البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

April / 19 / 2016  |  1704السيد أوباما .. وسياسة كشف المستور..!

فائق الشمري المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية اذار 2016
السيد أوباما .. وسياسة كشف المستور..!

يبدو للعيان صدق المثل المشهور: (عندما يختلف اللصوص تكثر الفضائح).. يكثر هذا الأيام حديث كشف المستور بين الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها لأكثر من 80 عامًا السعودية، ظلت فيها واشنطن تعتبر الرياض "حليفًا" أساسيًا وشريكا مهما في مطبخ القرار السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.. وهو ينطبق اليوم كل الانطباق على حملات "تبادل التهم" المتبادلة بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما ورجل العمليات الإستخبارية السعودية السابق الأمير تركي الفيصل.. الاتهام الأبرز في الحملة وجهه أوباما إلى شريك الأمس ضمن مقابلته المطولة مع مجلة "إتلانتيك" متهما إياها علنا بأنها: (مصدر التطرّف والإرهاب ومآسي الشرق الأوسط..!).

فلماذا هاجم أوباما حليفته بهذه الطريقة؟ ولماذا فتح عليها النار؟ وهل يُفهم من كلام أوباما أن واشنطن تخلت عن منطقة الشرق الأوسط؟ وهل ستؤثر هذه المواقف على سياسة الرئيس المقبل؟


عندما ألقى الرئيس أوباما خطابه الشهير في جامعة القاهرة في بداية ولايته الأولى العام 2009 جاء الخطاب وفاءً بوعد قطعه أوباما أثناء حملته الانتخابية بأن يوجه رسالة إلى العالم العربي والإسلامي من عاصمة إسلامية في أشهره الرئاسية الأولى، أفتتح يومها أوباما كلمته بعبارة "السلام عليكم" وقالها باللغة العربية داعيا إلى الفهم المتبادل بين العالمين الإسلامي والغربي وقال يجب على الطرفين أن يبذلا ما بوسعهما لمواجهة التطرف والعنف، كما حمل الخطاب وعودا بتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، والعمل لإقامة علاقات مختلفة مع العرب والمسلمين بعد سنوات من ولايتي جورج بوش الابن التي شهدت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق.. وعود متعددة أطلقها الرئيس أوباما، من بينها أيضا؛ كان التزامه بمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله.. وتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والالتزام بشرق أوسط خالٍ من السلاح النووي، ودعم الديمقراطية في المنطقة.

وبعد مرور سنين طويلة على خطابه ذاك لم يتحقق الكثير من هذا الذي تحدث عنه أوباما.. إلا أن المراقبين يشيرون الى أن انجازات ثلاثة تحققت في عهد الرئيس أوباما سيسجلها التاريخ للرجل على الصعيد الخارجي وهي: (التوصل إلى اتفاق نووي تاريخي مع إيران، وقراره العدول عن ضرب سوريا بعد أن كانت العملية العسكرية قاب قوسين أو أدنى، بالإضافة إلى التقارب التاريخي مع كوبا بعد قطيعة أمريكية دامت لأكثر من 88عاما).

اليوم وقبل ثمانية أشهر من انتهاء فترته الرئاسية يطلق أوباما انتقاداته القاسية والبعيدة عن الدبلوماسية لحلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة، وعلى رأسها السعودية والتي كان وقعها كالصاعقة لصراحتها وجرأتها، وكأنه كان يحملهم تلك الإخفاقات وعرقلة وعوده والحؤول دون تنفيذها.. تلك الانتقادات جاءت ضمن مقال مطول من 82 صفحة كتبه الصحافي (جيفري غولدبرغ) تحت عنوان " عقيدة أوباما".. نشرته مجلة " ذي أتلانتيك" الأمريكية، تمثل فكر وقناعات الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية ومواقف أمريكا، وفيما يتعلق برؤيته للعالم وقضاياه عموما.. والموضوع كتب بناء على سلسلة طويلة من الحوارات مع أوباما، بالإضافة الى قراءة توثيقية من الكاتب لمواقف البيت الأبيض والإدارة الأمريكية عبر سنوات حكم أوباما.. والذي يشرح فيه باستفاضة تفاصيل التغيرات التي جلبها أوباما للبيت الأبيض ودوره عالميًا لا سيما التوجه الآسيوي، والمنطق الكامن خلف قرارات عدة أبرزها العدول عن ضرب نظام الأسد في سوريا عام 2013، والانفتاح على دول "مُعادية" للولايات المتحدة مثل إيران وكوبا والنيبال وغيرها من البلدان الاتينية، والالتزام بالهدوء في مواجهة المغامرات الروسية.

عقيدة أوباما

مثل ما طرحه الرئيس الأمريكي من قناعات ومواقف ورؤى حول السعودية ودول الخليج العربية، وطبيعة علاقات أمريكا معها، ورؤيته للمنطقة العربية عموما ومستقبلها.. عدت وحسب مراقبين بمنتهى الأهمية، بسبب الوضوح والصراحة المتناهية التي أعتمدها أوباما بمقابلته تلك.

أولى المحطات في عقيدة أوباما التي تنقلها "ذي أتلانتيك"، تمثلت بقرار أوباما التراجع عن التدخل العسكري في سوريا في آب 2013، على الرغم من شدة الضغوط التي مارسها الحلفاء معه ويقصد هنا "السعودية" ودول الخليج بصورة عامة، دفعته إلى إعلان نية التدخل العسكري في سوريا في عام 2013 إثر التقارير التي تحدثت عن استخدام غاز السارين في الغوطة؛ من هنا، يقول "غولدبرغ" إنه: (بينما كان البنتاغون وفريق أوباما الأمني يستعدان للحرب، كان الرئيس قد توصل إلى اعتقاد بأنه كان يمشي إلى فخ ــ يقوده إليه حلفاؤه وأعداؤه ــ).. عندها، أخبر أوباما مساعديه بعدوله عن الضربة العسكرية.. القرار أغضب حلفاء كثيرين، ومنهم وليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد، كذلك ملك الأردن عبد الله الثاني والسعوديون بالتأكيد.

وينقل كاتب المقال "جيفري غولدبرغ" شكوى أوباما لأصدقائه ومستشاريه في جلساته الخاصة من أن هؤلاء الحلفاء يسعون الى استغلال (العضلات) الأمريكية من اجل خدمة أهدافهم الخاصة الضيقة والطائفية.

كذلك، يشير الكاتب إلى أن: (أوباما غاضب من العقيدة السياسية للخارجية الأمريكية التي تجبره على معاملة السعودية كحليف).. ويضيف الكاتب أن أوباما تصدى لمراكز أبحاث السياسة الخارجية الشهيرة في أمريكا، مؤكدا ان الشعور العام داخل البيت الأبيض هو أن العديد من تلك المراكز تقوم بالترويج لمموليهم العرب والإسرائيليين، واصفا اياها بأنها (منطقة خاضعة للاحتلال العربي) على حد قول أحد المسؤولين في الإدارة الأمريكية.

وينقل الكاتب إن أوباما يرغب بمراجعة تحالفات أمريكا في مجال السياسة الخارجية في المنطقة.. وينقل تساؤله حول أعداء أمريكا وأصدقائها والأسباب التي جعلت هذا عدوا وذاك صديقا بالقول: (لماذا أعداء أمريكا هم أعداء؟ ولماذا بعض أصدقائها هم أصدقاء؟).

وفي معرض الأسئلة التي وجهت لأوباما، حول الشيء الذي يفرحه في الشرق الأوسط ويجعله سعيدا؟ قال أوباما : (الآن، لا اعتقد أن أحدا يمكن أن يكون سعيدا أو يشعر بالارتياح من الوضع في الشرق الأوسط.. لديك دول تفشل في تحقيق الرفاهية وتوفير الفرص لشعوبها.. لديك أيديولوجية عنيفة ومتطرفة.. لديك دول لديها قليل جدا من التقاليد المدنية ولدرجة انه في مواجهة النظم الاستبدادية، فان المباديء الوحيدة المنظمة هي الطائفية).

وقارن أوباما بين هذا الوضع والوضع في آسيا وأمريكا اللاتينية، وقال انه في آسيا وأمريكا اللاتينية يرى شبانا يتحرقون شوقا إلى تطوير أنفسهم، والحداثة، والتعليم.. وأضاف: (انهم لا يفكرون في كيفية قتل الأمريكيين.. بل كيف يحصلون على تعليم أفضل؟.. كيف يبدعون شيئا له قيمة؟)

ويروي الكاتب وقائع حوار جرى أثناء اجتماعات مؤتمر "آبيك" مع "مالكولم تورنبول" رئيس وزراء استراليا.. يقول أن أوباما وصف كيف شاهد اندونيسيا وهي تتحول تدريجيا من بلد أسلامي متسامح توفيقي وهاديء إلى بلد أكثر أصولية وغير متسامح.. سأله "تورنبول" : ولماذا حدث هذا؟

أجاب: (لأن السعوديين وعرب خليجيين آخرين ضخوا أموالا، وبعثوا بأعداد كبيرة من الأئمة والمدرسين إلى البلاد.. في التسعينيات قدم السعوديين أموالا طائلة لإنشاء المدارس الوهابية، والندوات والملتقيات التي تعلم الرؤية الأصولية للإسلام التي تفضلها الأسرة السعودية الحاكمة.. واليوم أصبح الإسلام في اندونيسيا إسلاما عربي التوجه غير ما كان عليه الوضع عندما كنت أعيش هناك).

ويضيف الكاتب أن أوباما نفسه يشن الحملات ضد السعودية بسبب إساءة معاملة الدولة للنساء ويقول في أحاديثه الخاصة: (أن الدولة لا يمكن أن تنتمي إلى العالم المعاصر عندما تضطهد نصف سكانها"يعني النساء"). وفي لقاءاته مع قادة أجانب قال أوباما: (يمكن أن تقيس مدى نجاح المجتمع بكيفية معاملته للنساء).

ويقول الكاتب ان غضب أوباما من السعوديين يشرح ويوضح تحليله لسياسات القوة في الشرق الأوسط.. وينقل عن أوباما قوله بهذا الصدد: (ان السعوديين يجب ان يتقاسموا الشرق الأوسط مع الأعداء الإيرانيين.. إن التنافس بين السعوديين والإيرانيين، الذي غذى الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن،

يتطلب منا أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين أنهم بحاجة إلى أن يتوصلوا إلى وسيلة وطرق فعالة لتقاسم الجوار والى إقامة شكل من إشكال السلام البارد).

وأضاف أوباما: (نقول لأصدقائنا أنكم على حق في أن إيران هي مصدر كل المشاكل، وأننا سوف ندعمكم في التعامل مع إيران، وهذا يعني بالضرورة أن الصراعات الطائفية سوف تستمر في التصاعد، وان شركاءنا.. أصدقاءنا التقليديين ليس لديهم القدرة على إطفاء الحرائق بأنفسهم أو أن يربحوا بأنفسهم، ويعني أننا يجب أن نستخدم قوتنا العسكرية لحسم الأمر.. وهذا لن يكون لا في مصلحة أمريكا ولا في مصلحة الشرق الأوسط).

أوباما يرى، وفق "غولدبرغ"، أن (الحروب والفوضى في الشرق الأوسط لن تنتهي، إلا إذا تمكنت السعودية وإيران من التعايش معاً والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام).

ويذكر الكاتب أن أوباما يعتقد أن احد اكبر القوى التدميرية في الشرق الأوسط هي القبلية.. وتتجلى القبلية في انبعاث الطائفة والعقيدة والعشيرة والقرية من جانب المواطنين اليائسين في الدول الفاشلة.. وهذا هو مصدر اغلب مشاكل الشرق الأوسط.. وبالطبع، يقصد هنا دول الخليج العربية.

قراءة في عقيدة أوباما

تمثل النقاط السابقة مجموعة من القناعات والمواقف التي أتخذها أوباما تجاه السعودية ودول الخليج العربية والعرب عموما، ورؤيته لأوضاع المنطقة برمتها وتجربته على مدار السنين التي قضاها على رأس أكبر سلطة في العالم وعلى النحو التالي:

اولا: أن القراءة الأولى التي يمكن تلمسها من كلمات أوباما السابقة وحسب الدكتور كمال الطويل الخبير في الشؤون الأمريكية وفي مقابلة له على قناة الميادين أن هذه العقيدة ألغت ما سبقها من عقائد، الشيء الذهني الذي ابتدعه أوباما أنه نسف عقائد الكثير من الرؤساء الأمريكيين كانت تمثل منهج عمل للإدارة الأمريكية منهم: (جيمس مونرو، و ترومن، و أيزنهاور، وكارتر، وبرجنسكي) وتم تجميع كل هذا ليسمى مجازا (بعقيدة أوباما) وهي نافية لما سبق وتؤسس لعقيدة جديدة للبيت الأبيض عنوانه (حدود القوى) والتأسيس لمبدأ أن أظهار القوة أفيد من استعمالها، فضلا عن العمل على إعادة تصنيف حلفاء أمريكا؛ من هو المفيد ومن هو الضار.

ثانيا: بالإضافة للنقطة الأولى يمثل كتاب كولن دوك، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج ما يسن الأمريكية، بعنوان "عقيدة أوباما: استراتيجية أمريكا الكبرى اليوم، ليضيف قراءتين لأوباما فيما يخص عقيدته؛ الأولى: العمل على تقليل الانخراط الأمريكي في الشؤون الدولية، والتركيز على الداخل الأمريكي، الثاني: السعي لاحتواء الخصوم (الصين، وروسيا، وإيران)، على أمل تغيير سلوكهم المعادي للولايات المتحدة على الصعيد الدولي.

إذ يرى الرئيس الأمريكي - حسبما يشير الكاتب - إلى أن تلك النقطتين القائمة على تقليل الانخراط والوجود الأمريكي المباشر في الساحة الدولية، وانتهاج سياسة أكثر استيعابا ومرونة للأخطار الدولية والخصوم، من شأنها أن تجعل العالم أكثر أمنا عكس ما يردده أنصار التيار التدخلي في الشؤون الدولية، والذي يركز على زيادة الانخراط الأمريكي في الشؤون الدولية من أجل استقرار وأمن النظام الدولي.

وفيما يخص الصراعات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط ، أخذت إدارة أوباما تتجه إلى خيار جديد للتعامل معه فبدلاً من التواجد المباشر في المنطقة، بدأت تعتمد على مبدأي التوازن من الخارج، والقيادة من الخلف، مفضلة العمل الجماعي على الأحادي، لتوزيع الأعباء على الشركاء وتفادي التكاليف الأحادية، ذلك بأن النظرة العميقة تؤكد: أن الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تتماهى مع التوجهات التي وضعها الرئيس باراك أوباما في وثيقة الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، والتي أكدت على تصفية الحروب المباشرة التي ورثتها إدارة أوباما عن إدارة جورج بوش، وتقليص التواجد العسكري الأمريكي في الخارج، والامتناع عن خوض حروب في المستقبل. فبدلاً من القيادة من الأمام والتدخل المباشر لحل الأزمات والصراعات كالحالة مع سياسة الرئيس السابق جورج بوش.. ولا يقتصر مبدأ القيادة من الخلف على الدول فحسب، وإنما حتى على الفواعل المحلية من غير الدول، ودعمهم رسميا أو عبر القنوات الخلفية غير الرسمية؛ من خلال التدريب والتسليح والدعم الجوي واللوجستي، مما يمكن الولايات المتحدة من إدارة التوازنات الداخلية والتحكم بمخرجاتها السياسية والعسكرية.

ثالثا: القراءة الثالثة التي يمكن استنتاجها هي بعداء؟ السعودية لإيران.. وحسب عبد الباري عطوان؛ فإن أوباما نجح إلى حد ما بحصر أسباب مشاكل الشرق الأوسط هي السعودية وإيران ولن يكون هناك سلام في المنطقة ما لم تتعايش الجارتان معا والتوصل الى سلام بارد، ويؤكد عطوان في هذا السياق بالقول: في الماضي القريب، وقبل "الربيع العربي" وصعود خطر الحروب والتقسيمات الطائفية، كانت الجملة المأثورة التي تتردد على السنة المسؤولين العرب والغربيين، وفي البيانات الختامية لمؤتمراتهم وزياراتهم للمنطقة، تؤكد أن استقرار منطقة الشرق الأوسط لا يتحقق إلا بحل الصراع العربي الإسرائيلي، الآن اختفت هذه المقولة كليا، وحلت محلها مقولة الصراع العربي الإيراني..!.

رابعا: أوباما، وبعد أكثر من ثمانين عاما من العمل المشترك، لا يعتبر أن السعودية حليفا لأمريكا ولا حتى صديقا.. وبالطبع، هذا القناعة لا تقتصر على السعودية وحدها، بل تمتد إلى كل دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء.. بل هو يعتقد ان دول الخليج العربية، من خلال العلاقات مع أمريكا، كل ما تريده هو استغلال القوة الأمريكية، أو (عضلات) أمريكا كما قال، من اجل خدمة أهدافها الخاصة التي هي في رأيه أهداف متخلفة وطائفية.. لذا يعتبر أوباما الشرق الأوسط حالة ميئوس منها ولا أمل على الإطلاق في أن تصلح أو أن تتحسن أوضاعه نحو الأفضل، وان أمريكا وأي رئيس أمريكي ليس بمقدوره أن يفعل أي شيء، ولا يجب أصلا أن يفعل اي شيء إزاء هذه الحالة الميئوس منها.. ويعني هذا بداهة أن المنطقة العربية في رأي أوباما يجب أن تترك لحالة الفوضى والدمار الذي تتعرض لها دولها العربية، أي تترك للضياع الذي يراد لها..

خامسا: يعتبر أوباما جازما أن السعودية ودول الخليج العربية هي سبب ومنبع الإرهاب ليس في المنطقة فقط، بل في العالم كله.. ولهذا، نجد أن الإرهاب بالنسبة له كما عبر عن ذلك هو: (إرهاب إسلامي سني) فقط، ذلك أن الجماعات المتطرفة التي ترهب العالم كالقاعدة و داعش والنصرة و بوكو حرام وغيرها هي ذات أيدلوجية سنية ؟تستمد من الفكر السلفي عقيدتها.

ولكل ذلك يحمل أوباما نظرة عدم احترام، بل واحتقار للدول والشعوب العربية.. فهو يعتبر ان الدول العربية متخلفة خارجة عن العصر ولا يشغلها إلا الإرهاب والتدمير، ولا أمل في إصلاحها.. والأمر لا يقف عند هذه النظرة للحكومات العربية، بل تمتد إلى المجتمعات والشعوب لعربية نفسها.

سادسا: القراءة الأخيرة في عقيدة أوباما هو تحول البوصلة الأمريكية نحو آسيا لنتأمل كيف يقارن بين الشباب في دولنا، والشباب في دول آسيا وأمريكا اللاتينية، ويتهم الشباب، والمجتمعات العربية بأنها لا تفكر إلا في القتل والإرهاب والتدمير، ولا تفكر في المستقبل أو حتى الارتقاء بأوضاعها.. كما نرى، هذه النظرة تبلغ الذروة في العنصرية تجاه الدول والشعوب العربية.

وكما تبين وجهة النظر الأمريكية حيال هذا الأمر بشكل أكبر من خلال محاضرة لوزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر في مطلع العام 2015 أمام طلبة علوم الدفاع في معهد ماكين للدراسات تحت عنوان  (الإستراتيجيات المستقبلية الأمريكية لمنظومات الدفاع الإقليمية) صرح إن "مهمته الأولى"  تتمثل بمنطقة أسيا الباسيفيك، والتي قال إنها غاية توجه الولايات المتحدة مستقبليًا باعتبارها المنطقة التي ستحمل نصف سكان الكرة الأرضية في العام 2020.

آل سعود.. وعقيدة الفيصل

نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودي مقالاً لمهندس العمليات الإستخباراتية السعودية الأسبق تركي الفيصل بعنوان (لا يا سيد أوباما)، تكلم فيه بحرقة عن انقلاب الإدارة الأمريكية على الخدمات (العطايا) التي قدمها النظام السعودي لواشنطن طيلة 80 عاما، مذكرا إياها بشراكتها في مطبخ القرار السياسي في المنطقة، والعلاقة الدافئة التي مثلها الطرفان منذ ثمان عقود، لتأتي هذه المقالة المليئة باللوعة والألم كرد فعل على ما نشره أوباما من أفكار تحت عنوان (عقيدة اوباما) والتي اعتبر فيها المملكة مصدراً للتطرف وبلداً يسعى لتأجيج الصراعات الطائفية.

من هنا يمكن القول أن الفيصل في حديثه ذاك كان يحدد (عقيدة آل أسعود) في سياستها الخارجية، جاءت كرد على تصريحات باراك أوباما الأخيرة، وقراءة ذلك من خلال عنوان المقال (لا يا سيد أوباما).. وفي قراءة متأنية لهذا المقال يمكن تحديد مجموعة من النقاط وعلى النحو التالي:

أولا: ظهور السخط و الإمتعاض السعودي الواضح تجاه حليف الأمس الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية وانقلابها على السعودية التي قدمت الخدمات الجسيمة لإدارتها، حيث امتلأت المقالة بتذكير الولايات المتحدة بدور السعودية وشراكتها بصناعة القرار الأمريكي في المنطقة، وكيف أنَّ آل سعود سخروا ثرواتهم الطائلة في دعم الميزانية الأمريكية بقوله: (نحن من يشتري السندات الحكومية الأميركية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك..)، وعلى غرار هذه العبارة فقد تم تكرار كلمة (نحن) لأكثر من خمسة عشر مرة، مذكرا بالكثير من المواقف الحميمة للشراكة الأمريكية السعودية التي بدأت في عام 1931م، حينما منح الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حق التنقيب عن النفط في المملكة لشركة أمريكية، تبعها توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1933م، عزّزها أكثر لقاء الملك عبد العزيز بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1945م، أما في عام 1951م تم تحويل اسم الشركة الأمريكية المنقبة عن النفط في المملكة من (شركة كاليفورنيا أربيان ستاندرد أويل) إلى (الشركة العربية الأمريكية للنفط) التي عرفت فيما بعد بشركة (أرامكو السعودية)، وفي عام 1951م وقعت اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين.. لتتطور عبر السنين لتحالف استراتيجي دعم متانة العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.

ثانيا: المقال يكشف الوجه الأمريكي لآل سعود، والدور الذي تمارسه بالوكالة لتنفيذ أجنداتها بالمنطقة، ابتداء بمسلسل العداء المزمن لإيران أحد أركان محور الشر حسب العقيدة الأمريكية، ومحاولة الحد من جهوزية حزب الله الذي تعتبره أمريكا منظمة إرهابية بسبب مواقفه المعادية لإسرائيل، ودور المملكة في دعم الجماعات المسلحة لقتال الرئيس السوري بشار الأسد تحت يافطة المعارضة المعتدلة، ومحاربة الحوثي وصالح في اليمن بعنوان رد الشرعية، فضلا عن إعلانها لإنشاء التحالف السني ضد الإرهاب لقتال داعش.. حيث يقول الفيصل بهذا الصدد: (أنت وملكنا أكدتما على وجه الخصوص: "ضرورة مناهضة النشاطات الإيرانية التخريبية").. ويقول في موضع آخر: (نحن من ندرب وندعم السوريين الأحرار، الذين يقاتلون الإرهابي الأكبر، بشار الأسد... ونحن من بادر إلى تقديم الدعم العسكري والسياسي والإنساني للشعب اليمني، ليسترد بلاده من براثن ميليشيا الحوثيين المجرمة... نحن الذين أسسنا تحالفًا ضم أكثر من ثلاثين دولة مسلمة، لمحاربة كافة أطياف الإرهاب في العالم)، وكلمات الفيصل جاءت هنا لتضيف معلومة لا تقبل الشك لدعم ما جاء في موقع ويكيليكس بوقت سابق ونشره لوثيقة سرية تضمنت اعترافا من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة "هيلاري كلينتون" بان السعودية هي المصدر الأول لتمويل الجماعات الإرهابية في العالم.. وقالت "كلينتون" في الوثيقة بأن متبرعين سعوديين هم المصدر الأقوى لتمويل الإرهابيين في جميع مناطق التوتر بالعالم..

ثالثا: تمثل مسألة الدعم السعودي لأمريكا من خلال السخاء المالي اللا محدود لها، نقطة ثالثة في عقيدة آل سعود.. حيث يقول الفيصل في ذلك: (نحن من يشتري السندات الحكومية الأميركية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك.. نحن من يستضيف أكثر من ثلاثين ألف مواطن أميركي، وبأجور مرتفعة..). طبعا هنا يتناسى فيصل الإشارة الى صفقات الأسلحة الأمريكية السعودية الرنانة لدرجة انها أصبحت محل تندر الكثيرين حيث أطلق بعضهم مصطلح (دبلوماسية صفقات الأسلحة) في دلالة واضحة على أن هذه الصفقات أبعد ما تكون عن مقصد شراء واستخدام الأسلحة بقدر ما تكون أتاوات يدفعها السعوديون للغرب لتمرير الكثير من الأجندات.

وعلى الرغم من كل هذا التبجح بسخاء العائلة المالكة، تشير التقارير الى أن ربع السعوديين يعيشون تحت خط الفقر حسب التقرير الذي نشرته الميدل ايست جاء فيه بأنّ ربع "السعوديون" يعيشون تحت خط الفقر، وأنّ معدل البطالة في المملكة بلغ 12.1% عام 2012. كما أن تقارير صدرت في الدورة الثالثة عشرة لمنتدى جدة الاقتصادي 2013 تحدثت عن أوضاع السكان والمساكن في السعودية فجاء فيها: (إن مشكلة الإسكان تعد أكبر المشاكل التي تواجه الشباب في السعودية)، وأشارت إلى أن: (نحو 60% من سكان السعودية لا يملكون حالياً منازل).

رابعا: الاعتراف بدعم الأيدلوجية الدينية الطائفية السلفية وإعلان الحرب على كل من يخالف ذلك، بقوله: (نحن من يحارب العقائد المتطرفة التي تسعى لاختطاف ديننا، وعلى كل الجبهات).. ووفق الكلام السابق قسمت الوهابية ووفق العقيدة السلفية العالم إلى دارين: دار الإسلام ودار الكفار، وأن من واجب المسلم محاربة الكفار إلى أن يعلنوا إسلامهم وحسب الرؤية الوهابية للدين.. والكفار في قاموس الوهابيين لا يقتصر على غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم، بل صار يشمل حتى المسلمين من الشيعة "الروافض"، والسنة "المرتدين" الذين يخالفون نهجهم، فيعدونهم منحرفين عن الإسلام "الصحيح" وقتلهم واجب !.

مجلة ميدل ايست مونيتر-MidEast Monitor نشرت دراسة تحليلية للسفير الأميركي السابق لدى كوستاريكا ( كورتين وينزر) والمبعوث الخاص للشرق الأوسط في بداية عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بعنوان "السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية السنية".. وكيف حاولت السعودية تصديرها عندما خصص فقرة بعنوان "تصدير الكراهية".. يشرح فيها كيف ان السعودية صرفت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية خارج المملكة واصفا السعوديين بـ"طليعة الفاشية الدينية".

عندما يختلف اللصوص

السياسة وفق المفهوم الأمريكي، هي لعبة المصالح و فن الربح .. التي تدار في(مخابز السياسة، ومطابخ القرارت) حينما يتكلم مرتزقة السياسة بلغة الدولار، ويمارسون لعبة فرض الإرادات، تنحني ؟المبادئ جانباً ولا مكان تلك الساعة للأخلاق..

القواعد الحاكمة وفق اللعبة الأمريكية.. هي الأفضلية لمن يدفع أكثر.. من هنا يصرح مرشح الرئاسة الأمريكية "دونالد ترامب" ويعلنها بملء فمه واصفا حلفاءه السعوديين في حديث له نقلته  الـ BBC بـ : ("البقرة الحلوب" التي تدر ذهبا ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، ومتى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا بذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وأعداؤها وعلى رأسهم آل سعود).

وبذات السياق نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالا تحليليا للمستشار السابق لوزير الخارجية الأمريكي "جيرمي شابيرو" ، قال فيه : (أن الوقت قد حان كي تتخلى الإدارة الأمريكية عن الأخذ بيد المملكة السعودية، وعلى واشنطن إرسال رسالة صريحة وواضحة المضمون إلى دول مجلس التعاون الخليجي مفادها: "أننا أصدقاء مصلحة ولسنا أحبّة دائمين).

من كل ذلك لا غرابة أذن لأفكار أوباما التي تضمنتها عقيدته والجفاء الواضح للحليفة السعودية والتلويح بانتهاء هذه الصداقة لنضوب المصلحة، خصوصا مع تزايد التقارير عن العجز المالي السعودي، فقد أقر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الموازنة العامة لسنة 2016 بعجز يقدر بنحو 87 مليار دولار في كلمته التي ألقاها خلال ترؤسه الجلسة الأسبوعية لمجلس وزرائه نقلتها عنه صحيف النهار اللبنانية، كما أعترف وزير المالية السعودي هو الآخر بالأزمة المالية الزاحفة إلى بلاده في حديث لمحطة «سي ان بي سي» الاقتصادية العربية، حيث قال ان بلاده تعاني عجزا ماليا من جراء انخفاض أسعار النفط وضخامة العجز في الميزانية العامة، كشف وزير المال السعودي إبرهيم العساف ان عجز الميزانية لسنة 2015 سجل رقما قياسيا قرب من 98 مليار دولار، وهو أكبر عجز في الميزانية في تاريخ المملكة، وهو اعتراف يعكس الصعوبات التي ستواجهها المملكة في السنوات المقبلة اذا ما استمرت أسعار النفط في الانخفاض، خصوصا إذا ما علمنا أن العوائد النفطية السعودية تشكل أكثر من 90% من ناتجها المحلي.

لكن انخفاض أسعار النفط ليس السبب الوحيد لتضرر الاقتصاد السعودي، فدعم بعض الأنظمة في العالم العربي، وكذا تكلفة ‏التدخلات العسكرية المباشرة في سوريا واليمن، وغير المباشر في ليبيا والعراق، إلى جانب ‏الإنفاق العسكري الضخم على التسليح، وارتفاع كلفة السلم الاجتماعي الداخلي.. كلها عوامل إلى جانب أخرى، تشكل مجتمعة ضغطًا كبيرًا ‏على الميزانية المالية، وعلى صندوق احتياطي النقد الأجنبيý للسعودية.

أسعار النفط ستواصل الانخفاض حتما، بسبب عودة الإنتاج النفطي الإيراني إلى الأسواق بعد رفع الحظر الأمريكي، وزيادة الاعتماد على البدائل الكهربائية، وتوليد الطاقة عبر مفاعلات نووية، والأهم من كل ذلك هو تقلص تكاليف استخراج النفط الصخري.

وفي تقرير لصندوق النقد الدولي يرى : إن "المملكة ستحافظ في المدى المتوسط على موقعها المحوري في أسواق النفط العالمية التي ستحدد معالمها عوامل العرض والطلب"، الاّ انه حذر من إمكانية ان تؤدي "ثورة الغاز الصخري في شمال أميركا" إلى تخفيض الطلب على المنتجات النفطية "في المستقبل"، والمقدر أجمالي القيمة الاحتياطية منه "تريليون" برميل وهو يساوي أربعة أضعاف احتياطي المملكة العربية السعودية من البترول العادي والذي يبلغ 268 مليار برميل، ويساوي احتياطي البترول الموجود في جميع الدول الأعضاء بمنظمة أوبك للدول المصدرة للنفط.

وفي هذا الصدد صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الولايات المتحدة ستتخطى المملكة العربية السعودية لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم في عام 2017م وذلك بفضل النفط الصخري.. ليمثل مؤشرا كبيرا لتعافي القوة الاقتصادية الأمريكية إلى درجة كبيرة، بأكثر من 11 مليون وظيفة جديدة، مع انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوياتها، ناهيك عن انخفاض مستوى التضخم وزيادة مستوى النمو الاقتصادي.

وتمثل هذه الآراء وبحسب جريدة السفير اللبنانية في مقال كتبه "مصطفى اللباد": (انعكاسا مهما للتراجع النسبي لأهمية الشرق الأوسط في المخيلة الإستراتيجية الأميركية الجديدة حيال المنطقة، وتغير صورة المنطقة في العيون الأميركية، بعد أن تحولها من منطقة فائقة الأهمية في أولويات الأمن القومي الأميركي إلى مجرد منطقة هامة من مناطق العالم.. ويستتبع هذا التغير

 الإدراكي للمنطقة في أذهان النخبة الأميركية تحولاً في نمط إدارة واشنطن لصراعات المنطقة، فلم تعد أميركا مضطرة للانخراط العسكري فيها كما جرى في العقود السابقة بغرض تأمين تدفق النفط.. ويعني ذلك موضوعياً أن نظاماً إقليمياً جديداً قيد التبلور في المنطقة راهناً، لتعبئة الفراغ المتولد عن التراجع الأميركي النسبي المرتقب من المنطقة، وأن هذا النظام الجديد يعرف صراعاً مستعراً على الموقع فيه بين قطبي الصراع الإقليمي السعودية وإيران).

ولعل أفضل معطى يمكن أن نستدل به لبيان الانشغال الأمريكي عن الشرق الأوسط وتبدل الأولويات، هو إستراتيجية الأمن القومي لعام 2015.. التي أكدت: أن الأولوية لإعادة التوزان في آسيا الباسفيك لمواجهة الصعود الصيني عبر تعزيز الحضور الأمريكي وتوسيع التحالفات في تلك المنطقة.. والتأكيد على مبدأ الصبر الاستراتيجي، أي تعزيز عناصر القوة الأمريكية الشاملة، وعدم الانجرار وراء الصراعات حول العالم، ومحاولة تحقيق نتائج سريعة باستخدام القوة العسكرية..

هذه الأفكار وغيرها تبين بحق مرتكزات عقيدة أوباما حيال الشرق الأوسط، وتبدل مستوى الأولويات لديها وانشغالها في أولويات أخرى تفوق أهميتها؛ أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للمصالح الأمريكية.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف