البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هكذا تكلم العقل (1)

الباحث :  د. هاشمية رسلان
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  41
السنة :  السنة الحادية عشر ربيع 1427هجـ 2006 م
تاريخ إضافة البحث :  March / 19 / 2015
عدد زيارات البحث :  1611

هكذا تكلم العقل (1)

المفهوم العقلاني للدين

د. هاشمية رسلان (*)

لو كان لنا من توصيف معرفي لكتاب الدكتور حيدر غيبة (هكذا تكلم العقل ـ المفهوم العقلائي للدين)، فلن يستوي لدينا إلاّ أنه يدخل في نطاق الدراسات المتجددة في الإصلاح الديني. فالمحاولة التي سعى في اتجاهها صاحب الكتاب لا تفارق الجدل الممتد على مساحة مئة سنة منصرمة. فهي في هذا المعنى تنتمي إلى حركة النهضة التي ابتدأت في مستهل القرن العشرين مع أُولئك الروّاد المعروفين، أمثال: الأفغاني، والكواكبي، ومحمد عبده، ورشيد رضا، والمازني.. وسواهم. لكن (الانتماء) التاريخي للحركة المذكورة، يأتينا هذه المرة مكتظاً بلغة الحداثة (البَعدية) إذا صحّ القول. وذلك أمرٌ بديهي لو أخذنا بنظر الاعتبار حركية الزمن وتطوراته المعرفية الحاصلة اليوم.
وإن نحن مضينا مسافة أبعد في رؤية المنطق الداخلي لبحث الدكتور غيبة، لوجدناه مندرجاً في دائرة المعارف العلمية الحديثة، حيث إن أبحاثاً كهذه تتصل اتصالاً وثيقاً بـ (فلسفة الدين) أو بـ (علم الكلام الجديد)، على ما بين العلمين من تمايز منهجي في النظر إلى موضوع الدين، وآليات تناوله في نطاق ما اصطلح على تسميته بـ (البحث الديني).
ونستطيع القول: إن البحث الديني الذي يدخل الكتاب ضمن فضائه الواسع، إنما يتموضع في ما نعتبره المنطقة الوسطى بين (فلسفة الدين) و (علم الكلام الجديد). فإذا كانت فلسفة الدين تعتمد نهاجية النظر إلى الدين كظاهرة تاريخية،
________________________________________
(*) باحثة، من لبنان.
(1)كتاب (هكذا تكلم العقل) للدكتور حيدر غيبة، نشر دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 2003م، عدد الصفحات: 278 من القطع الوسط.

[الصفحة - 210]


وتمضي إلى معالجتها وتفكيكها من خارج الدين، فإن علم الكلام الجديد هو ذاك الذي يحاول الدفاع عن الدين والشريعة من داخل الدين، ولكن بأدوات ومناهج علمية حديثة.
وهكذا يبدو الكتاب على الصعيد المنهجي، جامعاً للفلسفة والكلام في آن. ذلك على الرغم مما يتركه عمل الباحث من انطباعات متباينة، وأحياناً متقاطعة لدى القرّاء المطلعين والمتخصصين في الشأنين معاً.
سوف يتوضّح الإشكال المنهجي لو نحن قرأنا المقدمة، فسنرى منذ البداية سعياً للجواب عن السؤال التالي: ليس مؤلف هذا الكتاب رجل دين، فلماذا بحثه عن الدين، إذن؟
إن هدف بحوث هذا الكتاب ـ كما تقول المقدمة ـ هو المساهمة في تنمية المجتمع الإنساني فكرياً وثقافياً ومادياً وروحياً، أي بلوغ التنمية الشاملة.
وفي سبيل السير في طريق الإنماء المادي والبشري، وفي سبيل الكشف عن عناصره الاجتماعية والروحية، والتخلص من عوائقه المختلفة، كان لابد من ركوب هذا المركب الصعب ـ كما يشير الباحث ـ أي البحث الموضوعي في الدين كنصٍّ وممارسة، باعتباره عاملاً بشرياً مؤثراً في الإنماء، مدركاً بصورة خاصة لما هو سائد في بعض أجزاء الوطن العربي من تكبيل للفكر الحر، سواء من قبل السلطة أو من بعض الجماعات المتعصبة لرأيها، والرافضة لحق الغير في التفكير والتعبير.
ومن باب الإعراب عن (حسن النية)، والتزام روح البحث العلمي، يفصح واضع الكتاب عن أنه لا ينطلق من نظرة سلبية ناكرة أو معادية للدين، بل إنه بعد إمعان النظر، ودراسة النصوص المقدسة للديانات السماوية دراسة متأنية وفاحصة.. يقدِّر هذه الرسالات، ويؤمن بصورة خاصة برسالة النبي محمد (صلي الله عليه و آله و سلم)، إيماناً مبنياً على صدق النبي وصدق مضمون رسالته، ممثلة بالكتاب العزيز: القرآن الكريم.
النظر العقلاني إذن، هو الهاجس الذي يحكم رؤية الكتاب للموضوع الديني. والعقلانية هنا، لا ينبغي أن تؤخذ على النحو الذي ألفْنَاه منها في تجربة الحداثة الغربية سحابة أربعة قرون. ذلك أن الباحث في هذا المجال، لا يتوخى التعاطي مع المعطى الديني من زاوية السلب، أي من الزاوية التي سعت فيها (عقلانية الغرب) إلى فصله
________________________________________

[الصفحة - 211]


عن الدولة، وتحقيق ما اصطلح على تسميته بالمجتمع العلماني اللاَّديني. على العكس، فإن مسعاه ينطلق من همِّ إصلاح أمر الدين عن طريق نقد التفكير الديني السائد؛ أي تعييناً نقد المؤسسة الدينية ممثلة برجال الدين الذين حوَّلوا الشريعة إلى مؤسسة تحدّ من الاجتهاد، وتغلق على أسئلة العقل.
داعية من باب الحداثة
سوف يتبيّن لنا من العناوين الأساسية التي توزعت عليها فصول الكتاب، وعناوينه الفرعية، إلى أي مدى تتبدى فيه هواجس الكتاب وأهدافه الدينية. فعلى امتداد خمسة عشر فصلاً يظهر البعد الديني العميق في منطق البحث. ولنا من باب الإيضاح أن نذكر على التوالي عناوين هذه الفصول:
ـ تعريف الدين، نشأته، أسبابه، وأهدافه
ـ العقلانية والتأويل العقلاني للنص
ـ غاية الأديان الموحِّدة وعقلنة رموز الدين
ـ الإله: من هو؟ وأين هو؟ وحدانية الله
ـ الوصي والنبوة
ـ الأنبياء والرسل
ـ الكتب المقدسة
ـ التوراة والدين اليهودي
ـ التوراة وموسى في كلمات
ـ الإنجيل والمسيحية
ـ القرآن ودين الإسلام
ـ خلاصة مقارنة للتوراة والإنجيل والقرآن
ـ الملائكة، والشياطين، والجن في العقل والدين
ـ الحياة الآخرة
ـ البعث، الحشر، الجنة، وجهنم...
________________________________________

[الصفحة - 212]


هذه العناوين تدخل في السياق الإجمالي للقصدية من وراء الكتاب، وهي قصدية ترى إلى ضرورة جلاء الحقيقة الدينية من خلال إعادة الاعتبار للنصوص المقدسة، وقراءتها قراءة عقلانية وموضوعية. ويلاحظ الباحث أن انسداد باب الاجتهاد ابتداءً من القرن الرابع الهجري، هو الذي حمل عدداً من الشخصيات التاريخية في التاريخ العربي ـ الإسلامي إلى الدعوة النقدية، وإعادة الاعتبار إلى العقل.
ربما كانت محطة ابن رشد المعرفية ظاهرة مفصلية في التاريخ النقدي للاجتماع الديني. غير أن عودة الجمود إلى الفكر الديني بعد تحوله، على الإجمال، إلى مؤسسة للسلطة بأحوازها المختلفة، السياسية، والدينية، والثقافية، والاجتماعية، سيجعل العقل في المرتبة الدنيا. بينما اكتسى الفكر الديني جلباب الطقوسية، واكتفى بما توصل إليه السلف، وتمنطق بنطاق الأوامر السلطانية، حتى لم يتجاوز في بعض المقاطع الزمنية على فقه السلطان، واجترار مسائل السلف.
وهنا، يبيّن الكاتب أن الدين والفكر الديني تجاذبته ثلاثة اتجاهات بعد مخاضات عسيرة، هي:
الاتجاه الأول: اتجاه التزمّت الديني، ورفض كل تفكير أو محاولة إدخال مستجدات العصر على حياة الإنسان، بدعوى مخالفة الشريعة، والمساس بالمقدس، أو التلاعب بالدين، وضرورة المحافظة على قوالب دينية ثابتة، ورفض كل ما هو غير ديني بالعودة إلى أُصول الرسالات، والاكتفاء بما وصل إلينا، وأن كل جديد وتجديد يجب رفضه؛ لأن عقل الإنسان قاصر وعاجز عن فهم الكون ومعرفة الحقيقة. بل، وعن وعي وإدراك مصلحته الدينية والدنيوية إلاّ بهدي الدين الذي أوحاه الله إلى أنبيائه، وكما فهمه الأولون رغم ما بينهم من فروق، ورغم تطور الأحوال مع مرور الزمن.
الاتجاه الثاني: فهو اتجاه الزهد الكلي في الدين. بل، إنكار ومحاربة مظاهره، والمعتقدين به، بحجة أن قوالبه الجامدة مسؤولة عن التخلف في العالمين العربي والإسلامي. وبدعوى عدم وجود فائدة له أو مصلحة عامة منه، وباعتباره قائماً على أفكار غيبية غير ثابتة، بالتالي النظر إلى الدين بوصفه عائقاً أمام أي تطور أو دور إيجابي في الحياة والمجتمع.
أما الاتجاه الثالث الذي يبيّنه المؤلف، ويرى إليه كطريق وسط ومعتدل
________________________________________

[الصفحة - 213]


وتجديدي، فهو الذي يقع بين هذين الاتجاهين المتطرفين آنفي الذكر. وهو الاتجاه الذي وجد تعبيراته في روّاد عصر النهضة الذين أتينا على ذكرهم فيما سبق. فعند هؤلاء المصلحين لا تغيب النظرة النقدية إلاّ أنها لا تبلغ حدَّ الإنكار.
وهنا، لا بد من الاعتراف بأن الدين كان محرِّضاً قوياً لإمعان النظر في مظاهر الحياة، والكون، وللتفكير، والاجتهاد. وهناك حقيقتان لا مناص من التذكير بهما في هذا المجال:
الأُولى: هي أن علم الناس لا يزال على درجات متفاوتة بينهم، وأن هناك كثرة كبيرة من الناس لا تني تمكث في أسفل السلّم المعرفي، وبعضهم في وسطه، ولا تزال الفئة الأُولى عاجزة عن فهم ظواهر الطبيعة والكون وسلوك الإنسان. وبالتالي، فإن وضع هذا السلوك في إطار أخلاقي معقول إنما يوفّره الدين، ومقاصد الشريعة. ولا حاجة للتأكيد على أهمية هذا الإطار الأخلاقي؛ لضبط النظام الاجتماعي، وصيانة مصلحة الفرد والجماعة.
الحقيقة الثانية: هي أن العلوم الحديثة أصبحت تفسِّر وتُبيِّن أسباب الكثير الكثير من ظواهر الكون، وسلوك الإنسان، وهو أمرٌ يطرح إشكالية علاقة الدين بالعلم، بل ويحسمها في الاتجاه الذي يؤكد على إيجابية هذه العلاقة، بحيث تستقيم على نحو التكامل والتواصل.
وأيّاً يكن الجدل في الكتاب، وما أثارته موضوعاته من أسئلة إشكالية، تبقى أهميته النقدية حاضرة في منطقة وسطى بين الكلام والفلسفة، حيث يتساوى بذلك حدّ النقد وحدّ الدفاع عن مقاصد الشريعة، وخصوصاً في جانبها الأخلاقي التدبيري، ناهيك عن بعدها الإيماني كحاجة وجودية للكائن البشري فرداً كان أو جماعة.
* * *
________________________________________

[الصفحة - 214]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف