البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

June / 7 / 2016  |  1214هل تخطط تركيا لزعزعة الاستقرار في لبنان؟

جاكس نرييه - Jacques Neriah مركز القدس للشؤون العامة - Jerusalem Center for Public Affairs 27 آذار 2016 - 27 March 2016
هل تخطط تركيا لزعزعة الاستقرار في لبنان؟

التحرير: على أثر انكشاف شحنة الأسلحة التي أوقفت في اليونان، ترددت أنباء عن أن وجهة الشحنة كانت شمال لبنان، عقيد صهيوني يؤكد هنا الخبر مفصلاً ما يسميه أهداف تركية جديدة في لبنان ردا على التطورات السورية.


إن اندلاع ما سُمي بالربيع العربي أخذ تركيا على حين غرة. وبعد فترة من التردد، رأت القيادة التركية في الانتفاضة التي اندلعت في سوريا ومصر فرصةً للتدخل وتغيير النظاميْن المناهضيْن للسياسات التركية في الشرق الأوسط واستبدالهما بأنظمة إسلامية قريبة من الموقف العقائدي لتركيا.

على وجه الخصوص، نظرت تركيا إلى هدفيْن: مصر وسوريا. في كلا البلدين، كانت المعارضة الإسلامية بقيادة الإخوان المسلمين، وهم الحلفاء الطبيعيون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكان يتحدى القيادات التقليدية بهدف إسقاطها. كانت مصر أول من سقط بأيدي الإخوان المسلمين من خلال عملية ديمقراطية شابها الكثير من اللغط واعتلى كرسي الرئاسة مرشح الإخوان ما زرع البهجة في قلب القيادة التركية.

لكن الجيش المصري استغرق عاماً كاملاً لإجبار رئيس الإخوان المسلمين محمد مُرسي على التنحي واستعادة ما تبقّى من سلطة وإحكام السيطرة على البلاد، ما أثار غيظ تركيا. منذ ذلك الحين تدهورت العلاقات بين أنقرة والقاهرة جراء الانتقاد التركي العلني لنظام السيسي واتهامات مصر لتركيا بأنها تتدخل في شؤونها الداخلية.

في تموز 2015، ذهبت السلطات المصرية بعيداً في اتهامها تركيا بأنها تقوم بنشاطات تخريبية في شبه جزيرة سيناء بعد اعتقال الاستخبارات المصرية لعملاء أتراك. ورغم أن الوضع المحلي في مصر لا يزال ضعيفاً وما زال الإرهاب الإسلامي نشطاً جداً في سيناء وداخل مصر على حدًّ سواء، نجح الجيش في الحفاظ على وحدة مصر وتجنب الوقوع في أتون حرب أهلية.

خلافاً لمصر، الأحداث التي اندلعت في سوريا ساهمت في انهيار الدولة الوطن التي كانت هناك منذ نيل البلاد في العام 1945 استقلالها عن الحكم الاستعماري الفرنسي. واجه الأسد بدايةً الأعداء التقليديين للنظام العلوي. ولكن مع تدهور عجلة الحرب، هُمّش الإخوان المسلمون بدايةً من قبل الجماعات المسلحة التي انضوت تحت راية الجيش السوري الحر الذي أُعلن عن تأسيسه رسمياً على الأراضي التركية تحت رعاية الاستخبارات التركية، ثم من قِبل الجماعات المسلمة المتطرفة، بعضها تابع للقاعدة وأخرى بتوجيه من الدولة الإسلامية في العراق والشام التي أصبحت في العام 2014 تُعرف بالدولة الإسلامية.

وجدت تركيا في التطورات الحاصلة داخل سوريا فرصةً للتدخل وإسقاط النظام العلوي. بناءً عليه، صدر أمر للاستخبارات العسكرية التركية بمساعدة الجماعات المتمردة المعارضة لنظام الأسد تقريباً منذ الأيام الأولى للحرب الأهلية في سوريا واشتد الدعم منذ نهاية العام 2013 وبداية العام 2014. كُشف النقاب عن حجم التورط التركي في سوريا من قبل نائب عام تركي وشهادة في المحكمة قدمها ضباط درك أتراك ونقلتها وكالة رويترز، وكل ذلك يتناقض وإنكار تركيا بأنها ساعدت المتمردين وقدمت لهم الأسلحة والتدريب والمأوى وبفعلها ذلك تكون قد ساهمت على نحو غير مباشر بصعود الدولة الإسلامية في سوريا. وفقاً لذاك التقرير، فإن سوريا وحلفاء تركيا الغربيون يقولون: إن تركيا سمحت للمقاتلين والأسلحة بالعبور عبر أراضيها، وبعضهم التحق بصفوف الدولة الإسلامية. وتزعم شهادة ضباط الدرك في وثائق المحكمة التي راجعتها رويترز أن أجزاءً صاروخية وذخيرة وقذائف هاون شبه جاهزة أُخذت من مخازن الاستخبارات التركية ونُقلت بشاحنات برفقة مسؤولين في الاستخبارات إلى أجزاء من سوريا تحت إشراف الجماعة المتشددة المعروفة باسم أحرار الشام. وتضمنت المجموعة السلفية قادة مثل أبي خالد السوري، المعروف بكنية أبي عمر الشامي الذي حارب إلى جانب مؤسس القاعدة أسامة بن لادن وكان مقرباً من زعيمها الحالي أيمن الظواهري.

كُتب الكثير عن التورط التركي في الصراع السوري، وانحياز تركيا ضد الأكراد وموقفها المنافق تجاه الدولة الإسلامية. لكن ليس الهدف من هذه المقالة وصف تدخل تركيا المعروف والمُوثّق.

على أية حال، خلافاً للماضي، يبدو أن تركيا قررت تبني مقاربة مغايرة تجاه الوضع المتدهور في سوريا بعد التدخل العسكري لروسيا الذي سمح لغاية الآن لنظام الأسد ليس بالنجاة من العاصفة فحسب بل حتى السيطرة على مناطق كان قد خسرها لصالح المتمردين منذ العام 2012. لغاية الآن، اختارت تركيا إيواء الجماعات المتمردة وتدريبها وتسليحها وتمويلها، وسمحت بتحرك الجهاديين بكامل حريتهم داخل تركيا والتوجه إلى وحداتهم داخل سوريا والعراق والسماح لهم حتى بقضاء الإجازات في منتجعات صيفية على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا. وفي بعض الحالات، اتُّهمت تركيا بمساعدة الإسلاميين في معاركهم ضد الأكراد في كوباني وتل الأبيض وحتى قصف القرى وتجمعات القوات الكردية. وبذلت الولايات المتحدة جهوداً مطولة وجمّة لإقناع الأتراك بالسماح لقوات التحالف باستخدام القاعدة الجوية إنجرليك ضد الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. وعندما أعلنت تركيا في نهاية المطاف انضمامها إلى الجهود الجوية ضد الدولة الإسلامية، ما لبث أن اتضح أن الضربات الجوية كانت تُنفذ ضد أهداف كردية لا تلك التابعة للدولة الإسلامية.

إذا أردنا أن نصف التوجه التركي في دعم المتمرّدين، يمكننا القول إن هذا التوجه يتمثل بسهم رمزي موجه من جنوب تركيا وغربها في سعي من أجل دفع الموالين للأسد إلى الخط الساحلي وإجبار الأسد على خوض آخر معاركه من معاقله التقليدية. لكن الروس غيروا المعادلة على حساب المتمردين وتبدّل الوضعُ إلى آخرٍ تطلّبَ أجوبةً وحلولاً جديدةً.

تركيا تتوجه صوب لبنان

يبدو الآن أن من خلال مساعيها لزعزعة استقرار حكم الأسد، قد تختار تركيا الاستفادة من الوضع المحتدم في لبنان بين حزب الله ومعارضيه السُّنّة ومحاولة إشعال فتيل حرب أهلية أخرى في لبنان. وليس إرسال الأسلحة إلى الإسلاميين المتطرفين السُّنّة في شمالي لبنان سوى قمة جبل الجليد ويبقى الكثير لأن يُدرس قبل التوصل لنتيجة كهذه. لكن إن صحّ هذا الأمر، فإن الأتراك بقيامهم بهذا الأمر يؤسسون لجبهتين جديدتين: واحدة لمهاجمة منطقة اللاذقية من الجنوب بالتوجه شمالاً وأخرى من شأنها إشعال حرب أهلية في لبنان بين السُّنّة والشيعة، وضعٌ سيُجبر حزب الله على سحب قواته من سوريا والعودة إلى الداخل من أجل القتال. نتيجة لذلك، سيُحرَم النظام السوري من بعض أفضل قواته وسيصيبه الضعف، وذلك من شأنه أن يسمح للمتمردين بمساعدة تركيا بتجديد شنّ الهجمات من أجل استعادة الأراضي التي خسروها منذ بداية شهر تشرين الأول 2015.

هذه النظرية تجد لها التأييد في مقالة لفابريس بالونش، بروفسور فرنسي ومختص في الجغرافيا السياسية لسوريا، وحالياً هو زميل زائر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. في مقالته التي نُشرت في 5 شباط 2016، هو يُحلّل الوضع بعد نجاح الحملة السورية التي يدعمها كل من إيران وحزب الله وروسيا في قطع خط إمداد المتمردين الشمالي الآتي من تركيا. وملاحظاته بشأن خطوات مضادة محتملة قد تلجأ إليها تركيا والسعودية الداعمتين للمتمردين بالغة الأهمية وهي على التالي:

....إلا أن كلاًّ من تركيا والسعودية قد لا تقف مكتوفة الأيدي في ضوء التقدّم الروسي ـ الإيراني الكبير في سوريا. على سبيل المثال، قد تشكلان تنظيماً جديداً للمتمردين يشبه مظلة «جيش الفتح» و/أو ترسلان صواريخ مضادة للطائرات لبعض الكتائب. وثمة خيار آخر هو فتح جبهة جديدة في شمال لبنان حيث قد تنخرط الجماعات السلفية المحلية وآلاف اللاجئين السوريين المحبطين في القتال. ومن شأن هذه الخطوة أن تهدد معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد في طرطوس وحمص بشكل مباشر، وتهدد أيضاً الطريق الرئيسي إلى دمشق. وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى تطويق قوات النظام، وقطع طرق التواصل والامدادات والتمويل لـ «حزب الله» بين لبنان وسوريا.

بالطبع، هذا يُفسر جزئياً الأخبار الواردة بأن السلطات اليونانية اعترضت سفينة الشحن كوكي بوي التي ترفع علم توغو عند قبرص في 28 شباط 2016. وكانت السفينة المحمّلة بالأسلحة متوجّهةً حسب الاعتقاد إلى المتطرفين الإسلاميين في شمالي لبنان. و كان من المفترض أن تصل السفينة، التي غادرت ميناء مرسين التركي في4 شباط 2016، إلى ميناء طرابلس في لبنان. وبعد اعتراضها من قبل خفر السواحل اليوناني عند سواحل جزيرة رودس على بعد 63 ميلاً جنوبي شرق بلدة بودروم التركية، أُجبرت السفينة على الرسو في ميناء سودا في كريت.

علاوة على ذلك، يأتي التقرير بشأن الحادثة في خضم ارتفاع منسوب التوتر السياسي مع مواصلة المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى اتخاذ إجراءات عقابية بحق لبنان (سحب الهبة السعودية بقيمة 4 مليار دولار لتزويد الجيش بأسلحة من فرنسا ليس سوى مثالٍ واحدٍ) رداً على ما اعتبرته نفوذاً مدمراً لحزب الله على البلاد. ووفقاً لأحد السياسيين السُنّة في لبنان، كانت المملكة العربية السعودية تستميل اللاجئين السوريين في لبنان بهدف تأسيس ميليشيا سُنيّة معادية لحزب الله. وقال السياسيُّ: إن ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يرى في تدريب اللاجئين السوريين السُنّة وسيلة لمضايقة حزب الله، وهو قد يكون يستغل المنظمات الخيرية السعودية التي تقدم المساعدة لمخيمات اللاجئين بهدف تجنيد الأفراد.

وكان من الطبيعي أن يحظى كشف الأسلحة على متن السفينة المتوجهة إلى لبنان باهتمام وسائل الاعلام المؤيدة لحزب الله وتشن بسببها انتقاداً شديداً. أما ردّ الفعل الفوري فخرج على لسان أمين عام حزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير. ففي حين واصل تبني موقف معارض للسعودية، التي أقنعت الممالك العربية الخليجية باعتبار حزب الله منظمة إرهابية ومعاملته وفقاً لذلك، أشار نصر الله إلى تركيا وحلفائها الإقليميين ـ إسرائيل والسعودية ـ واتهمهم بمحاولة زعزعة الاستقرار في لبنان وتعهد بأنه لن يسقط في الفخ الذي ينصبه أعداؤه.

لقد اختارت وسائل الإعلام المؤيدة لحزب الله في لبنان اتهام تركيا والسعودية مباشرةً بزعزعة الاستقرار في لبنان كجزء لا يتجزأ من مخطط أكبر يقضي بإسقاط النظام العلوي في سوريا. وكانت صحيفة الأخبار الموالية لحزب الله قد نشرت مقالة تُحذّر فيها بأن «قوى أجنبية» تسعى إلى «استغلال الساحة اللبنانية». وادعت الصحيفة أن تركيا قامت «بإحصاء في لبنان وجمعت معلومات عن تواجد 84000 لبناني من أصل تركي لمعرفة أماكن سكنهم ونوع أعمالهم وحضورهم السياسي». لكن الأخبار لم تشرح غاية أنقرة من هذه المعلومات المفترضة. بل ادعت الصحيفة أن أنقرة «تعمل بقوة مع القطريين خصوصاً على الساحة الشمالية» بهدف لجم التأييد المُقدّم لتيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري.

لا شك أن الأحداث الأخيرة تؤكد مرة أخرى على المشهد المعروف أصلاً للتحالفات المتنازعة ـ سوريا وحلفاؤها (روسيا وإيران وحزب الله) من جهة، وتركيا بالتعاون مع السعودية وقطر من جهة أخرى. ما يدعو للسخرية أن كلا التحالفين يقاتل على الساحة نفسها ويلجأ في المواجهة إلى الوكلاء. يبدو الآن أن كلاهما يتطلع إلى تغيير محتمل للعبة في سوريا ما قد يؤدي إلى لبنان ضعيف وعاجز ومنقسم.

-------------------------------

جاكس نرييه : عقيد متقاعد في الجيش الإسرائيلي ومحلل مختص بأحوال الشرق الأوسط في مركز القدس للشؤون العامة وكان مستشاراً سابقاً في السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف