البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

September / 22 / 2016  |  1635نهج البلاغة وإعادة بناء الحضارة الإسلامية

السيد هاشم الميلاني المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية ايلول 2016
نهج البلاغة وإعادة بناء الحضارة الإسلامية

باسمه تعالى

قال أمير المؤمنين (ع): ((اعلم أن لكل عمل نباتاً وكل نبات لا غنى به عن الماء، والمياه مختلفة، فما طاب سقيه طاب غرسه وحَلَتْ ثمرته، وما خبث سقيه خبث غرسه وأمرّت ثمرته)) (نهج البلاغة خ: 154).

يشير الإمام (ع) إلى أن لكل عمل سواء أكان معرفياً فكرياً أم عملياً سلوكياً؛ يتعلق بشؤون الفرد الإنساني الدنيوي، لكلّ هذه الأعمال منشأ (المعبر عنه في الحديث بالنبات) وهذه المناشئ لا تأتي صدفة أو عن عدم بل تتكون وتتغذى وتتولد من خلال المنظومة المعرفية والخلفية الثقافية والفكرية التي يمتلكها كل إنسان وربما تكون غير ظاهرة تضرب بجذورها في عمق اللاشعور الإنساني (وهذا معنى: أن كل نبات لا غنى به عن الماء) وبما أن هذه الروافد الفكرية والشاكلة أو المنظومة المعرفية مختلفة، فإنها سوف تؤثر على الإنسان وتحدد سلوكه نفياً وإثباتاً، سلباً وإيجاباً: ((فما طاب سقيه طاب غرسه وما خبث سقيه خبث غرسه)).

نحن هنا نستعير من هذا الكلام النوراني مصطلح وعنوان (تحلية المياه المعرفية) لننطلق من خلاله ونؤسس القواعد في عملية إعادة بناء الحضارة الإسلامية.

ربما يتساءل الإنسان ويقول: هل من حاجة الى إعادة بناء الحضارة الإسلامية؟! وهل توجد ضرورة لذلك؟ وهل أصابها خلل أو سكون لتحتاج الى إعادة بناء؟! ثم هل نحن نعيش أزمة في عالم الحضارات حتى نفكر في طرح بديل؟ وهل حقاً دخلنا في (صراع الحضارات).

للإجابة عن هذا السؤال لابد من تقديم تمهيد ونقول:

إن العالم الذي نعيشه اليوم والحضارة التي سادت وعمّت جميع أرجاء المعمورة وليدة عصر الظلمة المسمى خطأ بعصر التنوير حيث بدأت بواكيره في القرن الخامس عشر والسادس عشر الميلادي تقريباً، تم فيه تغيير البنى الفكرية والمعرفية للإنسان الغربي، فاتجهت وجهته شيئاً فشيئاً وبشكل ناعم وبطيئ نحو الدنيا بعد أن كانت تستمد قوتها ومعارفها ونشاطها من السماء أي من الدين وما بعد الطبيعة.

وقد ساعد تسريع مساعي هذه العملية؛ التخلف والظلم والفساد المتفشي في آباء الكنيسة ومفسري الطقوس الدينية والمعارف الحكمية آنذاك.

إن نجاح علمنة الدين والدنيا في الغرب وبتبعه في العالم أجمع؛ لم يكن لقصور في الدين الإلهي، وإنما القصور في التفسير الديني المنحرف عن مبادئه القويمة والسائد آنذاك في الغرب، ولو كان يسود الغرب الدين الصحيح الذي ارتضاه الله لعباده وبقيادة ربانية مصطفاة لم تكن لتؤول الأمور الى ما آلت إليه اليوم في الغرب.

إن الغرب المتبجح بعلمنته وحداثته وحضارته الجديدة زعم أنه بإقصاء الدين وإقصاء السماء سوف يصل إلى جنته المنشودة ويحقق حلمه وسعادته في هذه الدنيا، فاحتفل بنصرته وتفوّقه الظاهري على خصمه ـ بحد زعمه ـ طيلة قرنين أو ثلاثة. ولكن بعد ظهور القرن العشرين انكشف الأمر وانقلب السحر على الساحر، وبدأت الصيحات تظهر من هنا وهناك لتشكو من الآلام المتراكمة الروحية والمعنوية التي لم تجد البشرية لحلّها وتسكينها سبيلاً، فطفحت الكتب والدراسات تظهر على الساحة الفكرية والثقافية تشكو تفاقم الآلام ودخول الغرب في أزمة، ومهما حاول الغربيون من وضع علاجات وخطط بديلة فكرية وسياسية واقتصادية لم يوفّقوا لحل الأزمة، فظهرت الماركسية وظهرت الديمقراطيات المختلفة الليبرالية والاشتراكية والتوافقية، وظهرت دول الرفاه، والتأمين الاجتماعي إلى غيرها من مئات المشاريع الطافحة على الساحة لعلاج هذه الأزمات لكنها لم تنجع.

فكتب رينيه غينون (أزمة العالم الحديث) وكتب اشبنجلر بعد الحرب العالمية (تدهور الحضارة الغربية) وكتب آرتين جيلسون (نقد الفكر الفلسفي الغربي) وأنه بسبب بُعده عن ما بعد الطبيعة آل إلى الانهيار، وغيرها المئات من الكتب والدراسات المنشورة هنا وهناك.

إن الغرب المنغمس في وحل الحداثة لم يكتف بما أنتجته الحداثة من ويلات ودمار للروح والمعنى طيلة هذه القرون، فخطى خطوة خاطئة أخرى فنادى بما بعد الحداثة وهي أشنع من أختها حيث أنها رغم نقدها للحداثة لكنها أسوأ منها إذ لا يَبقى معها شيءٌ ثابت إطلاقاً ولا تنتج سوى النسبية العامة والشك وعدم الثبات في كل شيء.

ومن جانب آخر، وبعدما رأى البعض سرعة سقوط الحضارة الغربية إنسانياً وروحياً وحفاظاً على منتجات الحداثة والعلمانية، رفعوا شعار (ما بعد العلمانية) لإعطاء دور ضئيل للدين في الفضاء العام بعد ما أُقصي نهائياً إلى الفضاء الفردي الخاص.

وما زالت المطاحن الفكرية جارية وما زال الغرب يكتوي بنار فقدان المعنى في حياته ويرى بأم عينيه سقوط الأخلاق والإنسانية والروحانية أي سقوط بُعدٍ مهم من أبعاد الوجود الإنساني.

فماذا ـ يا ترى ـ بقي للغرب حينئذٍ، وماذا بقي للعالم المحتار والمتأثر بالغرب؟ وهل من بديل؟

من هنا نجيب على السؤال الأول ونقول: نعم بإمكاننا تقديم بديل حضاري ينطلق من الثقلين (القرآن والعترة) ليقوم بعملية (تحلية المياه المعرفية) والوصول إلى التغيير الناعم والتدريجي للقيام بإعادة بناء الحضارة الإسلامية لتكون بديلاً مناسباً للحضارة الغربية المأزومة.

في هذه العملية لا غنى لنا عن كتاب نهج البلاغة وما انطوى عليه من كنوز ولئالئ معرفية وعملية وسلوكية، لذا نحاول أن نستقرئ في هذه العجالة قاعدتين أساسيتين في بناء الحضارة وهما: 1 ـ النظرة الكونية الشاملة. 2 ـ إصلاح المنظومة المعرفية.

1 ـ النظرة الكونية:

إن الحضارة ـ أياً ما كانت ـ لابد وأن تعتمد على نظرة كونية شاملة تراعي جميع أبعاد الإنسان المادية والمعنوية، وهذه النظرة الكونية هي التي تحدد مسير الحضارة وتكون كفيلة بنجاحها أو فشلها وتصبح بمثابة قانون أو خارطة طريق يعتمد عليها الإنسان في بناء الذات والمجتمع والطبيعة. وهذا ما نلمسه في جميع الحضارات التي شهدتها البشرية.

إنّ نهج البلاغة يقدّم لنا نظرة كونية شاملة يمكن الاعتماد عليها في عملية إعادة بناء الحضارة الإسلامية، تعتمد على أثافي ثلاثة: ألف: الله، ب: الإنسان، ج: الطبيعة، في سلسلة متواصلة يُكمّل بعضها بعضاً.

ألف: الله.

إن النظرة الكونية التي يقدمها أمير المؤمنين (ع) تعتمد على نظرية الخالق القادر، فالله تعالى بصفاته الجمال والجلال خلق الكون والإنسان: ((ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة... ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف بها وجوارح يختدمها وأدوات يقلبها ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل والأذواق والمشام والألوان والأجناس (خ: 1).

ثم إنّ الخالق هذا: ((لا تناله الأوهام فتقدّره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسّه)) (خ: 186) ((ولم يطلع العقول على تحديد صفته)) (خ: 49) لكنه مع هذا لم يحجب خلقه عن واجب معرفته (خ: 49) ((فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود)) (خ: 49) ((فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه)) (خ: 90).

فهذه الآثار المنبثة في الآفاق والأنفس تهدي العقول إلى الاعتراف بالخالق: ((بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم)) (خ: 182) وفي لفظ آخر: ((وأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته ما انقادت له العقول معترفة به ومسلّمة له)) (خ: 165).

ولكن هذه العقول ربما تتصدأ جرّاء الانغماس في الدنيا وملاذّها فتغفل عن الخالق، فهنا يأتي دور الأنبياء والرسل، يقول أمير المؤمنين (ع): ((ولمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقه، واتخذوا الأنداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، يستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم آيات المقدرة)) (خ: 1).

وعند فقد الأنبياء يأتي دور الأوصياء لئلا تبقى الأرض من دون حجة: ((وخلّف فيكم (أي رسول الله (ص)) ما خلّفت الأنبياء في أممها، إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح ولا علم قائم)) (خ: 1).

فهذه السلسلة: الله، العقل، الأنبياء والأوصياء؛ هي العمود النوري والأساس الذي تعتمد عليه نظرتنا الكونية في إعادة بناء الحضارة الإسلامية، ليأتي بعدها دور الإنسان.

ب: الإنسان.

الإنسان تارة يُنظر إليه كفرد وتارة كمجتمع، وعلى كلا الحالين فإما هو مهتدي أو ضال، قال (ع): ((إنما الناس رجلان: متبعٌ شرعةً، ومبتدعٌ بدعةً)) (خ: 176) وأيّ الطريقين اختارهما الإنسان فإنه سيبني حضارته وفقاً لها.

فالإنسان كفرد لابد أن يراعي في سلوكه المعنوي والأخلاقي الجانب الربوبي وينصاع له وينطلق منه في جميع أعماله بحيث يصبح (الله) تعالى هو محور الحياة، أما في سلوكه الشخصي في الأسرة والمجتمع فله وظائف أيضاً تتقيد بقيود العقل والإيمان والأخلاق، ففي مجال التعامل مع الآخر يقول أمير المؤمنين (ع): ((فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق)) (الكتاب: 53) وقال (ع): ((وعليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع)) (الكتاب: 47).

أما الإنسان كمجتمع فهناك حقوق متبادلة بين أفراد المجتمع وبين المجتمع والدولة، وقد بيّن أمير المؤمنين (ع) كثيراً منها في عهده لمالك الأشتر، فمما ذكر (ع) قوله: ((فإذا أدت الرعية الى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور، وكثر الأدغال في الدين، وتركت محاجّ السنن، فعمل بالهوى...)) (خ: 216).

كما كان يؤكد (ع) على صلاح الوالي إذ به يسود العدل وتصلح الأمور: ((إن الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل)) (الكتاب: 59).

ج: الطبيعة.

الطبيعة بما فيها من جماد ونبات وحيوان مسخّرة ـ في المنظور القرآني ـ للإنسان، لكنّها ليست هي الهدف بل إنّها وسيلة للوصول إلى هدف أعلى.

فالطبيعة في النظرة الكونية الإسلامية تحتل مكانة مرموقة، فهي من جهة خير دليل على وجود الخالق: ((الحمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه وجلال كبريائه ما حيّر مقل العقول من عجائب قدرته)) (خ: 195) ((فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه، وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة ودلالته على المبدع قائمة)) (خ: 90).

وهي من جهة ثانية مسخرة لنا لنقضي منها مآربنا ونقوّم بها حياتنا المادية حتى أن رسول الله (ص) كان يوصي جيشه بعدم قطع الأشجار وتلويث المياه.

أما أمير المؤمنين (ع) فإنه كان يحمّل الإنسان مسؤولية الحفاظ على البيئة ويعطي لهذه المحافظة بعداً معنوياً أيضاً فيقول (ع): ((اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم)) (خ: 167).

وكذا كتب إلى مالك الأشتر يعلّمه كيفية تعامله مع البيئة في مسألة أخذ الخراج حيث قال (ع): ((وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنّ ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً)) (الكتاب: 53).

هذا بالنسبة إلى الجماد والنبات، أما الحيوان فكان (ع) يوصي على سبيل المثال عمّاله على الخراج ويأمرهم بالرفق والتعامل الحسن مع البهائم، حيث كتب إلى عمّاله على الخراج: ((فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه ألا يحول بين ناقة وفصيلها، ويمصر لبنها فيضرّ ذلك بولدها، ولا يجهدنّها ركوباً، وليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها، وليرفّه على اللاغب، وليستأن بالنقب والظالع، وليوردها ما تمرّ به من الغُدر، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطرق، وليروّحها في الساعات، وليمهلها عند النطاف والأعشاب)) (الكتاب: 25).

هذه بعض معالم النظرة الكونية التي يحملها نهج البلاغة وهي أرقى من كثير من النظم والقواعد والقوانين السائدة اليوم في الغرب.

2ـ إصلاح المنظومة المعرفية:

إن المنظومة المعرفية أو شاكلة الإنسان هي التي تحدد مسير الإنسان وسلوكه العملي والمعرفي كما في قوله تعالى: ((قل كل يعمل على شاكلته)). فهذه المنظومة أو الشاكلة إذا كانت سليمة ومستقيمة استقامت أعمال الإنسان وإن انعكست انقلبت الأعمال. وعليه يلزم على الإنسان المراقبة والحفاظ على هذه المنظومة واستئناف قراءتها دوماً في كل حركة وعمل لتقييم الموقف واتخاذ القرار المناسب.

في مراجعة سريعة لنهج البلاغة نرى أن الإمام (ع) يشير إلى هذا التأثير والتأثر وأن انقلاب المفاهيم عند الإنسان يسبب انقلاب المنظومة المعرفية لديه وبتبعه تتغير سلوكياته فيرى الحق باطلاً والباطل حقاً، وذلك جراء الركون إلى الدنيا واتباع الهوى.

إذ يقول (ع): ((الهوى شريك العمى)) (النهج كتاب: 31) بمعنى أن صاحب الهوى أعمى عن الحق منكوس المعرفة ولذا كان يتخوف من غلبة ذلك ويقول: ((أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة)).

فالركون إلى الهوى وعبادة الدنيا والإصغاء إلى الشيطان، يُقلب المنظومة المعرفية لدى الإنسان ويجعلها منكوسة: ((اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً واتخذهم له أشركاً، فباض وفرّخ في صدورهم ودبّ ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل وزين لهم الخطل)) (النهج خ: 7).

وقال في وصف أتباع الدنيا: ((أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها واصطلحوا على حبها، ومن عشق شيئاً أعشى بصره وأمرض قلبه فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه)) (النهج خ: 108).

((من زاغ ساءت عنده الحسنة، وحسنت عنده السيئة وسكر سكر الضلالة)) (النهج قصار الحكم: 27).

ونتيجة هذا الانقلاب في المنظومة المعرفية أن تكون ((الصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان لا يعرف باب الهدى فيتبعه ولا باب العمى فيصد عنه، فذلك ميت الأحياء)) (النهج خ: 86).

فالإنسان معرّض دائماً لخطر انقلاب المفاهيم من خلال التأثيرات السلبية الناتجة من اتباع الهوى والشيطان والركون إلى الدنيا، وبتبع انقلاب المفاهيم تنقلب المنظومة المعرفية لدى الإنسان، وبتبع انقلاب المفاهيم والمنظومة المعرفية تنقلب السلوكيات والأعمال وتنتج الأزمات الروحية والمعرفية والسلوكية كما نشهده اليوم في العالم المعاصر.

ولذا ولأجل بناء حضارة إسلامية بديلة لابد من مراقبة المنظومة المعرفية في عملية مستمرة من خلال تقويمها وتقييمها دائماً وهذا ما أطلقنا عليه شعار (تحلية المياه المعرفية) من خلال الاستقاء من المناهل العذبة: ((بنا يستعطى الهدى وبنا يُستجلى العمى)) (النهج خ: 144) ومن خلال رفض الهوى والالتزام بالتقوى: ((فإن تقوى الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم، وجلاء عشى أبصاركم وأمن فزع جأشكم، وضياء سواد ظلمتكم)) (النهج خ: 198).

((واعلموا أن من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ونوراً من الظلم)) (النهج ج: 183) فإصلاح المنظومة المعرفية على ضوء القرآن والعترة كفيل بإعادة بناء الحضارة الإسلامية من جديد.

وختاماً إنّ الأزمات التي يشهدها الغرب اليوم تحتّم علينا طرح بدائلنا لتحصين مجتمعنا عن الوقوع في نفس المتاهات التي وقع الغرب فيها. وفي مقام إعادة بناء الحضارة الإسلامية كبديل عن تلك الحضارة المأزومة روحياً ومعنوياً وأخلاقياً، لا غنى لنا عن كتاب نهج البلاغة وما يحتوي من لئالئ في تقديم النظرة الكونية الشاملة والحفاظ على المنظومة المعرفية من الانفلات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

---------------------------

* بحث مقدم في مؤتمر نهج البلاغه في النجف الأشرف ذو الحجة 1437

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف