البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

April / 3 / 2017  |  1004ماذا وراء الغزل الروسي الأردني..؟

فائق الشمري المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية شباط 2017
ماذا وراء الغزل الروسي الأردني..؟

يأتي ظهور روسيا كلاعب في الشرق الأوسط بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين بهدف استعادة مكانة روسيا كقوة عظمى في المسرح العالمي بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي في عهد الرئيس ميخائيل غورباتشوف من الشرق الأوسط ..

ويمثل الشرق الأوسط اليوم اختبارا حقيقيا لروسيا في مسعاها هذا ، وتحقيق طموحاتها ببناء تحالفات جيوسياسية دائمة مع حلفائها من خلال الدعم المباشر لها ، فضلا عن تأسيس حد أدنى من الوجود العسكري الروسي في المنطقة وحولها وتوسيع حصة روسيا منها في سوق التسليح والطاقة والغذاء.


تعمل الدول العظمى وفق مبدأ الربح والخسارة وبناء تحالفات لضمان مصالحها ، وتشير كافة المعطيات على أرض الواقع، الى ان الروس ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي سجلوا خسارات متتالية ، ابتدأت بخسارة أقدم حلفائها في المنطقة (العراق) وانتهائه لقمة سائغة تحت الضرس الأمريكي على صورة غزو مسلح أدى إلى احتلاله ، ثم ليبيا الحليف الاستراتيجي لموسكو ووقوعها تحت سيطرة حلف الناتو والعمل جاهدا لتكرار المشهد في سوريا من قبل المحور الغربي أيضا بقيادة الولايات المتحدة طبعا وبمساندة حلفائها بالمنطقة وعلى رأسها السعودية من خلال الفصائل الأرهابية المسلحة فيها ومن أبرزها داعش والنصرة..

من هنا كانت الانتفاضة الروسية في سوريا ودخولها بقوة للحفاظ على آخر مكتسباتها في الشرق الأوسط على قلتها ، واستنفار بوتين لكامل قواه وما يمتلكه من مهارة وإمكانيات ، لدعم النظام السوري و التمترس معه في نفس الخندق، وممارسته ديبلوماسية جديدة على العالم نفذها وزير خارجيته لافروف ، أربكت واشنطن وصانع القرار في البيت الأبيض.

وقد رفعت العملية العسكرية الروسية في سوريا مكانة روسيا الإقليمية إلى درجة كبيرة.. من هنا تمثلت أولى خطوات المارد الروسي بتعزيز دفاعات قاعدته البحرية في سواحل البحر المتوسط في مدينة طرطوس بمحافظة اللاذقية ، فضلا عن قاعدة حميميم الجوية التي تعد أهم مراكز القيادة والسيطرة الروسية في شرق المتوسط والمنطقة.. ثم نشره لمنظومة الدفاع المتطورة "إس-400" فيهما.  

ومن جانب آخر عززت موسكو تحالفها مع إيران، الدولة الأقوى في المنطقة واللاعب المؤثر فيها ، لقربها من العراق وسوريا ولبنان ، وهذا التحالف منح الرئيس بوتين العديد من مزايا القوة والنجاح في مسعاه لاعادة الروس للمنطقة من اوسع ابوابها ، تاركا المنظومة الخليجية الذائبة في الفلك الأمريكي حد النخاع. 

على ان القصة لم تنته عند هذا وحسب فبعد ثبات روسيا في سوريا وحماية النظام السوري من الإنهيار ، ها هي موسكو تغزل نسجها في مصر السيسي ، مستفيدة من برودة العلاقة مع  واشنطن بسبب موقفها الداعم للإخوان المسلمين ورفضها الانقلاب الذي قاده السيسي على مرسي.

وحسب ما هو متداول فإن هذا التقارب الروسي المصري تمخض عن تحالف جديد بين القاهرة وموسكو ، معززا بطلب القاهرة من موسكو بناء قاعدة حربية بحرية إما في السويس أو بور سعيد ، وهو عرض لم تكن تحلم به موسكو وسيسهم بتعزيز تفوقها على أمريكا في المنطقة. 
وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة في المنطقة لم تكن الأردن بعيدة عن التفكير الروسي ، وبالمقابل أدرك العاهل الأردني المعادلة الجديدة ، خصوصا ان الاثنين يملكان سجلا من العلاقات يمكن للاثنين تعزيزه وتطويره والنهوض به.

توافق اقتصادي قبل السياسة

تمتد العلقات الروسية الأردنية تاريخيا الى سنين طويلة إعتبارا من  آب عام 1963 بمبادرة من الجانب الأردني .. ومنذ ذلك اليوم يتدفق آلاف الطلبة الاردنيين للدراسة في الجامعات والمعاهد السوفياتية الى ان استقلت روسيا لتشكل وريثا شرعيا للاتحاد السوفياتي بعد الانهيار في تسعينيات القرن الماضي.. فضلا عن توقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين شكلت حافزا لرجال الاعمال في البلدين للتعرف على فرص الاستثمار بشكل اوسع والبدء بتنفيذ عدد من المشاريع الاقتصادية المشتركة..

درجت العلاقات الأردنية الروسية على التركيز على الشراكة الاقتصادية ، قبل الحديث عن الأبعاد السياسية ، وخصوصاً في مجالات الطاقة النووية ، ومشاريع الأمن الغذائي وتعزيز السياحة الروسية.. فالأردن ذهب باتجاه الاعتماد على الخبرات الروسية في الطاقة النووية لإنشاء مفاعلاته المؤمل الانتهاء منها عام 2018.. وبناء مفاعلين قدرة كل واحد منهما (1000) ميغاواط من الكهرباء.

يمثل العام  1988 م البداية الحقيقية للعلاقات الاقتصادية الروسية الأردنية حيث تم التوقيع على الاتفاقية الخاصة بتشكيل لجنة ثنائية للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني بين الحكومتين السوفيتية والأردنية ، اما في عام 1993 فاتخذ قرار بتشكيل اللجنة الروسية - الأردنية المماثلة .. وفي عام 2004 وقعت اتفاقية التعاون في مجال السياحة بين الحكومتين الروسية والأردنية ، ووصل التبادل التجاري بين البلدين في عام 2002 الى ما يعادل مبلغ 32.7 مليون دولار ، ليقفز في العام 2008 الى ما قيمته 410 ملايين دولار حتى وصل الذروة في العام 2015 ليبلغ ما مقداره 543 مليون دولار..    

وفي مجال التعاون العسكري قدم الروس الكثير من التسهيلات للجانب الأردني وخصوصاً في مسألة التصنيع العسكري ، وجعلوا من عمان بلداً مصدراً للأسلحة المتوسطة والصغيرة ، فقد تم التوقيع في عام 2006م على اتفاقية إنشاء المؤسسة الروسية - الأردنية المشتركة الخاصة بصنع المروحيات من طراز " كا – 226"، كما تم في العام 2007  توقيع اتفاقية الاقتراض المتواصل الخاصة بشراء الأردن للأسلحة الروسية ، كما قامت المؤسسة الروسية - الأردنية المشتركة بصنع قاذف قنابل متعدد الأعيرة يعتبر الأول من نوعه في العالم من طراز "RBG– 32" الذي تجسدت فيه أفضل نماذج الأسلحة الأحادية او المتعددة المفعول.

أما في الجانب السياحي ، فتسعى عمان للاستفادة من حالة البرود في العلاقات التركية الروسية لجذب السياح الروس واستقطابهم لزيارة منتجعاتها على البحر الميت ورفع حصتها التي لا تتجاوز5% من عدد السياح الروس لتصبح بحدود 18% ، وفي الجانب الزراعي تسعى عمان أيضاً لسد فراغ المنتجات التركية والأوروبية نتيجة المقاطعة والحصول على نسبة كبيرة في السوق الروسية.  

علاقات دولية تتجاوز الأحلاف و المحاور

استطاعت المملكة الأردنية الهاشمية الاستحواذ على مكانة سياسية متميزة لها على الساحة الإقليمية والدولية ، ولعل ذلك يعود لموقعها الجيوسياسي في وسط مناطق النزاع ما أجبرها على لعب دور يفوق قوتها السياسية وأكبر بكثير من قدراتها العسكرية والاقتصادية ، بحيث باتت محط التجاذبات الإقليمية والدولية في ظل سعي كل طرف لكي تكون عمّان في صفه وهذا ما مكنها لاحقاً من لعب دور الوسيط في الكثير من الملفات الساخنة بالمنطقة ابتداء من فلسطين مروراً بالعراق وانتهاءً بالدور الذي تلعبه الأردن اليوم في الأزمة السورية .

من المعروف تاريخيا ان الأردن غربية الهوى ولها علاقات وطيدة مع الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تدور في فلكها ، ويسعى الاردن اليوم الى تجاوز حالة الأحلاف والمحاور بمد يده لدول بعيدة عن الهوى الأمريكي من أبرزها موسكو ، لدرجة بات البعض يقول أن الأردن أصبح شريك موسكو الأول في المنطقة .

ويمكن قياس حجم التقارب بين الاثنين من زخم تبادل الزيارات بين الجانبين ، ويعزو البعض ذلك الى العلاقة الشخصية بين الملك عبد الله الثاني والرئيس فلاديمير بوتين الذي فاقت زياراته لروسيا العشرين زيارة منذ العام 2000م .

والمتتبع للعلاقات الروسية الأردنية يجدها قد تسارعت بشكل كبير عقب التدخل الروسي الجوي في سورية وتوقيع الجانبين لاتفاقية تنسيق الجهود في مكافحة الإرهاب وإيجاد تفاهمات لضمان سلامة تحليق الطيران ، فضلا عن تأمين الجبهة الجنوبية للأردن ومنع تسلل الإرهابيين إلى المملكة ، وأخيراً إنشاء غرفة إعلامية لمكافحة الإرهاب في العاصمة الأردنية عمّان ، كما تلقت عمّان دعوة للانضمام إلى مركز بغداد المعلوماتي التنسيقي والذي يضم كلا من روسيا والعراق وإيران وسورية.

غزل متبادل

يتبين ومن خلال ما تقدم كيف مثّل الشرق الأوسط قاعدة لعودة روسيا إلى الساحة الدولية ، بل وتصاعد دورها الإقليمي فيها ، بعدما نجحت موسكو إلى حد كبير في الاستفادة من الظروف وتحويل خسائرها الى نجاح وتأكيد مكانتها كقوة عالمية ؛ لتخلق بذلك واقعاً جديداً في سوريا وشرق المتوسط .

وتمثل الاردن حلقة جديدة في سلسلة المكتسبات الروسية في المنطقة ، وطموحها الابرز ، مستفيدة من حالة البرود بينها وبين حليفها الامريكي الذي بدا منزعجا لهذا التقارب .

الروس أدركوا المعادلة وحاولوا من خلال تكثيف الغزل السياسي للصديق المتردد ، بالتلويح بسلة المكتسبات التي يمكن ان تحصل عليها من الروس، وجعله اكثر جرأة بإعلان التقارب دون خوف أو وجل.. على الرغم من انزعاج الأصدقاء ، فقد أبدت أسرائيل تخوفها والسعودية قلقها..

وقال رئيس الاستخبارات السعودية لصحيفة "الشرق الأوسط اللندنية"، الفريق خالد الحميدان: أن الرياض لديها معلومات تؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعهد للملك عبدالله الثاني بدعمه في مختلف الأصعدة إذا شارك في حل القضية السورية.

وتابع رئيس الاستخبارات السعودية قائلا: إن تجاهل السعودية وتهميشها في التعاون الجديد بين الولايات المتحدة، وروسيا، والأردن ومصر لفض النزاع السوري سيكون قرارًا فاشلًا.

ومن جانب آخر أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون خلال محاضرة له في مؤتمر سبان في واشنطن عن مخاوفه من حالة التقارب الأردني – الروسي دون الخوض في أسباب هذا التخوف.
 يعلون كاد أن يقول « وبغصة » في محاضرته أن الأردن نجح وبزمن قياسي في إيجاد توازن إلى حد كبير في علاقته مابين واشنطن وموسكو، وان النمو المتسارع للعلاقة مع موسكو عوضت الأردن وبقدر كبير عن الضعف الأميركي في محاربة «داعش» في العراق وسوريا ، ووفرت ، أي تلك العلاقة، ضمانات أمنية وعسكرية للأردن تحصنه ضد بعدين يمثلان خطرا على أمنه القومي المحتمل قدومه من سوريا.

من جهتها بررت أوساط سياسية أردنية التقارب الأردني الروسي الجديد انطلاقا من حقها المشروع بضمان أمنها الاستراتيجي من خلال مدها لشبكة علاقات واسعة مع كبريات العواصم الغربية على رأسها طبعاً الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ودول عربية حليفة .. لتحافظ عمّان على دورها الإقليمي الواعد بين قوتين عالميتين متنافستين، خصوصا مع تبوؤ الروس لدورهم الجديد في المنطقة كلاعب أساس واعتبرته واعدا ودائما.

ومن جانب آخر عزت موسكو تقاربها الاستراتيجي مع عمّان الى اعتدالها السياسي وواقعيتها، مما جعلها الوجهة المفضلة لها لتأكيد حضورها السياسي في المنطقة عقب الانسحاب الأمريكي المتسارع  نحو الشرق الآسيوي.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف