البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

June / 20 / 2017  |  1119قراءة واستنتاجات في : العلاقة الجديدة بين السعودية والعراق

حيدر محمد الكعبي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية نيسان 2017
قراءة واستنتاجات في : العلاقة الجديدة بين السعودية والعراق

ليس من شك ان السياسة الخارجية للعديد من الدول العربية تتّسم بكثير من السذاجة وقصر النظر، وموقفها السابق تجاه العراق من الأمثلة التي تؤكد ذلك.

فأثناء الكوارث الأمنية والسياسية التي المّت بهذا البلد منذ العام 2003 كانت تلك الدول تغذّي عن قصد تلك الكوارث انطلاقا من رؤى تفتقر الى العقل والمنطق السليم، ومن هذه الرؤى: أن العراق ساحة لتمدد المذهب الشيعي أو أنه جبهة ايرانية متقدمة ضد العرب أو أنه دولة مثالية للابتزاز السياسي والاقتصادي.

ولكن مؤخراً.. وبعد أن تمكّن العراقيون من تحقيق انجازات كبيرة على الأرض، اضطرت الدول العربية الى النظر للعراق بشكل مختلف، وأن تعيد حساباتها لتتخذ مواقف ايجابية سريعة من ورائها مآرب عدة سنعرض لها في هذا المقال.


شعب سريع التغير:

لقد غاب عن كثير من العرب أن العراق يختلف عن غيره من الدول ذات التنوع المذهبي والقومي، لأن شعبه بات يتصف بقدرة كبيرة على التغيّر، وذلك ما ينفعه في سرعة تجاوز الأزمات بشكل لا يعهد لدى غيره من شعوب المنطقة.

فنظرا للتجارب المريرة التي مرت بالعراق منذ العهد العثماني مرورا بالجمهوري وانتهاء بالدكتاتورية البعثية، فان المجتمع اكتسب قابلية على التغيّر الاجتماعي، وهذه القابلية بدأت ببطء ثم ازدادت سرعة[1] ، ونتيجة لذلك فان العراقي لم يعد يحب التمسك بالقضايا التي يشعر انها تزيد من معاناته، ففي الوقت الذي تضحي فيه بعض الأمم بكل شيء في سبيل قضايا سياسية أو دينية أو قومية.. فان أغلب الشعب العراقي لم يعد كذلك.

ولقد اثبتت الاحداث أن العراقيين يمتلكون قدرة كبيرة على التغير عندما تسعفهم الظروف، وتجلّت تلك القدرة مؤخراً في أمرين اساسيين، احدهما: الانفكاك العام عن اغلب الساسة بعد ان ثبت أنهم مجموعة من الخونة أو المقصّرين، وثانيهما: الاستجابة العامة لفتوى الجهاد الكفائي التي اطلقتها المرجعية الدينية لصد غزو داعش ودفع خطره الماحق.

على ان ما نقرره من انجازات عراقية لا نقصد به المديح، وبخاصة أننا نعلم بأن العراقيين بعد كل المصائب التي المّت بهم صاروا يتصفون بحالة مزمنة من الشعور بدونية الذات والميل لجلْد النفس، ومن المؤكد انهم لن يركنوا لأي تقدير ايجابي لهم مهما كان ذلك التقدير واقعياً، ولكن ذلك لا يمنع من الحديث عن واقع لا بد من ذكره لصلته الوثيقة بموضوع المقال.

كما أن القابلية على التغيّر الاجتماعي السريع قد لا تصب دائماً في مصلحة هذا الشعب، فقد تكون هذه الصفة سبباً في تعقيد مشكلاته، ولكنها على كل حال قد ساعدته اليوم كثيراً على النهوض بواقعه واغنته بتجربة لم يكن قد خبرها عبر تاريخه المعاصر كله.

وأيا يكن الأمر، فإن المزاج العراقي يتجه حالياً بسرعة نحو تناسي خلافاته، لقناعته بأن الصراعات الداخلية ما هي إلا وسيلة بيد آخرين لتقويض مصالحه، وإن أغلب طوائف الشعب قد بدأت تميل الى التمسّك بعناوين اكثر شمولية تجعلها تعيش بسلام مع غيرها من الطوائف.   

العراق في ساحة التنافس:

معرفة طبيعة الحالة العراقية الداخلية قد غابت عن كثير من صناع القرار في الدول العربية لعدم إدراكهم لسرعة التغيّر في هذا الشعب، ومع نمو رغبة العراقيين في اتباع عناوين شاملة توحّد صفّهم الممزّق كما اسلفنا؛ بدأت بعض الدول تطمع في استغلال هذه الرغبة لجذبه الى جهتها، واحد أهم علامات ذلك ما تظهره السعودية من تودّد تجاه العراق تحت عنوان شامل اسمه "العروبة"[2] .

ان السعودية بدأت تفهم مؤخراً أن العراق - انطلاقا من مزاجه الحالي- لا يمكن أن يكون خاضعا لتوجّهات تُفرض عليه من الخارج، وذلك يعني بأن المساعدات الكبيرة التي تلقاها العراقيون من ايران لمواجهة خطر داعش لم تحولهم الى مجرد أتباع لها، والأمر ينطبق على كل من مدّ يد المساعدة للعراق بما في ذلك امريكا نفسها.

وهذا ما شجّع السعودية على اعادة علاقاتها مع البلد الذي اثبت أنه قادر على تجاوز المحن بنجاح وأن بقاءه مجرد بلد فاشل تدار فيه الصراعات الاقليمية أمر مستبعد، لذا فان السعودية تشعر بضرورة استثمار الفرصة في اعادة التواصل معه قبل أن يقوى عوده ويستغني بحلفائه الذين وقفوا الى جانبه في وقت الملمّات.

ان احد النظريات الفاعلة في دراسة حالة الشرق الاوسط تشير الى أن التنافس الاقليمي بين دولتي ايران والسعودية لن ينتهى بعد مرحلة داعش وأن هذا التنافس امر وجودي للبلدين، وفي ضوء هذه النظرية نفهم بأن السعودية تأمل في استمالة العراق الى جانبها وابعاده عن ايران لإفقادها حليفاً اقليمياً وضمّه الى الطرف الآخر أو جعله على الحياد، مما يجعل تصرفات السعودية الايجابية الاخيرة مع العراق تُفسّر على اساس معادلة التنافس بينها وبين ايران في المنطقة.

توجهات امريكا الجديدة:

هنالك تفسير آخر مفاده: ان السعودية قد ايقنت في الآونة الأخيرة بأن زمن هيمنتها على الشرق الاوسط قد ولّت من دون رجعة، وبخاصة مع تخلي الولايات المتحدة عن دعمها المباشر لها نظراً للتوجهات الامريكية التي يقودها (ترامب) بعقلية اقتصادية بحتة. 

ومع التجربة المريرة التي تمر بها السعودية في حربها مع الحوثيين والتي ثبت فشلها عقب مرور أكثر من سنتين، فقد ثبت للسعوديين أن المواجهة الخشنة لن تجديهم نفعاً وفق الظروف الحالية، لذا فان المجدي للمملكة السعودية أن تقوم – بوازع من امريكا نفسها- باتباع سياسة جديدة تكون الدبلوماسية منهجها الأساس، فتسعى جهد الإمكان الى اطفاء النائرة وتهدئة الاجواء وفتح علاقات حسنة مع جميع الدول التي كانت تمارس معها سياسة العداء، ويمكن تفسير تقاربها الجديد مع العراق في ضوء ذلك.

ولا ريب في أن السعودية وجدت أن الأموال والجهود التي كانت تستهلكها لإشعال الفتنة الطائفية في الداخل العراقي لم تعمل شيئاً، بل زادت من التقارب العراقي مع ايران وقوّت جبهته الداخلية، كما ان دعم السعودية للأطراف السياسية العراقية الموالية لها لم يثمر عن فائدة ملموسة، وبخاصة في مرحلة طرد داعش من العراق، فالطوائف العراقية الجنوبية – التي يشكل الشيعة القسم الاكبر منهم- يقاتلون في الشمال لتحرير اراضي أهل السنة من الارهاب، ولا بد من ان يكون لذلك انعكاسات اجتماعية عميقة تجعل المؤامرات السياسية غير مجدية في المرحلة المقبلة.

لذا نجد أن وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" قد أكد اثناء زيارته الى العراق على أن بلاده تدعم وحدة واستقرار العراق، مشدّداً على أن "المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات العراقية"[3] .

واجمالا فان انسحاب الاهتمام الامريكي بالمنطقة جعل السعودية في وضع أكثر ضعفاً، ويجعلها تضطر الى العدول عن سياساتها الصدامية التي اتصفت بها في السنوات السابقة.

قوة عسكرية صاعدة:

بسبب غزو داعش للعراق، فانه بات يمتلك ثلاث قوى عسكرية رئيسة ذات مراس وخبرة يحسب لهما حساب، وهذه القوى الثلاث هي:

• الجيش العراقي: لم يعد هذا الجيش تشكيلاً ضعيفاً ينسحب أمام الخطر الذي يواجهه، فقد اثبت اليوم بأنه قادر على أن يخوض مهمات عسيرة غالبيتها تشبه حروب المدن ويعمل على مواجهة كثير من الانتحاريين داخل مفخّخاتهم الخطيرة.

• الحشد الشعبي: لا ريب في أن لهذه القوة الفضل في تلافي انهيار الدولة العراقية عقب غزو داعش، كما انه القوى الساندة التي دفعت باقي القوى المسلحة الى استعادة عافيتها، وهو القوة التي تقوم على اساس عقائدي مما يجعلها ذات سطوة كبيرة.

• البيشمركة: هذه القوة الخاصة بالأكراد ذات دور كبير في حفظ أمن إقليم كردستان، وترفع عن كاهل القوى الامنية العراقية هذه المسؤولية، ومعركة تحرير الموصل اثبتت أنها قادرة على ان تتعاون مع الجيش العراقي وغيره بشكل مؤثر.

إن هذه القوى تجعل العراق مهاب الجانب من قبل الدول العربية، ففي الوقت الذي يشكل فيه تهديداً عسكريا محتملاً لها[4]  فانه يمثل حليفا قوياً يعين جيرانه على حماية حدودهم من التهديدات الارهابية التي تنتشر في جميع انحاء الشرق الاوسط.

وعلى هذا الاساس، يمكن أن نفهم أن التقارب السعودي من العراق ينطلق من مفهوم أمني، فالسعوديون يخشون خطر القوة العسكرية العراقية وبالذات مع وجود الحشد الشعبي ضمن تصنيفاتها، هذا الحشد الذي تعلن أغلب فصائله معاداتها للسعوديين، لذا فهم بحاجة الى توقي هذا الخطر من جانب، كما انهم بحاجة الى الافادة من هذه القوة لحماية حدودها الشمالية من تحركات الإرهابيين، وبمعنى آخر فإن السعودية تحتاج من العراق حالياً أن يحمي حدودها الشمالية لا أن يكون مصدر تهديد لها.

قرابين التودد السعودي:

بادرت السعودية بمنهج التقارب من خلال زيارة وزير خارجيتها "عادل الجبير"  للعراق في 25/2/2017 وهي زيارة تعدّ الأولى من نوعها منذ أكثر من ربع قرن على إغلاق السفارة السعودية إثر غزو القوات العراقية للكويت في سنة 1990، ويرجّح كثير من المراقبين والمحللين السياسيين بأنّها فرصة لإعادة العراق إلى الحضن العربي، وإعادة العلاقات من جديد مع الجوار، إضافة إلى بناء تحالف قوي لمواجهة تنظيم "الدولة"[5] .

وقد أبدى الوزير السعودي الرغبة ببناء علاقات رصينة، ووعد بإسقاط الديون السابقة عن العراق وفتح الطريق البري بين العراق والسعودية، والسعي لاستحداث خط طيران يربط بين الرياض وبغداد والنجف، مما يعني أنّ السعودية تريد أن تربط أمن الحدود الشمالية وتشاركه مع الجانب العراقي، وتضع العراق تحت مسؤوليات أمنية لتأمين أمنها، خاصة عقب انتشار تنظيم داعش بُعيد هزيمته في الموصل[6] .

هذا يعني ان السعودية قدمت هبات سخية غير معهودة تجاه العراقيين، ومع الاخذ بنظر الاعتبار طول مدة القطيعة بينها وبين العراق، فان القرابين التي تعد بتقديمها تنبئ بأنها تريد من وراء ذلك أشياء أخرى اكثر من مجرد اعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وذلك يؤكد ان الأهداف المحتملة التي ذكرناها من وراء التقارب السعودي تجاه العراق.

هل سيستمر هذا التقارب؟

قد تكون جميع الاسباب التي بيناها سابقاً هي ما دفع السعودية الى اتباع منهج التقارب الجديد مع العراق وقد يكون بعضها..

ولكن مهما يكن من أمر فانه ليس من المتوقع أن يدوم هذا التقارب طويلاً، وذلك بناء على أسلوب السعوديين في ادارة علاقاتهم الدولية.

ان السعوديين لا يؤمنون بعلاقات الاحترام والمصالح المتبادلة مع الاشقاء العرب، بل يريدون في الغالب أن تكون تلك الدول تابعة لرغباتهم السياسية حسب، وهم في بادئ الأمر يكونون أسخياء من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن سرعان ما يقلبون ظهر المجن عندما لا يجدون أن سخاءهم قد حوّل الآخرين الى أدوات طيّعة في أيديهم.

والعلاقات السعودية - المصرية الاخيرة هي افضل مثال على هذه الحقيقة، فعلى الرغم من أن مصر لها ثقل كبير ورابط مذهبي مهم مع السعودية - مقارنة بالعراق- إلا أن السعودية سرعان ما أوقفت دعمها السخي لمصر وعزفت عن التودد لها عندما وجدت أن مصر لم تتحول الى دولة تابعة تنساق مع رغباتها، وبالتحديد عندما مالت مع الموقف الروسي في ما يخص الاوضاع في سوريا[7] .

وكذا الحال في قطع السعودية للمساعدات الضخمة التي رصدتها للبنان عندما لم تستنكر الحكومة اللبنانية إحراق السفارة السعودية في طهران ولم تناهض سياسة حزب الله اللبناني .

 بل الامر كذلك حتى في علاقاتها بالولايات المتحدة، حينما أخذت السعودية تشاكس الرؤية الامريكية في الشرق الاوسط بسبب امضاء الولايات المتحدة للاتفاق النووي الايراني، لولا أن أمريكا أوقفت السعودية عند حدّها بالتهديد الاعلامي والاقتصادي الذي تمثّل واضحاً في احياء قضية الحادي عشر من سبتمبر واتهام السعودية بالمشاركة فيها، بالإضافة الى تشريع قانون "جاستا" الذي يسمح بتجميد الاصول السعودية في البنوك الامريكية.

وعلى هذا الأساس، فليس من المتوقع ان تدوم العلاقات الطيبة بين العراق والسعودية، بل من المتوقع انهيارها بين لحظة واخرى، فمن الواضح لدى الجميع أن لدى العراق توجّهات خاصة سوف تتقاطع عاجلا أم آجلا مع التوجهات السعودية في الشرق الاوسط، وبالذات فيما يخص القضايا المتعلقة بسوريا واليمن ولبنان والبحرين، فضلا عن علاقته الاستراتيجية بالجمهورية الاسلامية في ايران.

------------------------------------

[1]  ينظر: مقال (علي الوردي والتغير الاجتماعي في العراق)- د.ابراهيم الحيدري- موقع الموصل بتاريخ 30/7/2013.

[2]  رفع السعوديون لوحات استقبال المنتخب العراقي في الرياض استخدمت فيها مفردة «عراق العروبة».

[3]  الجبير في أول زيارة للعراق منذ 14 عاما : نتطلع للعمل معا ضد الإرهاب- بي بي سي عربي بتاريخ 25/2/2017.

[4]  لدى العراق تاريخ عدواني سابق ضد جيرانه العرب مما يزيد في احتمالية تكرر هذا العدوان بالنسبة لهم.

[5]  ينظر: العلاقات السعودية العراقية.. تقارب حذر بعد شد وجذب دام ربع قرن- صحيفة الخليج اون لاين بتاريخ 1/4/2017.

[6]  المصدر نفسه.

[7]  ينظر: مقال بعنوان (لا بريطانيا عظمى ولا دول الخليج محميات) نشرته صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 12/12/2016.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف