البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

May / 17 / 2017  |  1180التحديات أمام المملكة العربية السعودية

يؤال غوزانسكي - Yoel Guzansky مركز أبحاث الأمن القومي، التقدير الإستراتيجي - The Institute for Natio 2016 - 2017
التحديات أمام المملكة العربية السعودية

التحرير: تواجه المملكة السعودية تحديات أكبر بإمكانيات أقل، فالتقشف الداخلي يهدد الولاء السياسي، وحرب اليمن مفتوحة على احتمالات خطيرة ولم تحقق أهدافها والعلاقة مع أميركا دون المعتاد. وبنظر الكاتب فإن تطورر العلاقة السعودية مع إسرائيل مرتبط بقدرة آل سعود على الإمساك بالوضع الداخلي.


تقف المملكة العربية السعودية عند مفترق طرق هو الأكثر حساسية في تاريخها. فيُشكل ترافق الانحدار الحاد في أسعار النفط منذ عام 2014 ، والعملية للحساسة للانتقال الجيلي في القيادة التي بدأت في عام 2015 ، مروحةً كثيفةً من التحديات التي تعترض مسير المملكة. وكلّ ذلك مصحوب بالتخريب الذي تمارسه الدولة الإسلامية على الأراضي السعودية، والصراع مع إيران في ساحات عدة (مع الصراع في اليمن على حدودها)، وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة. وهذه العوامل تؤدي إلى مزيد من الشعور بالتشاؤم بخصوص مستقبل المملكة. حتى إن بدا حالياً أن الرياض تمتلك الأدوات الملائمة للتعاطي مع التحديات الحاضرة، من المحتمل جداً أن يكون الاستقرار السياسي في المملكة مضطرباً في السنوات القادمة.

والبحث التالي هو تحليل للتحديات الأساسية على الاستقرار في السعودية، وردود المملكة عليها، وتقييم فاعليتها، والانعكاسات المترتّبة على المنطقة عموماً وإسرائيل خصوصاً، في حال فقدت العائلة الحاكمة قبضتها على السلطة.

الاعتماد على النفط

إن أخطر تهديد للاستقرار السعودي يتجلى في استمرار انخفاض أسعـار النفط. فالدخل العائد من الصادرات النفطية يشكل النسبة الأكبر من عائدات المملكة. ونتيجة الارتفاع الحاد في أسعار النفط على مر العقد المنصرم، راكمت السعودية كَمّاً كبيراً من احتياط العملات الأجنبية، ما سمح لها بتوزيع كميات كبيرة من الأموال على مواطنيها في المراحل المبكرة من الاضطراب الإقليمي. ولكن هذه الاحتياطات تنضب وانخفضت أرصدة العملة الأجنبية من 724 مليار دولار في نهاية العام 2014 إلى 576 مليار دولار في نيسان 2016. وبرغم بقاء هذه الاحتياطات كبيرة، يتطلب سرعة نضوبها وعدم معرفة مدة استمرار انخفاض أسعار النفط تقليصاً في الانفاق وهو ما ينطوي على مخاطر جمّة. فالعجز الكبير يُسد من خلال سحب الأموال وبيع المقدرات، حتى من خلال الدين. وحذّر صندوق النقد الدولي في تشرين الأول 2015 بأنه بناءً على المستوى الحالي لأسعار النفط، سوف يُستنفد احتياط المملكة بحلول عام 2020، إذا ما استمر النضوب بهذه الوتيرة.

في نيسان 2016، بعد عقود على الحديث عن الحاجة إلى التنويع في مصادر دخل المملكة، كشفت السعودية عن خطة طموحة عُرفت باسم «الرؤية السعودية 2030». من إعداد وكالات استشارية خارجية لمصلحة ولي ولي العهد ووزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية محمد بن سلمان، وضعت الخطة هدفاً مرحلياً في عام 2020 من أجل خلق موارد ميزانية إضافية مع نمو كبير في العائدات الآتية من خارج القطاع النفطي عبر تقليص الانفاق وفرض الضرائب. والهدف من وراء ذلك السماح للسعودية بالتخلص من العجز الكبير الذي تعيشه الآن، حتى في السنوات التي تصل فيها السوق النفطية إلى مستوى متدنٍ. كما أن الخطة مُصممة على تعزيز التنمية، من خلال تحفيز النمو وتخفيف البطالة على حد سواء. وتشكل البطالة حسب التقدير الرسمي في السعودية ما يُقارب الـ12 %، لكن البطالة الفعلية أعلى من ذلك بكثير، ولا سميا بين الشباب. كما أن هناك بطالة مُقنعة. فمواطنون كُثر ممن لا يعملون يتميزون بالحصول على رواتب ومنتفعات عالية بصورة استثنائية، فيما آخرون يمتنعون عن أداء الأعمال اليدوية التي يقوم بها عمال أجانب. وقد بدأ فعلاً تخفيض الإنفاق، بما ذلك التخفيضات في دعم الوقود (ارتفعت الأسعار نحو الضعفين في 31 كانون الأول 2015) والكهرباء والمياه.

وبرغم أن الخطّة تركز في تخليص السعودية من الاعتماد على النفط، يبدو أن التنمية في قطاع النفط والغاز ستستمر بشكل كثيف من أجل مضاعفة العائدات منها على المدى الطويل. كما أنه ما من تغيير، أقله لغاية الآن، في السياسة السعودية في ما يخص السوق النفطية العالمية. وللمملكة مصلحة كبيرة في ثبيت أسعار النفط على أعلى مستوى، لكنها ليست مستعجلة من أجل الحدّ أو تخفيض انتاجها في إطار اتفاق بين الدول المنتجة للنفط، حيث لا تثق بأحد. فأسوأ سيناريو أمام السعودية يتجلى في عدم التزام الدول الأخرى المُنتجة للنفط (إذا ما جرى التوصل إلى اتفاق) وإقدامها على سحب جزء من حصة السعودية في السوق. وهو وضع من شأنه أن يحصل في حال لم ترتفع الأسعار النفطية كما هو مُتوقّع، وعندها تقلّ العائدات النفطية الخاصة بالسعودية. إضافة إلى ذلك، كسياسة طويلة الأمد، لا تدعم السعودية الارتفاع الحادّ جداً في الأسعار الذي من شأنه أن يكون لمرحلة مؤقتة، لأنها تتخوف من أن يؤدي ذلك إلى تسريع تنمية البدائل النفطية والتنقيب المُكلف عن النفط، ويؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى زيادة الإمداد بالطاقة ودفع الأسعار إلى الهبوط أكثر. لذا تبقى خطة تقليص الاعتماد على النفط هي السبيل الأجدى أمام السعودية من أجل التخلص من المعضلات طويلة الأمد المرتبطة بالسوق النفطية.

على الورق، تعكس الخطة السعودية مروحة من الأهداف والإجراءات الضرورية اقتصادياً من أجل بقاء المملكة على المدى الطويل. في الوقت نفسه، من الجدير تقييم جدوى تطبيق الخطة بالاستناد إلى المادة المُعلنة. ومن المشكوك فيه بشكل خاص هو ما إذا كان الاعتماد على النفط سينخفض بشكل كبير بحلول عام 2020. فإذا كان ثمة ارتفاع في أسعار النفط مرة أخرى، فمن المحتمل أن يكون هناك ضغط عام متزايد على التخلي عن إجراءات الترشيد، والحافزية من أجل الإصلاح البنيوي الاقتصادي ستخبو. والدليل على ذلك يمكن إيجاده في الخطة المماثلة التي صدرت عام 2000، بعد انخفاض أسعار النفط في تسعينيات القرن الماضي. وجرى التخلي عن الخطة عام 2003 حين عادت الأسعار النفطية إلى الارتفاع. علاوة على ذلك، في حال استمر انخفاض أسعار النفط، وهو إحدى فرضيات الخطة الأساسية، سيصعب على المملكة تمويل الاستثمارات الضرورية من أجل التنمية المُعجلة للقطاع غير المعتمد على النفط.

لكن التحديات الأساسية لتطبيق الخطة مرتبطة بالحاجة إلى تنمية اقتصاد المملكة المُحافظ والمُغلق، وأقلمته مع القوانين التي تحكم الاقتصادات المعاصرة. فثقافة المشاريع الحرة، التي تُعد ضرورية للتنمية في أي قطاع خاص، محدودة في السعودية، حيث تدفع الدولة تقليدياً الرواتب وتوفر معظم حاجات السكان تقريباً. وهذا الوضع يدفع سعوديين كثراً إلى جعل تبني عقلية استحقاق الخدمات والدخل أمراً مفروغاً منه تقريباً. بمعنى آخر، لم يعد المواطنون يعتبرون المنافع النفطية كمنافع مؤقتة من الحكام؛ هم يعتبرونها حقوقهم كما هي حال المواضيع الملكية عند المملكة. وفقاً لذلك، عندما تقلّ الرفاهية، فإن الولاء عند فئات كثيرة من المواطنين عُرضة لأن تخبو.

إقتتال داخل القصر

برغم تركيز الإعلام في العلاقات الخارجية للمملكة، خصوصاً صراعها مع إيران على ساحات عدة، فإن الأخطار الداخلية، بما في ذلك الصراع على السلطة بين أفراد العائلة الملكية، تُعد الأكثر خطورة على استقرار السعودية. منذ عام 2015، جيل من أحفاد ابن سعود مؤسس العائلة الملكية، بدأ بتسلّم مقاليد الحكم. وكما هو مُتوقّع، هذه العملية صاحبتها صراعات على السلطة، بشكل أساسي بعيداً عن الأضواء. وتركز معظم النزاعات في النفوذ المتنامي لمحمد بن سلمان، الابن عديم التجربة  والمفضل لدى الملك، على حساب ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف والفروع الأخرى للعائلة الملكية. وابن نايف، الذي ورد عنه عام 2016 أنه يعاني المرض، يتخوف من أن يفضل الملك ابنه عليه، برغم كونه هو ولي العهد. وحقيقة أن ابن نايف يتميز بخبرة أكبر  وليس لديه أولاد منحته دعماً كبيراً بين أفراد العائلة.

عُيّن بن سلمان في مناصب (ولي ولي العهد ووزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية) عام 2015 على يد والده، في حين أنه في الوقت نفسه أُبقي المقرّبون من الراحل الملك عبد الله بعيداً عن معظم مراكز السلطة، باستثناء الأمير متعب، الذي بقي في منصبه وزيراً للحرس الوطني. هذه التعيينات، إضافة إلى السياسة الجازمة التي اعتمدها بن سلمان في الشؤون الداخلية والخارجية، صوّرت المملكة بصورة أكثر نشاطاً وفاعليةً مما كانت عليه في الماضي، بالمقابل أضافت بعداً من  الشك بخصوص استقرارها وارتفاع منسوب المعارضة الداخلية. وعُبر عن ذلك علناً عام 2015، بخطوة استثنائية في الشؤون السياسية داخل السعودية، التي كانت قوانينها غير المكتوبة تتطلب الإجماع وحلّ النزاعات بين أفراد العائلة خلف الأبواب المغلقة. ففي رسالتين وُزّعتا على الأمراء ونُشرتا في صحيفة الغاردينز، دعا أحد الأمراء دون ذكر اسمه إلى اتحاد أبناء ابن سعود من أجل عزل الملك سلمان. وادعت الرسالتان اللتان انتقدتا ضعف سلمان (الذي يعاني على ما يبدو الخرف) ـ أن عدداً من الأمراء الكبار شاركوا في كتابتها وأن استياءهم يؤيده كثيرون من العامة وزعماء عشائر رفيعي المستوى. في الوقت عينه، عكس ما كان سائداً في الماضي، يبدو أن السلطة الحاكمة تقبض عليها مجموعة محدودة من الأمراء بقيادة بن سلمان. وبدعم والده، يقوم بن سلمان بتعزيز نفوذه منذ أن تولى زمام الأمور كما أنه يكسب الخبرة الهامة. وفي حين أن معارضة تقف في وجهه، يتمتع (إلى الحد الذي يمكن للدعم أن يُقاس بالملكية المطلقة) بدعم الشباب في المملكة والإدارة الأمريكية الحالية (التي فضلت بداية عمه محمد بن نايف). ومن المحتمل أنه في حال فتك المرض فعلاً بابن نايف، سيكون الطريق مُعبداً أمام ابن سلمان لتولي العرش بعد والده.

الإرهاب في الداخل

التحدي الآخر الذي يُهــدد السعودية يتجلى بالدولة الإسلامية، التي تنكر الشرعية السياسية والدينية للمملكة. في العقد المنصرم، كانت السعودية ناجحة نسبياً في صراعها ضد القاعدة. ولكن منذ عام 2014، يبدو أن المعضلات التي مثلتها الدولة الإسلامية، التي خرجت من رحم القاعدة، قد أصبحت أكثر خطورة. فتتنافس الدولة الإسلامية مع الرؤية المتطرفة للإسلام السني التي تمثلها العائلة الملكية السعودية ـ الوهابية. وكما هي حال الدعوة التي أطلقها زعيم القاعدة بن لادن لإسقاط المملكة، يدعو زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي أيضاً إلى «تحرير» الأراضي السعودية، موطن الأماكن الأقدس في الإسلام، من قبضة آل سعود. فهددت المنظمة أولاً بتنفيذ هجمات ضد السعودية في تسجيل صوتي صدر في تشرين الثاني 2014، حيث دعا فيها البغدادي إلى مهاجمة الشيعة والأجانب والأسرة الملكية نفسها، وأعلن تمدد الدولة الإسلامية إلى شبه الجزيرة العربية (منطقة نجد). في الشهر نفسه، بدأت المنظمة بشن هجمات انتحارية في المنطقة الشرقية داخل السعودية، حيث يقطن أغلب السكان الشيعة. ووقع آخر هجوم في المملكة في أحد شوارع المدينة في 4 تموز 2016.

إن إنجازات الدولة الإسلامية وعقيدتها تأسر كثيراً من الشباب في المملكة، هم شباب مستعدون لتوجيه جام غضبهم نحو السكان الشيعة أو العائلة الحاكمة نفسها ـ بالتأكيد إن هي بدت أنّها تسترضي الشيعة. وتجدر الإشارة إلى أن الشيعة الذين يُعتبرون في السعودية أيضاً أنهم طابور خامس إيراني، لم يشكلوا قطّ أي تحد لاستقرار المملكة؛ بل إن من فعلوا ذلك هم السنة المتطرفون. إضافة إلى ذلك، تتحمل الأسرة الملكية نفسها بعضاً من مسؤولية حصول التوتر، لأنــها تلجأ إلى  خطــاب معاد للشيعة من أجل كسب الدعم لمصلحة النظام وتعزيز أهدافها في الصراع ضد إيران.

يمكن توقّع أنّ التهــديد الجهادي السلفي للسعوديــة سيستمر خلال الأعوام القادمة. لغاية الآن، تشدّد الدولة الإسلامية بشكل أساسي على مهاجمة الشيعة، وفقاً لافتراض أن ذلك سيزيد التوتر الديني وزعزعة الاستقرار في الدول الخليجية، خصوصاً السعودية. في الآن نفسه، تعلن الدولة الإسلامية عن نيتها في مهاجمة الأنظمة . وأهداف تلك الهجمات ستشمل مقدرات حكومية ومنشآت استراتيجية وأفراداً رفيعي المستوى في العائلة الملكية.

تركز الحملة الموجهة ضد الدولة الإسلامية في محاولة تقويض مواردها الاقتصادية داخل الأراضي السعودية، ومنع الشباب السعودي من مغادرة المملكة والتوجه إلى ساحات الصراع الأخرى التي تشغلها الدولة الإسلامية ومن ثم العودة، والتركيز في النشاط الموجّه عبر المؤسسة الدينية والإعلام ونظام تطبيق القانون ونظام العقوبات ضد توزيع الرسائل والدعاية الجهادية السلفية. عامل آخر يجعل من الصعوبة للعائلة الحاكمة أن تتعاطى مع التوتر المتنامي بين السنة والشيعة في السعودية، هو التحريض الذي تمارسه المؤسسة الدينية الوهابية ضد الشيعة: محاولة القيام بعمل قوي ضد هذه المؤسسة منوطة بتقويض القاعدة الأساسية للعائلة الملكية.

إن عدم الاستقرار الداخلي المحتمل في السعودية ليس مقروناً بالتوتر السني ـ الشيعي وحده. فأسباب عدة للمظاهــرات في «جمهوريــات» العالم العربي، بما فيها الضائقة الاقتصادية والبطالة في صفوف الشباب والرغبة في توزيع عادل للموارد والطموح من أجل الحرية الشخصية، حاضرة أيضاً اليوم في السعودية. هذا التراكم للتحديات الداخلية، في وقت اشتعال اضطراب إقليمي،  من شأنه تسريع العمليات التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة استقرار المملكة وتغيير وجهها. في أي حال من الأحوال، ليس من المتوقع أن تحصل إصلاحات سياسية أساسية طوعية في السعودية، إذ إنّ الحكام المطلقين ليسوا معنيين بالعموم في التخلي عن نفوذهم. أضف إلى ذلك، منذ بداية الاضطراب في الشرق الأوسط، اعتمد الحكام الخائفون من الثورة في المنطقة ، من بينهم حكّام السعودية، على سياسة القمع الوحشي. فسُنّت قوانين شديدة القسوة في المملكة ضد الإرهاب والجريمة السايبرية، وكان الحكم بالسجن على المتظاهرين السلميين وفرض القيود على حرية المعلومات والتجمّع. وكانت الجهود الرامية إلى إشراك المدنيين في عمليات صنع القرار قليلة ومحدودة ومصحوبةً بإجراءات قمعية، تؤدي الى القضاء على أهميتها العملية الفورية، لكن ليس على الامكانيات الثورية الكامنة في نفاذ صبر سكان المملكة.

التحديات الخارجية

برغم أنه غير وجودي، إلا أن التهديد الخارجي الفوري الذي يُهدد المملكة يتجلى في الحرب المستمرة في اليمن. برغم الإنجازات الأولية للتحالف الإقليمي بقيادة السعودية، لا تزال الحملة بعيدة عن تحقيق أهدافها المُعلنة، والتي تتضمن تسليم الحوثيين الشيعة أسلحتهم. ويبقى الحوثيون راسخين في معظم المناطق التي تشكل «اليمن الأساسي» ـ  المناطق الخاضعة لسيطرتهم والتي يعيش فيها معظم سكان البلاد والحدود مع السعودية والموارد الحيوية ـ برغم الهجمات الجوية والبرية المتكررة التي تنفذها قوات التحالف ضد أهداف تعود للحوثيين وحلفائهم.

والمحادثات التي تجري في الكويت بين الأطراف المتصارعة حتى إن انتهت بالتوصل إلى اتفاق، فسيبقى اليمن بعيداً فترة طويلة عن التمتع بالاستقرار. بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية التي جزّأت النسيج السياسي الدقيق في البلاد، من الصعب تصوّر أي قوة سياسية أو عسكرية قادرة على الحفاظ على السيادة والحكم الفعال على أرض اليمن، ومن المتوقع أن يستمر الحوثيون أنفسهم بتشكيل تهديد كبير لجنوبي السعودية. لهذا السبب، من المحتمل أن تستمر السعودية في لعب دور أساسي في اليمن، الذي سيبقى ساحة للصراع والتنافس عند قوى إقليمية ومحلية مختلفة.

تواجه السعودية أيضاً تحديات كبيرة بعيداً عن المسرح اليمني. فقد أثار الاتفاق النووي الذي وقعته القوى الأساسية مع إيران في صيف 2015 ، ورفع العقوبات عن إيران القلق في الرياض والدول الخليجية الأخرى. وأصبح هناك خوف من أن تسمح تلك الموارد لإيران بتوسيع نشاطها التخريبي في المنطقة. لم يحصل أي تحوّل دراماتيكي في هذا الاتجاه، لكن الخوف يكمن في أن تصبح سياسة إيران الإقليمية أكثر عدائية. إن صحّ ذلك، قد تفترض المواجهة بين السعودية وإيران ظهور عامل أكثر مباشرة من شأنه أن يُهدد المملكة. على أيّ حال من الأحوال، ما دامت قواعد اللعبة الحالية وحدودها مُحتَرَمة، فستفضل المملكة الاستمرار في خوض حروبها مع إيران عبر الوكلاء مع محاولة تشكيل جبهة سنية واسعة ضد التهديد الإيراني، حتى إذا ما بدا أن هذه الجبهة حالياً أكثر هشاشة وبعيدة عن الرؤية السعودية بتأليف جبهة عربية سنية موحّدة.

في الوقت عينه، ما يُثير استياء القيادة السعودية أن الولايات المتحدة تستمر في عرض إشارات تدل على رغبة في التراجع عن التزاماتها الأمنية في المنطقة. على مر السنين، اعتبرت الأسرة الملكية في السعودية أن الولايات المتحدة دعامة دفاعية مستقرة، برغم الاختلافات في المصالح والأهداف السياسية. ولكن خلال سنوات حكم أوباما، هذه القناعة قُوضت. فكانت الخلافات بين الطرفين أكثر حدة بعد السياسة الأمريكية تجاه نظام الأسد وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، ما أدى إلى رفع مستوى التعبير عن الانتقاد العام.

في الوقت ذاته، تسلّط مجموعة التحديات التي تواجه عائلة آل سعود الضوء على مصالح الولايات المتحدة الكامنة في الحفاظ على استقرار المملكة. برغم الخلافات، يبدو أن واشنطن تفضل أن يبقى حكم آل سعود مستقراً، على الأقل جراء الانعكاسات المحتملة لسقوطه وانتشار الفوضى في المملكة، مع ما يُصاحب ذلك من انعكاسات إقليمية. وكسائر الأنظمة الأخرى في الشرق الأوسط، تدرس الأسرة الملكية السعودية مستقبل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وما إذا كانت تشكل بداية جفاء (و«توجّه نحو الشرق الأقصى») أو ما إذا كان انحراف إدارة أوباما سيُصحح إبان حكم الإدارة الجديدة. إذا ما استمرت الولايات المتحدة في تحويل انتباهها عن المنطقة، فالتحدي الأكثر أهمية أمام المملكة السعودية سيكون في كيفية التعاطي مع انعكاسات شرق أوسط ما بعد أميركا. ويبدو أن آل سعود بدؤوا بالاستعداد لهذا الاحتمال، ما انعكس تبنياً لسياسة أكثر حزماً واستقلالاً عما كانت في الماضي، وأحياناً تعارضاً مع المصلحة الأمريكية، فيما هناك محاولة لتحسين علاقاتهم مع روسيا والصين.

الخاتمة

على مرّ السنوات كانت عائلة آل سعود قادرة على التعاطي مع التحديات الداخلية، إلى حد كبير نتيجة قدرتها على تحقيق إجماع بين صناع القرار وتخفيف التوترات الداخلية وشراء الدعم الخارجي من أرباح النفط. اليوم، عجزها ينمو ويصبح من الصعب أكثر تحقيق إجماع بين الأمراء. وقد أصبحت الساحة إلى حد كبير ميدان عرض لرجل واحد هو محمد بن سلمان. أضف إلى ذلك، لم تعد المملكة معزولة عن الحروب المحيطة بها، كما استطاعت أن تُبقي نفسها في الماضي. فهي متورطة، وأحيانا ًعن عمد، في صراعات إقليمية تؤثر على نحو مماثل في المشهد الداخلي.

إن السير في الرؤية السعودية 2030 يُشكل تحدياً وطنياً في المقام الأول، إضافة إلى كونه تحدياً شخصياً لمحمد بن سلمان. فالخصوم من داخل العائلة الملكية غير السعيدين بتنامي سلطته قادرون على الوقوف في وجهه، إضافة إلى أطراف في المؤسسة الدينية المتشددة المتخوفين بشأن الانفتاح المفرط، ولا سيما في الجوانب الاجتماعية من الخطة. في الوقت عينه، يبدو أن الأمير يكسب دعم الشباب التواقين إلى التغيير داخل المملكة. وعبء البرهان يقع على عاتقه ـ إضافة إلى المأزق الدامي في اليمن. وفشل الخطة الاقتصادية لن يُلحق الضرر بسمعته الشخصية وفرصه في وراثة العرش فحسب، بل سيُدخل المملكة في انتكاسة اقتصادية واجتماعية، أيضاً إضافة إلى ما يرافق ذلك من زعزعة للاستقرار.

على كل حال، من غير المعروف متى ستأتي نقطة التحوّل. ولذا ينبغي لصناع القرار في إسرائيل وأمكنة أخرى أن يدركوا التغييرات الحاصلة في المملكة، تغييرات قد تكون لها انعكاسات على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وما بعده. وإلى جانب الفرص التي تنبثق من مصالح مشتركة كثيرة مع السعودية والتغير الملحوظ في موقفها تجاه إسرائيل، لا بد من أخذ المخاطر ودرجة إمكانية توقعات التعاون بعين الاعتبار. على سبيل المثال، كلما كانت السعودية هشةً أكثر على الصعيد الداخلي، بالتأكيد سيكون الجمود على الساحة الإسرائيلية ـ الفلسطينية موجوداً، وما دام النظام السعودي أقل قلقاً من الرأي العام في الداخل، سيكون آل سعود قادرين على التعاون مع إسرائيل.

-----------------------------------

يؤال غوزانسكي : باحث في المركز، وباحث زائر في معهد هوفر، وكان سابقاً في مجلس الأمن القومي التابع لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف