البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

المدخل إلى عقيدة الشِّيعة الإماميَّة في ولادة الإمام المهدي(عج) وغيبته

الباحث :  الشيخ محمد مهدي الآصفي
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  19
السنة :  السنة الخامسة خريف 1421 هجـ 2000 م
تاريخ إضافة البحث :  December / 14 / 2015
عدد زيارات البحث :  1780
المدخل إلى عقيدة الشِّيعة الإماميَّة
في ولادة الإمام المهدي(عج) وغيبته

الشيخ محمد مهدي الآصفي‏ (*)

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكرِ أنَّ الَأرْضَ يَرِثُها عِبَادِيَ الصَّالِحُون} [الأنبياء/105].
بين يدينا ثلاث قضايا، يتلو بعضها بعضاً.
القضيَّة الأولى
الانقلاب الكوني الشامل الذي يشير إليه القرآن في غير موقع:
يقول تعالى: {وَعَدَ الله الذِينَ آمنُوا مِنْكُم وَعَمِلُوا الصَّالحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم في الَأرْضِ كَمَا استخلَفَ الَّذِينَ من قَبْلِهم ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الذي ارتضَى لهُم ولَيُبَدِلَنَّهم من بعدِ خوفهم أَمْناً} [النّور/55].
ويقول تعالى: {وَنُريدُ أن نَمُنَّ على الذينَ استُضْعِفُوا في الأرض ونَجْعَلَهم أئمَّةً وَنَجْعَلَهُم الوَارثين * ونُمكِّن لَهم في الَأرض ونُري فِرْعون وهامان وجُنُودَهُما مِنهُم ما كانُوا يَحْذَرُون} [القصص/5 و6].
ويقول تعالى: {ولقَدْ كتَبْنا في الزَّبور من بعد الذِّكر أنَّ الأرضَ يرثُها عباديَ الصَّالحون} .
ويتمُّ هذا الانقلاب عندما يتحكَّم المستكبرون في حياة الناس ويستضعفون عباد الله ويسلبون الناس قيمهم وعقولهم وضمائرهم، وتصل البشرية إلى طريق مسدود،
________________________________________
(*)عالم و مفکر إسلامی من إیران

[الصفحة - 79]


عندئذ تتدخَّل الإرادة الإلهية، وتنقل القوة والسلطان من أيدي الظالمين المستكبرين إلى أيدي الصالحين المستضعفين.
وقد تكرر هذا الانقلاب الكوني في التاريخ، ومن ذلك ما حدث في تاريخ بني إسرائيل عندما استكبر فرعون وأفسد في الأرض.
يقول تعالى: {إنَّ فِرعونَ علا في الَأرضِ وجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضعفُ طائفةً منهم يُذَبِّحُ أبناءهم وَيسْتَحيي نساءَهُم إنَّه كان من المُفْسِدين} [القصص/4].
وهذه هي الحتمية الأولى، وهي انقلاب القوة من المستكبرين إلى المستضعفين الصَّالحين، وهو انقلاب شامل في القيم والمواقع والقوة والسيادة، وهي سنَّة من سنن الله الحتمية.
القضيَّة الثَّانية
إن الذي يقود هذا الانقلاب الكوني الشامل هو المهدي من ذرية رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، وقد وردت في ذلك روايات صحيحة بلغت حدّ التواتر.
وهذه هي القضية الثانية التي يقرّرها الحديث النبوي، ويتَّـفق عليها المسلمون. وهي ثابتة، كما أن القضية الأولى ثابتة بحكم القرآن الشريف، وليس في هذا شك ولا ذاك.
وقد بلغت أحاديث المهدي (عجل الله فرجه الشريف) حدّاً لا يجعل التشكيك فيها غير ممكن، ولسنا نريد أن ندخل هذا البحث ولا البحث السابق عليه.
القضيَّة الثَّالثة
إنَّ المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) الذي أخبر عنه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي (عليهم السلام)، ولد سنة 255هـ. بسامراء، ثم حجبه الله تعالى، عن أعين الناس، وهو الذي يرسله الله حين يشاء لإنقاذ الناس من الظلم، وإزالة الشُّرك من على وجه الأرض، وتقرير التوحيد وعبودية الإنسان لله، وتحكيم شريعة الله وحدوده في حياة الناس. وهو الذي يقود هذا الانقلاب الكوني
________________________________________

[الصفحة - 80]


الشامل الواسع، في انتقال القوة من الطبقة المترفة المستكبرة الفاسدة إلى الطبقة الصالحة المستضعفة: {ونُرِيدُ أنْ نَمُنَّ على الذينَ استُضْعِفُوا في الَأرْض ونَجْعَلَهم أئمَّةً ونَجْعَلَهم الوارِثينَ} [القصص/5].
وقد تواترت الرِّواية عن أهل البيت (عليهم السلام) بأن المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) الذي بشّر به رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) هو محمد بن الحسن العسكري، وهو الإمام الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام).
وحديثنا اليوم يتركَّز حول هذه المسألة بالذات.
ومخاطبنا في هذا البحث هم الذين يؤمنون بحجية حديث أهل البيت (عليهم السلام)، ويبحثون عن أدلة كافية وواضحة وصريحة في الإثبات العلمي لعقيدة الإمامية في تشخيص المهدي المنتظر من آل محمد (عجل الله فرجه الشريف).
فإن الاختلاف بين الشيعة الإمامية وسائر الفرق الإسلامية ليس في أصل قضية «المهدوية». فإنَّ المسلمين مجمعون ـ إلّا من شذّ منهم ـ على الإيمان بأن الله تعالى قد ادّخر المهدي (عجل الله فرجه الشَّريف) من أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لإنقاذ البشرية وللانقلاب الكوني الكبير في حياة الناس... ليس في ذلك شك، والرِّوايات النبويَّة في ذلك صحيحة ومتواترة، وإنما الخلاف بين الشيعة الإمامية وغيرهم من المسلمين في التشخيص والتعيين فقط.
فإن الشيعة الإمامية يذهبون قولًا واحداً إلى أن الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي، المولود سنة 255هـ بسامراء. وقد غيّبه الله تعالى لحكمة يعرفها، وهو الذي ادّخره الله تعالى لنجاة البشرية، وبشّر به الأنبياء والكتب الإلهية من قبل، بينما يذهب الآخرون إلى أن المهدي الذي بشَّر به رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لم يولد بعد، أو ولد ولا نعرف عن اسمه شيئاً.
والأدلَّة التي نستدل بها على إثبات عقيدة الإمامية في تشخيص الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) وتعيينه على طائفتين، الطائفة الأولى: هي الروايات العامة التي لا تخص الإمام (عجل الله فرجه الشَّريف) إلّا أنها تنطبق بصورة قهرية على عقيدة الإمامية في المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ولا نعرف توجيهاً
________________________________________

[الصفحة - 81]


ولا تفسيراً لها إذا أسقطنا من حسابنا عقيدة الإمامية في هذا الموضوع، وهذه الروايات صحيحة بالتأكيد، وبعضها يبلغ حد التواتر في المصادر الإمامية من ناحية رجال السند في مختلف طبقاته ولا مجال للمناقشة فيها من حيث الإسناد. والإيمان بصحة هذه الأحاديث يؤدي إلى الإثبات العلمي لعقيدة الإمامية في تشخيص الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشَّريف) وتعيينه، وذلك بسبب تطابقها أوَّلًا مع ما هو المعروف عند الإمامية ـ كما سوف نرى ذلك إن شاء الله ـ ولانتفاء حالة أخرى تصلح أن تكون مصداقاً وتفسيراً لهذه الأحاديث ثانياً.
ونتيجة هاتين النقطتين (المطابقة والانحصار)، هي التطبيق القهري لهذه الأحاديث على عقيدة الإمامية في تشخيص الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وإليك هذه الأحاديث:
1 ـ حديث الثَّقلين:
وأوَّل حديث نعتمده، في هذا المجال، هو حديث الثقلين الذي صحّ واستفاضت روايته وتواترت عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، وأجمع على تصحيحه المحدثون من جميع الفرق الإسلامية، وليس بين علماء المسلمين، ممّن يحترم علمه، من يشك في صحة هذا الحديث وصدوره عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم).
ويكفي أن يكون من رواة هذا الحديث مسلم في الصحيح، والترمذي والدَّارمي في السنن، وأحمد بن حنبل في مواضع عديدة وكثيرة من المسند، والنسائي في الخصائص، والحاكم في المستدرك، وأبو داود وابن ماجة في السنن، وغيرهم ممَّن لا يمكن إحصاؤهم في هذا المقال... وطرقه في كتب الإمامية أكثر من أن تحصى في هذه الوجيزة.
ولفظ الحديث، كما في أغلب هذه المصادر:
«أيها النَّاس، إنَّما أنا بشر أُوشك أن أُدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثَّقلين، وهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم).
________________________________________

[الصفحة - 82]


والحديث صريح في:
1 ـ إنَّ النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) يترك من بعده خليفتين هما القرآن وأهل بيته لهداية الأمة.
2 ـ وإنهما باقيان لن يفترق أحدهما عن الآخر إلى يوم القيامة.
3 ـ وإن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أمر بالتمسك بهما، وقال: إنَّ التمسّك بهما يعصم الأمّة من الضلال. ومعنى التمسّك هو الاتباع والطاعة. وهذا هو معنى «الحجّة»، وليس للحجة والحجية معنى غير الاتباع والطاعة.
وإذا ضممنا النقطة الأولى (إني تارك فيكم الثقلين) إلى النقطة الثانية (وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، استنتجنا أصلًا هاماً، وهو وجود حجّة وإمام من أهل البيت (عليهم السلام) في كل زمان لا يفترق عن كتاب الله قط.
يقول ابن حجر في «الصواعق»: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسك إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض، كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي» (1).
ولا شك في دلالة الحديث على بقاء حجَّة من أهل البيت إماماً للناس...
وليس لهذا الحديث تفسير أو تطبيق غير ما يعتقده الإمامية من وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وحياته وبقائه وعصمته وإمامته على المسلمين.
وإذا أسقطنا هذا الأمر عن الاعتبار، لم نجد تطبيقاً وتفسيراً له قط في هذه القرون من حياة المسلمين. فليس في المسلمين اليوم، ولا قبل اليوم، من يدّعي أنه أعلم الناس، وأن على الناس أن يتّبعوه ولا يتقدّموه، وأن يتعلّموا منه ولا يعلّموه، كما في نص الحديث الشريف الذي لا يختلف فيه من يُعْبَأ بقوله ورأيه من علماء المسلمين.
وإذا قيل: فما نفع إمام غائب عن النَّاس للنَّاس؟
نقول: إنّ الله تعالى لم يطلعنا من أسرار غيبه إلّا على القليل، وما أخفى الله
________________________________________
(1)الصواعق المحرقة، دار الطباعة المحمدية بمصر، ص 149.

[الصفحة - 83]


علمه عنّا كثير، وما عرّفنا منه قليل. وقد أخبرنا الصادق الأمين (صلي الله عليه و آله و سلم) ببقاء حجَّة من أهل بيته في الناس على وجه الأرض إلى يوم القيامة، فنتعبّد بحديثه، ونحيل علم ما لا نعلم إلى من يعلم... وليس كل ما في شريعة الله ودينه مفهوم ومعروف لنا.
2 ـ حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه:
رواه مسلم في الصحيح، ولفظ الحديث: عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليَّة» (2).
وروى البخاري، في الصَّحيح، عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهليَّة» (3).
ورواه أحمد، في المسند، عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) ولفظ الحديث: «من مات وليس عليه طاعة مات ميتة جاهليَّة» (4).
ورواه الطيالسي، في المسند، عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «من مات بغير إمام مات ميتة جاهليَّة» (5).
ورواه الحاكم في المستدرك ولفظ الحديث: «من مات وليس عليه إمام جماعة فإنّ موتته جاهليَّة»(6)، وصحَّحه الحاكم على شرط الشيخين البخاري ومسلم.
ورواه الذهبي، في تلخيص المستدرك، وصحَّحه على شرط الشيخين، وغير خفيٍّ تشدّد الذهبي في تصحيح أحاديث المستدرك.
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد (8) بأسانيد كثيرة وألفاظ عديدة.
وطرق الحديث وألفاظه كثيرة تبلغ حدّ الاستفاضة. وقد علمنا أن بعضها صحيح كما شهد به الذهبي.
وروى الحديث ثقاة المحدّثين من أصحابنا الإمامية وطرقهم إليه كثيرة، وطائفة منها صحيحة، وهي في الجملة قريبة من التواتر، وقد عقد المجلسي، رحمه الله ، له باباً في بحار الأنوار، روى فيه أربعين حديثاً في هذا المعنى بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة تحت عنوان: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة» (9).
________________________________________
(2) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن، 6/22.
(3) صحيح البخاري، كتاب الفتن، الباب الثاني.
(4) مسند أحمد، 3/416.
(5) مسند الطيالسي، طبعة حيدر آباد، ص 259.
(6) الحاكم في المستدرك.
(7) الذهبي في تصحيح المستدرك، 1/77.
(8) الهيثمي في مجمع الزوائد، 5/218 ـ 225.
(9) المجلسي، بحار الأنوار، 23/76 ـ 93.

[الصفحة - 84]


نذكر منها طريقين على سبيل المثال:
الطريق الأول: رواية البرقي في المحاسن بسند معتبر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «إنَّ الأرض لا تصلح إلّا بإمام. ومن مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية» (10). والسند معتبر.
الطريق الثاني: روى الكشي: عن ابن أحمد عن صفوان عن أبي اليسع قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): حدّثني عن دعائم الإسلام، فقال: شهادة أن لا إله إلّا الله ... إلى أن قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): من مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة» (11).
ورجال السند كلهم ثقاة.
ولسنا نحتاج إلى توثيق السند في أمثال هذه الروايات التي تضافرت روايتها عن الطريقين، والروايات واضحة الدلالات صحيحة السند، وهي تدلّ على الحقائق الآتية:
1 ـ إن الأرض لا تصلح إلا بإمام.
2 ـ ولا بدَّ، في كل زمان، من أن يعرف الإنسان إمام زمانه، ومعرفته من الدِّين والجهل به ورفضه من الجاهليَّة.
3 ـ ولا بدَّ لكل أحد، في كل زمان، من طاعة الإمام، ولا يجوز لأحد أن يخرج عن طاعة إمام زمانه.
4 ـ ومن يمت وليس في عنقه بيعة للإمام يمت ميتة جاهلية.
5 ـ ولا بدَّ من أن يكون في كل زمان إمام تجب معرفته وطاعته، ولا بدَّ من أن تتّصل حلقات الأئمَّة في كل زمان، ومن أن لا يخلو منهم زمان.
ولا يصح أن يقال: إن هذا المورد من قبيل الحكم بشرط الموضوع، أو تعليق الحكم على الموضوع كأيّة قضية حقيقية أخرى.
فإننا نقول: إن الأمر كذلك، ولا تدل القضية الحقيقية على إثبات موضوعها،
________________________________________
(10) رجال السند كلهم ثقاة. والسند يبدأ بالبرقي عن «ابن فضال»، وهو ثقة، عن «حماد بن عثمان»، وهو ثقة كذلك، عن أبي اليسع عيسى بن السري، وهو ثقة من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).
(11) بحار الأنوار، 23/90، ورجال الكشي، ص 266 و267.

[الصفحة - 85]


وإنّما تثبت الحكم على فرض تحقق موضوعه، ولكن الروايات الواردة في هذا الباب تدلّ على أمر أكثر من ذلك، وهو ضرورة ارتباط الناس بالإمام أو معرفتهم به وقبولهم له، وأنّه شرط الإسلام، وخِلافُه الجاهليَّة. وهذه القضية تكشف عن وجود الإمام في كل زمان، من دون أن يكون معنى ذلك أن القضية الحقيقية تثبت موضوعها، فإن القضية الحقيقية دائماً بشرط تحقق الموضوع، ولكننا نقول: إن الذي نستظهره من الروايات هو أنّها تكشف عن استمرار الموضوع، وهو وجود الإمام الحجة في كل زمان، وهذا أمر آخر غير الإثبات.
وبتعبير آخر: إنَّ الروايات الواردة في هذا الباب تكشف عن أن سنة الله تعالى قد اقتضت وجود إمام عدل في كل زمان، قد فرض الله طاعته، ولم يأذن بالخروج عن طاعته. والحكم الشرعي الوارد في هذه الروايات يستبطن الكشف عن سنة إلهية. أما الحكم فهو وجوب طاعته في كل زمان.
أما السنّة الإلهية التي يستبطنها هذا الحكم فهي وجود إمام في كل زمان، وإلّا فكيف يُطْلَبُ من الإنسان أن لا يموت إلّا وهو في طاعة إمام زمانه، وأن يلتزم ببيعته وطاعته، غير ناقض ولا ناكث لها، وغير جاهل به، فإذا خرج عن الطاعة أو نكث البيعة أو جهل به مات ميتة جاهليَّة، بهذه الدرجة من التغليظ والتشديد في الجزاء والعقوبة.
ومن نافلة القول أن نقول: إنَّ الحكَّام الظلمة وأئمة الكفر والذين يحاربون الله ورسوله لا يكونون مصاديق للإمام الذي يفرض الله على الناس معرفته وطاعته في كل زمان وقد قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار} [هود/113].
{ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} [الشعراء/151 و152].
{ويريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} [الكهف/28].
وبعد هذا الإيضاح، نقول: إن التفسير الوحيد لهذه الروايات هو ما تعرفه الإمامية وتعتقد به من استمرار الإمامة في أهل البيت (عليهم السلام)، منذ وفاة رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) إلى اليوم، وعدم انقطاع الإمامة بوفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). وأي
________________________________________

[الصفحة - 86]


فرض آخر لا يستطيع أن يقدّم تفسيراً معقولًا لهذه الروايات، إلّا أن نقول بوجوب الطاعة لكل برّ وفاجر، كما يقول به بعض الناس، وإثباته على عهدة من يَدَّعيه.
ولسنا نعتقد أن الطاعة التي تساوي الإسلام، ويساوي خلافها الجاهلية، هي طاعة هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بعدم الركون إليهم والكفر بهم من الحكام الظلمة الذين حكموا المسلمين خلال التاريخ. ومن يضع هذه الطائفة من الروايات إلى جانب الطائفة الأولى من الروايات يجد تطابقاً واضحاً في ما بينهما.
فقد ورد في حديث الثقلين، من الطائفة الأولى، أنهم حجج الله على عباده ويجب التمسك بهم، وهم العدل الآخر للكتاب، وما إن تمسك الناس بهم لن يضلُّوا أبداً.
وورد في الطائفة الثانية أن معرفتهم من دين الله والجهل بهم من الجاهليَّة والضَّلالة، والحديث ممَّا تسالم عليه الفريقان، وقد ذكرنا بعض ألفاظه وطرقه من قبل، وممَّن أخرجه الشيخان في الصحيحين.
3 ـ حديث أن الأرض لا تخلو من حجَّة:
روى هذا الحديث من أصحابنا الإمامية محدّثون ثقاة مثل المحمدين الثلاثة: الكليني والصدوق وأبي جعفر الطوسي (رحمهم الله ) بطرق كثيرة تبلغ حدّ التواتر في مختلف طبقات إسناده، وقد عقد له الكليني محمد بن يعقوب في كتاب الحجة من الكافي باباً بهذا العنوان (12).
كما عقد العلَّامة المجلسي، في بحار الأنوار، باباً بعنوان: «الاضطرار إلى الحجة، وأن الأرض لا تخلو من حجة»، وهو الباب الأول من المجلد السابع من الكتاب ذكر فيه 118 حديثاً بهذا المضمون، وفي ما يلي نذكر نماذج من هذه الروايات:
ذكر الكليني في الكافي، كتاب الحجة، باب أن الأرض لا تخلو من حجة: «عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عمير عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: إلّا وأحدهما صامت» (13).
________________________________________
(12) الكليني، الحجة من الكافي، 1/178.
(13) المصدر نفسه.

[الصفحة - 87]


والسند تام لا يتطرق إليه الشك.
وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم عن إسحق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال سمعته يقول: «إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام» (14). والسند تام والرواية معتبرة.
وروى الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن ربيع بن محمد المسلّي عن عبد الله بن سليمان العامري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما زالت الأرض إلّا ولله فيها الحجة» (15). والسند تام والرواية معتبرة أيضاً. ورواة الحديث ثقاة.
وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قال: «إن الله لم يدع الأرض بغير عالم» (16).
والسند تام والرواية معتبرة كذلك.
وروى الكليني عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشّاء، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام): «هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا. قلت: إنّا نروي أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط الله عز وجل على العباد؟ قال: لا تبقى إذاً لساخت» (17). والسند تام والرواية معتبرة.
وروى الشريف الرضي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في نهج البلاغة، ما له علاقة بذلك. قال (عليه السلام): «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً، وإما خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته».
هذه طائفة واسعة من الروايات تبلغ حد التواتر، وجملة منها تامّة من حيث السند، كما أشرنا إلى بعضها من كتاب الكافي، وهي صريحة بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله ظاهراً أو مغموراً، والحجة في كلمات أهل البيت (عليهم السلام) مصطلح معروف لمن يألف كلماتهم (عليهم السلام)، وهذه الأحاديث لا تحتاج إلى تعليق كثير وتأمّل وتوقف، فهي صريحة في ضرورة وجود الإمام في كل زمان، ولا تفسير لهذه الروايات بغير ما تعرفه الشيعة الإمامية وتعتقده من وجود الإمام وحياته وغيبته، وإذا
________________________________________
(14) المصدر نفسه. والرواية معتبرة من حيث السند ورواتها كلّهم ثقاة، وأما إبراهيم بن هاشم والد علي بن إبراهيم فقد رجّح العلّامة في «الخلاصة» الأخذ بروايته، وأكثر ابنه علي بن إبراهيم من الرواية عنه في التفسير، وقد التزم في مقدمة التفسير بالرواية عن الثقاة فقط، وصرّح ابن طاووس عند ذكر رواية من أمالي الصدوق في سندها إبراهيم بن هاشم بأنّ رواة الحديث ثقاة بالاتفاق، وهو أول من نشر حديث الكوفيين في قم، وتلقوه عنه بالقبول، رغم اشتهار القُمِّيين بالتشدّد في قبول الحديث، ولا يتردد فقهاؤنا في الأخذ برواياته، يقول السيد الخوئي رحمه الله : لا ينبغي الشك في وثاقة ابراهيم بن هشام.
(15) المصدر نفسه. أمّا علي بن الحكم، فقد وثّقه فقهاؤنا لوقوعه في إسناد كتاب التفسير لعلي بن إبراهيم القمي.
(16) المصدر نفسه.
(17) المصدر نفسه، 1/179، والسند معتبر تام، وحسين بن محمد الأشعري الثقة شيخ الكليني، ومعلى بن محمد هو البصري روى في تفسير القمي فهو ثقة، والوشّاء هو الحسن بن علي بن زياد، قال البرقي عنه: لا ينبغي الشك في وثاقته.

[الصفحة - 88]


أسقطنا هذا الأمر من الاعتبار فلا نجد تفسيراً لهذه الروايات، البتّة، وهي كثيرة، بالغة حدّ التواتر.
4 ـ حديث الأئمة الاثني عشر:
روى البخاري في الصحيح، كتاب الأحكام، عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلّهم من قريش.
وروى مسلم في الصحيح، كتاب الإمارة، باب أن الناس تبع لقريش، عن جابر بن سمرة قال: «سمعت النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) يقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلًا، ثم تكلّم النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)؟، فقال: كلّهم من قريش» (18).
وروى مسلم في الصحيح، كتاب الإمارة، باب أن الناس تبع لقريش عن جابر بن سمرة يقول: «سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلّهم من قريش» (19).
وروى أيضاً مسلم في الصحيح، في الكتاب نفسه والباب نفسه عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي فسمعته يقول: «إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش» (20).
وروى الترمذي، في السنن، كتاب الفتن، باب ما جاء في الخلفاء، عن جابر بن سمرة قال: «قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): يكون من بعدي اثنا عشر أميراً»، ثم عقّب على ذلك بقوله: قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح (21).
وروى أبو داود في السنن عن جابر بن سمرة قال: «سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، فكبّر النّاس، وضجّوا، ثم قال كلمة خفيت عليّ، قلت لأبي: يا أبه ما قال؟ قال: كلّهم من قريش» (22).
________________________________________
(18) صحيح مسلم، ط دار الفكر، 6/3، ح6، باب أن الناس تبع لقريش، كتاب الإمارة.
(19) المصدر نفسه، ح8.
(20) المصدر نفسه.
(21) سنن الترمذي، 4/501، ط مصطفى البابي الحلبي.
(22) سنن أبي داود، 2/421، ط مصطفى البابي الحلبي 1371، أول كتاب المهدي.

[الصفحة - 89]


وروى الحاكم في المستدرك في كتاب معرفة الصحابة عن جابر قال: «كنت عند رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فسمعته يقول: لا يزال أمر هذه الأمّة ظاهراً حتى يقوم اثنا عشر خليفة».
وروى أحمد بن حنبل في المسند هذا الحديث عن جابر من أربع وثلاثين طريقاً (23). وروى أبو عوانة هذا الحديث في مسنده (24).
وابن كثير في البداية والنهاية (6/248)، والطبراني في المعجم الكبير (94 و97)، والمناوي في كنوز الحقائق (208)، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (61)، والعسقلاني في فتح الباري (13/179)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/158)، والخطيب في تاريخ بغداد (14/353)، والعيني في شرح البخاري (24/281)، والحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل (1/455)، والقسطلاني في إرشاد الساري (10/328)، وغيرهم من المحدّثين والحفّاظ.
وأخرج أصحابنا الإمامية الحديث بطرق كثيرة جدّاً، بالغة حد التواتر، وفيها الصحيح الذي لا يمكن التشكيك في سنده.
روى الحر العاملي، صاحب الوسائل، رحمه الله ، في الجزء الثاني من كتابه القيم: «إثبات الهداة»، تسعمئة وسبعة وعشرين (927) نصَّاً من النصوص العامة لإثبات إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، في الكثير منها تصريح بعدد الاثني عشر بشكل صريح وبأسماء الأئمة (عليهم السلام)، وجملة من طرق هذه الروايات صحيحة بلا إشكال، وهي بالغة حدّ التواتر أيضاً بلا إشكال.
منها 95 رواية أخرجها الكليني في الكافي.
و53 رواية أخرجها الصدوق في عيون الأخبار.
و22 رواية أخرجها الصدوق في معاني الأخبار.
و92 رواية أخرجها الصدوق في إكمال الدين.
و22 رواية أخرجها الصدوق في الأمالي.
________________________________________
(23) مسند أحمد بن حنبل، 5/86 ـ 108.
(24) مسند أبي عوانة، 4/396 و398 و399.

[الصفحة - 90]


و18 رواية أخرجها الشيخ أبو جعفر الطوسي في الغيبة.
و11 رواية أخرجها الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباح المتهجد.
وغير ذلك. ولست أعرف وجهاً علمياً موضوعياً للتشكيك في رواية يرويها المحدثون عن 927 طريقاً.
ولدينا مجموعة من النقاط في هذا الحديث:
1 ـ لا إشكال في أن حديث الاثني عشر خليفة قد صدر عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، فقد رواه الفريقان بطرق كثيرة، ويكفي أن البخاري ومسلم من السنّة والكليني والصدوق من الشيعة من رواة هذا الحديث.
2 ـ والأحاديث ظاهرة في أن الأمراء المذكورين في هذه الرواية أمراء الحق، ولا يكونون من أئمة الظلم والجور، من أمثال معاوية ويزيد والوليد والمتوكل وأضرابهم من حكَّام الظلم والجور.
3 ـ وأن عدتهم اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل.
يقول تعالى: {ولقد أخَذَ الله ميثاقَ بني إسرائيلَ وبَعَثْنا منهم اثني عشر نقيباً} [المائدة/12].
4 ـ ولا يخلو منهم زمان.
ولا نعرف لهذه الأحاديث بمجموعها تطبيقاً قط غير الأئمَّة الاثني عشر المعروفين عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، وآخرهم المهدي المنتظر(عج)، وهو الإمام الثاني عشر.
ولو رأينا التمحُّل الذي يتمحله علماء كبار، من أمثال السيوطي، في ترتيب الاثني عشر أميراً بعد رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، لاطمأن القلب إلى أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لم يرد غير الأئمة الاثني عشر من أهل بيته الأبرار الطاهرين (عليهم السلام). ولقد أحسن محمود أبو رية في التعليق على التوجيه الذي وجّه به السيوطي هذه الرواية، فقال عنه: «ورحم الله من قال عن السيوطي إنه حاطب ليل».
________________________________________

[الصفحة - 91]


فلا نعرف تطبيقاً قط ينطبق بالتمام والدقّة على هذه الروايات غير عقيدة الشيعة الإماميّة، وفي ضمنها ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) (عجل الله فرجه وغيبته وظهوره).
وبعد، فهذه أربع طوائف من الروايات لا يتطرق إليها الشك من حيث السند والدلالة. وإذا ضممنا بعضها إلى بعض لا يبقى تطبيق حقيقي ودقيق لهذه الأحاديث غير ما تعرفه الشيعة الإمامية (وأقصد بهم الاثني عشرية) من القول بإمامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في إثني عشر حلقة متصلة، وولادة الإمام الثاني عشر منهم وغيبته، وهو محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام).
وإذا ألغينا عقيدة الشيعة الإمامية من الحساب لم يبق معنى ولا تطبيق لهذه الأحاديث البتة. أما المذاهب التي لا تتبنّى مسألة «الغيبة والانتظار» فلا يمكن تطبيق هذه الأحاديث على رأيها لانقطاع حلقات الإمامة عنها في أدوار كثيرة ومراحل طويلة من التاريخ، حتى لو أخذنا بتمحُّل السيوطي في ترتيب الاثني عشر إماماً. وعليه تتخلف معهم الطائفة الأولى والثانية والثالثة من الأحاديث.
وأما المذاهب التي تتبنى مسألة «الغيبة والانتظار» في الإمام، كالإسماعيلية، فهي أيضاً غير قادرة على إعطاء تفسير صحيح لهذه الطوائف الأربع من الأحاديث لتخلف الطائفة الرابعة عنها (وهي الروايات التي تصرِّح بأن عدد خلفاء رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) من بعده اثنا عشر إماماً أو أميراً).
فينحصر الأمر في تطبيق هذه الروايات في تاريخ الإسلام على ما تقول به الشيعة الإمامية، وليس له من تطبيق آخر، ولا نعرف تطبيقاً آخر لهذه الطوائف الأربع من الروايات غير ما يقول به الإمامية من الإيمان بولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) وغيبته، وهذا هو معنى «المطابقة والانحصار».
وعندئذ يتم الاستدلال بهذه الطوائف الأربع من الروايات بشكل كامل، لانحصار الأمر في تطبيق هذه الروايات على ما تقول به الإمامية، وعدم وجود أي تطبيق آخر معروف في تأريخ الإسلام لها.
________________________________________

[الصفحة - 92]


ونقرّب ذلك بمثال من القضاء.
ـ لو أن أحداً عثر على مال في دار لا يدخلها غير نفر معدود، ولا يدخلها غيرهم، فادّعاه أحدهم، لا يعرف الناس له تناقضاً أو كذباً، ولم يدّعه غيره ممن يتردَّد على هذه الدار من أولئك النفر. فإن القاضي يحكم بالضرورة بعائدية المال إلى المدّعي مع عدم وجود ادعاء معارض، وليس يحتاج إلى بيّنة أو يمين أو وسيلة أخرى من وسائل الإثبات القضائي بالضرورة.
وواقع الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) في التاريخ الإسلامي بالقياس إلى الأخبار الصحيحة التي أخبر عنها رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يشبه إلى حدّ ما هذا المثال القضائي.
ولذلك قلنا إن انطباق هذه الروايات على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، ومنهم الإمام الثاني عشر الغائب المنتظر (عج) انطباق قطعي وضروري، ولا يحتاج إلى جهد علمي كبير بقدر ما يحتاج إلى رؤية صافية غير مثقلة بالخلفيات والرواسب الفكرية والعصبيات، أعاذنا الله منها.
خلاصة الكلام
ونلخّص الكلام في هذا الباب ونقول:
إن أمامنا افتراضين اثنين:
الافتراض الأول صحة عقيدة الشيعة الإمامية من الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، بمن فيهم الإمام الثاني عشر (عج)، وولادته وغيبته وظهوره.
والافتراض الثاني عدم صحة هذه العقيدة.
ومن الطبيعي أن نخضع هذين الافتراضين للدراسة والتحقيق في ضوء الطوائف الأربع المتقدمة من الحديث، التي لا يمكن إنكارها ولا تكذيبها.
عندئذ نجد أن الافتراض الأول يقدّم بسهولة تفسيراً واقعياً تاريخياً للطوائف الأربع المتقدمة من الحديث لانطباقها الكامل عليه.
________________________________________

[الصفحة - 93]


بينما الافتراض الثاني يؤدي إلى إنكار الأحاديث الأربعة أو تكذيبها. والأول منهما يعارض النهج العلمي المعروف للفريقين في توثيق الحديث، والثاني منهما تكذيب لرسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته الذي أذهب الله عنهم الرجس، وجعلهم رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) العدل الآخر للكتاب.
________________________________________

[الصفحة - 94]
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف