الباحث : علي موسي الكعبي
اسم المجلة : تراثنا
العدد : 21
السنة : السنة الخامسة / شوّال سنة 1410 هـ
تاريخ إضافة البحث : December / 23 / 2014
عدد زيارات البحث : 2143
الإعلام
بحقيقة إسلام أمير المؤمنين عليه السلام
للعلامة الكراجكي
علي موسي الكعبي
مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين . . . والصلاة والسلام على سيد الأنام ومصباح الظلام أبي القاسم محمد وعلى آله الهداة الميامين وصحبه المتقين . وبعد : طالعنا في العدد (19) من هذه المجلة الغراء - تراثنا - الرسالة الموسومة ب (القول المبين عن وجوب مسح الرجلين " والمقتطعة من كتاب " كنز الفوائد " للعلامة أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رضوان الله تعالى عليه . وقد أبنا القول هناك في ترجمته وبيان مشايخه وتلامذته وكتبه ، كما أشرنا إلى منهجنا في تحقيق الرسالة سالفة الذكر (1) ، ونحن هنا بصدد رسالة أخرى - أو كتاب آخر - من " كنز الفوائد " ارتأينا تحقيقها ، وهي : الإعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنين عليه السلام ، معتمدين في ذلك على نسختين :
1 - النسخة الخطية المحفوظة في المكتبة الرضوية بمشهد المقدسة ، برقم 226 مسطرتها
----------------------------------------
(1) تراثنا ، العدد 19 ، السنة الخامسة ، ص 185 .
(الصفحة 389)
19 سطرا ، سنة النسخ 677 ه - ق ، وهي المعبر عنها بنسخة الأصل .
2 - الكتاب المطبوع على الحجر - من منشورات مكتبة المصطفوي - قم المشرفة ، ولم نعتمد على هذا الكتاب إلا في موارد نادرة .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . علي موسى الكعبي
(الصفحة 390)
صورة الورقة الأولى من مخطوطة رسالة الإعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنين عليه السلام
(الصفحة 391)
صورة الورقة الأخيرة من مخطوطة رسالة الإعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنين عليه السلام
(الصفحة 392)
ومما عملته لبعض الإخوان كتاب
(الإعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنين عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الجود والاكرام ، الهادي إلى شريعة الإسلام ، وصلاته على خيرته من جميع الأنام ، سيدنا محمد رسوله وأهل بيته الطهرة من الآثام ، وسلام الله على أول السابقين إسلاما وإيمانا ، وأخلص المصدقين إقرارا وإذعانا ، وأنصح الناصرين سرا وإعلانا ، وأوضح العالمين حجة وبرهانا ، الذي كان سبقه إلى الدخول في الإسلام وكونه بعد الرسول الحجة على الأنام مشابها لخلق آدم صلى الله عليه في وجود الخليفة قبل المستخلف عليه ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ذي الفضائل والمناقب ، ولعنة الله على باغضيه ، ومنكري فضله وحاسديه . هذا مختصر جمعت لإخواني فيه من الكلام في إسلام أمير المؤمنين صلى الله عليه ما يجب الانتهاء إليه ، والاعتماد في المسألة عليه.
فصل
يجب أن يقدم في تصحيح القول بأن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أسلم . اعلموا - أيدكم الله - أن المخالفين لشدة عداوتهم لأمير المؤمنين ، ألقوا شبهة موهوا بها على المستضعفين ، وجعلوها طريقا يسلكها من يروم نفي الإسلام عن أمير المؤمنين صلى الله عليه . وذلك أنهم قالوا : إنما يصح الإسلام ممن كان كافرا ، فأقا من لم يك قط ذا كفر ولا ضلال فلا يجوز أن يقال : إنه أسلم . وإذا كان علي بن أبي طالب عليه السلام لم يكفر قط فلا يصح القول بأنه
(الصفحة 393)
أسلم .
وهذه لعنة (1) من النصاب ، لا تخفى على أولي الألباب ، يتسببون (2) بها إلى القدح في أمير المؤمنين عليه السلام ، والراحة من أن يسمعوا القول بأنه أسلم قبل سائر الناس .
وقد تعدتهم هذه الشبهة فصارت في مستضعفي الشيعة ، ومن لا خبرة له بالنظر والأدلة ، حتى أني رأيت جماعة منهم يقولون هذا المقال ، ويستعظمون القول بأن أمير المؤمنين عليه السلام أسلم أتم استعظام ! !
وقد نبهتهم على أن هذه الشبهة مدسوسة عليهم ، وأن أعداءهم ألقوها بينهم ، فمنهم من قبل ما أقول ، ومنهم من أصر على ما يقول . وقد كنت اجتمعت بأحد الناصرين لهذه الشبهة من الشيعة ، فقلت له : أتقول : إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مسلم ؟ فقال : لا يسعني غير ذلك . فقلت له : أفتقول : إنه يكون مسلما من لم يسلم ؟ ! ! فقال : إن قلت بأنه أسلم لزمني الاقرار بأنه قبل إسلامه لم يكن مسلما ، ولكني أقول : إنه ولد مسلما مؤمنا . فقلت : هذا كقولك : إنه ولد حيا وقادرا وهو يؤديك إلى أن الله تعالى خلق فيه الإسلام والإيمان كما خلق فيه القدرة والحياة ، ويدخل بك في مذهب أهل الجبر ، ويبطل عليك القول بفضيلة أمير المؤمنين عليه السلام في الإسلام ، وما يستحق عليه من الأجر ، فاختر لنفسك : إما القول : بأن إسلامه وإيهانه فعل لله سبحانه ، وأنه ولد مسلما مؤمنا ، وإن ساقك إلى ما ذكرناه .
-------------------------------------
(1) كذا ، وفي الحجرية ، (ملعنة) ، ولعلها تصحيف : لعبة
(2) في الحجرية : يتشبثون .
(الصفحة 394)
وإما القول : بأن الله تعالى أوجده حيا قادرا ، ثم آتاه عقلا وكلفه بعد هذا ، فأطاع وفعل ما أمر به مما يستحق جزيل الأجر على فعله ، فإسلامه وإيمانه من أفعاله الواقعة بحسب قصده وإيثاره ، وإن أداك في وجوده قبل فعله إلى ما وصفنا . فحيره هذا الكلام ، ولم يجد فيه حيلة من جواب ! ومما يجب أن يكلم به في هذه المسألة أهل الخلاف أن يقال لهم : لم زعمتم أنه لم يسلم إلا من كان كافرا ؟ !
فإن قالوا : لأن من صح منه وقوع الإسلام فهو قبله عار منه ، وإذا عري منه كان على ضده ، وضده الكفر .
قيل لهم : لم زعمتم أنه إذا عري منه كان على ضده ؟ ! وما أنكرتم من أن يخلو منهما فلا يكون على أحدهما ؟
فإن قالوا : إن ترك الدخول في الإسلام هو ضده ، لأنه لا يصح اجتماع الترك والدخول ، فمتى كان تاركا كان كافرا لأن معه الضد .
قيل لهم : إنما يلزم ما ذكرتم متى وجدت شريعة الإسلام ، ولزم العمل بها ، وعلم العبد وجوبها عليه بعد وجودها ، فأما إذا لم يكن نزل بها الوحي ، ولا لزم المكلف منها أمر ولا نهي ، فإلزامكم التكفير جهل وغي .
فإن قالوا : قد سمعناكم تقولون : إن الوحي لما نزل على النبي صلى الله عليه وآله بتبليغ الإسلام دعا إليه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجبه عند الدعاء ، وقال له : " أجلني الليلة " (3) وتعدون هذا له فضيلة ، وفيه أنه قد ترك الدخول في الإسلام بعد وجوده ! !
قلنا : هو كذلك ، لكنه قبل علمه بوجوبه ، وهذه المدة التي سأل فيها الأنظار هي زمان مهلة النظر التي أباحها الله تعالى للمستدل ، ولو مات فيها العبد قبل أن يعتقد الحق لم يكن على غلط ، وهكذا رأيناكم تفسرون قول إبراهيم عليه السلام لما
-----------------------------------------------
(3) الفصول المختارة : 227 .
(الصفحة 395)
رأى كوكبا ، قال : هذا ربي ، فلما أفل قال : لا أحب الآفلين (4) ، إلى تمام قصته عليه السلام ، وقوله : إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين (5) .
وتقولون : إن هذا منه كان استدلالا ، وهو في زمان مهلة النظر التي وقع منه عقيبها العلم بالحق (6) .
فإن قالوا : فما تقولون في أمير المؤمنين عليه السلام قبل الإسلام ، وهل كان على شئ من الاعتقادات ؟
قيل لهم : الذي نقوله فيه : إنه كان في صغره عاقلا مميزا ، وكان في الاعتقاد على مثل ما كان عليه رسولي الله صلى الله عليه وآله قبل الإسلام ، من استعمال عقله والمعرفة بالله تعالى وحده ، وإن ذلك حصل من تنبيه الرسول صلى الله عليه وآله له عليه ، وتحريك خاطره إليه ، وحصل للرسول من ألطاف الله تعالى التي حركت خواطره إلى الإسلام والاعتبار ، ولم يكن منهما من سجد لوثن ولا دان بشرع متقدم . فأما الأمور الشرعية فلم تكن حاصلة لهما ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله لزم أمير المؤمنين عليه السلام الاقرار به والتصديق له وأخذ المشروع منه . وإنما قال له : " أجلني الليلة " ليعتبر فيقع له العلم واليقين مع اعتقاد التصديق لرسول رب العالمين ، فلما ثبت له ذلك أقر بالشهادتين مجددا للاقرار بالله سبحانه ، وشاهدا ببعثة رسول الله صلى عليه وآله . فإن قالوا : فأنتم إذن تقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أسلم ، وهذا أعظم من الأول . قيل لهم : إنما العظيم في العقول هو الانصراف عن هذا القول ، فإن لم تفهموا
--------------------------------------------
(4) تضمين من سورة الأنعام 6 : 76 .
(5) تضمين من سورة الأنعام 6 : 78 ، 79 .
(6) أنظر ، الجامع لأحكام القرآن 7 : 25 و 26 ، التفسير الكبير - للفخر الرازي - 13 : 52 .
(الصفحة 396)
فيه حجة العقل فما تصنعون في دليل السمع ، وقد قال الله عز وجل لنبيه عليه السلام :
(قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين) (7) .
وقوله سبحانه : (قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين) (8) .
وقوله سبحانه : (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) (9) .
ونظير ذلك كثير في القرآن ، فكيف يصح هذا الإسلام من الرسول ولم يكن قط كافرا ، وهل بعد هذا البيان شك يعترض عاقلا ؟ ! ثم يقال لهم : إذا كان لا يسلم إلا من كان كافرا ، فما تقولون في إسلام إبراهيم الخليل صلى الله عليه ولم يكن قط كافرا ولا عبد وثنا حيث قال له ربه : أسلم ، قال : أسلمت لرب العالمين ، ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (10) .
فقد تبين لكم - إيها الأخوان ، ثبتكم الله على الإيمان - ما تضمنه هذا الفصل من البيان عن صحة إسلام أمير المؤمنين عليه السلام . وأنا أتكلم بعد هذا على النصاب الذين قالوا : إنه صلى الله عليه قد أسلم ، ولكنه لم يكن السابق الأول ، وزعمهم أن المتقدم على جميع الناس أبو بكر .
-----------------------------------------
(7) الأنعام 6 : 14 .
(8) الأنعام 6 : 71 .
(9) آل عمران 3 : 20 .
(10) تضمين من سورة البقرة 2 : 131 و 132 .
(الصفحة 397)
فصل من البيان
عن أن أمير المؤمنين عليه السلام أول بشر سبق إلى الإسلام بعد خديجة عليها السلام . اعلموا أن أهل النصب والخلاف قد حملتهم العصبية والعناد على أن ادعوا تقدم إسلام أبي بكر على سائر الناس . وإذا هم عرجوا عن طريق المكابرة ، واطلعوا في السير الطاهرة ، والأخبار المتواترة ، والآثار المتضافرة (11) ، والأشعار السائرة ، وأقوال أمير المؤمنين عليه السلام الظاهرة . وجدوا جميع ذلك ناطقا بخلاف ما يزعمون ، شاهدا بكذبهم فيما يدعون ، قاضيا بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسبق إلى الإسلام وأنه لم يتقدمه بشر من الأمة بأسرها غير خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (12) .
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث يوم الاثنين وفيه أسلمت خديجة ، وأن أمير المؤمنين عليه السلام أسلم يوم الثلاثاء (13) . وروى أصحاب الحديث عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كان علي يألف النبي عليه السلام ، فأتاه فوجده وخديجة يصليان ، قال ابن عباس : وعلي يومئذ ابن عشر حجج ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله : " ما هذا ؟ " . قال : " يا علي ، هذا دين الله الذي ارتضاه لنفسه ، وبعث به رسله ، أدعو إلى الله وحده لا شريك له " . فقال علي عليه السلام : " هذا شئ لم أسمع به " . قال : " صدقت يا علي " .
-----------------------------------------
(11) في الأصل : المتناظرة ، وفي الحجرية : المتناصرة ، وما أثبتناه من هامشها .
(12) السيرة النبوية - لابن هشام - 1 : 262 .
(13) سنن الترمذي 5 : 640 / 3728 ، تأريخ الطبري 2 : 310 / 0 116 ، الكامل في التأريخ 2 : 57 .
(الصفحة 398)
فمكث علي تلك الليلة مفكرا ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال له : " لم أزل البارحة مفكرا فيما قلت لي ، فعرفت الحق والصدق في قولك ، وأنا أشهد أن لا إلة إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله " (14) .
وأخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه إجازة ، قال : أخبرني أبو الجيش المظفر بن محمد البلخي ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد ابن أحمد بن أبي الثلج ، قال : حدثني أبو الحسن أحمد بن القاسم البرتي (15) ، قال : حدثني عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، قال : حدثنا سعيد بن خثيم ، قال : حدثنا (16) أسد ابن عبده (17) ، عن يحيى بن عفيف ، عن أبيه ، قال : كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بمكة قبل أن يظهر أمر النبي صلى الله عليه وآله ، فجاء شاب فنظر إلى السماء حين تحلقت (18) الشمس ثم استقبل الكعبة فقام يصلي ، ثم جاء غلام فقام عن يمينه ، ثم جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ، ثم رفع الشاب فرفعا ، ثم سجد الشاب فسجدا ، فقلت . يا عباس ، أمر عظيم ! فقال العباس : أمر عظيم ، أتدري من هذا الشاب ؟ هذا محمد بن عبد الله بن
--------------------------------------
(14) مناقب الخوارزمي : 17 ، أسد الغابة 4 : 16 .
(15) في الأصل : البرقي " وهو تصحيف : البرتي ، كذا ورد في نسخة الإرشاد المخطوطة في مكتبة آية الله العظمى المرعشي برقم 1144 ، حيث ورد في هامشها : برت : قرية بالعراق علي القاطول خربة انتهى ، وقد ذكرها السمعاني وياقوت ونسب إليها الأخير جماعة منهم أحمد بن القاسم البرتي . أنظر : الأنساب 2 : 127 ، معجم البلدان 1 : 372 ، تأريخ بغداد 4 : 350 / 2191 .
(16) أثبتناه من إرشاد المفيد ، إذ أن البرتي لا يروي عن أسد بن عبد ه ، بل إن سعيد بن خثيم يروي عن أسد بن عبد ه ، أو عبد الله . أنظر : تهذيب التهذيب 1 : 228 / 493 ، تهذيب الكمال 2 : 504 / 399 ، الثقات 6 : 86 ، ميزان الاعتدال 1 : 206 / 812 .
(17) كذا في الأصل ، وكذلك في ثقات ابن حبان ، وفي الحجرية : عبيده وفي تهذيب التهذيب والتأريخ الكبير : أسد ابن عبد الله . أنظر : تهذيب التهذيب 1 : 228 / 493 ، التأريخ الكبير 2 : 50 / 1648 الثقات 6 : 86 .
(18) تحلقت : ارتفعت " تاج العروس - حلق - 6 : 322 " .
(الصفحة 399)
عبد المطلب ابن أخي ، أتدري من هذا الغلام ؟ هذا علي بن أبي طالب ابن أخي ، أتدري من هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد . إن ابن أخي هذا حدثني أن ربه رب السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ، ولا - والله - ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (19) .
وحدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمران ، قال : حدثنا الحسن بن محمد العلوي (20) ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر عن (21) يحيى بن أبي كثير ، عن أبيه ، قال : أخبرني أبو هارون (22) العبدي ، قال : حدثني جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " علي بن أبي طالب أقدم أمتي سلما ، وأكثرهم علما ، وأصحهم دينا ، وأكثرهم يقينا ، وأكملهم حلما ، وأسمحهم كفا ، وأشجعهم قلبا ، وهو الإمام والخليفة بعدي " (23) .
وجاء في الحديث عن أبي ذر رحمة الله عليه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : " علي أول من آمن بي وصدقني " (24) .
وعن أنس بن مالك أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : " إن أول هذه الأمة ورودا علي أولها إسلاما ، وإن علي بن أبي طالب أولها إسلاما " .
------------------------------------------------
(19) إرشاد المفيد : 20 ، مسند أحمد 1 : 209 نحوه ، المستدرك علي الصحيحين 3 : 183 مصباح الأنوار : 75 ، الإستيعاب 3 : 32 ، مناقب الخوارزمي : 20 ، كفاية الطالب : 128 ، تأريخ الطبري 2 : 311 / 1161 ، الكامل في التأريخ 2 : 57 .
(20) في مناقب ابن شاذان : العسكري .
(21) في الأصل : بن ، وهو تصحيف : عن ، لأن معمر بن راشد الأزدي يروي عن يحيى بن أبي كثير وروى عنه عبد الرزاق . أنظر : تهذيب التهذيب 10 : 218 / 441 ، 11 : 235 / 440 .
(22) في الأصل : أبو هريره وما أثبتناه من مناقب ابن شاذان ، وأبو هارون هو عمار بن جوين العبدي . أنظر : سير أعلام النبلاء 15 : 253 ، 14 : 557 ، تقريب التهذيب 2 : 49 / 410 .
(23) مائة منقبة : 76 ، أمالي الصدوق 16 / 6 ، إثبات الهداة 2 : 49 / 213 ، مسند أحمد 5 : 26 نحوه . (24) فضائل الخمسة 1 : 228 ، الرياض النضرة 3 : 110 .
(الصفحة 400)
فقال له سلمان رضي الله عنه : قبل أبي بكر وعمر ؟
فقال : " قبل أبي بكر وعمر " (25) .
وعن أنس بن مالك أيضا أنه قال : " بعث النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين ، وأسلمت خديجة في آخر ذلك اليوم ، وأسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء " (26) .
وعن أبي ذر وسلمان جميعا ، قالا : أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام ، فقال : " ألا إن هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب (27) الدين ، والمال يعسوب الظالمين " (28) .
وعن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام : " أما ترضين - يا فاطمة - أني زوجتك أقدمهم سلما ، وأكثرهم علما ، وأفضلهم حلما " (29).
وفي رواية أخرى : " زوجتك أقدم المسلمين سلما ، وأكثرهم علما ، وأفضلهم حلما " (30) .
وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام أربع مناقب لم يسبقه إليها عربي : كان أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان صاحب رايته في كل زحف ، وانهزم الناس يوم المهراس (31) وثبت ، وغسله وأدخله قبره (32) .
-------------------------------------------
(25) الجوهرة : 8 ، تاريخ دمشق 1 : 83 / 116 ، مجمع الزوائد 9 : 102 ، المستدرك علي الصحيحين 3 : 136 .
(26) تأريخ دمشق 1 : 50 / 72 : أسد الغابة 4 : 17 ، سنن الترمذي 5 : 640 / 3728 .
(27) اليعسوب : ملك النحل ، ومنه قيل للسيد : يعسوب قومه . " الصحاح - عسب - 1 : 181 .
(28) تأريخ دمشق 1 : 87 / 119 ، مجمع الزوائد 9 : 102 .
(29) مجمع الزوائد 9 : 101 ، إرشاد المفيد : 23 ، الخصال : 412 / 16 ، أمالي الطوسي 1 : 154 ، مصباح الأنوار : 198 .
(30) مجمع الزوائد 9 : 102 ، وفيه : أقدم أمتي سلما ، إحقاق الحق 4 : 354 .
(31) المهراس : ماء بجبل أحد ، ويوم المهراس كناية عن معركة أحد " معجم البلدان 5 : 232 " .
(32) الخصال : 21 / 33 ، مناقب الخوارزمي ، 21 .
(الصفحة 402)
والأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة .
فأما المحفوظ من كلام أمير المؤمنين صلى الله عليه في ذلك واحتجاجه به في جملة ما له من المناقب : فمنه ما حدثني به القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي الحراني رحمه الله ، قال : حدثني الخطيب العتكي أبو حفص عمر بن علي ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد ابن إبراهيم البغدادي - ويعرف ب (ابن ذوران) (33) - قال : حدثنا الحضرمي (34) - ويعرف بمطين - قال : حدثنا سعد بن وهب بن شيبان ، وعبد الرحمن بن جبلة ، قالا : حدثنا نوح بن قيس الطلاهي ، عن سليمان بن عبد الله (35) ، عن معاذة بنت عبد الله (36) العدوية ، قالت : سمعت عليا عليه السلام على منبر البصرة ، وهو يقول : " أنا الصديق الأكبر ، وأنا الفاروق بين الحق والباطل ، أسلمت قبل أن يسلم أبو بكر ، وآمنت قبل أن يؤمن " (37) .
وجاء عنه عليه السلام أنه قال : " اللهم لا أعرف أن أحدا من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيها " (38) .
------------------------------------------
(33) كذا ، ولعله ابن حمدان . أنظر : سير أعلام النبلاء 16 : 397 ، تاريخ بغداد 1 : 415 .
(34) في الأصل : الحضرمي ، تصحيف : الحضرمي ، وهو أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي . أنظر : سير أعلام النبلاء 14 : 41 .
(35) في الأصل : بن غالب ، تصحيف : بن عبد الله ، وهو سليمان بن عبد الله ، أبو فاطمة ، روى عن معاذة بنت عبد الله العدوية ، وروى عنه نوح بن قيس . أنظر : تهذيب التهذيب 4 : 179 / 347 .
(36) في الأصل : معاذة بنت عبد الرحمن ، تصحيف : معاذة بنت عبد الله ، وهي التي روت عن علي عليه السلام ، وروى عنها سليمان بن عبد الله البصري . أنظر : أعلام النساء 5 : 60 ، تهذيب التهذيب 12 : 479 / 2895 ، سير أعلام النبلاء 4 : 508 / 200 .
(37) إرشاد المفيد : 21 ، ذخائر العقبى : 58 ، شرح نهج البلاغة 4 : 122 ، أنساب الأشراف 2 : 146 ، الفصول المختارة : 210 و 225 ، إحقاق الحق 4 : 367 ، 15 : 291 .
(38) فرائد السمطين 1 : 246 / 191 ، مجمع الزوائد : 102 ، خصائص النسائي : 27 / 8 ، الفصول المختارة : 210 .
(الصفحة 402)
وجرى بينه وبين عثمان كلام ، فقال له عثمان : وعمر خير منك .
فقال له : " كذبت ، بل أنا خير منك ومنهما ، عبدت الله قبلهما وبعدهما " (39) .
وقد تضمن ذكر تقدم إيمانه كثيرا من أشعاره الواردة في أخباره : حدثني القاضي السلمي ، قال : أخبرني الخطيب العتكي ، قال : حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى الفتات ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن يعقوب الدينوري ، قال :
حدثنا محمد بن عبد الله البلوي الأنصاري ، قال : حدثنا عمارة بن زيد ، قال : حدثنا بكير بن حارثة ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن (40) مالك ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت عليا عليه السلام ينشد ، ورسول الله صلى الله علية وآله يسمع :
" أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي جدي وجد رسول الله منفرد صدقته وجميع الناس في بهم فالحمد لله حمدا لا شريك له معه ربيت ، وسبطاه هما ولدي وفاطم زوجتي لا قول ذي فند من الضلالة والاشراك والنكد (41) البر بالعبد والباقي بلا أمد "
قال : وتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقال : " صدقت يا علي " (42) .
ومنه احتجاجه صلى الله عليه على معاوية في جواب كتاب كتبه من الشام إليه ، وقد رام معاوية الافتخار فيه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : " أعلي يفتخر ابن آكلة الأكباد ؟ ! " . ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع : " اكتب : محمد النبي أخي وصنوي * وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطير مع الملائكة ابن أمي
------------------------------------------
(39) الفصول المختارة : 325 .
(40) في الأصل : عن ، تصحيف : بن ، إذ أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك يروي عن جابر ، ويروي عنه الزهري . أنظر : تهذيب التهذيب 6 : 233 / 515 ، 2 : 37 / 67 .
(41) في الأصل : ذوي النكد ، ولا تصح وزنا ، والصحيح : والنكد ، كما في أغلب المصادر .
(42) تأريخ دمشق 1 : 226 / 176 ، مناقب الخوارزمي : 95 ، كنز العمال 13 : 137 / 36434 .
(الصفحة 403)
وبنت محمد سكني وعرسي وسبطا أحمد ابناي منها سبقتكم إلى الإسلام طرا وأوجب لي الولاء معا عليكم مساط (43) لحمها بدمي ولحمي فأيكم له سهم كسهمي غلاما ما بلغت أوان حلمي خليلي يوم دوح غدير خم (44)
فكان صلى الله عليه يحتج بتقدم إسلامه علي الكافة ، ويفتخر به في جملة مناقبه على الأمة ، ويذكره بحضرة رسول الله صلى الله عليه وعلي آله دفعة بعد دفعة ، وبعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصحابة ، فما أنكر ذلك قط عليه الرسول صلى الله عليه وآله ، وكيف ينكره عليه وهو الشاهد له بذلك !
ولا قال له أحد من الناس : لا تحتج بهذا الكلام ، فإن أبا بكر هو الذي أسلم قبل جميع الأنام ، بل يذعن لقوله عليه السلام الناس ، ويعلمون صدقه من غير اختلاف ، ويقولون فيه كما قد قال عليه السلام .
فمن ذلك قول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب :
ما كنت أحسب هذا الأمر منتقلا أليس أول من صلى لقبلتهم من فيه ما فيهم من كل صالحة عن هاشم ثم منها عن أبي حسن وأعرف الناس بالآثار والسنن وليس في القوم ما فيه من الحسن (45)
وجرير بن عبد الله البجلي (46) يقول فيه مثل ذلك أيضا ، وقيس بن سعد بن
---------------------------------------
(43) السوط : خلط الشئ بعضه ببعض " الصحاح - سوط - 3 : 1135 " وفي أغلب المصادر : مناط .
(44) تذكرة الخواص : 102 ، الفصول المهمة : 32 ، الاحتجاج : 180 ، روضة الواعظين : 87 .
(45) تأريخ اليعقوبي 2 : 124 ، سليم بن قيس : 78 .
(46) جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك ، أبو عمر - وقيل : أبو عبد الله - البجلي القسري الأمير النبيل الجميل ، من أعيان الصحابة ، سكن الكوفة وقرقيسياء ، وقدم رسولا من علي عليه السلام إلى معاوية ، وقد اعتزلهما جميعا بالجزيرة ونواحيها ، حتى توفي بالشراة في ولاية الضحاك علي الكوفة في سنة 51 ه ، وقيل : 54 ه . أنظر : سير أعلام النبلاء 2 : 530 / 108 ، تهذيب التهذيب 2 : 63 / 115 ، شذرات الذهب 1 : 57 ، 58 ، مسند أحمد 4 : 357 ، المستدرك للحاكم 3 : 464 .
(الصفحة 404)
عبادة (47) له فيه أقوال كثيرة ، وغيرهم ممن شهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وسمع منه الأخبار بتقدم إسلامه ، والحال أشهر عند أهل العلم من أن تستتر ، وأظهر بين أهل النقل من أن تنكتم ، غير أن الناصبة قد غلبها الهوى على التقوى ، فآثرت الضلال على الهدى وقد احتج النصاب في تقدم إسلام أبي بكر بقول حسان :
إذا تذكرت شجوا (48) من أخي ثقة خير البرية ، أتقاها وأعدلها الصاحب الثاني المحمود مشهده فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا بعد النبي وأوفاها بما حملا وأول الناس منهم صدق الرسلا (49)
واحتجاجهم بقول حسان يدل على عمى القلوب وصدأ الألباب ، أو على تعمد التلبيس على ضعفاء الناس ، وإلا فلو اعتمدوا الإنصاف علموا أن حسان بن ثابت هو الذي تضمن شعره الإقرار لأمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة والرئاسة على الأنام ، لما مدحه بذلك يوم الغدير بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله على رؤوس الأشهاد ، بعد أن استأذن الرسول صلى الله عليه وآله فأذن له ، فقال :
يناديهم يوم الغدير نبيهم يقول : فمن مولاكم ونبيكم ؟ إلهك مولانا وأنت نبينا فقال له : قم يا علي فإنني فمن كنت مولاه فهذا وليه هناك دعا اللهم وال وليه بخم وأسمع بالرسول مناديا فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا : ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا رضيتك من بعدي إماما وهاديا فكونوا له أنصار صدق مواليا وكن للذي عادى عليا معاديا
---------------------------------------
(47) قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني ، وال ، صحابي ، حمل راية الأنصار مع النبي صلى الله عليه وآله ، صحب عليا عليه السلام في خلافته واستعمله علي مصر سنة 36 - 37 ه ، وكان علي مقدمته يوم صفين ، ثم كان مع الحسن عليه السلام حتى رجع إلى المدينة ، وتوفي بها في سنة 60 ه . أنظر : تهذيب التهذيب 8 : 357 / 713 ، صفوة الصفوة 1 : 715 / 106 ، الإصابة 3 : 249 / 7177 .
(48) الشجو : الهم والحزن . (الصحاح - شجا - 6 : 2389) .
(49) ديوان حسان بن ثابت 1 : 125 / 32 . الرياض النضرة 1 : 85 .
(الصفحة 405)
فصوبه النبي عليه وعلى آله السلام في هذا المقال ، وقال له : " لا تزال - يا حسان - مؤيدا ما نصرتنا بلسانك " (50) .
فيكف سمعت الناصبة تلك الأبيات التي رويت لها من قول حسان ولم تسمع عنه هذه الأبيات التي قد سارت بها الركبان ؟ ! بل كيف تثبت لها بما ذكرته من شعره أن أبا بكر سبق الناس إلى الإسلام ، ولم يثبت بما ذكرناه من شعره أيضا أن أمير المؤمنين لجميع الناس إمام ؟ ! وكيف احتجت ببعض قوله وصدقته فيه ولم تر الاحتجاج بالبعض الآخر وكذبته فيه ؟ !
أوليس إذا قالت : إنه كذب فيما قاله في علي عليه السلام في هذه الأبيات .
أمكن أن يقال لها : بل كذب فيما حكيتموه عنه من تلك الأبيات ؟ !
وإن قالت : إن حسان شاعر النبي عليه السلام ولسنا نكذبه ، لكن نقول : إنه كذب عليه في الشعر الذي رويتموه .
قيل لها : فإن قال لكم قائل مثل هذا الكلام ، وإنه كذب عليه في الشعر الذي ذكرتموه ، ما يكون الانفصال ؟ ! واعلم أنا لم نقل لهم ذلك إلا لنعلمهم أنه لا حجة في أيديهم ، وأنه لا فرق بين قولهم وقول من قلبه عليهم ، ولسنا ننفي عن حسان الكذب ، ولا رأينا فيه بحسن ، وذلك أنه فارق الإيمان وانحاز إلى جملة أعداء أمير المؤمنين عليه السلام وحصل من عصبة عثمان ، فهو عندنا من أهل الضلال .
فإن قال لنا قائل :كيف تجيزون ذلك عليه بعد ما مدحه به الرسول صلى الله عليه وآله في يوم غدير خم وأثنى عليه ؟
قلنا : إن مدحه له وثناءه عليه كان مشترطا ولم يكن مطلقا ، وذلك أنه قال : " لا تزال مؤيدا ما نصرتنا بلسانك " وهذا يدل على أنه متى أنصرف عن النصرة زال عنه
--------------------------------
(50) كفاية الطالب : 64 ، فرائد السمطين 1 : 72 / 39 ، مناقب الخوارزمي : 80 ، أمالي الصدوق : 460 / 2 ، الفصول المختارة : 235 ، إعلام الورى : 165 .
(الصفحة 406)
التأييد واستحقاق المدحة ، وقد انصرف عنها بطعونه على أمير المؤمنين عليه السلام ، وانصبابه في شعب عدوه ، وقعوده في جملة من قعد عن نصرته في حرب البصرة . ويشبه ما قاله فيه النبي عليه وآله السلام قول الله تعالى في ذكر أزواج نبيه ونسائه : (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) (51) فعلق ذلك بشرط وجود التقوى ، فإذا عدمت كن كمن سواهن ، بل يكن أسوأ حالا من غيرهن . وأعلم - أيدك الله تعالى - أنه قد روى المخالفون عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت : لما أسلم أبي جاء إلى منزله ، فما قام حتى أسلمنا ، وأسلمت عائشة وهي صغيرة (52) .
وروايتهم هذه دليل على تأخر إسلامه ، وذلك أن مولد عائشة معروف ، وزمانها معلوم ، ولدت بعد البعثة بخمس سنين ، وكان لها وقت الهجرة ثماني سنين ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله بعد الهجرة بسنة ولها يومئذ تسع سنين ، وأقامت معه تسعا ، وكان لها يوم قبض عليه السلام ثماني عشرة سنة . فإذا كانت يوم إسلام أبيها صغيرة فأقل ما يكون عمرها في ذلك الوقت سنتين ، وهذا يدل على أن أباها أسلم بعد البعثة بسبع سنين ، فهو مقدار الزمان الذي أتت الأخبار بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان يصلي فيه مع رسول الله صلى الله عليه وآله والناس في بهم الضلال ، وسنذكر طرفا مما ورد في ذلك من الأخبار . فإذا كان الناس سوى أمير المؤمنين عليه السلام إنما أجابوا إلى الإسلام بعد سبع سنين من مبعث النبي صلى الله عليه وآله فليس يستحيل أن يكون أبو بكر أحد المستجيبين في هذه السنة ، وليس ذلك بموجب أن يكون أولهم ، لأنه قد تناصرت الأخبار بتقدم إسلام جعفر بن أبي طالب عليه السلام عليه ، بل على غيره من الناس سوى أمير المؤمنين عليه السلام .
-----------------------------------------------------
(51) الأحزاب 33 : 32 .
(52) شرح نهج البلاغة 13 : 270 نحوه .
(الصفحة 407)
حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي ، قال : حدثنا عمر بن محمد بن سيف بالبصرة سنة سبع وستين وثلاثمائة ، قال : حدثنا محمد ابن أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن ضوء بن صلصال بن الدلهمس بن جهل ابن جندلي ، قال : حدثني أبي ضوء بن صلصال ، عن صلصال بن الدلهمس ، قال : كنت أنصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي طالب قبل إسلامي ، فإني يوما لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيظ إذ خرج أبو طالب إلي شبيها بالملهوف ، فقال لي : يا أبا الغضنفر ، هل رأيت هذين ؟ الغلامين ؟ يعني النبي صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام .
فقلت : ما رأيتهما مذ جلست . فقال : قم بنا في الطلب ، فلست آمن قريشا أن تكون اغتالتهما . قال : فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ، ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقيناه إلى قلته ، فإذا النبي صلى الله عليه وعلى آله ، وعلي عليه السلام عن يمينه ، وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان . قال : فقال أبو طالب لجعفر ابنه : صل جناح ابن عمك . فقام إلى جنب علي فأحس بهما النبي صلى الله عليه وآله فتقدمهما ، وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه ، ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ، ثم انبعث يقول :
إن عليا وجعفرا ثقتي لا تخذلا وانصرا ابن عمكما والله لا أخذل النبي ولا عند مهم الأمور والكرب أخي لأمي من بينهم وأبي يخذله من بني ذو حسب (53)
وقد أتت الأخبار بأن زيد بن حارثة تقدم أبا بكر في الإسلام (54) ، بل قد روي
-----------------------------------------------
(53) الأوائل - للعسكري - : 75 ، روضة الواعظين : 86 ، تفسير روح الجنان - لأبي الفتوح الرازي - 4 : 211 .
(54) الكامل في التأريخ 2 : 59 ، تأريخ الطبري 2 : 317 ، سيرة ابن هشام 1 : 264 .
(الصفحة 408)
أن أبا بكر لم يسلم حتى أسلم قبله جماعة من الناس (55) .
وروى سالم بن أبي الجعد ، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال لأبيه سعد : كان أبو بكر أولكم إسلاما ؟ قال : لا ، قد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا (56) .
وأما الأخبار الواردة بأن أمير المؤمنين عليه السلام صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله سبع سنين والناس كلهم كانوا ضالين : فمنها ما أخبرني به شيخنا المفيد أبو عبد الله رضي الله عنه ، قال : أخبرني أبو حفص عمر بن محمد الصيرفي ، قال : حدثنا محمد بن أبي الثلج ، عن أحمد بن القاسم البرقي (57) ، عن أبي صالح سهل بن صالح - وكان قد جاز مائة سنة - قال : سمعت أبا المعمر عباد بن عبد الصمد ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنه لم ترفع إلى السماء شهادة أن لا إلة إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا مني ومن علي " (58) . ومنه ما روي عن أبي أيوب أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : " لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين ، لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد غيرنا " (59) . وما رواه أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " إن الملائكة صلت علي وعلى علي سبع سنين قبل أن يسلم بشر " (60) .
وما رواه عباد بن يزيد ، قال : سمعت عليا يقول : " لقد صليت مع رسول الله
---------------------------------------------
(55) منهم : علي عليه السلام وخديجة وجعفر وزيد وأبو ذر وعمرو بن عنبسة السلمي وخالد بن سعيد وسمية وعبيدة ابن الحارث وحمزة وخباب وسلمان والمقداد وعمار وعبد الله بن مسعود . أنظر : مناقب ابن شهرآشوب : 4 .
(56) تأريخ الطبري 2 : 316 ، السيرة النبوية - لابن كثير - : 1 : 436 .
(57) أنظر التعليقة في الهامش (15) .
(58) إرشاد المفيد : 21 ، الفصول المختارة : 215 ، مناقب الخوارزمي : 19 ، مناقب ابن المغازلي : 14 / 19 .
(59) مناقب ابن المغازلي : 13 / 17 ، أسد الغابة 4 : 18 .
(60) مناقب ابن شهرآشوب : 7 ، إحقاق الحق 7 : 365 .
(الصفحة 409)
صلى الله عليه وآله سبع حجج ، ما يصلي معه غيري إلا خديجة بنت خويلد ، ولقد رأيتني أدخل معه الوادي فلا نمر بحجر ولا شجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله ، وأنا أسمعه " . وما روي عنه عليه السلام من قوله : " أنا عبد الله ، وأنا أخو رسول الله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر ، صليت قبلهم سبع سنين " (61) .
وما رواه أبو رافع ، قال : صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول يوم الاثنين ، وصلت خديجة آخر يوم الاثنين ، وصلى علي عليه السلام يوم الثلاثاء من الغد مستخفيا قبل أن يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله أحد سبع سنين (62) .
------------------------------------------------
(61) المستدرك - للحاكم - 3 : 111 ، تأريخ الطبري 2 : 310 ، السيرة النبوية - لابن كثير - 1 : 431 ، إحقاق الحق 4 : 209 .
(62) مناقب الخوارزمي : 21 ، إحقاق الحق 7 : 533 .
(الصفحة 410)
فصل في أن إسلامه عليه السلام كان عن بصيرة واستدلال .
إعلم أنه لما توجهت الحجة على المخالفين بتقدم إسلام أمير المؤمنين عليه السلام على سائر المكلفين ، قالوا : وما الفضيلة في إسلام طفل لم يلحق بدرجة العقلاء البالغين ؟ وأي تكليف يتعين عليه يستحق بفعله الأجر من رب العالمين ؟ وهل كان إلقاء الإسلام إليه إلا على سبيل التوقيف والتلقين الذي يفعله أحدنا مع ولده لينشأ عليه ويصير له من الألفين ؟ وخطأ هؤلاء القوم لائح للمتأملين ، وضلالهم عن الحق واضح للمنصفين ، وذلك أن الحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ابتداء أمره من كتمان ما هو عليه وستره ، وصلاته مختفيا في شعاب مكة للمخالفة التي كان فيها والتقية ، منتظرا لإذن الله تعالى له في الاعلان والإظهار ، فيبدي حينئذ أمره على تدريج يأمن معه أسباب المضار ، يقضي ألا يلقي ذلك إلى الأطفال والصبيان الذين لا عقول لهم يصح معها الكتمان ، والذين من عادتهم الإخبار بما علموه والإعلان . فإذا علمنا وهذه صورة الحال ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خص في ابتدائها بالوقوف على سره أحد الأطفال ، تحققنا أن ذلك الطفل مميز بصحة العقل والكمال ، وليس يستحيل حصول العقل والتمييز لابن عشر سنين ، ولا تجويز ذلك في (63) الأمور المستبعدة عند العارفين ، والمنكر لذلك إنما يعول على الغالب في المشاهدات ، والعقل لا يمنع من وجود ما ذكرناه في نادر الأوقات ، بل لا يمنع من أن يجعل الله تعالى ذلك آية يخرق بها العادات . وقد أخبر سبحانه عن نبيين من أنبيائه عليهم السلام بما هو أعجب من هذا ، وما عيسى ويحيى .
---------------------------------------
(63) كذا ، ولعلها : من .
(الصفحة 411)
فقال حاكيا كلام عيسى عليه السلام للناس في المهد : (إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا ) (64) . وقال في يحيى عليه السلام : (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأتيناه الحكم صبيا )(65) .
فإن قال الخصوم : إن هذين نبيان يصح أن تكون لهما الآيات والمعجزات .
قلنا :فما المانع من أن يكمل الله تعالى عقل طفل في زمن نبينا عليه السلام ، ويمنحه صحة التمييز والاستدلال ، ويخصه بالتكليف دون جميع الأطفال ، ويكون ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وآله ، وكرامة له في أخص الناس به ، ولوجه آخر من الصلاح يختص بعلمه ، وليكون مع هذا كله إبانة لوليه الذي هو حجته ووصي نبيه صلى الله عليه وآله . فما المحيل لما ذكرناه ، والمانع من كونه ؟ ! أوليس قد روي أن الشاهد الذي شهد من أهلها في قميص يوسف عليه السلام كان طفلا في المهد له سنتان وليس بنبي ؟ !
وبعد :
فقد أوجدكم الله تعالى عيانا من أحد أئمتنا عليهم السلام ما هو أكثر مما أنكرتموه من هذه الحال ، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام ، وشهادة المأمون له - لما عوتب على تقريبه ومصاهرته وهو ابن تسع سنين - بالعقل والعلم والكمال ، واتفاقهم معه على أن يعقدوا له مجلسا للامتحان ، وسؤالهم يحيى بن أكثم القاضي في أن يتولي لهم ذلك ، وبذلهم له الأموال ، وما جرى له من عجيب الكلام في السؤال والجواب حتى عجز يحيى ووقف في يديه وأذعن بالاستفادة منه ، والرجوع فيما لا يعلمه إليه ، وهذا أمر قد شاركتمونا في نقله ، واتفق أصحاب الحديث على حمله (66) . ولسنا نشك في أن هذا العلم والفضل والفهم لم يحصل لأبي جعفر عليه
--------------------------------------
(64) مريم 19 : 30 .
(65) مريم 19 : 12 .
(66) الإرشاد : 322 ، الاحتجاج : 443 ، نور الأبصار : 177 .
(الصفحة 412)
السلام إلا من أحد وجهين : إما الإلهام ، فهو إذن معجز بان به من الأنام .
وإما عن تلقين وتعليم ، فكم كان عمره وقت تلقينه ذلك ، وهو في وقت المناظرة ابن تسع سنين ، وقيل : ثماني سنين ؟ ! أوليس هذه أعجوبة قد نقلتموها وأقررتم بها وسلمتموها (67) ، فأخبرونا كيف أقررتم لولد أمير المؤمنين صلى الله عليه في زمن المأمون بكمال العقل والعلم وحسن المعرفة والفهم وهو ابن تسع سنين ، وأنكرتم أن يصح لأمير المؤمنين صلى الله عليه في زمن رسول الله صلى عليه وآله كمال العقل والتكليف وله عشر سنين ؟ !
فإن قالوا : نحن لا نعترف لأبي جعفر عليه السلام بهذا ، كانت السير قاضية بيننا وبينهم ، وشاهدة للمحق منا .
ثم يقال لهم : إن لم يكن الأمر كما ذكرناه من كمال عقل أمير المؤمنين عليه السلام وقت دعاء النبي صلى الله عليه وآله له إلى الإسلام وهو في حال ستر لأمره وكتمان ، وخوف من الشرك والضلال ، أليس يكون قد غرر بنفسه فيما ألقاه إليه ، وفعل ما يشهد العقل بقبحه ، وخطأ المقدم عليه ؟ ! . . . حاشا الرسول صلى الله عليه وآله مما ينسبونه إليه . والذي ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام أوضح من أن يشتبه الأمر فيه ، أليس هو القائل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله : " إنني لم أزل البارحة مفكرا فيما قلت لي ، فعرفت الحق والصدق في قولك ، وأنا أشهد أن لا إلة إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله " .
فوقع منه الإقرار بالشهادة بعد فكر ليلة كاملة ، فكيف يصح من طفل - كما زعمتم - غير عاقل أن يفكر في صحة النبوة ليلة كاملة حتى حصل له العلم بصدق المخبر بها بعد طول الروية ، وهل بعد هذا لبس يعترض عاقلا هجر العصبية ؟ !
------------------------------------------------
(67) في الأصل : سلمتوها ، والأنسب ما أثبتناه .
(الصفحة 413)
وقد روي أعجب منه عن ابن عباس رحمة الله عليه أنه قال : إن النبي صلى الله عليه وآله عرض على علي عليه السلام الإسلام ، فقال له علي : (أنظرني الليلة) فقال له النبي عليه السلام : " هي أمانة في عنقك ، لا تخبر بها أحدا " (68) . فلينظر الغافلون إلى هذا الكلام الواقع منهما عليهما السلام ، وسؤال أمير المؤمنين عليه السلام له في التأجيل والإنظار . هذا ، وهو الذي كفله ورباه ولم يزل طائعا له في جميع ما يؤثره ويراه ، فلما أتاه الأمر الذي رأى أن الإقدام على الإقرار به من غير علم ويقين قبيح سأله التأجيل . ثم قول النبي صلى الله عليه وآله له : " إنها أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا " مما تشهد العقول بأسرها أنه لا يقال إلا لمميز يكون عقله كاملا . ويزيد هذه الحال أيضا بيانا أنه لما أسلم عليه السلام ، كان يخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شعاب مكة فمرة يصلي معه ، ومرة أخرى يرصد له ، حتى روي أن كل واحد منهما كان إذا صلى صاحبه حرسه ووقف يرصد له (69) ، فهل يصح أن يخص بهذا الأمر من لا عقل له ؟ ! إلا ، ولكن قد تخفى صحته عمن لا عقل له . والعجب أن مخالفينا يدفعون أن يكون إسلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو ابن عشر سنين له فضيلة ، ورسول الله صلى الله عليه وآله لم يدفع ذلك ، بل كان يعده له من أول الفضائل ، ويخبر به إذا مدحه وأثنى عليه في المحافل ! ! والعجب أنهم ينكرون علينا الاحتجاج بتقدم إسلامه ، وهو صلى الله عليه كان يحتج بذلك بين الصحابة ، فلا ينكره أحد عليه ولا يقول له : وما في هذا لك من الفضل ، وإنما أسلمت وأنت طفل ليس لك عقل .
------------------------------------------
(68) الفصول المختارة : 227 .
(69) الكامل في التأريخ 2 : 57 .
(الصفحة 414)
فصل في البلوغ
فأما ظن الخصوم من أن البلوغ إلى درجة التكليف هو الاحتلام ، وقولهم أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن بلغ وقت إسلامه مبلغ المحتلمين فيكون من المكلفين ، فظن غير صحيح ، ولو كان الأمر كما زعموه لكان كل من بلغ الحلم مكلف ، ونحن نعلم فساد ذلك ، لوجود بالغين من البله والمجانين غير مكلفين .
والواجب الذي ليس عنه محيد أن يقال : إن وجود العقل في الإنسان وصحة التمييز منه والإدراك شرط في وجوب تكليف العقليات من النظر والاستدلال ، ومعرفة ما لا يسع جهله من الأمور الواجبات ، واعتقاد الحق بأسره وإدراك الصواب ، وشرط أيضا في صحة تعلق العبادات السمعيات ، وإن كان أكثرها يسقط عمن لم يبلغ الاحتلام ولا (70) يعلم سقوطه إلا من جهة السمع الوارد دون ما سواه ، ولم يكن المشروع كله حاصلا في ابتداء البعثة ، ولا أتى الوحي وقت إسلام أمير المؤمنين عليه السلام بجميع العبادات السمعية ، فيعلم ما هو لازم لمن لم يبلغ الحلم مما هو غير لازم له . فأما التكليف الواجب في العقول فلا يجوز أن يسقط عمن له عقل وتحصيل ، فحصول العقل إذن هو بلوغ حد التكليف ، وقد بينا أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان كامل العقل وهو ابن عشر سنين ، فلزمته المعرفة بالله تعالى والرسول ، وبجميع ما توجب معرفته (71) العقول ، ولزمه من التعبد المسموع ما قارن وجها من المصلحة له في المعلوم ، وهذا كاف لذوي التحصيل . وقد أوردت في هذا الكتاب من القول في إسلام أمير المؤمنين عليه السلام ما فيه منفعة للمؤمنين ، وحجة على المخالفين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا
----------------------------------------
(70) في الأصل : وإن ، والأنسب ما أثبتناه .
(71) في الأصل : يوجب معرفة ، والأنسب ما أثبتناه .
(الصفحة 415)
محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين .
(الصفحة 416)
مصادر التحقيق
1 - إثبات الهداة - للحر العاملي - المطبعة العلمية - قم .
2 - الاحتجاج للطبرسي - مطبعة سعيد - قم .
3 - إحقاق الحق - للتستري - منشورات مكتبة آية الله المرعشي - قم .
4 - الإرشاد - للشيخ المفيد - مكتبة بصيرتي - قم .
5 - الإستيعاب - للقرطبي - مطبوع في هامش الإصابة - دار صادر - بيروت .
6 - أسد الغابة - للجزري - المكتبة الإسلامية - طهران .
7 - الإصابة - لابن حجر - دار صادر - بيروت - عن مطبعة السعادة - مصر - 1328 ه .
8 - أعلام النساء - عمر رضا كحالة - مؤسسة الرسالة - بيروت 1404 ه .
9 - إعلام الورى بأعلام الهدى - للطبرسي - مكتبة الحياة - بيروت - 1985 م .
10 - أمالي الشيخ الصدوق - مؤسسة الأعلمي - بيروت 1400 ه .
11 - أمالي الشيخ الطوسي - منشورات مكتبة الداوري - قم .
12 - الأنساب - للسمعاني - تحقيق عبد الرحمن بن يحيى - الطبعة الثانية - بيروت 1400 ه .
13 - أنساب الأشراف - للبلاذري - تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي - مؤسسة الأعلمي - بيروت - الطبعة الأولى - 1394 .
14 - الأوائل - لأبي هلال العسكري - دار الكتب العلمية - بيروت 1407 ه .
15 - تاج العروس - للزبيدي - مكتبة الحياة - بيروت .
16 - تاريخ الأمم والملوك - للطبري - دار سويدان - بيروت .
17 - تاريخ بغداد - للخطيب البغدادي - المكتبة السلفية - المدينة المنورة .
18 - تاريخ دمشق - لابن عساكر - ترجمة الإمام علي عليه السلام - تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي - مؤسسة المحمودي - بيروت 1395 ه .
19 - التأريخ الكبير - للبخاري - دار الكتب العلمية - بيروت .
20 - تأريخ اليعقوبي - دار صادر - بيروت .
21 - تذكرة الخواص - لابن الجوزي - مؤسسة أهل البيت عليهم السلام - بيروت .
22 - تفسير روح الجنان وروح الجنان - لأبي الفتوح الرازي - منشورات مكتبة آية الله المرعشي
(417)
- قم 1404 ه .
23 - التفسير الكبير - للفخر الرازي - الطبعة الثانية .
24 - تقريب التهذيب - لابن حجر - دار المعرفة - بيروت .
25 - تهذيب التهذيب - لابن حجر - دار الفكر - بيروت - الطبعة الأولى 4014 ه .
26 - تهذيب الكمال - لجمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي - تحقيق الدكتور بشار عواد - مؤسسة الرسالة - بيروت .
27 - الثقات - لابن حبان - الهند - الطبعة الأولى - 1398 ه .
28 - الجامع لأحكام القرآن - للقرطبي - دار إحياء التراث العرب - بيروت 1965 م .
29 - الجرح والتعديل - للرازي - دار إحياء التراث العربي - بيروت 1371 ه .
30 - الجوهرة في نسب الإمام علي وآله عليهم السلام - تحقيق الدكتور محمد التونجي - مكتبة النوري - دمشق 1402 ه .
31 - خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - للنسائي - تحقيق أحمد ميرين البلوشي - مكتبة المعلا - الكويت 1406 ه .
32 - الخصال - للشيخ الصدوق - تحقيق علي أكبر غفاري - مؤسسة النشر الإسلامي - قم .
33 - ديوان حسان بن ثابت - دار صادر - بيروت .
34 - ذخائر العقبى - للطبري - مؤسسة الوفاء - بيروت 1401 ه .
35 - رجال العلامة الحلي (الخلاصة) المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف .
36 - رجال النجاشي - مؤسسة النشر الإسلامي - قم .
37 - روضة الواعظين - للفتال النيسابوري - منشورات الرضي - قم .
38 - الرياض النضرة في مناقب العشرة - للمحب الطبري - دار الكتب العلمية - بيروت .
39 - سنن الترمذي - دار إحياء التراث العربي - بيروت .
40 - سير أعلام النبلاء - للذهبي - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الثالثة - 1405 ه .
41 - السيرة النبوية - لابن كثير - تحقيق مصطفى عبد الواحد - دار إحياء التراث العربي - بيروت .
42 - السيرة النبوية - لابن هشام - دار إحياء التراث العربي - بيروت .
43 - شذرات الذهب - لابن العماد الحنبلي - دار الآفاق .
(الصفحة 418)
44 - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - أوفسيت مؤسسة إسماعيليان للمطبوعات - قم .
45 - الصحاح - للجوهري - تحقيق أحمد عبد الغفور عطار - دار العلم للملايين - بيروت 1376 ه .
46 - صفوة الصفوة - لابن الجوزي - تحقيق محمود فاخوري - دار المعرفة - بيروت 1406 ه .
47 - فرائد السمطين - للجويني - تحقيق محمد باقر المحمودي - مؤسسة المحمودي - بيروت - الطبعة الأولى - 1398 .
48 - الفصول المختارة في العيون والمحاسن - للشيخ المفيد - مكتبة الداوري - قم - الطبعة الرابعة -
49 - الفصول المهمة - لابن الصباغ - مطبعة العدل - النجف الأشرف .
50 - فضائل الخمسة - لمرتضى الحسيني - مؤسسة الأعلمي - بيروت 1402 ه .
51 - الفهرست - للطوسي - المكتبة المرتضوية - النجف الأشرف .
52 - الكاشف - للذهبي - دار الكتب العلمية - بيروت 1403 ه .
53 - الكامل في التأريخ - لابن الأثير - دار صادر - بيروت 1402 ه .
54 - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام - للكنجي - دار إحياء التراث - طهران.
55 - كنز العمال - للهندي - مؤسسة الرسالة - الطبعة الخامسة - 1405 ه .
56 - مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لابن شاذان - تحقيق الشيخ نبيل رضا علوان - الدار الإسلامية - بيروت .
57 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - للهيثمي - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الثانية - 1402 ه.
58 - المستدرك على الصحيحين - للحاكم النيسابوري - دار الفكر - بيروت 1398 ه .
59 - مسند أحمد - دار الفكر - بيروت .
60 - مصباح الأنوار - مخطوط - محفوظ في مكتبة آية الله المرعشي تحت رقم 3691 .
61 - معجم البلدان - لياقوت الحموي - دار صادر - بيروت 1388 ه .
62 - المناقب - لابن شهرآشوب - المطبعة العلمية - قم .
63 - المناقب - للخوارزمي - مكتبة نينوى الحديثة - طهران .
(الصفحة 419)
64 - مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام - لابن المغازلي - تحقيق محمد باقر بهبودي - دار الأضواء - بيروت 1403 ه .
65 - ميزان الاعتدال - للذهبي - تحقيق علي محمد البجاوي - دار المعرفة - بيروت .
66 - نور الأبصار - للشبلنجي - دار الفكر - بيروت .
(الصفحة 420)