البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

October / 17 / 2015  |  3177هجرة العراقيين وانعكاساتها الثقافية

حيدر محمد الكعبي المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ايلول 2015
هجرة العراقيين وانعكاساتها الثقافية

تحتل ظاهرة الهجرة غير الشرعية موقعا متصدرا في قائمة الاحداث الساخنة التي يعيشها العراق اليوم، ففي استطلاع للرأي اجرته (شبكة النبأ المعلوماتية) تمثل بالسؤال الآتي: اذا كنت من الشباب العراقي فماذا ستختار؟ جاءت نسب التصويت كما يأتي:

(بالمرتبة الاولى: "المشاركة في المظاهرات" بنسبة (44%)، اما المرتبة الثانية جاءت لخيار الهجرة الى خارج العراق بنسبة (30%)، بينما المرتبة الثالثة جاءت لخيار التطوع في الحشد الشعبي بنسبة (19%)) .[1]

وتؤكد مؤشرات عدة على ان نسبة عالية من هؤلاء المهاجرين هم من ابناء محافظات الفرات الاوسط والجنوب العراقية، ومع انها مؤشرات غريبة بعض الشيء لان غالبية هذه المحافظات تعيش حالة من الاستقرار الامني نسبة لباقي محافظات العراق، ولكن يبدو ان هنالك اسبابا اخرى تقع خارج دائرة الحالة الامنية تشجعهم على الهجرة الى خارج البلد. 

فقد أكد النائب عن التحالف الوطني علي لفتة المرشدي: (إن "اسبابا عديدة تقف وراء هجرة الشباب العراقيين الى الخارج، ومنها تردي الخدمات وكثرة البطالة وعدم تعيين الخريجين" مبينا أن "اكثر المهاجرين هم من محافظات الفرات الاوسط والجنوب"، وأضاف المرشدي أن "هجرة الشباب غالبا ما تكون طوعية وليست قسرية بسبب استقرار الأوضاع الأمنية في هذه المحافظات" مشيرا إلى "وجود اجندات خارجية تعمل على افراغ العراق من الشباب")[2] .

تؤكد مؤشرات عدة على ان نسبة عالية من هؤلاء المهاجرين هم من ابناء محافظات الفرات الاوسط والجنوب العراقية

ويبدو ان سعة الانتقال من محافظات الوسط والجنوب العراقي لها تاريخ لم يسلط الاعلام الضوء عليها بالشكل الكافي آنذاك، ففي عام 2014 صرحت السفيرة الاسترالية في العراق "ليندل ساكس" في بيان صحفي صدر عن مجلس محافظة ذي قار انه قد (دخل اكثر من ألف مهاجر عراقي إلى استراليا خلال عام واحد، 20% منهم من محافظة ذي قار و60% من محافظات الجنوب الأخرى، وتسجيل أكثر من ألف مهاجر اخرين دخلوا استراليا بصورة غير شرعية من بينهم 200 من أبناء محافظة ذي قار)[3] .

وعلى كل حال فان العامل الاقتصادي يتصدر قائمة الاسباب لهجرة الشباب العراقي من هذه المحافظات بشكل خاص، لذا (لم يشعر العراقيون بالصدمة حينما علموا ان أكثر المهاجرين العراقيين اللاشرعيين عبر البحر أو مقدونيا او تركيا الذين تدفقوا على أوروبا هم من مدن الجنوب والفرات الأوسط ومدينة الصدر ببغداد، بسبب الاوضاع المزرية التي يعيشها ابناء هذه المدن حيث وصلت نسبة من هم تحت خط الفقر الى 30% لا سيما ان البطالة اصبحت حالة عامة بين الشباب خاصة الذين يتخرجون من الكليات الذين لا يجدون اي اهتمام حكومي بهم)[4] .

ولكن الامر الملفت للنظر ان ظاهرة الهجرة غير الشرعية الى بلاد الغرب قد رافقتها انعكاسات فكرية وثقافية عبرت عنها صفحات التواصل الاجتماعي بشكل صريح،

ان الاندفاع الذي كان يطغى على توجهات الشباب للدفاع عن الوطن في الحشد الشعبي قد خبا بريقه على صفحات التواصل الاجتماعي ليحل محله تداول مسألة الهجرة

فقد احتدمت العديد من صفحات (فيسبوك) بالمنشورات التي تمتدح قرار الاتحاد الاوربي باستقبال المهاجرين العراقيين، وتذم بالمقابل المواقف المخزية للحكومة العراقية في خذلانها للشعب ودفعه للهجرة، واخذت شيئا فشيئا تعقد مقارنات تروج لفكرة انسانية الغرب اللاديني وقسوة الشرق المتديّن، حتى باتت تمتدح ظواهر غربية معينة (كتبرج المرأة وشرب الخمر) على انها سلوكيات محمودة الى جانب تعامل الغربيين مع البشر "بإنسانية"، وتذم ظواهر شرقية معينة (كاداء الشعائر الدينية واحكام شرعية) على انها مجرد قشور تجمّل الوجه السيء لتعامل "المتدينين" مع الاخرين بقسوة. 

وكعينة على ما يروّج بعض الناشطون في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) في هذا الصدد، نُشرت صورة لنساء مسلمات يقفن في طابور امام شباك في احدى الضواحي الاوربية وكتب تحت الصورة: (هنا فرنسا.. هذا الطابور امامكم هو للحصول على فلوس الضمان الاجتماعي الذي يدفعه الكفرة لهم من الضرائب، اما لو كان الوضع معكوس، فسيدفع الفرنسيين الجزية وهم صاغرون).

وفي منشور آخر كتب شاعر باللهجة العراقية الشعبية شعرا يمتدح فيه السياسية (انجيلا ميركل) التي افتتحت باب المانيا للمهاجرين قائلا:

لثوب الاحرام اذا بس تتقربين                   تهتدين وشعبج تذبيحنه

لا تلطميلي بمواكب على الحسين          ووره المجلس شعبج تلطمينه

"مركل" للجنة رأسن تدخلين                  وردة بيدج ما شفت سجينه

تجدر الاشارة الى ان الدارس لمثل هذه المنشورات يجد انها تجعل من الجانب السلوكي في التعامل مع -الآخر- برحمة ومودة هو الاساس لتقييم صحة أي منظومة فكرية يبني عليها الانسان حياته، حتى لو كانت هذه المنظومة هي تشريعات الدين نفسه.

من جانب آخر، فان الاندفاع الذي كان يطغى على توجهات الشباب باتجاه الدفاع عن الوطن في صفوف الحشد الشعبي ودعم للقوات الامنية ضد (داعش) قد خبى بريقه على صفحات التواصل الاجتماعي العراقية، وحل محله بشكل لافت تداول مسألة الهجرة، على الرغم من تلميحات بعض الناشطين السياسيين والاعلاميين بوجود مكيدة للتخفيف من دعم مقاتلي الحشد والقوات الامنية عن طريق فتح باب اللجوء الى الدول الاوربية في هذا الظرف الحساس الذي يمر به البلد.

كما انحسرت حماسة الجمهور باتجاه دعم المظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح ايضا، فبعد حملة واسعة اجراها الشباب العراقي في الفضاء الافتراضي لمساندة نزول الناس الى الشارع، يمتلئ هذا الفضاء اليوم بصور وفيديوهات الهجرة غير الشرعية الى اوربا بدلا من ذلك.

وربما كان ذلك ناشئا عن حالة من خيبة الامل التي بدأت تنمو في صدور بعض الشباب العراقي لعدم لمسه تغييرات سريعة كان يطمح في الحصول عليها اثر المظاهرات، والتي كان من الممكن ان تقدح في نفسه بارقة امل لمجيء غد افضل من الناحية الامنية والاقتصادية والخدمية، لذا فليس من المستغرب ان يصر بعض الافراد على الهجرة - رغم دعوات المرجعية الدينية لإعادة النظر في خيار الهجرة- كردة فعل نفسية تعبر عن حالة يأس مستديمة من مجيء غد افضل.

لا ريب ان الشعارات التي يرفعها الغرب حول احترام حقوق الانسان مع وجود نماذج تطبيقية جعلت نفوس الجماهير العراقية تميل باتجاه الغرب بشدة

ومن جانب آخر، لا ريب من ان الشعارات التي يرفعها الغرب حول احترام حقوق الانسان وترويجه لهذه الظاهرة اعلاميا، مع وجود نماذج تطبيق لتلك الشعارات، جعلت نفوس الجماهير العراقية تميل باتجاه الغرب على ما هو عليه، وتنفر من وطنهم وما فيه، وتحول هذا المَيل الى دافع قوي للعديد من العراقيين لكي يسبحوا باتجاه المجهول رغبة في الحصول على تلك الحياة، على الرغم من ان العديد منهم يمتلك فرص عمل وينعم بحالة من الاستقرار الامني.

من المتوقع جدا ان تتحول الهجرة الى ظاهرة تضغط على نفوس الشباب العراقي في المستقبل القريب، وبخاصة مع تباطؤ عجلة الاصلاحات السياسية والخدمية في البلاد

لذا فقد نشر موقع (تعليق مستنير) استطلاعا للرأي جاء فيه: (ان الكثير من العراقيين الذين يمتلكون بالفعل وظائف جيدة ويعيشون في مناطق آمنة إلى حد ما يفكرون أيضا بمغادرة بلادهم من أجل حياة افضل، ويبدو أنهم يفكرون بذلك أولا وقبل كل شيء، حتى قبل التفكير بالحصول على وظيفة او منزل أو زواج.

"لقد أصبحت الحياة في العراق لا تطاق" يقول المواطن رافع الخفاجي الذي تخرج مؤخرا وحصل على شهادة البكالوريوس في الإدارة والاقتصاد من جامعة بغداد: "في كل جزء من الحياة هنا هو مجرد تعب، فمن الصعب حقا أن نعيش هنا بسبب الوضع الأمني وانعدام الخدمات الحكومية".

الخفاجي يمتلك في الواقع وظيفة، اذ يعمل لصالح تاجر جملة في حي وسط بغداد، لكنه قرر مغادرة البلاد على أي حال، وانه وفر راتبه للأشهر التسعة الماضية من أجل القيام بذلك، ويقول: "أهم شيء بالنسبة لي الآن هو إنقاذ حياتي الخاصة، أنا لا أريد أن أضيع هنا" ويؤكد انه على استعداد للذهاب إلى أي دولة أوروبية من شأنها أن تقبل به) [5].

وفي استقراء عام لردة فعل الشباب المناهض للهجرة على مواقع التواصل الاجتماعي يجد انها ردة فعل واسعة ومؤثرة وان الرغبة بالهجرة غير الشرعية لا تزال تعد وجهة نظر محدودة في الشارع العراقي بشكل عام، الا انه من المتوقع جدا ان تتحول الى ظاهرة اجتماعية تضغط على نفوس الشباب العراقي في المستقبل القريب، وبخاصة مع تباطؤ عجلة الاصلاحات السياسية والخدمية في البلاد، اذ يتحول الاحباط المتكرر الى سخط يحطم كل الحدود الفكرية والثقافية التي يقوم عليها بناء المجتمع العراقي، ومنها الحدود الدينية والوطنية والاجتماعية.

ولعل احد الحلول المفيدة في هذا المجال، تحوّل المؤسسات الفكرية والثقافية الى الاهتمام بالعمل في مجال التوجيه عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي لما لها من موقع ريادي في مجال صناعة الرأي العام، ويتم ذلك بافتتاح صفحات ومجاميع باسماء شخصية معرفة وغير معرفة، تعمل على ترويج ثقافة المنع من الهجرة ونبذها والتثقيف بمضارها بطريقة ذكية ومؤثرة وممنهجة، بحيث تخلق رأيا عاما في الشارع بأن نسبة الشجب لهذه الظاهرة اكثر من نسبة التشجيع باضعاف مضاعفة.

استطلاع رأي: (ان الكثير من العراقيين الذين يمتلكون بالفعل وظائف جيدة ويعيشون في مناطق آمنة إلى حد ما يفكرون أيضا بمغادرة بلادهم من أجل حياة افضل)

ويمكن ان يعد هذا احد الحلول الناجعة باتجاه التثقيف في أي حادثة من الحوادث الراهنة في البلد، اذ تعمل على تضعيف أي جانب سلبي بشكل متواصل والقضاء عليه، وطبعا فان ثقل الزخم الذي تعمل عليه هذه المؤسسات سوف يلعب دورا محوريا في نجاح مثل هذا المنهج الاستراتيجي ثقافيا.

---------------------------------------

[1] تقرير نشرته شبكة النبأ المعلوماتية بتاريخ 6/9/2015 تحت عنوان (ما هي الأسباب التي تدفع ببعض الشباب العراقي الى الهجرة او التطوع بالحشد الشعبي او المشاركة بالمظاهرات؟).

[2] خبر نشره موقع السومرية نيوز بتاريخ 2/9/2015 تحت عنوان (نائب: أكثر المهاجرين الشباب من الجنوب والفرات الأوسط).

[3] خبر نشرته صحيفة المدى برس بتاريخ 3/9/2014 بعنوان (استراليا تشكو هجرة شباب ذي قار اليها بصورة غير شرعية ومجلس المحافظة يحذر من عمليات التحايل).

[4] تقرير نشرته وكالة عراق برس بتاريخ 9/9/2015 تحت عنوان (فقراء الوسط والجنوب على راس الفارين من العراق ..خبراء : لاجدوى من البقاء).

[5] نشر في موقع (informed comment) تحت عنوان (فقدان الأمل، الشباب العراقي تحولوا الى مهاجرين غير شرعيين لانقاذ أنفسهم) نشر بتاريخ 7/8/2015.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف