البحث في...
الإسم
الإسم اللاتيني
البلد
التاريخ
القرن
الدين
التخصص
السيرة
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة
ماسينيون ( لويس )

ماسينيون ( لويس )

الإسم اللاتيني :  LOUIS MASSIGNON
البلد :  فرنسا
التاريخ :  1883م - 1962م
القرن :  19 - 20
الدين : 
التخصص :  الفلسفة - الصوفية - المذاهب والفرق - متخصص بارع فقد عني بالاثار الاسلامية واهتم بدراسة الشيعة بكل تطوراتها وفروعها وشغل خصوصا بالسيدة فاطمة ع ومكانتها عند الشيعة

مستشرق فرنسي عظيم. وهو من بين المستشرقين في مكانة لا يضارعه فيها إلا «نيلدكه» و «نلينو» و «جولدتسيهر". وهو قد امتاز منهم جميعاً بنفوذ النظرة وعمق الاستبطان والقدرة على استنباط التيارات المستورة وراء المذاهب الظاهرة والأفكار السطحية، ومرد ذلك إلى مزاج شخصي خاص جعل حياته الباطنة ثَرَّة عامرة بأعمق معاني الروحية. ولم يكن ظاهري المذهب في أي بحث طرقه حتى لو كان في صميم المباحث العلمية أو الأثرية. وبريء من دعاوى النزعة التاريخية Historicisme التي أصابت أبحاث «نيلدكه» و «جولدتسيهر» بالمغالاة في تلمس الأشباه والنظائر – الخارجية السطحية في الغالب الأعم – إيذاناً بالتأثير. وهو منهج ينطوي على مصادرة وإفراط كان من فضل ماسينيون أن نأى بنفسه جانباً عنهما. ولئن كان الإيغال في الاستبطان مما يدفع ماسينيون أحياناً إلى إضفاء روحانية عميقة على ما لم يكن في ذهن أصحابه غير حرفية أو وضعية بسيطة، فما كان ذلك إلا نتيجة اشتغاله المتواصل بفهم أسرار الصوفية وهي بطبعها ذات معنى «مطلع» أي يدعي الكشف عن الباطن المجهول من الظاهر. ويمتاز منهم كذلك بعمق الإيمان الديني بالمعنى الأدق الأسمى الواسع الذي يضم في داخله كل المعاني السامية في كل الأديان – كتابية أو غير كتابية، سماوية أو غير سماوية، موحدة أو غير موحدة – مما جعله أقدر على فهم دقائق الإيمان في كل الأديان، وإن كان في اختياره الرسمي قد اختار الكاثوليكية منذ أن عاد إليه إيمانه في سن الخامسة والعشرين.
ولئن كان قد عرف خصوصاً بدراساته في التصوف الإسلامي عامة، وفي الحلاج بخاصة، فما كان ذلك في الواقع غير جانب واحد من جوانب فكره المتعدد الأصيل في كل ما تناوله. فقد عني بالآثار الإسلامية، واستهل بها نشاطه العلمي، واهتم بكل المشاكل العصرية في البلاد الإسلامية وبتاريخ النظم الاجتماعية في الإسلام، وأولى الدراسات الفلسفة والعلمية رعاية تشهد له باليد الطولى فيها. وتوفر على دراسة الشيعة بكل تطوراتها وفروعها، وخصوصاً المغالية منها كالقرامطة والنصيرية والإسماعيلية، لأنه كانت تستهويه المذاهب المستورة والحركات السرية، الروحية والسياسية، في تاريخ الإسلام، فضلاً عن ارتباطها في بعض الأحيان بصاحبه الذي رافقه طول حياته، أعني الحلاج.
ولد لويس ماسينيون Louis Massignon في الخامس والعشرين من شهر يوليو 1883 (ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين) في ضاحية نوجان على نهر المارن Nogent-sur-Marne إحدى ضواحي باريس. وكان أبوه، فرناند ماسينيون، فناناً، درس الطب ثم عدل عنه إلى الفن، واشتهر خصوصاً بفن النحت عامة وبنحت الجبس gypsographie خاصة، وقد اتخذ له في عالم الفن اسماً مستعاراً هو بيير روش Pierre Roche، واشتهر في الأوساط الفنية في باريس في الربع الأخير من القرن الماضي وبداية هذا القرن. وكان لهذا أثره في تنشئة ابنه: فقد نشئ نشأة عقلية فنية. وبقي تذوق ماسينيون للفن، والإسلامي منه بخاصة، من العلامات البارزة في إنتاجه الروحي، وله في هذا الباب صفحات رائعة. ولعل هذا الجانب الفني الذي لقنه من أبيه هو الذي وجهه إلى العناية بالآثار الإسلامية فاستهل بها نشاطه الروحي.
وقضى دراسته الثانوية في ليسيه لوي لوجران Louis le Grand المشهورة في باريس وهناك التقى في 1896 وهو بالصف الثالث بهنري ماسبيرو الذي أصبح فيما بعد من كبار المختصين في الدراسات الصينية، فبدا لدى كليهما ميل مشترك للدراسات الشرقية فالتحقا «بالمدرسة الوطنية الشرقية الحية» وهي التي تخرج فيها أجيال متلاحقة من المستشرقين الفرنسيين والأجانب، ولا تزال حتى اليوم في مكانها رقم 4 في شارع ليل بالحي السابع في باريس تؤدي رسالتها العظيمة. وحصل لويس ماسينيون على البكالوريا في 3 أكتوبر 1900 قسم الآداب والفلسفة وعلى البكالوريا قسم الرياضيات في 23 أكتوبر 1901، وقد حرصنا على ذكر ذلك لنبين لماذا ظل طوال حياته مولعاً بالرياضيات. وبعد هذا الامتحان بدأت تظهر لديه الرغبة في الرحلات إلى البلاد التي سيجعلها موضوع دراساته، أعني البلاد الإسلامية، فسافر في رحلة قصيرة إلى الجزائر في عام 1901. عاد بعدها إلى باريس لمتابعة دراساته الجامعية، فحصل على ليسانس الآداب مع رسالة عن أونوريه دورفه Honore d'Urfe في أول أكتوبر 1902 وكان أستاذه في الأدب الفرنسي هو فرديناند برونو Brunot صاحب تاريخ اللغة الفرنسية الشهير. وتطوع للخدمة العسكرية حتى 18 سبتمبر 1903. ثم سافر إلى مراكش في أبريل 1904 وكتب بحثاً صغيراً، نال به دبلوم الدراسات العليا في السوربون بجامعة باريس، بقسم العلوم الدينية حيث تتلمذ على المستشرق الفرنسي المعروف هارتفج دارنبور مؤلف قسم من فهرس مكتبة الأسكوريال، وتابع محاضرات لوشاتلييه Le Chatelier في الكوليج دي فرانس عن دراسة الإسلام من الناحية الاجتماعية. ودرس اللغة العربية في المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية التي أشرنا إليها من قبل، وحصل منها في 10 فبراير 1906 على دبلوم في اللغة العربية الفصحى والعامية. ومن ثم بدأ حياته الاستشراقية فاشترك في المؤتمر الدولي الرابع عشر للمستشرقين الذي انعقد في أبريل 1905 بمدينة الجزائر، وهناك تعرف إلى جولدتسيهر، وأسين بلاثيوس.
وكانت أول صلته بمصر لما أن عين عضواً (أعني طالباً) في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة في 23 أكتوبر 1906. فوصل القاهرة في أول نوفمبر 1906 وبدأ أبحاثه الأثرية الإسلامية، وكان في الغالب يلبس الملابس الوطنية. وفي السنة عينها 1906 ظهر أول بحث مهم له بعنوان «لوحة جغرافية للمغرب في السنوات الخمس عشرة الأولى من القرن السادس عشر، تبعاً لليون الإفريقي"، ونشر في الجزائر في 305 صفحات و 30 خريطة، وجداول بأسماء القبائل العربية والبربرية والنقود المحلية، وراجع النص الإيطالي وترجمه إلى الفرنسية. وكان هذا البحث أوج دراساته عن مراكش التي بدأها كما قلنا بالرسالة التي قدمها لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ والجغرافيا من كلية الآداب بجامعة باريس تحت إشراف أوجيستان برنار Augustin Bernard أستاذ الجغرافيا والتاريخ بكلية الآداب، وثناها ببحث عنوانه «طريق فاس"، وبحث ثالث عن «مراكش بعد الفتح العربي» (مع خرائط للمناطق التاريخية في مراكش).
وفي مارس 1907 قرأ ماسينيون أشعاراً لفريد الدين العطار، الشاعر الفارسي الصوفي العظيم، تدور حول مصرع الحلاج، وفيها تمجيد لشهيد التصوف الكبير هذا. فلفت هذا نظر ماسينيون وبدأ يعجب به، إعجاباً أقنعه بتكريس دراساته له. فبدأ أبحاثه عنه. ولما عاد إلى باريس في صيف 1907 عهدت إليه مهمة القيام بأبحاث وحفائر في الآثار في العراق. فقام بهذه المهمة في شتاء 1907 – 1908، وفي ذهنه أن يقوم بأبحاث تاريخية وأثرية عن مأساة الحلاج في نفس الآن. فرحل إلى بغداد في شتاء 1907 ونزل ضيفاً على أسرة الألوسي في بغداد، وبيتها بيت علم مشهور في العراق، وقد أعجبوا باهتمامه بأمر الحلاج. ثم قام بحفائر في بادية العراق، وزار مشاهد الشيعة كلها في جنوبي العراق، كربلاء والنجف والكوفة الخ، كما زار سلمان باك، القرية التي تضم قبر الصحابيين الجليلين سلمان الفارسي وحذيفة، فضلاً عن بقايا إيوان كسرى، وفي مشاهدته لقبر سلمان ما دعاه إلى الاهتمام بهذا الصحابي الذي قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام: «سلمان منا أهل البيت". وانتهت به حفائره في الصحراء إلى إعادة اكتشاف قصر الأخيضر في ربيع 1908. وتمخضت هذه البعثة الأثرية عن كتاب ضخم في مجلدين بعنوان «بعثة (أثرية) في العراق» ظهر أولهما في القاهرة 1910 ضمن «مطبوعات المعهد الفرنسي للآثار الشرقية"، وظهر الثاني في 1912 في نفس المجموعة.
وكان طبيعياً أن تتمخض أيضاً عن دراسات أخرى عن بغداد والعراق، فكتب في 1910 عدة مقالات من ثمار هذه الرحلة، منها: «هجرات الموتى في بغداد"، «المعركة الأخيرة بين الرفاعية والقادرية"، «الحج الشعبي في بغداد» «دراسات عن مخطوطات في مكتبات بغداد» الخ... وكلها – فيما عدا الأولى – نشرت في «مجلة العالم الإسلامي RMM (المجلدات السادس والسابع والثامن 1908 – 1909).
أما عن الحلاج فقد كانت أول دراسة له بحثاً في «الكتاب التذكاري المهدي إلى نرتفج دارنبور"، سنة 1909 بعنوان: «عذاب الحلاج والطريقة الحلاجية"، وثنى عليه بمقال نشر في RMM (مارس – أبريل سنة 1911) بعنوان «الحلاج، الشبح المصلوب والشيطان عند اليزيدية". وارتبطت بذلك دراسة «الكتب المقدسة عند اليزيدية» (RMM سنة 1911) وهم عبدة الشيطان في شمالي العراق الذين يدعون الانتساب إلى يزيد بين معاوية ويقيمون حتى الآن في جبل سنجار.
وأول بحث كبير عن الحلاج هو نشرته لكتاب «الطواسين"، سنة 1913: النص مع الترجمة الفارسية تبعاً لمخطوطات في استانبول ولندن مع دراسة جيدة قدم بها بين يدي النشرة. ثم نشرته لأربعة نصوص تتعلق به سنة 1914. وعهدت إليه إدارة «دائرة المعارف الإسلامية» أن يكتب مادة «حلاج» فيها سنة 1914، وكذلك مادة «الحلول» وهي تتصل أيضاً بالحلاج فكتبهما.
وفي تلك الأثناء كان قد اشترك في مؤتمر المستشرقين الخامس عشر في كوبنهاجن فالتقى من جديد بجولدتسهير، وألقى بحثاً. وتعرف إلى بول كلودل، الشاعر الفرنسي الكبير، وكان آنذاك في السفارة الفرنسية بالصين، فتبادلا الرسائل. وكلودل، كما هو معروف، شاعر كاثوليكي النزعة إلى حد بالغ. ومن هذا يتبين دائماً الميول الدفينة في نفس ماسينيون. وظل على مراسلاته مع الأب شارل دي فوكو. ثم ذهب إلى استانبول في سنة 1909 للإطلاع على مخطوطات خزائنها الغنية. وعاد إلى القاهرة، وحضر دروساً في الأزهر وكان يلبس الزي الأزهري، كما فعل جولدتسيهر من قبل لما كان يدرس في الأزهر سنة 1873 – 1874، واستمر يمضي الشتاء في القاهرة والصيف في فرنسا طوال السنوات التالية، إلى أن ترك عضوية المعهد الفرنسي في 31 أكتوبر سنة 1911.
ولما طلب إلى جولدتسيهر واسنوك هورخرونيه القيام بالتدريس في الجامعة المصرية القديمة التي أنشئت سنة 1910، اعتذرا وأوصيا بالأستاذ ماسينيون لهذا المنصب. فدعي ماسينيون وألقى أربعين محاضرة باللغة العربية على طلاب الجامعة المصرية القديمة – وكان منهم الدكتور طه حسين – تدور حول تاريخ المذاهب الفلسفية في الإسلام، والاصطلاحات الفلسفية وجعل عنوانها «تاريخ الاصطلاحات الفلسفية» ومنها نسخة بمكتبة «مجمع اللغة العربية بالقاهرة"، وبالمعهد الفرنسي بالقاهرة أيضاً. وحبذا لو نشرت فهي باللغة العربية.
وواصل دراساته عن الحلاج: يجمع النصوص، ويحقق كثيراً من أخباره، ويعنى بكل ما يتصل بنشأة التصوف الإسلامي قبل الحلاج، ويوسع قاعدة البحث حتى تشمل كل الوصفية السابقين عليه. وقد قرر أن يجعل الحلاج موضوع رسالته للدكتوراه.
وهنا قامت الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918، وكان قد تزوج في 27 يناير 1914، ومن هذا الزوج سيرزق بولدين وبنت. لكنه سيفقد أحد الولدين فيما بعد وهو إيف. فطلب للخدمة العسكرية، وأُلحق أولاً بوزارة الخارجية. وفي 1915 اشترك في معركة الدردنيل، ضابطاً بفرقة المشاة في جيش المشرق. ومنذ 27 مارس 1919 أصبح تحت تصرف وزارة الخارجية الفرنسية بوصفه ضابطاً ملحقاً بمكتب المندوب السامي الفرنسي في سوريا وفلسطين قلقيلية، وكان ضمن الجيش الذي دخل القدس في 1917 تحت قيادة أللنبي Allenby العليا.
ووضعت الحرب أوزارها فسرح من الخدمة العسكرية، وعين أستاذاً بديلاً في الكوليج دي فرانس، في كرسي «الإسلام من الناحية الاجتماعية» الذي كان يشغله أستاذه لوشاتلييه وذلك في المدة من 5 يوليو 1919 إلى 30 سبتمبر 1924.
وفي أثناء الحرب فَقَدَ مخطوط رسالته الثانية للدكتوراه، لأن هذا المخطوط كان قد عهد به إلى مطبعة لوفان (بلجيكا) لطبعه، لكن القنابل دمرتها فيما دمرت أثناء الغارات على هذه المدينة.
ولكنه تمكن من إعادة كتابته، كذلك فرغ من كتابة الرسالة الرئيسية بعنوان «عذاب الحلاج، شهيد التصوف في الإسلام". ونوقشت الرسالتان معاً في 24 مايو 1922، واختير هذا التاريخ عن قصد ليوافق مرور ألف عام على صلب الحلاج!
وكانت رسالته الأولى هذه حدثاً ضخماً في تاريخ دراسة التصوف الإسلامي، وتاريخ الدراسات الإسلامية بعامة. فهي دراسة حافلة لكل التيارات الصوفية والكلامية والفلسفية والدينية التي أثرت ومهدت لظهوره وعاصرت رسالته الصوفية، وهذا هو الذي يفسر ضخامتها (في مجلدين الأول في 32 + 942 والثاني 11 + 105 صفحة و 28 صفحة) ومن هنا كانت كنزاً زاخراً بمعلومات مفيدة جداً وآراء سديدة أصيلة في نواحٍ عديدة من الحياة الروحية والدينية والعقلية في الإسلام، وإنها لشاهد ضخم يكفي وحده لتخليد ماسينيون في عالم البحث العلمي والتاريخي.
أما الرسالة الثانية فبعنوان: «بحث في نشأة المصطلح الفني في التصوف الإسلامي» 350 صفحة، وأعيد طبعها سنة 1955 طبعة مزيدة جداً وحافلة بنصوص جديدة. استعرض نشأة التصوف الإسلامي منذ عهد الرسول حتى الحلاج، ودرس المصطلحات الكبرى التي ظهرت في تلك الفترة. وأدلى برأيه السديد الأصيل وهو أن التصوف قد نشأ عن أصول إسلامية خالصة مستمدة من القرآن الكريم وسنة الرسول وحياته، وأصحاب ذوي النزعات الزاهدة. وبهذا دفع في صدر تلك الآراء المغالية الواهية التي ظهرت في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن نتيجة للمنهج الهزيل الذي اتبع، منهج الأشباه والنظائر الواهية الظاهرة للتدليل على التأثير والتأثر. وقد اندفع فيه نفر من مؤرخي التصوف والحياة الروحية في الإسلام من المستشرقين أمثال تولك وجولدتسيهر ومكدونالد وهورتن، ولا يزال هذا المنهج يجد له مع الأسف بعض الأنصار اليوم، لما أن حاولوا رد نشأة التصوف الإسلامي إلى تأثيرات أجنبية كالأفلاطونية المحدثة والمذاهب الهندية. ولهذا فإن للمرحوم الأستاذ ماسينيون الفضل العظيم في تفسير نشأة التصوف الإسلامي ونموه – على الأقل في القرون الثلاثة الأولى – تفسيراً مستمداً من أصول إسلامية خالصة، ومن الكتاب والسنة على وجه التخصيص.
وبعد هاتين الرسالتين استمر نشاطه العلمي محصوراً في المقالات والأبحاث الصغيرة التي ينشرها في المجلات العلمية أو يلقيها في المؤتمرات، وبخاصة مؤتمرات المستشرقين. ولا بد أن نصل إلى عام 1929 لنجد كتاباً كبيراً يكاد أن يكون ملحقاً لرسالتيه هاتين، لأنه يتضمن خصوصاً النصوص العربية غير المنشورة التي استعان بها واستند إليها في رسالتيه، وهو كتاب «مجموع نصوص غير منشورة تتعلق بتاريخ التصوف في بلاد الإسلام» (باريس 1929 في 7 + 9 سم2 صفحة). ومن بين هذه الدراسات الصغيرة التي كتبها في هذه الفترة عدد كبير من المواد في «دائرة المعارف الإسلامية» هي: القرامطة – الخراز – الكندي – ليون الإفريقي – معروف الرصافي – المحاسبي – النوبختي – نوبخا – نور محمدي – نصيري – سهل التستري – السالمية – السنوسية – شطح – الششتري – السري السقطي – طريقة – تصوف – الترمذي – أخيضر – الوراق – ورد – زنج – زنديق – زهد... وكلها كما ترى تدور حول موضوعات في التصوف أو الشيعة وما يقرب منها من مذاهب.
وكان قد عين كما رأينا أستاذاً بديلاً في الكوليج دي فرانس من 1919 إلى 1924 لكرسي دراسة الإسلام من الناحية الاجتماعية، ثم إنه أصبح أستاذاً لهذا الكرسي من 1926 حتى 1954. وعين مديراً للدراسات بالمدرسة العملية للدراسات العليا، قسم العلوم الدينية، وظل فيه حتى تقاعد 1954.
ولما أنشئ المجمع اللغوي (مجمع اللغة العربية الآن) في 1933 عين عضواً عاملاً فيه حتى 1956 ثم عضواً مراسلاً من 1957 حتى وفاته.
وتولى تحرير «مجلة العالم الإسلامية R M M في 1919 وكان كما رأينا يوالي الكتابة فيها منذ 1908، وأصبح مديراً لها في 1927. ثم تحولت إلى مجلة الدراسات الإسلامية» R E I 1927 وكان مديراً لها واستمر يتابع إصدارها كل عام حتى وفاته، وألحق بها ضميمة تحوي أسماء الكتب (وأحياناً نبذة عنها) التي تتعلق بالإسلام والتي تصدر كل عام.
أما عنايته بالحلاج فلم تنقطع لحظة واحدة. فنشر في 1931 «ديوان الحلاج» (في 158 صفحة ولوحتين بـ «المجلة الآسيوية"، عدد يناير – مارس 1931، وأعيد طبعه 1955 مع زيادات) مع ترجمة فرنسية رائعة. وعكف على أخباره، فأخرج هو وباول كراوس كتاب: «أخبار الحلاج» مع ترجمة فرنسية، ومقدمة (وقد أعيد طبعه مرة ثانية 1957). وكتب دراسة عن «أسانيد» أخبار الحلاج 1946 وبحثاً عن «حياة الحلاج بعد وفاته» في السنة نفسها، ودراسة عن «المنحنى الشخصي لحياة الحلاج» نشر في مجلة «الله حي» (كراسة 4 ص 13 – ص39) وهو الذي ترجمناه في كتابنا: «شخصيات قلقة في الإسلام"، (القاهرة 1947). وتتبع «أسطورة منصور الحلاج في بلاد الأتراك» ("مجلة الدراسات الإسلامية» من 1941 – 1946 ص 65 – 115)، و «كتابات العطار عن الحلاج» (المجلة نفسها، ص 117 – 114) وأصدر في 1948 «مراجع جديدة عن الحلاج» (السفر التذكاري لجولدتسيهر، بودابست، جـ 1 ص252 – 279). ونشر «قصة الحلاج» 1954 وهي قصة بلغة شعبية.
على أن اشتغاله بالحلاج لم يصرفه عن الاهتمام بغيره من الصوفية. فكتب عن «ابن سبعين والنقد النفساني» (السفر التذكاري المهدي إلى هـ. باسيه، جـ 1 1929 ص 123 – 134)، وعن «أبي الحسن الششتري» (مجلة الأندلس) 1949 ص 29 – 57). كما كتب في «دائرة المعارف الإسلامية» كما رأينا عن بعض الصوفية الآخرين، ودراسة عن روزبهان البقلي 1953.
ونتيجة لزيارته إلى قرية سلمان باك على بعد 20 كيلومتراً جنوبي بغداد ظل ماسينيون يحتفظ بانطباع عميق عن الصحابي العظيم الذي به انتسب الفرس إلى آل بيت الرسول استناداً إلى حديث: «سلمان منّا أهل البيت". فنشر بحثاً بعنوان «سلمان باك والبواكير الروحية للإسلام الإيراني» ضمن مجموعة مباحث «جمعية الدراسات الإيرانية» 1924 وقد ترجمناه إلى العربية ضمن كتابنا: «شخصيات قلقة في الإسلام".
ولقد قلنا إنه اهتم بمذهب الشيعة وما تفرع عنه بخاصة من مذاهب مغالية، فكتب عن «النصيرية» في دائرة المعارف الإسلامية، و"ثبت مراجع عن النصيرية» 1939 (نشر في «الكتاب التذكاري المهدي إلأى ر. ديسو) و «ثبت مراجع عن القرامطة» و «الأسس الشيعية لأسرة بني الفرات» (نشر في الكتاب التذكاري المهدي إلى جودفروا دي مومبين، القاهرة 1935).
وشغل خصوصاً بالسيدة (فاطمة) بنت الرسول فكتب عن مكانتها عند الشيعة في كتاب «إيرانوس» السنوي جـ 5، 1938 – 1939، وعن «المباهلة في المدينة وفاطمة» (باريس 1955).
وكان شغله الشاغل في السنوات الأخيرة هو بأهل الكهف. فبعد أن ألقى عنهم بحثاً في مؤتمر المستشرقين العشرين المنعقد في بروكسل في سبتمبر 1938 (ونشر في أعمال المؤتمر 1940 ص302) عاد إليهم في 1950 في السفر المهدي إلى بيترز Peeters (1950 جـ 2 ص245 – 260)، ثم كتب بحثاً جامعاً عن أهل الكهف نشر في «مجلة الدراسات الإسلامية» (1955 ص59 – 112 مع 14 لوحة) وفي آخر عدد منها في 1962، استوعب فيه قصة أهل الكهف في الإسلام والمسيحية وجمع وثائق عنها وصوراً وآثاراً.
بقي جانبان في فكر ماسينيون لا نستطيع إلا أن نشير إليهما بإيجاز هاهنا: الأول هو دراسة تراث العرب العلمي، وقد كتب عنه فصلاً في كتاب «تاريخ العلم» الذي أصدره الناشر: «المطابع الجامعية الفرنسية» 1957. وكان آخر بحث تلقيناه من قبيل وفاته بأيام قليلة هو عن «غيوم ماجلان واكتشاف العرب لها» وفيه أثبت أن العرب قد عرفوا غيوم ماجلان، وهي الكواكب التي اهتدى بها ماجلان لما دخل المحيط الهادئ، وبواسطتها استطاع أن يتم دورته حول الأرض، والملاحون العرب قد اكتشفوها من قبله بزمان طويل وكانوا يهتدون بها في الملاحة ويسمونها «البقر".
أما الجانب الآخر فهو دراسة الأحوال الاجتماعية والأنظمة الاجتماعية في العالم الإسلامي على مر العصور، وكانت هذه الدراسة موضوع محاضراته في الكوليج دي فرانس طوال خمسة وثلاثين عاماً، بيد أنه لم ينشر هذه المحاضرات، لأنه لم يكن يكتبها بل يلقيها إلقاء مستنداً إلى مذكرات قليلة متناثرة، وحتى لو كانت قد أخذت بالاختزال لما أمكن نشرها على حالها لأنه كان دائم الاستطراد، خصوصاً وقد كان له من أسفاره التي لا تعد ولا تحصى وتجاربه العديدة في العالم الإسلامي مادة خصبة لا تنفد، ولا شك في أنه أكبر عالم رحالة في هذا العصر. وكان في الوقت نفسه يهتم بقضايا الساعة والدعوة إلى التسامح والإخاء بين الأديان وبين الشعوب، اهتماماً ربما يأسف له الذين كانوا يبتغون منه أن يتوفر على إنجاز الأبحاث العديدة التي رسم خطوطها أو جمع موادها ولم يحرر دساتيرها.
ولكنه كان موفور النشاط والحيوية إلى أقصى حد، شاعراً بأن له رسالة روحية تقتضي الحركة إلى جانب الهدوء في الدراسة.
وظل على هذه الحال من الحيوية والبحث والحركة حتى توفي في 31 أكتوبر 1962.
ولعله لم يكن يردد في لحظاته الأخيرة غير هاتين الآيتين الكريمتين اللتين كان يرددهما في حياته باستمرار، متأثراً في هذا بصديق حياته الروحية، الحلاج: (لن يجيرني من الله أحد) (سورة الجن آية 22)، (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها، والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) سورة الشورى آية 18، ألم يكن الحلاج يردد هذه الآية الأخيرة في أوج لحظات عمره، أعني في لحظة الاستشهاد في سبيل الحق؟

المصدر: موسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بديوي، 1992

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف