البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

February / 27 / 2016  |  1369الازمات السعودية ومآلات العلاقة مع ايران

حيدر محمد الكعبي المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية كانون الثاني 2016
الازمات السعودية ومآلات العلاقة مع ايران

في يوم الاحد الموافق 3/1/2016م تعرضت السفارة السعودية في طهران إلى اعمال تخريب من قبل المتظاهرين الايرانيين، وقبل ذلك بساعات هاجمت جماعة اخرى القنصلية السعودية في مشهد وقاموا بإحراق جزء من المبنى التابع  لها، وذلك اثر موجة الاحتجاجات الغاضبة التي اجتاحت ايران ودول اخرى على خلفية اعدام الشيخ نمر النمر من قبل النظام السعودي بعد اتهامه بالإرهاب نتيجة لمعارضته لنظام الحكم في المملكة.

وعلى ضوء ذلك، قامت السعودية بإغلاق سفارتها في طهران مباشرة واعلانها قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران، وتبعها على ذلك عدد من الدول العربية.

ومع ان العلاقات الايرانية السعودية كانت متوترة بالأصل، ولكن التحديات التي تمر بها الاخيرة يضع للتصعيد الاخير علامة فارقة تميزه عن التوترات السابقة، مما يرسم مآلات مستقبلية محتملة في العلاقة بين البلدين لم تكن معهودة من قبل.

----------------------------------------------

والتحديات التي تتعرض لها السعودية اليوم لها اوجه عدة، منها ما هو داخلي يتعلق بقادة الحكم في البلاد، ومنها ما هو خارجي يتعلق بعلاقة السعودية بالدول الحليفة لها في العالم، فضلا عن التحديات الاقتصادية التي يواجهها السعوديون نتيجة لانخفاض اسعار النفط[1] ، بالإضافة الى التحديات العسكرية وعلى رأسها الحرب التي طال امدها بين السعودية واليمن.

من جانب آخر فان تنامي الثقل السياسي والاقتصادي لإيران بشكل غير مسبوق, وازدياد قوة حلفائها في الشرق الاوسط جعل السعودية في وضع لا تحسد عليه، باعتبارها الدولة التي تحاول دائما ان تتصدّر المشهدان الديني والسياسي في المنطقة، كراعية لشؤون الدول الاسلامية ودول التعاون الخليجي.

سياسة تناقض العقلانية

في ظل التحديات التي مرّ ذكرها، فان من المفترض ان تتخذ السعودية موقفا اكثر عقلانية تجاه الاوضاع الخطيرة التي تحيط بها من كل جانب، من اجل حماية مكتسباتها السياسية والاقتصادية من أي تراجع خطير، فتسعى مثلا الى تهدئة الصراع القائم في سوريا, وتخفيض نسب تصديرها للنفط, واغتنام اقرب فرصة للتوصل الى هدنة توقف الحرب في اليمن, وتحسين علاقاتها بإيران التي لا مناص من قبولها لاعبا اساسيا في المنطقة كما فعل الغرب.

ولكن على النقيض من ذلك، نرى ان النظام السعودي لا يزال يدفع باتجاه التصعيد على كل الخطوط، فبعد اقدامه على اعدام الشيخ النمر وتشكيل تحالف عسكري اسلامي لمحاربة الارهاب لا يضم ايران والعراق وسوريا، لا يلوح في الافق ان ولي ولي العهد محمد بن سلمان ينوي نزع فتيل التوتر، وبخاصة فيما يتعلق بمسألة الحرب على اليمن التي تعد (أكثر قضية قد تقضي على المستقبل المهني للأمير الشاب، فالقتال الذي ما زال على ما يبدو يحظى بتأييد عامة الشعب في المملكة مكلف جداً من الناحية المادية, ويتوقع أن يستمر لمدة طويلة من دون أن يأتي بنتائج واضحة. كما أن الميزانيات المحدودة الناتجة عن انخفاض سعر النفط والمرتبطة أيضاً بالسياسة النفطية السعودية الحالية وبالأمير محمد بن سلمان قد تحتم التخلي عن هذا الأخير. وتعتبر واشنطن أن الأمير محمد بن سلمان غير مؤهل لاستلام السلطة [أو غير فاهم] إذ ان افتقاره للخبرة والنضوج قد ظهر جلياً من خلال تعليقاته في المقابلة التي أجرتها معه مجلة "ذي إيكونومست" والتي بدا فيها عازماً بشكل عام على مضاعفة جهوده بدلاً من تحويل مساره، وهو بالتأكيد لا يبدو أنه يريد الاعتراف بالهزيمة)[2] .

من جانب آخر، تواصل الرياض حملتها السياسية ضد ايران، وقد شهدت الآونة الاخيرة هجوما اعلاميا مكثفا لفكرة أن ايران سبب اشتعال المنطقة، وانها تسعى الى تصدير الثورة لدول الخليج ورعاية الاعمال الارهابية في منطقة الشرق الاوسط، حتى انها اتهمت إيران رسمياً بالمسؤولية عن تفجيرات منطقة الخبر في العام 1996 والرياض في العام 2003 وقدمت قائمة مطولة بانتهاكات طهران منذ الثورة الإيرانية في العام 1979، بدعوى «توضيح حقيقة سياسات إيران العدوانية على مدى 35 عاماً، ودحض الأكاذيب المستمرة التي يروجها نظام طهران».

ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مسؤول في وزارة الخارجية قوله أن «سجل إيران حافل (منذ الثورة) بنشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في دول المنطقة بهدف زعزعة أمنها واستقرارها، والضرب بعرض الحائط بالقوانين والاتفاقات والمعاهدات الدولية والمبادئ الأخلاقية كافة»... ونشرت الوزارة «ورقة حقائق» مدعومة بالأرقام والتواريخ، تضمنت 58 فقرة عددت انتهاكات إيران في المنطقة والعالم[3] .

وعلى الصعيد ذاته (اتهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إيران... بـ"احتلال أراضٍ عربية" مؤكدا أن السعودية ستستخدم "كل ما لديها من قوة" لمواجهة نفوذ طهران المتنامي في المنطقة... وأعتبر الجبير أن "من الصعب أن تكون هناك علاقات إيجابية مع طهران إذا كان هناك عدوان مستمر من طرفها تجاه المملكة العربية السعودية وشعبها".

وأضاف "نحن حريصون على التصدي لأي تحركات إيرانية وسنقوم بكل ما نستطيع وبكل ما لدينا من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية لحماية أراضينا وشعبنا". وأشار الجبير إلى أن "إيران الآن دولة مقاتلة، دولة محتلة لأراض عربية في سورية") [4].

أما في اطار الموقف السعودي من الازمة السورية، وعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية الالماني (شتاينماير) اثناء زيارته الرياض التي اكد فيها إن "الذي يرفض التحاور مع إيران والسعودية لا يمكنه القول إنه يتوقع حلا في سورية"، صرح عادل الجبير قائلا: (إن من الصعب تصور دور لإيران في جهود إحلال السلام في سورية نظرا لدورها العسكري في الصراع هناك، وأعرب الجبير مجددا عن رفض الرياض لأي دور للرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سورية.

وقال الجبير "السؤال: ماذا يجب على إيران أن تفعله لتكون جزءا من الحل في سورية؟ والرد بسيط جدا. عليها الانسحاب من سورية، وعليها عدم مد السلاح لنظام بشار الأسد، وعليها سحب الميليشيات الشيعية التي أرسلتها. وبالتالي تستطيع أن يكون لها دور".

وتابع قوله إن المملكة تعتقد أن على الأسد التنحي عن السلطة ما إن تتشكل هيئة انتقالية، بما يتفق مع محادثات جنيف للسلام عام 2012)[5] .

ومن الجدير ذكره ان هذا الموقف يأتي على النقيض من السلوك الدبلوماسي الذي تنتهجه الولايات المتحدة الامريكية عقب الاتفاق النووي مع ايران، اذ انه من المفترض ان تنسجم المواقف بين الحليفين الاستراتيجيين – امريكا والسعودية- في هذا الشأن.

الموقف الغربي والتصعيد السعودي

لعل من ابرز اسباب التصعيد السعودي تجاه ايران يعود الى تدهور العلاقة بين الغرب والنظام السعودي في الآونة الاخيرة، فالموقف السعودي التصعيدي – وبالتحديد موقف محمد بن سلمان الذي بات يتصدر المشهد السعودي وحده- جاء ردا على سلوك الغربيين الاخير في التقارب مع ايران واللامبالاة بالسعودية، وقد شرحت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية اسباب هذا الموقف قائلة (ان السعودية تشعر بالخيانة من قبل واشنطن التي تواصلت من قبل مع إيران دون علمها، ووقعت الاتفاق النووي مع طهران رغم اعتراضها عليه.

وحسب الصحيفة، يفسر ذلك سياسة الحزم والقوة الجديدة التي تنتهجها المملكة، ودفعتها للدخول في حرب ضد الحوثيين باليمن وتشكيل تحالف إسلامي عسكري وإعدام نمر النمر، وتحدثت عن أن الأسابيع الأخيرة تنامى فيها القلق الخليجي بسبب عدة أحداث من بينها رد الفعل الصامت من قبل واشنطن على اختبار إيران لصاروخ باليستي، وغضبوا من تراجع الرئيس الأمريكي عن فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها الصاروخي.

واعتبرت “فورين بوليسي” أن صمت واشنطن عن اغتيال روسيا لزهران علوش زعيم “جيش الإسلام” في سوريا كان أسوأ بالنسبة للرياض من الهجوم نفسه، و كان دليلا على أن الولايات المتحدة مازالت غير مستعدة لترجيح الكفة في صالح المعارضة السورية والمعسكر الإقليمي السني.

وأشارت إلى أن السعودية تشعر بأن طهران وموسكو يقوضان المصالح السعودية، وواشنطن لا تفعل شيء حيال ذلك لتجنب تعريض الاتفاق النووي للخطر. وأضافت أن المملكة تعتبر أن ما يراه أوباما جهدا لتحقيق توازن صحي في علاقة واشنطن بحلفائها الخليجيين خيانة، خاصة ما يتعلق بانسحاب أمريكا من المنطقة. وتوقعت أن يكون الرد السعودي حيال ذلك من خلال تشديد المملكة لمواقفها في كل جبهة من لبنان إلى اليمن وسوريا.

وأضافت: كما أن كل رد فعل سعودي من شأنه أن يولد مزيدا من التشدد في المواقف الإيرانية قبيل الانتخابات التشريعية الشهر القادم، و هذا كله لا يفيد في إقامة بيئة مستقرة يمكن من خلالها تنفيذ الاتفاق النووي.

وأكدت على أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتجاهل أو تختار البقاء بعيدا عن تلك المنافسة المشتعلة بين إيران و السعودية، فما يحدث ليس خلافا دينيا بحتا وليست حربا أهلية لشخص ما آخر، وإنما هي نتيجة لتصرفات واشنطن وسعيها لإنجاح الاتفاق النووي مع طهران.

وذكرت أن إعدام “النمر” في ذلك التوقيت يرسل رسالة مهمة لإيران وواشنطن، فالسعودية تعلم أن إعدامه سيستفز إيران و يقلق الأمريكيين، لكنها أقدمت على ذلك حتى تقول لواشنطن أنها لم تعد تشعر بأنها ملزمة للعمل جنبا إلى جنب مع جهود الولايات المتحدة في التعامل بحذر مع إيران)[6] .

ولكن يبدو ان الغرب يريد ان يرد للموقف السعودي المتعنت الصاع صاعين، فقد شنّت دول غربية حملة اعلامية ضد النظام السعودي لا يمكن تجاهلها، وعلى رأس تلك الدول الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين بالإضافة إلى ألمانيا. وباستثناء الصين، انبرت مجموعة من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، في بقية الدول تشنّ حملة على السعودية كان وقودها بالأساس إعدام السلطات السعودية للمعارض الشيعي نمر النمر ضمن47 مواطنا سعوديا تمت إدانتهم بالتورّط في عمليات إرهابية.

واعتبرت وسائل الإعلام الغربية التي سبق ودعت السعودية إلى محاربة الإرهاب واتخاذ مواقف جادة وصارمة ضدّ من يتم اكتشاف تورّطه، أن هذه العملية انتهاك لحقوق الإنسان...

في سياق هذه الحملة عرضت شبكة "سي أن أن" برنامجا حواريا تحت عنوان «دعم أميركا للمملكة العربية السعودية يعتبر سيفا ذا حدين» مع المحلل السياسي فريد زكريا، الذي لخص المشكلة أن دعم واشنطن للرياض غذى ظهور التعصب الإسلامي والإرهاب... وفي صحيفة واشنطن بوست كتب نائب رئيس تحريرها (ديفيد إغناتيوس) عن “التخبّط المكلف لقيادة السعودية التي يسيطر عليها القلق” كما تجنّدت مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية غير المستقلة للحديث بصوت الحكومة الأميركية عن مشاكل في داخل البيت السعودي و”أن الملك سلمان بن عبد العزيز يتهيّأ لإعلان ابنه وليا للعهد”.

ولم يختلف الوضع كثيرا في بريطانيا التي تعدّ الحليفة الرئيسية الثانية للمملكة العربية السعودية، التي جنّدت بدورها أبرز وسائل إعلامها على غرار محطة بي بي سي وصحيفة "الغادريان" للحديث عن حقوق الإنسان في السعودية، عبر ذكر مؤشرات ومقاييس قد تتناسب مع المجتمع البريطاني لكن لا تتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي. ولضمان تأثير أكبر تطرّقت "الغارديان" إلى قضية “تصدير السلاح للسعودية” ووصفتها بأنها “لعنة تهدد حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون التي تسمح بتصدير الأسلحة للسعودية التي تستخدمها في هجماتها التي خلفت الآلاف من الضحايا في اليمن”.

وذهبت الصحيفة البريطانية إلى حد القول إن السعودية استحوذت على الرقم الأعلى في عمليات الإعدام وإنها نفذت الحكم على 157 شخصا في 2015 فقط... ودخلت فرنسا على الخط عبر مقال لصحيفة “لي ايكو” حمل عنوان “متى ستفلس المملكة العربية السعودية” يزعم أن الاحتياطات المالية للمملكة ستنفد بحلول عام 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط والإنفاق العسكري. من جهتها ركبت ألمانيا على الموجة عبر تصريح مخابراتها أن السعودية تتبع سياسة اندفاعية في المنطقة. وبعد اعتداءات باريس نشرت صحيفة لوموند مقالا يدعو الغرب لقطع علاقاته مع السعودية، معتبرا أنها من أهم أسباب انتشار التطرف الإسلامي)[7] .

وعلى هذا الاساس يمكن القول بأن ازدياد التوتر في العلاقة بين الغرب والسعودية وقوده السياسة المندفعة التي يتّسم بها ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان، تلك السياسة التي يحاول من خلالها جذب الاضواء تجاه شخصيته المغمورة, وسحب السلطة من يدي ولي العهد المفضّل لدى الغرب الامير محمد بن نايف.

وهذا ما بيّنه  الكاتب (دينيس روس) في مقال له نشره معهد واشنطن يقول فيه: (على السعوديين أن يعوا أيضًا أن الالتزامات الأمريكية المستقبلية لصالح الأمن السعودي قد تتأثر على الأرجح بالمدى الذي تسعى فيه المملكة العربية السعودية على ما يبدو إلى تأجيج حدة النزاعات الحالية عوضًا عن احتوائها أو حلها)[8] .

ولكن يبدو ان الامير محمد بن سلمان عازم على اتخاذ اسلوب التصعيد كوسيلة يرد بها على الموقف الغربي الجديد تجاه ايران والمنطقة بشكل عام، ويسعى في الوقت نفسه لايجاد حلفاء جدد يعتمد عليهم في تغذية عدائه المتواصل لإيران، لذا نلاحظ ان الرياض قد شهدت مؤخرا حركة دبلوماسية نشطة مع دول ذات نفع عميق للسعودية مثل الصين وباكستان.

السعودية وتوريط دولة باكستان

(لباكستان اهمية كبيرة بالنسبة للسعودية لأسباب واضحة، اولها ان الاغلبية السكانية فيها من السنة، وثانيها انها تمتلك اسلحة نووية، وهو ما يجعلها قادرة على خلق توازن مع ايران من الجهة الشرقية، ولباكستان ايضا تاريخ على صعيد ارسال جنود لحماية المملكة، حيث سبق وأن ارسلت آلافًا من جنودها الى السعودية خلال الثمانينات وخلال حرب الخليج في عام 1991.

البلدان تعاونا ايضا بشكل وثيق خلال الحرب ضد السوفيات في افغانستان، وكما هو معروف عن السعودية انها طالما ساعدت اقتصاد باكستان المتعب، ففي عام 2013 منحتها السعودية مبلغ مليار ونصف المليار دولار على أمل أن ترد باكستان الجميل لاحقًا، كما ويعمل في السعودية مليون ونصف باكستاني ويرسلون اموالا الى بلدهم)[9] .

لذا فان الامير محمد بن سلمان يرى ان باكستان ورقة لا غنى عنها في التصعيد الاخير مع ايران، هذا على الرغم من ان باكستان قد خيّبت آماله اكثر من مرة لامتناعها عن المشاركة في "عاصفة الحزم" أولا وعدم انخراطها العسكري في التحالف الاسلامي السعودي ثانيا.

لذلك حرص كل من الامير محمد بن سلمان ووزير خارجيته عادل الجبير على عقد لقاءات متقاربة مع قادة عسكريين وسياسيين في باكستان بعد أسبوع واحد فقط من حرق السفارة السعودية في طهران، وقد (بدأت محادثات يوم الأحد بإحاطة في مقر الجيش الباكستاني في روالبندي استضافها رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف، وقد تبع ذلك اجتماع في إسلام أباد مع رئيس الوزراء نواز شريف... وركّز الإعلام السعودي على تعليقات الجنرال شريف بأن أي تهديد لسلامة أراضي المملكة العربية السعودية سيولّد رداً شديداً للغاية من جانب باكستان. ووفقاً لتصريح مسؤول باكستاني رحب رئيس الوزراء الباكستاني بالمبادرة السعودية المناهضة للإرهاب ووافق على أن تعمل الدولتان معاً على سردية مضادة لهزيمة التطرف، مع أنه لم يكن واضحاً إذا كانت إسلام أباد ستنضم بالفعل إلى الائتلاف السعودي الجديد. وأشار الإعلام الباكستاني أيضاً إلى أنه تم عقد اتفاق تعاون عسكري خلال الزيارة، ولكن لم يُكشف عن أي تفاصيل في هذ الصدد...

وتجدر الإشارة إلى تفصيل آخر مهم وهو أن الجنرال شريف قد حل ضيفاً على المملكة العربية السعودية في 29 نيسان 2014 عندما عرضت المملكة بشكل علني صواريخها صينية الصنع بعيدة المدى في استعراض واضح للقوة يهدف إلى مجابهة تطوير إيران لصواريخها. هذا وزار رئيس الأركان الباكستاني أيضاً الرياض في تشرين الثاني الماضي لعقد محادثات مع الأمير محمد بن سلمان، وناقش الاثنان على ما يبدو التعاون العسكري خلال مكالمة هاتفية أجريت في كانون الأول. كما ان هناك روابط وثيقة تجمع رئيس الوزراء نواز شريف مع المملكة العربية السعودية، حيث أنه قد نُفي إليها لثماني سنوات إثر إطاحته في انقلاب عسكري. وما زالت العلاقات بين الحكومة المدنية والجيش في باكستان متوترة لغاية اليوم)[10] .

لذلك يبدو ان السعودية تمتلك أكثر من ورقة ضغط على الباكستانيين لدفعهم باتجاه العمل في صالحها ضد ايران، منها الانفاق السعودي السخي، ومنها الروابط المذهبية التي تربط البلدين، فالغالبية العظمى من الشعب الباكستاني هو من اهل السنة، ويرون في السعودية ارضا للمقدسات لا يجوز مسها بأي سوء.

باكستان ترغب بنزع فتيل التوتر

ولكن الوضع في باكستان اكثر تعقيدا من ان تنجرف بسهولة في صراع يمكن ان يجرهاالى كارثة، فالشيعة يشكلون نسبة الربع [11] من مجموع سكان البلد، لذا (لاحظت صحيفة التايم أن باكستان التي تضم ثاني اكبر عدد من السكان السنة والشيعة في العالم تخشى في الواقع من توريد التوتر الطائفي المتأجج في الشرق الاوسط الى منطقة جنوب آسيا... وفي مدينة كراتشي، وهي اكبر مدن باكستان، سارت فيها احدى اضخم التظاهرات الشيعية في العالم احتجاجا على اعدام الشيخ نمر النمر... يضاف الى هذه التطورات المشاكل الامنية التي تعاني منها باكستان اصلا، ومنها توتر طائفي في الداخل بين الاغلبية السنية والاقلية الشيعية الضخمة، والذي حصد ارواح آلاف الشيعة في اقاليم البلاد الاربعة على مدى السنوات الاخيرة)[12].

وعلى هذا الاساس تسعى باكستان الى اتخاذ دور الوساطة لتهدئة التصعيد بين ايران والسعودية، لذلك دعا رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف (إلى حل الخلافات بالوسائل السلمية من أجل المصلحة الأكبر للأمة الإسلامية، وذلك خلال زيارته للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في الرياض، حسبما نقلت وكالة الأنباء الباكستانية الرسمية.

وأشاد شريف بسياسة دولته "لتعزيز الأخوة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي" خلال الاجتماع الذي بحث فيه مع السلطات السعودية أوجه التعاون الثنائي بين الدولتين، وناقش تطورات الأحداث على المستوى الإقليمي والدولي، في حضور مسؤولين على رأسهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ووزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبد الله بن عبدالعزيز وقائد الجيش الباكستاني الفريق أول ركن راحيل شريف)[13] .

وفي الحقيقة يعد دور الوساطة الباكستاني عاملا مهما لتخفيف حدة التوتر، وقد (أكد رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بلهجة متفائلة في ختام رحلة الوساطة التي قام بها إلى المملكة العربية السعودية وإيران على ترحيب الدولتين بمبادرة باكستان، وأنه يتوقع أن تحرز تقدما.

ونقلت صحيفة "دون" الباكستانية عن نواز قوله للصحفيين الباكستانيين المرافقين له في طهران عقب اجتماعه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والنائب الأول للرئيس اسحق جهانجيري ووزير دفاعه حسين دهقان أن "قادة الدولتين أشادا بجهودنا لتخفيف حدة التوتر بينهما، وقد تلقيت ردا إيجابيا مشجعا للغاية".

وقال شريف إنه في الخطوة التالية ستعين إيران وباكستان منسقين للتعامل مع هذه المسألة حيث سيكرس هؤلاء الأشخاص جهودهم بشأن هذه القضية، مشيرا إلى أنه سيطلب أيضا من السعودية تسمية منسق لهذا الغرض. وأضاف شريف أن القيادة السعودية أبلغته بأنها لا ترى إيران عدوا لها وأنه سمع مشاعر مماثلة من القادة الإيرانيين الذين هم أيضا لا يحبذون التوترات، معربا عن أمله في أن تمضي مبادرة الوساطة بسلاسة.

وشدد رئيس الوزراء الباكستاني على بذل "جهود مخلصة"، وقال إن باكستان تعمل فعليا بإخلاص، معربا عن اعتقاده بأن هذه الجهود يمكن أن تنجح بقوة دفع من الجانبين.

وقال شريف إن الرئيس الإيراني حسن روحاني أبلغه بأن الخلافات بين الدول الإسلامية أمر غير مقبول لإيران ووضع شروطا للتقارب مع السعودية بقوله "نريد توسيع العلاقات ولا نرحب بالتوترات بشرط احترام حقوق المسلمين ودول المنطقة والالتزام بالأطر الدبلوماسية")[14].

تنبؤات بقرع طبول الحرب

يمكن ان تدفع الوساطة الباكستانية العلاقة السعودية الايرانية الى بر الأمان حاليا، ولكن ذلك ليس سوى حل مؤقت، فسرعان ما سيعود الوضع الى الاحتقان مجددا، لأن المسألة تتعلق بسعي كل من ايران والسعودية الى تطبيق سياسات متقاطعة في المنطقة، ولا يُستبعد ان يقدم الامير الطموح محمد بن سلمان على اشعال المنطقة اذا ما وصل الخطر الى اعتاب سلطته، ومن الممكن ان يعمد الى ذلك بحجة سد الفراغ الذي يخلفه الانكماش الامريكي في الشرق الاوسط، وهو الفراغ الذي أشار اليه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قائلا: إن رفع العقوبات عن إيران بعد اتفاقها النووي مع القوى العالمية سيكون تطورا مضرا إذا استخدمت طهران الدخل الإضافي لتمويل "أنشطة شريرة"، وحذر في الوقت نفسه من ان هذا التراجع "اذا حدث" فسيؤدي الى تدفق القوى الساعية الى زعزعة الاستقرار بدعم من ايران[15] .

لذا يتوقع الباحث مايكل نايتس في معهد واشنطن ان تقرع طبول الحرب بين الطرفين في مرحلة ما من المستقبل، فيقول: (في مرحلة ما خلال الأعوام المقبلة، من المحتمل أن نرى كلا الطرفين يخطئ في حساباته ويطلق العنان لقوة عسكرية وجيزة وحادة للغاية ضد الآخر. وبذلك يدق جرس الإنذار. فإيران ودول الخليج باتت تملك اليوم أسلحةً أقوى من تلك التي امتلكتها خلال الحرب الإيرانية-العراقية، والقوات الجوية المتطورة لدى السعودية وأبرز حليفٍ لها، أي الإمارات العربية المتحدة، قادرة اليوم على تدمير كل المرافئ الإيرانية تقريبًا ومحطات شحن النفط وأهم صناعاتها بواسطة الذخيرة الموجهة بدقة عن بُعد. في المقابل، يمكن لإيران أن تسقط وابلًا من الصواريخ غير الموجهة على ساحل الخليج وكمًّا من الصواريخ الموجهة البعيدة المدى أكبر من أي وقت مضى)[16] .

كما انه ليس من المستبعد ان تخطط السعودية الى اطلاق حملتها العسكرية المضادة لايران بعد صعود الجمهوريين الامريكيين الى سدة الحكم، وهو ما صرح به احمد الجربا رئيس السابق للائتلاف السوري السابق قائلا: ان تعيين علوش كبيرا – وهو قائد لاحدى الجماعات التكفيرية- قرار سعودي اريد منه توجيه رسالة الى كيري ولافروف قبيل اجتماعهما المقبل لبحث الاوضاع في سوريا قبل بدء المفاوضات،

وإن فحوى هذه الرسالة السعودية أن الرياض لا تريد حلا للحرب في سوريا في الوقت الحاضر وبالطريقة التي تدار بها الازمة في سوريا حاليا. وان السعوديين في حقيقة الامر ينتظرون نهاية ولاية الرئيس الامريكي باراك أوباما ووصول الجمهوريين الى الحكم في واشنطن، للبدء بهجومهم الفعلي في المنطقة[17] .

------------------------------------

[1]  تشكل الايرادات النفطية 90% من اجمالي العائدات الاقتصادية السعودية، ومن ثم فان اقتصادها قائم بشكل اساس على تصدير النفط.

[2] مقال للكاتب سايمون هندرسون تحت عنوان (الملك السعودي المقبل) نشرها معهد واشنطن بتاريخ 8/1/2016.

[3] ينظر: خبر نشرته صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 20/1/2016 تحت عنوان (الرياض تتهم طهران بتفجير الخبر).

[4]  خبر نشره موقع قناة الحرة تحت عنوان (الجبير: إيران دولة تحتل أراضي عربية وسنستخدم القوة لمواجهتها) بتاريخ 23/1/2016.

[5]  خبر نشره موقع قناة الحرة تحت عنوان (الجبير: إيران دولة تحتل أراضي عربية وسنستخدم القوة لمواجهتها) بتاريخ 23/1/2016.

[6]  تقرير نشره موقع (يمنات) بتاريخ 15/1/2016 تحت عنوان (فورين بوليسي: الإعلام الغربي يهاجم السعودية والرياض تشعر بخيانة أمريكية والرد السعودي يتم في لبنان واليمن وسوريا).

[7]  تقرير نشرته صحيفة العرب اللندنية تحت عنوان (الموقف من السعودية يكشف توازنات جديدة للإعلام الغربي) بتاريخ 22/1/2016.

[8]  مقال تحت عنوان (السعوديون قلقون عن حق بشأن إيران) نشره معهد واشنطن بتاريخ 5/1/2016.

[9]  مقال نشره موقع ايلاف تحت عنوان (باكستان والتوازن الصعب في العلاقة مع إيران والسعودية موقع ايلاف) بتاريخ  11/1/2016.

[10]  مقال نشره معهد واشنطن بعنوان (وزير الدفاع السعودي يزور باكستان لإصلاح العلاقات المتوترة بين الدولتين) بتاريخ 11/1/2016.

[11]  مركز الابحاث العقائدية تحت عنوان (الشيعة في باكستان).

[12]  موقع ايلاف- مصدر سابق.

[13]  خبر نشره موقع قناة (سي ان ان) الامريكية بتاريخ 19/1/2016 تحت عنوان (رئيس الوزراء الباكستاني يزور السعودية في محاولة للتوسط بين المملكة وإيران من أجل "مصلحة الأمة الإسلامية")..

[14]  خبر نشرته صحيفة الدستور بتاريخ 20/1/2016 تحت عنوان (باكستان: السعودية وإيران رحبتا بمبادرتنا للوساطة بينهما).

[15]  ينظر: خبر نشره موقع ميدل ايست اون لاين بتاريخ 19/1/2016 تحت عنوان (الرياض تحذر من تراجع واشنطن وتقدم 'قوى الشر' الإيرانية).

[16]  مقال نشره معهد واشنطن تحت عنوان (ما عسى الحرب السعودية – الإيرانية تكون عليه؟ إنها فعليًا قائمة إنما لا تلفتوا الأنظار إليها) بتاريخ 11/1/2016.

[17] ينظر: خبر تحت عنوان (الجربا: السعودية تنتظر الجمهوريين في اميركا للهجوم على المنطقة ) نشره موقع العهد الاخباري بتاريخ 22/1/2016 .

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف