البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

May / 29 / 2017  |  1783التهديد العالمي للأيديولوجية الوهابية

المركز الفرنسي لأبحاث الاستعلام - CF2R : http://www.cf2r.org January 18, 2017
التهديد العالمي للأيديولوجية الوهابية

تقرير عن الندوة التي نظمها : المركز الفرنسي لأبحاث الاستعلام

التحرير: للمرة الأولى في فرنسا، خُصِّصتِ ندوة لتحليل الإيديولوجية الوهّابية وفضحها، بما هي المحرِّك الحقيقي للإرهاب الإسلامي المعاصِر في فرنسا وفي العالم. انعقدت الندوة بحضور العديد من الخبراء المشهورين.  الذين كشفوا عدوانية السياسة السعودية ووهابيتها كما كشفوا نفاق الغرب في التعاطي المتواطئ والزبائني مع مملكة تصدير الإرهاب.

ثماني نقاط مهمّة نتجت من هذه الندوة:

1 - [الوهابيّة] هي أيديولوجية ضارّة وغير شرعيّة:

كما يُذكر بيار كونيزا (Pierre Conesa)، فإنّ الوهابيّة هي أيديولوجية دينية طائفية متعصّبة جدّاً ومعادية للسّاميّة وعنصريّة ومعادية للمرأة، تطمح للعودة إلى نمط الحياة زمن النبيّ. أمّا بالنسبة لـ آلان كورفاز (Alain Corves) فإنّ الوهابيّة هي «عقيدة ماضويّة»، وهي بشكل جليّ، أيديولوجية متطرّفة، أفكارها قديمة وتطفح بالكراهيّة، إنّها انحراف عن الإسلام، ظهر كمذهب في القرن الثامن عشر، إنّها تمثّل تيّاراً أقليّاً داخل الإسلام سُخِّرت المملكة السعودية لنشره.

آلان كورفاز (Alain Corves) شرح كيف تمكّن هذا المذهب الأقليّ من فرض نفسه في جزء كبير من شبه الجزيرة العربية من خلال التحالف بين عائلة آل سعود المقاتلة وبين دعوة الصّوفي[1] [محمّد بن] عبد الوهّاب، للعودة إلى أصول الإسلام الأوّل.نتج من ذلك التحالف تأسيس دولة أخذت اسم (المملكة السعودية) من اسم مؤسسها (سعود)، استفادت [في القرن العشرين] من الدعم الاستراتيجي للبريطانيين، ثم لاحقاً من دعم الأمريكيين منذ توقيع معاهدة شباط  1945 على متن الطرّاد كوينسي (Qwincy). وبذلك امتدّ نفوذ هذه الدولة ليشمل شبه الجزيرة العربية بأكملها، بل تعدّاها ليشمل مناطق خارجها، وذلك بفضل ما تمتلكه من ثروات طبيعيّة.

مستشهداً بكلام كريم إفراق (Karim Iifrak) ذكّر آلان كورفاز بأنّ “الوهابية هي حركة أصولية ذات أسس سياسيّة ـ دينيّة بنى عليها آل سعود شرعيتهم الدينيّة.

ترتكز الوهابية على تأويل مُجمَل للنصوص، ومؤيّدو الوهّابية، الذين هم ضحايا نظرة مثالية للإسلام، يُبشِّرون بالعودة إليه في صيغته الأكثر أصالةً، إنّهم يعتبرون أنفسهم الأجدر بوراثة السلف (الأقدمين التقاة)، وبالتالي فإنهم لا يتردّدون في وصف بقية المسلمين بالمنحرفين، بل في وصف بعض المسلمين بأنّهم بِدعِّيون (أهل بدعة). تطمح الوهابيّة أيضاً، عبر دعوة دينيّة مدعومة ماليّاً وإعلاميّاً، تطمح إلى دفع غير المسلمين إلى التحوّل إلى الإسلام، والمسلمين إلى تبنّي رؤاها.

إنّ هذه الأيديولوجية الأصوليّة تزعج، اليوم، المؤمنين (المسلمين) الصادقين الذين يرون دينهم مهتوك العِرض ومتّهماً بسبب هذه الرؤية التجدَيفيّة، التي تأمر جميع المسلمين بقتل غير المسلمين، لقد وجدت الأيديولوجية الوهابيّة، ولسوء الحظ، أشكالاً من الدعم وحلفاء مقتدرين ومؤثرين، يوظفونها لغايات استراتيجيّة، مُغذِّين كذلك الإرهاب.

أوضح آلان كورفاز، أنّه قد تولّدت حركة من الرفض الجماعي للإسلام، كردّ فعل على الإرهاب التكفيري، وذلك في أوروبا، وخصوصاً في فرنسا، صحيح أن التنديد بهذا الانحراف الإجرامي من قبل السلطات الدينية السنّيّة لم يكن، وللأسف، مسموعاً إلاّ بشكل ضعيف في وسائل الإعلام.

ومع ذلك، وقع حدث ذو أهمية قصوى في غروزني (الشيشان) في الفترة الواقعة بين 25 و 27 آب 2016 حين ندّد جمع من العلماء السنّة من كلّ بقاع العالم، ومن بينهم علماءُ الأزهر ـ ندّدوا بالتيارات المنحرفة عن الإسلام السنّي، التي تحضّ على الإرهاب، وخصوصاً الوهابيّة، كما أصدروا فتوى ضد تلك التيارات لأجل تمييز الإسلام الحقيقي من الخطأ، ونشروا بياناً يدعو السلطات السياسية إلى دعم الهيئات الدينيّة المعتدلة.

حسب المازري حدّاد (Mezri Haddad)، فإن المشاريع الإسلامويّة السياسية والدينية الموجّهة من قبل الإيديولوجية الوهابية ليست سوى تعبير عن نفي للإسلام، في هذا الصدد، فإن أسماء هذه التيارات (الوهابية، السلفية، الخ..) يجب أن يُستبدل بها اسم واحد لا غير: الإسلامو فاشية (L’islamo-fascisme).

2 - [الوهابيّة] هي أيديولوجية في خدمة دولة:

كيف تمكّنت أيدويولجية متطرفة وذات أفكار قديمة وأقلية جداً في الإسلام كهذه،  من أن تعرف نُموّاً كهذا؟ لا شيء من ذلك كان ممكناً من دون ما حصل لها من توظيف من قبل أسرة مالكة استولت على دولة، وسخّرت ولا تزال تسخّر مواردها لتصدير هذه الرؤية المختلفة والمقاتلة للإسلام.

كما يشرح ببار كونينزا، فإن الجهاد كان هو المحرِّك الأيديولوجيّ للهويّة السّعودية منذ تأسيس المملكة، وباسم هذا التبرير  الدينيّ، شنّ آل سعود الحرب على القبائل العربية الأخرى من أجل توحيد شبه الجزيرة [العربية] وتأسيس مملكتهم، ثم قاموا بالعمل نفسه ضد الإمبراطورية العثمانية.

في الكتب المدرسيّة السعودية، يوصف الجهاد بأنه فعل بطوليّ وشريف، لأجل هذا مثل السعوديون، دائماً، النسبة الأكبر من المقاتلين الأجانب في صفوف طالبان، أو من الكومندوس الذي نفّذ عملية 11 أيلول/ سبتمبر (15 سعودياً من بين الإرهابيين الـ 19)، أو في صفوف داعش، إنّ “السلفيّة السكونية» ليست سوى إعداد نفسيّ للعنف. إن المملكة العربية السعودية المؤسسة على هذه العقيدة السياسية ـ الدينية، هي إحدى الدول الأكثر رَجعيّة على وجه الأرض.

 هذه الدولة هي مملكة تمامية، أصولية، من القرون الوسطى  يعمد قادتها إلى ترك الأغلبيّة من أفراد الشعب غارقين في الجهل، كل تعليمهم هو قراءة مُوجَّهة جدّاً للقرآن.

إنّها واحدة من الدول الاشدّ ظلماً في العالم، إنّها مَلِكيّة متطرّفة ومنافقة واستعبادية تستهين بالحرّيات السيّاسيّة والدينيّة، وبحقوق المرأة والأجانب، وبالحقِّ في العمل، وتدعم بكثافة الأصوليّة الدينيّة، ما أدّى إلى انتشار الجهاد في جميع أنحاء العالم، مع الأمل الوهميّ بأن تلك المخلوقات التي أوجدتها لن ترتدّ عليها يوماً ما، كما حصل من قبل مع «الإخوان المسلمين».

3 - دعوة دينيّة في جميع الاتجاهات.

تملك الرياض قدرة تأثير وإضرار هائلة بفضل أموالِ النفط، وتستخدم ذلك للعب دور مشعل حرائق من خلال تصدير الوّهّابيّة، التي تسبّبت بحالة النّبْذ التي يعانيها عدد كبير من المسلمين في جميع أنحاء العالم.

بيّن بيار كونيزا أنّ الديبلوماسيّة الدينيّة للمملكة العربيّة السّعوديّة هي مثال للإرشاد وللدعوة الدينيّة، تمارسه دولة خدمةً لأيديولوجية. إنّها مصنع لنشرِ العنصريّة ومعاداة المرأة ومعاداة الناس وكراهية الأغيار. إنّها تمتلك وسائل لوجستيّة غير محدودة، وتتمتّع بحصانة كاملة من العقاب لدى المجتمع الدوّلي الذي رشته المملكة من خلال صفقات بيع النفط وشراء الأسلحة.

إنّها تعتمد في ذلك على شبكة تأثير رابطة العالم الإسلامي، تلك المنظمة غير الحكومية التي تتصرّف بميزانية سنويّة تقدَّر بخمسة مليارات من الدولارات.

إنّنا نُعاني يومياً الآثار المدمّرة للمملكة العربية السعودية في جميع أرجاء العالم، ولا سيّما في فرنسا ـ سواء من خلال سَوْق بعض مواطنيها إلى التطرّف،  أو من خلال الأعمال الإرهابيّة التي تقوم بها ـ كما في الشرق الأوسط.  وهذا يعني أن المملكة تُعتبرُ مسؤولة جزئيّاً عن حالة الفوضى في الشرق ـ الأوسط الذي يتعرّض في أيامنا هذه لعمليّة تخريب (سوريا، العراق، اليمن). منذ عقود، نفذت الوهّابيّة إلى المجتمعات، في الشرق الأوسط، مع هدف ظاهر بوضوح، هو فرض نفسها لتكون المرجعيّة الإسلاميّة والأخلاقيّة الوحيدة.

إن انتشار الوهابيّة يتمظهر، منهجيّاً، في الانقسام بين المسلمين وإقصاءِ وإلغاء  الأقليات غير الإسلاميّة ، ورفض الغرب، وكذلك في الكراهية والعنف والصّراعات.

ذكر بيار كونيزا خصوصاً بأنه في المملكة المتّحدة (بريطانيا) حيث يعيش 2.8 مليون مسلم، يوجد  700 مدرسة قرآنية يرتادها 100 ألف طفل. كما يوجد  مستشفيات شرعيّة ، وأحياء مُعلنة «كمنطقة شريعة» (Sharia zone) خالية من المشروبات الكحوليّة ومن التبغ ومن النساء السّافرات (بدون حجاب) ومن المثليّين الجنسيّين... والأسوأ أنّه قد مُنِح الترخيص القانوني لمحاكم (شرعيّة) إسلاميّة لفضّ النزاعات التجارية والمدنية، وفق القوانين القرآنية، بما في ذلك النزاعات بين الأزواج وبين الجيران. إن الحماية الوحيدة من أي تعسّف، هي أن قرارات هذه المحاكم قابلة للاستئناف لدى المحكمة العليا.  هذه المنظومة التحكيميّة الموازية لم تثر أيّ ردّ فعل في ما وراءِ المانشْ (خارج بريطانيا).

يوجد، طبعاً، الكثير من المسلمين الذين يقاومون هيمنة الوهابيّة ـ ولا سيما في تونس والجزائر والمغرب ـ لكن إلى متى ستستمرُّ مقاومتهم؟ لا أحد يُمدّهم بالعون، ويُخشى ألّا يستطيعوا الاستمرار طويلاً في مقاومة البترو دولارات الإسلاميّة.

4 - علاقة مباشرة مع الإرهاب

بالنسبة لـ آلان روديتر (Alain Roditre)، تمتلك الأيديولوجية الوهابية قدرة عالية بحيث تدفع ـ كما لم يحصل من قبلُ قطّ طوال تاريخ البشرية ـ  بالمئاتِ من الأفراد للتضحية القصوى عبر عمليات انتحارية، كأعمال في منتهى البربرية تُنفذ باسم دينها المزيف. إنّها تستحق، إذاً، أن تُدرس بعناية، لأنّنا عندما نحاربها، فإننا لا نحارب منهجاً متطرفاً في القتال فحسب، بل نُحاربُ من يستخدمها والأهداف من استخدامها.

وبالنسبة لـ آلان كورفاز، فإنّ تنظيم القاعدة، الذي أسِّس في أفغانستان لمحاربة السوفيات، كان هو البنية الأولى التي جمعت الجهاديين، بتمويل من المملكة العربية السعودية والمخابرات الباكستانية، ودعم من وكالة المخابرات الأميركية (CIA).

و ذكّر بأنّ «الوهابية قد أوجدت الإرهاب الذي نما بفضل أنواع الدعم الذي وفّرته قوى عديدة لاستعماله لغايات استراتيجية، بغية الطّعن في سمعة الإسلام، بسبب عمليات الخلط التي سارع بعضهم للقيام بها”.

مع الحرب في سوريا، ضاعف الجهاديون منظماتهم، حسب انتماءاتهم ومصادر تمويلهم، مع كونهم جميعاً يستلهمون [عقائدياً وفكرياً وعملياً] من الوهابية، ويُبدون الوحشيّة نفسها. إنّ هدفهم هو أن يطيحوا، باسم الإسلام، بنظام الحكم العلماني في دمشق، ما جرّ إليهم دعماً ضخماً من الرياض والدوحة وأنقرة وواشنطن وباريس ولندن.

إنّ داعش ليست سوى انبثاق (Métastase) لسرطان القاعدة، يسعى إلى الأهداف نفسها باسم الأيديولوجية نفسها [الوهابية].

لنذكّر بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية يستمدّ مرجعيته [العقائدية والفكرية] من كتابات ابن عبد الوهاب والإخوان المسلمين، إذاً داعش والمملكة العربية السعودية تنتميان إلى الأيديولوجية نفسها .

إنّ هؤلاء المتطرّفين يهاجمون الجميع: الغرب طبعاً، وفرنسا خصوصاً، لكن يهاجمون أيضاً الدروز والمصريين والباكستانيّين واللبنانيّين وحزب الله والإيرانيّين والمسيحيين والشيعة.. كما يهاجمون السنة الذين لا يشاركونهم رؤيتهم حول الإسلام.

إذا كان التمويل المباشر، الذي تمنحه المملكة العربية السعودية للإرهاب، يبدو أنه قد قُطع، فإنّ المملكة، الداعم الأيديولوجي والمالي للوهابيّة، تسمح لبعض رعاياها الأغنياء، ولمنظماتها غير الحكومية ولبنوكها بدعم تنظيم داعش.

وتستمر رابطة العالم الإسلامي بتوزيع الأموال لمنظمات تستخدمه لإطلاق الجهاد، وهكذا فإن دعم داعش يستمرّ عبر قنوات عديدة تنطلق من العالم العربي، إن تنظيم «الدولة الإسلامية» يستقبل مقاتلين جُدُداً وإمدادات، ويدير أعمالاً تجارية متعددة وغير مشروعة لتأمين تمويله، إذاً، إن تنظيم داعش بعيد عن حالة الاختناق، وذلك بفضل الرعاية التي يلقاها من الرياض والدّوحة أو أنقرة.

إضافة إلى ذلك، فإنه توجد معطيات عديدة تنحو إلى إثبات أن المملكة العربية السعودية وقطر يمكن أن تكونا قد زوّدتا بالسّلاح، منظماتٍ إرهابيّة تعمل القوات الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي ضدها.

أكّد ريشارد لابيفيير (Richard La Beviere) على وجود تمويل مباشر وغير مباشر من قبل الرياض عبر البنوك والمنظمات غير الحكوميّة السعودية. كما فضح الدور الغامض الذي لعبته البنوك السويسرية والإيطالية خصوصاً، لقبولها باستقبال أموال سعوديّة يشتبه أنها مُوجّهة لتمويل الإرهاب.

من أجل إثبات اللعبة المزدوجة التي أفحم الغربيون فيها أنفسهم، بصناعتهم لعدوّهم، صوّر لنا رينارد لابيغيار كلامه من خلال ثلاثة أمثلة:

ـ خلال عملية الأقصر [مصر]، التي قتل فيها تنظيم الجماعة الإسلامية [المصري] 62 سائحاً، أكدت معطيات عديدة أن تمويل العمليّة كان قد أصبح ممكناً بواسطة شركة ماليّة تُسمّى «التقوى»، إن هذا البنك [التقوى] المتمركز في البهاماس وفي لندن وكذلك في زوريخ (الاعتماد السويسري / Le credit Suisse) يعمل كبنك للإخوان المسلمين، ويمكّن من تمويل هجماتهم الإرهابية، بفضل أموال ممنوحة من المملكة العربية السعوديّة.

وكدليل على الإزدواجية والنفاق اللذين يسودان، ترفض كارلا دل بونتي (Carla Del PONTE) فتح تحقيق [قضائي] حول هذه المسألة لكي لا تدفع السعوديين إلى مغادرة الساحة المالية السويسرية.

بمناسبة الهجمات المرتكبة ضد السفارتين الأميركيتين في نيروبي [كينيا] ودار السلام [تنزانيا] سنة 1998، تبيّن أن المنظمة الإسلامية غير الحكومية المسماة الرحمة الدولية (Mercy international) قد ساهمت في تمويل العميلتين.

وأخيراً، فإنّ تمويل نشاطات الجماعة الإسلامية الجزائرية المسلّحة (GIA) قد حصل بواسطة أموال سعودية عبر بنوك سويسرية.

5 - العدوانُ المسلَّح على دولٍ جارَة.

إنّ المملكة العربيّة السعوديّة، التي لم تكتفِ بتصدير الوهّابية إلى جميع إرجاء العالم وبما قدّمته من دعم للجهاديين، تدخّلت في البحرين بمناسبة الرّبيع العربي (2011) لتقمع بشكل دموي ثورة شعبيّة من دون أن يستاء أحدٌ. بالإضافة  إلى أنّ حرْباً دمويّة قد شنت على اليمن منذ سنتين (عملية عاصفة الحزم)، التي يبدو أنّها لا تهمّ الكثير من الأطراف عكس الصّراع في سوريا.

منذ [يوم 26] آذار/ مارس 2015، قرّر تحالف دوليّ تقوده الرياض بإرجاع السلطة إلى حكومة عبد ربه منصور هادي، لمنع إقامة نظام شيعيّ على حدودها [السعودية] الجنوبية، وجد السعوديون، في هذا النزاع، دعماً من الولايات المتحدة الأميكية التي زوّدتهم بالسّلاح وبالمعلومات وأمّنت تزويد طائراتهم بالوقود [في الجوّ]، لقد خلّفت المعارك حتى الآن [يناير 2017] 10.000 قتيل، الكثير منهم مدنيّون، و30.000 جريح.

تقصف المملكة العربية السعودية بشكل ممنهج، ودون أيّ رحمة، البنية التحتيّة للبلاد ـ بما في ذلك المستشفيات والأحياء التاريخية في صنعاء، هذه المدينة القديمة التي يقارب عمرها 258 سنة ـ وتمارس حصاراً على المناطق الثائرة، إلى حدّ أنّ الملايين لم يعودوا يجدون ما يأكلونه، كما أن ثلاثة ملايين من السكان هربوا من مناطق القتال.

6 - غياب المشاركة في محاربة تنظيم داعش

ما عدا ما تقوم به المملكة العربية السعودية ضدّ الشبكات الإرهابية الناشطة على أراضيها والساعية إلى الاستيلاء على السلطة، فإن المملكة لا تشارك في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يتبنّى ـ أيديولوجية قريبة من الوهابية، أضف إلى ذلك، إنّ عدد السعوديين تحديداً نسبة إلى المقاتلين الأجانب [في داعش] مرتفع.

للمفارقة، فإن الرياض، ولكي تشنّ حربها العدوانية على اليمن، كانت قادرة على أن تحشد حولها تحالفاً دوليّاً يضمّ 150.000 رجل.

بهذه المناسبة، سحب السعوديون الطائرات الخمس عشرة الحربية التي كانت تشارك، بفتور، في عمليات القصف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق.

وفي نيسان 2015 وحده، قام التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بأكثر من 1700 غارة جويّة، بما يصل أحياناً إلى 80 غارة في اليوم، كنّا نودّ أن نرى هذه الإمكانيات موجهة ضد داعش.

بالنسبة لـ بيار كونيزا فإن المملكة العربية السعودية هي، في الواقع، في خطر، لأنها ترفض محاربة تنظيم داعش، الذي تجد أطروحاته صدى إيجابيّاً عند قسم من المجتمع في المملكة.

وليس ذلك بسبب المصادفة، في الوقت الرّاهن، إنّ المبادئ التي تطبقها الدّولة السعودية ـ القوانين القرآنية [الشريعة] وعداء الكافرين (غير المسلمين) ـ تقترب من مبادئ تنظيم داعش.كلاهما يقطع الرؤوس بكثرة وعلناً، ويكره الشيعة. وهكذا، فإنّ المجتمع في المملكة العربية السعودية لا يمكنه أن يفهم أنّ المملكة تواجهُ الجهاديين. والحال أنّه، في كل مرّة يجد النظامُ السعوديّ نفسه في خطر، فإنه يستنجد بـ «الكفار» الغربيين.

هذا ما حصل سنة 1979، عندما حرّرت قوات فرنسية من «مجموعة التدخل في الجندرمة الفرنسية» (GIGN)، المسجد الكبير في مكة [الحرم المكّي] من قبضة طلبة أصوليين، أو سنة 1991، لما تدخل الجنود الأميركيون إثر غزو العراق (بقيادة صدام حسين) الكويت.

7 - تواطؤ الغرب:

بالرغم من الديبلوماسية الدينية العدوانية للمملكة العربية السعودية، وبالرغم من دعمها للجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا، وبالرغم من الشك في حجة مجهوداتها في محاربة القاعدة وداعش، وبالرغم من جرائم الحرب التي ترتكبها في اليمن، بالرغم من كلِّ ذلك لم نشهد أي نقدٍ يوجِّههُ (الغرب الرسمي) إلى هذه المملكة.

إنَ الضربات السعودية في اليمن ترتقي برغم ذلك إلى مستوى جريمة حرب. لكن لم نرَ أيّ دولة غربيّة تشير إلى هذا الأمر أو تندّد به، فالنزاع اليمني شبه غائب في وسائل الإعلام الغربية. تماماً كالإعلان الأميريكي أنهم ينوون إعادة النظر في دعمهم للسعوديين في هذا النزاع.

منذ هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001، لا يزال الأميركيون يشيرون إلى العراق وإلى إيران، وأخيراً إلى سوريا، كعناصر مثسبّبة للاضطرابات، برغم أنّ [أسامة] بن لادن وأغلب الإرهابيين في هجمات 11/9 كانوا سعوديّين، وبرغم أن الأيديولوجية التي يجاهر بتبنيها الجهاديون التكفيريون هي أيديولوجية الرياض. نحن نشهد، إذاً، إستراتيجية حقيقية لتحالف موضوعي ميكيافيلي مع الإسلام الأشد راديكالية.

ذكّر ميشال رايْنْبو (Michel Raimbaud) بالدّور الجوهري الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية في صناعة العدو، مع المفهوم الجيوسياسي “الشرق ـ الأوسط الكبير”، العزيز على إدارة جورج بوش الابن، والذي يتمثّل في درجته القصوى في صياغة مخطط لتدمير الشرق الأوسط. تُرجم عمليّاً في غزو العراق سنة 2003.

هذا المفهوم تطوّر مرات عديدة تبعاً لهوى النزوات السياسية لواشنطن، خاصة في ثمانينيات القرن العشرين. ففي عهد إدارة ريغان لم تتردّد الولايات المتحدة الأميركية في توظيف الإسلاميين لمواجهة النفوذ السوفياتي، وهكذا ساقتهم إلى عقد اتفاق تحالف مع السعوديين والباكستانيين.

وفي عهد إدارة بوش، لم يكن لمخطط تدمير الشرق الأوسط الكبير من هدف سوى تغيير المشهد السياسي والاقتصادي لمجموع هذا الكيان، من أجل جلب «الديموقراطية» إليه، ومِنْ ثمَّ ضمان الأمان للمصالح الأميركية، في تماشٍ واضحٍ مع النظريات المحافظة الجديدة.

فضح ميشال رايْنبُو التحالفات الظرفيّة التي لوحظ انعقادها بين الأوروبييّن والإسلاميين، إذا ما تذكّرنا حرب أفغانستان سنة 1979، وعمليات القصف، التي وُصفت بـ «الإنسانية» في ليبيا القذافي والثورات العربية أو الحرب في سوريا. للمفارقة، فإن الغرب، في الوقت الذي هو هدف لكراهية الوهابية وعنفها، هو مستمر في دعم النظام السعودي.

إنّ النخب الغربية، سواءً أكانت متواطئة أم على علاقة  زبائنية مع المملكة، فإنها تغض الطرف عن التصرفات السعودية السيئة، على الرغم من أنها تقوّض أسس المجتمع الغربي.

بمناسبة تحقيقاته حول تمويل الإرهاب من قِبل المملكة العربية السعودية، اصطدم ريشارد لا بفيير (Richard LA Beviere) بإيعازات الخارجية الفرنسية التي كان يديرها على التوالي آلان جوبيه (Alain Jupe) ولوران فابيوس (Lawrent Fabius)، إيعازات تتمنّى عليه عدم تسليط الضوء  على تمويل الإسلام الراديكالي من قبل المملكة العربية السعودية.

أكّد بيار كونيزا التعتيم الذي تعرّض له كتابه الأخير الذي كان له الفضل في أنه قد فضح بشكل جليّ ومتين الدبلوماسية الدينية للمملكة العربية السعودية، إنه يطالب بكشف  الغموض في علاقتنا مع مملكة التطرّف هذه.

تجدر الإشارة إلى أنّه توجد في فرنسا على الأقل خمس وكالات استشارية متخصّصة في التواصل (العلاقات العامة)، مهمتها «تلميع» صورة السعوديين عند الرأي العام الفرنسي.

8 - كيف نجتثّ هذا التهديد؟

15 ىسنة منذ بداية الهجمات البربرية التي لا تكفّ عن إسالة الدماء في العالم العربي ـ الإسلامي وفي الغرب وفي فرنسا، والتهديد الإرهابي لم ينقص البتّة.

إنّ أحداث سنتَيْ 2015 و 2016 في بلدنا [فرنسا] هي تجسيد حزين لذلك، ضاعفت السلطات الحكومية الوسائل المخصّصة لمكافحة الإرهاب وأنشأت، بقدر متفاوت من النجاح، جهازاً مكلّفاً بمكافحة نشر الأفكار الأصوليّة.

لكن يجب أن نُسجِّل أن لا شيءَ ملموساً قد عُمِل لمكافحة الأيديولوجيات التي ترتكز عليها هذه الحركاتُ (السلفيّة والوهابيّة والإخوان المسلمون) والدّول التي تدعمها، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، لكن أيضاً قطر وتركيا.

على الصعيد الداخلي:

إنه لأمر جوهري أن نفضح الأيديولوجية الوهابية بوصفها ضارّة ومعادية، تحضّ على الكراهية والإرهاب، وعلى معاداة الساميّة ومتناقضة مع قيم الجمهورية وقوانينها.

إن هذه الأيديولوجية ـ كما أيديولوجية الإخوان المسلمين ـ يجب أن تُشهَر بوصفها خارجة على القانون، وأن تُمنع نصوصها (منشوراتهم) من البيع والتوزيع، وأن تُغلَقَ مساجدها، وأن تُحل مؤسساتها، وأن يُمنع ممثلوها [ الوهابية والإخوانية] من التعبير عن أفكارهم في وسائل الإعلام، يجب علينا أن نحاربهم بأعلى قدْر من الحزم، ما قمنا به سابقاً لمحاربة تنظيم العمل المباشر (Action directe) وغيره من المجموعات الصغيرة من أقصى اليمين يجب أن نطبّقه اليوم مع الوهابيين ومع السلفيين ومع الإخوان المسلمين.

على الصعيد الدُّولي:

إنّ استدارة بمقدار 180 درجة، تجاه النظام السعودي، تفرض نفسها، لأنّ هذه الملكية ترعى أيديولوجية حقود (تدعو إلى الكراهية)، مناقضة لقيمنا، إنها تحرّض على التطرف الديني وتدعمه، بشكل مباشر أو غير مباشر، في جميع أرجاء العالم، وصولاً إلى ضواحينا [ضواحي العاصمة الفرنسية باريس].

من اللائق تجاوز الوعود ـ الوهميّة أحياناً ـ لإبرام عقود عجيبة [مُغرية] وعدم السّماح بأن تُشترى أسلحتنا من قِبل شيوخ مستبدين مطلقي السلطة، الذين يبتعد تعاملهم تجاه شعوبهم وتجاه الأجانب عن القيم والقواعد الديموقراطية حتى أكثر من سوريا وإيران.

على الصعيد الديني:

أخيراً، وحسب آلان كورفاز، فإنّ التحدّي الذي تمثله الوهّابية يجب أن يؤدِّي عند علماء الدين السّنة، كما طلب منهم الرئيس المصري السيسي ـ إلى حدثنة إنقاذية للدين، لتنقية المدوّنة الدينية من جميع عوامل الانقسام، التي أظهرها الإرهاب التكفيري ورسّخها.

إن هذه الأزمة التي سبّبتها هذه الرؤية الجاهلة والحقود والمجملة للإسلام السنّي تؤدي إلى حصول تصدعات وانقسامات في فضائه ، ويمكن أن تدفع كبار العلماء إلى مراجعة القواعد المقدّسة للعقيدة السنيّة لجعلها ملائمة مع العالم الحديث، بتوجيهها نحو المستقبل، على غرار التشيّع الموجّه نحو النبوءة (Propretie/ كشف المستقبل) وانتظار عالمٍ أفضل.

علت أصواتٌ بهذا المعنى، منذ سنتين تقريباً، لمسؤولين دينيّين سنّة كما حصل في قازان (Kazan ) وغروزني (Grazny) سنة 2016، ولزعماء سياسيّين، مسلمين لكن علمانيين، مثل الرئيس السيسي في مصر.

يرى المازري الحدّاد أنه من الضروري أن نقاوم توجه السياسيين الغربيين لإعداد خطاب، تكون وفقه المملكة العربية السعودية قادرة على تأسيس إسلام تسامحيّ (مثلاً: خطاب نيكولا ساركوزي في الرياض سنة 2008).

في مواجهة انحرافات [هذا] الإسلام الطائفي المتعصّب، يؤكّد المازري الحدّاد ضرورة عدم تبني تعامل مجامل، وعلى فضح الأيديولوجية الوهابية، وهو الشيء الذي قام به هو شخصيّاً، لمّا عارض (وتصدّى لـ) مشروع اليونسكو بتمويل، مدارس قرآنيّة في أفغانستان مدعومة من الرياض.

---------------------------

[1] لا علاقة لمحمد بن عبد الوهاب بالتصوف لا فكرا ولا سلوكاً (المحرر).

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف