما تخطط لبناء مجتمع عالمي فكأنما تخطط لمجتمع ليس أفراده من بني البشر، أو كأنها تبني في ساحة غير الساحة الإنسانية، وهكذا فالعنصر المشترك بين الفشلين يتمثَّل في مجافاة الواقع.
________________________________________

[الصفحة - 184]


فالمسيحية تنطلق من المحتوى الروحي الحقيقي للإنسان، ولكنها بسبب تطرُّفها ومثاليتها وعجزها عن الموازنة بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسد تبتعد عن الواقع فتبني ملكوتها لا على الساحة الإنسانية كما هو المطلوب وإنما في السماء المطلة عليها. كما أن الماركسية لم تنطلق من المحتوى الحقيقي للإنسان فانفصلت هي الأخرى عن الواقع متنكِّرة له، وبالتالي لم يقع بناؤها في الساحة الإنسانية التي ظلت في الحالتين محرومة من التوجيه العالمي الصحيح، ووقعت بالنتيجة نهباً للمشاعر المتعصبة.
وفي ضوء تحليلنا لفشل الماركسية نلاحظ ضرورة أن تتوفر أية أطروحة عالمية على قاعدة توحيدية تنطلق منها، لأن التوحيد هو الإطار الايديولوجي الوحيد الذي ينسجم مع المحتوى الروحي للإنسان، هذا المحتوى الذي يمثل نقطة المركز في إنسانية الإنسان. ذلك أن التوحيد حقيقة كونية وإنسانية وتشريعية تفرض نفسها على الحياة بقوة، بحكم هيمنتها على هذه الجهات.
إنه حقيقة كونية لأن الكون لا بد له من خالق مدبِّر حكيم واحد أحد، ومثل هذه الحقيقة لا بد من أن تدخل في بناء أي أطروحة عالمية بوصفها محوراً وقاعدة لها، لأن هذا الخالق يفرض هيمنته على الوجود والعوالم المادية والنباتية والحيوانية والإنسانية معاً، ولا بد لعالم الإنسانية من أن يتمحور حوله لينسى كل فرد خصائصه الذاتية والعنصرية ويذوب الجميع في بوتقة التبعية له.
وهو حقيقة إنسانية لأن النفس الإنسانية بُنيت وفطرت على أساس التبعية لذلك المحور، فالتوجيه الذي لا يأخذ هذا الأساس بنظر الاعتبار لا يصيب الهدف، وبالتالي يفقد الإطار الذي يمكن من خلاله تجميع الإنسانية على صعيد واحد.
وهو حقيقة تشريعية لأن أيَّ تشريع عالمي لا يمكن وضعه موضع التنفيذ ما لم يستند إلى قاعدة توحيدية.
وكل ذلك يلخصه قوله تعالى: { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكن اللَّه ألّف بينهم }{الأنفال/63} . فالوحدة الإنسانية لا يمكن إيجادها بوسائل مادية والوسيلة الإيمانية هي الوسيلة الوحيدة لإيجادها.
________________________________________

[الصفحة - 185]


وفي ضوء تحليلنا لفشل المسيحية نجد أنها فأي المسيحية ـ تتقدَّم على الماركسية بفارق نوعي هام، وهو الانطلاق من القاعدة الإيمانية، لكنها عجزت عن استيعاب الواقع الإنساني من كافة أطرافه، وعلى أساس ذلك ندرك ضرورة وجود عقيدة توحيدية تستوعب الواقع الإنساني على أساس متين من التوازن، وليست تلك العقيدة إلاّ الإسلام، فهو العقيدة الوحيدة التي ربطت بتوازن دقيق بين التوحيد وبين كل أطراف الوجود الإنساني وحافظت على هذا التوازن بين كل طرف وآخر. فهي توازن بين الفرد والمجتمع، بين عالم الغيب وعالم الشهادة، بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين الدين والسياسة، بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسد.
يقول الإمام الشهيد الصدرفقدس سره:
«وقد عرف العالم دعوات عالمية كثيرة، عرف المسيحية الرسمية التي يُدَّعى أنها عالمية مع أنَّ كتابها المقدس ينطق بأن ما عدا شعب إسرائيل كلاب ولم تكن إنسانية في يوم من الأيام، وعرف الماركسية في العصر الحديث، ويدَّعي اتباعها أنها عالمية ولكنها لن تكون إنسانية في يوم من الأيام لأنها مادية وقد كفرت بالإنسان يوم جردته من مصدر عظمته ومن أعظم ميزاته، وهو جانبه الروحي مصدر إنسانيته الوحيد، وإذا لم تكن إنسانية فلن تكون عالمية لأنّها تفقد الشرط الأساسي لذلك وهو الإيمان بالإنسان. ويبقى الإسلام والإسلام وحده دعوة إنسانية عالمية، كذلك كان وكذلك هو الآن وكذلك سيبقى حتى يرث اللَّه الأرض ومن عليها» (1) .
ومن الغريب أن تلتحق الليبرالية الغربية بركب العالمية ويأخذ العديد من أقطابها في الفكر والسياسة بالدعوة إليها رغم أن القومية كانت وما زالت الركن الركين فيها، فما هو المقصود من دعوة آباء القومية إلى العالمية؟ هل هو التراجع عن القومية أو تأكيدها؟
إنَّ مما لا شك فيه أن النصف الثاني من القرن العشرين شهد صحوة عالمية بشأن التعصُّب القومي الذي ساق البشرية إلى حربين عالميتين، وأصبحت النازية رمزه الباعث على الاشمئزاز والتقزز؛ ولكن ذلك لا يجعلنا نتوقع وصول التراجع إلى حد الإقلاع عن القومية نهائياً، ومهما دعا الغرب الليبرالي إلى العالمية فلا ينبغي التصديق به؛ والسبب هو ما ذكرناه آنفاً من أن العالمية الحقيقية لا وجود لها خارج
________________________________________
(1)رسالتنا، ص 59.

[الصفحة - 186]


الإطار التوحدي والمفهوم الإيماني الكوني، وأن القومية هي قدر المنكرين لهذا الإطار.
ومن الممكن أن نصدّق بوجود مفكر غربي، مثل براتراند رسل، وهو يدعو إلى العالمية بوصفها طريقاً للتخلص من مأزق التعصب القومي. فالمشاعر الإنسانية لافبد من أن تفرض نفسها يوماً ما. ولكن الشي‏ء الذي لا نصدقه هو أن ينجح هذا المفكر في إنجاز عالمية حقيقية تنقذ البشرية من مأزق التعصب القومي انطلاقاً من تلك المشاعر والعواطف فقط، فإن البنية المادية للحضارة الغربية تجعل القومية قاعدة طبيعية للمجتمع الغربي. ومع وجود مثل هذه البنية وهذه القاعدة لا تستطيع المشاعر والعواطف الإنسانية مهما كانت صادقة أن تحقق شيئاً، إن هذه العواطف عاجزة عن التأثير والتغيير في البنية التحتية للحضارة الغربية، شأنها شأن العواطف العاجزة لبعض الغربيين إزاء قضية إنسانية كقضية الشعب الفلسطيني.
وإذا كنا نصدِّق المفكر الغربي في نواياه إزاء العالمية ونشك في قدرته على إنجازها، فإننا لا نصدق السياسي الغربي في دعوته إلى العالمية أساساً، ونعدّها غطاءً خادعاً لتمرير أغراض عدوانية ونوايا قومية توسعية. وهذه نقطة الخطر في الدعوات العالمية العاطفية التي لا تستند إلى أساس ايديولوجي أو مفهوم كوني، فإنّها وبسبب سطحيتها وعجزها عن التأثير في الواقع سرعان ما تتحول إلى وسيلة مثلى تستخدمها القومية الأقوى في فرض هيمنتها ونمطها القومي الخاص على القوميات الأخرى، بما يعني تأكيد القومية لا تراجعها، وقد شهد العالم في القرن العشرين مثل هذه الدعوات مرتين، ففي ثلاثينيات هذا القرن روَّج الغرب الدعوة إلى العالمية وظهر لها أنصار في بعض بلدان العالم الإسلامي. وتصدَّى لها الكتاب والمفكرون الإسلاميون واعتبروها واحدة من الدعوات الهدّامة (2) .
وعلى أساس هذه الرؤية يمكننا تحديد الخصائص التي اتّسمت بها العالمية الإسلامية والتي انعكست عليها من القاعدة الإلهية. وذلك بالنقاط التالية:
1 - الأخلاقية
فالعالمية الإسلامية مفهوم أخلاقي قائم على أساس الخضوع لتأثير إلهي يدعو إلى حبِّ الإنسانية وجعل الانتماء الإنساني هو الأساس، بحيث يكون الانتماء
________________________________________
(2)انظر: الجندي أنور، الإسلام والدعوات الهدامة ص 159، كذلك، الغزالي محمد، حقيقة القومية العربية، ص 200؛ وكذلك العقاد: عباس محمود: ساعات بين الكتب، ص 298.

[الصفحة - 187]


المحلي متكاملاً معه، خلافاً للقومية التي تجعل الانتماء المحلّي هو الأساس بحيث ينسى القومي انتماءه الإنساني، ومعنى أخلاقية العالمية الإسلامية أنها تنبع من منبع روحي فيّاض قادر على ترسيخ الشعور الأُسري المفعم بالعاطفة لدى أفراد العائلة البشرية، بحيث يتمكن هذا الشعور من مكافحة نوازع الغرور والأنانية والتكبر التي قد تظهر لدى بعض هؤلاء الأفراد على نحو يهدد العائلة البشرية بالتشتُّت والصراع.
2 - التكاملية
إن العالمية الإسلامية عالمية متكاملة بمعنى أن العقائد والتشريعات والمفاهيم في الإسلام تتكامل في ما بينها في هذا الاتجاه، ولا يمكننا العثور على نقطة في الإسلام تتعارض مع عالميته.
وفي ضوء ذلك، نستطيع أن ننفي نسبة العقيدة الجبرية إلى الإسلام، لأنها تُخلُّ بالعدل الإلهي الذي يمثل ضرورة للاعتقاد بتوحيد خالص من الشوائب. ذلك أن الاعتقاد بأن اللَّه يجبر العبد على أفعاله أدّى بالأشاعرة إلى اعتبار العدل قيمة نسبية تتفاوت بين اللَّه والإنسان، فما هو ظلم في مقياس الإنسان لا يمكن اعتباره كذلك في مقياس اللَّه. ولذلك فإن إجبار اللَّه للإنسان على أفعاله ومعاقبته عليها بعد ذلك لا يعدُّ ظلماً لأنه تعالى إنما يتصرَّف في ملكه الحقيقي كيفما يريد، وله الحق في ذلك باعتبار ألوهيته وربوبيته وخالقيته للإنسان.
ومن الطبيعي أنَّ تصوُّراً كهذا لا يساعد على ظهور عالمية حقيقية لأن الإله الذي يناسبه أن يجبر العبد على فعله ثم يعاقبه عليه يناسبه أيضاً أن يبعّض بين خلقه ويفاضل بينهم على أسس عنصرية غير موضوعية، ووفق التوجيه السابق نفسه. ومن هذه الجهة نعتبر العقيدة الجبرية تحايلاً على مفاهيم العالمية الإسلامية روج له العقل الأموي المشبع بالعصبية القبلية الذي ضاق ذرعاً بسعة تلك المفاهيم لجميع القبائل والقوميات. وإذا كانت اليهودية قد صادرت العدل الإلهي صراحة لتجد لها فسحة من القول بفكرة «شعب اللَّه المختار» فإن الأموية صادرته ضمناً عبر الترويج للعقيدة الجبرية لتجد لها فسحة من العودة إلى عصبية قبلية تحكم من خلالها العالم الإسلامي، ولا تسمح لغيرها بممارسة السلطة فيه كلاً أو جزءاً، أي العودة إلى عصبية أسوأ من العصبية الجاهلية.
________________________________________

[الصفحة - 188]


3 - الشمولية
لقد استوعبت العالمية الإسلامية كل دقائق الحياة الإنسانية، وتفاعلت مع جميع جوانبها، فهي شجرة أصلها العقائدي ثابت في روح الأمة وتصورها عن الكون والحياة. وفروعها التشريعية منبثة في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية والأخلاقية والعبادية، أو هي جهاز متشعب يسيطر على الحياة الإنسانية من كافة جوانبها ويديرها بفاعلية وتركيز.
4 - الواقعية
الواقعية صفة يتحلَّى بها الإسلام في نظرته إلى القضايا الإنسانية ومعالجاته لها. فهو لا يتنكر لحقيقة قائمة في الواقع الموضوعي وإن كانت مريرة، ولا يجنح في معالجته لها في الخيال وإن كان سعيداً. بل يتخذ من الإيمان بالواقع طريقاً للوصول إلى حلّ واقعي.
فحينما واجه الإسلام المسألة العصبية وجدها ظاهرة لم تنطلق من فراغ، بل انطلقت من واقع إنساني وإن كان منحرفاً، فآمن بالجانب الواقعي منها وعالج الجانب المنحرف فيها، وجعل كلَّ شي‏ء منها في موضعه. خلافاً للنظرية الماركسية التي عدَّت الشعور القومي شعوراً طارئاً على الشخصية الإنسانية بفعل العوامل الاقتصادية وأن الحل يكمن في إزالته نهائياً وأن ذلك أمر ممكن.
والحقيقة أن العصبية، بجميع أشكالها، امتداد طبيعي لغريزة أصيلة هي غريزة الدفاع عن الذات، وتتعزز بالعواطف الفطرية نحو الرحم والقربى.
فالطفل ينشأ وفي داخله ميل فطري نحو أبويه وأخوته، ثم تتسع دائرة هذا الميل لتشمل أقارب الأبوين أيضاً، ثم تتسع لتشمل العشيرة. قال تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا... } {الحجرات/13} .
فالتكوين القبلي جعل إلهي متفرع عن التكوين الأسري، وبالتالي فهو حالة طبيعية تكوينية وليست طارئة كما تعتقد الماركسية. وحيث هي كذلك فلا يمكن اعتبارها بحد ذاتها حالة سلبية كما لا يمكن إزالتها. لأنَّ عالم التكوين عالم إيجابي صادر عن إله حكيم عادل رحيم، ومن الخطأ اتهامه بالسلبية والتفكير بإزالته فضلاً
________________________________________

[الصفحة - 189]


عن أن إزالته أمر متعذر على الإنسان، وحينئذٍ فلا بد من تفسير العصبية بأمر غير تكويني. ولا من بد أن يكون هذا الأمر مُخالفاً لعالم التكوين منحرفاً عنه، وهو توظيف الشعور القبلي والقومي في اتجاه عدواني منحرف عن الاتجاه الطبيعي الذي خلق من أجله. وهو ما آمنت به الآية السابقة في سياق الاستنكار. فقد أشارت إلى أن التكوين القبلي والقومي ظاهرة طبيعية إيجابية خلقهااللَّه سبحانه وتعالى وسيلةً لبناء المجتمع العالمي «لتعارفوا»؛ وذلك عبر الربط الصحيح بين وحداته القومية والقبلية وتكوين نسيج متآخٍ منها، وهكذا يكون الإيمان الصحيح بالواقع القومي طريقاً للبناء العالمي خلافاً للماركسية التي تجعل التنكر لهذا الواقع سبيلاً له.
وينعكس هذا الفرق المنهجي بين الإسلام والماركسية، في تشييد المجتمع العالمي، على موقف كلٍّ منهما من الأسرة والقبيلة والقومية. فبينما آمنت الماركسية بضرورة هدم الأسرة باعتبارها ظاهرة برجوازية وصولاً إلى إنهاء الشعور القبلي والقومي، آمن الإسلام بأهمية التأكيد على الأسرة السليمة وصولاً إلى بناء مجتمع عالمي سليم.
وبين البداية «الأسرة» والنهاية «المجتمع العالمي»، دعا الإسلام إلى الاهتمام بذوي القربى، وجعلهم أولى بالمعروف من غيرهم «الأقربون أولى بالمعروف»، مؤكِّداً على صلة الأرحام محذِّراً من تركها. كما آمن بالقبيلة والعشيرة ودورهما الإيجابي في الحياة الاجتماعية عندما لا يقترن الارتباط بهما بمظهر من العصبية، والتزم الموقف نفسه من الشعور الوطني والقومي.
5 - التوازن‏
ومن الخصيصة السابقة نلحظ خصيصة أخرى هي التوازن، فالإسلام يؤمن بالواقع كما هو ولا يغالي بواحدة من حقائقه على حساب أخرى، بل يعطي لكل منها الموقع الذي تستحقه ثم يربط بينها بعلاقة متوازنة.
وهناك نوعان من التوازن الذي يسود الفكر الإسلامي: توازن عام، ويقصد به أن النظرة الإسلامية للحقائق الكونية والإنسانية العامة نظرة متوازنة، وتوازن خاص يقصد به أن النظرة الإسلامية الخاصة بكل جانب من جوانب الحياة كذلك نظرة متوازنة تربط بين حقائق هذا الجانب بعضها مع بعضها الآخر من جهة، وبينها جميعاً
________________________________________

[الصفحة - 190]


وبين الجوانب الأخرى من جهة أخرى بشكل متوازن يتوخى المحافظة على الواقع بأكمله ووضع كل حقيقة منه في الموقع الذي تستحقه.
والعالمية الإسلامية وليدة هذين التوازنين. فالتوازن العام بين الروح والجسد، الغيب والشهادة، الجبر والاختيار، الوحي والعقل، العالمية والمحلية، الماضي والحاضر، الفرد والمجتمع، أتاح ظهور عالمية فاعلة ومؤثرة في الحياة. كما أن التوازن الخاص بين الخواص العالمية والخواص العنصرية في الشخصية الإنسانية جعلها عالمية واقعية وناجحة.
6 - الإنسانية
بمعنى أن العالمية الإسلامية انطلقت من الواقع الإنساني وانسجمت مع المنابع الروحية والفكرية الأصيلة للشخصية الإنسانية. وهيأت لهذه الشخصية فرص النمو والازدهار بخلاف الأممية الشيوعية التي تنكَّرت للواقع الإنساني لأنها نسبت الإنسان لغير واقعه حينما ربطته بالعامل الاقتصادي واعتبرته العامل الأساسي في الشخصية الإنسانية، فجاءت النظرية الماركسية كأنها تتحدَّث وتعمل لكائن غير الإنسان، يقول الإمام الشهيد الصدر قدس سره:
«لا تكون العقيدة إنسانية إلاّ حين يجد الإنسان في رحابها المجالات التي تهي‏ء لكافة طاقاته جميع فرص النمو والازدهار، وتوازن بين كافة جوانبه فلا تمكن لجانب بالتنكر لجانب آخر، ومن الواضح أن العقيدة لن تكون كذلك إلا إذا عالجت الواقع الإنساني على أساس الاعتراف بالإنسان كما هو وكما خلقه اللَّه تعالى من غير تحوير. الاعتراف بكل طاقاته وكل حاجاته وكل كيانه المتطور وغير المتطور، وعلى هذا فالإسلام هو الدين الإنساني الوحيد بين العقائد والأديان التي عاصرته أو حدثت بعده...» (3) .
________________________________________
(3)رسالتنا، ص 47.

[الصفحة - 191]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف