البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

July / 14 / 2015  |  1682الاتفاق النووي الإيراني .. الرابحون والخاسرون ؟

هاشم محمد الباججي المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية تموز 2015
الاتفاق النووي الإيراني .. الرابحون والخاسرون ؟

أثار الاتفاق الايراني مع مجموعة 5 + 1 تحديا  سياسيا كبيرا في الاوساط العالمية لاسيما في منطقة الشرق الاوسط حول تأثير نتائج هذا الاتفاق على المنطقة ، ولعل أكثر المترقبين لنتائج هذا الاتفاق هم قطبي الصراع  - العربي الاسرائيلي -  دول الخليج وعلى رأسها السعودية والقطب الاخر اسرئيل ويبدو أن نتائج هذا الاتفاق قد وحد هذان القطبان نحو عدو مشترك وهو ايران ، وبدل أن تعمل دول الخليج ولاسيما السعودية الى تغيير سياستها تجاه ايران لاسيما وانها اصبحت اللاعب الاساسي في المنطقة واضافتها الى الصف العربي والاسلامي لان المشتركات كثيرة بين العرب وايران الا أنها فضلت التعاون والوقوف بجبهة واحدة مع اسرائيل ضد ايران واعتبار الجمهورية الاسلامية العدو الاول لها ، اذ يبدو ان المتغير الديني العقائدي هو الذي يقود الامور داخل المملكة السعودية حيث أثر الصراع الطائفي القائم بين ايران والسعودية على طبيعة العلاقات بينهما لاسيما السعودية التي أصابتها حالة من الهيستريا السياسية لهذا الاتفاق النووي وبدأت باللائمة على حلفائها الغربيين الذين خذلوها كما تعتقد الدولة السعودية رغم كل الاموال التي بذلت والاستثمارات التي منحت للحيلولة دون اكمال هذا الاتفاق ! ولكنها السياسة وما أدراك ما السياسة ؟ فعلى مدى اثنا عشر عام أثبتت السياسة الايرانية علو كعبها وهي تواجه فطاحل ساسة دول الغرب ، وقد نشر مركز الجزيرة للدراسات 20/7 بحثا تحليليا للدكتورة فاطمة الصمادي الباحثة في مركز الجزيرة  في نتائج الاتفاق النووي الإيراني - والذي سوف نضع عليه بعض الملاحظات -، على الداخل الإيراني ومجمل علاقات إيران الخارجية، وما قد يوجده الاتفاق من تأثيرات على ملفات الصراع القائم، والمحتمل في منطقة الشرق الأوسط.

وينطلق هذا التحليل من فرضيتين، هما:

(الاتفاق النووي الإيراني: وبصرف النظر عن المخاوف التي تسجلها بعض الأطياف الإيرانية بشأنه، يمثِّل ربحًا استراتيجيًّا لإيران.

بدون إدارة واعية للأزمات فإن الاتفاق سيقود إلى مزيد من أقلمة الصراعات وزيادة حدتها وامتدادها زمنيًّا وجغرافيًّا.

ويخلص التحليل وحسب وجهة النظر الخليجية إلى عدد من النتائج، أهمها:

أن إلغاء العقوبات من شأنه أن يُحدِث تغييرًا في بنية الاقتصاد الإيراني، ويوجهها اتجاهات جديدة تفرض سياسات جدية فيما يتعلق بالاستثمار الخارجي، والملكية وشروط التنافسية.

ترتكز الاستراتيجيات الأميركية للتعامل مع إيران عقب الاتفاق، في معظمها، على تعيين الفرص وتحديد المخاطر.

تُفضِّل إيران عقب الاتفاق تقاربًا سياسيًّا محدودًا مع واشنطن في إطار "التعاون الانتقائي المتقابل".

قد يكون الصراع بين إيران والسعودية مؤهَّلًا للوصول إلى مستويات أعلى إذا استمرت الأوضاع في سوريا والعراق على ما هي عليه، فضلًا عن عجز السعودية عن حسم وإنهاء ما بدأته في اليمن.)

ولكن يجب الالتفات أن ايران بلدا صناعيا وزراعيا ونفطيا ورغم قساوة العقوبات العالمية التي فرضت عليه حافظ على هيبة الدولة وقوتها داخليا وخارجيا ، فايران وان كانت ترغب بدخول الاستثمارات الخارجية اليها من أجل تحسين واقعها الاقتصادي الا أن ذلك لايكون على حساب مبادئها و أولوياتها التي حددتها الثورة الاسلامية لها لاسيما أن هناك ان هناك قيادة تراقب ذلك ، أما من ناحية التصعيد السياسي والطائفي بين ايران والسعودية فأن ايران متجهة نحو عدم التصعيد والحفاظ على المكتسبات التي حققتها رغم التأثير الاعلامي الكبير من الجهة الاخرى الذي يحاول أن يصف ايران بأنها دولة تدعم الارهاب الا أن الحقائق على الارض تثبت العكس .

من ناحية أخرى وعد الرئيس الإيراني حسن روحاني بإنجاز اتفاق جيد بالنسبة لإيران، ولن يطوي "الاتفاق الجيد" صفحة الملف النووي الإيراني إلى الأبد بقدر ما سيفتح ملفات جيوسياسية جديدة، ويُذكي نار ملفات أخرى على وقع صعود إيران وتعاظم نفوذها ودورها الإقليمي.

ان الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5 + 1 يؤدي الى مجموعة من الاسئلة والاستفهامات الى ما ستؤول المنطقة اليه ولعل أبرز هذه الاسئلة هو السؤال المطروح اليوم :

هل سيقود الاتفاق إلى إخراج المنطقة من حالة الفوضى وبناء حالة من الاستقرار يكون لإيران وقوى إقليمية أخرى دور مؤثر فيها، أم أن تعاظم الدور الإيراني نتيجة الاتفاق سيكون سببًا لمزيد من المعضلات الإقليمية، مع ارتفاع في وتيرة الصراع بصورة قد تقود إلى مواجهات عسكرية ستكون إيران ضالعة فيها بصورة مباشرة؟ ومع وجود أسباب وجيهة تعزِّز من موقع واحتمالية حدوث كلا الأمرين، فلابد من الإقرار بأن الاتفاق يُنهي أزمة الملف النووي الإيراني، لكنه يفتح ملفات أزمات أخرى، مما يُوجِد حاجة ماسَّة لبناء آليات لمواجهة هذه الأزمات والمخاطر.

وفي جميع الاحوال فأن مجرد ابرام الاتفاق وموافقة مجلس الامن عليه هو انتصار للمبادئ والمثل الانسانية بعيدا عن اسلوب الفرض والقوة التي تمثلها قوى الاستكبار العالمي ، فالاتفاق النووي الإيراني، وبصرف النظر عن المخاوف التي يسجلها بعض الأطياف الإيرانية بشأنه، يمثل ربحا استراتيجيا لإيران.

السعودية التي أصابتها حالة من الهيستريا السياسية لهذا الاتفاق النووي وبدأت باللائمة على حلفائها الغربيين الذين خذلوها كما تعتقد الدولة السعودية رغم كل الاموال التي بذلت والاستثمارات التي منحت للحيلولة دون اكمال هذا الاتفاق

وهناك فرضية أخرى طرحها التحليل  تقول: بدون إدارة واعية للأزمات فإن الاتفاق سيقود إلى مزيد من أقلمة الصراعات في المنطقة مما قد يزيد حدَّتها وامتدادها زمنيًّا وجغرافيًّا.

إيران داخليا: ازدياد حدَّة التنافس

بدأ تيار الاعتدال الذي يتزعمه الرئيس حسن روحاني، ويمثِّل امتدادًا لمدرسة هاشمي رفسنجاني، يتعرض لضغوط داخلية كبيرة، خاصة من قبل لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، التي حذَّرته من اتفاق "يمس باستقلال إيران"، وتعالت حدَّة الانتقادات لروحاني، وقامت صحف ومواقع مقرَّبة من التيار الأصولي بإبراز نتائج استطلاع للرأي(1) تُظهر تراجع شعبية روحاني بعشر درجات عمَّا كانت عليه العام الماضي؛ حيث وصلت سابقًا إلى 58%(2). ويعود هذا التراجع إلى عجز روحاني عن إجراء تغيير يُذكر في ملف الحريات الذي وعد فيه بالكثير، وفشله في إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على زعماء المعارضة في الحركة الخضراء (مير حسين موسوي ومهدي كروبي)، كما أن الاقتصاد ما زال ملفًّا ضاغطًا لم يحقق فيه الكثير على الرغم من نجاحه في خفض معدل التضخم من 40% إلى 17%. ولم تفلح سياسة روحاني إلى اليوم في إعطاء مؤشرات على نجاح خططه الاقتصادية، وبعد أن كانت إيران رابع قوة اقتصادية في المنطقة عام 2005 أصبحت في المرتبة التاسعة عام 2009 وواصلت تراجعها إلى المرتبة 14 عام 2013، وهو ما يوجِّه ضربة مباشرة لخطة "الأفق المستقبلي" المقرَّة من قبل مرشد الثورة والتي وعدت بأن تكون إيران القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة عام 2025(3).

ورغم هذا وذاك الا أنه تبقى ايران قوة اقتصادية مؤثرة في المنطقة بما تتمتع به من اقتصاد متعدد الجوانب وليس احادي الجانب كما هو الحال لاغلب دول المنطقة التي تعتمد بصورة رئيسية على النفط وهذا مما ادى الى فتح أسواق كثيرة لها في دول الخليج نفسها واعتمادها على المنتجات الايرانية لاسيما الزراعية منها .

وقد أبرز التحليل من خلال ما أبرزت الصحافة الإيرانية نتائج استطلاع آخر للرأي يؤكد فيه 90% من المواطنين الإيرانيين أنهم لا يثقون بمصداقية الطرف الأميركي، لكنهم يؤيدون المفاوضات النووية. ويأتي ذلك مع بدء العد التنازلي لانطلاق التحضيرات للانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في فبراير/شباط من العام القادم، وإذا ما صبَّت في صالح تيار الاعتدال فسيكون لها تأثير داعم لموقع روحاني ومكانته السياسية، وهو ما سيؤثِّر على مساحة حضور التيار الأصولي المسيطر على تركيبة مجلس الشورى، وهو المجلس المخوَّل بالمصادقة على أي اتفاق نووي قادم.

ويعوِّل روحاني كثيرًا على إزالة العقوبات، لكنَّ خبراء اقتصاديين يعتقدون أن العقوبات مسؤولة عن 20% فقط من مشكلات الاقتصاد الإيراني(4)، وأن النتائج الاقتصادية الإيجابية للاتفاق النووي لن تكون مباشرة وسريعة. ستحقق إيران بعد إزالة العقوبات نموًّا اقتصاديًّا يتراوح بين 3-7% لكنه لن يكون كافيًا لحل مشكلة البطالة التي وصلت نسبتها إلى 14% وتجاوز المشكلات الاقتصادية الأخرى. خاصة أن إيران خسرت الكثير من عائداتها نتيجة العقوبات، وأن الحكومة بحاجة إلى سنوات طويلة لجبر هذه الخسارة. وعلى الرغم من ذلك، فإن إلغاء العقوبات من شأنه أن يُحدث تغييرًا في بنية الاقتصاد الإيراني، ويوجهها اتجاهات جديدة تفرض سياسات جديَّة فيما يتعلق بالاستثمار الخارجي، والملكية وشروط التنافسية. وتمكَّنت إيران من تحمل العقوبات دورة عقب الأخرى، لكن العقوبات التي طالت قطاع النفط، أضرَّت كثيرًا بالاقتصاد الإيراني الذي يوصف بأنه ريعي معتمد بصورة كبيرة على عائدات النفط. ومنذ العام 1996 بدأت الحكومة الإيرانية تواجه عقبات حادة في اجتذاب مستثمرين من الخارج إلى إيران، خاصة في قطاعي النفط والغاز حيث حظر قانون العقوبات على أي شركةٍ الاستثمار في إيران بأكثر من 20 مليون دولار. ومن المؤكد أن غياب الاستثمار الخارجي لا يرتبط بالعقوبات الاقتصادية فقط، بل يرتبط بمنظومة قانونية وسياسية تعوق الاستثمار الخارجي وتضع العراقيل أمامه، ويرد على هذا الصعيد المادة 81 من الدستور التي تمنع بصورة مشددة أي استثمار خارجي من شأنه أن يقدِّم تنازلات تمس باستقلال إيران. ولم يفلح سعي الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني وكذلك الرئيس محمد خاتمي على مدى 16 عامًا في تذليل العقبات القانونية التي تعوق الاستثمار، ولم يفلح كذلك قانون دعم وحماية الاستثمار الأجنبي الصادر عام 2002 في توفير بيئة استثمارية جاذبة لرجال الأعمال والشركات الخارجية, وكانت تجربة شركة "ترك سل" مثالًا سيئًا على هذا الصعيد؛ حيث أجبرها الحرس الثوري بقرار قضائي على التنازل عن عطاء لتشغيل أول شبكة للهاتف المحمول في إيران كانت قد فازت به بمناقصة رسمية، وبعدها غادرت الشركة إيران. وسيكون الاقتصاد والاستثمار الخارجي ملفًّا للصراع والتنافس بين التيار الأصولي من جهة والتيار الإصلاحي وتيار الاعتدال الذي يقوده روحاني من جهة أخرى، ومن المعروف أن للتيار الأصولي مقاربة مختلفة عن باقي منافسيه في الموضوع الاقتصادي.

ورغم الإقرار بتعدد أسباب أزمة الاقتصاد الإيراني، إلا أن إزالة العقوبات ستترك آثارًا إيجابية مباشرة ومستقبلية عليه، ومن المعلوم أن لإيران 100ـ140 مليار دولار، من عائدات النفط المجمدة في المصارف الأجنبية. وحسب مسؤول في الكونغرس مطلع على سير المفاوضات فإن مابين 30 الى 50 مليار دولار من عائدات ايران المجمدة ستتحرر فور التوقيع على الاتفاق(5).

وستمكِّن هذه العائدات روحاني، من الوفاء ببعض الوعود التي قطعها بتحسين الوضع الاقتصادي، وهو ما يشكِّل منافع ملموسة للتعامل مع المجتمع الدولي، وكفاءة روحاني في إدارة ملف التفاوض. ولذلك سيوجَّه جزء كبير من العائدات الجديدة لدعم ميزانية الدولة، وإنشاء مؤسسات وبنى تحتية، ودعم الريال الإيراني، وزيادة الواردات.

ان الاقتصاد الايراني قد مر بمراحل متعددة منذ انطلاق الثورة الاسلامية ولاقى عقبات تلو العقبات سيما أثناء الحرب العراقية – الايرانية التي استمرت لثمان سنوات وما تلاها من تضييق للدول الغربية على الصادرات الايرانية ولكنها رغم ذلك تخرج في كل مرة وقد ازدادت قوة في مختلف النواحي لما تعتمده على خطط عملية ومدروسة قريبة وبعيدة المدى من قبل مؤسسات الدولة المختلفة .

هل تتغير إيران؟

لم يأت "الانخراط البنَّاء" -الذي دخل أدبيات السياسة الخارجية الإيرانية على يد روحاني- بعيدًا عن سعي مرحلة "التدبير والأمل" إلى إصلاح الاقتصاد والوفاء باحتياجات المجتمع الإيراني وتعزيز مكانة إيران الدولية؛ ومن الواضح أن تحقيق هذه الأهداف يرتبط بشكل مفصلي بتهدئة التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، كما أنه مرتبط بقدرة إيران على استثمار "ملفات النفوذ" كوسيط أو طرف لا يمكن إنكار دوره. وإذا ما انطلقنا من قناعة بأن أفضليات وأولويات السياسة الخارجية لأية دولة هي نتاج عمل مؤسسي ممنهج، ويأتي بصورة تدريجية على الأغلب فإن السياسة الخارجية الإيرانية حتى مع توقيع الاتفاق النووي، ستبقى لفترة طويلة تراوح ضمن الخطوط العريضة العامة للأولويات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، فإن مؤشرات كثيرة يمكن تسجيلها كدلائل على تغيير في السياسة الإيرانية في ظل حكومة روحاني؛ خاصة فيما يتعلق بعلاقات إيران الخارجية وفي مقدمتها العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. ورغم أن المحاور الأساسية التي قامت عليها السياسة الخارجية الإيرانية على مدى عقود كانت مبعث خلاف بين طهران وواشنطن، إلا أنه لا يمكن الاستمرار بتصنيفها كمعوِّق يحول دون توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، وذلك بإجراء إيران لبعض التكييفات الضمنية بخصوص عدد من القضايا. وسيكون الجهد الإيراني في هذه التكييف منصبًّا على منع أن تظهر الجمهورية الإسلامية بصورة التابع للسياسة الأميركية.

لكن، ما هي تأثيرات توقيع الاتفاق على التعاون والتنسيق الإيراني-الأميركي؟ وهل إنجاز الاتفاق يعني بالضرورة تزايد التنسيق بين الجانبين فيما يتعلق بالقضايا والملفات الإقليمية؟

هل سيقود الاتفاق إلى إخراج المنطقة من حالة الفوضى وبناء حالة من الاستقرار يكون لإيران وقوى إقليمية أخرى دور مؤثر فيها

تأتي الإجابة على هذه الأسئلة مرتبطة بالاستراتيجيات التي سينتهجها كل من طهران وواشنطن فيما يتعلق بالعلاقة مستقبلًا. ويبدو النموذج الروسي في العلاقة، مرجَّحًا لدى الطرف الأميركي، والذي يقوم على تقديم حوافز مادية مقابل التعاون في المسائل الأمنية، وحدث أن حصل الاتحاد السوفيتي مقابل إجراءات أمنية على مزايا دبلوماسية واقتصادية، لكن الهدف الأميركي كان منصبًّا على تغيير النهج استراتيجيًّا لتحويل سلوك الاتحاد السوفيتي من دولة معادية إلى الشراكة ضمن شبكة من التفاعلات طويلة المدى، وقد يكون نهجًا مماثلًا لاستدراج إيران على المدى الطويل لتتحول من حالة العداء إلى التعاون(6). ويرسم بعض التقارير الأميركية، عددًا من الاستراتيجيات الأميركية للتعامل مع إيران عقب الاتفاق، ترتكز في معظمها على تعيين الفرص وتحديد المخاطر، وتقوم على ستة أعمدة رئيسية  ) : كما بينها التحليل )

تقوية الاتفاق النووي، بشروط مؤثِّرة وطويلة المدى تضمن التزام إيران.

التعاون مع إيران في القضايا ذات المصالح المشتركة، لجلب الاستقرار للشرق الأوسط من جهة، وزيادة فرص جعل إيران معتدلة وأكثر تعاونًا.

مواجهة السياسة الإيرانية التي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأميركية، ومن أهمها سياسة دعم الوكلاء في المنطقة.

المحافظة على التزام الإدارة الأميركية نحو شركائها في المنطقة، لردع العدائية الإيرانية وثني حلفاء أميركا عن القيام بخطوات تزعزع الاستقرار في المنطقة.

الاستفادة من الاتفاق لتعزيز قواعد عدم الانتشار النووي، والحيلولة دون قيام دول أخرى في المنطقة بانتهاج نفس السياسة الإيرانية.

الاستفادة من الاتفاق من أجل إعادة التركيز على آسيا وأوروبا، وزيادة النفوذ الأميركي مقابل روسيا والصين(7).

وعلى صعيد الفرص والمخاطر، تضع هذه الاستراتيجيات قائمة بأهم الفرص وأبرز المخاطر كالتالي:

هل يمنع الاتفاق امتلاك إيران لسلاح نووي؟

ان الاتفاق في ظاهره يمنع ايران من امتلاك السلاح النووي الا ان هناك وجود ثغرات تمكِّن إيران من امتلاك سلاح نووي مما يجعل ايران تتحين الفرص لاستغلال هذه الثغرات

بعدما رفعت ايران شعار نصرة الشعوب المظلومة الذي جاءت به الثورة الاسلامية جعلها هدفا لقوى الاستكبار العالمي وحلفائها ، فبالرغم ماتبذله ايران من مساعدة الشعوب المقهورة ماديا ومعنويا الا ان الابواق الغربية وحلفائها تحاول تصويرها بأنها داعمة للتشدد ومركز عدم استقرار بالمنطقة وهذا ما يحاول الغرب وحلفائه تصوير ما يحدث بالعراق وسوريا واليمن وفلسطين وافغانستان وغيرها من المناطق بأنه تدخل ايراني في مصير الشعوب .

وتحاول امريكا لترويض ايران وجعلها ضمن محور السياسة الامريكية في المنطقة من خلال تطبيق بعض نماذج تطبيع العلاقات التي مارستها امريكا مع بعض الدول كروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والصين

وأيًّا يكن هو المفضل بالنسبة لمخططي السياسية الأميركية فيما يتعلق بالعلاقة مع طهران: النموذج الروسي أو الصيني، فإن النموذج الصيني في التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية يبدو مفضَّلًا لدى الإيرانيين، والأرجح إيرانيًّا أن التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية، سيكون تقاربًا سياسيًّا محدودًا، وتبادلًا للمصالح أكثر منه انفتاحًا على كافة الصعد؛ ويمكن وضع ذلك في إطار التعاون الانتقائي المتقابل؛ وذلك لأسباب، أهمها: أن مخططي السياسة الإيرانية يُدركون أن انفتاحًا إيرانيًّا تجاه الولايات المتحدة الأميركية، وتطبيعًا للعلاقات بصورة كاملة سيكشف عن مساحة التباعد بين الشعارات الثورية وما يريده المجتمع بصورة فعلية، وهو ما يمكن اعتباره سلبيًّا؛ لأنه يكشف عن هشاشة الوضع الداخلي، واختلاف النظر إلى هذه القضية بين النظام ومواطنيه.

الا ان هذا الذي يفترضه التحليل بعيد عن الواقع لما لايران من ثوابت وقيم دينية وأخلاقية تؤمن بها وتسعى الى تحقيقها من خلال سياستها الداخلية أو الخارجية التي عرفت عنها منذ قيام الثورة الاسلامية بوقوفها أمام دول الامبريالية العالمية

نحو الاستقرار أم نحو مزيد من الصدام؟

قد يعزِّز الاتفاق النووي فرص حدوث تقارب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وقد يفتح الطريق أمام تكوين تعاون إقليمي؛ مما يؤدي إلى تحقيق علاقات جيدة بين إيران وجيرانها، وذلك ينسحب على علاقة الجمهورية الإسلامية مع المملكة العربية السعودية؛ وهذا من شأنه أن يعمل على ضمان تدفق مستقر للنفط، الذي هو في مصلحة الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها(8).

وفي جميع الاحوال فأن مجرد ابرام الاتفاق وموافقة مجلس الامن عليه هو انتصار للمبادئ والمثل الانسانية بعيدا عن اسلوب الفرض والقوة التي تمثلها قوى الاستكبار العالمي

لكن هذه الاحتمالية تقابلها احتمالية أخرى ترى أن الاتفاق سيمنح إيران فرصًا أكبر لزيادة نفوذها ويوسِّع من هامش تدخلها في عدد من الساحات التي لها موالون فاعلون فيها، مثل: سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، والخليج العربي، وأن هذا النفوذ سيأتي على حساب نفوذ عدد من الدول المؤثِّرة في المنطقة وفي مقدمتها السعودية وتركيا. ولذلك ستلجأ تركيا إلى تبنِّي سياسة خارجية تتعامل مع هذا الاحتمال بمرونة كبيرة، وسنرى آثار ذلك في عدد من الملفات قد يكون الملف السوري أبرزها. لكن السؤال يتركز بصورة كبيرة على السياسة التي ستنتهجها السعودية لإدارة ملف التنافس والصراع مع الطرف الإيراني وفقًا لهذه المستجدات.

إيران والسعودية بعد الاتفاق

حكَمَ "التنافس" معظم تاريخ العلاقات الإيرانية-السعودية، ولا تكاد ساحة فيها نفوذ للسعودية تخلو من تواجد إيراني مقابل ومنافس. ويأخذ هذا التنافس زخمه الكبير في المنطقة العربية. ومنذ العام 2005 تتصاعد حدَّة المنافسة ممثَّلة بصراع محورَي "المقاومة" و"الاعتدال". وأخذ هذا الصراع أبعادًا جديدة مع الثورات العربية التي انطلقت شرارتها في تونس 2011، وازداد حدَّةً مع الثورة السورية، وتعاظمت حدَّته مع الأزمة اليمنية وتحالُف "عاصمة الحزم" ضد الحوثيين، وبهدف "مواجهة المدِّ الإيراني في اليمن. واعتُبرت "عاصفة الحزم" "تخطِّيًا لتقليد عدم المواجهة المباشرة بين الدولتين"، عقب قناعة بدأت تتشكَّل وسط صفوف صانعي القرار في السعودية بأن سياسة المواجهة غير المباشرة مع طهران باتت غير مجدية(9). وقد يكون الصراع بين البلدين مؤهَّلًا للوصول إلى مستويات أعلى إذا استمرت الأوضاع في سوريا والعراق على ما هي عليه، فضلًا عن عجز السعودية عن حسم وإنهاء ما بدأته في اليمن.

ان المتغير الطائفي الذي يحكم العلاقات الايرانية – السعودية أدى الى اتساع الهوة بين الطرفين فمن الجانب الايراني تسعى ايران لحماية الشعوب المستعظفة والطائفة الشيعية خصوصا بعدما أوغلت المجاميع التكفيرية الارهابية التي تدعمها السعودية ودولا خليجية اخرى بالقتل والتفجير والى قيام ما يسمى بالدولة الاسلامية كان هدفها الاول قتل الشيعة في المنطقة قبل أي عمل اخر

ومن الواضح أن الاتفاق النووي مع إيران، لن يجسر الفجوة بينها وبين جيرانها العرب وإن كان لا أحد يجادل في أن الاتفاق النووي، سيكون بمثابة صفقة يحقق فيها كل من طهران وواشنطن مكاسب كثيرة، وفي مقدمة ذلك أنها قلَّلت من احتمال نشوب حرب ضد إيران ويمكن أن تشكل ضمانة لعد تطوير إيران لسلاح نووي، فضلًا عن إعادة بناء الثقة وتطوير العلاقات بين البلدين. وتعتقد إيران أنها قدمت تنازلات في برنامجها النووي تمكِّنها من الحصول على مكاسب في المقابل، ويظهر أن إزالة العقوبات هي المقابل الذي تريده إيران بصورة أساسية، وإذا ما حصلت على مطلبها هذا فسينتعش اقتصادها، وتصبح سُوقها مقصدًا للمستثمرين.

وإن كان الاتفاق يخفِّف من حدَّة التهديد الأميركي بالنسبة لإيران، إلا أن الأمر لا ينطبق بالنسبة للتهديدات على المستوى الإقليمي؛ فالاتفاق من وجهة نظر جيران إيران في الخليج العربي سيعزِّز من قدرة إيران على الهيمنة، ولا يرون أن الاتفاق سيجبر إيران على التراجع عن سياستها التهاجمية؛ فالتأكيدات الأميركية والتعاون في مجال الدفاع ومساعدتهم على ردع إيران عسكريًّا، لم تساعد في وقف النفوذ الإيراني في محيطهم القريب(10).

وفي المقابل، لم تقدِّم إيران ما من شأنه أن يخفِّف من مخاوف جيرانها العرب، وفيما كانت تخوض مفاوضات صعبة مع الغرب بشأن ملفها النووي، كانت تواصل بناء شبكة مصالحها في الشرق الأوسط في سوريا والعراق واليمن. ولا يبدو أن الاتفاق النووي سيُحدِث تغييرًا في السياسة الإقليمية لإيران، ولن يثنيها عن مواصلة حضورها في ساحات تصنِّفها بالمهمة لها مثل سوريا والعراق وبدرجة أقل اليمن. من غير المفترض الإفراط بالتفاؤل على هذا الصعيد وتوقُّع دور إيراني أقل في جبهات الصراع هذه؛ إذ ليس هناك أية مؤشرات على أن الاتفاق يتضمَّن بنودًا تصبُّ بهذا الاتجاه.

وأمام التهديد الكبير الذي تمثله تنظيمات مثل "تنظيم الدولة الإسلامية" لإيران، قد تنتهج إيران سياسة ذات أبعاد صراعية أعمق، وستواصل دعمها للجماعات المسلحة واللاعبين غير الحكوميين. وفي مقابل هذه السياسة ستسعى دول الخليج العربية أيضًا إلى البحث عن وسائل جديدة لمواجهة إيران خاصة مع بدء تشكُّل قناعة لديها بأنه ما عاد بالإمكان الاعتماد على الحليف الأميركي كالسابق، وسيدفعها ذلك إلى تعزيز خيار "الحرب بالوكالة". وما يزيد من خطورة هذا الصراع الجيوسياسي، تحميله بحمولات طائفية، يقوم خلاله كل طرف باتهام الآخر بأنه يمارس سياسة طائفية. وفيما لا تبدو إيران مستعدة للاعتراف بتقصيرها على هذا الصعيد وخطورة ما يمكن أن يتركه ذلك من نتائج على مستقبل المنطقة، يرى جيرانها العرب في الخليج أن تراجع الصراع الطائفي مرهون بتراجع إيران كقوة إقليمية. وهذه الحمولات الطائفية تُعقِّد الصراع في المنطقة وتجعل الوصول إلى تسويات في المعضلة السورية والعراقية وكذلك اليمنية أمرًا في غاية الصعوبة.

هل تقتنص روسيا الفرصة؟

تحدثت بعض التكهنات عن أن إيران بعد الاتفاق النووي، يمكن أن تقايض الصداقة مع موسكو، مقابل معاملة تفضيلية من واشنطن؛ وهو ما سنشهد تجلياته في ملفات الشرق الأوسط. وهناك تحليلات متناقضة ومتباينة بشأن دور روسيا في المفاوضات النووية، فهناك من يتحدث عن دور كبير لروسيا في إنجاح المفاوضات، فيما يتحدث آخرون عن سياسية انفعالية روسية تجاه هذه القضية(11).

ويمكن فهم طبيعة التوجه الروسي من هذه القضية وفق المعطيات التالية: ( كما يحددها التحليل )

ليس من مصلحة روسيا امتلاك إيران أسلحة نووية أو قدرات تطوير سلاح نووي، والاتفاق النووي من شأنه أن يعزِّز من الأمن الروسي.

عارضت روسيا بشكل قاطع استخدام القوة في حلِّ المشكلة النووية الإيرانية، سواء من خلال الضربات الصاروخية والجوية والتخريب والهجمات على مواقع الإنترنت، أو أية وسيلة أخرى.

لا تؤيد روسيا فرض عقوبات أحادية أو متعددة الأطراف ضد إيران، وتطالب برفعها(12).

وإذا اختار الغرب عدم الانخراط مع إيران في مشاريع اقتصادية بعد الاتفاق النووي، فستكون هذه فرصة كبيرة لروسيا التي ستستفيد من نفوذها السياسي والاقتصادي، في بناء مزيد من الشراكة مع إيران(13)، وبدأت ملامح هذه الشراكة بالظهور ولعل أبرزها قرار روسيا تسليم إيران المنظومة الدفاعية (إس 300) التي كانت تُحجم عن تسليمها بفعل العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وسيكون ذلك فاتحة للكثير من صفقات السلاح بمجرد رفع العقوبات خاصة مع حاجة إيران الكبيرة لأسلحة حديثة. وتنوي روسيا بناء علاقات عسكرية طويلة المدى مع إيران، ووصل حجم المشتريات الإيرانية من السلاح الروسي في الفترة (1991-2015) إلى 304 مليارات دولار(14). وعلى صعيد التبادل التجاري، تقول التصريحات بنيَّة الجانبين زيادة حجم التبادل التجاري بينهما من 5 مليارات إلى 70 مليار دولار سنويًّا. وفي العام 2014 وقَّعت روسيا وإيران اتفاقًا لبناء مرحلة جديدة في مفاعل بوشهر، وسيستمر التعاون في مجال التقنية النووية بين إيران وروسيا(15).

وفي المجمل، فإنَّ الكثير من المزايا الأمنية والاقتصادية والعسكرية من الممكن أن تحققها روسيا نتيجة الاتفاق النووي، ولن يكون الاتفاق مانعًا أمام مزيد من التعاون الروسي-الإيراني في الشرق الأوسط، وكذلك الحال في منطقة القوقاز ووسط آسيا رغم التنافس الدولي في تلك المنطقة. وبدون تحول سياسي كبير في العلاقة بين الغرب وإيران، فإن العلاقات الروسية-الإيرانية ستكون الأقوى وسيحدث تنسيق روسي-إيراني كبير في عدد من ملفات الشرق الأوسط.

ولكن يجب أن لاننسى بأنه مهما تكون الامور المعلنة من قبل روسيا ايجابية فعلينا ادراك أمر اخر هو أن روسيا من غير الممكن القبول بأقامة دولة نووية تقع على حدودها الجنوبية لان ذلك يشكل خطرا على أمنها الاسترتيجي  وكما أعتقد ان روسيا ستحاول بطريقة وأخرى من جعل ايران تدور في فلكها لاسيما ان روسيا هي من المساعدين لايران في توفير بعض انواع التكنلوجيا النووية.

لكن خبراء اقتصاديين يعتقدون أن العقوبات مسؤولة عن 20% فقط من مشكلات الاقتصاد الإيراني

النووي والصين وطريق الحرير

تمثِّل إيران أهمية جيوستراتيجية بالنسبة للصين فيما يتعلق بتوجهاتها نحو الغرب، وسيكون الاتفاق النووي عاملًا مهمًّا لتعزيز العلاقات الثنائية بين إيران والصين، وتعاونهما في عدد من المجالات، ما سيكون له نتائج على استراتيجيات الولايات المتحدة الأميركية في آسيا والشرق الأوسط.

خلال العام 2014 بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران والصين 50 مليار دولار، وهذا يقلُّ عن حجم التبادل التجاري الأميركي-الصيني بـ11 ضِعفًا. وخلال السنوات الأخيرة ورغم تراجع واردات الصين من النفط الإيراني بفعل العقوبات، بقيت الصين تشتري نصف إنتاج إيران من النفط بأسعار منخفضة. وبعيدًا عن العلاقات الدبلوماسية فإن الأهمية الجيوستراتيجية التي تمثلها كل دولة للأخرى هي مفتاح فهم العلاقة. وكما أن إيران مهمة بالنسبة إلى الصين وتوجهها غربًا، فالصين بالنسبة لإيران بالغة الأهمية في مواجهة الدور المحوري لواشنطن في آسيا والتفوق البحري الأميركي. وفي الجانب التسليحي قدَّمت الصين لإيران العون في بناء برنامج الصواريخ الإيراني، وكانت مصدرًا في بناء المنظومة الدفاعية الإيرانية.

وضمن هذا البُعد الجيوستراتيجي في العلاقة، فإن مشروع إعادة إحياء طريق الحرير، الذي بات "سمة مهمة من سمات السياسة الخارجية الصينية الحالية" يرسم معالم العلاقات المستقبلية بين الصين وإيران(16).

حزام طريق الحرير الاقتصادي

في سبتمبر/أيلول 2013، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، في خطاب ألقاه في كازاخستان، عمَّا أسماه: حزام طريق الحرير الاقتصادي " كمبادرة جديدة في السياسة الخارجية، تهدف إلى تعزيز أواصر التعاون الدولي والتنمية المشتركة في مختلف أنحاء أوراسيا". وتعرض الصين خمسة أهداف محددة لهذا المشروع: تعزيز التعاون الاقتصادي، وتحسين سبل ربط الطريق، وتشجيع التجارة والاستثمار، وتسهيل تحويل العملات، ودعم عمليات التبادل بين الشعوب(17). ويعود جعْل طريق الحرير أولوية بالنسبة للصين لأسباب ثلاثة:

ضمان تدفق الطاقة عبر الطريق البري من آسيا الوسطى وروسيا، للحدِّ من مخاطر الطرق البحرية؛ حيث تصل عن طريق مضيق ملقا الذي يُعدُّ ممرًا لـ80% من الطاقة التي تصل الصين، ومضيق هرمز ويعبر منه 40% من واردات الصين من النفط.

المشروع التنموي لتهدئة القطاع الغربي من الصين، غير المستقر والغني بالطاقة، سعيًا لمنع مطالبات الإيغور بالانفصال وتأسيس دولة تركستان الشرقية.

إيجاد الأرضية اللازمة لاستقرار ووحدة المنطقة، وهو ماسيجعل الصين نواة اقتصادية وسياسية فيها(18).

ما أهمية إيران في طريق الحرير؟

خلال السنوات الماضية انتهجت بكين سياسة فيها الكثير من التدابير لتحديث شبكة واسعة من الطرق والسكك الحديدية المتداخلة بين دول آسيا الوسطى؛ وهو ما يعد استثمارًا في البنية التحتية في تلك المنطقة، وانتهجت إيران نفس السياسة خاصة من خلال بناء طرق وسكك حديدية مع عدد من الدول في مقدمتها تركمانستان، وقدَّمت الصين تمويلًا لطريق الحرير عام 2012، ويتضمن بناء خط سكة حديد يصلها بكازاخستان وروسيا، وفي مرحلة لاحقة بالغرب، وخط السكك الحديدية بالتوازي مع خط للسكك الحديدية الذي يمر في مركز محافظة شينجيانغ، وصولًا إلى أَلْما آته، أكبر مدينة في كازاخستان(19).

ويمكن لهذا الطريق الذي يهدف إلى ربط الشرق بالغرب، أن يفتح بابًا نحو منطقة الخليج. وفي المجمل تهدف الصين إلى نقل القوة من ضفتها الشرقية إلى وسط أوراسيا، وبذلك تستطيع التعامل مع المشكلات البحرية التي قد تنشأ أثناء نقل الطاقة، وفي النتيجة تقلِّل من التفوق البحري الأميركي، ويبدو أن روسيا وإيران تدعمان هذه السياسة.

وتحاول امريكا لترويض ايران وجعلها ضمن محور السياسة الامريكية في المنطقة من خلال تطبيق بعض نماذج تطبيع العلاقات التي مارستها امريكا مع بعض الدول كروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والصين

وتأتي أهمية إيران الاستراتيجية في هذا المشروع بوصفها جسرًا بين الشرق والغرب، ورغم وجود جسور أخرى إلا أن المسار الإيراني يعد الأهم من بينها.

إن الاتفاق النووي سيطلق يد الصين في بناء الطريق البري الذي تريده بالتعاون مع إيران، وفي المقابل ستدخل إيران كعضو كامل العضوية في منظمة شانغهاي؛ حيث إن العقوبات الدولية وقفة عقبة أمام تحقيق ذلك في السابق. وبدأت هذه المنظمة تعطي مؤشرات عدَّة على أنها ستكون منافسًا كبيرًا للولايات المتحدة الأميركية في تلك المنطقة.

وماذا عن الهند؟

تلقَّت إيران طلبًا رسميًّا من الحكومة الهندية يتضمن زيادة وارداتها من النفط الإيراني، حال إمضاء اتفاق نووي شامل بشأن برنامج إيران النووي وتخفيف العقوبات. وارتفعت واردات الهند من الخام الإيراني 42% في العام الماضي مقارنة بالعام 2013 مع زيادة مشتريات شركات التكرير الهندية للاستفادة من تخفيف العقوبات المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي(20). وبدأت الهند مساعي مكثفة كأحد أكبر المستهلكين للطاقة في العالم لإبرام صفقات بشروط أفضل لشركاتها مع البلدان المصدِّرة للنفط. وتستورد الهند رابع أكبر مستهلك للنفط وثالث أكبر مستورد له في العالم نحو 80 بالمئة من احتياجاتها من الخام ويزيد الطلب على الوقود مع النمو الاقتصادي السريع. وسجَّلت الهند نموًّا اقتصاديًّا فاق الصين خلال العام الماضي ووصل إلى 7.3%. وخلال الثلاثة أشهر الأولى من هذا العام سجَّلت نموًّا اقتصاديًّا وصل إلى 7.5%  أعلى من النمو في الصين بـ 7%(21).

ويبدو أن الاقتصاد والطاقة يتصدران ملف العلاقات الإيرانية-الهندية، وتبدو أولويات الهند لتعزيز علاقاتها مع إيران مرتكزة على القطاعات الاقتصادية بما فيها التجارة والطاقة والنقل، وإن كانت العلاقات السياسية تأخذ أبعادًا أخرى حيث سهَّلت إيران للهند الدخول إلى أفغانستان وهو ما ترى فيه باكستان تهديدًا أمنيًّا لها. ومن المتوقع أن يعزِّز الاتفاق النووي من العلاقات البحرية بين إيران والهند خاصة مع وجود بعض المشاريع التي أعاقتها العقوبات، وفي الشهر الماضي وقَّعت الهند وإيران اتفاقًا لتطوير ميناء شاه بهار في جنوب شرق إيران، وهو الميناء المطل على خليج عُمان، قرب الحدود الإيرانية مع باكستان(22). ولا تبدو باكستان راضية عن المشروع حيث إن تشغيل الرصيفين يتيح لأفغانستان الانفتاح على منفذ بحري لعدم إطلالتها على أي بحر مما سيقلِّل اعتمادها على باكستان، كما سيتيح للهند الوصول إلى أفغانستان دون الحاجة للمرور بباكستان. وسبق أن اتفقت الهند مع إيران عام 2003 على تطوير ميناء شاه بهار، لكن المشروع لم يحرز تقدمًا يُذكر نظرًا للعقوبات الغربية ضد إيران(23).

خلاصات ونتائج

ناقشت هذه الورقة ( التحليل ) ما إذا كان الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي سيقود إلى بناء حالة من الاستقرار يكون لإيران وقوى إقليمية أخرى دور مؤثر فيها، أم أنه سيؤدي إلى تعاظم الدور الإيراني مما يكون سببًا لمزيد من المعضلات الإقليمية، مع ارتفاع في وتيرة الصراع بصورة قد تقود إلى مواجهات عسكرية، وحروب ستكون إيران ضالعة فيها بصورة مباشرة. وجادلت الورقة في الأسباب التي تعزِّز من موقع واحتمالية حدوث أي من الأمرين. ويمكن تسجيل عدد من الخلاصات والنتائج بشأن تأثيرات الاتفاق على موقع إيران وعلاقاتها الإقليمية والدولية، يمكن إدارجها كالتالي:

سينهي الاتفاق أزمة الملف النووي الإيراني، لكنه سيفتح ملفات أزمات أخرى، مما يوجد حاجة ماسَّة لبناء آليات لمواجهة هذه الأزمات والمخاطر.

على الصعيد الداخلي الإيراني: يرى فريق أن النتائج الاقتصادية الإيجابية للاتفاق النووي لن تكون مباشرة وسريعة. ستحقق إيران بعد إزالة العقوبات نموًا اقتصاديًّا يتراوح بين 3-7%، لكنه لن يكون كافيًا لحل مشكلة البطالة (14%) وتجاوز المشكلات الاقتصادية الأخرى، خاصة أن إيران خسرت الكثير من عائداتها نتيجة العقوبات، وأن الحكومة بحاجة إلى سنوات طويلة لجبر هذه الخسارة.

يرى فريق آخر أن إزالة العقوبات ستترك آثارًا إيجابية مباشرة ومستقبلية على الاقتصاد الإيراني، ومن المعلوم أن لإيران 100-140 مليار دولار، من عائدات النفط المجمدة في المصارف الأجنبية، وهناك ما بين 30 إلى 50 مليار دولار من عائدات إيران المجمَّدة ستتحرر فور التوقيع على الاتفاق.

إن إلغاء العقوبات من شأنه أن يُحدث تغييرًا في بنية الاقتصاد الإيراني، ويوجهها اتجاهات جديدة تفرض سياسات جدِّية فيما يتعلق بالاستثمار الخارجي، والمِلكية وشروط التنافسية.

سيكون الملف الاقتصادي والاستثمار الأجنبي ملف الصراع بين التيار الأصولي وتيار الاعتدال الذي يتزعمه روحاني خاصة أن لكل تيار مقاربة مختلفة على هذا الصعيد.

على صعيد العلاقات الإيرانية-الأميركية، يبرز السؤال حول تأثيرات توقيع الاتفاق على التعاون والتنسيق الإيراني الأميركي، وهل إنجاز الاتفاق يعني بالضرورة تزايد التنسيق بين الجانبين فيما يتعلق بالقضايا والملفات الإقليمية؟ تأتي الإجابة على هذه الأسئلة مرتبطة بالاستراتيجيات التي ستنتهجها كل من طهران وواشنطن فيما يتعلق بالعلاقة مستقبلًا، ويبدو النموذج الروسي في العلاقة، مرجَّحًا لدى الطرف الأميركي.

هناك عدد من الاستراتيجيات الأميركية للتعامل مع إيران عقب الاتفاق، ترتكز في معظمها على تعيين الفرص وتحديد المخاطر.

تفضِّل إيران النموذج الصيني في التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية، وترجح تقاربًا سياسيًّا محدودًا وتبادلًا للمصالح أكثر منه انفتاحًا على كافة الصعد؛ ويمكن وضع ذلك في إطار "التعاون الانتقائي المتقابل".

قد يفتح الاتفاق الطريق أمام تكوين تعاون إقليمي؛ مما يؤدي إلى تحقيق علاقات جيدة بين إيران وجيرانها، وذلك ينسحب على علاقة الجمهورية الإسلامية مع المملكة العربية السعودية؛ وهذا من شأنه أن يعمل على ضمان تدفق مستقر للنفط، الذي هو في مصلحة الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها.

قد يحدث عكس الاحتمال السابق؛ فالاتفاق سيمنح إيران فرصًا أكبر لزيادة نفوذها ويوسِّع من هامش تدخلها في عدد من الساحات التي لها موالون فاعلون فيها، مثل: سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، والخليج العربي، وسيأتي ذلك على حساب نفوذ عدد من الدول المؤثرة في المنطقة وفي مقدمتها السعودية وتركيا.

الاتفاق من وجهة نظر جيران إيران في الخليج العربي سيعزِّز من قدرة إيران على الهيمنة.

يتركز السؤال بصورة كبيرة على السياسة التي ستنتهجها السعودية لإدارة ملف التنافس والصراع مع الطرف الإيراني وفقًا لهذه المستجدات، وقد يكون الصراع بين إيران والسعودية مؤهَّلًا للوصول إلى مستويات أعلى إذا استمرت الأوضاع في سوريا والعراق على ما هي عليه، فضلًا عن عجز السعودية عن حسم وإنهاء ما بدأته في اليمن.

لا يبدو أن الاتفاق النووي سيُحدث تغييرًا في السياسة الإقليمية لإيران، ولن يثنيها عن مواصلة حضورها في ساحات تصنِّفها بالمهمة لها، مثل: سوريا والعراق، وبدرجة أقل اليمن.

العلاقات الإيرانية-الروسية: وإذا اختار الغرب عدم الانخراط مع إيران في مشاريع اقتصادية بعد الاتفاق النووي، فستكون هذه فرصة كبيرة لروسيا التي ستستفيد من نفوذها السياسي والاقتصادي، وبناء مزيد من الشراكة مع إيران.

تتطلع روسيا إلى الكثير من المزايا الأمنية والاقتصادية والعسكرية التي من الممكن أن تحققها روسيا نتيجة الاتفاق النووي.

لن يكون الاتفاق مانعًا أمام مزيد من التعاون الروسي-الإيراني في الشرق الأوسط، وكذلك الحال في منطقة القوقاز ووسط آسيا رغم التنافس الدولي في تلك المنطقة.

بدون تحول سياسي كبير في العلاقة بين الغرب وإيران، فإن العلاقات الروسية-الإيرانية ستكون الأقوى.

العلاقات الإيرانية-الصينية: تمثل إيران أهمية جيوستراتيجية بالنسبة للصين فيما يتعلق بتوجهاتها نحو الغرب، وسيكون الاتفاق النووي عاملًا مهمًّا لتعزيز العلاقات الثنائية بين إيران والصين.

ضمن البُعد الجيوستراتيجي في العلاقة، فإن مشروع إعادة إحياء طريق الحرير، بات "سمة مهمة من سمات السياسة الخارجية الصينية الحالية"، وسيحرِّر إلغاء العقوبات البلدين من القيود التي كانت تعوق الكثير من المشاريع المتعلقة بالنقل والطاقة.

تأتي أهمية إيران الاستراتيجية في هذا المشروع بوصفها جسرًا بين الشرق والغرب، ورغم وجود جسور أخرى بالنسبة للصين إلا أن المسار الإيراني يعد الأهم من بينها والأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.

أما الهند فسيمكِّنها الاتفاق النووي من زيادة وارداتها من النفط الإيراني، وقد تقدمت بطلب رسمي بذلك حال إمضاء الاتفاق وتخفيف العقوبات.

ومن المتوقع أن يعزز الاتفاق النووي من العلاقات البحرية بين إيران والهند خاصة مع وجود بعض المشاريع التي أعاقتها العقوبات، وفي مقدمتها ميناء شاه بهار المطل على خليج عمان.

في المحصلة يمثِّل الاتفاق ربحا استراتيجيا لإيران، يعزِّز من مكانتها الإقليمية، وبدون إدارة واعية للأزمات فإن الاتفاق سيقود إلى مزيد من أقلمة الصراعات في المنطقة مما قد يزيد حدَّتها وامتدادها زمنيا وجغرافيا.

ان ما خلص اليه التحليل من نتائج يمث وجهة النظر الخليجية لهذا الاتفاق النووي المهم بين ايران ومجموعة 5 + 1 لاسيما وان هذا الاتفاق قد جرى نتيجة مباحثات استمرت اثنا عشرة سنة أثبتت خلالها السياسة الايرانية قوتها وتفوقها وهي تواجه بلدانا غربية لهم الباع الطويل في السياسة الدولية ، وعليه ومن خلال هذا الاتفاق لابد ان تكون هناك صحوة من الشعوب العربية والاسلامية للوقوف أمام الجبروت الامريكي الغربي الذي يحاول فرض ارادته على شعوب المنطقة والعالم من خلال فرض سياسة الاملاءات والتحكم بمصير الشعوب ، وعلى شعوب المنظقة جمعيا النأي بالنفس عن تطبيق سياسة التشدد والتطرف لاسيما الديني الذي بدأ بحكم المنطقة من حيث شعرت الحكومات بذلك ام لم تشعر وعدم اتخاذ الطرف الاخر كعدو لدود لان الواقع الجغرافي يفرض غير ذلك من اجل التعايش السلمي لدول المنطقة بالذات .

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف