البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تعقيب علی مقالة (نقاط الإلتقاء بين المذاهب الإسلامية)

الباحث :  الأستاذ مصطفی خميس
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية ربيع 1417 هجـ 1997 م
تاريخ إضافة البحث :  December / 14 / 2015
عدد زيارات البحث :  1319

تعقيب علی مقالة
(نقاط الإلتقاء بين المذاهب الإسلامية)

الأستاذ مصطفی خميس (*)

نشرتم، في مجلتكم الغرّاء «المنهاج»، في العدد الثالث خريف 1417هـ/1996م بحثاً للدكتور وهبة الزحيلي، رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه في جامعة دمشق ـ كلية الشريعة، بعنوان: «نقاط الالتقاء بين المذاهب الإسلامية»، أوضح فيه أهم نقاط الالتقاء ومصادر التشريع عند المذاهب الإسلامية، وبيّن أنها متفقة على‏ الأصول التي يمكن للأمة أن تجتمع عليها.
ولا بد في البداية من أن أتوجه إليكم بالشكر على نشر مثل هذه البحوث القيّمة، التي يحتاج إليها المسلمون اليوم، لمعرفة الآخر إضافة إلى الذات، والتي يحتاج إليها المسلم المثقف، فتفتح أمامه آفاقاً واسعة، وتطلعه على معارف ومواقف، خاصة في ما يتعلق بعقيدته كمسلم، وتُعرّفه على مناهل الفقه والمعرفة لدى المسلمين كافة.
ولا بد أيضاً من التوجه بالشكر والامتنان للكاتب الشيخ وهبة الزحيلي لدعوته الصادقة إلى الوحدة الإسلامية بين مختلف المذاهب امتثالاً لقوله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}[الأنبياء/92].
وبعد استماحتكم العذر والاستئذان من سماحة الشيخ الدكتور، أود أن أقول: إن ما ذكره تحت عنوان: «وحدة الدين»، وتأويله لقول اللَّه تعالى: {واعتصموا بحبل اللَّه جميعاً ولا تفرقوا} [آل عمران/103]. تضمن معاني سامية، ونقاط التقاء بين المسلمين هامة ومتّفقاً عليها. ولا يختلف أحد مع الدكتور في ما قاله، لكنه أغفل أمراً هاماً، وهو الذي دعاني إلى تسطير هذه المداخلة القصيرة على البحث، لأني لا أرى أن مثل الدكتور الفقيه يغفل عما سأقوله هنا، خاصة ما يتعلَّق بمعرفة حبل اللَّه الذي دعانا اللَّه عزَّ وجلَّ إلى الاعتصام به.
لقد جاء الكاتب بشواهد لتأييد تأويله للآية من تفسير الإمام فخر الدين الرازي (التفسير الكبير) ومن تفسير العلاّمة السيد محمد حسين الطباطبائي (الميزان في تفسير القرآن). وأن كل ما جاء به لا
________________________________________
(*)کاتب سوري.

[الصفحة - 287]


يخرج عن تأويل حبل اللَّه بأنه القرآن الكريم، كتاب اللَّه وعهده ودينه وطاعته. عند الرازي‏ (1)وبأنه آيات اللَّه ورسوله عند الطباطبائي‏ (2).
إن كل ما جاء به الدكتور وأوَّله، هو كتاب اللَّه فقط، ولم يتعدَّ تعريفه لحبل اللَّه إلى غير القرآن الكريم، لأن النبي(ص) مفسِّر له، ومبيِّن لأحكامه، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم} [النحل/44].
وأن ما ذكره عند الطباطبائي من التمسك بآيات اللَّه ورسوله(الكتاب والسنة) لا يعبِّر عن المطلوب إلا في عصر النبي(ص) لأن السنّة حجَّة بذاتها في حال صدورها عن النبي(ص)، أما بعد وفاته، فمِمَّن تؤخَذ السنة لتكون حجَّة بذاتها؟ وهل تبقى تمثل حبل اللَّه بعد أن دخلها التحريف والكذب؟! وقد اشتهر عن رسول اللَّه(ص) قوله: «سيكثر عليّ الكذابة، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (3). ولم تدوّن السنة إلاّ في زمن متأخِّر عن عصر النبوة امتد قرابة قرنين من الزمن.
ولقد بيَّن كل من الإمامين الرازي والطباطبائي معنى «حبل اللَّه» بأحسن بيان، لكن الدكتور الكاتب لم ينقل كل ما قالاه في ذلك، على الرغم من أن ما قالاه يشبع البحث، ويضي‏ء كثيراً من جوانبه، وهذا ما أردت إضافته إتماماً للفائدة.
ـ قال الرازي: [الحبل هنا كل شي‏ء يمكن التوصل إلى الحق في طريق الدين، قال ابن عباس: المراد بالحبل ههنا: العهد. وروي عن علي رضي اللَّه عنه عن النبي(ص) أنه قال: «أما إنها ستكون فتنة». قيل: فما المخرج منها؟ قال: «كتاب اللَّه فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو حبل اللَّه المتين».
وروي عن أبي سعيد الخدري عن النبي(ص) أنه قال: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه تعالى حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي) (4).
فبين الرازي في ذلك أن حبل اللَّه هو القرآن الكريم، وهو الموصل إلى الحق في طريق الدين، وهو عهد اللَّه، وهو الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، وهو الثقل الأول، أما الثقل الثاني في إبرام هذا الحبل فيتمثل في أهل البيت (عليهم السلام)، عترة النبي المصطفى(ص) لأنهما يتكاملان معاً ويهديان معاً، وأهل البيت هم حملة السنة النبويّة بعد رسول اللَّه(ص). ينقلون عنه
________________________________________
(1)التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي، 8/163.
(2)الميزان في تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائي، 3/369.
(3)متفق عليه. ذكره العجلوني في كشف الخفاء، 2/275، عن علي، والبخاري عن مسلمة. قال ابن الجوزي رواه عن النبي(ص) ثمانية وتسعون صحابياً.
(4)التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي، 8/162.

[الصفحة - 288]


سنته محفوظة مأمونة، وقد أجمعت الأمة على حاجة الكتاب للسنة لتبيين أحكامه، وتفسير آياته، وتأويل معانيه، وتخصيص العام منه، وتقييد المطلق... وقد تضافرت الأحاديث في اقتران الكتاب بأهل البيت عصمة من الضلال، وأن اجتماعهما هو حبل اللَّه الذي أمرنا اللَّه بالاعتصام به. وقد نقلها أصحاب الصحاح الستة كمسلم في صحيحه من باب فضائل أهل البيت بروايته عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللَّه(ص): «وأنا تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب اللَّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللَّه، واستمسكوا به، فحث على كتاب اللَّه ورغّب فيه. ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي» (5).
وكالترمذي في سننه بروايته عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري، وعن زيد بن أرقم، وعن أبي ذر الغفاري وعن أبي سعيد الخدري، وعن حذيفة بن أسيد(رضي اللَّه عنهم).
قال: عن جابر قال: رأيت رسول اللَّه(ص) في حجَّته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول:
«يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي» (6).
فبيَّن بذلك رسول اللَّه(ص) أن القرآن وأهل بيته عصمة من الضَّلال لمن تمسك بهما، وأنهما حبل اللَّه، لأنهما الموصلان إلى الحق وطريق الدِّين الصحيح بعيداً عن الضلال والفتن قال ابن حجر في صواعقه المحرقة:
في قوله تعالى: {واعتصموا بحبل اللَّه جميعاً ولا تفرقوا} [آل عمران/103] أخرج الثعلبي في تفسيرها عن الإمام جعفر بن محمد الصادق رضي اللَّه عنه قال: نحن حبل اللَّه الذي قال فيه: {واعتصموا بحبل اللَّه جميعاً ولا تفرقوا} (7).
ـ وقال الطباطبائي:
[قوله تعالى: {واعتصموا بحبل اللَّه جميعاً ولا تفرقوا} قال: ذكر سبحانه في ما مر من قوله: «وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات اللَّه وفيكم رسوله» (8) أن التمسك بآيات اللَّه وبرسوله(الكتاب والسنة) اعتصام باللَّه، مأمون معه المتمسك المعتصم، مضمون الهدى، والتمسك بذيل الرسول تمسك بذيل الكتاب. فإن الكتاب هو الذي يأمر بذلك
________________________________________
(5)صحيح مسلم، 7/122، كتاب الفضائل باب فضائل أهل البيت.
(6)سنن الترمذي، 5/329. ط: دار الفكر، بيروت وصحيح سنن الترمذي تحقيق الألباني، 3/226. ط: الرياض.
(7)الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 150.
(8)الميزان في تفسير القرآن للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، 3/369.

[الصفحة - 289]


في مثل قوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر/7] ثم قال: فأنتج ذلك أن حبل اللَّه هو الكتاب المنزل من عند اللَّه، وهو الذي يصل ما بين العبد والرب، ويربط السماء بالأرض. وإن شئت قلت: إن حبل اللَّه هو القرآن والنبي(ص) فقد عرفت أن قال الجميع واحد] (9).
ولم يغفل السيد الطباطبائي ـ طيب اللَّه ثراه ـ عن إكمال البحث، لأن هذا الكلام صحيح مع وجود النبي(ص) وهو مصداق لقوله تعالى: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات اللَّه وفيكم رسوله} [آل عمران/101] فبيّن العصمة من الضلال بعد النبي(ص) وما هو حبل اللَّه، وذلك في البحث الروائي بعد تفسير آية الاعتصام في تفسيره فقال:
[وفي الدرّ المنثور: أخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللَّه(ص): «إني لكم فرط، وإنكم واردون عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين» قيل: وما الثقلان يا رسول اللَّه؟ قال: «الأكبر كتاب اللَّه عز وجل، سبب طرفه بيداللَّه، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، لن تزالوا ولن تضلوا، والأصغر عترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم» .
ومن هنا ندرك أن كلا المُفَسِّرَيْن: الرازي والطباطبائي قد بيّنا حبل اللَّه، وأنه العصمة من الضلال، ويتمثَّل في الثقلين بعد رسول اللَّه(ص): كتاب اللَّه وأهل البيت. لأنهم حملة القرآن والسنة بعد رسول اللَّه(ص)، وهذا من ضرورات الدين، واستمرارية الرسالة والتبليغ. وهم ورثة النبي في حمل دينه، وفي وراثة القرآن من بعده في قوله تعالى: {والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه إن اللَّه بعباده لخبير بصير * ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللَّه ذلك هو الفضل الكبير} [فاطر/31 و32].
ولا يرث الكتاب ـ وفق هذه الآية ـ غير الصفوة من العباد، السَّابقين بالخيرات بإذن اللَّه. وإذن اللَّه أمره وتسديده وعصمته، أما الظالم لنفسه والمقتصد فهم عامة المسلمين وهم المحتاجون للصفوة في معرفة الدين وعلم الكتاب وتأويله، وسبيل الهداية، وتبياناً للكتاب المنزل على رسول اللَّه(ص)، وهم الصفوة من
________________________________________
(9)الميزان في تفسير القرآن للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، 3/369.

[الصفحة - 290]


أهل البيت الذين أعدهم اللَّه وهيأهم لهذه القيادة فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأمر عباده بمودتهم واتباعهم وطاعتهم، عصمة من الضلال، وأخذاً للدين من حيث أمر اللَّه. قال تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها} [البقرة/189] . وباجتماع الأئمة من أهل البيت مع القرآن صاروا عصمة من الضلال لكل الأمة، وصاروا حبل اللَّه الذي أمر تعالى بالاعتصام به.
وأن وجود النبي مع آيات الكتاب هو حبل اللَّه والعصمة من الضلال. ومن بعده وجود آيات الكتاب مع أهل البيت هو حبل اللَّه والعصمة من الضلال. فأهل البيت يمثِّلون الامتداد النوعي الرسالي المعبَّر عنه ب(الإمامة)، وهم مع القرآن حبل اللَّه، وعصمته للأمة من الضلال والضياع، وخلاص من الفتنة التي وصفها رسول اللَّه(ص) بأنها تموج كموج البحر.
ونصوص الكتاب والسنة متضافرة على أن القرآن وأهل البيت مجتمعين عصمة من الضلال والزيغ، وهما محور وحدة جميع المسلمين ونجاتهم. والحمد للَّه رب العالمين.
سورية/الحسكة
19رشعبان/1417هـ
29/كانون الأول/1996م‏
________________________________________

[الصفحة - 291]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف