الباحث : السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
اسم المجلة : تراثنا
العدد : 34
السنة : السنة التاسعة / محرم ـ صفر ـ ربيع الأول سنة 1414هـ
تاريخ إضافة البحث : January / 6 / 2015
عدد زيارات البحث : 2082
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق ، سيد الأنبياء والمرسلين محمد ، وعلى الأئمة الأطهار من آله وعترته الطيبين .
وبعد :
فقد وفقني الله تعالى لاستغلال العطل الدراسية في الحوزة العلمية المباركة ، في سبيل إحياء بعض الرسائل الكلامية القديمة والتي لم تنشر من قبل ، فحققت منها :
1 ـ النكت في مقدمات الأصول ، للشيخ المفيد رحمه الله (ت 413) والذي نشر لأول مرة بمناسبة الذكرى الألفية لوفاته سنة 1413 في قم المقدسة ، وطبع مرتين في تلك السنة .
2 ـ عجالة المعرفة في أصول الدين ، للشيخ ظهير الدين ، محمد بن سعيد بن هبة الله ، وهو ابن القطب الراوندي من أعلام أواخر القرن السادس . وطبع في نشرة « تراثنا » المجيدة ، العدد 29 ، شوال 1412 .
(الصفحة 125)
3 ـ الخلاصة في علم الكلام ، للإمام قطب الدين السبزواري ، من أعلام أوائل القرن السادس .
وهو هذا الكتاب الذي ينشر هنا لأول مرة .
وقد احتوى عملنا فيه على :
1 ـ هذه المقدمة ، الشاملة للحديث عن موضوع الكتاب ، وعن مؤلفه ، وعن نسخه ، ونماذج مصورة منها .
2 ـ متن الكتاب مضبوطا ، مصححا ، ومشكولا .
3 ـ الفوائد القيمة ، الموجودة في هوامش النسخ .
والله هو المسؤول أن يتقبل عملنا بأحسن القبول ، وأن يوفقنا لخير مأمول ، وأن يهدينا سواء السبيل .
إنه قريب مجيب .
(الصفحة 126)
المقدمة
1 ـ موضوع الكتاب ومحتواه :
تكاد كلمة المسلمين تتفق على أن المعارف التي يجب على المسلم استيعابها هي : أصول الدين ، وأحكام الشريعة .
وإن كانت المعرفة ـ بشكل عام ـ مطلوبة ، ومرادة ، وبكل فروعها ، فيما يتعلق بالكون والحياة ، وبخاصة : ما يرتبط بالجوانب الاجتماعية والإنسانية التي تحدد علاقة الإنسان ببني نوعه ، وذوات جنسه من كافة المخلوقات ، كالتعاليم الأخلاقية ، والآداب الحسنة ، التي استقطبت جهودا جبارة من المصلحين ، وفي مقدمتهم الأنبياء والأئمة ، والعلماء ، والصالحين من الناس .
وبالنسبة إلى هذين الواجبين ـ العقيدة والشريعة ـ فقد اختلفت المذاهب الإسلامية في تحديد المصادر التي يؤخذان منها (1) لكنها لم تختلف في أصل الالتزام بوجوبهما وضرورتهما ، لكل من يعتقد بالإسلام .
وقد يكون من الواضح المعروف : أن الإنسان إنما يتحرك في الحياة تبعا لدعوة الضرورة وما يحسه من الحاجة ، ويلتزم به من قناعات ، فإذن لا بد من وجود قناعة تكون هي « الركيزة » الأساسية لانطلاقه ، وتوجهه ، وتحركه ، وتلك هي « عقيدته » .
وأما منشأ انقداح هذه الركيزة عنده ، وسبب انبثاق هذه الضرورة في
-----------------------------------
(1) لاحظ حديثا مفصلا عن هذا الاختلاف وأبعاده في ما قدمناه لكتاب « الحكايات » للشيخ المفيد ، ص 14 وما بعدها ، وانظر : « نظرات في تراث الشيخ المفيد » ص 40 فما بعدها .
(الصفحة 127)
وجوده ، فهي :
عند البعض : إشراق وتوجيه غيبي ، لا غير ، ولذلك يقفون في تحديد أبعاد الركيزة « العقيدة » على التعبد بما ورد من قبل السمع ، وما جاءت به نصوص الشرع من الحديث ، والأثر ، وما التزمه السلف ! فيحددون « التفكير البشري » بإطار ما ورد من النص ، وما ورد من أقوال الشارع ، وآثار السلف المشروعة ، فيما يجب على المسلم أن يعتقده ويفكر فيه ، ويعرفه ! لا يجوز له أن يعرف غيره ، ولا يفكر فيه ، ولا يبحث عنه ، ولا يتجاوزه !
بينما عامة المذاهب الإسلامية ـ ومنهم الشيعة الإمامية ـ يرون أن حصر « العقيدة » في هذا الاطار يستتبع الدوران في حلقة مفرغة ، حيث إن المفروض قبل التوجه إلى الحاجة ، عدم وجود اعتقاد مسبق بما هو غيب ، أو يسمى شرعا ، أو حديثا ، أو سمعا ! فكيف يتم الالتزام بنفس الغيب ؟ ! فضلا عن تحديد شيء بما يأتي عنه ؟ وعلى أساسه ؟ !
وبعبارة أخرى : فإن الغيب الذي لم تتم القناعة بوجوده ، كيف يتم إثبات شيء به ؟ ! وكيف تحصل القناعة بشيء من خلاله ؟ ! وهل فاقد الشيء يعطيه ؟ !
مع أن مثل هذا الاشراق ، يعتمد نظرية « الجبر الإلهي » المرفوض علميا !
وقد اعتبر المسلمون ـ كافة ـ هذا النوع من الالتزام العقيدي ، جمودا ، وإخمادا للفكر الإنساني ، واستبدادا بحق الإنسان في الفكر ، ومصادرة لحريته !
بل ، يلتزم المسلمون بأن الإنسان لا بد أن يتوصل إلى القناعة ومن خلال إحساسه ـ بفطرته ووجدانه ـ وأن يشعر ـ بنفسه ـ بلزوم ارتكازه على « ركيزة » ومنطلق ، وأن يملك « مبدأ » لحركته ، ومرجحا لتعيين اتجاه سيره في هذه الحياة ، وعقيدة يحس بها بوجوده ، ويعترف بها بكيانه ، ويلتزمها بعقله وضميره ، حتى تطمئن نفسه بأنها المحرك الصائب والموجه الأمين الرائد له . ومنشأ هذه الضرورة عندهم :
إما إحساسه بفقدان شيء ، والفقر إليه ، والنقص عنده ، ولزوم البحث
(الصفحة 128)
عنه ، وسد الحاجة به ، وملء الفراغ والنقص ؟
أو القناعة بالتقصير أمام ما بحوزته من إمكانات ونعم ، يحثه ضميره إلى شكرها ، فيلزم معرفة المنعم بها عليه ؟
أو شعوره بإمكان خطر يهدده في متاهات هذا الكون الرحيب ، فيلجأ إليه ؟
وكل من ذلك الاحساس بالحاجة ، والقناعة بلزوم شكر المنعم ، والشعور بوجوب دفع الخطر ، التي هي معلومة له ، موجودة عنده ، تدعوه إلى « معرفة » تغنيه ، وتمكنه من أداء الشكر ، وتكون الملجأ له .
وهذا المنشأ ، يدعوه إلى البحث والنظر ، والفكر والتأمل ، حتى يقف على « معتقد » يقتنع به ، وينطلق منه لتكميل مسيرته الفكرية في الحياة ، وأداء واجباته العملية على الأرض .
وهذا الالتزام لا يتوقف على التعبد بشيء ، ولا على التزام مسبق ، ولا على وجود شرع أو نص ، أو حديث .
وإن كان بالإمكان أن يسترشد الإنسان في تفتيق إحساسه ، وبلورة شعوره ، وتحريك ضميره ووجدانه ، بالتعبديات ، من أحاديث الشرع وآثار المتشرعة ، فيمهد بها الطريق ، وينير بها الدرب ، ليسير إلى المنشود في أسهل السبل وأيسرها ، ويصل إلى المطلوب بأسرع وقت ، وآمن شكل وأتقنه .
لكن لا على أساس تلك القناعة المفروضة ، ولا التعبد المسبق ، ولا الاعتقاد الجبري .
وإن عامة المسلمين يرون رفض المنهج المذكور تزمتا ممقوتا ، وحنبلية مرفوضة ، ومعارضة صريحة حتى لنصوص الشريعة ، حيث أكدت على أن (لا إكراه في الدين) .
(الصفحة 129)
والشيعة الإمامية :
استهداء بقناعات الفطرة ، والعقل السليم .
واسترشادا بهدي القرآن الكريم ، والسنة الشريفة الثابتة بالطرق الموثوقة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام .
تعتمد في تحديد « المعرفة » وما يتعلق بها من قضايا ، وأحكام ، ولوازم ، على أسس من المنطق ، والفكر ، والبحث العلمي ، وعلى ما يوافق عليه العقل البشري ، والفطرة الخالصة ، والابتعاد عن التناقض والتهافت والاستبداد والتعصب .
ومن أجل تعبيد الطرق للطالبين ، وتوضيح الحجج للراغبين ، وتقريب المسافة للبعيدين ، وتسهيل الأمر للمتلهفين للحق : ألف علماؤنا الكرام كتب علم الكلام ، معتمدين مناهج عديدة ، ومسالك سديدة ، تهدي إلى الرشاد ، وتوصل إلى الحق المراد .
ومن نفائس المؤلفات الكلامية : كتابنا هذا المعروف باسم « الخلاصة في علم الكلام » والمنسوب تأليفه إلى الإمام قطب الدين السبزواري ، من علماء أوائل القرن السادس الهجري .
ويتكفل البحث عن « أصول الدين » ضمن أبواب ثمانية ، وهذه مجمل بحوثها ، عبر العناوين الرئيسية فيها :
الباب الأول : في التوحيد ، وفيه فصول :
الفصل الأول : في إثبات وجوب النظر .
الفصل الثاني : في إثبات ذاته تعالى .
الفصل الثالث : في صفاته الثبوتية .
الفصل الرابع : في صفاته السلبية .
الباب الثاني : في العدل ، وفيه فصول :
(الصفحة 130)
الفصل الأول : في تعريف العدل .
الفصل الثاني : في الاختيار . الفصل الثالث : في أنه تعالى قادر على القبيح .
الفصل الرابع : في أنه تعالى لا يفعل القبيح .
الفصل الخامس : في أنه تعالى لا يريد القبيح .
الفصل السادس : في أن الكافر مكلف كالمؤمن .
الباب الثالث : في النبوة ، وفيه فصول :
الفصل الأول : في حسن بعثة الأنبياء عليهم السلام .
الفصل الثاني : في إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم . الفصل الثالث : في صفاته عليه السلام .
الفصل الرابع : كلام الله تعالى محدث .
الفصل الخامس : في جواز النسخ .
الباب الرابع : في الإمامة ، وفيه فصول :
الفصل الأول : في إثبات وجوب الإمام .
الفصل الثاني : في صفات الإمام .
الفصل الثالث : في تعيين الإمام .
الفصل الرابع : في غيبته عليه السلام .
الباب الخامس : في الوعد والوعيد .
الباب السادس : في الآلام والأعواض .
الباب السابع : في الآجال ، والأرزاق ، والأسعار ، وفيه فصول :
فصل في أجل الحيوان .
فصل في الأرزاق .
فصل في الأسعار .
(الصفحة 131)
الباب الثامن : في أحوال المكلفين بعد الموت ، وفيه فصول :
الفصل الأول : في سؤال القبر .
الفصل الثاني : في الإعادة .
الفصل الثالث : في الشفاعة .
الفصل الرابع : في عدم التكليف في الآخرة .
(الصفحة 132)
2 ـ أهمية الكتاب فكريا وتراثيا :
غلب السلاجقة على الأمور وقد كانت جذور الحياة القبلية راسخة في أعماق نفوسهم مما أثر في دولتهم ، وكانوا غير مثقفين ، ولم يحاولوا الاستعانة بالحكماء والعلماء كثيرا ، بل غلبت عليهم الصبغة العسكرية ، فقد أدت قوة النظام القبلي إلى إثارة الفتن والقلاقل ، كما أثرت بداوة السلاجقة في تعصبهم الشديد للمذهب السني الذي يرعاه الخليفة العباسي في بغداد ، فاستغلوا ذلك في سبيل القضاء على آل بويه ـ الديالمة ـ الوزراء المتمسكين بالمذهب الشيعي ، فتم لهم ذلك .
« حتى سيطر طغرل ـ كبير السلاجقة ـ على الخليفة العباسي سيطرة تامة ، فلم يكن الخليفة يستطيع التصرف ـ حتى في ممتلكاته الخاصة ـ بعد أن ترك لطغرل كل شيء .
وبلغت قوة طغرل في العراق حدا جعله يفكر في مصاهرة الخليفة العباسي القائم بأمر الله ، بالزواج من ابنته ، وقد فزع الخليفة العباسي من فكرة مصاهرة السلاجقة ، وإعطاء ابنته لطغرل ـ وهو في السبعين من عمره ـ فرفض أول الأمر ، ولكنه هدد وخوف ، فأرغمته عوامل الضعف والخوف على القبول مضطرا » (2) .
وهكذا أصبح التعصب للمذهب السني وسيلة بيد هؤلاء الغزاة للسيطرة على البلاد ، وكان ذلك يقويهم ، ويجمع حولهم المتعصبين من أعداء التشيع .
----------------------------------------
(2) سلاجقة إيران والعراق ـ للدكتور عبد النعيم محمد حسنين ـ : 42 ـ 43 ، وكافة المعلومات السابقة حول السلاجقة مأخوذة من هذا الكتاب .
(الصفحة 133)
وقد أثرت سيطرة هؤلاء الجهلة المتعصبين ومن تلاهم من الأمراء الخوارزمية والأيوبية ـ في الشام ـ أن يتعرض الشيعة إلى اضطهاد في القرنين (450 ـ 650) فكانا من أشد الفترات العصيبة في تاريخ الإسلام عموما ، والتشيع خصوصا ، حيث أدى ذلك إلى ابتلاء الأمة ، بأشكال من العصبيات المقيتة ، وسيطرة القبائل البعيدة عن الثقافة ، كالسلاجقة والأيوبيين ، من الذين استغلوا اختلاف المذاهب ، في إثارة الطائفية بين الأمة الإسلامية ، والتمسك بالحنبلية والتشدد باسم التدين ، واعتمادهم سياسة القمع المذهبي ، والمحاسبة على العقائد إرضاء لأفكار العامة الجهلة ، كل ذلك دعما لكراسيهم ، وتحكيما لسيطرتهم .
فكان على أثر ذلك أن تعرضت مدارس الشيعة ومراكزهم العلمية وعلماؤهم الكبار إلى أشكال من الهجوم والتهجير والإبادة (3) .
وهذا هو السبب المباشر في شحة المصادر المتكفلة بالحديث عن تاريخ هذه الفترة ، وكذلك ضياع التراث الذي أنتجته عقول مفكريها ومؤلفيها .
مع أن الشذرات الباقية ، سواء من المصادر التاريخية ، أو التراث المتبقى ، تدل على ضخامة الثروة وعظمة الجهود المبذولة ، في سبيل إبقاء الحضارة ، والحفاظ على استمرار حياتها .
فهذان الكتابان العظيمان : معالم العلماء ، لابن شهر آشوب (ت 588) وفهرست الشيخ منتجب الدين ابن بابويه (كان حيا في 600) يدلان على ما نقول بوضوح .
وكذلك المنقولات عن « تاريخ الري » و « تاريخ الإمامية » لابن أبي طي الحلبي ، يكشفان عن مجد رفيع ، وحركة واسعة .
بالرغم من كل العراقيل ، والصعوبات ، والعقبات ، والهجمات الشرسة
---------------------------------
(3) انظر : الثقات العيون ـ التقديم ـ : ص / ه ـ و .
(الصفحة 134)
التي قام بها الأعداء الأراذل ، ضد الحق ورجاله وتراثه .
فوجود مثل هذا الكتاب ـ وفي خضم هذه الفترة بالذات ـ فيه من الدلالة الواضحة على قوة العقيدة ، ورسوخ التصميم الأكيد على إبقاء جذوتها متقدة ، منيرة ، مشعة ، هادية .
فهو على صغر حجمه ، وبالقوة ، والمتانة ، والجامعية ، التي يمتاز بها ، عينة وافية الدلالة على ذلك .
ويلاحظ في الكتاب :
أنه يعتمد بشكل عام على الاستدلال العقلي لكل قضاياه الكلية ، وليس في كل الكتاب مورد يلتجئ فيه إلى الأدلة السمعية في أصول المسائل المطروحة فيه .
نعم ، في القضايا الجزئية ، التي لا مجال لدرك العقل لها ، ولا تدخل في مجال إثباته ونفيه ، بل طريقها السمع والنقل أو الثبوت العرفي ، استند إلى الأدلة المقبولة لمن اعتقد بتلك الأصول ووافق عليها ، وهي :
قضية تعيين أشخاص الأنبياء والأئمة عليهم السلام .
وما يحدث في القبر من السؤال .
والشفاعة في يوم القيامة .
ومن ناحية أخرى : فإن وجود هذا الكتاب ، وبالصورة التي ألفت فيه قضاياه ومسائله ، يدل على تكامل التصور الشيعي لأصول الدين منذ تأليفه في أوائل القرن السادس الهجري ، ومطابقته لما عليه العقيدة الشيعية في هذا القرن الذي نحن فيه .
وهذا يكشف عن اتصال حلقات الفكر الشيعي مدى القرون .
وبذلك يثبت زيف المزاعم التي يثيرها النواصب الجهلة ، أعداء الحق ، ضد شيعة آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم ، من الترهات والأكاذيب ،
(الصفحة 135)
ونسبة عقائد الشيعة إلى تواريخ متأخرة تبعا لنعيق أعداء الله : اليهود والنصارى ، المتلبسين بقميص الاستشراق المتهرئ ، وأدعياء تاريخ الحركات الفكرية في العالم الإسلامي ، من أمثال ، فلها وزن ، وفلوتن ، وجولدزيهر ، وماسينيون .
وذيولهم العرب المستسلمين ، والراقصين على نغماتهم ، من أمثال أحمد أمين ، وطه حسين ، ورشيد رضا ، ومحمود صبحي ، وإلهي ظهير ، طلائع الرتل الخامس للاستعمار والصهيونية ، في البلاد الإسلامية .
وأما أهمية هذا الكتاب تراثيا :
فإن انتشار نسخه المخطوطة في مكتبات العالم ، وفيها نسخ قديمة من القرن السابع والثامن والتاسع ، وما تلاها ، وكتابتها في بلدان مختلفة ، وبأيدي شخصيات علمية مرموقة ، يدل كل ذلك على عناية فائقة به .
وبما أن الكتاب لم يطبع لحد الآن ، أقدمنا على طبعه بعد تحقيقه والتقديم له ، اعتزازا بهذا الأثر الثمين ، وتخليدا للفكر الإمامي ، وتمجيدا بالتراث الإسلامي ، وتجديدا لذكرى العلماء الأعلام الذين خدموا الدين والعلم والحضارة ، بجهودهم القيمة .
والحمد لله على توفيقه .
(الصفحة 136)
3 ـ مؤلف الكتاب:
عرف هذا الكتاب باسم : « الخلاصة في أصول الدين » ذات الأبواب الثمانية ، منسوبا إلى « بعض قدماء الأصحاب » (4) .
وجاءت تسميتها ب : « الخلاصة في علم الكلام » في نسخة من النسخ المتوفرة ، كما سيجئ ضمن التعريف بها .
وكتابنا هو الرسالة ذات الأبواب الثمانية ، فلا بد أن يكون هو المقصود بما نسب إلى بعض القدماء ، حتما .
وأهملت بعض النسخ ذكر المؤلف ، إلا أن المذكور مع بعضها أنه « تصنيف قطب الدين السبزواري » .
ومع أن اسم « الخلاصة في الكلام » مقيدا ب « الأبواب الثمانية » لم يذكر في كتب الفهارس ، ولا معاجم التراجم ، منسوبا إلى شخص ملقب ب « قطب الدين السبزواري » .
إلا أن سماحة السيد المرعشي ـ قدس الله روحه ـ ذكر في وصفه لنسخة « د » المرقمة في مكتبته العامرة برقم 514 قوله : « الخلاصة في العقائد ، للعلامة المولى قطب الدين السبزواري ، من تلاميذ شيخنا الشهيد الأول » (5) .
وجاء في بعض فهارس المكتبة الرضوية المقدسة في مشهد : ذكر نسخة من « إرشاد الأذهان » للعلامة الحلي ، برقم 2213 ، كتبها قطب الدين السبزواري (6) .
مضافا إلى أن ناسخ النسخة المرقمة 454 في المكتبة المرعشية ، علق
---------------------------------------
(4) الذريعة 7 / 208 رقم 1023 ، والثقات العيون : 313 .
(5) لاحظ نماذج مصورات النسخ ، بداية المجموعة 514 ، لنسخة (د) .
(6) فهرست ألفبائي : 39 .
(الصفحة 137)
على قول المصنف في متن كتابنا ـ في بحث الإمامة ـ « وهو مذكور في (المنهج) » بقوله : « اسم كتاب ، أي في المنهج الثامن من كتاب (مناهج اليقين) للشيخ جمال الدين بن المطهر رحمه الله » (7) .
لكن ، مع التتبع الوافر والطويل الأمد في كتب التراجم ـ المتوفرة ـ لم نجد فيها من لقب من الأعلام ب « قطب الدين السبزواري » في طبقة تلاميذ الشهيد الأول .
مع أن شيخنا العلامة الطهراني ذكر في موسوعته العظيمة « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » وجود نسخة من هذا الكتاب ، كتبها مهدي بن الحسن بن محمد النيرمي سند 657 (8) .
ووجود هذه النسخة يدل على تقدم تأليف الكتاب على ولادة الشهيد الأول في سنة 734 ، فكيف يكون مؤلف هذا الكتاب من تلامذته ؟ !
وأما ما في تعليقة النسخة المرقمة 454 ، المحفوظة في المكتبة المرعشية ، فلا يمكن الاستناد إليه :
أولا : أن ولادة العلامة في سنة 648 ، فيكون حين كتابة تلك النسخة في سنة 657 ابن تسع سنين ، فمن البعيد أن يكون مؤلفا لكتاب « مناهج اليقين » (9) فضلا عن أن يصبح مرجعا لمؤلف الخلاصة !
مع أن « مناهج اليقين » هو من أوسع الكتب الكلامية التي ألفها العلامة ! ؟
على أن العلامة إنما بدأ التاليف وعمره (ثلاثون) سنة ، على ما ببالي ! ؟
------------------------------------
(7) لاحظ المتن ، الباب الرابع في الإمامة ، آخر الفصل الأول .
(8) الذريعة 7 / 208 رقم 1023 ، والثقات العيون : 313 . وقد نقلنا عبارته في التعريف بالنسخ .
(9) هذا هو الصحيح في اسم الكتاب ، وقد ذكر باسم « المنهج » و « المنهاج » فلاحظ : الذريعة 23 / 181 و 200 .
(الصفحة 138)