البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

September / 11 / 2016  |  1771الجديد والمعتاد في جلسة استجواب وزير الدفاع

حيدر محمد الكعبي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية آب 2016
الجديد والمعتاد في جلسة استجواب وزير الدفاع

احدثت تصريحات وزير الدفاع خالد العبيدي اثناء جلسة استجوابه في البرلمان العراقي بتاريخ 1/8/2016 هزّة عنيفة في الاوساط السياسية والشعبية على حد سواء، بعد ان كشف عن محاولات ابتزاز قام بها سياسيون بارزون ضده للحصول على اموال غير مشروعة من عقود الوزارة.

فلماذا أحدثت هذه التصريحات كل هذه الصدى، وما هو الجديد فيها بحيث احدثت كل هذه الضجّة؟ فمن المعروف لدى العراقيين بأن الفساد كان وما يزال ينخر في أجهزة الدولة العراقية، وليس جديداً أن يسمعوا بإصدار اتهامات من هذا النوع بحق احدى الجهات الحكومية!


الجديد في حادثة الاستجواب

الشيء المؤكد أن الصدى الواسع الذي اخذته تصريحات الوزير يعود الى الاسلوب الجديد الذي طرحت من خلاله قضية الفساد تلك، فلأول مرة في تاريخ العراق منذ العام 2003 تُكشف ملفات فساد من قبل مسؤول في الدولة بهذه الطريقة المباشرة أمام الرأي العام وبحضور المتهمين انفسهم، وبخاصة ان من المتّهمين من يمثل رأس السلطة التشريعية في البلاد.

فلطالما علم الشعب العراقي بأن صفقات الفساد تجري في مفاصل الدولة، ولكنها دائما ما تجري في الخفاء بعيدا عن عيون الاعلام، لذا فان هذا الاسلوب جديد بامتياز.

وهذا بطبيعة الحال يفتح المجال واسعا أمام فصل جديد من التحديات التي يواجهها المفسدون في الحكومة العراقية، اذ ان السياق الخفي الذي تعاهد عليه سرّاق المال العام للتستر على سرقاتهم قد كُسر، الأمر الذي يؤدي ببساطة إلى زعزعة الثقة بين المتواطئين لبروز احتمال الوشاية العلنية بحالات التواطؤ والابتزاز، مما يؤدي الى انهيار السمعة والمستقبل السياسي معاً.

أما الشيء الجديد الآخر فهو الاصطدام العابر للطائفية داخل مفاصل الدولة، فلطالما اعتاد الشعب العراقي أن تكون النزاعات بين طيفين مختلفين من المكونات السياسية - بين السنة والشيعة او بين الشيعة والاكراد مثلاً- أما هذه المرة فان رؤوس الصراع ينتمون جميعا إلى المكوّن السني ذاته (خالد العبيدي من جهة، وسليم الجبوري ومحمد الكربولي وطالب المعماري من جهة اخرى).

وهذه النقطة بالذات أعادت للرأي العام العراقي أملاً – وإن كان ساذجاً- بوجود شخصيات سياسية قادرة فعلاً على تجاوز المحاصصة الطائفية باتجاه منفعة البلد، وهي الحالة التي غابت عن العراقيين سنين طويلة فافتقدوها كثيراً، لذا فان ردود الفعل العراقية –بأطيافها المختلفة- قد نظرت للعبيدي كبطل أعاد للأذهان صورة السياسي الذي يرعى مصالح العراقيين بغض النظر عن أي صفة أخرى لهم.

المعتاد في حادثة الاستجواب

من خلال جولات وزير الدفاع المكوكية على عدد من الكتل والشخصيات السياسية التي قام بها قبل جلسة الاستجواب[1]، نجد أن خالد العبيدي كان يعلم بأنه سيواجه بعد استجوابه خطراً وشيكاً يتمثل بالاتفاق المسبق على سحب الثقة منه واحالته إلى القضاء بتهم الفساد في وزارته، وقد صرح هو بذلك في جلسة الاستجواب نفسها[2].

وفي هذه الجولات التي قام بها كان قد أخبر قادة الكتل بأنه في حالة اجباره على المثول للاستجواب في البرلمان فانه سيفضح كل الاسماء المتورطة في عملية ابتزازه.

وكل تلك الاشارات كانت تؤكد بأنه قد حاول أن يضغط على الاطراف السياسية الفاعلة لكي تسحب عملية الاستجواب، وهي طريقة معتادة لدى كثير من الساسة في الحكومة العراقية، فمن المعتاد أن نسمع عن تهديدات لكبار القادة السياسيين بأنهم سيكشفون ما لديهم من اوراق ضد خصومهم السياسيين فيما اذا حاول هؤلاء الخصوم حصرهم في زوايا حرجة[3].

وذلك يتماشى تماماً مع ما يعتقده الشارع العراقي، الذي يرى بأن الصفقات السياسية التي تجري بين الكتل السياسية هي المسؤولة عن تسيير شؤون الدولة، وبات الرأي العام يؤمن بأنه حتى القضاء العراقي خاضع لتلك الصفقات السياسية[4].

واذا سلّمنا بذلك، فلا معنى عندئذ للحجّة المتكررة التي يرددها عدد من البرلمانيين[5] ومضمونها: (لو كانت ادعاءات الوزير بتعرضه للابتزاز صحيحة فلماذا تأخّر في تقديم شكوى للقضاء بذلك، ولم يصرح بملفات الفساد إلا في جلسة الاستجواب؟).

من جانب آخر تؤكد اعترافات وزير الدفاع اثناء استجوابه في البرلمان انه من النوع الذي يرغب بالحلول التي فيها أقل مقدار من الخسائر[6]، لذلك كان يتمنى بأن يرضخ خصومه لتهديداته بكشف الملفات اكثر من رغبته بكشفها فعلاً.

وحيث لم يبالِ الداعون الى استجواب وزير الدفاع بمحاولاته المتكررة لتأجيل جلسة الاستجواب وصولاً الى تقديمه طلباً لعقد جلسة استضافة خاصة مع البرلمانيين قبل جلسة الاستجواب العلنية في محاولة أخيرة لتجنب سحب الثقة منه، اضطر العبيدي الى تنفيذ تهديده في جلسة الاستجواب العلنية، إذ كانت هي الورقة الاخيرة بيده التي يعوّل عليها.

مع العلم بأن الورقة الاخيرة هذه تعتمد في قوتها على مشاعر الرأي العام أكثر من اعتمادها على الادلة المعتمدة في القضاء العراقي.

لذا نجد ان العبيدي بعد ألقى خطابه في البرلمان سعى الى حشد رأي الجماهير معه، فقام مباشرةً بزيارة مرقد الامام الكاظم (عليه السلام) ثم مرقد ابو حنيفة النعمان، كما زارَ داراً للأيتام ووزّع هدايا عليهم، وفي كل مكان يذهب اليه كان الناس يرحبون به كبطل فاتح، وهي خطوة لا يخفى ما فيها من اسلوب اعلامي لكسب دعم الجماهير، ويبدو أن العبيدي يراهن على هذا الكسب أكثر من أي شيء آخر.

الحادثة تكشف تمزق الكيانات

كشفت حادثة تصريحات العبيدي داخل البرلمان عن وجود خلافات باتت تتحول الى عداء يجر حتماً إلى تمزّق السلطات والكيانات السياسية ليُعاد تشكيلها على ضوء المستجدات السياسية القائمة اصلاً على أساس النفوذ أو الفساد.

فمن جانب كشفت حادثة الاستجواب عن خصومة واضحة بين السلطة التنفيذية وعلى رأسها حيدر العبادي وبين السلطة التشريعية وعلى رأسها سليم الجبوري، وهي حالة بدأت بواكيرها منذ اتهام العبادي للكتل السياسية بالتعنّت وعدم تغليب المصلحة الوطنية على مصالحها[7].

وعلى صعيد الكتل السياسية، تجلى خلاف واضح داخل التحالف الوطني ذاته، فجزء منه كان يصطف الى جانب وزير الدفاع ويقف بالضد من استجوابه، والجزء الآخر كان يقف مع مشروع استجوابه واقالته، وجزء ثالث كان يتذبذب بين الموقفين[8].

ولم يقتصر ذلك على الجانب الشيعي حسب، وانما سجلت الكتل السنية خلافا مشابها، فمثلا ساندت كتلة متحدون برئاسة أسامة النجيفي حركة وزير الدفاع هذه، في محاولة منها لضرب اتحاد القوى بزعامة سليم الجبوري الذي نافس النجيفي على رئاسة البرلمان وأزاحه[9].

بل إن الحادثة سجّلت انشقاقا على صعيد الكتلة السياسية الواحدة، فمثلاً حدث اصطفاف واضح بين جزء من نواب دولة القانون الى جانب استجواب وزير الدفاع، في حين اصطف الجزء الآخر من دولة القانون الى جانب الوزير ودعموا حركته بالإعلان عن ملفات فساد[10].

وحتى جبهة الاصلاح التي تشكلت عقب اعتصام النواب داخل البرلمان للمطالبة بإلغاء المحاصصة ومحاربة الفساد، فقد كشفت حادثة العبيدي عن خلاف داخل الجبهة، وزادت الحادثة من حدّة الخلاف فيها[11].

ان هذا التمزّق وإعادة الاصطفاف يشير الى أن الكيانات السياسية بدأت تقترب تدريجياً من حالة التخبّط والعشوائية في تحديد توافقاتها، بعد أن كانت في السابق تطبخ تلك التوافقات على مهل ليستمر مفعولها الى نهاية كل دورة انتخابية.

واذا تم هذا الامر فهو يشكل خلافاً سياسياً قد يكون مفيداً للشارع العراقي، فعندما يدب سوء الظن ويتعمّق الخلاف بين الفاعلين السياسيين في الحكومة العراقية فإنهم سيضعفون بشكل بديهي، مما يتيح الفرصة لصعود وجوه جديدة يمكن أن تتلافى سقطات اسلافهم، واذا تم ذلك فسيشكل بداية زوال مافيات سياسية تسلّطت على رقاب الشعب العراقي ردحاً من الزمن وكرست الطائفية وامتصت خيرات البلد لمصالح ضيقة.

--------------------------------

[1] ينظر: حلقة مقابلة خاصة لقناة العراقية على الرابط https://www.youtube.com/watch?annotation_id=annotation_2382581289&feature=iv&src_vid=KmO46VsQ4yA&v=_odU5CWVGec

[2] ينظر: الجلسة العلنية لاستجواب وزير الدفاع على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=S629TIBdIzw

[3] مثال على ذلك تهديد نوري المالكي بفضح ملفات في حالة احالته للقضاء بسبب ملف سقوط الموصل، ينظر تقرير مصور للجزيرة على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=Ihldb0-VU84

ومن الامثلة على ذلك ايضا تهديد بهاء الاعرجي بكشف ملفات فساد تطيح بشخصيات سياسية مهمة في حكومة العبادي، ينظر: خبر نشرته وكالة سكاي برس بتاريخ 7/1/2016 تحت عنوان (بهاء الاعرجي يهدد بكشف ملفات فساد تطيح بحكومة العبادي).

[4] ينظر: خبر نشرته وكالة كنوز ميديا بعنوان (هاشتاك "القضاء العراقي مسيّس" يتصدر تويتر) نشر بتاريخ 9/8/2016.

[5] مثل سليم الجبوري ومحمد الكربولي وعالية نصيف وحنان الفتلاوي وهيثم الجبوري وغيرهم.

[6] كمثال على ذلك تصريح وزير الدفاع بأنه سلم رئاسة البرلمان أربع سيارات مصفحة لحماية سليم الجبوري مُكرهاً "لتجنّب شر رئاسة البرلمان" بحسب تعبيره، ينظر وقائع جلسة الاستجواب العلنية لوزير الدفاع (مصدر سابق).

[7] ينظر: تقرير نشره موقع العالم الجديد بعنوان (مقتدى الصدر يدعو للمظاهرات امام المنطقة الخضراء والعبادي يضيق ذرعا بالكتل السياسية) بتاريخ 1/3/2016 اذ صرح العبادي إن "لكل كتلة لجنة اقتصادية تتكفل برعاية العقود في الوزارات".

[8] ينظر: لقاء عالية نصيف في برنامج قناة الاتجاه على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=Kt3OYIJ5UUc ولقاء حنان الفتلاوي في برنامج حوار التاسعة على قناة هنا بغداد على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=Kt3OYIJ5UUc

[9] ينظر حلقة من برنامج الحدث في قناة سامراء مع النائب احمد الجبوري والمحلل السياسي يحيى الكبيسي على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=-gHA-mdv-Do

[10] ينظر لقاء عالية نصيف في حلقة قناة الاتجاه(مصدر سابق)

[11] ينظر: لقاء هنا بغداد مع حنان الفتلاوي وهيثم الجبوري (مصدر سابق)

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف