البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

June / 7 / 2016  |  1282كيف أسرت العربية السعودية واشنطن؟

ماكس فيشر - Max Fisher فوكس - VOX 21 آذار 2016 - 21 March 2016
كيف أسرت العربية السعودية واشنطن؟

التحرير: الصمت المريب الذي ساد العالم العربي منذ أن شنّت العربية السعودية حربها على اليمن، كان مفهومًا إلى حدٍّ ما فآثار الهيمنة المالية على وسائل الإعلام واضحة وسافرة، ولكن في امبراطورية الإعلام الأميركي وبيوت التفكير ومراكز الأبحاث أيضًا لم نسمع صوتا خارقًا لجدار الصمت بالقدر الكافي، حتى عندما كانت الأسلحة الأميركية تستخدم بقسوة وغزارة ضد المدنيين، وكان السلوك السعودي يصطدم بمنظومة القيم الأمريكية، ماكس فيشر يقول ببلاغة وصدق وصراحة وشفافية لا تستغرب فالخليج يهيمن بماله هنا أيضاً.


إن مؤسسة السياسات الخارجية الأميريكية انحازت إلى جانب الدكتاتوريات المحافظة فوق العادة والتي تتصرف عادةً بعكس القيم والمصالح الأميركية. لماذا؟

منذ عامٍ تقريبًا، مرَّت فترة في شهر آذار 2015 تم الكشف فيها عن بعض الحقائق غير المريحة حول علاقة الولايات المتحدة بالعربية السعودية.

في ذلك الشهر، حين جهَّزت العربية السعودية لإطلاق ما سيصبح لاحقًا حربًا كارثية ضد المتمردين الشيعة في اليمن المجاورة، جاء سفير السعودية في واشنطن عادل الجبير بلائحة «أهدافٍ ذات قيمةٍ عاليةٍ» إلى مدير وكالة المخابرات الأميركية جون بْرنِنْ. كان السعوديون يطلبون الدعم الأميركي في الحرب؛ وكان المقصود من اللائحة أن تبدو على أنَّها تعاونٍ. ولكن عندما قابلت وكالات المخابرات بين اللائحة وبين معطياتها الخاصة بها، وجدت أن العديد من الأهداف كانت من الناحية العسكرية إمَّا ذات قيمة زهيدة أو عديمة القيمة، بحسب تقريرٍ صدر وقتها في «وول ستريت جورنال» بقلم ماريا أبي حبيب وآدم إنتوس. فالأهداف كانت إمَّا مبانٍ مدنيةٍ في وسط تجمعات سكنية أو قربها.

قامت الولايات المتحدة بتحذير العربية السعودية بشأن الأهداف، وقال المسؤولون السعوديون إنهم راعوا ذلك الأمر. ولكن مع اندلاع الحرب الجوية، وقعت القنابل السعودية بكثافة على «المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين والجوار،» بحسب الجورنال.

عندها تراجعت الولايات المتحدة عن الحرب بدايةً. ولكن وبجهدٍ واضحٍ في إطار سعيها لشراء الصَّمت بشأن الصفقة النووية مع إيران، سرعان ما زادت الولايات المتحدة دعمها للحملة بقيادة العربية السعودية بشكلٍ كبيرٍ جدًا مانحةً تأمين الوقود في الجو، والأسلحة والمواد وتأمين المعلومات إضافةً إلى 45 محلّلاً استخباراتيًّا متفانيًّا.

وبعد مضي عام على الحرب، تبين أنها كارثة، كما وردت الحكاية بالتفصيل في جريدة «نيويورك تايمز». فنصف الإصابات البالغ 6000 إصابة يُعْتَقَد بأنهم مدنيون؛ وأصبح تواجد القاعدة أكثر قوة؛ وفشلت العربية السعودية في تحقيق هدفِها وهو فرض نهاية للحرب بدلاً من مفاقمة العنف المتواصل. فالولايات المتحدة ساعدت العربية السعودية في تسريع الانفجار الداخلي لدولةٍ أخرى، بنتائجٍ مجهولةٍ ولكن من المؤكَّد أنَّها نتائج بعيدة المدى.

أنت تعتقد بأنَّ مجتمع واشنطن للسياسة الخارجية سيحتدُّ غضبًا وهو شبكة محبوكة بإحكام من مجامع الفكر والشخصيات الأكاديمية ومؤسسات أخرى تؤثر بقوة على وسائل الإعلام وأعضاؤه يتداولون المناصب الحكومية. ذلك المجتمع يركز بشكلٍ كبيرٍ على الشرق الأوسط وهو يفاخر بنفسه بالمُثُلِ الإنسانية النبيلة واستراتيجية تفكير بعيدة المدى، وغالبًا ما يكون منتقدًا لسياسة الرئيس أوباما الخارجية.

«بصراحة، مجامع الفكر هي استثمار جيد لهؤلاء الرجال. وهي قضية ذات تكاليف متدنية وقيمة عالية».

وباستثناء بعض الأصوات المعارضة، كان ولا زال مجتمع واشنطن للسياسة الخارجية هادئًا نسبيًا حول تورط الولايات المتحدة بمساندة حرب العربية السعودية في اليمن. وبدون أي تردد، عبَّر العديدون من هذا المجتمع عن غضبهم حول قصة مختلفة جدًا بشأن علاقة الولايات المتحدة بالعربية السعودية: في مقابلةٍ كان يبدو على أوباما أنّه يزدري القيادة السعودية وتأثيرها في واشنطن.

أرسل أوباما في مقابلته مع جفري جولدبرج من مجلة «أتلانتيك» ما يبدو أنه إشارة للأوروبيين والحلفاء العرب بشكلٍ عام. فهو انتقد معاملة العربية السعودية للنساء وممارستها ترويج الأصولية في الخارج؛ فاقترح أنَّ عليها أن تتعلم أن «تتشارك» الشرق الأوسط مع خصمها إيران.

كذلك في القصَّة وصف موظفون حكوميون واشنطن دي.سي. ماساتشوستس آفينيو حيث تتواجد مكاتب العديد من مكاتب المجامع الفكرية بأنها «قطاع يحتله العرب،» في إشارة ضمنية بأنَّه ساحة مزايدات بين دول الخليج الغنية بالبترول مثل العربية السعودية التي توفر لكتاب المجامع الفكرية التمويل الكثير.

في الوقت الذي جرّ دعم أوباما المادي لحرب كارثية بقيادة السعودية معارضة بسيطة في واشنطن، فإنَّ نقده المكتوم للعربية السعودية أثار أيَّامًا من الغضب المستمر. فتمت إدانة تعليقاته بتعابير مثل:«يلعب لعبة تحميل المسؤولية»؛ «خيانة فهم مفجع لما تعنيه أن تكون في الموقع رقم 1»؛ «علامة على أنَّه هاوٍ مهمل وأحمق»؛ «وضع الحلفاء جانبًا»؛ «تعجرف مغرور»؛ «يلوم الآخرين لفشله؛ يمكن مقارنته بدونالد ترامب» وهكذا دواليك...

كانت تلك اللحظة آخر الدلائل لأمرٍ غريبٍ حول سياسة واشنطن الخارجية: فهي ملتزمة بالعمق بالدفاع عن المملكة العربية السعودية، حكومتها المستبدة، والقيم الجِدْ محافظة، سياستها الخارجية المشجِّعة للتطرف سيبدو ذلك مثل مشروع عاطفة جيَّاشة غير عادية للخبراء الأميركيين المتخصصين بالسياسة الخارجية.

ذلك الدفاع له عاقبته. مع أنَّ العربية السعودية غالبًا ما تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة، مثلاً العمل ضد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتمويل المتطرفين، لا زالت الولايات المتحدة توفر الدعم المباشر لإعمال السعودية التي تزلزل الاستقرار الإقليمي الذي ترغبه الولايات المتحدة، مثل مساندة الحرب على اليمن وهو عكس ما ترتئيه أميركا.

إنَّ إدارة أوباما قرَّرت أن تحمل على عاتقها عملية دعم الحرب، وذلك لأسبابٍ أبعد من طريقة لعبها في «ماساتشوستس آفينيو». ولكن ذلك القرار، مثل الكثير قبله، كانَ محاطاً بمعلومات في واشنطن تُشجِّع على أي عملٍ يدعمِ العربية السعودية تحت طائلة معاقبة أي انحراف عمَّا هو متوقع.

لماذا هذا؟ ماذا يعني الإجماع في واشنطن لمصلحة الوهابيِّين المستبدِّين الذين غالبًا ما يتصدُّون للقيم والمصالح الأميركية؟

بعض المسؤولين في إدارة أوباما، وبناءً على ما أبلغوا به مجلة «أتلانتيك»(وبناء على حواراتي مع موظفي الإدارة)، يعتقدون أن الجواب هو المال: فالعربية السعودية ودول عربية غنية بالنفط قد اشترت الإخلاص والتأثير.

ولكن الحقيقة يمكن أن تكون غير ملحوظة فهم يتكلمون عن التحيُّز المتأصِّل في واشنطن بقدر ما يتكلمون عن أي تأثيرٍ يُشْترى من الخارج.

عندما سألت أعضاءً من مجتمع السياسة الخارجية يقيمون في دي.سي. عن القوة التي تُوَجِّه هذا، وصفوا لي مؤسسة لها نظرة عالمية سابقة سلفًا أمر تفضيليٌ طبيعي للوضع الراهن والمألوف، أسطورة هيمنة أميركية مُرَحَّبٌ بها بالطبع تتوافق مع نظرة العربية السعودية. ولكنهم في الوقت عينِه يشيرون إلى طرقٍ حيث في السنوات الأخيرة جاء مال الخليج ليحرِّف الحوارات في واشنطن حول الشرق الأوسط. (وجميعهم تحدَّثوا كمصدرٍ مجهولٍ لما للموضوع من حساسية).

كل من تحدَّثت إليه شدَّد على أنَّ الآراء المُسانِدة للسعودية والتي يتم التعبير عنها في واشنطن تُؤخَذ بجدِّيةٍ؛ وليس هناك من أيِّ شخصٍ يتم أمره من قبل المموِّلين الأجانب لأن يعبِّر برأيٍ مُعَيَّنٍ. بالأحرى، هم وصفوا دورًا غير ملحوظٍ، فالمال يُقويِّ معايير وعادات موجودة سابقًا وتُحَبِّذ إجماعًا لصالح السعودية، هو دورٌ معمِّقٌ للتحيُّز الذي سينشأ حتى في غياب ذلك المال، ولكنه لن يكون موضع تمسكٍ أو موضع تعبيرٍ عنه بشكلٍ واسعٍ بالقوة نفسها.

ويجمعُ الكلُّ بأنَّ هذا التحيُّز ، مهما كانت أسبابه، يشكل مشكلة خطيرة لواشنطن، مُعوِّقةً قدرة الولايات المتحدة على فهمِ وقيادةِ شرق أوسطٍ متغيرٍ بسرعة. وفي مدينة حيث يناقش كل شيء، فهي من الأشياء النادرة التي لا يفضل معظم الناس مناقشتها.

أموال النفط تصل

تبدأ قصة صرفِ الأموالِ الحقيقية فعلاً على ماساتشوستس آفينيو في وقتٍ مبكرٍ في عام 2013. وهي لا تبدأ مع العربية السعودية، أو مع حلفائها الخليجيين الكويت والإمارات العربية المتحدة، ومع ذلك فهم جميعًا في النهاية سيصبحون كبار المنفِقين في واشنطن. هي تبدأ بالأحرى مع قطر.

ومع اندلاع الربيع العربي في عام 2011، بدأت قطر الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط بالسعي وراء دورٍ لنفسها أولاً في الشرق الأوسط بتمويل الأحزاب السياسية وتسليح المجموعات (كما أنَّها موَّلت الجزيرة المحطة التلفزيونية).

وأصبحت طموحات قطر فجأةً عالمية، وفي عام 2013 أصبحت قطر لاعبًا هادئًا في واشنطن تنفق بسخاءٍ على سياسة الأروقة لجماعات الضغط، والعقارات، وحتى على محطَّةٍ أميركية نسخة لقناتها التلفزيونية. وبمهارةٍ قدمت 8.14 مليون دولار أميركي مذهلةٍ لمؤسسة بروكنجز، التي ربما تكون المجمع الفكري الأكثر احترامًا في واشنطن، لكي تقوم بافتتاح مركزٍ جديدٍ لها في قطر.

إنَّ قطر ودول الخليج الأخرى لديهم شيء من التنافس في قضايا الشرق الأوسط، فمثلاً هناك صعود الأحزاب الإسلامية السياسية التي تموِّلها قطر ولكن تعارضها دول الخليج الأخرى بضراوة. ومع زعزعةِ الربيع العربي للإستقرار الإقليمي، حاولت دول الخليج أن تعيد جمع المنطقة على خطوط جِد متباينة فكانت النتيجة أن أصبحت اختلافاتهم العقائدية أكثر خطورةً.

رأت العربية السعودية ودول الخليج الأخرى كم كانت تنفق قطر في واشنطن واستنتجت بأنَّها إذا أرادت أن تواجه تأثير قطر في المنطقة فعليها كذلك مواجهتها في واشنطن. فقامت الممالك الغنية بالنفط العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين جماعيًا والمعروفون بدول الخليج ومعهم منافسهم قطر بتوظيف جماعات ضغط خاصة بهم. وأغدقوا بالتبرعات لمجامعِ الفكرِ في واشنطن وللمؤسسات الأكاديمية.

وبحسب أحدهم من مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن والذي كنت تحدثت إليه بشأن هذه المقالة قال: «الديمقراطية أصبحت كلمة رديئة مرةً ثانيةً. فكل الأمر يدور حول الإستقرار. والسعوديون يُعادلون الاستقرار.» كما أنَّ الإمارات العربية المتحدة والسعوديين قد استثمروا بقوةٍ الآن كجزءٍ من الحربِ الباردةِ ضد القطريين، «فموقف الأولين كان، «علينا أن نوصِّل أفكارنا إلى هناك.»

ولكنهم اكتشفوا شيئًا ما: إنَّ الإنفاق على المجامع الفكرية كان فعَّالاً، لاسيما بالمقارنة مع الطرق الأخرى لشراء النفوذ.

إنَّ مؤسسات مجموعات الضغط وُجِدوا لجني الأرباح وتم تصميمهم لسحب أعلى الدفعات المالية الممكنة من زبائنهم. المجامع الفكرية والمؤسسات الاكاديمية لديها تأثير كبير ولكن توجُّهها أقل نزعة للربحية. هم لمْ يروا في أنفسِهم أو في تأثيرِهم أنهم للبيع، ولكن المانحين الأجانب اعتقدوا بوضوح أنهم كانوا يحصلون على شيء في الصفقة.

وأخبرني خبير يقيم في دي.سي.: «بصراحة، المجامع الفكرية استثمار جيد جدًا لهؤلاء القوم، فمبلغ 20.000 $ دولار أميركي هو مبلغ كبير جدًا من المال لمجامع فكرية أو لمؤسسات أكاديمية. ولكنها ليست كثيرة على مملكة غنية بالنفط معتادة على إنفاق الملايين على جماعات الضغط. إنَّه عرض ذو كلفة منخفضة وقيمة عالية».

لقد جاء هذا العرض في الوقت الذي كانت فيه الأزمة المالية ، التي كانت قد بدأت قبل بضع سنوات، محسوسة في المجامع الفكرية كما في الجامعات حيث الميزانيات بدأت تُعْصَر بشدة. وكذلك كانت المُنَح من الحكومة الأميركية أو من المانحين المحليين تجف، في حين كانت المؤسسات بحاجةٍ ماسةٍ للمال عندما وصلت شيكات الخليج.

ومع حلول عام 2014، كان مال الخليج في واشنطن ظاهرًا. فالمركز الاستراتيجي للدراسات العالمية (ذي سنتر فور ستراتيجِيك ستاديز)(CSIS) قد افتتح مكتبًا متألِّقًا شاهقًا في وسط المدينة تُموِّله هبة من الإمارات العربية المتحدة بقيمة مليون دولار أميركي.

في تلك السنة، نشرت جريدة نيويورك تايمز استقصاءً عن التمويل الحكومي الأجنبي في المجامع الفكرية، الأمر الذي وجدتْه الجريدة قد تصاعد بشكلٍ مفاجىءٍ. وتمكَّنت من التعرُّف إلى ملايين الدولارات من الهبات التي ذهبت للعديد من المؤسسات الأكثر تأثيرًا في واشنطن والتي كانت «تصنع دراسات السياسات وتستضيف المنتديات وتُنظِّم مُلخصَّات خاصَّة لكبار الموظفين الحكوميين الأميركيين الذين عادة ما يتحيَّزون إلى جداول أعمال الحكومات الأجنبية».

ماذا يمكن لأموال الخليج أن تشتري؟

شرحت الجريدة في الاستقصاء عدة حوادث بالتفصيل حيث كانت فيها الهبات من حكومات أجنبية وقد بدا أنها تؤثر على سلوكيات أي مجمعٍ فكريٍ:

سليم علي مفكر زائر سابق في بروكنجز سنتر في قطر قال بأنَّه أُبْلِغَ بأن لا ينتقد الحكومة القطرية.

مراسلات البريد الإلكترونية بين «مركز التطور العالمي» والحكومة النروجية بدا بأنه يؤشِّر إلى تعويض بالمقابل «تهب» النروج فيه «مركز التطور العالمي» الذي بدوره كان سيقنع مسؤولي الحكومة الأميركية بزيادة التمويل لجهود الحماية الدولية للغابات بمبلغ 250 مليون دولار.

أعطت الحكومة اليابانية «مركز الدراسات العالمية والاستراتيجية» (CSIS) الذي يرعى الآن المسؤولين اليابانيين بصفة «مفكرين زائرين» الذين يمنحون إمكانية الوصول إلى المسوؤلين الحكوميين الأميركيين بواسطة «مركز الدراسات العالمية والإستراتيجية» نفسه كما يمنحهم القدرة على حضور المناسبات والإستفادة من العلاقات القائمة سلفًا.

كذلك دولة الإمارات العربية المتحدة هي بدورها مانح قامت بإرسال سفيرها إلى الولايات المتحدة بناء على دعوةٍ ليشارك في ندوة نقاش عامة إلى جانب رئيس دائرة مجلس القيادة المشتركة «مارتن دمبسي» الذي استعلم السفير منه عن التزامات الولايات المتحدة تجاه الإمارات العربية المتحدة.

إنَّ الأشخاص الذين تحدثت معهم من أجل كتابة هذه المقالة وحتى أولئك الذين هم ينتقدون بشدة المؤسسات التي تقبل هبات الخليج وينتقدون ظهور الولايات المتحدة بميولها لصالح السعودية شدَّدوا على أنهم يؤمنون بأنَّ تلك الأحداث هي الاستثناء أكثر مما هي المعيار.

لم يقلْ أحد إنهم كانوا يعون وجود أي تعويضٍ بالمقابلِ خِفيةً أم علنًا بين دول الخليج وبين متلقي أموالها، وقال الجميع: إنهم شكَّكوا بأن هكذا أمر يمكن أن يحصل في أي من دوائر واشنطن البارزة. (بالفعل، التعويض الواضح الذي وجدته جريدة التايمز كان بين «مركز التطور العالمي» وبين النروج، وكان الهدف منه الدفاع عن سياسةٍ كان المركز يدافع عنها قبل الهبات.)

في الواقع، هم وصفوا الهبات الخليجية بأنَّها تلعب دورًا غير ملحوظٍ بالتأثير على واشنطن دورًا أقل علانيةً وعليه فهو أقل إثارة. ولكن ذلك الدور من حيث التصميم ممنهج وواسع الإنتشار مما يجعل الأمر يبدو أقل فظاعةً ولكن ربما أكثر تزييفًا من الأحداث التي وصفتها جريدة التايمز.

وقال أحد الخبراء مشيرًا إلى مفكرٍ أو أكاديميٍ موضع ظنٍ سيتم تمويل عمله عن طريقِ الهباتِ الخليجية:«هذا لا يعني أنَّه يتم شراؤه وأنه يدْفَع له. ولكن على مستوى واحد هناك نوع من التأثير الخامد للأصوات. إنَّه بالأحرى حول ما لا يكتب عنه».

مِثْل الآخرين، وصف الخبير تأثيرًا لا يُعبَّر عنه حيث المفكرون الذين من المؤكَّد أنَّهم يعون حساسيات مموليهم سيفكِّرون مرتين قبل أن يكتبوا بشكلٍ انتقادي عن تلك القضايا.

وقال الخبير وهو يشرح أفكارًا قد تراود مفكِّرًاٍ مُمَوَّلاً من قبل الخليج: «يمكنني أن أكتب عن المذهبية السعودية ولكن ربما سأخسر بعض المال». «يمكنني أن أكتب عن الإساءة للحقوق الإنسانية في الإمارات العربية المتحدة، ولكن أنت تعرف، الإساءات موجودة في كل مكان، وهناك ملايين الأشياء الأخرى التي يمكنني أن أكتب عنها».

وقال خبير آخر: «من المحتمل أن تؤثِّر على كيفية كتابة التحليل، ولكن ربما هناك بعض المراقبة الذاتية على بعض المواضيع التي لا تثيرها بغير ضرورة، مواضيع هي حسَّاسة للسعوديين أو للآخرين في الخليج».

مع أنَّ المصالح الأميركية والخليجية قد تباعدت عن بعضها أكثر منذ عام 2011، فإنَّ الإجماع المؤيِّد للخليج في واشنطن قد ثَبُتَت مرونته إلى درجة غريبة.

وقالوا كذلك: إنَّ هذا يساهم بممارسة واشنطن ضغوطًا حيث يحظى السلوك السيّئ لدول شرق أوسطية أخرى لاسيما خصوم الولايات المتحدة مثل إيران بانتباهٍ وجدالٍ شديدين. بينما السلوك السيّئ لدول الخليج الحليفة بما فيه من إساءات للحقوق الإنسانية، ومعارضة وجود الحركات الديمقراطية، وإجراءات السياسة الخارجية التي غالبًا ما تُضْعِف المصالح الأميركية يكون هناك مبالغة بتجاهلها فهي تُبْحَث بوتيرةٍ وحماسٍ أقل.

وقال أحد الخبراء مستشهدًا بقضايا تعتبرها حكومات الخليج جِدْ حسَّاسة: إنَّ هذا يقال خصوصًا «عندما يصل الأمر إلى مجموعات المعارضة الإسلاميين، وقضايا ديمقراطية، وحقوق إنسان».

وتابع الخبير بقوله: «العديد من هذه الأماكن التي تُمَوَّل من قبلِ السعوديين لا زالت تكتب عن تلك القضايا.» وأضاف قائلاً: «أشك أن الأمر قادِم من القمة، «أنت لا يمكنك أن تكتب عن x». ولكن الطبيعة البشرية ستؤدي بالمرء إلى التساؤل: «هل هناك خط أحمر ينبغي عليَّ التنبُّه له، من باب الحرص؟» ربما عندها سيكونون أكثر حذرًا».

وقال أحدهم: «إنَّ مخاطر المراقبة الذاتية تصبح معلنة بالخصوص عندما يعِد الممولون الأجانب بالهبات المتكررة بدلاً من كتابة شيك مصرفي لمرة واحدة. وقالوا: «إنَّ أكثر أنواع التمويل خطورةً هو التمويل المتكرر، لأنه يؤدي إلى الرقابة الذاتية.»

إنَّ الهبة المتكررة تمنح صاحب العطاء نفوذًا أكبر بسبب التهديد الضمني بالانسحاب. بل أكثر من ذلك، يعلم متلقو الهبات بأنَّ أصحاب العطاءات يأخذون بالحسبان عدة عوامل عند التفكير بتكرار العطاء. فهم يفكرون ما إذا كانوا ليجددوا منحة ما. وإذا المانح لا زال بدون قرار، ربما لأنَّه ببساطة يفكِّر بمشاريع أخرى، فما من أحدٍ في أي مجموعة مفكرين يريد ورقته السياسية أو تعليقه الشديد اللهجة أن يكون السبب الذي يدفع المانح إلى الجانب الآخر.

وعندما طلبت دليلاً عن مصدر إخماد الصوت هذا، كان الجميع يتحدثون عن بالإسم نفسه: ميشيل دان.

إنَّ قصَّة دان في حلقات مجامع الفكر في واشنطن شائنة، غالبًا ما تُذكر ولكن نادرًا ما تُبْحَث. في عام 2011، تم توظيف دان وهي دبلوماسية محترمة كانت قد أمضت 20 عامًا في الخارجية الأميركية من قبل «ذي أتلنتك كونسل» لكي ترأس قسمًا يتركز اهتمامه على الشرق الأوسط ويدعى مركز رفيق الحريري، على اسم رئيس وزراء سابق في لبنان كان قد اغتيل سابقًا.

ما حصل لاحِقًا كان أمراً حسَّاساً، لذا سوف أعيد ببساطة وصف التايمز الدقيق للأحداث:

كان المركز قد تم تأسيسه بهبةٍ كريمةٍ من بهاء الحريري، ولده الأكبر وبدعمٍ من سائرِ عائلةِ الحريري، التي بقيت ناشطة في السياسة والأعمال في الشرق الأوسط. وكان هناك ولد آخر لرئيس الوزراء السابق تبوأ منصب رئيس وزراء لبنان من عام 2009 حتى عام 2011.

ولكن بحلول صيف 2013، وعندما أطاح العسكر في مصر بالرئيس محمد مرسي المنتخب ديمقراطيًا، أدركت السيدة دان بسرعة أنه كان هناك حدود لاستقلاليتها. بعد ذلك وقَّعت عريضة وقدَّمت شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ تحثُّ فيها الولايات المتحدة لتعليق المساعدات العسكرية لمصر، واصفةً عزل مرسي بـ«الإنقلاب العسكري،» ودعا بهاء الحريري «ذي أتلنتك كونسل» لتقديم شكوى؛ هذا ما قاله مسؤولون نافذون بمعرفةٍ مباشرةٍ بالحدث.

امتنعت السيدة دان عن التعليق على الموضوع. ولكن بعد أربعة أشهر من المكالمة، تركت السيدة دان «ذي أتلنتك كونسل» ، وأخبر رئيس «ذي أتلنتك كونسل» جريدة التايمز بأن السيدة دان قد تركت بناء لرغبتها ولأسبابٍ ليس لها علاقة بالحادثة. (التحقت السيدة دان بـ «كارنيجي إندوومنت» إحدى المؤسسات القليلة التي تعمل على نطاق واسع في استثمار الهبات في مشاريع أكثر من الاعتماد على الهبات بدون مشاريع).

لم يدَّعِ أيٌّ من الذين تكلَّمت معهم أن لديه دليلًا على أنَّ السيدة دان قد تم إقصاؤها بسبب آرائها. ومن المهم التذكير بأنَّ المموِّلين هنا كانوا من السُّنَّة اللبنانيين، وليسوا من الخليج، ولكن يبقى أن مصالحهم في المنطقة غالبًا ما تتوافق.

ولكن الأمر يثير تساؤلاً: «لماذا تركت عملاً كهذا؟» والشكوك منتشرة حتى أن هذا الحدث وحوادث أخرى مشابهة له كان لها ولا زال شيءٌ من تأثيرٍ رادعٍ. فهم يدفعون الناس أن يفكروا مرتين قبل أخذ موقف يعلمون أنَّه سيثير غضب مانحٍ رئيسيٍ.

ويعتقد البعض أن هذا النوع من التأثير ربما يلعب كذلك دورًا إلى درجة أقل في مسألة التوظيف.

وقال أحد الخبراء: «لا أعتقد أنهم يخابرون قطر ويسألون عمَّن يوظفون. ولكني أعتقد أنه إذا كانوا ينظرون إلى مجموعة من المرشحين، وأن أحدهم يوثِّق إساءات الحقوق الإنسانية في قطر، فربما لن يكون اسمه مقبولاً. فلماذا السعي وراء المشاكل؟»

العديد يقول إن نوعًا من المحرَّمات تطور ضد مناهضة دول الخليج بدون حاجة لانتقادهم أو اتخاذ مواقف سياسية تعتبرها هذه الدول خطًا أحمر، لخوفهم من إغضاب المانح القائم. حتى المال نفسه أصبح موضوعًا محظورًا.

وقال أحدهم: «الكل يعلم عن الموضوع، ولكن ما من أحدٍ يريد التحدُّث عن الأمر، لأنهم جميعهم يريدون المال أيضًا. ما من أحد يريد المجازفة حتى لا تفقد مؤسستهم نصيبها من الكعكة».

ومع جفاف مصادر التمويل التقليدية، تتنافس مجامع الفكر والمؤسسات الأكاديمية من أجل دولارات الخليج نفسها مما يزيد محفِّزات المؤسسة لكي تأخذ هذه الاعتبارات بحسابها.

«أنت قلق جدًا على جامعتِك أو على مجمعِ الفكرِ الخاص بك، لأن كل فرد يعيش أزمة مالية وهو مستميت من أجل المال ولا يوجد من مالٍ كثيرٍ هناك».

تقوية الخط المؤيد للخليج في نيويورك

ولكن هذه التأثيرات تشير فقط إلى السبب الذي يجعل سياسة واشنطن الخارجية تتردد بانتقاد دول الخليج، أو مِن أن تأخذ مواقف مضادة حول مواضيع حسَّاسة. هم لا يفسرون السبب الذي يجعل هذا المجتمع غالبًا ما يبدو مهتمًا جدًا لأن يأخذ بنشاط مواقف تتوافق مع مواقف دول الخليج ، أو كما فعل الكثيرون ردًّا على تعليقات أوباما، في مقاومته للعربية السعودية نفسها.

وفي هذا الموضوع بحسب الذين تكلمت معهم يلعب المال دورًا أكثر دقَّةً. ومنذ وقتٍ طويلٍ بدأت دول الخليج تضخُّ مالاً في مجامع الفكر ، وبيَّن هؤلاء أن المواقف المؤيِّدة للخليج كانت موضع إجماعٍ في واشنطن.

كما قالوا: إن التبرعات أدَّت إلى تقويةِ حكمةٍ تقليديةٍ سبقَ أنها كانت موجودة والتي كانت تفضِّل دول الخليج ومصالحها. أكثر من ذلك، لقد قوَّى المال هذه الحكمة التقليدية حتى في الوقت الذي تغيَّر فيه الموقف في الشرق الأوسط بشكلٍ مثيرٍ. ومع أنَّ المصالح الأميركية والخليجية على ما يبدو قد تباعدت منذ عام 2011، فإنَّ إجماع واشنطن حول الخليج قد أثبت مرونة إلى درجة غريبة.

وأخبرني أحدهم: «ما يراه معظم هؤلاء الناس هو أنهم يقولون ما يريدون؛ هم لا يرون أنفسهم على أنَّهم مشترون أو أنهم مدفوعٌ لهم.ولكن مع تدفق المال إلى واشنطن، فالناس الذين يعبرون عن هذه الحكمة التقليدية المؤيِّدة للسعودية يُمنحون منابر أكبر وأمنًا وظيفيًّا أكبر وفرصًا أكثر.

« هذه علاقة مؤسساتية »

تقدم الزمالات التعليمية أو مراكز البحث المُعيَّنة بدقة رواتب جيدة وموارد يمكن للمرأة أن تتمكن من التقدم في عملِها وتوسيعِ آرائها السياسية المتوافقة مع الخليج.

وأخبرني عضو في مجتمع السياسة الخارجية والمقيم في دي.سي.: «إنَّ المال يقدِّم لهم منبرًا، ووظيفةً، ومواردًا، ودوائر علاقات عامة التي تُبْرِز ما يريدون قوله.»

«إنَّه تأثير الانتقاء. فإن كنت تفضِّل سياسة التدخُّل الخارجي، وتود احتواء إيران، وتعتقد أن الولايات المتحدة ينبغي أن تنشُر جنودها في المنطقة، فهذا ما تعتقده؛ ويصدف أنَّ هذا تمامًا ما يريده السعوديون كذلك».

إنَّ سياسة الانتقاء هذه مُعَزِّزَة للذات. وكلَّما حصلت المؤسسات التي تفضل الخط السعودي على المزيد من المال، فإنهم يوسعون فرص العمل للناس الذين لديهم الآراء عينها، وهكذا يقوُّون تلك الآراء أكثر. وما من أحدٍ عليه أن يشعر بأنه يقوم بالمزايدة لصالح دول الخليج، لأنهم يعبِّرون عن آرائهم الأمينة.

يقول الناس بأنَّ دور التمويل الخليجي الأبرز كان في التخندق. ذلك أنَّ الحكمة التقليدية المؤيدة للسعودية في سنوات الربيع العربي تأتي في الوقت الذي أصبحت العربية السعودية تتصرف خلاله بعكس المصالح الأميركية. فالشرق الأوسط المتغيِّر جعل العلاقات الأميركية السعودية أكثر سُمِّيَة وأضحت مصالح الأمتين أقل توافُقًا خذ بالاعتبار الحرب الكارثية على اليمن، والتمويل السعودي للمتطرفين في سوريا ولكن إجماع واشنطن يبقى ثابتًا لصالحِ السعودية.

وفي غياب ذلك المال، يتساءل البعض، هل ستبقى الحكمة التقليدية المؤيِّدة للسعودية منتشرة جدًا وقوية في واشنطن بالرغم من تغيُّر الحقائق التي تبدو أنَّها تستوجب ارتيابًا أكبر؟

همّهم ليس أنَّ المفكرين يقومون بمساومة السعوديين بملء إرادتهم، ولكن بالأحرى لأنَّه مع مرور الوقت شوَّه مال الخليج مجتمع واشنطن للسياسات الخارجية عن طريق ترويج وتضخيم الأصوات المؤيِّدة للخليج لتعلو فوق أصوات أولئك الذين ربَّما يكونون أكثر تَشْكيكًا.

وقال أحدهم عن دور تبرعات الخليج: «كان المال دائمًا موجودًا، ولكن حدث أن تصاعدت الأمور بشكلٍ مثيرٍ بعد الربيع العربي». « قبلها ، لم تحتج دول الخليج أن تفعل ذلك؛ بل كان هناك إجماع نخبوي. كان هناك استثمار للتبرعات، ولكنها كانت تحمل طابع الصفقات أقل بكثير. أما الآن فرهانات دول الخليج أعلى.»

المال يشتري الود، والود يحدث الارتياح والتعاطف

سافر مؤخَّرًا دايفد روثكوبف رئيس مجلس إدارة مؤسسة استشارات دولية ومجموعة «فورن بوليسي» التي تنشر مجلة «فورن بوليسي» إلى دبي في الإمارات العربية المتحدة بمناسبةٍ كانت مجلته تساعد بإقامتها. كانت ندوة نمطية دولية تشارك فيها هيئات تُعنى بالسياسات ومنسقون وفاقيون بينهم الكثير من صانعي السياسات والمفكرين الأميركيين.

مثل الكثير من الندوات الشبيهة، تم عقد الندوة في الإمارات العربية المتحدة، التي طالما تعقد حكومتها مناسبات شبيهة، وكما هي العادة توفر لها التغطية المالية.

روثكوبف وفي طريق العودة كتب عمودًا في «الفورن بوليسي» يمدح حكومة الإمارات العربية المتحدة فهي «مختبر لصنع الأفكار الجديدة المثيرة حول مستقبل السلطة،» «تضعها قيادتها في أعلى المجموعة الصغيرة من حكومات العالم الأكثر نجاحًا والأخصب خيالاً».

وفي منتصف المقال، أضاف روثكوبف هذه الملاحظة معترفًا بأنه قد جاء إلى دبي، وأنه قد اجتمع بمسؤولي الحكومة الإماراتية الذين أثَّروا به، جزئيًا نتيجةً لمساهمة حكومة تلك البلد بمصالح عمله:

(من باب التوضيح الوافي، كنت في الإمارات العربية المتحدة لتأليف الإصدار الخامس من مشروع لعبة السلام الخاصة بمجلة «فورن بوليسي»، والذي نستضيفه بدعم من الحكومة الإماراتية. وقيل: إنَّ الآراء في المقالة هي آرائي وهي مستقلّة عن أي علاقة وإنِّي أبذل كل جهدٍ لكي أكون متجردًا. وللأسباب عينها، ينبغي أن لا تؤثِّر علاقات العمل في «فورن بوليسي» على ما نكتبه إيجابًا، وأنه لا ينبغي التحيُّز ضدنا وإنكار التعليقات الإيجابية حيث يقتضي ذلك. على كل حال، أحكم بنفسك. إنَّ قصة الإبداع عند القيادات الإماراتية تستحق النظر فيها بعيدًا عن رأيك بسجل المسار العام للدولة).

إيضاحات روثكوبف تظهر جيدًا وعلى نحوٍ جديرٍ بالإعجاب كيف تعاطى بشكلٍ مباشرٍ مع أي مسألة يمكن لمال الحكومة الإماراتية أن يدفعه للمحاباة. وبالفعل، يستحق أن نتقبل ما يقوله وبأن هذه المقالة تعكس رأيه الأمين.

ولكن المقالة تعكس شكلاً من أشكال شراءِ تأثيرٍ أكثر حِنكةً، شكلاً طوَّرته إحدى دول الخليج وعلى الأخص الإمارات العربية المتحدة من أجل نتيجة هائلة: شراء الودّ.

واقترح الناس الذين تحدثت إليهم أنه لهذا السبب تستضيف الإمارات العربية المتحدة وتغطِّي ماليًا ندوات دولية متكررة والتي يحضرها بشكلٍ كبيرٍ مجامع الفكر القائمة في دي.سي. والأكاديميون، وصنَّاع القرار، ونعم حتى، الصحفيُّون.

ـ « هناك مستوى من الراحة مع السعوديين يؤثِّر على التحليل».

وفي النتيجة، العديد من مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن زاروا الإمارات العربية المتحدة، ربما هي رحلة يشعر المرء بأنَّ فيها من المعلومات ما يبرِّرها كعملٍ، ولكنها مريحة كفايةً لكي تُوَلِّد مشاعر المحبة. وربما يتاح للحاضرين حوارًا عفويًا أو اثنين مع مسؤول إماراتي وما من شيء فيه شعور بالجرأة مثل ممارسة الضغط، ولكنه كافٍ لجمع بطاقة أعمال للتعريف أو اثنتين.

وقال أحد الخبراء بشؤون الشرق الأوسط والمقيم في دي.سي. مشيرًا إلى مدينتين كبيرتين في الإمارات العربية المتحدة: «ربما نصف عدد العاملين في مؤسسة السياسة الخارجية قد زاروا دبي أو أبو ظبي.» «هم يسافرون بالدرجة الأولى، يزورون المتاحف، ويقولون إنهم زاروا الشرق الأوسط».

لأولئك الفضوليين الذين يريدون أن يعرفوا أكثر، مثلما كان يريد روثكوبف، المسؤولون الإماراتيون غالبًا ما يتحدثون الإنكليزية بطلاقة وهم على دراية بالعادات الأميركية ويكونون سعداء بأن يحتفوا بالأميركيين. وينجح هذا الأمر لأن الإمارات العربية المتحدة بالطبع تعتقد أن لديها رسالة إلزامية عليها أن توصلها.

والشيء الذي يشتريه البلد من خلال بعض الأمور ومنها الندوات هو إيصال تلك الرسالة إلى الجمهور الصغير ولكن القوي من النخبة الأميركية للسياسة الخارجية. وسماع هذه الرسالة بالطبع لا يحول النخبة الأميركية إلى حمقى. ولكن الودّ والعلاقات الشخصية يمكن أن يكونا قوتين نافذتين.

بسبب تلاقي أعداد كبيرة من نخبة السياسة الخارجية الأميركية ولأنهم أمضوا وقتًا مع الإماراتيين والمسؤولين الإماراتيين فهم بالطبع أكثر ميولاً لأنسنة الإماراتيين. وهم أيضًا أكثر معرفةً بالفوارق الدقيقة لآراء الإماراتيين حول الشرق الأوسط بما فيه ما تفضِّله الإمارات العربية المتحدة من السياسة الأميركية في المنطقة.

« العلاقات لها شأن »

الأمر ليس مسألة ندوات بعيدة فقط. فدول الخليج كانت ولا تزال تنشئ علاقات شخصية في واشنطن لسنين خلت. إنَّ سفير الإمارات العربية المتحدة إلى واشنطن، يوسف العتيبة، على سبيل المثال، يُعْرَف عنه استضافته للحفلات الخيرية التي يحضرها ضيوف مشاهير مثل جورج دبليو. بوش ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس.

وأخبر أحد فاعلي الخير في واشنطن جريدة «هافنجتن بوست» قصة نمو نفوذ العتيبة فقال: «عُرِفَ عنه بسرعةٍ أنَّه مصدر سهل للمال بدون أي قيد أو شرط». وقال آخر: إنَّ المناسبات الخيرية هي مولِّدة لنفوذٍ مؤثِّرٍ لأنَّكَ: «تجد هناك كل رجل كونجرس وكل عضو مجلس شيوخ في العالم وكل مساعد في البيت الأبيض، ويمكنك التحدُّث إليهم وتُنْهِيَ أمرًا ما لم يكن بوسعك إنهاءه بطريقةٍ أخرى».

في عام 2013، أقام العتيبة حفلاً مفاجئاً بمناسبة عيد الميلاد الخمسين لمقدِّم برامج في تلفزيون «إم. إس. إن. بي. سي. واسمه جو سكاربورو» (والذي كان عضوًا جمهوريًا سابقًا في الكونغرس) وكان أن حضر الحفل كبار المسؤولين في البيت الأبيض والعتيبة ضيف تتكرَّر استضافته في برنامج «سكاربوروه» الذي بدوره يمدح الإمارات العربية المتحدة على أنَّها تقدُّمية وتتطلَّع إلى المستقبل وهي ملكيَّة شديدة المحافظة.

في عام 2014، شارك العتيبة في احتفال حول العناية بصحة الأطفال مع شركة «فوكس نيوز» حين استضافه «برت باير» الذي وصف السفير على أنه «شخص عظيم.» هكذا علاقات شخصية تعكس التوافق مع موقف هيئة التحرير في «الفوكس نيوز» حول الشرق الأوسط الذي عكس جدول أعمال الإمارات العربية المتحدة الخاص بها: معارضة التنظيمات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين، الدعوة إلى سياسات تدعم دول الخليج ضد إيران، وطلب نشر هجومي للجيوش الأميركية في المنطقة.

تهتم هكذا قصص بالتركيز على الإمارات العربية المتحدة لأنها بلد بخلاف دول الخليج الأخرى كانت ولا زالت تركِّز على رعاية النفوذ في العلن وغالبًا ما بين أهل الصحافة. (فلقد تم تقديم رحلات مجَّانية لي إلى الإمارات العربية المتحدة ولكني لم أقبل بعد). ولكن دول الخليج الأخرى، مثل العربية السعودية، فإنَّهم يُطبِّقون الاستراتيجية نفسها ويحققون نجاحات مشابهة. الفرق هو أنَّ هذه الدول أقَلَّ تركيزًا على الحفلات المبهرجة والظهور الإعلامي، وأكثر تركيزًا على بناء علاقات مباشرة هادئة ولكن ربما أكثر أهميةً بين صانعي السياسات السعودية والأميركية.

وقال أحد الذين تحدثت إليهم أنَّ: «الإمارات العربية المتحدة تركز على الخارج بطريقة لا تقوم بها السعودية». وأشار إلى أنَّ المسؤولين السعوديين والأميركيين كانوا ولا زالوا يعملون سويةً لعشرات السنين مشكِّلين سوية ومنفِّذين لرؤيتهم المشتركة للشرق الأوسط .

وأخبرني عضو آخر في مؤسسة السياسة الخارجية: «هذه علاقة مؤسَّساتية. فلديك المساعدة الأمنية، والتعاون الأمني، ومكافحة الإرهاب، وعلاقات الاستخبارات؛ إنها علاقة عميقة».

تقريبًا أي شخص عمل في الحكومة الأميركية على ملف الشرق الأوسط لا بدّ أنه في وقت ما عمل إلى جانب نظيره السعودي على هدف سياسي مشترك من نوع ما. هذا يعني أنَّ مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن مليئة بالأشخاص الذين طوَّروا ودًّا مريحًا مع السعوديين، وأنَّهم منسجمون مع الآراء والهموم السعودية، وغالبًا ما يحفظون علاقات شخصية مع نظرائهم السعوديين.

وأكمل الخبير في العلاقات الخارجية قائلاً: «العلاقات لها شأن. فالسعوديون يجولون في دي.سي. وعدد كبير من الناس لهم علاقات طويلة الأمد معهم. والارتياح لهم والتعرف عليهم يؤثِّر على تطور التحليل الاستراتيجي ذلك أنَّهم شركاء يمكنهم مساعدتنا. هناك مستوى من الإرتياح للسعوديين وهو يُؤثِّر على التحليل».

هذه العلاقات غالبًا ما تمتد إلى عالم الاستخبارات والاستشارات العسكرية وعالم التعهدات الواسع والمربح ساحة يمكن لمسؤولة أميركية سابقة أن تكسب منه عدة أضعاف راتبها الحكومي. (في إشارة إلى السيدة ميشيل دان المذكورة أعلاه).

وقال خبير ثالث في واشنطن مستعملاً خطوطًا ورموزًا على الورقة لتلك الوكالات: «كذلك هناك العديد من دوائر الدفاع وجماعة الإستخبارات ومسؤولي الخارجية وموظفين آخرين يتمتعون بعلاقاتٍ وطيدةٍ مع دول الخليج (ومن بينهم العربية السعودية) عبر عالم المستشار أو المتعهد. وأنَّ هذه الدول تنفق عشرات البلايين كل عام على شراء المواد والنصائح من المؤسسات الأميركية».

وإذا كان هذا الودّ مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين مصدر ارتياح مع هذه البلاد ومصدر تعاطفٍ نحو أهدافهم السياسية ونظرتهم للعالم، عندها عكس هذا الأمر هو الصحيح بالنسبة لعدوّ دول الخليج الأكبر: إيران.

فالاتفاق النووي بقيادة الولايات المتحدة مع إيران أفزع العربية السعودية ودول الخليج الأخرى الواقعة على الخليج والتي تخاف من أن تكون أميركا تتحول بعيدًا عنهم وتتجه نحو عدوّهم التاريخي. هذه الدول لم تخجل من التعبير عن همومها تقريبًا لأي أميركي سيستمع لها على أنها تفضل أن تبقى الولايات المتحدة معادية تجاه إيران إلى أبعد حدّ.

وبفضل علاقاتها الطويلة الأمد وحضورها في واشنطن فإنَّ دول الخليج تجد نفسها مرتاحة في توصيل هذه الرسالة إلى أعضاء مجتمع السياسة الخارجية الأميركية.

وأشار أحد الخبراء إلى أنه مثلما لسياسة واشنطن الخارجية علاقات متجذِّرة مع العربية السعودية الأمر الذي يجعل لها قراءتها الخاصة للأحداث كذلك لهذا المجتمع شكوك متجذِّرة تجاه إيران وتباعد عنها، فقال:«أعتقد أن كثيرًا من ذلك له علاقة بموضوع إيران».

وأكَّد الخبير أنَّ هناك فضلًا كبيرًا لهذا الشك. ولكن ولأنَّ العديدين في واشنطن لهم علاقات متجذِّرة مع المسؤولين السعوديين، وربما لأنهم لم يسبق لهم أن التقوا بمسؤول إيراني، فإنَّهم ميَّالون للأنسنة والتعاطف مع السعوديين الذين يعرفونهم أكثر من الإيرانيين الذين لا يعرفونهم.

وقالوا: «وهكذا فأنت لديك قوتان تعملان: تحيُّز راسخ لصالح السعوديين كشريكٍ دائمٍ لأمريكا، وهناك تحيز ضد إيران».

هذه الظاهرة يكون لها معنى أكبر لو سمحت لذلك قبل وصول المال وفي بعض الأحوال قبل البدء ببناء العلاقات، فحكمة واشنطن التقليدية طالما كانت تفضل العربية السعودية والمصالح السعودية. لقد منح هذا دول الخليج توازنًا لتضخيم ذلك التوجه ولتقويتِه في وجهِ القوى المضادة بدون الطلب من أي أحد أن يأخذ مواقف إلى جانب الخليج. ولكن من أين جاءت تلك الحكمة ابتداءً؟ ولماذا أثبتت ديمومتها بشكلٍ مفاجىءٍ؟ ...العربية السعودية هي الموقف الراهن، والموقف الراهن هو دين في واشنطن.

المال يتكلم في واشنطن، ولكن الحديث عن الموقف الراهن صوته أعلى، كما صاغها زميلي «مات إيجلاسيَاس». وعندما يصل الأمر لسياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط، فالعربية السعودية عمليًا مترادفة مع الموقف الراهن.

إنَّ تحالف أميركا مع السعوديين بدأ في الأربعينيات وبشكلٍ مشهور مع النفط الذي ساعد على توافق مصالح الولايات المتحدة والسعودية منذ ذلك الحين. ولكن في السنوات السبع والخمسين التالية، فإنَّ الولايات المتحدة والسعودية قد تشاركتا في الحرب الباردة، وفي الثمانينيات في حرب أفغانستان بالوكالة، وفي التسعينيات ضد صدام حسين العراق، وفي الألفية الثانية ضد الإرهاب الإسلامي، والآن ضد إيران. تقريبًا كل جهد أمريكي رئيسي في الشرق الأوسط كان ولا زال بالتشارك مع السعودية.

وقال أحد الخبراء بالشرق الأوسط: «يأتي هذا من تاريخٍ طويلٍ جدًا».

أي خللٍ في هذا التحالف يعتبر صدعًا خطيرًا للوضع الراهن هذا، وهو بالضرورة سيكون موضع جدال.

وأكثر من هذا، العربية السعودية موجودة الآن في وسط وضع راهن أكبر، فالهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط كانت في الماضي أكثر استقرارًا وأكثر قابليةً للتنبؤ بكثير.

لعشرات السنين، حافظت الولايات المتحدة ولا زالت على هيمنتها على جزء كبير من الشرق الأوسط من خلال نظام تحالفاتها مع الدول العربية، التي كانت ولا زالت أقواها العربية السعودية بالإضافة لإسرائيل. وكانت الدكتاتوريات العربية «الخاصة بنا» مؤيَّدة لأمريكا بشكلٍ موثوقٍ، يقفون مع الولايات المتحدة بوجه إسرائيل (وإن كان ضمنيًا)، وفي عزل إيران، وفي محاربة الإرهابيين الإسلاميين.

إنَّ هذا النظام يمنح الولايات المتحدة عمومًا وكلاء مطيعين في منطقة مليئة بالموارد القيَّمة ولكن في الوقت نفسه بأيديولوجيات مناهضة لأمريكا. وكذلك هي تخدم العربية السعودية مانحةً المملكة الغنية ولكن قليلة السكان حاميًا قويًا ضد أعدائها الأكثر سكانًا وتعطيها صديقًا مفيدًا في الحفاظ على حكمٍ ملكيٍ لوقتٍ طويلٍ بعدما تنازلت معظم العائلات الملكية أو أنها أسقطت من السلطة.

لا يوافق الأشخاص الذين تحدَّثت إليهم إلى أي درجة كان التحيُّز للوضع الراهن أكثر أو أقل أهمية من الدور الذي كان يمكن للمال أن يلعبه. بالأحرى، معظمهم رأى أن الاثنين يعملان بالتلازم ليقويا بعضهما بعضًا. وبحسب هذا الرأي، المال يمكِّن عادات واشنطن المعروفة جدًا بشأن التحيُّز للوضع الراهن وتأكيد التحيُّز.

وقال خبير آخر بشؤون الشرق الأوسط يقيم في دي.سي.: «لدي انطباع بأنَّ الأمر ليس مسألة تمويل بقدر ما هو تحيُّز مبدئي لدعم شريك لا يُعتمد عليه كلِّيًّا في منطقةٍ لا يمكن التنبؤ بها وهي على قدر كبير من الأهمية للمصالح الأميركية.

وبالفعل، كل من تحدَّثت إليهم كانوا حريصين أن يشيروا إلى أن هذا التحيُّز للوضع الراهن لصالح السعودية سيكون موجودًا حتى في غياب التمويل الأجنبي. ولكنهم رأوا أن مال الخليج يضخِّم ذلك التوجُّه، وربما إلى درجة كبيرة، إلى جانب الأصوات التي يصدح صداها بالحكمة التقليدية لصالح السعودية.

وأخبرني أحد الخبراء في واشنطن: «هذا الأمر لن يختفي كلِّيًّا في غياب ذلك المال. فالناس يعتقدون جدِّيًّا بأنَّ أفضل طريقة لخدمة المصلحة الأميركية هو في حفظ الوضع الراهن، دعم إسرائيل، واحتواء إيران».

هذا الوضع الراهن ربما لم يكن ليدوم، فقد بدأ يتفكك في عام 2011 مع الربيع العربي الذي شهد صعود السياسة الإسلامية والشعبية بينما كانت الدكتاتوريات المعتمد عليها تهوي. وبدأ النظام المعهود القديم بالأفول. وكان ذلك النظام قد خدم عددًا قليلًا أكثر مما خدم الولايات المتحدة والعربية السعودية.

وللكثيرين المعنيين بالشرق الأوسط الذين رأسوا هذا الوضع الراهن خلال حياتهم المهنية، هذا التغيير يشكل قلقًا، وقد أثار رغبة غير مفهومة للتمسك بأي شيءٍ تبقّى من النظام القديم.

أخبرني أحد الخبراء: «ها قد عادت الديمقراطية لتكون كلمة سيئة مرة أخرى. كل الأمر يدور حول الاستقرار. والسعوديون يُنْظَر إليهم على أنهم يعادلون الاستقرار».

ولأن التحالف الأميركي السعودي كان دائمًا العمود الأساس للاستراتيجية الأميركية، فإنَّ الحفاظ على التحالف ُيعامَل في بعض الأحيان على أنَّه مرادف للحفاظ على النظام المؤيِّد للأميركيين.

عندما يزدري أوباما التحالف الأميركي السعودي، فإنَّه يهز ذلك العمود. ولأنَّ مجتمع خبراء واشنطن للسياسة الخارجية يشعر بالقلق سلفًا بسبب التغييرات التي تأخذ الشرق الأوسط بعيدًا عنهم، فإنَّ دورهم كما كانوا يفهمونه يعيش الآن ردة فعل بسبب ذلك.

الأساطير الأميركية

وقال أحد خبراء الشرق الأوسط في دي.سي.: «هناك إجماع عريض بالطلب على أن تكون الأشياء كما كانت عليه».

وأكمل الخبير قائلاً: «ذلك يعني أن التحالف الأميركي الإسرائيلي والتحالف مع دول الخليج لإحتواء إيران، ومكافحة الإرهاب، والإبقاء على تدفق النفط. وهذا كان ولا زال سياسة أميركا الخارجية وديدنها لمدة 50 عامًا. أوباما يحاول أن يفعل أشياء أخرى. لذا ما تراه من موقف لصالح السعودية هو كذلك موقف مؤسسة السياسة الخارجية».

لأن النظام القديم كان متوافقًا مع المصالح السعودية، فإنَّ تحيُّز واشنطن للوضع الراهن يُعبَّر عنه على أنَّه تحيُّزٍ لصالح السعودية. وعندما يدعو مجتمع السياسة الخارجية للحفاظ على تشكيل التحالف القديم، عزل إيران، التصدِّي للحركات الإسلامية، فهذه جميعها مصالح سعودية جوهرية.

ولكن ، بالإضافة، السعوديون ودول خليجية أخرى يصفون العالم وموقع أميركا فيها بحيث أن عدداً كبيراً من أعضاء مجتمع سياسة واشنطن الخارجية يتلهفون لسماع ما يقولونه.

غالبًا ما يسألونني لماذا يبدو إجماع واشنطن في السياسة الخارجية ميَّالًا بشكل غير اعتيادي للتدخّل ومواقف أخرى في السياسة الخارجية الحازمة تكون مفتقدة عند المفكرين الأكثر تحررًا ، بالمقارنة مع السياسة في مجالات أخرى.

بالنسبة لي، الجواب واضح على الدوام: أنتم منجذبون إلى دراسة وممارسة السياسة الخارجية الأميركية إذ أنتم تعتقدون أنَّ التورط الأميركي في الخارج عمومًا هو قوة من أجل الخير.

العربية السعودية ودول خليجية أخرى يشتركون بهذا الاعتقاد. هم يرغبون بالهيمنة الأميركية على منطقتهم بشكلٍ علنيٍ لأنها تخدم مصالحهم، وتحفظ لهم الحكم في أوطانهم وتحفظ نفوذهم الهائل في الخارج. وعندما تتحدث مع المسؤولين من تلك الدول، يتحدثون عمليًا مثل رونالد ريغان، فيصفون إبراز القوة الأميركية في العالم على أنَّها ضرورية وبالفعل هي مرحب بها.

وفي مجلة «الأتلانتيك» نقل عن الملك عبد اللّه الثاني قوله: «أرى أني أؤمن بالقوة الأميركية أكثر من أوباما».

إنَّ هذه نظرة سائدة بين حلفاء أمريكا، الذين يعتمدون على تطمينات الأمن الأميركي والذين يعلمون بأن أمريكا لديها ميزانية عظيمة وجيشًا يمكنه المساعدة بحل مشاكلهم، والذين لعدة سنوات كانوا ولا زالوا يسمعون الأميركيين أن الولايات المتحدة سوف وينبغي أن تكون المسؤولة.

بالنسبة لمحترفي السياسة الخارجية الأميركية الذين يتشاركون بهذا الاعتقاد فإنَّ مواقفهم متجذِّرة في المثالية والتفاؤل بشأن دور قوة الولايات المتحدة ويصحبه اعتقاد مؤكِّد للذات في الخير الأصيل للهيمنة الأميركية. بالنسبة لدول الخليج، إنَّها قصة مصلحة ذاتية واستراتيجية باردة، والقوة الأميركية ليست مفيدة فقط لهم، ولكنها ضرورية لتدعيم أنظمتهم الخاصة بهم، التي غالبًا ما تكون دول مقهورة وجدت في غير وقتها وبالتالي يتمتعون بقوة إقليمية بالغة أكثر مما يمكنهم أن يحصلوا عليه بطرق أخرى.

الموضوع هو أنَّ كلا المجموعتين تتشاركان بنظرة عالمية تحظى إلى درجةٍ غير عادية بحزم القوة الأميركية وتخشى نتائج عدم الحركة الأميركية.هذه النظرة العالمية، بالنسبة للأميركيين متجذِّرة في السياسة الخارجية كما هي في شيء من الأساطير. في معتقداتنا، الهيمنة على الشرق الأوسط عزيز ولكن يتم تذكُّره كذبًا على أنه أكثر استقرارًا، مرحبًا به أكثر، وأكثر ديمومة ممَّا كان عليه أو مما هو عليه. إنَّ إبراز القوة الأميركية في الشرق الأوسط يعتبر ليس فقط أداة مفيدة ولكنه خير أصيل بحدِّ ذاته.في تلك الأسطورة، وفي أعقاب الحرب الباردة كانت الحركة الأميركية الأحادية القطب مسالمة ليس بسبب غياب نزاع مع قوة عظمى أو حربًا بالوكالة ولكن بسبب مثالية واستثارة أبعد، ذلك أنَّ حزم القوة الأميركية في الأصل نزيه ومُرشّ للإستقرار. وحسب هذه النظرة، السبب في الأصل لأي مشكلة في العالم لا بدّ إذًا أن يكون غياب إبراز قوة أميركية، وعليه فالحل يكون دائمًا قوة أميركية أكثر.

لعشرات السنوات، كان صانعو السياسة الأميركية الخارجية ولا زالوا يقنعون حلفاء الولايات المتحدة، ومن بينهم أولئك الموجودين في الخليج، لكي يكون لهم مكان في هذه الأساطير. العديد فعل ذلك، وأصبحوا يعتمدون على نتائج تلك النظرة العالمية. والآن أولئك الموجودون في الخليج ينفقون بكثرة لإقناع واشنطن بأسطورتها الخاصة بها. والعديد من الناس في واشنطن يصغون لذلك وهم يرغبون بسماع حكمتهم تتردد على مسامعهم ربما خصوصًا عندما يظهر بأنَّ تلك الحكمة قد أثبت الواقع بطلانها.

-----------------------------------------

فوكس : موقع أخبار أميركي عالمي ذو توجهٍ سياسيٍ حرٍّ تُديره شركة فوكس ميديا التي أسَّسها إيزرا كلاين في واشنطن ونيويورك عام 2003 وقام بتأسيس الموقع عام 2014. تغطي الشبكة أكثر من 300 موقع وتضم أكثر من 400 كاتب.

ماكس فيشر : ماكس فيشر كاتب ومحرر رئيسي في مؤسسة ﭬوكس. درس ماكس فيشر الأمن العالمي في جامعة جون هوبكنز. وهو يعيش في واشنطن دي.سي.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف