البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

October / 17 / 2015  |  3135فيلم محمد رسول الله

حيدر محمد الكعبي المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ايلول 2015
فيلم محمد رسول الله

تبشير ثقافي واعتراض سياسي

حملة الاعتراضات الواسعة التي واجهت الفيلم الايراني الجديد (محمد رسول الله) اعادت الذاكرة جملة الاعتراضات من المؤسسات الدينية – المصرية والسعودية بخاصة- على انتاج الدراما الدينية التي تجسد مرحلة من مراحل التاريخ الديني لرموز الديانة الابراهيمية.

فمنذ العام 1976 واجه فيلم (الرسالة) الشهير للمخرج السوري مصطفى العقاد موجة شديدة من المعارضات في كل من مصر والسعودية، وامتدت الاعتراضات حتى شوارع الولايات المتحدة الامريكية قبل عرض الفيلم بمدة وجيزة، تحولت فيما بعد الى اعمال شغب من قبل حركة المسلمين السود في امريكا، لكن الزمن اثبت ان الرسالة الثقافية السينمائية كانت لها اليد الطولى، اذ تحول فيلم الرسالة فيما بعد الى وثيقة تاريخية مهمة تنقل الاجيال المسلمة الجديدة الى اجواء تاريخهم المشرف وما فيه من ملاحم واحداث انسانية.

واذ يعود الاعتراض من جديد على عرض الفيلم الايراني الضخم (محمد رسول الله) نجد ان اسباب المعارضين انتقلت الى مستوى جديد، ذي طبيعة مذهبية سياسية البست ثوب الفتوى الدينية، نظرا لمتلازمة العداء العربي تجاه كل ما هو شيعي، وهو امر يؤكد لنا اهمية انتهاج الاساليب المعاصرة من اجل نقل تراثنا الخاص الى اجيالنا من جهة، ودعوة الاخرين الى الاطلاع عليه واقتفاء اثره من جهة اخرى.

نبذة عن الفيلم:

في قصة الفيلم نرى النبي ("محمد" وهو في مرحلة البلوغ في مشهد يصوره من الخلف، يرتدي ملابس بيضاء تغطيه، ثم تتوالى مشاهد تظهر فيه قدما طفل، وتأتي مشاهد تظهره وهو صبي يلف رأسه بكوفيه، مع ظهور هالة خفيفة حوله، ونحن نسمعه وهو يتحدث وان كانت تلك الاسطر الاولى فقط منها...

ان اسباب المعارضين للفيلم تتضمن مستوى جديد فوق المستوى الفقهي، اذ تحول الى صبغة مذهبية سياسية البست ثوب الفتوى الدينية، نظرا لمتلازمة العداء تجاه كل ما هو شيعي

وبعد مضي عقد من الزمن على هبوط الوحي عليه، نجد ان الفيلم يضم الكثير من العودة الى الوراء (فلاش باك) الى طفولة محمد ومرحلة بلوغه وهو يدور حول والدته آمنة (تقوم بدورها ميناس داتي) وجده عبد المطلب (علي رضا شوجا نوري) وعمه ابو طالب.

وتتوالى سلسلة من الاحداث غير الاعتيادية بدءاً من سرب من الطيور وهي تحث قطيعاً من الافيال، يقودها الاحباش قبل مولد "محمد" بفترة وجيزة.

محمد رسول الله – وحرب عشائرية، واليوميات التي تعرض موجات من الموجة الاولى من التموجات الثورية، وإدراكه الحر والشخصي للأحداث التي تتوالى بسرعة مع نزول القرآن، إن رسالة الفيلم الاساسية تبدو في المشاهد الفنية للحجاز في القرن السابع)(1)

وقد وظف صناع فيلم (محمد رسول الله) امكانات هائلة في انتاجه، إذ بلغت تكاليفه حوالي 40 مليون دولار شاركت الحكومة الايرانية بدفع جزء منها، وبنيت مدن كاملة لتجسيد تلك المرحلة التاريخية بشكل مذهل.

ويعد هذا العمل ثاني اضخم انتاج سينمائي يتناول سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) اذ لم ينتج على هذا المستوى من الافلام في السابق سوى فيلم الرسالة لمصطفى العقاد، لذلك يشعر القائمون على هذا الفيلم ان العالم الاسلامي عليه ان يتبع نهجا أكثر نشاطا مع صانعي الأفلام الإسلامية لتشكيل الرأي العام العالمي تجاه الإيمان في ضوء أعمال الإرهاب الحالية، فهناك حوالي 200 فيلم عن النبي عيسى(عليه السلام)، و 100 فيلم عن النبي موسى(عليه السلام) بشكل مباشر أو غير مباشر، و 42 فيلما عن بوذا، في حين لا تجسد سيرة النبي محمد(صلى الله عليه وآله) الا في فلمين اثنين فقط.

القائمة الابرز من الاعتراضات

(هاجم مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ فيلم "محمد رسول الله" الذي عرض في إيران ومهرجان مونتريال السينمائي الأسبوع الماضي، قائلا إنه "تشويه للإسلام"، ونقلت صحيفة "الحياة" أمس الأربعاء عن المفتي السعودي قوله إنه "فيلم مجوسي وعمل عدو للإسلام" مضيفا أن عرضه "لا يجوز شرعا".

وقال آل الشيخ إن النبي محمدا عليه السلام "منزه عن ذلك.. وهؤلاء يصورون شيئا غير الواقع، فيه استهزاء بالرسول وحط من قدره(...) لأن هذا عمل فاجر ولا دين له، وإنما تشويه الإسلام وإظهار الإسلام بهذا السوء"...

من جهتها، انتقدت رابطة العالم الإسلامي(2)  الفيلم، مؤكدة "حرمة تجسيد النبي محمد في الأعمال الفنية تحت أي ذريعة كانت، وتجسيده في الأفلام والمسلسلات".

وطالب أمينها العام عبد الله التركي -في بيان أصدره- المسؤولين الإيرانيين بـ"إيقاف عرض الفيلم ومنعه لأنه انتهاك لما أوجبه الله علينا من توقير للنبي محمد"، ودعا التركي المسلمين إلى "التواصي بمنع الفيلم ومقاطعته ومنع أي عمل ينطوي على الإساءة لمقام النبوة"(3) .

(وكانت «الهيئة العالمية للتعريف بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)» بالسعودية قد أصدرت في مارس الماضي بيانا تناولت فيه الفيلم، فاعتبرت أن ذلك عمل «منكر وشنيع» وفيه «انتقاص» لمكانة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، معتبرة أن الحكومة الإيرانية مسؤولة عن «مواجهة هذه الإساءة»(4) .

كما (اعتبرت الأمانة العــامة لـهيئة كـبار العـلماء(5) إصــدار الفيـلم الإيراني “محمد رسول الله” إساءة لمقام النبي عليه الصلاة والسلام الذي حقه على أمته توقيره وإجلاله وطاعته واتباعه، وقالت في بيان لها: إن تجسيد شخص النبي عليه الصلاة والسلام وتصويره في أعمال فنية قد أجمعت الهيئات والمجامع الإسلامية على تحريمه” , مشيرة في ذلك إلى قرار هيئة كبار العلماء رقم (107) وتاريخ 2 /11 /1403هـ بتأييد ما قرره مؤتمر المنظمات الإسلامية من تحريم إظهار فيلم محمد رسول الله وإخراجه ونشره , سواء فيما يتعلق بالرسول(صلى الله عليه وآله), أو بأصحابه الكرام (رض) لما في ذلك من تعريض مقام النبوة وجلال الرسالة وحرمة الإسلام وأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام للازدراء والاستهانة والسخرية.

صرح مفتي المملكة السعودية بأن الفيلم "تشويه للإسلام" و"فيلم مجوسي وعمل عدو للإسلام" و"لا يجوز عرضه شرعا"

وأكدت أنه واجب على المسلمين جميعاً البراءة من هذا العمل واستنكاره مع تحقيق الاتباع الصحيح لنبي الله ورسوله بتطبيق سنته ونشرها والدعوة إليها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم)(6)

من جانبها قالت مصادر في مشيخة الأزهر بالقاهرة (إن «الأزهر تأكد له عرض الفيلم في طهران خلال مهرجان فجر السينمائي رغم تحذيراته السابقة لإيران بعدم إنتاج الفيلم» لافتة إلى أن «الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أفتى بأنه محرم تماما.. ورغم ذلك سيتم طرح نسخة عالمية للفيلم الشهر المقبل»، وأكد علماء الأزهر أن «تجسيد النبي (صلى الله عليه وسلم) على الشاشة يؤدي إلى مفسدة»...

وأبدى الأزهر... اعتراضه على تجسيد الأنبياء والرسل في الأعمال الدرامية والفنية؛ وذلك لمكانتهم التي لا ينبغي أن تمس بأي صورة في الوجدان الديني، ويعتبر الأزهر أن تجسيد شخصياتهم في هذه الأعمال يعد انتقاصا من هذه المكانة الروحية التي يجب الحفاظ عليها.

وأوضح الأزهر في بيان له... ان رفض تجسيد الأنبياء لا يقتصر على منع إظهار وجوههم بشكل واضح في هذه الأعمال؛ ولكن تجسيد الأنبياء صوتا أو صورة أو كليهما في الأعمال الدرامية والفنية أمر مرفوض، لأنه ينزل بمكانة الأنبياء من عليائها وكمالها الأخلاقي ومقامها العالي في القلوب والنفوس إلى ما هو أدنى بالضرورة. وذكر الأزهر في بيانه أنه ليس جهة منع للأعمال الفنية؛ لكنه مطالب بإبداء الرأي المستند إلى الشرع الحنيف في مثل هذه الأعمال، أما قرارات المنع والإجازة فهي مسؤولية جهات أخرى...

وأكد الشيخ سعيد عامر، رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر أن «أنبياء الله ورسله معصومون بعصمة الله لهم من النقائض الخلقية، ولقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب»، مشددا على أن تجسيدهم على الشاشة يؤدي إلى مفسدة، منتقدا ما تفعله إيران من سلوك غير لائق ومحرم لا يراعي مشاعر المسلمين، لعده اعتبارات أولها أن تمثيل الأنبياء فيه كذب على الله ورسله.

وأضاف الشيخ عامر... «اتفق جمهور الفقهاء على أن ما يحكى عن الأنبياء من أقوال لم يقولوها وما يسند إليهم من أعمال لم يعملوها، لا يمكن التعرض له» وتابع بقوله «لنفترض أن التمثيل لا يتناول إلا بالقصص الحق، فكيف يمكن تمثيل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يناجي ربه؟» مشددا على أن تجسيدهم يمثل انتهاكا للحرمات، ومتسائلا «كيف يستبيح الإنسان لنفسه أن يكون أخبث من الشيطان بتمثيل الأنبياء، لأن الشيطان لا يتجسد في شخص النبي؟ فضلا عن أن الممثل الذي يجسد الشخصية لن يصل إلى روح الشخصية مهما أتقنها، ومهما بذل من جهد لإتقانها، كما أنه في الغالب يقوم في حياته العملية والطبيعية بأعمال تتنافى مع الإسلام»)(7) .

هذا وقد أثار فيلم «محمد رسول الله» غداة عرضه تظاهرة لمعارضين للنظام الإيراني قبل عرضه في الافتتاح الرسمي لمهرجان أفلام العالم بـ«مونتريال»، اذ نجح متظاهرون عصر الخميس عند مشارف سينما «أمبريال» حيث يجري المهرجان من (الاقتراب لفترة وجيزة وهم يهتفون «ليسقط النظام الإسلامي» و«عار على المهرجان، عار على مونتريال وكندا».

واتهم المعارضون البالغ عددهم نحو خمسين شخصًا، مخرج الفيلم الإيراني مجيد مجيدي بــ«الخيانة» ومنظمي مهرجان مونتريال للسينما «بمساعدة الدعاية الإيرانية»، وندّدت «فخرية جواهري» المعارضة للنظام ، اعتقلت أربعة أشهر في سجون طهران وتقيم بالمنفى بكندا منذ 2007، بفيلم «دفع تكاليفه القادة الإيرانيون من أجل أن يظهروا للعالم أنهم يكنون مشاعر طيبة»)(8) .

ردود صناع الفيلم

واذ لم تقدم السعودية ولا مفتي الأزهر معلومات أوفر عن أسباب معارضة بث هذا الفيلم باستثناء أنه يقلل من قيمة الرسول أو يقوم بتمثيل ملامح وجهه، نفى مخرج الفيلم مجيد مجيدي ظهور وجه الشخصية التي تجسد دور الرسول في الفيلم، كما نفى (أن تكون لديه أية نية في تشويه صورة الرسول محمد، بل بالعكس، فهو يريد الترويج لديانة إسلامية متفتحة على الآخرين وغير عنيفة مختلفة عن تلك الصورة التي تسوقها الجماعات الإرهابية والجهادية كتنظيم "الدولة الإسلامية".

نجح متظاهرون ضد عرض الفيلم عند مشارف سينما «أمبريال» من الاقتراب لفترة وجيزة وهم يهتفون «ليسقط النظام الإسلامي» و«عار على المهرجان، عار على مونتريال وكندا».

وقال مجيد مجيدي: "الهدف الذي أسعى إليه هو تقديم صورة إيجابية للإسلام تكون مخالفة للصورة التي يروجها الغرب والتي غالبا ما تسوق أن الإسلام هو دين العنف والإرهاب وليس دين التسامح والسلام والمحبة"، كما رد المخرج الإيراني على انتقادات السعودية والأزهر بالقول إن فيلمه لا يتحدث عن الرسول شخصيا بل كيف كان ينظر إلى الحياة والدنيا وكل الأمور المحيطة به وهو كان صبيا...

ويتمنى مجيدي أن يكون الفيلم الجزء الأول من أصل ثلاثة، اعتقادا منه أنه لا يمكن تغيير صورة الإسلام السيئة والنمطية عبر فيلم واحد، لكنه يوضح أن الأجزاء الأخرى لن تكون من إخراجه بالضرورة، داعيا كل السينمائيين المسلمين إلى أن ينتجوا أفلاما أخرى حول ما سماه "الإسلام الصحيح" لمواجهة النظرة الخاطئة والزائفة التي ترسخت في عقول عدد كبير من الغربيين)(9) .

(من جانبه، علّق الفنان البريطاني الإيراني الأصل سامي يوسف، وهو أحد أشهر المطربين الإسلاميين في العالم والذي قام بأداء أغنيات في الفيلم، على هذه الضجة، مؤكداً في حديث لوكالة "رويترز"، أنه على ثقة من أن من ينتقدون الفيلم في الأزهر وغيره لم يشاهدوه حتى الآن، يعارضون الفيلم لأن مصدره إيران، مشيراً إلى أنه من العار أنه لم ينتج حتى الآن سوى عملين كبيرين يجسدان حياة محمد مقارنة بعدد كبير من الأعمال عن حياة عيسى وغيره من الأنبياء)(10) .

هذا وقد (رد الملحّن الحائز على جائزة الاوسكار الماسترو (الرحمن) على فتوى ضده من اصدرتها جماعة إسلامية هندية لعمله في الفيلم الايراني المثير للجدل (محمد رسول الله)... وفي رسالة نشرها على الفيسبوك، قال الملحن انه مقتنع انه تصرف بحسن نية من خلال العمل على فيلم عن السيرة الذاتية للنبي محمد(صلى الله عليه وآله) وكتب: "...أنا أعيش في العالمين الغربي والشرقي، واحاول أن احب جميع الناس على ظاهرهم دون الحكم عليهم... قراري بتأليف موسيقى هذا الفيلم جاء بحسن نية مع عدم وجود نية في التسبب بارتكاب جريمة".

واضاف: "ليس من حسن حظ ان اواجه الله وهو يسألني يوم القيامة قائلا: أعطيتك الإيمان والمواهب والمال والشهرة والصحة، فلماذا لم تعمل موسيقى لفيلم عن حبيبي محمد؟ فيلم من شأنه توحيد الإنسانية وشجب المفاهيم الخاطئة ونشر رسالتي في أن الحياة عن العطف وعن رفع مستوى الفقراء والذين يعيشون في خدمة البشرية، وليس قتل الأبرياء باسمي")(11) .

الاعتراضات مذهبية - سياسة

قال الكاتب خالد الجيوسي في صحيفة رأي اليوم: (تعلمت في المدارس السعودية، وتحديداً في قسم العلوم العربية والشرعية أن للفتوى شرطان كي تصح وتكتمل بنودها الفقهية، الأول أن يكون صاحب الفتوى على علم ودين وخلق، وهذا ينطبق على ظاهر شيخنا آل شيخ المذكور والله أعلم بالنوايا والخفايا، والثاني أن يكون صاحب الفتوى على دراية كاملة، وتحليل التفاصيل للموقف أو الحالة أو الظاهرة التي سيصدر عنها فتواه، ولربما الشرط الثاني لم يتحقق تماماً في فتوى مفتي “مملكة الحرمين” حول تحريم مشاهدة الفيلم، على الأقل لأنه لم يشاهده شخصياً كاملاً، ففي بلاده لا دور سينما، وبالتالي غابت عنه التفاصيل التي وردت على أساسها فتواه، وبطلت حجته التي بناها على أساس حرمة تجسيد الأنبياء، فوجه النبي الكريم إن كان شاهده شيخنا في الفيلم “المجوسي” فليعلمنا، لأنه لم يظهر على الإطلاق.

مجددا وقعنا في فخ الطائفية، وأطلقنا العنان لأحقادنا وخلافاتنا التاريخية الإسلامية، مجدداً نطلق فتاوينا وأحكامنا بناء على مواقفنا السياسية المسبقة، مجدداً نلبس العباءة “السنية”، لنحارب العمائم “الشيعية”، نواجه مشاكلنا بالنظر على قشورنا، نضع الحواجز على دواخلنا ومضموننا ومشاعرنا وعواطفنا، كما فصلنا بين بلادنا، أين هي “المجوسية” مثلاً في فيلم يتحدث عن مرحلة طفولية بحتة في طفولة النبي الصادق الأمين؟

الأزمة الحقيقية ليست في الجزء الاول من الفيلم بل في الجزءين التاليين، إذ يتناول الجزء الثاني مرحلة النبوة بكل ما فيها من اختلافات ليست بين المذاهب الاسلامية

وكيف للجمهورية الإيرانية وهي الإسلامية بشريعتها ونظامها أن تعادي الإسلام؟ الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون بتسجيد شخصه الكريم، وإنما يكون باعتقادي بالاستهزاء بدينه وعقيدته والغلو فيها، التي جاء بها ليكمل مكارم الأخلاق، علينا أن نعيد للدين الإسلامي صورته الحقيقية السمحة، لكن قبل كل هذا علينا أن نحاسب المسؤولين عن تشويهه، ونعاتب المقصرين، وبالمناسبة ما هي فتوى أن تكون مسلماً سنياً وشيعياً لا فرق بينكما إلا بالتقوى الأول ليس متطرفاً، والثاني ليس مجوسياً؟! سؤال نتركه لمفتينا)(12).

من جانبه قال الكاتب السعودي داود الشريان في صحيفة الحياة قائلا: (قضية التجسيد إشكالية قديمة، ومختلَفٌ عليها، وهي لم تقتصر على الأنبياء، بل امتدت إلى الخلفاء الراشدين والصحابة، وخلال التحضير لفيلم «الرسالة»، وتالياً مسلسل «عمر» بن الخطاب، كادت قضية التجسيد أن تمنع إنتاج العملين. أحمد مصطفى، الأستاذ في كلية الشريعة والقانون في الأزهر يرى أن «سبب تحريم تجسيد شخصية النبي، يقع تحت قاعدة سدّ الذرائع»، لكنه يطرح تساؤلاً مهماً ويقول: «ماذا لو فعل ذلك غير المسلمين»؟ هذا السؤال لم يدرك علماء الدين في العالم العربي خطورته، وهو أساس المشكلة معهم، وعوضاً عن التفاهم مع الدراما والإيمان بدورها والسعي إلى الحوار معها وكسبها، اختاروا معاداتها وتحريم عملها، ولهذا أصبحوا على هامش تأثيرها، ولم يبقَ لهم سوى بيانات التنديد.

الفيلم الإيراني لا يُظهِر ملامح النبي الكريم، ويكتفي بظل جسمه وظهره، ووجه الرسول لم يظهر طوال الفيلم، فضلاً عن أن صوته لم يُسمع إطلاقاً، وكان هناك من يتحدث نيابة عنه. بمعنى أن المخرج الإيراني طبّق مبدأ المخرج العربي الراحل مصطفى العقاد في فيلم «الرسالة». لكن بعض المؤسسات الدينية نظر إلى الفيلم من زاوية سياسية، وحكم عليه لأن مخرجه إيراني)(13) .

الخوف الحقيقي من الجزئين التاليين

هنالك رأي يذهب الى ان سبب الزوبعة التي اثارها المعارضون لعرض الفيلم تهدف الى غايات ابعد من هذا الجزء من فيلم (محمد رسول الله)، فمع تصريح مخرجه ان هنالك جزئين تاليين يجسدان باقي حياة الرسول - وهي المراحل الاكثر حساسية بين المذاهب الاسلامية- ثارت مخاوف المعترضين في ابرازها، مما يبرر سبب المعارضة الشديد هذا، وقد اشارت الى هذا المعنى الكاتبة أماني ماجد في مقال لها بعنوان (منع فيلم "محمد رسول الله" ليس الحل) جاء فيه: (استقر فى وجداننا - نحن أهل السنة والجماعة - حرمة تجسيد الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة فى أعمال درامية، وبات سلاح " الأزهر" والمؤسسات الاسلامية السنية الوحيد إزاء هذا التجسيد " سيناريو" واحد من بيانين لا ثالث لهما ، أولاهما قبل عرض الفيلم وفحواه " رفض الفيلم وتأكيد تحريم تجسيد الأنبياء " أما البيان الثانى فيأتى بعد نزول الفيلم فى دور السينما والمطالبة بمنع عرضه...

هذا السيناريو " السني" يتكرر دوما أمام الاعمال الفنية التى تجسد حياة الأنبياء، وكان فيلم "محمد رسول الله" الفيلم الايرانى التمويل والإنتاج آخر ما نعايشه فى تلك الازمة التى تشتعل بين الحين والآخر، وتقودها إيران، التي رصدت ميزانية ضخمة تجاوزت الثلاثين مليون دولار لإنتاج الفيلم بتقنية عالمية وسنوات إعداد ضمنت - له كما قال مخرج الفيلم مجيد مجيدي- أن يصبح فيلما عالميا يعرض فترة طفولة الرسول صلى الله عليه وسلم والحياة قبل الاسلام، ويظهر صفات الرسول الكريم منذ نعومة أظفاره، مع تأكيد المخرج أن الفيلم  يعرض المتفق عليه فى المذاهب الاسلامية ولا يتطرق الى أي خلافات.

مع بدء عرض الفيلم فى نحو ١٤٠ دار سينما إيرانية ومهرجان مونتريال، ثار الازهر الشريف ورابطة العالم الاسلامى ،كل في بيان منفصل، يهاجمون ويرفضون ويطالبون بالمنع! ولا أدرى عن أي " منع" يتحدثون ويطالبون.. فمقاطع مبهرة منه متاحة على اليوتيوب  للجميع، ويشاهده العالم كله؟ ومن المتوقع أن يحصد جوائز عالمية؟!

الغريب في الامر أن إيران سبق ومنذ سنوات أن أعلنت عن إعداد الفيلم، فظهر البيان الاول للأزهر مشددا على تحريم تجسيد الأنبياء، بالضبط كما حدث مع مسلسل يوسف الصديق " الإيراني" ،الذى شاهدناه جميعا ، وكما حدث مع فيلم الرسالة منذ عدة عقود، وانتهى الامر الى متابعة الملايين لتلك الاعمال الدرامية.

قد يكون هناك تفاوض مع المراجع الشيعية الإيرانية على عدم تصوير باقي أجزاء الفيلم احتراما لمشاعر أهل السنة الذين يرسمون في أذهانهم ملامح الرسول من واقع كتب التراث

الازهر قال ان رفض تجسيد الأنبياء لا يقتصر على منع إظهار وجوههم بشكل واضح في هذه الأعمال ولكن تجسيد الأنبياء صوتا أو صورة أو كليهما في الأعمال الدرامية والفنية ويراه أمرا مرفوضا لأنه ينزل بمكانة الأنبياء من عليائها وكمالها الأخلاقي ومقامها العالي في القلوب والنفوس إلى ما هو أدنى بالضرورة.

 وأتذكر أن رئيس جامعة الازهر الأسبق الدكتور عبد الفتاح الشيخ رحمه الله، قال لي في احد المقابلات الصحفية عن سبب منع تجسيد الأنبياء، أنه من غير المقبول أن يظهر الممثل في دور نبي ثم يظهر فى دور شقى يحتسي الخمر ،ليختلط على الجمهور الدورين!! ورددت عليه وقتها متسائلة " وماذا لو أعلن هذا الفنان اعتزاله الفن بعد أدائه دور أحد الأنبياء.. فلم يهد الى " الشيخ" إجابة مقنعة!!

وشاهدت وشاهد الملايين مثلي مسلسل يوسف الصديق ولا أتذكر منه سوى الإبهار والتصوير والإخراج الرائع التي تميزت به الدراما الإيرانية التي أصبحت قاسما مشتركا في مختلف الجوائز العالمية..

إن التجسيد بالصوت والصورة وملامح الوجه، ليست موجودة فى فيلم "محمد رسول الله"، الذى ظهر الى النور الجزء الاول منه فقط، فلماذا المنع إذن ؟!

أحسب أن المنع - وأنا معه- يرتبط برؤى مستقبلية عما يثير الشعوب الاسلامية، عن الخوف من إخراج أفلام غربية تتناول حياة الرسول الكريم أو الأنبياء بشكل يستفز مشاعر المسلمين، ويؤدى إلى المزيد من الجرائم الارهابية التي قد تحدث ثأرا لتناول حياة الأنبياء .

وأعتقد أن  دور الازهر الشريف ينبغي ان يتجاوز سيناريو البيانين" السابق للعرض والتالي له"، فالأزمة الحقيقية ليست في الجزء الاول من الفيلم الذى يعرض وحسم أمره، ولم تظهر ملامح وجه ممثل يجسد  الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صوته، بل أحيانا يظهر في الفيلم "الظهر" أو "الظل"، بل المشكلة الحقيقية في الجزءين التاليين، فيتناول الجزء الثاني مرحلة النبوة بكل ما فيها من اختلافات ليست بين المذاهب الاسلامية بل داخل المذهب نفسه...

الحل إذن ، ليس فى المطالبة بالمنع، بل في تحرك الازهر والمؤسسات السنية على ارض الواقع، فإيران لن تمنع عرض الفيلم...

 لكن قد يكون التفاوض مع المراجع الشيعية الإيرانية على عدم تصوير باقي الأجزاء احتراما لمشاعر أهل السنة الذين يرسمون فى أذهانهم ملامح الرسول الكريم من واقع كتب التراث الاسلامى وأبرزها " الشمائل المحمدية"،ويدخرون رؤية وجهه الكريم فى يوم نعد له باقتفاء سنته العظيمة والاقتداء بأخلاقه الكريمة، أما ملامح الوجه والصوت فهى من الروحانيات التي من حقنا أن نحتفظ بها، مع علمنا بأن الشيعة لا يحرمون تجسيد الأنبياء) (14).

حرب ثقافية سلاحها السينما

(مع بدء عرض الفيلم الذي خصصت له ميزانية بلغت 50 مليون دولار، وبنيت من أجله أحياء كاملة تشبه القرى التي وجدت قبل أكثر من 1400 عام، أعلن من العاصمة القطرية عن إنتاج عمل مشابه ضخم، لكن من دون تجسيد للنبي.

أعلنت ذلك شركة النور للإعلام التي قالت في بيان إنها تعمل على إنتاج “أكبر سلسلة ملحمية” في العالم تتكون من سبعة أجزاء على أن يكون إطلاق الفيلم الأول منها عام 2018. وقالت إن هذه الأفلام ستكون نقطة انطلاق لاستعراض الرسالات السماوية عبر التاريخ، وستنضم إلى سلاسل عملاقة مثل أفلام “هاري بوتر” و”ملك الخواتم” و”حرب النجوم”.

ويشرف على إنتاج الفيلم باري أوزبورن، صاحب أفلام شهيرة أهمها “ملك الخواتم” و”ماتريكس” و”الأب الروحي”.

وتقول الشركة عن نفسها إنها شركة إعلامية قابضة انشئت عام 2009 وتتطلع إلى لعب دور رائد وقيادي في عالم السينما والترفيه لإنتاج أفلام بجودة عالمية ومناسبة لجميع الأعمار. وتقول إنها تتحرك مدفوعة بجودة المضمون .

باتت تلوح في الافق حرب من نوع جديد، حرب عقائدية بلبوس ثقافي معاصر، حرب من العيار الثقيل، سلاحها السينما التي تعد من اكثر عوامل التأثير الاعلامي جاذبية واقناعا.

وأكد المدير التنفيذي للإنتاج الدولي في النور القابضة أزهر قريشي أن التصور القصصي العام والمعالجة السينمائية لهذه الأفلام يخلوان من تجسيد صورة النبي محمد، وقال إنهما نالا إجازة هيئة العلماء الاستشارية بعد جولات عديدة من المراجعة والتدقيق شارك فيها أكثر من 70 عالما ومتخصصا شرعيا(15) .

ان هذا الامر يعني انه باتت تلوح في الافق حرب من نوع جديد، حرب عقائدية بلبوس ثقافي معاصر، حرب من العيار الثقيل، سلاحها السينما التي تعد من اكثر عوامل التأثير الاعلامي جاذبية واقناعا.

هذا مع العلم ان بوادر هذه الحرب قد ظهرت على مستوى الدراما التلفزيونية بادئ الامر، فعلى الرغم من ان الدول العربية الاسلامية تتحرج كثيرا في انتاج اعمال درامية تجسد الانبياء والصحابة نتيجة للثوابت الفقهية لدى المدرسة الدينية الحاكمة لديهم، الا ان المؤسسات الاعلامية العربية عمدت الى انتاج مجموعة من المسلسلات التلفزيونية امثال (عمر) و(الحسن والحسين) نتيجة لشعورها بخطورة تراثها السني في قبال انتاجات ايرانية وعربية ضخمة تجسد سيرة الرموز الاسلامية من وجهة نظر شيعية.

وهذا الامر يؤكد لنا ضرورة ان توظف المؤسسات الاعلامية الشيعية امكانات كبيرة لسلوك هذا الطريق الناجح، فهو يعد جانب تبليغي باسلوب معاصر يمكن ان يثبت معلومات عقائدية وتاريخية متعلقة بديننا الحنيف في عقول اجيال عديدة محليا وعالميا.

------------------------------------------

الهوامش

 1- تقرير بعنوان ("محمد" رسول الله – فيلم إيراني) نشرته صحيفة المدى في 2/9/2015 نقلا عن الديلي تلغراف

2- مؤسسة دينية تتخذ من السعودية مقرا لها.

3-  الجزيرة نت تحت عنوان (انتقادات لفيلم "محمد رسول الله" والمخرج يدافع) نشر بتاريخ 3/9/2015

4- نشر في صحيفة الشرق الاوسط تحت عنوان (الأزهر يرفض عرض الفيلم الإيراني «محمد رسول الله».. والطيب يصفه بـ«المحرم») نشر بتاريخ 2/2/2015.

5- هيأة كبار العلماء: هي هيئة دينية حكومية في السعودية.

6- نشر في صحيفة الدستور تحت عنوان (كـبار العـلماء : براءة من فيلم "محمد رسول الله") بتاريخ 6/9/2015.

7- نشر في صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ 2/2/2015 تحت عنوان (الأزهر يرفض عرض الفيلم الإيراني «محمد رسول الله».. والطيب يصفه بـ«المحرم»).

8- نشر في تقرير بعنوان (احتجاجات في «مونتريال» بسبب الفيلم الإيراني «محمد رسول الله») بتاريخ 28/8/2015 في موقع بوابة فيتو.

9- نشر في موقع فرانس 24 بتاريخ 26/8/2015 تحت عنوان فيلم "محمد رسول الله" يعرض في قاعات السينما الإيرانية رغم استياء السعودية

10- نشر في موقع المستقلة تحت عنوان (فيلم “محمد رسول الله” بين مؤيد ومعارض.. ما أسبابهم؟) بتاريخ 4/9/2015.

11- نشر في صحيفة الغراديان بتاريخ 16/9/2015.

12- (فيلم محمد رسول الله “مجوسي” ربما لكن هل شاهد مفتي السعودية الفيلم قبل أن “يفتي” بمنع مشاهدته؟) نشرته صحيفة رأي اليوم في 8/9/2015 .

13- نشر في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 6/9/2015 تحت عنوان (اضعف الايمان).

14- نشر في صحيفة الاهرام تحت عنوان (منع فيلم "محمد رسول الله" ليس الحل) بتاريخ 6/9/2015.

15- ورد ضمن تقرير بعنوان (فيلم إيراني محمد رسول الله .. السعودية تهاجم وقطر تنافس) نشر في شبكة عراق الخير والمحبة.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف