البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الكلام عند الإماميّة نشأته، تطوّره، وموقع الشيخ المفيد منه

الباحث :  الشيخ محمّد رضا الجعفري
اسم المجلة :  تراثنا
العدد :  30
السنة :  السنة الثامنة / رجب - ذوالحجة سنة 1413 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 4 / 2015
عدد زيارات البحث :  2385
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين لا سيّما أوّلهم مولانا أمير المؤمنين وخاتمهم مولانا الإمام الثاني عشر الحجّة المنتظر، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين من الأوّلين والاخرين، ولا حَوْلَ ولاقُوَّةَ إلا بالله العليّ العظيم.
هذه فصول كتبت قبل عدّة سنوات لمناسبتين وان اختلفتا ولكنهما ترتبطان بموضوع واحد، وهو الكلام الإمامي. فالفصول الأولى انما هي جزء من المدخل الذي وضعته للترجمة الانجليزي لكتاب التوحيد من «اصول الكافي» والذي تناولت فيه تاريخ الكلام الإمامي منذ نشأته الاولى إلى عصر شيخ الطائفة الطوسي، كتراجم متكلمين لا تأريخاً لأعمال كلامية، وتجاوز عددهم المائة وستين متكلماً وهذا المدخل وان كانت فيه فصول ترجع الى تعريف الكلام وبعض الجوانب التأريخية لنشأة الكلام الإمامي، الا انه في أساسه قائم على ما

(الصفحة 144)


ذكرت.
وقد اختصرت ذلك من بحوث أوسع لم اوفق إلى الآن إلى ملء بعض فجواتها، خاصةً ما يرجع منها إلى شيخ المتكلمين هشام بن الحكم، رضي الله عنه، اسأل الله سبحانه التوفيق إلى ذلك، انّه نعم الموفق والمعين.
* * *
اعتاد مؤرخو الجانب العقائدي من تاريخ المسلمين أنْ يُقسَّموا هم ـ او على الاصح: ان يقسّموا مناهجهم في كيفية اثبات العقيدة ومسائلها ـ إلى فئتين:
مدرسة أصحاب الحديث، ومدرسة المتكلمين. وذكروا لكل منهما خصائص معتبرات، ثم قاسوا الإمامية بغيرهم، وفي الفصول الآتية: ما يرجع إلى هذا الجانب من البحث. وتعارف مؤرخو الإمامية من الذين يختلفون معهم في العقيدة: أن يتهموهم او يتّهموا سلفهم بالتشبيه والتجسيم، بل والجبر ايضاً. والى هذا يرجع بقية بحوث الفسم الأول. ولم اتناول هنا من البحوث التي ترجع إلى «النشوء» سوى ما ذكرت، وقلت هذا كي لا يراني القارىء الكريم قد اخلفت بوعدي حينما جعلت القسم الأول نشوء الكلام الإمامي.
وفي القسم الثاني تناولت تطور الكلام الإمامي بصورة مقتضبة جداً ـ وذكرت هناك عذري في ذلك ـ كي انتهي به الى القسم الثالث وهو الخاص بشيخنا المفيد رضي الله عنه وارضاه.
* * *

(الصفحة 145)


1 ـ المدخل:
الكلام الإمامي نشأ أولاً وقبل كل شيء حول «الإِمامة» ودار عليها منذ نشأته الاولى وإلى عصرنا الحاضر، والسرّ واضح، فإنّ الإمامية انما افترقوا عن غيرهم لقولهم بالإِمامة من فرق المسلمين انما اختلف معهم أوّل ما اختلف، لأنّه لم يَدِنْ بالإمامة الإِلهية كما دانوا. فمن الطبيعي أن هذا الاختلاف يستلزم المخاصمة، والمخاصمة تستدعي المناظرة، وإذا سلّمنا بأنّ أوّل اختلاف حدث بين المسلمين انما حدث حول الإِمامة، وإذا اخذنا بنظر الاعتبار أنّ الذين انكروا الإِمامة الإِلهية كانوا الفئة الغالبة الحاكمة والذين دانوا بها كانوا الفئة المعارضة، وأنّ المعارضة كانت كلامية وبالجدل والحجاج لا بالسيف والسلاح ـ وأنا هنا لا ابحث عن هذه النقاط وإنّما اذكرها كنتائج لبحوث انتهت اليها، وقد فصلّتها في مناسبات اخرى ـ فعلى هذا كله يحقّ لنا أنْ نقول ان الكلام نشأ واستقرت طرقه ومناهجه عند الإمامية قبل غيرهم.
ولكن نقاط الخلاف قد تجاوزت الإمامية إلى غيرها وكلما امتد الزمن بالمسلمين كثرت نقاط الخلاف فيما بينهم ـ وتفرّقوا فرق وشيعاً ـ وهنا أذكر كنتيجة لبحوث كثيرة ـ: أنّ المسلمين، لو كانوا قد دانوا كلّهم بالإمامة الإلهية، وكان فيهم إمام يؤمنون بعصمته ويوجبون طاعته، لما تفرّقوا، كما كان الحال زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولكان الخلاف بينهم خلافاً عملياً، لا خلاف عقيدة واختلافاً في المذهب، ولكن حدث ما حدث، ولا نملك إلا أن نسأل الله سبحانه أن يعصم المسلمين من فرقة جديدة، وأنْ يجنّبهم آثام الخلافات القائمة فيما بينهم واوزارها.
وهكذا واكب الكلام الإمامي ـ الذي كان يدور اولاً حول الإمامة ـ المسائل المختلف فيها والمتناقش عليها، فشمل الجبر، والتشبيه والتجسم، بل وشمل الخلاف الفقهي، كالخلاف في بعض أحكام الوضوء والصلاة،

(الصفحة 146)


والخلاف في المتعة، والطلاق ثلاثاً، وسائر الخلافات الفقهية بين الإمامية وغيرهم، والكلام إنما هو في اساسه اسلوب خاص للنظر والحجاج، وفيما بعد استقرّ في دائرة المسائل الاعتقادية وحدها. وهذا ايضاً اترك البحث فيه الى مال آخر.
وتوسّع الكلام اكثر فاكثر عندما اتصل المسلمون بغيرهم من معتنقي الاديان كالمسيحية واليهودية أو منتحلي الفرق الفلسفية وغير الفلسفية. وأشير هنا إلى أننا نجد في ثبت مؤلفات المتكلم الإمامي الشهير هشام بن الحكم ـ كتباً له تتّصل بالفلسفة اليونانية وأعلامها.
وستأتي الاشارة الى هذا عند ذكره، وبهذا يصحّ لنا أن نحكم بأنّ الإمامية كانوا اسبق من غيرهم في هذا المجال ايضاً، لأنَّي لم أجد لغيره ممن كان يعاصره أنْ تناول ما تناوله هشام.
2 ـ المدرستان غير الاماميتين: الحديثية والكلامية تختلفا إلى حد كبير:
لابُدّ لنا من البحث ولو بصورة مقتضية جدّاً عمّا يسمّى بمدرسة المحدِّثين غير الإماميّة، إذ أنّ السِّمات العامّة التي يذكرونها لعقائد أهل الحديث والأَثر، وعلى أساسها يقيسون آراءهم وعقائدهم بآراء غيرهم، إنّما قد أُخذت من المدرسة غير الإماميّة، والأَدلة والشواهد التي تذكر في هذا المجال إنّما تتوافر بصورة كاملة في مجموعة الأَحاديث التي يرويها المحدِّثون غير الإماميّة، وعليها وحدها تُبتنى الآراء التي تَبَنَّوْها أو نُسبت إليهم.
ويضاف إلى هذا: أنّ التضادّ الفكري والعقائدي بين المدرستين الحديثية والكلامية، وهؤلاء يومذاك كانوا المعتزلة، والجهمية، والمرجئة، والّذين كانوا يسيرون في ركابهم، إنّما انتزع هذا التضادّ والتقابل من الحديث غير الإمامي، ومن آراء المحدِّثين غير الإماميّة، ومواقفهم من آراء المتكلّمين ورَفْضهم لها وطَعْنهم في القائلين بها، بل وفي طعنهم بالاتّجاه الكلامي بصورة

(الصفحة 147)


عامة في العقائد الدينية.
فليس من الصحيح أن تجعل تلك السمات العامة وأن يجعل هذا التضادّ والتقابل خصيصة عامة للاتّجاه الحديثي الذي يعتمد على الكتاب والسُّنَّة، قبل كلّ شيء، في استنباط العقائد الدينية وصياغتها، سواء أكان المحدِّث إماميّاً أم غير إمامي.
وما يسمّى بالمدرسة الحديثية ـ والتعبير الأوفق لهم، بل والمختار عندهم: أهل الحديث والأَثَر ـ ليست بمدرسة فكرية لها حدودها ومعالمها الواضحة من جميع الجهات، أو من أغلبها، كما هو الحال عند المعتزلة، والجهمية، مثلاً، والذي بإمكان الباحث أن يعيّن ما اتّفقوا عليه، وبه امتازوا عن غيرهم. بل وهذه التسمية أيضاً لحقتهم لا من جهة أنفسهم، بل انتزعت من مواقفهم وآرائهم. وكلّ ما كان عندهم: أنّ الّذين كانوا يُعْنَون بالحديث لم يكونوا يتعدّون في بيان آرائهم وتصوير عقائدهم عمّا جاءهم من الأَحاديث التي آمنوا بصحّتها، بل إنّهم كانوا يكتفون براوية ألفاظ الحديث غالباً للتعبير عن آرائهم، ولم يكونوا يحوّلون ألفاظه إلى ما يؤدّي معناه.
والمحدِّثون، لما ذكرناه، لا يرجعون بالطبع إلى مستوى واحد، بل إنّهم في مستويات مختلفة، إذ أنّ أيّ واحد من المحدِّثين إنّما يقاس مدى الخلاف بينه وبين من يسمّونهم بالمتكلّمين بقدر ما يرويه هذا المحدِّث كمّيّةً وبقدر ما يلتزم بصحّته فيما يرويه. ومن الواضح أنّ المحدِّثين لا يتساوون في كمّيّة الأَحاديث التي يروونها، وكمّيّة ما يؤمنون بصحّته، بل يتفاوتون بين مقلّ ومكثر، وبين متساهل في الحكم بالصحّة، ومتشدِّد لا يصحّح إلاّ إذا توفّرت شروط كثيرة، وعلى هذا الأَساس تختلف الأَحاديث بحسب ما اتّفقوا على روايته وما لم يَرْوِه إلاّ بعضهم، وتختلف أيضاً بحسب ما اتّفقوا على صحّته وما اختلفوا فيه.
ويجب التنبّه إلى أنّ (المدرسة الأَشعرية) وإنْ قامت على أساس رفض الفكر الاعتزالي والرجوع إلى السُّنَّة، إلاّ أنّ الدراسة الواعية والمستوعبة لها

(الصفحة 148)


لتنتهي إلى أنّ أبا الحسن الأَشعري، عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر، البصري (260/874، أو 270/883 ـ 324/936) إمام الأَشاعرة إنّما اختلف مع أساتذته المعتزلة، في أنّهم ـ حسب رأيه ـ كانوا يرفضون ما خالف آراءهم وإن دلّ عليه الكتاب أو السُّنَّة الصحيحة في رأيه، ومحاولة الأَشعري إنّما ترتكز على إيجاد الملاءمة لا الرَّفْض. وليس هنا مجال للتبسّط في هذا البحث وإعطاء الأَدلّة عليه.
3 ـ نماذج من آراء المحدّثين:
ولا أتكلّم هنا عن الأَحاديث التي وصلتنا من طرق إخواننا غير الإمامية، وبإمكان الباحث أنْ يجدها مجموعة مستوفاة في المصادر التالية:
1 ـ محمد بن إسماعيل، أبو عبد الله البخاري (194/810 ـ 256/870): «خلق أفعال العباد».
2 ـ أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله الشيباني (164/780 ـ 241/855) إمام الحنابلة: «الردّ على الجهمية والزنادقة».
3 ـ أبو عبد الرحمن، عبد الله بن أحمد بن حنبل (213/828 ـ 288/901): «السُّنَّة».
4 ـ أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر الخلاّل البغدادي، الحنبلي (234/848 ـ 311/923) شيخ الحنابلة في عصره: «السُّنَّة».
5 ـ عثمان بن سعيد، أبو سعيد الدارمي (ح199/815 ـ 280/894): «الردّ على الجهميّة» و«الردّ على بِشْر المَرِّيسيّ».
6 ـ أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَميّ، النيسابوري (223/838 ـ 311/924): «التوحيد وإثبات صفات الربّ».
7 ـ أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِيّ الشافعي، البغدادي (ج280/893 ـ 360/970): «الشريعة».

(الصفحة 149)


وللرجوع إلى تأويل الأَشاعرة يراجع:
1 ـ أبو بكر، محمد بن الحسن بن فُورَك الأَصفهاني، الأَشعري، الشافعي ( ـ 406/1015): «مشكل الحديث».
2 ـ أحمد (حَمَد) بن محمد بن إبراهيم، أبو سليمان الخَطْابي، البسْتي، الأشعري، الشافعي (319/ 931 ـ 388 / 998) وقد حكى الكثير منهاالبيهقي الآتي.
3 ـ أحمد بن الحسين بن عليّ، أبو بكر البيهقي، الأَشعري، الشافعي (384 / 994 ـ 458 / 1066): «الأَسماء والصفات» و «الاعتقاد».
4 ـ عليّ بن الحسن بن هبة الله، أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي، الأَشعري، الشافعي (499 / 1105 ـ 571 / 1176): «تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى أبي الحسن الأَشعري».
وكلّ هذه المصادر مطبوعة، وآراء الخطّابي قد حكاها البيهقي. وإنما أعرضُ نماذج من آراء أصحاب الحديث، وأتناسى من كان منهم إمام مذهب كإمام الحنابلة أحمد بن حنبل والذي تكون آراؤه وعقائدُهُ الحجَرَ الأَساس لعقائد ابن تيميّة، تقيّ الدين أحمد بن عبد الحليم الحرّاني الحنبلي (661 / 1263 ـ 728 / 1328) ومحمد بن عبد الوهّاب النجدي الحنبلي (1115 / 1703 ـ 1206 / 1792) إمامي السلفية وداعِيَتَيْها، كما يسمّون بها أنفسهم، أو (الوهّابيّة) كما يسمّيهم غيرهم، كما وتجنبتُ غيره من أئمّة المذاهب، وعذري في هذا: تجنّبي أنْ ينسبني ناسب إلى خُلُق لا أريد لنفسي أنْ يُنسبَ إليّ. ويكفي الباحث في درسة آراء الحنابلة وغيرهم الرجوع إلى المصادر المتقدّم ذكرها، وبالنسبة إلى الدفاع عن أحمد بن حنبل الرجوع إلى المصدرين التاليين:
1 ـ عبد الرحمن بن عليّ بن محمد، أبو الفرج ابن الجَوْزي البغدادي، الحنبلي (508 / 1114 ـ 597 / 1201): «دَفْع شُبه التشبيه بأكفّ التنزيه».

(الصفحة 150)


2 ـ أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن، تقيّ الدين الحصْني، الدمشْقي، الأَشعري، الشافعي (752 / 1351 ـ 829 / 1426): «دَفْع شُبه من شَبَّه وتمرَّد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد».
* * *
قال أبو الفرج ابن الجوزي:
«وأعلم أنّ عموم المحدِّثين حملوا ظاهر ما تعلّق من صفات الباري سُبْحانه على مقتضى الحسّ فشَّبهوا، لأنّهم لم يخالِطُوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى الحكم...» (1).
وقال أيضاً:
«وأعلم أنَّ الناس في أخبار الصِّفات على ثلاث مراتب: (إحداها) إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل، إلاّ أنْ تقع ضرورة كقوله تعالى:
(وَجَاءَ رَبُّكَ)(2) أي: جاء أمره، وهذا مَذْهَبُ السلف. (والمرتبة الثانية) التأويل، وهو مقام خطر. (والمرتبة الثالثة) القول فيها بمقتضى الحسّ، وقد عمّ جهلة الناقلين أ(3)، إذ ليس لهم حظّ من علوم المعقولات التي يُعْرَف بها ما يجوز على الله تعالى وما يستحيل، فإنَّ علم المعقولات يَصْرِفُ ظواهرَ المنقولات عن التشبيه، فإذا عدموها تصرَّفُوا في النقل بمقتضى الحسّ» (4).
وقال تقي الدين، ابن تيميّة، رادّاً على مَنّ قال: إنّ أكثر الحنابلة مُجَسِّمة ومشبَّهة:
-------------------------------------
(1) تلبيس ابليس: ط ادارة الطباعة المنيريّة، القاهرة: 1368 / 116.
(2) الفجر 89: 22.
(3) ويقصد بهم المحدّثين.
(4) دفع شبه التشبيه بأكفّ التنزيه، المكتبة التوفيقية، القاهرة: 1976 / 73 ـ 74.

(الصفحة 151)


«المُشبِّهة والمُجسِّمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، فهؤلاء أصناف الأَكراد، كلّهم شافعيّة، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهلُ جيلان فيهم شافعيّة وحنبليّة، وأمَّا الحنبلية المَحْضَة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم، والكَرَّاميّة كلُّهم حنفية»(1).
ولسْتُ أقرُّ ابن تيميّة على ا دفاعه عن أهلِ مذهبه ولكنّي أسكت عنه.
ومعذرةٌ إلى إخواننا الأَكراد الّذين قال فيهم ابن تيميّة ما قال، فإنّ هم يعرفونه كما أعرفه، وأمّا أهلُ جيلان فقد زالت عنهم الشافعيّة والحنبليّة منذ قرون، وهم اليوم كلّهم شيعة إماميّة.
4 ـ نماذج مختارة:
وكنموذج لِما أشار إليه ابن الجوزي في كلامه عن المحدِّثين أختار ثلاثة لم يكونوا من الحنابلة الصرحاء، وأُقدّم لكلّ منهم بعض الترجمة كي لا يتّهمني منّهم بأنّي عثرت على مغمورين خاملين لم يكونوا ذوي شأن عند المحدِّثين:
1 ـ إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد بن إبراهيم، أبو يعقوب الحنظلي المروزي، ابن راهويه النيسابوري (161 / 778 ـ 238 / 853).
* قال الخطيب: كان أحد أئمّة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلى العراق، والحجاز، واليمن، والشام،... وورد بغداد وجالس حفّاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلى خراسان فاستوطن نيسابور إلى أنْ توفّي بها، وانتشر علمه عند الخراسانّيين.
وهكذا قال المزي والسبكي.
-----------------------------------
(1) المناظرة في العقيدة الواسطية، مجموعة الرسائل الكبرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 2: 1392 / 1972، 1 / 418.

(الصفحة 152)


* وهو شيخ البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وبقيّة بن الوليد، ويحيى بن آدم ـ وهما من شيوخه ـ وأحمد بن حنبل، وإسحاق الكوسج، ومحمد بن رافع، ويحيى بن مَعين ـ وهؤلاء من أقرانه ـ وجماعة.
* قال نعبم بن حمّاد: إذا رأيتَ العِراقيَّ يتكلّم في أحمد بن حنبل فاتّهمه في دينه، وإذا رأيتَ الخراسانيَّ يتكلّم في إسحاق بن راهويه فاتّهمه في دينه، وقال النسائي: أحد الأَئمّة، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدَّثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمَسَّكْ به. وقال أبو حاتم: إمام من أئمّة المسلمين. وقال ابن حبّان: وكان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونظراً، ممّن صنّف الكتب، وفرّع السنن، وذبّ عنها، وقَمَعَ من خالفها، وقبره مشهور يزار. وقال أبو عبد الله الحاكم: إمام عصره في الحفظ والفتوى. وقال أبو نعيم الأَصبهاني: كان إسحاق قرين أحمد }بن حنبل { وكان للآثار مثيراً، ولأَهلِ الزيغ مبيراً.
* وقال الذهبي: الإِمام الكبير، شيخ المشرق، سيّد الحفّاظ، قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمّة الاجتهاد (1).
* أبو عيسى الترمذي ـ بعد أن أخرج الروايات التي تقول: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه... الحديث ـ قال: وقد قال غير واحد من اهل العلم
----------------------------------------
(1) التاريخ الكبير 1 ـ 1 / 379 ـ 380 = 1209، التاريخ الصغير 2 / 368، الجرح والتعديل 1 ـ 1 (2) / 209 ـ 210 = 714، ابن حبان، الثقات 8 / 115 ـ 116، طبقات الحنابلة 1 / 109 = 122، المنهج الأحمد 1 / 108 ـ 109 = 43، تاريخ بغداد 6 / 345 ـ 335 = 3381، حلية الأولياء 9 / 234 ـ 238 ابن خلكان 1 / 199 ـ 201، الأنساب 6 / 56 ـ 57، السبكي، طبقات الشافعية 2 / 83 ـ 93، ميزان الاعتدال 1 / 182 ـ 183 = 733، سير أعلام النبلاء 11 / 358 ـ 382، تذكرة الحفاظ 2 / 433 ـ 435، العبر 1 / 426، الوافي بالوفيات 8 / 386 ـ 388 = 3825، طبقات الحفاظ / 188 ـ 189 = 419، ابن كثير 10 / 317، تهذيب التهذيب 1 / 216 ـ 219 = 408، تهذيب الكمال 2 / 373 ـ 388 = 332، طبقات المفسرين 1 / 102 ـ 103، شذرات الذهب 2 / 89.

(الصفحة 153)


في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الربّ تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تَثْبُتُ الروايات في هذا ويّؤمَن بها ولا يُتَوَهّم، ولا يقال: كيف؟
هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنّهم قالوا في هذه الأَحاديث: أَمِرُّوها بلا كيف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السُّنَّة والجماعة. وأمّا الجهمية فأنكرَتْ هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه.
وقد ذكر الله عزّ وجلّ في غير موضع من كتابه: اليد، والسمع، والبصر، فتأوَّلت الجهمية هذه الآيات ففسَّروها على غير ما فسَّر أهلُ العلم، وقالوا: إنّ الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إنّ معنى اليد هاهنا القوَّة.
وقال إسحاق بن إبراهيم (1): إنّما يكون التشبيه إذا قال: يدٌ كَيَد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأمّا إذا قال ـ كما قال الله تعالى ـ: يد، وسمع، وبصر، ولا يقول: كيف، ولا يقول مثل سَمْع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، وهو كما قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّميعُ الْبَصِير)(2).
2 ـ أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَمي النَيْسابوري ( 223 / 838 ـ 311 / 924) قالوا عنه: إنّه كان إمام نيسابور في عصره، فقيهاً، مجتهداً، بَحْراً من بحور العلم، اتّفق أهل عصره على تقدّمه في العلم، ولقّبه الصفدي، واليافعي، والذهبي، والسبكي، وابن الجَزَري، والسيوطي، وابن عبد الحي بإمام الأئمّة. وقال الدارقطني: كان إماماً معدوم النظير. وقال ابن كثير: هو من المجتهدين في دين الإِسلام. وذكروا له الكرامات. وقال السمعاني: وجماعة }من المحدِّثين {يُنْسَبون إليه، يقال لكلّ واحد منهم
------------------------------------
(1) هو اسحاق بن راهويْه ـ عارضة الاحوذي: 3 / 332.
(2) الجامع الصحيح، الزكاة (ما جاء في فضل الصدقة) 3 / 50 ـ 51 اي 662.

(الصفحة 154)


خُزَيْميّ }فهو إمام مدرسة حديثية {. وهذا بعض ما قيل فيه(1):
أثبت ابن خزيمة الوجه لله سُبْحانه، وقال: « ليس معناه أنْ يُشْبِه وَجْهُه وجهَ الآدِميّين، وإلاّ لكان كلّ قائل إنّ لبني آدم وَجْهاً، وللخنازير، والقردة، والكلاب... ـ إلى آخر ما عدّد من الحيوانات ـ وجوهاً، قد شبّه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب...» (2).
وذكر مثل هذا في العين، واليد، والكفّ، واليمين، وقال: « إنّ عيني الله لا تشبهان أيّ عين لغيره» وأضاف: « نحن نقول: لربّنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السُّفلى وما في السماوات العُلى وما بينهما(...) ونزيد شرحاً وبياناً ونقول: عين الله عزّ وجلّ قديمة لم تزل باقية، ولا يزال محكومٌ لها بالبقاء منفيٌ عنها الهلاك والفناء، وعيون بني آدم مُحْدَثة، كانَتْ عدماً غير مُكَوَّنة فكوَّنها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته...»(3).
وقال: إنّ لله يَدَيْن: « ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين مُحْدَثة (...) فأيّ تشبيه!...»(4) ونفى التأويل عن كلّ هذا، خاصّة تأويل اليد بالنعمة أو القوّة(5).
-------------------------------------
(1) الذهبي سير اعلام النبلاء: 14 / 365 ـ 382، تذكرة الحفاظ: 2 / 720 ـ 731، العبر: 2 / 149، السمعاني، الانساب: 5 / 124، ابن الاثير، اللباب: 1 / 442، ابن الجوزي، المنتظم: 6 / 184 ـ 186، ابن كثير، البداية والنهاية، 11 / 149، السُبكي، طبقات الشافعية: 3 / 109 ـ 119، الصْفَدي، الوافي بالوفيات: 2 / 196، اليافعي، مرآة الجنان: 2 / 264، ابن عبد الحي، شذرات الذهب: 2 / 262 ـ 263، السيوطي، طبقات الحفاظ: 310 ـ 311، ابن الجزري، طبقات القرّاء: 2 / 97 ـ 98.
(2) التوحيد واثبات صفات الرب، راجعه وعلّق عليه محمد خليل هراس، المدرّس بكليّة أصول الدين « بالازهر»، مكتبة الكليّات الأزهريّة، القاهرة: 1387 / 1968، / 23.
(3) المصدر / 50 ـ 52.
(4) المصدر / 82 ـ 85.
(5) المصدر / 85 ـ 87.

(الصفحة 155)


وذكر « انّ كلام ربّنا عزّ وجلّ لا يُشْبه كلام المخلوقين، لأنّ كلام الله كلام متواصل لا سَكْتَ بينه ولا سَمْتَ، لا ككلام الآدميّين الذي يكون بين كلامه سَكْتٌ وسَمْتٌ لانقطاع النَّفَس، أو التذاكر، أو العيّ...»(1).
3 ـ عثمان بن سعيد، أبو سعيد الدارمي، التميمي، السجستاني (ح 199 / 815 ـ 280 / 894) الإِمام العلاّمة الحافظ، الناقد الحجّة، وكان جذعاً وقذىً في أعين المبتدعة، قائماً بالسُّنَّة، ثقة، حجّة، ثبتاً. وقيل فيه: كان إماماً يُقْتَدى به في حياته وبعد مماته. ذكره الشافعية في طبقاتهم، وعدّه الحنابلة من أصحاب ابن حنبل (2).
قال الدارمي بأنّ لله مكاناً، حدَّه، وهو العرش (3) و «هو بائن من خَلْقه فوق عرشه بُفرْجة بينه في هَواءِ الآخرة، حيث لا خَلْقَ معه هناك غيره، ولا فوقه سماء» (4) وقال: « قد أَينا له مكاناًواحداً، أعلى مكان، وأطهرَ مكان، وأشرفَ مكان: عَرْشُه العظيم (...) فوق السماء السابعة العليا، حيث ليس معه هناك إنسٌ ولا جانّ، ولا بجنبه حُشِّ، ولا مِرْحاض، ولا شيطان. وزعَمْتَ أنت (5)والمضلُّون من زعمائك أنّه في كلّ مكان، وكلّ حشٍّ ومرحاض، وبجنب كلّ إنسان وجانّ! أفأنتم تشبهّونه إذ قلتم بالحلول في الأماكن أم نحن؟!»(6).
---------------------------------------
(1) المصدر / 145.
(2) سير اعلام النبلاء: 13 / 319 ـ 326، تذكرة الحفاظ: 2 / 621 ـ 622، العبر: 2 / 64، مرآة الجنان: 2 / 193، ابن كثير: 11 / 69، طبقات الشافعية: 2 / 302 ـ 306، طبقات الحفاظ: 274، طبقات الحنابلة: 1 / 221، شذرات الذهب: 2 / 176.
(3) الرَدَ على بشْر المريسي، عقائد السلف، نشر: دكتور علي سامي النشار، عمّار جمعي الطالبي، منشأة المعارف، الاسكندرية، مصر: 1971 / 382.
(4) المصدر / 439.
(5) يخاطب به بشر المَريسي، الذي يردّ عليه الدّارمي، وهو بشر بن غياث المَرِّيسي، البغدادي، الحنفي ( ح 138 / 755 ـ 218 / 833) من اعلام الحنفيّة، وممّنْ نادى بخلق القرآن ودافع عنه، وعن كثير من آراء المعتزلة.
(6) المصدر / 454.

(الصفحة 156)


وقال: « ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسّه مسيساً كما ادّعيت، لم يجز أنْ يقال }لله{: بيدك الخير...» (1) وأحالَ في ذلك كلّ معنى أو تأويل من نعمة، أو قوّة، إلاّ اليدين (2) ]بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاصّ المحسوس [، « وأنّ لله إصبَعَيْن، من غير تأويل بمعنى آخر» (3) « والقدمان قدمان من غير تأويل» (4) « غير أنَّا نقول، كما قال الله: (وَيبْقى وَجْهُ رَبِّكَ)(5): إنّه عنى به الوَجْهَ الذي هو الوَجْه عند المؤمنين، لا الأعمال الصالحة، ولا القِبْلَة...» (6) وإنّ نفي التشبيه إنّما هو بأن يكون لله كلُّ هذا، ولكن لا يُشْبِه شيء منه شيئاً ممّا في المخلوقين» (7).
* * *
وقد سُقْت ما تقدّم كنماذج مختارة ممّا جاء عن أعلام المدرسة الحديثيّة غير الإماميّة، ولا أُعلّق على شيء ممّا جاء فيها، غير أنّي أرى من الضروري أنْ أُنبّه ـ ولو بصورة مختصرة جدّاً ـ أنّ المقصود بالتجسيم والتشبيه التي نفاهما النُفاة عن الله سُبْحانه، والتي دلّت الأدلّة القطعيّة على نفيهما: أنّ القول بالجسمية أو ما يستلزم الجسمية، من الأَعضاء والجوارح، والمكان، والزمان بمعانيها الحقيقيّة يلزم منه تشبيه الله سبحانه بالمخلوقين، وهذا التشبيه إنّما يكون في أصل الجسميّة ولوازمها، لا في نوعيّتها وكيفيّتها. فالقول بأنّ لله ـ
---------------------------------------
(1) المصدر / 387.
(2) « بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس» المصدر / 398.
(3) المصدر / 420.
(4) المصدر / 423 ـ 424، 427 ـ 428.
(5) الرحمن 55 / 27.
(6) المصدر / 516.
(7) المصدر / 432 ـ 433، 508.

(الصفحة 157)


سبحانه ـ رأساً، أو بَطْناً، مثلاً ـ تعالى الله عن ذلك ـ يلازم الجسمية وينتهي إلى أن يكون الله ـ عزّ وجلّ ـ شبيهاً بالمخلوقين، سواء أكان رأسه أو بطنه يُشْبه رؤوس من لهم رؤوس، أو بطون من لهم بطون، أو لا يشبه أيّاً من تلك الرؤوس بطونهم، وهكذا، غير الرأس والبطن...
بالإضافة إلى أنّ الحديث الذي يروونه وقد التزموا بصحّته ـ وسيأتي ذكره بمصادره ـ: « إنّ الله خلق آدم على صورته» عند مَنْ يفسّره بصورة الله، سبحانه، والحديث الآخر: إنّ آدم خلق على صورة الرحمن، لا يرجعان إلى القول بأنّ لله صورةً ووَجْهاً فحسبُ، بل إنّ صورته ووجهه تشبهان وجه آدم وصورته، فتشبهان وجوه بني آدم وصورهم.
5 ـ ونموذج إمامي.
وشيخناالصدوق علم بارز من علماء الحديث والرواية الإمامّيين، وقد ذكرت بعض جوانب شخصيّته في المقدّمة التي وضعتها للترجمة الإنجليزية لكتابه ( اعتقادات الإماميّة) وكان من اُسرة اشتهرت بعلم الحديث وتحمله. وقد أخذ عن شيوخ المحدّثين وأعلامهم، وقد سار هو على هديهم واستنّ بسنّتهم، وكلّ ما يقوله إنّما يمثّل ما اتّفق عليه علماء الحديث الإمامية ـ وخاصة مدرسة القمّيين منهم ـ، أو أخذ به معظمهم ـ على أقلّ التقادير ـ إلاّ في موارد قليلة، كقوله بسهو النبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصلاة، الّذي تبع فيه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد، والّذي لم يقرّه عليه معظم العلماء، محدّثين وغير محدّثين.
والدراسة المقارنة بين (اعتقادات الإمامية)، وما علّق عليه شيخنا المفيد في (تصحيح الاعتقاد) لتكشف عن الاتفاق في اُصول العقيدة وتفاصيلها بين ما يسمى بالمدرسة الحديثية والمدرسة الكلامية الإماميّتَيْن، إلاّ في موارد اختلفا

(الصفحة 158)


فيه، وهي قليلة جدّاً، ان قيست بالنسبة إلى موارد الاتفاق. نعم: الفارق إنّما يكون في نوعيّة الاستدلال، وكيفية سوق الدليل والبرهنة على الرأي الاعتقادي.
وتكشف ايضاً: ان هذا نقد المتكلّمين الإِماميّة للأحاديث الّتي يعتمد عليها المحدّثون لا يكون نابعاً أوّلاً وبالذات من موقفهم العقائدي، ومخالفتها لأحكامهم الكلاميّة، وإنّما يرتكز على موازين نقد الحديث الّذي يأخذ به كلّ محدّث، من الطعن في سند الحديث بتجريح رواته وأنّ فيهم من لا يصحّ الاعتماد عليه، أو التشكيك في دلالته، أو طرحه لمعارضة دليل أقوى له من آية كريمة أو حديث أقوى منه سنداً أو أصرح منه دلالة.
على العكس مما تتّهم به المدرسة الحديثيّة غير الإمامية جمهور أصحاب الكلام من جهميّة، ومعتزلة، ومرجئة، وغيرهم: بأنّهم يردّون آي الذكر الحكيم والسُنّة النّبويّة الثابتة جملة وتفصيلا، إن خالفت ما ذهبوا إليه من الآراء الكلامية.ولعلّ السرّ في هذا الفارق بين سلوك المدرستين الحديثيّتين، الإِمامية وغير الإِمامية يعود أوّلاً: إلى الفرق بين طبيعة الحديث الإمامي، وبين الحديث غير الإمامي، كما سنشير إليه، وثانياً: إلى المتكلّمين الإِماميّين يمتازون عن غير الإِماميّين، بإنّه قلّ ما يوجد متكلّم إماميّ إلاّ وكان أيضاً من حملة الحديث وعلومه، فكان يجمع الميزتين، مشاركاً فيهما، لا أنّه إن كان يختص بالحديث، فكان يجهل الكلام بل يقف منه موقف الخصومة والعداء، وإن كان متجهّاً إلى الكلام ومسائله فإنّه كان يجد نفسه في غنىً من الحديث وتحمّله وروايته، كما قالوا غن غيرهم.
وإن دراسة الكتاب الآخر لشيخنا المفيد رحمه الله: (أوائل المقالات في المذاهب والمختارات) لتكشف عن نقاط الخلاف بين علماء الإِماميّة إلى عصر المفيد، سواء كانوا علماء حديث وفقه فحسب، أم علماء كلام فحسب ـ ولم

(الصفحة 159)


أجد فيه مثالاً لهؤلاء إلاّ بعض بني نَوْبَخْت ـ، أم الّذين جمعوا بين الأمرين، ونقاط الخلاف هذه قليلة جدّاً إن قيست بما اتّفقوا عليه. وتكشف أيضاً عن نقاط الخلاف بينهم وبين غيرهم من فرق المسلمين البارزين إلى عصر المفيد.
ومهما يكن، فقد كنت أعددت العُدَّة لبحث مفصّل أقارن فيه بين كتابي الصدوق والمفيد، ولكنّي هنا ـ ولا يسع المجال لذلك ـ أكتفي بالنتائج التي انتهى إليها باحث غربيّ، وهو الاستاذ (مارتن مكدرموت) في كتابه: (نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد) واقتطع منه مقاطع صغيرة، قال:
«كان ابن بابويه (الصدوق) محدّثاً، وإذا أراد أن يحلّ مشكلة أو يجيب عن مسألة، فإنّه بدل أن يأتي من نفسه بدليل (بفكرة)، فإنّه كان يحبّ أنْ يروي حديثاً، وحتى أنّ رسالته الإِعتقادية (رسالة الإِعتقادات)(1) أكثر ما جاء فيها إنّما هي أحاديث اتّصل بعضها ببعض. ومع كلّ هذا فإنّه كان يعتقد بالأحكام والأراء الّتي كان يعتقد بها المتكلّمون، وإذا واجه حديثاً يكون ظاهره مخالفاً للآراء الكلاميّ، مثلاً فيما يرجع إلى التوحيد، أو العدل الإلهي، فإنّه كان متكلّماً ومحدّثاً. فإنّ المفيد إذا واجه أمراً يمكن إثباته عن كلا طريقي الوحي. والاستدلال العقلي، فإنّه كان يفضّل البرهان العقلي، ويجعل الحديث أو النّصّ القرآني برهاناً مكمّلاً له.
لأنّ أكثر الآراء الكلامية التي أخذ بها ابن بابويه تتفقّ مع ما ارتاه تلميذه المفيد (...) ـ ثم يستعرض نقاط الخلاف بينهما، الأمر الذي يلمسه القارىء للكتابين بنفسه، فيقول: انّ ابن بابويه محدّث يُشْبه في بعض آرائه مع المعتزلة في آرائها وأحكامها، والشيخ المفيد متكلّم وفي الحال نفسها محدِّث، وأنظاره
--------------------------------------
(1) أي: اعتقادات الإمامية.

(الصفحة 160)


الّتي تتفقّ في الأساس مع أنظار ابن بابويه قد سلكت شوطاً أبعد في الإتّجاه الاعتزالي»(1).
ولا أُعلّق هنا على كلام (مكدرموت) بشيء، وسيجد القارىء، الكريم بعض الاختلاف في وجهات النظر والاستنتاج فيما سيستقبله من البحوث.
6 ـ مثال آخر للفرق بين الامامية وغيرهم في هذا المجال:
وسيأتي الكلام عن الهشامين، هشام بن الحكم وهشام بن سالم، اللذين اتّهما بالتجسيم والتشبيه. وأمّا غيرهما وغير من ذكر اسمه إلى جنبهما، فلا أنفي أنّه كان في الإِمامية من يقول بالجبر والتشبيه، أو اتُّهِم بهما، ولكنّهم قليلون جدّاً. ومن الطبيعي بالنسبة إلى جميع الفرق، وفي جميع التجمّعات الفكرية أو العقائدية أن يشذّ فرد أو أفراد، فينفردون بآراء ومعتقدات لا يرتضيها التجمّع الذي ينتمون إليه، ولا يصحّ الحكم على المجموعة نفسها بأحكام منتزعة من مواقف هؤلاء إلاّ إذا بلغوا من الكثرة أو البروز والتفوّق، الحدّ الذي يصبحون وَجْهاً لطائفتهم وعنواناً لها.
ونموذج آخر يشهد لما قلت، وهو دراسة شروح الكافي، فيما يرجع إلى أحاديث التوحيد الواردة في كتاب التوحيد: فإنّ هناك من شروح الكافي الكثيرة شروحاً أربعة مطبوعة كلّها، لعلماء أربعة متعاصرين، وهم:
1 ـ صدر الدين، محمد بن إبراهيم بن يحيى القَوامي، الشيرازي، صدر المتألّهين (979 / 1571 ـ 1050 / 1640): «شرح الكافي» الذي وصل به إلى أوائل كتاب الحجّة من أُصول الكافي.
2 ـ محمد صالح بن أحمد المازندراني (..... ـ 1086 / 1675) العالم والمحدِّث الشهير: «شرح أُصول الكافي والروضة».
-----------------------------------------
(1) مارتن مكدرموت، نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد ـ الانجليزية ـ، دار المشرق، بيروت، 1978 / 367 ـ 369.

(الصفحة 161)


3 ـ الفَيْض الكاشاني، محمد محسن (1010 / 1599 ـ 1091 / 1690) في تعاليقه على أحاديث توحيد الكافي في كتابه «الوافي».
4 ـ العلاّمة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (1037 / 1628 ـ 1110 / 1699): «مرآة العقول» شرحه للكافي بأجمعه.
وهؤلاء الأَربعة مختلفون بحسب اتّجاهاتهم الفكرية ومشاركتهم في العلوم وتخصّصهم في فروعه. ففيهم من بُعدّ من الأقطاب البارزين في الفلسفة الإِسلامية وصاحب مدرسة شهيرة فيها كصدر المتألّهين، وفيهم من جمع بين الفلسفة والفقه والحديث كالفيض، ومن اتّجه إلى العناية بالحديث وعلومه كالمجلسي وصهْره المازندراني. فإنّ دراسة شروح هؤلاء ومواقفهم من الأحاديث المروية عن أئمّة أهلِ البيت عليهم السلام، في التوحيد والعَدْل لَتعطى أقوى الشواهد على ما قلته من أنّ الإمامية، مهما اختلفت اتّجاهاتهم، لم تختلف آراؤهم فيما يرجع إلى أُصول العقيدة.
والسر في ذلك يعود بالدرجة الأُلى إلى طبيعة الحديث الإِمامي نفسه وأنّه يختلف عن الحديث غير الإمامي وذلك أنّ الأحاديث التي رويت من طرق غير الإِماميّة ـ وقد قدّمت أسماء الكتب التي تجمع هذه الأَحاديث، والتي تتناول تفسيرها، وتأويل ما يحتاج منها إلى التأويل ـ لا تحمل في طيّاتها ما ينفي التجسيم والتشبيه والجبر، بينما تتوفِّر فيها الأحاديث التي يكون ظاهرها إثبات التجسيم، والتشبيه والجبر، وهي كثيرة جدّاً، فلم يجد المؤوِّلون ـ إلى جنب الأحاديث المثبِتة ـ أحاديث تنفي بصورة مباشرة، تمكّنهم من حلّ المشكلة عن طريق تفسير الحديث بالحديث، وتأويل ما ظاهره الإِثبات بما يكون نصّاً في النفي، فاضطّروا إلى اللجوء إلى طرق أُخر من التأويل.
ويظهر هذا بوضوح من صنيع ابن فورك، والخطّابي، والبيهقي ـ الّذين تقدّم ذكرهم ـ وما صنعه أبو المعالي الجويني، عبد الملك بن عبد الله النيسابوري الشافعي (419 / 1028 ـ 478 / 1085) المتكلّم الأَشعري

(الصفحة 162)


الشهير في كتبه الكلامية، وفخر الدين الرازي محمد بن عمر الشافعي (544 / 1150 ـ 606 / 1210) الإمام المتكلّم والمفسّر الأَشعري الشهير، في تفسيره الشهير وكتبه الكلاميّة. وما ذكره من التأويل ابن الجوزي، وتقي الدين الحصني في كتابيهما اللذين تقدّم ذكرهما. فإنّ دراسة هذه التأويلات لَتقدِّم أقوى الأدلّة على ما قلناه.
والحال في الحديث الإمامي على النقيض من هذا، فإنّ أحاديث التوحيد والعدل قد ذكرت في «كتاب التوحيد» من «الكافي» للكليني و «كتاب التوحيد» للشيخ الصدوق، و «كتاب التوحيد والعدل» من الموسوعة الحديثيّة الشهيرة «بحار الأنوار» للعلاّمة المجلسي، والذي استوعب هذا الأَخير كلّ ما ورد في مصادر الامامية مسنداً أو مرسلاً، صحّ سنده أو لم يصحّ، وجاء في الطبعة الحديثة من البحار في ستة أجزاء (ج 3 ـ ج 8). ومن يرجع إليها لا يجد الحال فيهاما يجدها عند غيرهم، بل هي مليئة بالأَحاديث الصحيحة، بل المتواترة، إجمالاً، أو معنىً، الدالّة بصراحة على نفي التشبيه، والتجسيم، والجبر، خاصة دلالتها على بقيّة ما تعتقده الإمامية في أمر التوحيد والعدل، سواء الذي امتازت به أم الذي اشتركت فيه مع غيرهامن المسلمين. ولأجل هذا لم يجد الكليني والصدوق، للدلالة على النفي، أيّ عناء سوى سوق الأَحاديث الكثيرة الدالّة عليه بصراحة ووضوح.
نعم، كلّ ما هناك ما أشار إليه شيخنا الصدوق في فاتحة «كتاب التوحيد» حيث قال:
«إنّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أنّي وجَدْتُ قَوْماً من المخالفين لنا ينسبون عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر، لما وجدوا في كتبهم من الأخبار التي جهلوا تفسيرها ولم يعرفوا معانيها، ووضعوها في غير مواضعها، ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظَ القرآن ]أي جاء فيها ما جاء في القرآن الكريم من ألفاظ وتعابير، فإن كان القرآن الكريم دالاً على التشبيه والجبر فهي دالّة أيضاً، وإن لم يقولوا

(الصفحة 163)


بدلالة القرآن على ذلك فكيف قالوا بدلالة تلك الأحاديث؟![فقبَّحوا بذلك عند الجهّال مذهبنا، ولبَّسوا عليهم طريقتنا، وصدُّوا الناس عن دين الله، وحملوهم على جحود حجج الله، فتقرَّبْتُ إلى الله، تعالى ذكره، بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد ونفي التشبيه والجبر...» (1).
وخلاصة الكلام أنْ الإِماميّة إنْ دُرِسَت عقيدتُها على ضوء ما ورثته من أحاديث الأئمّة عليهم السلام، فإنّ هذه الدراسة لَتكشف بوضوح أنّ ما تعتقده إنّما ينبع من تلك الأَحاديث، والأحاديث نفسها تتّفق في مضمونهابين التي روتها عن أوّل أئمّتها، أمير المؤمنين عليه السلام، وبين التي جاءتها من الإِمام الحادي عشر أو الحجّة المنتظر، عليهما السلام، مثلاً، وأساس ذلك يرجع إلى أنّ الإِماميّة بعد أنْ دانت بالإِمامة والتزمت بطاعة الأئمّة عليهم السلام ـ كما قدَّمت في مدلول الإِمامة عند الإِمامية ـ فإنّها قد أخذت عقائدها منهم كما أخذت أحكامها، ودراسة الكتابين; «اعتقادات الإِمامية» للصدوق، و «تصحيح الاعتقاد» للمفيد كافية في إثبات ذلك، خاصة بعد أنْ كان كتاب الصدوق لا يتعدّى عن سرد مضامين الآيات والأَحاديث، بل بنفس الألفاظ والتعابير، كما قدَّمناه.
فالقول بأنّ الإِماميّة أخذت عن المعتزلة وتأثّرَتْ بهم فيما اتّفقت معهم في العقيدة لا أقول فيه سوى إنّه باطل لا أساسَ له من الصحّة جملة وتفصيلاً، ولا سند له من دراسة عقائد الإمامية والاُسس التي قامت عليها تلك العقائد. والسؤال الذي يكون وجيهاً ـ والحال هذه ـ: هل غيرها أخذ عقيدته من أئمّتها؟ ولا أُحاول هنا أن أبحث عن هذا الجانب ولكنّي أُشير إلى أنّ الكعبي البلخي، والقاضي عبد الجبّار، وابن المرتضى، ونشْوان الحِمْيَري يسندون مذهب المعتزلة في العدل والتوحيد إلى أمير المؤمنين عليه السلام (2).
--------------------------------------
(1) التوحيد، مكتبة الصدوق، طهران: 1387 / 17 ـ 18.
(2) البلخي، ذكر المعتزلة / 64، القاضي عبد الجبار، فضل الاعتزال وذكر المعتزلة / 146 ـ 147، 150، 163، 214 ـ 215، ابن المرتضى، المنية والأمل / 26 ـ 27، 125 ـ 126، 127 ـ 128، البحر الزَخّار، 1 / 44، نَشْوان الحِمْيَري، الحُور العين / 206.

(الصفحة 164)


* ]ابن [ النديم: «أسماء من أخذ عنه العَدْلُ والتوحيد»: قرأت بخطّ أبي عبد الله بن عبدوس ; قال أبو الحسن أحمد بن يحيى بن عليّ بن يحيى النجّم، أخبرني أبي، وأخبرني عمّي أحمد، وعمّي هارون، قالوا: حدّثنا أبو يعلى زُرْقان ـ واسمه محمد بن شداد، صاحب أبي الهذيل ـ قال: حدّثنا أبو الهذيل العلاّف، محمد بن الهذيل، قال:
أخذت هذا الذي أنا عليه من العَدْل والتوحيد، عن عثمان الطويل ـ وكان معلّم أبي الهذيل ـ قال أبو الهذيل: وأخبرني عثمان أنّه أخذه عن واصل بن عطاء، وأنّ واصلاً أخذه عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأنّ عبد الله أخذه من ]؟[ أبيه محمد بن الحنفية، وأنّ محمداً أخبره أنّه أخذه عن أبيه عليَّ، عليه السلام، وأنّ أباه أخذه عن رسول الله عليه ]وآله[ السلام، وأنّ رسول الله أخبره أنّ جبرئيل نزل به عن الله جلّ وتعالى.
وقال الذهبي: قال زُرْقان (1): حدّثنا أبو الهذيل العلاّف، قال:
أخذت ما أنا عليه من العَدْل والتوحيد عن عثمان الطويل، وأخبرني أنّه أخذه عن واصل بن عطاء، وأخذه عن عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأخذه منْ أبيه، وأخبره أنّه أخذه عن أبيه عليّ، وأنّه أخذه عن رسول الله، صلّى الله عليه ]وآله{ وسلّم، وأخبره أنّ جبريل نَزَل به عن الله تعالى. رواه جماعةٌ عن زُرْقان(2).
ويجب أنْ ننتبِّه إلى أنّ ما جاء في «اعتقادات الإِماميّة» ولم يعلّق عليه المفيد، أو الذي أقرّه المفيد عليه، وهكذا المناقشات التي ذكرها المفيد والنقاط التي لم يقبلها أو لم يرض بالدليل الذي ذكره الصدوق لها، ليس مدلول
------------------------------------
(1) المتكلّم المعتزلي الشهير.
(2) سير أعلام النبلاء: 13 / 149.

(الصفحة 165)


كلّ ذلك أنّ غيرهما من علماء الإِمامية يتّفق مع أحدهما أو معهما في الرأي، أو يرضى بصحّة الدليل أو يقرّ دلالته على ما يقولانه، أو يقرّ بمناقشة المفيد ويرتضيها. ومن الطبيعي أنّ هذا الجانب من الكتابين إنّما يختصّ بالتفاصيل التي جاءت فيهما، لا في أُصول العقيدة التي تتّفق عليها الإِماميّة بأجمعها.
7 ـ نموذج من الحديث الامامي:
ومثال واحد أذكره من مئات الأمثلة التي تدلّ على طبيعة الحديث الإِمامي، وإبائه عن أن تستقرّ في نفس مَنْ يؤمن به نزعة التجسيم والتشبيه أو الجبر ما روي عن الإِمام أمير المؤمنين عليه السلام من قوله عليه السلام في خطبته الشهيرة، وهذه الخطبة ذكرها الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي (359 / 970 ـ 406 / 1015) في «نهج البلاغة» ورواها من محدّثي الإِمامية ممّن سبق الشريف الرضي، الشيخ الصدوق (ح 306 / 919 ـ 381 / 991) في «كتاب التوحيد» (1) روى قطعة كبيرة من أوّلها، وألفاظهافيها بعض الاختلاف عمّا في النهج، وشرح بعض ما جاء فيها. ورواها ايضاً أبو النضر محمد بن مسعود السُّلمي العيّاشي (؟ـ ح 320 / 932) وأخرج قسماً منها في التفسير (2). وكلّ هؤلاء ينتهي السند عندهم إلى مَسْعَدة بن صدَقة وهو رواها عن الإِمام الصادق، عن أبيه، عليهما السلام. وهو أبو محمد مَسْعَدة ابن صدَقة العَبْدي، من اصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام له: «كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام» (3).
ورواها محدِّثو الزيدية، فرواها يحيى بن الحسين الحسني، الناطق بالحقّ، الإِمام الزيدي (340 / 952 ـ 424 / 1033) بسند آخر ينتهي إلى زيد
-----------------------------------
(1) مكتبة الصدوق، طهران: 1387 / 48 ـ 56، وعنه في البحار: 4 / 274 ـ 284.
(2) 1 / 163 اي 5، وعنه البحار، 3 / 257، تفسير البرهان، 1 / 271 اي 12.
(3) النجاشي: 259، مجمع الرجال: 6 / 87، الذريعة: 7 / 191 اي 972.

(الصفحة 166)


ابن أسلم ـ وأرى أنّ هذا تصحيف، والصحيح: زيد بن وَهْب، وهو الجهني ( ـ 96 / 715) من كبار التابعين، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، له: «كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر في الجُمع والأعياد وغيرها» (1) رواها مباشرة عن أمير المؤمنين عليه السلام، ولفظ قريب من لفظ الصدوق، وإن كان السند مغايراً (2).
وذكرها أحمد بن محمد بن عبد ربّه القرطبي المالكي (246 / 860 ـ 328 / 940) في العقد الفريد (3).
وهذه الخطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة، وذلك: أنّ رجلاً قال له ـ وهو يخطب ـ صِفْ لنا ربّنا مثلَ ما نراه عياناً (...) فغضب عليه السلام، ونادى الصلاة جامعة، فاجتمع إليه الناس حتّى غصّ المسجد بأهله، فقال ـ في جملة ما قال، وأنا أذكر رواية الشريف الرضي ـ:
فأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَايُن أَعضاءِ خَلْقِكَ، وَتَلاَحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِ لِهِمِ المُحْتَبِة لَتَدْبيِر حِكْمَتِكَ، لَمْ يَعْقِدْ غَيْبَ ضَمِيِرهِ عَلَى مَعْرِفَتِكَ، وَلَمْ يُبَاشِرُ قَلْبَهُ الْيَقينُ بأَنَّهُ لا نِدَّ لَكَ، وَكَأنَّهُ لَمْ يَسُمَعْ تَبرّوْ التَّابِعينَ عَن المَتْبُوعينَ، إذْ يقولُونَ: (تَالله إنْ كُنَّا لَفِي مُبِينِ * إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(4) كَذَبَ العَادِلُونَ بِكَ، إذْ شَبُهُوكَ بِأصْنَامِهِمْ، وَنَحَلُوكَ حِلْيَةَ المَخْلُوقينَ بأَوْهَامِهِمْ، وَجَزؤكَ تَجْزِئَةَ المُجَسَّمّاتِ
-------------------------------
(1) الطوسي، الفهرست: 97، معالم العلماء: 44، مجمع الرجال: 3 / 85، الذريعة: 7 / 189 اي 965.
(2) تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب، مؤسسة الاعلمي، بيروت، لبنان، 1395 / 1975 / 202 ـ 204، ذكر قسماً كبيراً منها.
(3) لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1381 / 1962، 4 / 152 ـ 154، ذكر قسماً كبير منها.
(4) الشعراء 26: 97، و 98.

(الصفحة 167)


بِخَواطِرِهمْ، وقَدَّرُوكَ عَلَى الخِلْقَةِ المُخْتَلِفَةِ القُوَى بِقَرائحِ عُقُوْلِهمُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْء مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ، والعادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آياتِكَ، وَنَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيّناتِكَ، وَإنَّكَ أَنْتَ الله الَّذي لَمْ تَتَنَاهَ فِي العُقُولِ، فَتَكُونَ في مَهَبَّ فِكْرِها مُكَيَّفاً، وَلاَ في رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِها مَحْدُوداً مُصَرَّفاً...(1).
ولا أُريد أنْ أشرح هذه الفِقْرَة من الخطبة والتي يشير فيها الإِمام، عليه السلام، إلى أسباب حدوث التشبيه والتجسيم عند المسلمين في نشأته الأُلى «إذْ شَبْهُوكَ بِأَصْنامِهِمْ...» وإنّما أقول: إنّ مَنْ يؤمن بهذا الكلام ـ وبغيره من أحاديث أئمّة أهل البيت، عليهم السلام ـ كنصّ صادر من إمام معصوم، له من الطاعة ما لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وقد قدَّمْتُ عقيدة الإِماميّة في الإِمامة والإِمام، ليس من الطبيعي إذن، إلاّ في حالات شاذّة، أنْ يقول بالتشبيه والتجسيم إلاّ بصورة لا شعورية... قال القاضي عبد الجبّار المعتزلي الشافعي:
«فأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فخطبه في بيان نفي التشبيه، وفي إثبات العَدْل أكثر من أن تحصى...» (2).
وقال أيضاً: «وأنت إذا نظرت في خطب أمير المؤمنين وجَدْتَها مشحونةً بنفي الرُّؤية عن الله تعالى» (3).
----------------------------------
(1) نهج البلاغة ، شرح محمّد عبده ، ومحمّد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة الاستقامة ، القاهرة ، 1 / 163 ـ 164 ، وانظر البحار ، 77 / 318 ، وشرح ابن ابي الحديد 6 / 413 ـ 415.
(2) فضل الاعتزال وذكر المعتزلة / 163.
(3) شرح الاصول الخمسة / 268.

(الصفحة 168)


8 ـ لكن الخصوم اتهموا الامامية بما يأبى الحديث الإِمامي منه:
ومهما يكن فإنّ أخفّ جوانب الاتّهام الذي وجّهه إلى الإماميّة خصومهم، هو ما تقدّم من أنّ الإِماميّة كانوا في بداية أمرهم ـ وإلى عصور تلتها ـ كانوا قد حصروا أنفسهم وعقائدهم في حدود المداليل اللفظية للكتاب والسُّنّة، ولم يتعدّوا ذلك إلى المجال العقلي والاعتماد على العقل كمصدر لشرح العقيدة وتوجيهها، والاستعانة به في الاستدلال على إثباتها وردّ شبه خصومها، وإبطال حججهم.
ولكنّ خصوم الإِمامية لم يقفوا عند هذا الحدّ، بل تجاوزوه إلى اتّهام الإِمامية، بأنّهم قبل اتّصالهم بالمعتزلة:
1 ـ كانوا يقولون بالتجسيم والتشبيه الصريحين.
2 ـ لم يكونوا يقولون بالعدل كأصل دينيّ له خصائصه ومستلزماته.
3 ـ لم يكونوا يعرفون الفروق الدقيقة والبحوث النظرية الراجعة إلى التوحيد والعدل، والتي أشرت إليها بإجمال عند الكلام عن عقائد الإِمامية، ولم يكونوا على علم بالجهات التي تفرّق بين صفات الذات وصفات الفعل ـ مثلاً ـ إذ لم يكونوا بعد قد اعتمدوا على البحوث العقلية التي تنتهي إلى استكشاف تلك الأُسس الدقيقة وتركيز تلك التفاصيل عليها.
4 ـ كانوا يقولون بالجبر ـ بل والشديد منه ـ.
يقول أبو الحسين الخيّاط المعتزلي:
«وأمّا جملة قول الرافضة، فهو: إنّ الله عزّ وجلّ ذو قَدٍّ، وصورة، وحدّ، يتحرَّك ويسكن، ويدنو ويبعد، ويخفّ ويثقل...» هذا توحيد الرافضة بأسرها، إلاّ نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم، وتبرّأتْ منهم، فأمّا جُمْلَتُهم ومشايخهم، مثل: هشام بن سالم، وشيطان الطاق، وعليّ بن ميثم، وهشام بن الحكم، وعليّ بن منصور،

(الصفحة 169)


والسكّاك ، فقولهم ما حكيت عنهم...»(1).
ويحكي (م. مكدرموت) عن ابن تيميّة: أنّ لقول بالعدل الإِلهي قد أخذه متأخّرو الإِمامية كالمفيد ] (336 / 948 ـ 413 / 1022) [ والموسوي ] الشريف المرتضى (355 / 966 ـ 436 / 1044) [ والكَراجِكيّ ] (ح 369 / 980 ـ 449 / 1057) [ ولا أثر له فيمن تقدّمهم من الإِمامية. ويأخذ عليه (مكدرموت) بأنّ الخيّاط يشير إلى وجود أقليّة اتّصلت بالمعتزلة فتأثّرت بعقائدهم، وهكذا الأشعري يذكر مثل ذلك في مقالاته. ويمثِّل لهم (مكدرموت) بالنَّوْبختّيين الّذين كانوا في أواخر القرن الثالث ] أوائل القرن العاشر الميلادي [ (2)...
«كان المفيد قد ورث تراثين: الأوّل ما ورثه من متكلّمي الإِمامية الأَوائل، وخاصّة النوبختّيين الّذين كانوا في أواخر القرن الثالث على اتّصال بالمعتزلة، والثاني المدرسة القميّة لأصحاب الحديث والتي كان يمثّلها ابن بابويه القمّيّ ]الصدوق [...» (3).
ولكنّ شمس الدين الذهبي صاحب ابن تيميّة (673 / 1274 ـ 748 / 1348) يتقدّم بالزمان على ما قرّره زميله فيقول: «ومن حدود سنة 370 ]980 [إلى زماننا تصادق الرفض والاعتزال وتواخيا» (4) ولكنّ ابن حجر العسقلاني لا يقرّه على هذا التحديد التأريخيّ ويقول: «ليس كما قال، بل لم يزالا متواخِيَيْنِ من زمن المأمون ] الخليفة العبّاسي (170 / 786 ـ الخلافة 198 / 813 ـ 218 / 833) [» (5).
---------------------------------
(1) الانتصار والردّ على ابن الروندي الملحد / 14.
(2) نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد / 2 ـ 3.
(3) المصدر / 395.
(4) ميزان الاعتدال 3 / 149.
(5) لسان الميزان 4 / 248.

(الصفحة 170)


وأتغافل أنا عن كلّ هذه الأَقوال، وأُعْنى فحسب بالبحث عمّا استندوا إليه. وعمدتهم في ذلك كلّه إلى ما حكاه هؤلاء الخصوم عن بعض أعلام الإِماميّة والمتقدّمين من محدّثيهم ومتكلّميهم، كالّذين سمّاهم الخيّاط، من القول بالتجسيم والتشبيه الصريحين، بل والانتهاء فيهما إلى حدّ السُّخْف وهُجْر القول.
وأنا لا أطمع ـ ولا أرجو، بل أتمنّى، كما يتمنّى المرء المحالات! ـ أنْ يَعْدِل هؤلاء الخصوم ـ الماضين منهم والمعاصرين ـ عن آرائهم، ولا أنْ يرجعوا عن ترديد اتّهاماتهم، ولا أنْ يعيدوا النظر في احكامهم، ولا أريد أن أذكر الأسباب التي جرّتْني إلى هذا المستوى الرفيع حسن الظنِّ بهم وبعدالتهم وإنصافهم، ونزاهتهم عن الكذب والافتراء، و... و...
ولكنّي إيماناً منّي بالإِنسانيّة ونزاهتها في الحكم، وبالباحث وتطلَّعه إلى كشف الحقائق، والأهمّ من هذا كلّه إيماناً منّي بالإِسلام وما يفرضه على المسلم الصادق من سماع للقول أيّاً كان قائله ثم اتّباع أحسنه، وإنصاف في الحكم أيّاً كان المُنْتَفِع به، وقول للحقّ وإن كان على نفسه، وخضوع لقول الله تعالى: ( يَا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا قَوَّامِينَ لله شُهَ دَاءَ بالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنُكُمْ شَنئانُ قَوْمِ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إنَّ الله خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (1)إيماناً منّي بهذا كلّه أدرس هذا الجانب من الاتّهام دراسة موجزة، وأخصّ بحثي بالهشامين، هشام بن الحكم، وهشام بن سالم لا أتعدّاهما، وعلى ما ينتهي إليه البحث عنهما من نتائج فقِسْ ما سواهما!
9 ـ هشام بن الحكم، بعض جوانب شخصيّته:
أبو محمد، هشام بن الحكم الكندي، مولاهم، الكوفي، ثم البغدادي
-------------------------------
(1) المائدة 5: 8.

(الصفحة 171)


(105 / 723 ـ 189 / 805) شيخ متكلّمي الإِمامية ورائدها.
ولد بالكوفة، ونشأ بواسط ـ وكلاهما من مدن العراق، ولا زالت الكوفةُ عامرة ـ ثم عاد إلى الكوفة فعاش بها، وكان له بها متجر ومتجر ببغداد، ثمّ تحوّل إلى بغداد سنة 179 / 796 فسكنها بصورة دائمة. لقي هشام الإِمامين الصادق والكاظم عليهما السلام، وعاش بعد الكاظم لكنّه لم يتمكّن من لقاء الرضا عليهما السلام. قال فيه علماء الإِماميّة:
«كان ثقة في الحديث، حسن التحقيق ]أي المعرفة والثبات [ في مذهبه، فقيهاً، متكلّماً (...) حاذقاً بصناعة الكلام، حاضر الجواب. ورويت عن الأَئمّة، الصادق، والكاظم، والرضا، والجواد، عليهم السلام مدائح له جليلة، وأثنوا عليه ثناءً وافراً»(1).
وقال شيخنا المفيد:
«وبلغ من مرتبته وعلّوه عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام أنّه دخل عليه بمِنَى وهو غلام، أوّل ما اختطّ عارضاه، وفي مجلسه شيوخ الشيعة كحُمْران بن أَعْيَن، وقيس الماصر، ويونس بن يعقوب، وأبي جعفر الأحول ]مؤمن الطاق، وهشام بن سالم [ فرفعه على جماعتهم، وليس فيهم إلاّ من هو أكبر سنّاً منه، فلمّا رأى أبو عبد الله عليه السلام أنّ ذلك الفعل قد كبر على أصحابه، قال: هو ناصرنا بقلبه، ولسانه، ويده» (2).
وبمثله قال ابن شهر آشوب، وأضاف:
-------------------------------
(1) المفيد، الفصول المختارة 1 / 28، الطوسي، الفهرست / 203 ـ 204، النجاشي / 304 ـ 305، ابن شهر آشوب، معالم العلماء / 115، العلاّمة الحلي، خلاصة الأقوال / 178، وعن هؤلاء عامة من ترجم له راجع: معجم رجال الحديث 19 / 331، وهكذا وصفه «ابن» النديم (الفهرست / 203 ـ 204).
(2) الفصول المختارة، 1 / 28، البحار، 10 / 295 ـ 296 راجع الحديث، في الكافي، 1 / 171 ـ 173 اي 433 / 4، وفي كثير من مصادر الحديث.

(الصفحة 172)


«وقوله ] الصادق [ عليه السلام: هشام بن الحكم رائدُ حقِّنا، وسائق قولنا، المُؤيِّد لصدقنا، والدافعُ لباطلِ أعدائنا، من تَبِعَه وتَبع أثره تَبِعنا، ومَنْ خالفه وألحد فيه عادانا وألحد فينا» (1).
كان هشام بن الحكم متكلّماً، قويّ الكلام، بصيراً بالحجّة والجدل، حاضر البديهة، قويَّ الذاكرة، عميق المعرفة، واسع الثقافة، متعدّد الجوانب، كثير النشاط، مناظراً جَدِلاً، اتّصل بعامّة أصحاب المقالات، ومتكلّمي الفرق مسلمين وغير مسلمين، وناظرهم، وتكلّم معهم، بل وصادقهم، حتى ضرب المثل بصداقته وحسن صحبته لمن يصادقه وإن تناقضت آراؤهما.
وهذا جانب من خلق هشام هامٌّ جدّاً في تفهّم شخصيّته. فإن ّ أحدَ مَن صادقهم وبصداقته معه ضرب المثل هو: عبد الله بن يزيد الفَزَاري، الكوفي، المتكلّم الإِباضي، وكان هو وأصحابه أقرب فرق الخوارج إلى أهل السُّنَّة (2)وكان من كبار الخوارج ومتكلّميهم، ومؤلّفي كتبهم، وذكروا له من الكتب: كتاب التوحيد، كتاب الردّ على المعتزلة، كتاب الردّ على الرافضة (3).
«فكان عبد الله بن يزيد الإِباضي من أصدق الناس لهشام بن الحكم، وكان يشاركه في التجارة» (4)وجعلهما الجاحظ أفضل المتضادَّيْن ممّن «لم يَجْر بينهم صُرْمٌ، ولا جَفْوة، ولا إعراض (...) فإنّهما صارا إلى المشاركة بعد الخلطَة والمصاحبة (...) فهما أفضلا على سائر المتضادَّيْن بما صارا إليه من
------------------------------------
(1) معالم العلماء / 115، معجم رجال الحديث، 19 / 334. وكلام الصادق عليه السلام هذا حكاه الشريف المرتضى في الشافي / 13.
(2) ابن حزم، الفصل، 2 / 112 و «الاباضيّة» من فرق الخوارج اخذوا مذهبهم منه. «ابن حجر» لسان الميزان، 3 / 378.
(3) الاشعري، مقالات الاسلاميين، 1 / 186، «ابن» النديم، الفهرست / 233، الشهرستاني، الملل والنحل، 1 / 137، البغدادي، هدية العارفين، 1 / 446.
(4) كمال الدين، 2 / 363، البحار، 48 / 198.

(الصفحة 173)


الشركة في جميع تجارتهما» (1).
«وكان عبد الله بن يزيد الإِباضي بالكوفة تختلف عليه أصحابه يأخذون عنه، وكان خرّازاً شريكاً لهشام بن الحكم، وكان هشام مقدَّماً (...) تختلف عليه أصحابه من الرافضة يأخذون عنه، وكلاهما في حانوت واحد، على ما ذكرنا من التضادّ في المذاهب من التشرّي (2) والرَّفضْ، ولم يجر بينهما مسابّة ولا خروج عمّا يوجبه العلم، وقضيّة العقل، وموجبات الشرع، وأحكام النظر والسير» (3).
وخلق هشام هذا كان يدعو الكثير ممَّنْ يخالفونه في العقيدة أن يتّصلوا به ابتداءً، إذ لم يكن يعرّض من يتّصل به إلى الأَخطار، ولم يكن يخاف منه سوء الأدب وقبح العشرة، أو الخروج عن أدب المعاشرة أو أدب الكلام. يروي ابن قتيبة: أنّ هشاماً جاءه ملحد، فقال له: أنا اقول بالاثنين، وقد عَرَفْتُ إنصافك فلَسْتُ أخاف مشاغبتك، ثم ناظره فقطعه هشام بسرعة واجابه بما أقنعه (4).
وما قدّمناه من خلق هشام هو الذي أوجب أنْ يتحوَّل اتصال ابي شاكر الدَّيصاني ـ احد مشاهير الزنادقة ـ بهشام الى صداقة وصحبة بينهما، بعد ان كانت في أصلها صلة جدل ونظر ونقاش فيما كانا يختلفان فيه من وجهات الرأي والعقيدة. وربما سأله أبو شاكر أنْ يستأذن له في الدخول على الإمام الصادق عليه السلام (5).
وربما تناظرا، فكان البحث ينتهي الى مدى لم يكن لهشام فيها من جواب ـ كما يحدثنا هشام ـ ويقول: انه اجتمع بالصادق عليه السلام بالمدينة
-----------------------------------
(1) الجاحظ، البيان والتبيين، 1 / 46 ـ 47، الراغب: محاضرات الادباء 2 / 7.
(2) عقيدة الشُّراة أي الخوارج.
(3) مروج الذهب ط باريس، 5 / 443 ـ 444.
(4) عيون الاخبار، 2 / 154.
(5) التوحيد / 290، البحار، 3 / 50.

(الصفحة 174)


وتعلّم منه الجواب، ثم اجتمع بأبي شاكر بالكوفة فذكر له الجواب، فقال الديصاني: هذه نُقِلَتْ من الحجاز (1).
ولكن هذا الخلق الرفيع تحوّل عند خصومه إلى طعن وتجريح، يقول الخياط رادّاً على من اتّهم المعتزلة بأنّهم أخذوا بعض ارائهم عن الديصانية:
«بل المقروف ]المُتَّهم[ بقول الديصانيّة شيخ الرافضة وعالمها هشام بن الحكم المعروف بصحبة ابي شاكر الدَّيصْاني...» (2).
10 ـ شخصيّته الكلامية ونشاطه الفكري:
وقد زادت صلة هشام بالمتكلّمين وزعماء الفرق، بعد ما تزعّم النَّدوْةَ البرمكيّة. فإنّه بعد أن اعتقل الخليفة هارون الامام موسى بن جعفر عليهما السلام سنة 179 / 975 اضطرّ أن يهاجر إلى بغداد بصورة دائمة، وأنْ يلتجىء إلى يحيى بن خالد البرمكي (120 / 738 ـ 190 / 805) الوزير العبّاسي الشهير، ليحتمي به، فصار كما قال المترجمون له: «وكان منقطعاً إلى يحيى ابن خالد البرمكيّ، وكان القيمّ بمجالس كلامه ونظره» (3).
و «كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلّمون من كلّ فرقة وملّة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم، يحتج بعضهم على بعض» (4).
ومن الطّبيعي أنْ هذه الندوة الكلامية، التي كانَتْ تنعقد اسبوعياً بمحضر أقوى رجل في الدولة بعد الخليفة، وكان هشام هو الذي يرأسها ويديرُها وهذا هو المفهوم من قولهم «وكان القيم بمجالس كلامه ونظره» كانت توفّر له الاتّصال
---------------------------------------
(1) الكافي، 1 / 128 ـ 129 اي 266 / 9، التوحيد / 133.
(2) الانتصار والردّ على ابن الروندي الملحد / 37.
(3) الطوسي، الفهرست / 204، «ابن» النديم، الفهرست / 223، 224، مجمع الرجال، 6 / 233، لسان الميزان، 6 / 194.
(4) كمال الدين، 2 / 362، البحار، 48 / 179.

(الصفحة 175)


بالكثيرين ممَّنْ لا تسمح الظروف الاعتيادية، ولو لمتكلم بارز كهشام، الاتصال بهم والاستماع إلى ارائهم وحججهم، ومناقشات بعضهم لبعض، ثم الاشراف على سير البحث، وتقييم الحجج واعطاء الرأي الفاصل.
ويحكي المسعودي مجلساً واحداً من ذلك، فيقول في مقدمة الحكاية: «وقد كان يحيى بن خالد بن برمك ذا علم ومعرفة، وبحث، ونظر، وكان له مجلس يجتمع فيه كثير من أهل البحث والنظر من متكلمّي الاسلام وغيرهم من أهل الآراء والنحل، فقال لهم يحيى يوماً، وقد اجتمعوا عنده: قد أكثرتم الكلام في الكمون والظّهور، والقدم والحدوث، والنفي (1) والإثبات، والحركة والسكون، والمماسّة والمباينة، والموجود والمعدوم (2) والأجسام والأَعراض، والتعديل والتجريح، ونفي الصفات واثباتها، والاستطاعة والافعال،والجوهر، والكميّة والكيفيّة، والمضاف، والكون والفساد، والامامة انصّ هي ام اختيار، وسائر ماتوردونه من الكلام في الاصول والفروع، فاشرعوا الآن في الكلام في العشق...» وهكذا ذكر كثيراً من عناوين البحوث، ثم ذكر الذين اشتركوا في هذا البحث، وسمّاهم ومنهم: «علي بن الهيثم (3) كان امامي المذهب من المشهورين من متكلّمي الشيعة» وهو اولهم. والثاني «أبو مالك الحضرمي، وكان خارجيّ المذهب، وهم الشُّراة» (4). والثالث «محمد بن الهذيل العلاّف، وكان معتزلي المذهب وشيخ البصريين» والرابع «هشام بن الحكم الكوفي شيخ الامامية في وقته وكبير الصَّنْعة في عصره» (5) والخامس «ابراهيم بن سيّار النظام وكان معتزلي المذهب وكان من نظّار البصريين في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في طبعة باريس: وابقي، وهو تصحيف .
(2) الوجود والعدم والجرّ والطفرة: في طبعة بيروت.
(3) في ط شارل بلا: علي بن ميثم، وهو الصحيح.
(4)
(5)

(الصفحة 176)


عصره» والسادس «علي بن منصور، وكان امامي المذهب من نظّار الشيعة، وهو صاحب هشام بن الحكم» والسابع «معتمر بن سليمان وكان معتزلي المذهب وشيخاً من شيوخها المقدمين فيها» والثامن «بشر بن المعتمر، وكان معتزلي المذهب وشيخ البغداديين واستاذ النظاريين والمتكلّمين منهم مثل جعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر (1) وغيرهم من متكلّمي البغداديين» والتاسع «ثمامة بن اشرس، وكان معتزلي المذهب» والعاشر وهو «السكال (2) وكان إماميّ المذهب وصاحب هشام بن الحكم» وآخرين...(3).
ولكنّي هنا اكتفي بالإِشارة إلى من ذكروا انّ هشاماً اجتمع بهم من المعتزلة خاصة دون غيرهم:
12 ـ خاصم المعتزلة هشاماً فافتروا فصدَّقهم خصومهم فيه، ولم يصدقوهم في غيره:
1 ـ أبو عثمان، عمرو بن عبيد التيمي البصري (80 / 699 ـ 144 / 761) ثاني رائدَي الاعتزال وداعيتيها. اجتمع به هشام في جامع البصرة وتناظر معه في الإمامة، وكانت الغلبة فيها لهشام «فقطعه هشام» كما عبروا (4).
2 ـ عبد الرحمن بن كَيْسان، أبو بكر الأصمّ البصري (ـ ـ 200 / 816) من اعلام المعتزلة وذوي المكانة فيهم. ولكنّ الأصمّ كان من نواصب المعتزلة يبغض أمير المؤمنين عليه السلام. «ويقدح في إمامته» (5) «وفيه ميل على
-----------------------------------
(1) في ط باريس: منتشر، وهو تصحيف.
(2) والصحيح: السكاك.
(3) مروج الذهب ط باريس، 6 / 368، ط بيروت، 3 / 370 ـ 372، وحذفت ط شارل بلا، 4 / 236 ـ 241 كلام السادس فما بعد.
(4) الكافي، ا / 169 ـ 171 اي 432 / 3، الكشي / 271 ـ 273، أمالي المرتضى 1 / 176 ـ 177. المسعودي، مروج الذهب «ط باريس» 7 / 234 ـ 236، ومصادر كثيرة.
(5) الشهرستاني 1 / 31.

(الصفحة 177)


أمير المؤمنين علي عليه السلام وبذلك كان يُعاب» (1) وتعليله للطعن في امامته عليه السلام ويقصد به عدم عدّه رابع خلفائهم، لا الامامة بالمعنى الذي تقول به الامامية ـ (2) ورأيه في مَن قاتله (3) يدلّ على نزعته العدائية له عليه السلام، «وكان يقول في علي ومعاوية أقوالاً جعل معاوية فيهاأحسن حالاً من عليّ» (4).
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي، وابن المرتضى الزيدي المعتزلي: «والذي نقم عليه أصحابنا (...) ازوراره عن علي عليه السلام ـ وعن ابن المرتضى: ويجري منه حيف عظيم على أمير المؤمنين ـ وكان أصحابنا يقولون: بُلي بمناظرة هشام بن الحكم فيغلوه هذا ويغلوه هذا (5)(6) ولعل لموقفه من إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، ألّف بشْر بن المعتمر ( ـ 210 / 825) من أعلام المعتزلة: «كتاب الردّ على الأصمّ في الإِمامة» (7) وللأصمّ: «كتاب الردّ على هشام في التشبيه» و «كتاب الجامع على الرافضة» (8) ومَن تبلغ به الخصومة والعناد إلى أن يقول في علي عليه السلام ما لم يرتضه منه اخوانه في المذهب، فهل تراه يلتزم الصدق والنَّصف فيما يقوله عن هشام والرافضة!
3 ـ محمد بن الهُذَيْل العبدي، مولاهم، ابو الهذيل العلاّف البصري (135 / 753 ـ 235 / 850).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «ابن» النديم / 214.
(2) مقالات الاسلاميين، 2 / 133، الشهرستاني، 1 / 31، 72 ـ 73.
(3) مقالات الاسلاميين، 2 / 130 ـ 131.
(4) البغدادي، أصول الدين / 270، 287، 291.
(5) ولا أجد لهذا الكلام تفسيراً، سوى انهم يقصدون: أنّ اشتداد الخصومة بينهما أوجب أن يغلو كل واحد منهما في رأيه ويفرط في مذهبه.
(6) القاضي عبد الجبار، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة / 267، ابن المرتضى، المنية والامل / 156.
(7) «ابن» النديم 185.
(8) «ابن» النديم / 214.

(الصفحة 178)


قال الشهرستاني: «وجرت بينه ] بين هشام [ وبين أبي الهذيل مناظرات في علم الكلام، منها في التشبيه، ومنها في تعلّق علم الباري تعالى» (1).
ويحكي إحداها المسعودي ويقول في آخرها: «فانقطع ابو الهذيل ولم يرد جواباً» (2)ولكن ابن حجر العسقلاني في حرّف كلام المسعودي ـ وأتمنّى لو كان بغير عمد ـ فقال في ترجمة ابي الهذيل: «وذكر ] المسعودي [مناظرة بينه وبين هشام بن الحكم الرافضي، وانّ هشاماً غلبه ابو الهذيل فيها» (3) ولا أظنّ أنّ ابن حجر وجد في كلام المسعودي غموضاً فأساء فهمه!
4 ـ إبراهيم بن سيّار، ابو اسحاق النَّظّام البصري (ح 160 / 776 ـ 231 / 845) قال المترجمون له من المعتزلة: «خرج النَّظّام الى الحجّ فانصرف على طريق الكوفة، ولقي بها هشام بن الحكم وغيره، وناظرهم في دقيق الكلام»(4).
وتاريخ هذا الاجتماع لا بدّ وأن يكون سابقاً على 179 / 796 السَّنة التي هاجر فيها هشام من الكوفة إلى بغداد وسكنها بصورة دائمة، وعمر النظام يومذاك لم يكن قد تجاوز العشرين، بل لم يكن قد بلغه، فإن صحت الحكاية، فلا بدّ وأنْ يراد بالمناظرة المساءلة والمناقشة ـ كالتي تجري بين الاستاذ والتلميذ ـ وانّ النّظام الشاب لما اجتمع بهشام سأله عن دقيق الكلام، وفي هذا دلالة على ذكاء النظام وقدرته على طرح الاسئلة الكلامية الدقيقة وتفهّم الاجوبة العميقة من متكلمين بارزين كهشام وغيره. ولعلّ إحدى هذه المناظرات ما
-------------------------------------
(1) الملل والنحل، 1 / 30، 184.
(2) مروج الذهب، 7 / 232 ـ 233، وفي ط شارل بلا 5 / 21 ـ 22.
(3) لسان الميزان، 5 / 414.
(4) القاضي عبد الجبار، فضل الاعتزال وذكر المعتزلة / 254، ابن المرتضى، المنية والأمل / 149، الدكتور عبد الرحمن بدوي، مذاهب الاسلاميين، 1 / 127، واخطأ الدكتور في فهم كلام ابن المرتضى، الذي حكى عنه.

(الصفحة 179)


يحكيه المقدسي (1) فإنّها ليست مناظرة ومجادلة بالمعنى الدقيق، بل انّ النظام فيها يطرح السؤال فقط، كما يطرحه أيّ تلميذ، بل لا يناقش حول ما يسمع، ولو في مستوى مناقشة التلاميذ لا ساتذهم، وهشام يجيب، من غير انْ يتلقى معارضة أو مناقشة.
ولكن مناظرة جرت بينه وبين هشام حول خلود اهل الجنّة في جنّتهم، وخلود نعيمهم لهم، حيث كان النّظام ينكر ذلك، غلبه فيها هشام (2).
و «خالط هشام بن الحكم الرافضي» فأخذ عنه بعض آرائه (3).
ولكنّ الذي يجب أن أنبّه عليه أنّ هشام بن الحكم لم يكن موالياً للآراء الفلسفية ـ وخاصة اليونانية منها ـ التي كانت قد وفددت حديثاً يومذاك إلى الرقعة الاسلامية، واستأثرت باهتمام كبير من قبل ذوي الشأن والسلطنة، خاصة البرامكة ويعدهم المأمنون الخليفة العباسي. فإن المترجمين لهشام يذكرون: أن حبّ يحيى البرمكي لهشام، وايواءه ايّاه وحمايته له لم يدوما له، لأن «يحيى ابن خالد البرمكي كان قد وجد على هشام بن الحكم شيئاً، من طعنه على الفلاسفة..» (4).
ويقولون انّه أحد الاسباب التي دعت البرمكي إلى أنْ يغْري الخليفة هارون الرشيد بهشام.
ولهشام: «كتاب الردّ على ارسطاطاليس في التوحيد» (5).
وخلق هشام هذا قد توارثه تلامذته من بعده، فإنّا نجد في قائمة الكتب
-----------------------------------
(1) البدء والتاريخ، 2 / 123 ـ 124،
(2) الكشي / 274 ـ 275، مجمع الرجال، 6 / 228.
(3) الفرق بين الفرق / 50، 113 ـ 114، الملل والنحل، 1 / 56، نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام، 1 / 481 ـ 482، مذاهب الاسلاميين، 1 / 201.
(4) الكشي / 258، مجمع الرجال، 6 / 218، البحار، 48 / 189.
(5) الطوسي، الفهرست / 204، النجاشي / 305، «ابن» النديم / 224، معالم العلماء / 115، مجمع الرجال، 6 / 233، 234، الذريعة، 10 / 183.

(الصفحة 180)


التي ألّفها المتكلّم والعالم الإِماميّ الشهير، الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري (ح 195 / 811 ـ 260 / 873) كتباً يردّ فيها على الفلاسفة. والفضل يسلسل اساتذته إلى أنْ ينتهي بهم إلى هشام بن الحكم (1).
11 ـ من تناظر معهم هشام من المعتزلة:
وانما عنيت بهشام بن الحكم وبعده بهشام بن سالم، لأنّ خصوم الإِماميّة قد جعلوا منه الثغر الذي حاربوا منه الامامية بكلّ ما لهم من حول وطول، ووجهوا اليه، وعن طريقه إلى الامامية، كلّ ما امكنهم من الطعن والذم والتجريح، والتحامل وسوء القول، ونسبوا اليه الاراء المتناقضة. ومن عجيب أمر هؤلاء الخصوم انّا نجدهم قد ألقيت بينهم العداوة والبغضاء منذ نشأة الفرق التي ينتمون اليها، وإلى يومنا هذا وأرجو الله أنْ لا تستمر، فهم متنافرون متخاصمون بعضهم مع بعض على اشد ما تكون المنافرة والخصومة، وينسب كلّ منهم إلى الآخر ما لا ينسبه المسلم إلى مَنْ يراه أخاً له في الدين، ولكنّهم نجدهم قد جمعتهم العداء والخصومة للامامية عامة ولهشام وأمثاله خاصة، فهم يصدّق بعضهم بعضاً، ويشدّ بعضهم أزر بعض.
والعداء لهشام بن الحكم بدأ من المعتزلة، وهم الّذين خاضمهم هشام فيمن خصم، وهم الذين نسبوا إليه ما نسبوا، ـ وسيأتي ذكر هذا ـ، واقل ما ينسبه خصوم المعتزلة اليهم، امثال عبد القاهر البغدادي، والملطي، وابن حزم، والاسفراييني، وابن تيمية، وزميله الذهبي، وتلميذه ابن قيِّم الجوزية، وابني كثير وحجر، الابتداع الشديد، والكذب، وعدم الثقة بهم وبما يحكونه، بل نسبوا اليهم انّهم جعلوا الكذب والافتراء ديناً لهم، وانّهم لم يكونوا يتقيدّون
---------------------------------
(1) راجع ترجمة الفضل بن شاذان في المدخل للترجمة الانجليزية لكتاب التوحيد، من الكافي.

(الصفحة 181)


بأحكام الشريعة، بل وتجاوزه كثير منهم إلى نسبتهم عامة او الى نسبة كثير من أعلام المعتزلة خاصة، الى الكفر والزندقة، والخروج عن الملّة، ولعنوهم وتبرّأوا منهم، ولكنّ هؤلاء كلّهم صدّقوا المعتزلة فيما نسبوه إلى الامامية والى هشام وأمثاله من متكلمّيهم. وانّهم مارقون من الدين إلاّ اذا خاصموا الامامية، وانّهم كذبة مفترون إلاّ اذا نسبوا إلى الامامية قبيحاً أو حكوا عنهم فضيحة. ولا أطيل الكلام فيما قالوه في واصل بن عطاء، وعمرو بن عبي، وابي الهذيل، وثمامة بن اشرس، والنّظّام، والجاحظ، وامثال هؤلاء من أقطاب المعتزلة وعلمائها.
والأنكى من هذا أنّ هؤلاء قد ساروا على نهج أسلافهم المعتزلة ـ الذين هم خصومهم العقائديين ـ فحرّفوا وغيرّوا، وحذفوا واضافوا، وأكملوا بذلك ـ بزعمهم ـ ما وجدوه من نقص في سلاح المعتزلة، وتلافوا ما عثروا عليه من ضعف. وقد سقت امثلة لهذا فيما تقدم، وسيأتي بعض الامثلة. ولا اقصد من كلامي هذا أن يرجع الذيول عمّا ألفوه من طباع أسيادهم، فقد قدَّمْتُ أنّ مثلَ هذا الرجاء قد انقطع عنّي ـ إلاّ اذا تحرروا من تَلك الطباع وما اصعب هذا التحرر! ولكن قلت ما قلت لكي اجعله تمهيداً لبعض الكلام عن هشام بن الحكم والاراء التي نسبت اليه.
13 ـ نماذج مما نسبوه إلى هشام:
ولا يسعني هنا أنْ احكي بالتفصيل كلّ ما نسبوه إلى هشام من آراء، وبامكان القارىء الكريم أنْ يرجع إلى ما أحكيه عن مقاتل بن سليمان، وداود الجواربي، فانّها نماذج صالحة تشبه ما حكوه عن هشام، واكتفي هنا بيان النقاط التي تدعونا إلى رفض نسبة مثل ذلك إلى هشام:
أـ انّ هشام بن الحكم كان في أوّل أمره جهميّاً، من أتباع جهم بن صفوان ( ـ 128 / 745) ثم عدل عنه بعد ان اجتمع بالامام الصادق عليه

(الصفحة 182)


السلام، وتبيّن له خطؤه فيه(1).
وجهم بن صفوان، كما هو المعلوم من مذهبه، كان يعارض التجسيم والتشبيه إلى أبعد الحدود، وكان مذهبه في صفات الله تعالى مذهب المعتزلة في نشأته الأولى، فانه كان معاصراً لواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد رائدي الاعتزال وزعيميها، ولم ينقما عليه إلاّ القول بافناء الجنّة والنار، وانّ النعيم والعذاب لا يخلدان، ونقما عليه قوله بالإرجاء ـ لا بالمنزلة بين المنزلتين، الذي هو رأيهما في مرتكب الكبيرة ـ (2) ولكن نقطة الخلاف الرئيسة بينه وبين المعتزلة باجمعهم هي قوله بالجبر، وقولهم بالقدر إذ في المعتزلة المتأخرين من كان يقول بالإِرجاء، وفيهم من كان يقول بفناء الجنّة والنّار (3).
لكنّهم كلّهم يتّفقون على القول بالقدر ونفي الجبر. ولأجل هذا عده الشهرستاني ممّن «نبغ من المعتزلة أيّام نصر بن سيّار وأظهر بدعته ] عن آراء المعتزلة [ في الجبر» (4).
ومن تأثر هشام بن الحكم بآراء جهم، قوله عن الله سبحانه: «هو جسم لا كالأجسام» ـ كما سيأتي ـ فإنّه قول جهم بن صفوان، كما يحكي الأشعري أنه كان يقول: «إنّ الله جسم» ويقول: «إنّ معنى الجسم هو الموجود» (5).
وهذا نفس ما حكي عن هشام. ومن ذلك انه حكي عنه انه كان يقول:
---------------------------------
(1) الكشي / 256 ـ 257، مجمع الرجال، 6 / 216 ـ 217، «ابن» النديم، الفهرست «ط مطبعة الاستقامة، القاهرة / 257» «ط تجدد، طهران / 224 الهامش، وهذه الاخيرة هي التي ارجع اليها عموماً» المناقب، 4 / 244.
(2) ابن المرتضى، المنية والأمل / 23، 107، وانظر: البلخي، ذكر المعتزلة / 67، القاضي عبد الجبار، فصل الاعتزال / 241.
(3)
(4) الملل والنحل، 1 / 32، راجع: دائرة المعارف الاسلامية ـ بالانجليزية ـ الطبعة الحديثة، 2 / 388، والمختصر / 82 ـ 83، والمصادر المشار اليها فيهما.
(5) مقالات الاسلاميين، 1 / 269، 2 / 164.

(الصفحة 183)


«إن علم الله مُحْدَث، وإنّه كان غير عالم فعلم»(1).
وهذا ان صحّ عنه فإنه ترديد لقول جهم.
وقد أخذه أيضاً عن جهم(2).
وشبّه الشهرستاني «إثبات جهم وهشام علوماً لا في محلّ(3) بإثبات الأشعرية تكليماً لا في محلّ» (4).
وقد ذكروا أنّ المتكلّم المعتزلي الشهير، أبو الحسين، محمد بن علي ابن الطَّيِّب، البصري، الحنفي ( ـ 436 / 1044) أخذ برأي هشام هذا في علم الله سبحانه. قال الشهرستاني: «وله ميل إلى مذهب هشام بن الحكم في أنّ الاشياء لا تعلم قبل كونها» (5).
ولكنّهم حكوا عن هشام قولاً آخر قد يناقض ما تقدّم، وهو: «لم يزل الباري تعالى عالماً بنفسه، ويعلم الأشياء بعد كونها بعلم لا يقال فيه: إنه مُحْدَث أو قديم، ولأنّه صفة والصفة لا توصف، ولا يقال فيه هو أو غيره» وأضافوا: وليس قوله في القدرة والحياة كقوله في العلم، إلاّ أنّه لا يقول بحدوثهما(6).
ولكنّ شيخنا المفيد أنكر صحّة نسبة هذا الرأي إلى هشام وسيأتي كلامه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الانتصار... / 14، 50، الفصل، 2 / 126، 4 / 182، لسان الميزان، 6 / 194.
(2) الشهرستاني، الملل والنحل، 1 / 87، نهاية الاقدام / 215، الفصل، 2 / 126، المعتمد في أصول الدين / 45، ابن ابي الحديد، 11 / 63.
(3) «بالنسبة إلى الله سبحانه، لأنهما حيث قالا بحدوث علمه تعالى، فان جعلاء سبحانه محلاّ لعلمه، فانه ينافي قدمه سبحانه، فعالا بهذا القول» باثبات الاشعرية تكليماً لا في محلّ.
(4) نهاية الاقدام / 245.
(5) الملل والنحل، 1 / 85، نهاية الاقدام / 221.
(6) مقالات الاسلاميين، 1 / 268، الشهرستاني، الملل والنحل، 1 / 185، الفرق بين الفرق / 49، ابن ابي الحديد 2 / 219.

(الصفحة 184)


ومما نسبوه إلى هشام قوله بالإجبار الشديد، الذى لا يبلغه القائلون بالسُّنَّة كما قال ابن قتيبة (1).
فإنْ صحّت هذه النسبة فإنّ هشاماً تبع فيه جَهْماً، كما تقدم من انه انما امتاز عن اخوانه المعتزلة في قوله بالجبر المطلق، وقولهم بالاختيار التام، أي القدر كما يعبر به خصومهم.
وعلى ضوء ما تقدّم فإنّ ما نسب إلى هشام ينقسم إلى قسمين: (الأول) ما يتفقّ مع جهميّته السابقة، وبالإمكان تصديق النسبة، إنْ صدقت الحكاية، وهي نماذج محدودة أحصيتها وعددتها. (الثاني) وهو اكثر ما نسبه اليه خصومه، وهذا لا يتّفق لا مع جهميّته السابقة، ولا مع إماميّته اللاحقة، فلا يبقى أمامنا إلاّ أن نحكم بأنّه مفترى عليه جملة وتفصيلاً، وانّ صحّ ان هشاماً قال ببعضه ـ وهذا مجرّد فرض لا واقع له ـ فانّه لم يكن جادّاً فيه ـ كما سيأتي ـ ويجب أن أنبّه إلى أنّ جهميّة هشام لا بُدّ وأنّها كانت في اوائل شبابه، بل وحين أنْ كان يافعاً فحسبُ، إذا أنّ هشاماً بعد أنْ أصبح شابّاً، وهو لا يزال «أوّل ما اختطّ عارضاه» ـ كما تقدّم ـ لم يكن يعتقد بالامامة فحسبُ، بل كان يجادل عنها، ويناهض خصومها ومنكريها ويناظرهم في ذلك. وأرى أنّ الأقرب إلى الصواب، والأوفق بالحقائق الثابتة من حياة هشام وسيرته: أن جهميّة هشام كانت ترجع إلى متابعة جهم بن صفوان في بعض آرائه، وهي الامثلة الثلاثة التي ذكرتها سابقاً، والتي لا تتنافى مع القول بالإمامة، والالتزام بلوازمها، والدفاع عنها. لا (الجهميّة) بجميع أبعادها وحدودها، فلم يكن هشام يوماً ما جهميّاً إلاّ في نطاق ضيّق لا أنّه كان يتبعه في جميع آرائه وعقائده.
-----------------------------------------
(1) تأويل مختلف الحديث / 48، لسان الميزان، 6 / 194، عنه.

(الصفحة 185)


14 ـ موقف الامامية ممّا نسب إلى هشام:
ب ـ وقد بحث علماء الإمامية ـ قديماً وحديثاً ـ حول الآراء التي نسبت إلى هشام ودافعوا عنه ونفوا نسبتها اليه، واجمعها ـ مع اختصاره ـ ما ذكره الشريف المرتضى، أبو القاسم، علي بن الحسين، علم الهُدَى، الموسوي (355 / 966 ـ 436 / 1044) قال رحمه الله:
«... فأمّا ما رُمي به هشام بن الحكم من القول بالتجسيم، فالظاهر من الحكاية عنه القول بـ «جسم لا كالأجسام»، ولا خلاف في أنّ هذا القول ليس بتشبيه، ولا ناقض لأصل، ولا معترض على فرع، وأنّه غلط في عبارة (1)يرجع في إثباتها ونفيها إلى اللّغة، واكثر اصحابنا يقولون: إنّه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة، فقال لهم: إذا قلتم: إنّ القديم تعالى شيء لا كالأشياء، فقولوا إنّه جسمُ لا كالأجسام، وليس كلّ من عارض بشيء وسأل عنه أنْ يكون معتقداً له ومتديّناً به، وقد يجوز انْ يكون قصد به إلى استخراج جوابهم عن هذه المسألة ومعرفة ما عندهم فيها، أو إلى أنْ يُبيِّن قصورهم عن إيراد المرتضى(2)
في جوابها، إلى غير ذلك ممّا لا يتّسع ذكره.
فأمّا الحكاية أنّه ذهب في الله تعالى أنّه جسم له حقيقة الأجسام الحاضرة، وحديث (الأشبار) المُدَّعى عليه (3) فليس نعرفه إلاّ من حكاية الجاحظ عن النظّام، وما فيها إلاّ متّهم عليه غير موثوق بقوله، وجملة الأمر: أنّ المذاهب يجب أنْ تؤخذ من أفواه قائليها وأصحابهم المختصيّن بهم ومَنْ هو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذ يقصد بالجسم الموجود، لا الجسم المادي، كما سيأتي.
(2) أي الجواب الصحيح الذي يُرْتَضى به.
(3) أنّ هشاماً قال في ربه: هو سبعة اشبار بشبر نفسه، وجاء ذكره في عامة المصادر غير الامامية، ونقصها ابن المرتضى الزيدي المعتزلي شبرين، فذكر خمسة اشبارا ـ البحر الزخّار 1 / 47، المنية والامل، / 30.

(الصفحة 186)


مأمون في الحكاية عنهم، ولا يرجع فيها إلى دعاوى الخصوم (...) وممّا يدلّ على براءة هشام من هذه التهم، ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله: (لا تزال يا هشام مؤيدَّاً بروح القُدُس ما نصرتنا بلسانك). وقوله عليه السلام حين دخل عليه مشايخ ]وقد تقدم نقله عن المفيد[ وقوله عليه السلام ] وذكر ما حكيناه عن ابن شهر آشوب في صدر ترجمة هشام [ وأنّه عليه السلام كان يرشد اليه في باب النظر والحجاج ويحثّ النّاس على لقائه ومناظرته. فكيف يتوهَّم عاقل ـ مع ما ذكرناه في هشام ـ هذا القول بأنّ ربّه سبعة أشبار بشبره! (...).
وأمّا حدوث العلم ] الإِلهيّ [ فهو ايضاً من حكاياتهم المختلقة، وما نعرف للرجل فيه كتاباً ولا حكاه عنه ثقة.
فأمّا الجبر وتكليفه ] تكليف الله [ بما لا يطاق ممّا لا نعرفه مذهباً له...»(1).
وأنا أُعلّق بعض التعليق على ما ذكره سيدنا الشريف، اختصره من بحوث أوسع:
1 ـ قال الشهرستاني: «وهذا هشام بن الحكم صاحب عور (2) في الاُصول، لا يجوز أن يُغْفَل عن إلزاماته على المعتزلة، فإنّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم، ودون ما يُظْهِرهُ من التشبيه، وذلك: أنّه ألزم العلاّف، فقال: إنّك تقول: الباري تعالى عالم بعلم، وعلمه ذاته، فيُشارك المُحْدَثات في أنّه عالم بعلم، ويُباينهُا في أنّ علمه ذاتُه، فيكون عالماً لا كالعالمين، فلم لا تقول: إنّه جسمٌ لا كالأجسام، وصورة لا كالصورة، وله قدر لا كالأقدار؟! إلى غير ذلك»(3).
-------------------------------------
(1) الشافي، طبعة الحجر / 12 ـ 13.
(2)
(3) الملل والنحل، 1 / 185، وعنه الدكتور علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام، 2 / 220 ولم يناقش فيه.

(الصفحة 187)


2 ـ يذكر المترجمون لهشام من الكتب والرسائل التي الّفها ما يربو على الثلاثين، وما يرجع منها إلى التوحيد وفروعه:
1 ـ كتاب التوحيد.
2 ـ كتاب المجالس في التوحيد.
3 ـ كتاب الشيخ والغلام في التوحيد.
4 ـ كتاب الردّ على ارسطاطاليس في التوحيد.
5 ـ كتاب الدلالات على حدث (حدوث) الأجسام.
6 ـ كتاب الردّ على الزنادقة.
7 ـ كتاب الردّ على أصحاب الاثنين.
8 ـ كتاب الردّ على اصحاب الطبايع، والمقصود منهم الّلذين كانوا يقولون بأنّ الأشياء بطبعها ولا تحتاج في وجودها إلى الله سبحانه الذي يكون هو الخالق لها، وهذه إحدى الجذور التاريخية لفكرة المادّيّة الحديثة، وإن ـ أُولئك ـ أيضاً على مستويات مختلفة، بين من يقول بالمادّية الساذجة البسيطة ـ العامّية في المادّية ـ وبين المتأثّرين بأفكار وفلسفات يونانية، أو بعقائد بوذية أو هندوسية.
9 ـ كتاب في الجبر والقدر.
10 ـ كتاب القدر.
11 ـ كتاب الاستطاعة.
12 ـ كتاب المعرفة.
13 ـ كتاب الالطاف.
14 ـ كتاب الألفاظ، ولعلّه كان يعني شرح المصطلحات التي كان يستعملها هو أو كانت تستعمل في الكلام (1).
-----------------------------------
(1) راجع: الطوسي، الفهرست / 204، النجاشي، الفهرست / 304 ـ 305 وفي طبعة 433 ـ 434 رقم 1164، «ابن» النديم، الفهرست / 224، معالم العلماء / 115، مجمع الرجال، 6 / 232 ـ 234، هدية العارفين 2 / 507، وغيرها.

(الصفحة 188)


فلو كانت هذه الآراء آراء ثابتة لهشام لذكرها في كتبه، ولحكاها المترجمون له من الإمامية، وهم الذين ورثوا علمه وقرأوا كتبه ـ التي لم تصل الينا ولا واحد منها ـ ولجاءت الاشارة اليها في روايات الإِمامية ـ كما جاء ذكر بعض ارائه في احاديثهم، كما سيأتي.
يضاف إلى هذا: ان ما حكاه الخصوم من آراء هشام انما ذكروا أنّه قالها عند المناظرة والجدل مع خصومه المعتزلة، ولم ينسبوا ولا واحداً منها إلى كتاب من كتبه، فلو كان هؤلاء الخصوم قد عثروا على شيء منها في احد كتبه لنسبوه إلى الكتاب نفسه.
3 ـ إنّ قول هشام «جسم لا كالأجسام» كان في الأصل رأياً لجهم بن صفوان، وان قال به هشام فانه تبع جهماً في ذلك ـ كما تقدم ـ، ولعلّ هشاماً، بعد أنْ أرجعه الإِمام الصادق عليه السلام عن جهميته، كان يستعمله عندما كان يناظر المعتزلة خصوم الجهمية. وبقي هذا القول عالقاً في ذهن تلاميذه أو غيرهم من الشيعة، ولما لهشام من مقام رفيع ومنزلة عند الأَئمّة عليهم السلام والإِمامية اجمع، سألوا عنه الأَئمّة عليهم السلام ـ كما سيأتي ـ فلا يصحّ أن نردّ قول الشريف المرتضى من أنّ هشاماً كان يستعمله عند المناظرة بما جاءنا من الأحاديث التي اشارت إلى قول هشام في الجسم.
4 ـ إنّي حسب ما بحثت، وفي حدود ما املك من المصادر ـ وهي قليلة جدّاً، إذا قيست بالنسبة إلى ما ضاع ـ أكاد اجزم لأسباب لا يسع المجال ذكرها انّ ابا الهُذَيْل العلاّف يعتبر المحور الرئيس لأغلب ما نسب إلى هشام ابن الحكم (1) .
----------------------------------------
(1) راجع الحكاية عن أبي الهذيل مباشرة: مقالات الاسلاميين، 1 / 103، 257، 258، وعنه الفَرْق بين الفرق / 48، 216، وعن الفرق مذاهب الاسلاميين، 1 / 127. وعن أبي الهذيل: الفصل، 4 / 184، وعنه منهاج السُّنْة، 1 / 203 ولسان الميزان، 6 / 194. عند أبي الهذيل: فضل الاعتزال / 140، 262، والحور العين / 254، والكرماني، الفرق الاسلامية / 44.

(الصفحة 189)


وما حكي عن غير ابي الهذيل، فهناك قرائن تدلّنا ان ذلك ينتهي إليه ـ ان صدق الحاكون ولم يفتعلوا الحكاية ـ ومنها: أنّ الحاكون كلّهم تنتهي سلسلة تعلمّهم الاعتزالي اليه. فإنّ أبا الهذيل تتلمذ عليه النظّام، وثُمامة بن أشرس، النُّمَيْري البصري ( ـ 213 / 828) ـ أحد معاصري هشام من المعتزلة ـ ، وجعفر بن حرب البصري، ثم البغدادي (177 / 793 ـ 236 / 850) (1) .
وعلى النظّام تتلمذ زُرْقان، محمد بن شدّاد بن عيسى البصري (278 / 891) مؤلف «كتاب المقالات» الشهير، الذي يعتبر من المراجع الأساسية لذكر المقالات والفرق(2) والجاحظ، عمرو بن بحر (163 / 780 ـ 255 / 869)(3).
وعن الجاحظ أخذ ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم (213 / 828 ـ 276 / 889) (4).
وعلى جعفر بن حرب تتلمذ أبو الحسين الخيّاط، عبد الرحيم بن محمد البغدادي ( ـ ح 300 / 912) صاحب «الانتصار والردّ على ابن الروندي(5)الملحد».
-----------------------------------
(1) راجع الحكاية عنه: مقالات الاسلاميين، 1 / 110، وعنه الفَرْق / 50، ومنهاج السُّنة، 1 / 214.
(2) راجع الحكاية عنه: مقالات الاسلاميين، 1 / 1209 وفي طبعة 109 ـ 112، 2 / 232، وعنه منهاج السُّنْة، 1 / 208، وعن زُرْقان: الحور العين / 148 ـ 149، 170.
(3) راجع الحكاية عنه بلا اسناد منه إلى اخر: مقالات الاسلاميين، 1 / 104 ـ 268 ـ 2 / 161 ـ 162، وعنه الفرق / 49 ـ 216.
(4) راجع في روايته عن الجاحظ، عيون الاخبار، 3 / 199 ـ 216، 249. وفي ما يحكيه عن هشام: تأويل مختلف الحديث / 48، وعنه لسان الميزان، 6 / 194.
(5) راجع فيما ينسبه الى هشام مباشرة: الانتصار / 14 ـ 37، 50 .

(الصفحة 190)


وعلى الخيّاط تتلمذ الكعبي البلخي، عبد الله بن أحمد (273 / 886 ـ 319 / 931) (1).
ومن بعد هؤلاء من ائمّة المعتزلة كالجُبَّائيَّيْن أبي عليّ وابنه أبي هاشم، والقاضي عبد الجبار اخذوا عن هؤلاء فالعلاّف يعدّ رأس السلسة في هذه القائمة.
وابن الروندي يتّهم الجاحظ بأنّه أفرط لا في الخصومة لهشام فحسبُ، بل إلى حد انتصر لخصوم أمير المؤمنين عليه السلام و «انّ الذي حمل الجاحظ على ذلك العصبيْة وطلب ثأر استاذيه من هشام بن الحكم» (2) ولم يعيّن ابن الروندي من هما، والنظّام. أحد استاذي الجاحظ بلا شك «اتفقت المصادر على تتلمذ الجاحظ على النّظام» (3). والجاحظ يكثر الحكاية عنه في كتبه والثناء عليه (4). ويظهر من تعقيب الخياط ان الثاني هو أبو الهذيل العلاف، والجاحظ نفسه يحكي عن أبي الهذيل (5) .
ولأبي الهذيل ثار آخر عند الإمامية، فان أحد اعلام متكلمي الامامية، أبو الحسن على بن اسماعيل بن شُعَبْ بن ميَثْم، الميثمي، الكوفي، ثم البصري المعروف عندهم بعلي بن ميثم ـ وسيأتي ذكره عند الكلام حول هشام بن سالم ـ «وكان من وجوه المتكلّمين من اصحابنا، كلّم أبا الهذيل، والنَظام، له مجالس
---------------------------------
(1) راجع الحكاية عنه: مقالات الاسلاميين، 1 / 104، 107 ـ 108، 2 / 163 ـ 164، 231، وعنه الفرق / 49، 50، ومنهاج السُّنْة، 1 / 207، 208، والفرق الاسلامية / 44 ـ 45. وعن الكعبي: الملل والنحل، 1 / 184.
(2) الانتصار / 103.
(3) راجع: فضل الاعتزال / 265، المنية والأمل / 153، 162 / 153، 162، تاريخ بغداد، 7 / 97، 12 / 213، ابن خلكان، 3/ 471، معجم الأدباء، 6 / 57، نزهة الألباب / 192، ومصادر كثيرة اخرى.
(4) راجع فهارس الاعلام في البيان والتبيين. والحيوان، وغيرهما.
(5) الحيوان، 6 / 166.

(الصفحة 191)


وكتب» (1).
وراجع نماذج من مناظراته مع أبي الهذيل الذي قطعه فيها (2).
ومنها ما يحكيه ابن حجر عن أبي القاسم التيمي في كتاب الحُجّة: أنّه تناطر معه عند أمير البصرة، فارجع إلى لسان الميزان 5 / 265 ـ 266 لِتَرَ ما صنع به!
15 ـ جسم لا كالأجسام:
جـ ـ نعم، جاء في أحاديث الإماميّة نسبة القول بالجسم الى هشام بن الحكم، وهذه الأحاديث بين ما نسب اليه القول بالجسم ولم يفسّر فيه قوله (3).
وما فصّل فيه قوله، ومنها: حديث يونس بن ظبيان، الذي يحكي فيه للإِمام الصادق عليه السلام قول هشام، ويقول:
«فزعم أنّ الله جسم، لأنّ الأشياء شيئان: جسم، وفعل الجسم، فلا يجوز أن يكون الصّانع بمعنى الفعل، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل. فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويحه، أما علم أنَّ الجسم محدود متناه، والصورة محدودة متناهية، فإذا احتمل الحدّ احتمل الزيادة والنقصان، واذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقاً...» (4).
وبمعناه ـ بل أكثر وضوحاً وبياناً منه ـ الحديث الآتي عند الكلام حول
--------------------------------------
(1) النجاشي / 176، مجمع الرجال، 4 / 167.
(2) في الفصول المختارة، 1 / 6، 55، البحار، 10 / 370 ـ 372.
(3) راجع الكافي، 1 / 105 اي 285، التوحيد / 99، البحار، 3 / 303، وايضاً الكافي، 1 / 105 اي 286، التوحيد / 97، البحار، 3 / 303.
(4) الكافي، 1 / 106 اي 287، التوحيد / 99، الفصول المختارة، 2 / 285، البحار، 3 / 302، 10 / 453.

(الصفحة 192)


هشام بن سالم.
وحديث الحسن بن عبد الرحمن الجمَّاني، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: إنّ هشام بن الحكم زعم أنّ الله جسم ليس كمثله شيء(1) عالم، سميع، بصير، قادر، متكلّم، ناطق، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرىً واحداً ليس شيء منها مخلوقاً. فأنكر عليه السلام القول بالجسم، لأن الجسم محدود، ونبّه أنّ هذه الصفات لا تجري مجرى واحداً، فمنها ما هو من صفات الذات كالعلم والقدرة، ومنها ما هو من صفات الأفعال كالكلام والنطق...(2).
وجاء في حديث علي بن أبي حمزة، أنّه قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم: أنّ الله جسم، صمديّ، نوري، معرفته ضرورة يَمُنُّ بها على من يشاء من خلقه» (3) ولكن من المحتمل احتمالاً قويّاً انّ الراوي خلط بين كلام هشام بن الحكم وبين ما نسب إلى هشام ابن سالم ـ كما سيأتي ـ ومهما يكن فإنّ معنى الحديث لا يختلف عمّا تقدّمه.
وقد حكي عن هشام نفس هذا القول في كتب المقالات: «هو جسم لا كالأجسام» وانّ هشاماً كان يقول: إنّما أُريد بقوله «جسم» أنّه موجود، وأنَّه شيء،وأنَّه قائم بنفسه، لأنّ ما هو موجود، إمّا أنْ يكون جسماً أو صفة من صفات الأَجسام، ولا ثالث (4) وقد تقدّم أنّ هشاماً أخذ قوله هذا عن جهم بن صفوان.
وعذر هشام في ذلك أنّه لم يعثر على لفظ آخر يؤدّي معنى الموجود القائم
--------------------------------
(1) أي: جسم لا كالأجسام.
(2) الكافي، 1 / 106 اي 288، التوحيد / 100، الاحتجاج، 2 / 155، البحار، 3 / 295.
(3) الكافي، 1 / 104 اي 282، التوحيد / 98، البحار، 3 / 301.
(4) مقالات الإسلاميين 1 / 257، 2 / 182. وراجع: الدكتور علي سامي النشّار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، 2 / 230، سهير محمد مختار، التجسيم عند المسلمين / 127، والمصادر المشار إليها فيهما.

(الصفحة 193)


بنفسه غير «الجسم»، والخطأ والصواب في هذا التعبير يعود إلى اللغة لا إلى الاعتقاد، كما قال الشريف المرتضى، حيث إنّ «الجسم» في اللغة العربية له معنى واضح محدّد، ولا يصحّ اطلاقه على غير هذا المعنى الا مجازاً وبقرينة.
وكان هشام يعيش في بداية عصره وضع المصطلحات الكلامية والفلسفية في المسلمين، وكان هو من الروّاد في محاولة «وضع معجم فلسفي واف ببيان المعاني في اللغة العربية» كما قال (1).
ولعلّ السرّ في هذا التشدّد من الأئمّة عليهم السلام، وهذا النهي القاطع الصريح عما كان يعبر به هشام يرجع إلى ان «الجسم» ـ كما اشرنا سابقاً ـ له مدلوله الواضح عند عامة الناس المنبعث من معناه في اللغة العربيّة، فإذا أطلق «الجسم» على الله سبحانه ـ وان اضيف له «لا كالأجسام» ـ فإنّه يحمل أو ينتهي في ذهن العامة إلى التجسيم والتشبيه لا محالة، إذ يفسّر «جسم لا كالأجسام» عندهم بتفسير يقرب مما حكيناه سابقاً من اقوال المحدّثين غير الإِمامية، الذين قالوا بالتجسيم، والاعضاء، والاجزاء لله سبحانه، ولكنه ـ عزّ وجلّ ـ لا يشبه في شيء منها بشيء ممّا للخلق من الجسم، والأعضاء، والأجزاء، فإنّ قولهم ـ المتقدم ـ معناه ـ وإن لم يصرّحوا به ـ: ان لله سبحانه «رأس لا كالرؤوس» و «يد لا كالأيدي» و «عين لا كالأعين»... فهو «جسم لا كالأجسام» ويبقى لفظ «الجسم» يحمل نفس المعنى الذي يفهمه كل أحد منه، لا ذلك المعنى الدقيق الذي يقصده هشام والذي يرتفع عن مستوى الفهم العام، بل وعن فهم العلماء غير المختصّين بعلم الكلام، والذي لا يمكن لهشام ان يعبّر عنه بلفظ «الجسم» إلاّ بتفسير
--------------------------------
(1) مونتجمري وات «عصر نشأة الفكر الاسلامي ـ بالانجليزية ـ مطبعة جامعة ادنبره، 1973 / 248 وذكره بتفصيل في كتابه الآخر عن الاسلام، ط 1974 / في الفصل: «قبول الآراء اليونانية» / 136 ـ 140، وكلامه حول هشام / 137 ـ والذي اكبر فيه محاولته هذه وانّ لها اهمية عظيمة.

(الصفحة 194)


وقرينة واضحة. ولأجل هذا يكون لهذا التعبير ايحاء في ذهن السامع بالتجسيم والتشبيه، وإن لم يقصدهما القائل الذي وضع هذا المصطلح، وخاصة اذا كان هذا القائل مثل هشام بن الحكم، بما له من المنزلة السامية عند الأئمة عليهم السلام، والمقام العلمي والديني المسلّم به عند شيعتهم.
ويشهد لما قلناه الحديث الآتي عند الكلام حول هشام بن سالم، وفيه يرضى الإِمام عليه السلام بما قاله هشام بن الحكم وأصحابه، حيث كان المخاطبون من المختصين بعلم الكلام، وهم يفرّقون بين المصطلحات العلمية وبين المعاني اللغوية العامّة.
16 ـ رأي غير الامامية:
ومن المناسب، بل من الطريف جدّاً أنْ انقل حول «جسم لا كالأجسام» رأياً لعالم من أشدّ علماء المسلمين تشدّداً وتعنّتاً فيما يرجع الى العقيدة، ومن أكثرهم وقوفاً عندما جاء في الكتاب والسُّنَّة ـ حسب رأيه ـ وجموداً على ألفاظهما، ومن اعظمهم إنكاراً لما يراه بدعة وإلحاداً في الدين وهو أبو محمد علي بن احمد ابن حزم الاندلسي (384 / 994 ـ 456 / 1064) قال:
«فإن قالوا لنا: إنكم تقولون انّ الله عزّ وجلّ حيٌّ لا كالعلماء، وقادر لا كالقادرين، وشيءٌ لا كالأشياء، فلِمَ منعتم القول بأنّه جسم لا كالأجسام؟! قيل لهم ـ وبالله تعالى التوفيق ـ: لولا النصّ الوارد بتسميته تعالى بأنّه حيّ وقدير وعليم ما سمّيناه بشيء من ذلك، لكنّ الوقوف عند النصِّ فرض، ولم يأت نصٌّ بتسميته تعالى جسماً، ولا قام البرهان بتسميته جسماً، بل البرهان مانع من تسميته بذلك تعالى، ولو أتانا نصٌّ بتسميته تعالى جسماً لوجب علينا القول بذلك، ولكنّا نقول إنّه لا كالأجسام، كما قلنا في عليم وقدير وحيّ، ولا فَرْقَ. وأمّا لفظة «شيءٌ» فالنصّ أيضاً جاء

(الصفحة 195)


بها والبرهان أوجبها...»(1).
وقال أيضاً: «ومن قال أنّ الله تعالى جسم لا كالأجسام فليس مشبّهاً (2)لكنّه ألحدَ في أسماء الله تعالى، إذ سمّاه عزّ وجلّ بما لم يسمّ به نفسه، وأمّا من قال إنّه تعالى كالأجسام فهو ملحد في أسمائه تعالى ومُشَبِّه مع ذلك» (3).
وقال ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي:
«فأمّا مَنْ قال: إنّه جسم لا كالأجسام، على معنى أنّه بخلاف العَرَض الذي يستحيل أنْ يُتَوهَّم منه فعلٌ، ونَفَوْا عنه معنى الجسميّة، وإنّما أطلقوا هذه اللفظة لمعنى أنَّه شيء لا كالأشياء، وذات لا كالذّوات، فأمرهم سهل، لأنّ خلافهم في العبارة، وهم: عليّ بن منصور، والسَّكّاك، ويونس بن عبد الرحمن، والفضل بن شاذان، وكلُّ هؤلاء من قدماء رجال الشيعة (...) والمتعصّبون لهشام بن الحكم في وقتنا هذا يزعمون أنّه لم يقل بالتجَّسِيم المعنوي (4) وإنّما قال: إنّه كان الحسن بن موسى النوبختي، هو من فضلاء الشيعة، وقد روى عنه التجسيم المحض في كتاب «الآراء والديانات» (5).
وما ذكره النوبختي انّما حكاه عن طريق خصوم هشام المعتزلة الذين سمى بعضهم الشريف المرتضى ـ في كلامه المتقدّم ـ، وحكاه عنه وعن كتابه ابن الجوزي، قال: «وذكر أبو محمد النوبختي، عن الجاحظ، عن النَّظّام...» (6). ولكن ابن أبي الحديد حذف السند، والسبب لا يخفى.
-------------------------------------
(1) الفصل، طبعة الافست، دار المعرفة، بيروت، 1395 / 1975، 2 / 118 ـ 119.
(2) جاء في المطبوع خطأ: مشتبها.
(3) المصدر، 2 / 120.
(4) الذي معناه يلازمه الجسمية، ويقابله التجسيم اللفظي، أي التعبير عن الله تعالى بالجسم بما له من المعنى المادي.
(5) شرح نهج البلاغة، 3 / 228.
(6) تلبيس ابليس / 83.

(الصفحة 196)


وقال شيخنا المفيد: «إنّ الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه، وإنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل حدوثه (...) وهو مذهب جميع الإِمامية، ولَسْنا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم في خلافه (1) وعندنا أنّه تَخَرُّصٌ منهم عليه، وغَلَطٌ ممَّنْ قلّدهم فيه فحكاه من الشيعة عنه، ولم نجد له كتاباً مصنّفاً ولا مجلساً ثابتاً (2) وكلامه في أُصول الإِمامة ومسائل الامتحان يدلّ على ضدّ ما حكاه الخصوم عنه...» (3).
وهكذا ظهر أنّ خصوم الإِمامية، في موقفهم تجاه هذا القول «جسم لا كالأجسام» كانوا أكثر تسامحاً، وأنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا أكثر تشدّداً، وقد تقدّم منّي ذكر ما أراه سبباً لهذا التشدّد، ولكنّي مع كلّ هذا لا أرجوا ولا أطمع في أن يرجع خصوم الإِمامية وخصوم هشام خاصة عن موقفهم تجاههم وتجاهه! وأرجو الله سبحانه أنْ يخيّب ظنّي هذا خاصّة!
17 ـ براءة هشام من التجسيم والتشبيه:
د ـ هناك مجموعة من الأدلّة والشواهد تؤكّد لنا بصورة قاطعة براءة هشام ابن الحكم ممّا نسبه اليه خصومه من التجسيم والتشبيه، بل وان قوله «جسم لا كالأجسام» لم يستقر عليه، نذكر منها ما يلي:
1 ـ روى علماؤنا أنّ هشاماً رجع عن قوله «جسم لا كالأجسام» بعد ما أنكره عليه الإِمام الصادق عليه السلام(4).
---------------------------------
(1) وهو ما تقدم من انّهم نسبوا اليه انه كان يقول: انّ الله تعالى يعلم الحوادث بعد حدوثها، الرأي الذي قال به جهم.
(2) يبين فيه رأيه مباشرة في علم الله تعالى.
(3) اوائل المقالات في المذاهب والمختارات، تبريز، ط 2، 1371 / 21 ـ 22.
(4) المفيد، الفصول المختارة، 2 / 284 ـ 285، الكراجكي، كنز الفوائد / 198 ـ 199، البحار، 3 / 290، 10 / 452، مرآة العقول، 2 / 5.

(الصفحة 197)


2 ـ كلام هشام بن الحكم الذي يرويه الكليني في باب (إبطال الرؤية)، في سياق أحاديث الأئمة عليهم السلام، ويعلّله العلامة المجلسي بقوله:«لأنّه من أكابر أصحاب المعصومين عليهم السلام، وكان ] كلام هشام [ مظنّة لأن يكون مأخوذاً عنهم» (1) يستدل فيه هشام على استحالة رؤية الله سبحانه مطلقاً، بأنّ الرؤية لا يمكن أنْ تتعلّق إلاّ بالأجسام، ويقول في آخره: «تعالى الله أنْ يُشْببِه شيء» (2). فلو كان هشام ممَّنْ يقول بالجسميّة لما أمكنه أنْ يقول ما قال.
3 ـ كلامه الذي يرويه الصدوق عنه أجاب به من سأله: بم عَرفْتَ ربَّك؟ فقال: «عرفت الله جلّ جلاله بنفسي، لأنها أقرب الأشياء إلي» ثم استدلّ بتركيب جسمه واختلاف أجزائه، واحكام صنعتها، فيقول: «استحال في العقول وجود تأليف لا مؤلِّف له، وثبات صورة لا مُصَوِّر لها، فعلمت أنَّ لها خالقاً خَلَقَها، ومُصَوِّراً صَوّرَها، مُخالفاً لها في جميع جهاتها (من جميع جهاتها) (3) قال الله عزّ وجلّ: (وَفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) (4)» (5).
4 ـ قدّمنا أسماء مجموعة من كتب هشام المرتبطة بالتوحيد والبحث الراجعة إليه، وكان من جملتها: «كتاب الدلالة على حدث (حدوث) الأجسام» وإن جاء عند الطوسي: (الأشياء) بدل (الأجسام) (6).
فمن يصف الله سبحانه بأنّه «جسم» كيف يؤلّف كتاباً يثبت فيه أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرآة العقول، 1 / 341 ـ 342.
(2) الكافي، التوحيد، 1 / 99 ـ 100 اي 269.
(3) أي لا يكون له مالها التركيب والأجزاء، لأنهما يستلزمان النقص والحاجة.
(4) الذاريات، 51 / 21.
(5) التوحيد / 289، البحار، 3 / 49 ـ 50.
(6) النجاشي، الفهرست / 304، الطوسي، الفهرست / 204، «ابن» النديم / 224، معالم العلماء / 115، مجمع الرجال، 6 / 232، 233 ايضاح المكنون، 1 / 476، هدية العارفين، 2 / 507، الذريعة، 8 / 254.

(الصفحة 198)


الأجسام فيها دلالة على أنّها حادثة مخلوقة غير قديمة!
ولكن هذا الكتاب ككتب هشام الأُخرى، وكعامة كتب علماء الإِمامية في القرون الأربعة الأُولى لم تصلنا، وان من يرجع إلى الفهرستين الشهيرين لكتب الإماميّة، فهرست شيخ الطائفة الطوسي، وفهرست النجاشي يجد أنّ تسعين بالمائة من ألوف الكتب الواردة أسماؤها فيهما قد ضاعت، ولم يبق منها أيّ أثر سوى أسمائها المذكورة في الفهارس. وقد شرحت بعض أسباب ذلك عند ما ترجمت لشيخ الطائفة الطوسي في مقدمة توحيد الكافي، واستعرضت مكتبته الشهيرة التي أحرقها الخصوم عدّة مرات، كما أحرقوا غيرها من المكتبات!
فلم يبق أمامنا أيّ طريق إلى دراسة هشام من خلال كتبه الكثيرة التي ألّفها سوى الاهتداء من عناوينها إلى موضوعاتها، ومن هذا البصيص الضئيل من النور الاهتداء إلى الآراء التي استعرضها المؤلف فيها، ومن دراسة كتب هشام نستطيع أنْ نحكم بأنّه ناهض الزنادقة وردّ عليهم، وناهض أصحاب الاثنين، وناهض المادّية التي كانت قائمة يومذاك، والتي كان يُعبّر عن معتنقيها بأصحاب الطبايع. ولكنّا مع كل هذا نجد في الخصوم من يتهمه واصحابه بالزندقة، ومن يتّهمهم بانّهم انما اخذوا عقائد من اصحاب الاثنين!!
5 ـ ما سيأتي في ترجمة هشام بن سالم من ان هشام بن الحكم انّما كان يعارضه لأنّ آراءه التي اعتمد فيها على أحاديث أما غير صحيحة، أو أنّه لم يفهمها على الوجه الصحيح، ويتّهمه بأنّ هذه الآراء إنّما تنتهي إلى القول بالتجسيم، وأنّ هشام بن الحكم كان ينفي التجسيم.
18 ـ ابو محمد، هشام بن سالم الجواليقي، الكوفي:
قال عنه المترجمون له من الإِماميّة: «كان هشام بن سالم مولى بشر بن

(الصفحة 199)


مروان، من سَبْي الجُوْزَجَان (1) روى عن الإِمامين الصادق والكاظم عليهما السلام، ثقة، ثقة، صحيح العقيدة، معروف الولاية، غير مدافَع» (2).
ومولاه هو بشر بن مروان بن الحكم الأُموي (ح 30 / 651 ـ 75 / 694) ولي الكوفة لأخيه الخليفة عبد الملك في أوّل سنة خلافته 71 / 691، ثم جمع له البصرة والكوفة في 12 / 74 ـ 4 / 594، ولم تدوما له إلاّ أشهراً قليلة، فمات في أوائل 75 / 5 ـ 6 / 694 (3).
ولا بُدّ لنا من وقفة ـ ولو قصيرة ـ عند هذا الجزء من سيرة هشام، إذ أنّ له صلة وثيقة بالذي نذكره حول آراء هشام بن سالم وطبيعة الأحاديث التي اعتمد عليها في القول بما قاله.
والظاهر أنّ الذي سُبي يوم فتح الجُوزجان كان أبو هشام سالم لا هشام نفسه، إذ من البعيد جدّاً امتداد عمر هشام ـ مهما فرضنا مبلغ عمره ـ منذ سنة 32 / 653 عام فتح الجُوزجان إلى بعد وفاة الإِمام الصادق عليه السلام سنة 148 / 765، مهما فرضنا مبلغ بقائه بعده، بالإِضافة إلى أنّ سالماً اسم عربيّ كان من المتعارف يوم ذاك تسمية العبيد به، ولا تصحّ هذه التسمية إلاّ إذا كان المسبيّ يوم فتح الجوزجان أبا هشام، فوضع له اسم عربيّ، ولا معنى لوضع
-----------------------------------
(1) اسم منطقة واقعة بين بلخ، غربيها ومرو الرُّوذ ـ معجم البلدان، 2 / 182، الروض المعطار / 182، بلدان الخلافة الشرقية ـ بالانجليزية ـ / 423 ـ فتحت سنة 32 / 653 في خلافة عثمان بن عفان ـ الطبري، 1 / 2900 ـ 2901، فتوح البلدان، 3 / 503 ـ 504.
(2) النجاشي / 305 وفي طبعة / 434 اي 1165، الكشي / 281، البرقي / 34 ـ 35، مجمع الرجال، 6 / 234، 238، العلامة خلاصة الاقوال / 179، ابو داود / 368، معجم رجال الحديث، 19 / 363 ـ 364.
(3) الطبري، 2 / 816، 822، 834، 862، ابن ألاثير، 4 / 331، 347، المعارف / 355، 458، 571، تاريخ خليفة، 1 / 341، 345، 349، 384، 385، تاريخ دمشق، 110 / 111 ـ 129، سير أعلام النبلاء، 4 / 145 ـ 146، الوافي بالوفيات، 10 / 152 ـ 153.

(الصفحة 200)


اسم عربيّ لمشرك لم يدخل في الإِسلام أو في سبي المسلمين، كي يغيّر اسمه السابق غير العربيّ إلى اسم عربيّ.
ولعلّ نسبة الولاء التي يذكرها شيخ الطائفة الطوسي لهشام بن سالم: (الجُعْفي، مولاهم) (1) إنّما ورثها هشام من أبيه سالم، لأنّ الّذين سبوه كانوا من قبيلة جُعْفي اليمانيّة القحطانيّة، وبهذا لا يتناقض مع ما ذكره عامّة المترجمين لهشام من أنّه كان مولى بشر بن مروان الاُّموي القرشي العدناني. فإنّ هذا يدلّ على أنّ هشاماً نفسه كان ولاؤه لبشر لأنّه الذي اشتراه ولا يدلّ على أكثر من ذلك. وهذا اللاحق فَسَخ ولاءه السابق الذي ورثه عن أبيه، ولعل هذا هو السرّ في تناسي عامة المترجمين له ذكر ولائه السابق المنسوخ، والاكتفاء باللاحق وحده.
ولا أدري متى اشتراه بشر، وكم كان عمره يوم أن اشْتُري، ولكنّ من المطمأنّ به أنّ هشاماً كان يومذاك صغيراً، بل ولعلّه لم يكن قد بلغ الحُلم حين مات مولاه بشر سنة 75 / 694. كما أنَّ من الموثوق به أنّ هشاماً لم يكن إماميّ المذهب حينما اشتُري، إذ من البعيد أن يبيع مواليه السابقون عبداً شيعياً لبشر ابن مروان الأُموي البعيد عن التشيع، أقصى ما يمكن أنْ يفرض من البعد، إن كانوا هم شيعة، وكان بشر يتبعهم في العقيدة، فالظاهر من هذا أنّه لم يكن شيعياً، بل كان غير إماميّ ولاءً وعقيدة، ولعلّه أصبح أُموي العقيدة بعد ما أصبح أُمويّ الولاء. ويبدو من آرائه التي سأذكرها فيما بعد انه كان قد اتّجه إلى سماع الحديث، ويبدو من تلك الآراء، وبحكم نشأته غير الإمامية انّه اتجه إلى سماع الحديث غير الإِمامي، وقد تطبّعَتْ آراؤه وأفكاره بالأحاديث التي سمعها بحيث كان من الصعب عليه التخلّي عن هذه الآراء! ويبدو أيضاً أنّ هشام بن سالم بعد سنين طويلة من عمره، ولعلّه عندما بلغ
-------------------------------
(1) الرجال / 329 اي 17.

(الصفحة 201)


الخمسين أو تجاوزه اختار مذهب الإمامية. ويشهد لهذا أنّ أول من اتّصل به من الأئمّة عليهم السلام كان الإمام الصادق عليه السلام (83/702 ـ 148/765)، مع أنّه أدرك عصر الإمام السجّاد (38/659 ـ 94/712) وعصر الإمام الباقر (57/676 ـ 114/733) عليهما السلام، إذ أنّا إنْ قدّرنا عمر هشام عند وفاة مولاه بشر 75/694 عشر سنوات ـ وفي رأيي أنّ هذا أقلّ التقادير لعمره ـ فإنّه يكون لهشام عند وفاة الإمام الباقر عليه السلام خمسون سنة. وإحجامه هذه المدّة الطويلة عن الاتّصال بإمام زمانه، وتأخر الاتّصال إلى عصر الإمام الصادق عليه السلام، ليس له تفسير معقول سوى إنّه لم يكن قد قال بالإمامة إلاّ في عصره عليه السلام، فاتّصل به.
وقد طال بهشام العمر، فعاش إلى عصر الإمام الكاظم عليه السلام (129/746 ـ 183/799).
19 ـ ما ينسب اليه من التجسيم والتشبيه:
وهشام بن سالم ثاني الهشامين، الذي نسبوا إليهما التجسيم والتشبيه الصريحين ونحن نستعرض ما ذكروه ـ سواء الذي جاء في أحاديث الإمامية أو الذي جاء عند غيرهم:
1 ـ جاء في حديث محمد بن حكيم أنّه قال: «وصفت لأبي الحسن عليه السلام قَوْلَ هشام الجواليقي وما يقول في الشاب المُوفَّر...»(1).
وحديث إبراهيم بن محمد الخزّاز، ومحمد بن الحسين، قالا: «دخلنا على أبي الحسن الرّضا عليه السلام، فحكينا له أنّ محمداً، صلّى الله عليه وآله ]وسلّم[ رأى ربّه في صورة الشابّ المُوَفّر، في سنّ ابناء ثلاثين سنة، وقلنا:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1/106 أي 289، التوحيد /97، البحار 3/300.

(الصفحة 202)


إنّ هشام بن سالم، وصاحب الطاق(1) والميثمي(2) يقولون: إنّه أجوف إلى السُرَّة، والبقيّة صمد...»(3).
وحديث احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن الرضا عليه السلام، قال: «قال لي: يا أحمد، ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ قُلْتُ: جعلت فداك، قلنا نحن بالصُّورة، للحديث الذي روي: أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وآله ]وسلّم[ رأى ربّه في صورة شابّ، فقال هشام بن الحكم بالنفي، بالجسم...» (4) ويقصد أنّ هشاماً نفى الصورة، لأنّ إثباتها لله سبحانه يلازم أنّ يكون جسماً.
2 ـ ما رواه الكشي عن عبد الملك بن هشام الحناط أنّه قال لأبي الحسن الرضا عليه السلام: «جعلت فداك، زعم هشام بن سالم: أنّ الله عزّ وجلّ صورة، وأنّ آدم خُلق على مثال الرّب، ويصف هذا ويصف هذا، وأوميت إلى جانبي وشعر رأسي (5). وزعم يونس ]بن عبد الرحمن، تلميذ هشام بن الحكم [مولى آل يقطين وهشام بن الحكم: أنّ الله شيء لا كالأشياء وأنّ الأشياء بائنة منه وهو بائن من الأشياء، وزعما: أنّ إثبات الشيء أنْ يقال جسم، فهو جسم لا كالأجسام، شيءٌ لا كالأشياء، ثابت موجود، غير مفقود ولا معدوم، خارج من الحدّين: حدّ الإبطال (6) وحدّ التشبيه، فبأيّ القولين أقول؟
---------------------------------
(1) هو ابو جعفر محمد بن علي النُعْمان البجلي، «مؤمن الطاق»، الكوفي (ـ ـ ـ ح160/777) المتكلم، الثقة الشهير.
(2) علي بن اسماعيل بن شعيب بن ميثم، ابو الحسن الميثمي.
(3) الكافي 1/100 ـ 102 اي 172، التوحيد /113 ـ 114، البحار 4/39 ـ 41.
(4) علي بن ابراهيم، التفسير، 1 / 20، البحار، 3 / 307، تفسير البرهان، 1 / 38، نور الثقلين، 5 / 155.
(5) أي يقول بان لله سبحانه شعراً واعضاء من يد ورجل... وانّما ذكر هذا بالاشارة تهيّباً من التصريح بمثله عن الله سبحانه خاصة أمام الامام عليه السلام.
(6) أي ابطال دلالة الفاظ الصفات الألهية، كالحي، والقادر، والعليم، والسميع، والبصير على معانيها، لأنّ إثبات الدلالة يلزم منه التجسيم والتشبيه، وقد جاء هذا المعنى، أي نفي الابطال في كثير من احاديث الامامية، وهذا هو المقصود من التعطيل والمعطّلة كالجهمية.

(الصفحة 203)


فقال عليه السلام: أراد هذا ] هشام بن الحكم [ الإِثبات، وهذا ] هشام ابن سالم [شبّه ربّه تعالى بمخلوق، تعالى الله الذي ليس له شبيه، ولا عَدْل، ولا مثل، ولا نظير، ولا هو في صفة المخلوقين، لا تقل بمثل ما قال هشام بن سالم، وقل بما قال مولى آل يقطين ]يونس[ وصاحبه ]هشام بن الحكم[...» (1).
3 ـ ذكر أصحاب المقالات: انّ هشام بن سالم الجواليقي واصحابه كانوا يقولون:
«إنّه تعالى على صورة الإِنسان، أعلاه مُجوَّف وأسفله مُصْمَت، وهو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وله حواس خمس كحواس الإِنسان، ويد، ورجل، وأنف، وأُذن، وفم، وله وَفْرَةٌ سَوْداء هي نور أسود ]إذ كان كلّه نور، فجسمه نور أبيض،ووَفْرَتُه نور أسود![ لكنّه ليس بلحم ولا دم» (2).
وأثبتوا له كلّ عضو من أعضاء الإِنسان (إلاّ الفَرْجَ واللحية)(3).
«وأنكروا مع ذلك أن يكون جسماً»(4).
وذكروا أنّ هذا كان رأي مؤمن الطاق، وعليِّ بن ميثم(5).
لكنّ الشهرستاني والصفدي حكيا عن مؤمن الطاق أنّه كان يقول:
«إنّ الله تعالى نور على صورة إنسان ربَّانيّ» ونفى أن يكون جسماً، لكنّه
------------------------------------------
(1) الكشي / 284 ـ 285، مجمع الرجال، 6 / 237.
(2) مقالات الاسلاميين، 1 / 105، 259، الشهرستاني، 1 / 185، الفرق بين الفرق / 51، 320 ـ 321، الانساب، الورقة 590 / ب، اللباب، 3 / 389، منهاج السُّنَّة، 1 / 203، 259، ومصادر اخرى.
(3) المقريزي، الخطط، 2 / 348 ـ 349.
(4) ابن ابي الحديد، 3 / 224.
(5) ابن ابي الحديد، 3 / 224، الحور العين / 149.

(الصفحة 204)


قال: «قد ورد في الخبر: (إن الله خلق آدم على صورته) و(على صورة الرحمن) فلا بُدّ من تصديق الخبر»(1).
وأضاف الشهرستاني: «وما يُحْكَى عنه من التشبيه فهو غير صحيح»(2).
ولكنّهم ذكروا أنّه كان يقول بالجبر والتشبيه هو وأصحابه (الشيطانية)(3).
و«انّ الله جسم محدود متناه»(4).
وذكروا (الشيطانية) في (المشبَّهة)، وقالوا: «إنّهم ينتسبون إلى شيطان الطاق، وحكى عنه: أنّه كان يقول بكثير من تشبيهات الروافض ]؟[...»(5).
ومن جانب آخر ذكروا في ترجمة مؤمن الطاق: «وكان معتزلياً» (6)«شارك كلاًّ من المعتزلة والروافض بِدَعَهم» (7).
4 ـ وأضافوا إلى هؤلاء يونس بن عبد الرحمن اليقطين، البغدادي (ح 125 / 742 ـ 280 / 823 ـ 824) المحدّث والمتكلّم الإِمامي الشهير وتلميذ هشام بن الحكم.
قالوا فيه: «وهو من مشبّهة الشيعة» (8) «وأفرط يونس في باب
----------------------------------------
(1) الملل والنحل، 1 / 187، الوافي بالوفيات، 4 / 104.
(2) الملل والنحل، 1 / 186.
(3) البدء والتاريخ، 5 / 132.
(4) المصدر، 1 / 85.
(5) الانساب، 8 / 238 ـ 239، اللباب، 2 / 225.
(6) الوافي بالوفيات، 4 / 104.
(7) المقريزي، الخطط، 2 / 348، 353.
(8) الملل والنحل 10 / 188، الخطط 2 / 353.

(الصفحة 205)


التشبيه»(1) «وزعم أنّ الملائكة الّذين هم حملة العرش يحملون الباري»(2)«واستدلّ على أنّه محمول بقوله: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبُكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيَة)(3) (4) و«إذ قد ورد في الخبر: انّ الملائكة تئِطُّ أحياناً من وطأة عظمة الله تعالى على العرش»(5).
20 ـ الحديث غير الإِمامي:
ومن الواضح: أنّ هذه الآراء ـ صحَّتْ نسبتها أم لم تصحّ ـ إنّما هي انعكاسات لأحاديث سمعها القائلون، فآمنوا بصحّتها وحملوها على ظاهرها. وما جاءت الإِشارة إليه من الأحاديث في الآراء نفسها، كما يلي:
1 ـ حديث أُمّ الطفيل امرأة أُبَيّ بن كعب ـ الصحابي الشهير ـ قالت:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم يذكر: أنّه رأى ربّه في المنام في صورة شابٍّ مُوَفّر «في خضر، على فراش من ذهب، في رجليه نَعْلان من ذهب»(6).
وقوله: «مُوَفَّر» يعني: «ذا وَفْرَة» (7) وقوله: «خُضْر» أي: في ثياب
----------------------------------------
(1) الفرق بين الفرق: 53، الأنساب، الورقة 603 / ب، اللباب: 3 / 421.
(2) مقالات الإسلاميين: 1 / 106، منهاج السنة: 1 / 207، الفرق: 216، التبصير في الدين: 43.
(3) الحاقة 69: 17.
(4) الفرق: 53، الأنساب: 603 / ب، اللباب: 3 / 421.
(5) الملل والنحل: 1 / 188.
(6) في الطبراني: في خضر، عليه نَعْلانِ من ذهب، وعلى وَجْهِه فراش من ذهب!!.
(7) والوفرة: الشَعر المجتمع على الرأس، أو خصوص ما سال على الاذنين ـ الصحاح، 2 / 847، النهاية 5 / 210، القاموس، 2 / 155، تاج العروس، 3 / 605، لسان العرب، 5 / 288 ـ 289، المعجم الوسيط، 2 / 1046.

(الصفحة 206)


خضر(1).
وأنظ ر رأي الذهبي في الحديث (2) ودفاع السيوطي عن صحّته! (3)
وجاء في ترجمة أبي الحسن، علي بن محمد بن بشّار البغدادي، الحنبلي ( ـ 313 / 925) المحدِّث الزاهد، الذي ذكروا له الكرامات، وأنّ من كان يحبّه فهو صاحب سُنَّة، وكان قبره إلى عدّة قرون بعده ظاهراً معروفاً ببغداد يتبرّك الناس بزيارته (4).
«قال أحمد البرمكي: سألت أبا الحسن ابن بشّار عن حديث أُمِّ الطُّفَيْل، وحديث ابن عبّاس ]سيأتي[ في الرؤية ] رؤية الله سبحانه [ فقال: صحيحان. فعارض رجلٌ، فقال: هذه الأحاديث لا تُذْكَر في مثل هذا الوقت! فقال ابن بَشّار:فَيُدْرَسُ الإِسلام؟!!» (5).
وحديث ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه ] وآله [ وسلّم: رأيت ربّي في صورة شابّ له وَفْرَة (6).
وحديث مُعاذ بن عَفْرَاء: أن ّ رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم حدّثه:
---------------------------------------
(1) البيهقي، الاسماء والصفات / 447 ـ 447، تاريخ بغداد، 13 / 311، أُسد الغابة، 7 / 356، الطبراني، المعجم الكبير، 25 / 143، ابن ابي عاصم، السنة، 1 / 205 اي 471، ومصادر كثيرة اخرى.
(2) سير أعلام النبلاء، 10 / 602 ـ 604.
(3) اللآلي المصنوعة، 1 / 28 ـ 29.
(4) تاريخ بغداد 12 / 66 ـ 67، المنتظم 6 / 198 ـ 199، شذرات الذهب، 2 / 267، طبقات الحنابلة، 2 / 57 ـ 63، المنهج الاحمد، 2 / 7 ـ 11، صفة الصفوة، 2 / 446 ـ 447، تاريخ الاسلام، (301 ـ 320) 457 ـ 458 اي 116.
(5) طبقات الحنابلة، 2 / 59، المنهج الاحمد، 2 / 8.
(6) رواه الطبراني في السُّنْة، وحكى عن ابي زُرْعة الرازي، عبيد الله بن عبد الكريم ( 200 / 815 ـ 264 / 878) من ائمّة الحديث، انه قال: هو حديث صحيح لا يُنكْره إلاّ معتزلي: ـ كنز العمال، 1 / 204 منتخبه ـ هامش مسند احمد ـ 1 / 113، اللآلي المصنوعة، 1 / 29 ـ 30.

(الصفحة 207)


أنّه رأى ربَّ العالمين، عزّ وجلّ، في حظيرة القدس، عليه تاج يَلْتَمعُ البصر (1)وحديث ابن عبّاس، عنه، صلّى الله عليه ]وآله [ وسلّم قال: رأيتُ ربي تعالى في صورة شابّ أمرد، عليه حُلةٌ حمراء (2).
وحديثه الآخر، عنه، صلّى الله عليه ]وآله [ وسلّم، قال: رأيت ربّي عزّ وجلّ، شابٌ، أمرد، جَعْد، قَطَطُ، عليه حُلَّة حمراء (3).
وأحاديث كثيرة أُخرى
2 ـ وأمّا رؤية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ربّه ليلة المعراج (الإِسراء) فما أكثر ما جاء فيها من طرق غير الإمامية:
فيقول ابن عبّاس، ويحلف على ذلك: أنّه رأى بعينه ربه مرتين (4).
وكان الحسن البصري يحلف بالله: لقد رأى محمد ربّه (5).
وكان عكرمة يقول: نعم قد رآه، ثمّ قد رآه، ثمّ قد رآه حتى ينقطع النفس(6).
وقال النووي: «وذهب جماعة من المفسّرين إلى أنّه رآه بعينه، وهو قول
----------------------------------------
(1) كنز العمال، 1 / 204، منتخبه، 1 / 113، اللآلي المصنوعة، 1 / 30، عن الطبراني في السُّنة، وأخرجه البَغَوي، كما في الإصابة، 6 / 140.
(2) تاريخ بغداد، 11 / 214، اللآلي المصنوعة، 1 / 30.
(3) طبقات الحنابلة، 2/ 45 ـ 46 ودافع عن صحته .
(4) الترمذي، 5 / 395، المستدرك على الصحيحين، 1 / 65، التوحبد وإثبات صفات الرّب 7 / 424، 205، ابن ابي عاصم، السُّنة، 1 / 190 اي 437 تفسير ابن كثير، 3 / 304، 7 / 424، فتح الباري، 10 / 230، الدر المنثور، 6 / 124، فتح القدير، 5 / 110، شرح المواهب، 6 / 117، ومصادر كثيرة اخرى.
(5) التوحيد... / 199 ـ 200، شرح صحيح مسلم للنووي، 3 / 5، فتح الباري، 10 / 231، عمدة القاريء، 19 / 198، ومصادر اخرى.
(6) تفسير الطبري، 27 / 28، الشريعة / 496، تفسير ابن كثير، 7 / 425، الدر المنثور، 6 / 124.

(الصفحة 208)


أنس، وعكرمة، والحسن، والربيع...» (1).
وسئل أحمد بن حنبل عن ذلك، فقال: أنا أقول بحديث ابن عبّاس: بعينه رأى ربّه، رآه، رآه ـ حتى انقطع نفس أحمد ـ (2).
وقال النووي: «والراجح عند اكثر العلماء: أنَّ رسول الله صلّى الله عليه ]وآله [ وسلّم رأى ربّه بِعَيْنَيْ رأسه ليلة (...) وأمّا رؤيته، عزّ وجلّ يوم القيامة في الموقف، فعامّة لكلّ أحد من الخَلْق: الإِنس والجنّ، من الرجال والنساء، المؤمن والكافر، والملائكة، وجبريل، وغيره...» (3).
وأمّا الأحاديث نفسها ـ وما أكثرها ـ فلا أذكر شيئاً منها سوى حديث واحد رواه محمد بن إسحاق المحدّث والمؤرّخ الشهير، بسنده عن عبد الله بن أبي سلمة، قال:
إنّ عبد الله بن عمر بن الخطّاب بعث إلى عبد الله بن عبّاس يسأله: هل رأى محمد، صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم ربّه؟ فأرسل اليه ابنُ عباس: أنْ نعم! فردَّ عليه عبدُ الله بن عُمر رَسُولَه: أنْ كَيْفَ رآه؟ فأرسل: إنّه رآه ـ زاد يونس ]أحد الرواة عن ابن اسحاق [ في روايته: في صورة رَجُل شابَ ـ في رَوْضة خضراء، دونه فراشً من ذهب، على كرسيّ من ذهب، يحمله أربعة من الملائكة: مَلَكٌ في صورة رجل، ومَلَكٌ في صُورِة ثَوْر، ومَلكٌ في صورة نَسر، وملَكٌ في صورة نَسْر، ومَلَكٌ في صورة أَسَد(4).
---------------------------------
(1) شرح صحيح مسلم، 3 / 6، المرقاة شرح المشكاة، 5 / 306.
(2) الشفاء 1 / 260، شرح الشفا للخفاجي، 2 / 292، شرح الشفا للقارىء، 1 / 422، الرُوْضُ الأنف، 3 / 445، شرح المواهب اللّدنية، 6 / 120، تاريخ الخميس، 1 / 314.
(3) شرح صحيح مسلم، 3 / 5، المرقاة، 5 / 308، السيرة الحلبية، 1 / 410 وراجع بتفصيل: القاضي عياض، الشفا، 1 / 257 ـ 260، الخفاجي، شرح الشفا، 2 / 285 ـ 292، القاري، شرح الشفا، 1 / 416 ـ 423، شرح المواهب اللدنية، 6 / 109 ـ 120.
(4) الاسماء والصفات، / 443، التوحيد واثبات صفات الربّ / 198 الشريعة / 494 ـ 495، الشفا، 1 / 258، شرحه للخفاجي، 2 / 287، شرحه للقاري 1 / 418، الدر المنثور، 6 / 124 ومصادر اخرى.

(الصفحة 209)


3 ـ وأمّا ما جاء فيه ذكر الأعضاء والجوارح ـ إمّا مجازاً كالذي ورد في القرآن الكريم وكثير من أحاديث السُّنَّة، وحمله على المعنى الحقيقي المحسوس غفلة أو تغافل، وإمّا ما يكون ظاهره المعنى الحقيقي المحسوس ولا يقبل التأويل إلاّ بصعوبة، وهو أيضاً في السُّنَّة، كثير ـ فأمثلته كثيرة جدّاً، وقد تقدّم في النماذج التي حكيناها من أقوال المحدّثين غير الإِمامية الإِشارة إلى أمثلة منه. وممّا جاء ـ ولم نذكره ـ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيما يروونه عنه ـ: «يكشف ربّنا ]يوم القيامة[ عن ساقه فيسجد له كلُّ مؤمن ومؤمنة...» (1).
وما جاء في أحاديث عديدة بألفاظ مختلفة: «يقال (لَجهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد) (2) فلا تمتلىء حتى يضع الرَّبّ / ربُّ العالمين / الرَّحمنُ / فيها قدمه (ويُزِوي بَعْضَها إلى بعض) فهناك تمتلىء ويُزْوَى بعضها إلى بعض، وتقول: قَطِ، قَط، (قَطِ) / قَدِ، قَدِ، قدِ / قَدِي، قَدِي / قَدْني، قَدْني (3)وعزَّتِكَ...» (4).
4 ـ ما جاء في حديث أبي هريرة: «خلق الله آدم على صورته، طوله ستّون ذراعاً» (5).
------------------------------
(1) البخاري، 6 / 198، 9 / 159، الدّارمي، السنن، 2 / 326 ـ 327.
(2) ق، 50 / 30.
(3) اي اكتفيت.
(4) البخاري، 6 / 173، 8 / 168، 9 / 143، 164، مسلم، 8 / 151 ـ 152، الترمذي، 4 / 691 ـ 692، 5 / 390، احمد، 2 / 276، 314، 369، 507، 3 / 13، 78، 134، 141، 234، الدارمي، 2 / 340 ـ 341، الطبري، جامع البيان «التفسير» ـ ط بولاق ـ 26 / 105 ـ 107، ومصادر كثيرة.
(5) البخاري، 8 / 62، مسلم، 8 / 149، احمد، 2 / 315، 323، التوحيد وإثبات صفات الربّ / 39 ـ 41، الشريعة / 314.

(الصفحة 210)


وما جاء في حديث عبد الله بن عمر: «لا تُقبحوا الوجه فإنّ ابن آدم خلق على صورة الرحمن» (1).
وما جاء في أحاديث القيامة: «فيأتيهم ]المؤمنين يوم القيامة[ الله في صورته التي يعرفون ]بعد أنْ أتاهم في صورة لم يعرفوه بها فأنكروه[ فيقول: أنا ربكم! فيقولون: أنت ربّنا...» (2).
5 ـ وأمّا المكان، فمن أطرف ما جاء فيه، ما جاء حول «العرش» و «الكرسي» في قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمواتِ وَالأَرْضَ) (3). من قول ابن عبّاس: «الكرسي / كرسيّه موضع قدمه / قدميه / والعرش لا يُقدِّر قَدَرَهُ إلاّ الله» (4).
وبمعناه حديث عمر بن الخطّاب، وأبي موسى الأشعريّ، وأبي ذرّ، وابن مسعود (5).
وهكذا فسّر كثير من قدماء المفسّرين (6).
وما جاء حول جلوس الله سبحانه فوق العرش: «إنَّ الله فوق عرشه، وإنَّه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوحيد... / 38، الشريعة / 315، ابن ابي عاصم، السُّنْة، 1 / 228 ـ 229 اي 517، وانظر دفاع ابن راهويه، واحمد بن حنبل، والذهبي عن صحة الحديث، ميزان الاعتدال، 2 / 419 ـ 420.
(2) البخاري، 9 / 156، مسلم، 1 / 113.
(3) البقرة 2: 255.
(4) المستدرك على الصحيحين، 2 / 282، وصحّحه الحاكم والذهبي، التوحيد وإثبات صفات الربّ / 107، 108، تاريخ بغداد، 9 / 251 ـ 252، الاسماء والصفات / 354، تفسير ابن كثير، 1 / 457، الدر المنثور، 1 / 327، فتح القدير، 1 / 273، روح المعاني، 3 / 10، 16 / 154.
(5) الطبري التفسير ـ ط بولاق ـ 3 / 7، الاسماء والصفات / 353 ـ 354، الدارمي، السنن، 2 / 325، المستدرك على الصحيحين، 2 / 364 ـ 365، الدر المنثور، 3 / 298، طبقات الحنابلة، 1 / 134.
(6) الطبري، التفسير، 3 / 7.

(الصفحة 211)


لَيَئِطُّ به أَطِيطَ الرَّحْلِ الجديد بالراكب، إذا ركبه مَنْ يُثْقِله» (1) «وإنّه ليقعد عليه مايفضل منه إلاّ قدر أربع أصابع» (2) وإنّ هذا الموضع الذي يفضل ـ قدر أربع اصابع ـ قد أعدّه الله سبحانه وأخلاه لمحمد، صلّى الله عليه وآله وسلّم، ليُجْلِسَه عليه يوم القيامة (3) وذلك تفسير قوله تعالى: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً)(4)(5).
وقد دافع ابن جرير عن صحّة هذا التفسير، وعن الجلوس دفاعاً حارّاً (6) كما قد دافع عنه الخلاّل دفاعاً أقوى من ابن جرير بكثير، في كتابه (7)وقد رواه عن عبد الله بن سلام ومجاهد، وأتبعه بمنامات وحكايات، وأقوال محدِّثين، وأنّ من أنكره جهمّي، ثنويّ، كافر، زنديق، يجب قتله!
وحكى أبو بكر النقّاش، عن أبي داود السجستاني، سليمان بن الأشعث (202 / 817 ـ 275 / 889) صاحب السنن الشهيرة، أنّه قال: «من أنكر هذا الحديث ]حديث الجلوس[ فهو عندنا مُتَّهم ]بالردّة والخروج عن الدين[ فما زال
-------------------------------------
(1) أبو داود، السنن، 4 / 232، التوحيد وإثبات صفات الرب / 103 ـ 104، الشريعة / 293، تفسير الطبري، 3 / 8، الأسماء والصفات / 417 ـ 419، ابن أبي عاصم، السُّنْة، 1 / 252 ـ 253.
(2) الدارمي، الردّ على بشر المريسي 574 ـ 576، عقائد السلف / 432، تفسير الطبري، 3 / 8، عون المعبود، 13 / 32 ـ 33.
(3) تاريخ بغداد، 8 / 52، طبقات الحنابلة، 2 / 67.
(4)الإسراء 7: 79.
(5) الدارمي، 2 / 233، ابن ابي عاصم، السُّنَّة، 1 / 305 = 695، الشفا، 1 / 291، ابن الجوزي، زاد المسير، 5 / 76، الدر المنثور، 1 / 328، 4 / 198، شرح المواهب اللّدنية، 8 / 367 ـ 368.
(6) جامع البيان، ط بولاق، 15 / 99 ـ 100، وقال القرطبي: وعَضَد الطبري جواز ذلك بشَطَط من القول ـ احكام القرآن، 10 / 311.
(7) السُّنَّة، تح: الدكتور عطيّة الزهراني، دار الراية، الرياض، ط 1، (1410 / 1989)، 1 / 209 ـ 269 = 236 ـ 328.

(الصفحة 212)


أهل العلم يُحدِّثون به ]خوفاً من الاتّهام[»(1).
وحكى ابن قيّم الجوزية، تلميذ ابن تيميّة الشهير، عن القاضي أبي يعلى الحنبلي أنَّه قال: صنّف المَرْوزي كتاباً في فضيلة، النبي، صلّى الله عليه ]وآله [وسلّم، وذكر فيه إقعاده على العرش، وذكر القاضي أنّه قول جماعة ]وعدَّهم سبعة وعشرين وذكر أسماءهم[ وأضاف ابن القيّم: «وهو قول ابن جرير الطبري، وإمام هؤلاء كلّهم مجاهد إمام التفسير، وهو قول أبي الحسن الدارقطني...»(2).
والمروزي هو: أحمد بن محمد بن الحجّاج، أبو بكر المَرْوَذي (المَرْوَرُوِذي) البغدادي (ح 200 / 816 ـ 275 / 888). قال فيه الذهبي: الإمام، القُدْوة، الفقيه، المحدِّث، شيخ الإسلام (3) (...) وكان إماماً في السُنّة، شديد الاتّباع، من أجلِّ أصحاب أحمد بن حنبل والمقدَّم فيهم لوعة وفضله ولأنّه حمل عن أحمد علماً كثيراً، وكان أحمد يأنس به ويَنْبَسِط إليه، وهو الذي تولّى إغماض أحمد لَمّا مات وغسّله، وروى عنه مسائل كثيرة، وأسند عنه أحاديث صالحة ; كما قالوا في ترجمته (4).
وقد وقعت بسبب هذا القول وكتاب المروذي فيه فتنة دامية ببغداد، كما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القرطبي، أحكام القرآن، 10 / 311، أبو حيان، البحر المحيط، 6 / 72، القسطلاني المواهب اللدُنّية، 2 / 411، الزُّرقاني، شرح المواهب، 8 / 368، الشوكاني، فتح القدير، 3 / 252، الآلوسي، روح المعاني، 15 / 142.
(2) ابن القيمّ، بدائع الفوائد، 4 / 39 ـ 40، وذكر الخلاّل كتاب استاذه المروذي في السُّنَّة، 1 / 27 = 249 وذكر بعده ومن وافقوه فيه ـ 1 / 217 ـ 218، 266 ـ 267.
(3) سير أعلام النبلاء، 13 / 173، 175.
(4) تاريخ بغداد، 4 / 423 ـ 425، المنتظم، 5 ـ 2 / 94 ـ 95، طبقات الحنابلة، 1 / 56 ـ 63،المنهج الاحمد، 1 / 172 ـ 174 تاريخ الاسلام، 261 ـ 280 / 273 ـ 275، سير أعلام النبلاء، 13 / 173 ـ 176، العبر، 2 / 54، ابن كثير، 11 / 54، شذرات الذهب، 2 / 166، ابن الاثير، 7 / 435، مرآة الجنان، 2 / 189، الوافي بالوفيات، 10 / 393.

(الصفحة 213)


يذكر ابن الاثير وغيره في أحداث سنة 317 / 929 «ففيها وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين غيرهم من العامة، ودخل كثير من الجند فيها، وسبب ذلك: أنّ أصحاب المروزي قالوا، في تفسير قوله تعالى: (عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً)هو: أَنّ الله سبحانه يُقْعِدُ النبيَّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم معه على العرش، وقالت الطائفة الأُخرى: إنّما هو الشَّفاعة ]وهو التفسير الصحيح المتّفق عليه بين الشيعة وكثير من علماء السُّنَّة [فوقعت الفتنة واقتتلوا، فقُتِل بينهم قَتْلى كثيرةٌ» (1).
6 ـ ولم أجد تفسيراً معقولاً لما نسب إلى الجواليقي من قوله: انّه سبحانه أجوف إلى السُّرَّة، والبقيّة صَمَدٌ، سوى انّه فسّر «الصَّمَد» بالمُصْمَت ـ التفسير الذي ستأتي الإشارة اليه ـ ووجد ما دلّ على انّ سبحانه من الأعضاء والجوارح ما يتنافى وكونه مُصْمتاً من رأسه إلى قدمه! وقد مرّ انّه أثبت له سبحانه، كلّ عضو «إلاّ الفَرْج واللحية» فاضطرّ إلى أنْ يجزِّئه سبحانه جُزْءَيْن: أعلى مجوّف، وأسفل صَمد مُصْمَت لا فرج له!
ما نسب إلى الهشامين جاء منسوباً إلى غيرهم:
ومن المناسب جدّاً أنْ نذكر أنّ ما نسبوه إلى هشام بن الحكم او إلى هشام الجواليقي قد حكوه عن آخرين سبقوهما او كانوا معاصرين لهما، منهم:
1 ـ أبو الحسن مقاتل بن سليمان الازدي، البلخي، المروزي (ح 70 / 689 ـ 150 / 767) سمع الكثير وحدّت الكثير، واختص بالتفسير. جال في البلاد الإِسلامية: مرو، ثم العراق، والحجاز، والشام، ففسر وحدّث بمكّة، وبغداد، وبيروت، واستقرّ اخيراً بالبصرة وبها مات. اشتهر بتفسير القرآن
الكريم حتى قال عنه الشافعي: الناس عِيال على مقاتل في التفسير. وكان ممَّنْ يُضْرَب به المَثَل في القول بالتجسيم والتشبيه الصريحين، والكذب
-------------------------------------
(1) ابن الاثير، 8 / 213، ابن كثير، 11 / 162، ابو الفداء، 2 / 74 ـ 75، ابن الوردي، 1 / 390، تاريخ الخلفاء / 384.

(الصفحة 214)


في الحديث. خاصم بلدَيَّة جهم بن صفوان عقائدياً وسياسياً. قال ابن حبان: كان يأخذ من اليهود والنَّصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان مشبّهاً يشبّه الربّ بالمخلوقين(1).
قال هو واصحابه: إنّ الله جسم، وله جُمَّة(2) وإنّه على صُورة الإِنسان، لَحْم، ودم، وشَعْر، وعَظْم، له جوارح وأعضاء، من يد، ورِجْل، ورأس، وعَيْنَيْن، مُصْمَتٌ، وهو مع هذا لا يُشْبِهُ غَيْرُه(3).
واضاف المقدسي ونَشْوَانُ الحميري: وانّه سبعة أشبار بأشبار نفسه(4)ويقصدون من أصحاب مقاتل جماعةً من أصحاب الحديث تأثّروا به، وقالوا بمثل مقالته، منهم:
أ ـ ربيبه نوح بن أبي مريم (يزيد)، أبو عصْمَة المَرْوزي، الحنفي، قاضي مرو (ح 100 / 719 ـ 173 / 789) سمع الكثير وروى الكثير، وتفقّه على أبي حنيفة، وخرّج حديثه الترمذي وابن ماجة في التفسير. تزوّج مقاتل أُمَّه فربّاه، فأخذ أبو عِصْمَة منه آراءه، وقالوا فيه ما قالوا في شيخه مقاتل(5).
ب ـ وأبو عبد الله، نُعَيْم بن حمّاد بن معاوية الأعور الخُزَاعي، المروزي، ثم المصري (ح 148 / 765 ـ 228 / 843) من أعلام المحدّثين،
--------------------------------------
(1) راجع: ابن حبّان، كتاب المجروحين «الضعفاء»، 3 / 14 ـ 16، تاريخ بغداد، 13 / 160 ـ 169، ميزان الاعتدال، 4 / 172 ـ 175، تهذيب التهذيب، 10 / 279 ـ 285، سير أعلام النبلاء، 7 / 201 ـ 202، تاريخ الاسلام / 141 ـ 160 / 639 ـ 642، طبقات المفسرين، 2 / 330 ـ 331 = 642.
(2) وَفْرَة، ما تَرامَى من شَعْر الرَّأسْ على المنكبين، المعجم الوسيط، 1 / 137.
(3) مقالات الاسلاميين، 1 / 213، 214، 258 ـ 259، الفصل، 4 / 205، البدء والتاريخ، 5 / 141، ابن أبي الحديد، 3 / 224.
(4) البدء والتاريخ، 1 / 85، 5 / 141، الحور العين / 149.
(5) ابن حبّان، الضعفاء، 3 / 48 ـ49، ميزان الاعتدال، 4 / 279 ـ 280، تهذيب التهذيب، 10 / 486 ـ 489، ومصاجر اخرى.

(الصفحة 215)


كان إماماً في السُنَّة. خرّج حديثه البخاري، ومسلم في مقدّمة صحيحه وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. حُمِلَ من مصر إلى العراق في خلافة المُعْتَصِم العبّاسي لامتناعه عن القول بخلق القرآن، فحُبس إلى أن مات فدفن بقيوده، ولم يُكفَّن ولم يُصَلّى عليه.
كان كاتباً لأبي عِصْمَة فربّاه ومنه تعلّم، ووضع كتباً كثيرة في الردّ على الجهميّة. وقالوا فيه ما قالوه في شيخيه، ولكنّهم لم يكذّبوه صريحاً، إلاّ الدولابي، والأزدي، لأنهم عَدُّوه من شهداء مِحْنَتهِم (1).
وراجع النصَّ على أنّهما تبعا مقاتلاً في التشبيه والتجسيم، هما وداود الجواربي ـ الآتي ـ (الملل والنحل 1 / 187، تلبيس إبليس: 86، شرح ابن أبي الحديد 3 / 224).
2 ـ أبو المُثَنَّى مُعاذ بن مُعاذ العَنْبَري، البَصْرِي، قاضي البصرة (119 / 737 ـ 196 / 812) من أعلام المحدّثين، اتّفقوا على توثيقه وتخريج حديثه، منهم أصحاب الكتب الستَّة وغيرهم (2).
قال بعض الرّواة: سألت معاذاً العنبري، فقلت: أَلَهُ وجهٌ؟ فقال: نعم! حتّى عددت جميع الاعضاء من أنف، وفم، وصدر، وبطن، واستَحْيَيْتُ أنْ أذكر الفَرْج، فأومأت بيدي إلى فَرْجي؟ فقال: نعم! فقلتُ: أذكر أم أُنثى؟ فقال: ذكَر!(3).
ودخل انسان على معاذ بن معاذ قاضي البصرة يوم عيد، وبين يديه لحم في طبيخ سِكْبَاج، فسأله عن الباري تعالى في جملة ما سأله، فقال: هو، والله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد، 13 / 306 ـ 314، ميزان الاعتدال، 4 / 267 ـ 270، تهذيب التهذيب، 10 / 458 ـ 463، ومصادر اخرى.
(2) تهذيب التهذيب، 10 / 194 ـ 195، تقريب التهذيب، 2 / 275، تاريخ بغداد، 13 / 131 ـ 134.
(3) ابن أبي الحديد، 3 / 224 ـ 225.

(الصفحة 216)


مثل هذا الذي بين يدي، لحم ودم!(1).
3 ـ داود الجَواربي:
لم يذكروا عنه شيئاً، بل ولا اسم أبيه، سوى ما حكوه عن يزيد بن هارون الواسطي (118 / 736 ـ 206 / 821) ـ من اعلام المحدّثين المتّفق عليهم ـ أنّه كان يقول: الجواربي والمَريسي ]بشر بن غياث[ كافران. وكان يذكر أنّ داود الجَواربي عَبَر جسر واسط فانقطع الجسر، فغرق من كان عليه ]سوى داود الذي نَجَا[ فكان يزيد يقول: انّ الذي «خرج شيطان فقال: أنا داود الجواربي» (2).
ومن هذا يظهر انه كان عراقياً، وانّه وبشراً متعاصران.
عدّ الاشعري داوداً واصحابه من فرق المُرْجئة، وعده الشهرستاني، هو ونُعَيْم بن حمّاد من مُشبِّهة أصحاب الحديث الحشوية الذين وافقوا مقاتل ابن سليمان، وهكذا صنع عبد القاهر البغدادي، وأبو المظفّر الاسفراييني، وغيرهما فعدّوه من «المشبّهة» لا من «الرافضة» او «الرافضة المشبّهة».
وحكوا عنه انه كان يقول: «إنّ معبوده جسم، ولحم، ودم، وله جوارح وأعضاء، من يد، ورِجْل، ورأس، ولسان، وعَيْنَيْن، وأُذنَين، ومع ذلك جسم لا كالأجسام، ولحم لا كاللحوم، ودم لا كالدِّماء، وكذلك سائر الصِّفات، وهو لا يُشْبه شيئاً من المخلوقات، ولا يُشْبِهُه شيءً، وهو أجوف من أعلاه إلى صدره، مُصْمَتُ ما سوى ذلك، وأنَّ له وفرةً سوداء، وله شَعْر قَطَطُ». وكان داود الجواربي يقول: «اعفوني عن الفرج واللحية، واسألوني عمّا وراء ذلك، فإنّ في الأخبار ما يثبت ذلك» (3).
---------------------------------
(1) ابن المرتضى، المنية والأمل / 116، ابن أبي الحديد، 3 / 225.
(2) ميزان الاعتدال، 2 / 23، لسان الميزان، 2 / 427، تاريخ الاسلام (221 ـ 230) / 476 = 497.
(3) مقالات الاسلاميين، 1 / 214، 258 ـ 259، الملل والنحل، 1 / 187، البدء والتاريخ، 5 / 140، الفرق بين الفرق / 216، 320، اصول الدين / 74، 337، التبصير في الدين / 107، تلبيس ابليس / 86، 87.

(الصفحة 217)


ولكنّ ابن حزم عدَّه في جملة الشيعة (1) وقال: «وكان داود الجواربي(2)من كبار متكلِّميهم، يزعم أنّ ربّه لحم ودم، على صورة الإِنسان»(3).
وقال السمعاني: «وعنه ]عن هشام الجواليقي[ أخذ داود الجواربي قوله: إنّ معبوده له جميع أعضاء الانسان، إلاّ الفرج واللحية» (4).
وقال الذهبي، وأقرّه عليه ابن حجر العسقلاني: «داود الجواربي، رأس في الرافضة والتجسيم، من مرامي جهنّم» (5) وقال الذهبي أيضاً: داود الجواربي كان رافضيّاً مُجَسِّماً كهشام بن الحكم (6).
ولم تذكره المصادر الإِمامية بشيء، بل لم يأت اسمه في أيّ منها، قديمها وحديثها.
22 ـ هشام بن الحكم والرد على الجواليقي. وما نسب اليه من الرّدّ على مؤمن الطاق:
ولم تكن معارضة الجواليقي فيما يقوله خاصّة بالأئمّة عليهم السلام، فقد كان هشام بن الحكم وأصحابه يعارضون الجواليقي، كما جاء فيما رواه علي ابن ابراهيم بسنده الصحيح، عن احمد بن محمد بن أبي نصر البَزَنَطي ـ وقد تقدّم الحديثـ. ولهشام بن الحكم: «كتاب الردّ على هشام الجواليقي»(7).
-----------------------------------------
(1) الفصل، 2 / 112، 4 / 93.
(2) في المطبوع: الجوازي، وفي اللسان: الجواري.
(3) الفصل، 4 / 182، سير أعلام النبلاء 10 / 544، لسان الميزان، 2 / 427.
(4) الانساب، الورقة، 590 / ب، اللباب، 3 / 389.
(5) ميزان الاعتدال، 2 / 23، لسان الميزان، 2 / 427.
(6) تاريخ الاسلام 221 ـ 230 / 476 = 497.
(7) الطوسي، الفهرست، / 204، النجاشي / 304، «ابن» النديم / 224، معالم العلماء / 115، مجمع الرجال، 6 / 232، 233، ايضاح المكنون، 2 / 298، هدية العارفين، 2 / 508، الذريعة، 10 / 237.

(الصفحة 218)


وذكر المترجمون لهشام بن الحكم في قائمة كتبه: «كتاب الردّ على شيطان الطاق» (1) ولم يصلنا الكتاب نفسه حتى نعرف الذي يقصده هشام بـ «شيطان الطاق»، ولم يفسّره الذين ذكروا الكتاب له، ولعلّ التفسير الذي يبدو لأوّل مرة: أنّ المقصود به مؤمن الطاق، أبو جعفر البجلي، المتقدم ذكره مع هشام الجواليقي، هو والميثمي، ولكنّي في شك مريب من هذا التفسير، بل أكاد أجزم بعدم صحّته، وأنّه تفسير خاطىء، وذلك:
أنّ علماء الإِمامية متفقون أنّ تلقيب أبي جعفر الأَحول، البَجَليّ بشيطان الطاق إنّما جاء من قبل المخالفين «الخصوم» للإِمامية، والإِمامية يلقبونه «مؤمن الطاق» (2) وقد علم به غيرهم فحكاه عنهم (3) وذكروا له لقباً آخر: «شاه طاق / شاه الطاق» «مَلكُ الطاق» (4). وقال ابن النديم: «وشيعته تسمّيه شاقّ الطاق أيضاً» (5).
بل إنّ ابن حجر يحكي عن ابن أبي طَيِّء ـ العالم الإِماميّ الشهير ـ أنّ أحد الأقوال في تلقيبه «مؤمن الطاق» ما عبر عنه ابن حجر بلسانه الخاص: وقيل: إنّ هشام بن الحكم شيخ الرّافضة لمّا بلغة أنّهم ]خصوم الإِمامية[ لقّبوه
-------------------------------------
(1) الطوسي / 204، النجاشي / 305، «ابن» النديم / 224، معالم العلماء / 115، مجمع الرجال، 6 / 233، 234، هدية العارفين، 2 / 507، الذريعة، 10 / 203.
(2) الكشي / 185، البرقي، الرجال / 17، المفيد، الاختصاص / 204، الطوسي، الفهرست / 157، الرجال / 359، النجاشي / 228، ابن شهر آشوب، معالم العلماء / 115.
(3) «ابن» النديم / 224، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 10 / 553 ـ 554، الصفدي ،الوافي بالوفيات، 4 / 104، ابن حجر، لسان الميزان، 5 / 300، الشهرستاني، الملل والنحل، 1 / 186.
(4) الطوسي، الفهرست / 222، الرجال / 302، مجمع الرجال، 6 / 7.
(5) تكملة الفهرست ـ راجع الفهرست ـ ط تجدد، الهامش / 224، ط الأستقامة / 258.

(الصفحة 219)


شيطان الطاق، سمّاه هو مؤمن الطاق (1).
ولم يكن هذا اللقب «مؤمن الطاق» قد استقرّ له بعد عصره، بل أنّ المعاصرين له كانوا يلقّبونه به، فجاء عن هشام بن سالم الجواليقي نفسه (2)وفي حديث آخر (3) ويونس بن يعقوب (4) وأبان بن عثمان الأحمر (5)وأبي مالك الأحمسي (6) وشريك بن عبدالله النخعي (7) فمن البعيد جدّاً ـ والحال هذه ـ أنْ ينبزه مثل هشام بن الحكم بهذا اللّقب الّذي لا ينبزه به إلاّ خصوم الإِمامية ـ وقابلهم أصحابه الإِمامية بلقب آخر يليق به وبكرامته ومنزلته ـ بل أن هشاماً نفسه هو الذي بدأ بمعارضتهم واختار له «مؤمن الطاق» في أحد الأقوال في سبب تلقيبه بهذا اللقب المؤمن، وقد تقدّم.
ويضاف إلى هذا أنّي لم أجد في أحاديث الإِمامية ما يدلّ على وقوع الخصومة بين هشام ومؤمن الطاق، بل ولا أيّ نوع من الخلاف بينه وبينه بصورة مباشرة ـ كما وجدنا ما دلّ على الخلاف بينه وبين هشام الجواليقي ـ ومثل هذا التلقيب ليس له من مبرّر، ولا فيما إذا اشتدت الخصومة والعداء، إلاّ عند المهاترة والتنابز بالألقاب. نعم جاء فيما ذكرته سابقاً، عند الكلام عن الجواليقي أنّ مؤمن الطاق والميثمي تبعا الجواليقي في رأيه، فالرّدّ عليه ردّ عليهما، وهشام بن الحكم قد فعل ذلك.
ويضاف إلى هذا كلّه ما ذكرته عند الكلام عن سيرة هشام بن الحكم من شهادة اعدائه بخلق هشام، وإنّه تصادق مع خارجي أباضيّ تلك الصداقة التي
-----------------------------------------------
(1) لسان الميزان، 5 / 300 ـ 301.
(2) الكشي / 282، البحار، 47 / 262.
(3) الكشي / 275 ـ 277، البحار، 47 / 407 ـ 408.
(4) الكشي / 271.
(5) الاحتجاج، 2 / 140، البحار، 46 / 180.
(6) الكشي / 186 ـ 188 ـ في ثلاثة احاديث ـ، البحار، 47 / 405 ـ 406.
(7) الاحتجاج، 2 / 144 ـ 148، البحار، 47 / 396 ـ 400.

(الصفحة 220)


استمرَّتْ سنين طويلة، والتي ضرب بها المثل في حسن الصحبة وجميل العشرة، والتي أفضلت على جميع المتضادين ـ كما يقول الجاحظ ـ فهذا النبز، بهذا المستوى ممّا يأباه خلو منْ لم يكن في مستوى هشام بن الحكم، فكيف به!
فمن هذا كلّه وغيره أقول ـ وأنا واثق بصحّة ما أقول ـ: أنّ هشاماً في كتابه هذا يردّ على شخص آخر غير مؤمن الطّاق، وكان هذا للقب «شيطان الطاق» له قبل أنْ يلقْب مؤمن الطاق به، وكانت خصومته للإِمامية ولهشام بلغت الحدّ الذي لم يجد هشام بأساً في نبزه بمثل هذا اللقب الشائن، ولكن الخصوم قد حرّفوا اللّقب عن موضعه، ونبزوا به مؤمن الطاق، لأنّه كان يسكن طاق المحامل بالكوفة، فكان يقال له «الطاقيّ» أو «صاحب الطاق» (1) وتنوسي صاحب اللقب الأول إلى أنْ نُسي، فحصل مثل هذا اللَّبْس، وفيما قدَّمْتُ من النماذج الكثيرة من فعل الخصوم ما يبرّر لي مثل هذا الظّنِّ الحسن بهم وِبخُلُقهم وسلوكهم!
وممّا يدلّ على أنّ هذا اللقب لم ينبز به مؤمن الطاق وحده أنْ الخطيب يترجم لراو غير إمامي ويقول: «أحمد بن هارون، يعرف بشيطان الطاق، من أهلِ سُرَّ مَنْ رأى (2)...» (3).
23 ـ نظرة إلى الحديث غير الإمامي:
ومن دراستنا هذه الّتي اضطررنا إليها ظهر أنّ من اتّهموا من الإمامية بالتجسيم والتشبيه ـ سواء تسَّربَتْ إليهم من طرق غير الإمامية ـ وما قدمنا من
------------------------------------------
(1) راجع المصادر المتقدّمة حول لقبه.
(2) أي: سامراء الحالية ـ العراق.
(3) تاريخ بغداد، 5 / 196.

(الصفحة 221)


الامثلة تشهد بذلك ـ، وكانت هذه الأحاديث نفسها هي الّتي جرّت غيرهم إلى التجسيم والتشبيه عالمين أو غير عالمين وبذلك توافقت اراؤهم ـ أوتوافق ما حكوه من ارائهم، وان لم يثبت أنّهم، أو أن البعض منهم قد آمن بها ـ.
وكمثال واحد لتأثير هذه الاحاديث في البيئة الإِمامية، يضاف إلى الامثلة المتقدمة، ما يرويه الصدوق بسنده عن يعقوب السَّرّاج، قال:
قلت لأبي عبد الله، عليه السلام: إنّ بعض أصحابنا يزعم أنّ لله صورة مثل صورة الإنسان، وقال آخر: إنّه في صورة أمرد، جَعْد، قطَطَ ]راجع ما تقدم [فخرّ أبو عبد الله عليه السلام ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: سُبْحانَ الله الّذي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا يُحيطُ به علم، لم يلد، لأنَّ الوَلَد يُشْبِه أباه، ولم يُولَد فيُشْبِه مَنْ كان قَبْلَه، كفوا أحد، تعالى عن صفة من سواه عُلُوّاً كبيراً (1).
وهناك عامل آخر، أكتفي فيه بذكر شاهد واحد عليه ولا أشرح ولا أُعَلّق، وهو ما جاء عن ابن أبي عمير، محمد بن زياد الأزدي البغدادي ( ـ 217 / 832) المحدّث والعالم الإمامي الشهير، فيما يرويه الكشي عن الفضل ابن شاذان، قال:
سأل أبي محمد بن أبي عمير، فقال له: إنّك قد لقيت مشايخ العامّة (2)فكيف لم تسمع منهم؟ فقال: قد سَمِعْتُ منهم، غير أنّي رأيتُ كثيراً من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة وعلم الخاصّة، فاختلط عليهم، حتّى كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة وحديث الخاصّة عن العامّة، فكرهتُ أنْ يختلط عليَّ فتركتُ ذلك وأقبلتُ على هذا (3)» (4).
-----------------------------------------------
(1) التوحيد / 103 ـ 104، البحار، 3 / 304.
(2) أي غير الإمامية.
(3) تركت رواية أحاديث غير الإمامية واقتصرت على أحاديثهم.
(4) الكشي / 590 ـ 591، مجمع الرجال، 5 / 118، معجم رجال الحديث، 14 / 299.

(222)


وهذان العاملان ـ ويضاف إليهما عوامل أُخر ـ يفسّران التأكيد الذي صدر من الأئمة عليهم السلام لشيعتهم على أخذ عقائدهم وأحكامهم من الأئمّة عليهم السلام وحدهم، والاعتماد على الصادقين الموثوق بهم ممّن يروي عنهم. وسامح الله إخواناً لنا فسّروه على أنّه قطيعة بين الإخوة المسلمين، وحوّلوه إلى مطعن أضافوه إلى مطاعنهم علينا!
وتبيّن من دراستنا هذه أنّ خصوم الإمامية، مهما اختلفت آراؤهم وتباينت عقائدهم، لم يتورّعون عنه ـ فيما بينهم، وقد قدّمت أمثلة كثيرة لذلك، وتركت التعليق عليها، ولكنّي هنا أحكي رأياً لعالم غير إمامي حول كتاب من أشهر كتب المقالات والفرق، ويعدّ بمنزلة الأُمّ لعامة من كتب في هذا الموضوع قديماً وحديثاً، وهو كتاب «الفَرْق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منها» تأليف أبي منصور، عبد القاهر بن طاهر البغداي، الأشعري، الشافعي ( ـ 429 / 1038) وبمعناه كتابه الآخر: «الملل والنحل» وكلاهما مطبوعان، وكتاب آخر لا يقلّ عنه أهمّيّة، إن لم يَفُقْه، وهو كتاب «الملل والنحل» تأليف أبي الفتح، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (479 / 1086 ـ 548 / 1153).
يقول فخر الدين الرازي العالم المتكلّم والمفسّر الشهير حول كتاب «الملل والنحل» تأليف الشهرستاني ـ من أشهر الكتب في هذا الموضوع ـ: «إنّه كتاب حكى فيه مذاهب العالم يزعمه، إلاّ أنّه غير معتمد عليه، لأنّه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمّى بـ «الفَرْقِ بَيْنَ الفِرَق» تأليف الأُستاذ أبي منصور البغدادي، وهذا الأُستاذ كان شديد التعصّب على المخالفين، ولا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه الصحيح. ثمّ إنّ الشهرستاني نقل مذاهب الفرق الإسلامية من ذلك الكتاب، فلهذا السّبب وقع الخلل في

(223)


نقل هذه المذاهب»(1).
* * *
وقبل أنْ أنهي البحث لا بُدّ لي من كلمة موجزة حول دور المعتزلة في هذا المجال. إنّ المعتزلة وإن واجهوا منذ نشأتهم طائفتين من الخصوم: إحداهما أصحاب الحديث والسُّنَّة، أو مَنْ يسمّونهم المعتزلة بالحَشْويّة والنابتة، والثانية المتكلّمون الّذين كانوا يختلفون معهم في الرأي. والمحدّثون لم يقابلوا المعتزلة بسلاح الكلام والجدل ومقارعة الحجّة بالحجّة، بل قابلوهم بالتبديع والتكفير، والاتّهام بالزندقة والمروق من الدين، وإثارة العامّة وسواد الناس عليهم، فتحوّلت خصومهم إلى «صراع جسديّ» فحسب، اضطرّ المعتزلة فيها أن يكسبوا سلاح السلطان بعد أن لم ينجحوا في كسب سلاح العامّة! ومن أهمّ مظاهرها المآسي الّتي حفل بها تاريخ عصر المأمون، والمعتصم، الواثق، والمتوكّل العبّاسيين (198 / 813 ـ 247 / 861)، كان المعتزلة فيها هم الفائزون في عصر الخلفاء الثلاثة الأُول، عن طريق كسب سلطان الخليفة وسلاحه إلى جانبهم، وهي المآسي التي اصطلح عليها المؤرّخون بمحنة خلق القرآن، ولكن المعتزلة دالت دولتهم بعد أنْ مال المتوكّل إلى خصومهم المحدّثين، فخسروا السلطة وسلاحها بعد أنْ كانوا قد خسروا العامّة وسلاحهم من قبلُ.
وأمّا خصومهم المتكلّمون ـ وأهم خصومهم كانوا متكلّمو الإمامية ـ فكانت خصومة المعتزلة معهم تدور في اطار فكريّ بحت، إذ كانت الأطراف
----------------------------------------
(1) مناظرات فخر الدين الرازي في بلاد ما وراء النهر، تحقيق الدكتور فتح الله خليف، دار المشرق، بيروت، 1966 ـ مع ترجمته إلى الإنجليزية / 39 = 99 وراجع ترجمته / 62 = 99.

(224)


المتنازعة ـ كما يعبّرون ـ متكافئة القوى، لا يملك أيِّ منهالا سلاح السلطان ولا سلاح العامّة، بل كانت المعتزلة، بالنسبة إلى الإمامية، أقرب إلى قلب السلطان وعطفه، وأمكن من الاستعانة بسطوته وسلاحه! وهنا استعان المعتزلة بكل الأسباب والوسائل، واتّبعوا كافة السبل التي تمكّنهم من الفوز، وإن كانت خشية العامّة أوّلاً، ثم خشية السلطان والعامّة معاً فيما بعد غلَّتْ أيدي المعتزلة أمام المحدّثين، فانّها لم تغلّ أيديهم أمام الإمامية، ولأجل هذا لا نجد في كتب المعتزلة بالنسبة إلى المحدّثين ذلك التهجّم الفاضح، والنقد اللاذع الجريء، والخصومة السافرة، ما نجدها منهم بالنسبة إلى الإمامية.
وأنا أرى أنّ ما نسبه المعتزلة إلى الإمامية ـ وعنهم أخذه غيرهم ـ إنّما سمعوه أوّلاً من المحدثين، فمقاتل بن سليمان استقرّ في البصرة أواخر حياته، وفيها نشر اراءه ـ كما تقدم ـ «والبصرة عُشّ القدر» كما يقول الذهبي (1)، ومعاصره حمّادُ بن سَلَمة البصري (88 / 707 ـ 167 / 784) مفتي البصرة وفقيهها، والمحدّث الشهير، وهو مَنْ تدور عليه أكثر أحاديث «الصفات» ]صفات الله[ الّتي يستدلّ بها المُجسّمة والمشبِّهة، والتي يقولون أنّ ربيبه عبد الكريم بن أبي العَوْجاء الزّنديق الشهير قد دسّها في كتبه، فكان حمّاد يحدّث بها ويدافع عن صحَّتها (2)، ومُعاذ العتبري قاضي البصرة ومحدّثها، بل وداود الجواربي، كانوا أمّا بصريين أولهم صلة بالبصرة، فسمع المعتزلة كل ذلك منهم، ولكنّهم لم يسعهم التهريج به عليهم مباشرة، فاستعملوه امام الإمامية، بأنْ نسبوا ذلك إليهم أوّلاً، ثم التهريج به بعد ذلك!
----------------------------------------
(1) ميزان الاعتدال 3 / 91.
(2) ابن الجوزي، الموضوعات، 1 / 37، 100، 122، ابن فُورك، مشكل الحديث / 169، البيهقي، الاسماء والصفات / 445، الذهبي، ميزان الاعتدال، 1 / 593، ابن حجر، تهذيب التهذيب، 3 / 15، السيوطي، اللآلي المصنوعة، 1 / 25، 2 / 468، ومصادر اخرى.

(225)


24 ـ مقارنة ومناقشة:
وآخر ما أُريد أن أذكره: أنّ قياس «تصحيح الاعتقاد» للمفيد إلى «إعتقادات الإِمامية» للصدوق لا يكشف لنا إلاّ عمّا اشتركت فيه المدرستان الحديثيّة والكلاميّة عند الإِمامية وما اختلفتا فيه فحسب، وخلال القرون التي تنتهي بالقرن الخامس / الحادي عشر، وأمّا الانتهاء بهذا القياس إلى تعليل الفرق الّذي نجده في جانب المفيد بانه يرجع إلى تأثّره بالاعتزال فهو استنتاج ينقصه الكثير من مقوّمات الاستنتاج الصحيح المرتكز على دراسة صحيحة مستوعبة.
فإنّ الإمامية منذ أوَّل عصورهم كانت تتواجد فيهم هاتان المدرستان، وقد قدّمنا أنّهما وان كانتا متغايرتَيْن من الاسلوب ونوعية الاستدلال، إلاّ أنّهما لم يكونا متضادّتين متخاصمتين كما نجدهما عند غير الإماميّة. وقد ذكرت تأريخا متسلسلاً لمتكلّمي الإمامية، ترجمت فيه لهم إلى عصر شيخ الطائفة الطوسي ن وذكرت ما ذكر لهم من الكتب الكلاميّة، وسينشر ـ إن شاء الله ـ كتمهيد للترجمة الإنجليزية لتوحيد الكافي. ولكن الكتب الّتي ذكرتها هناك قد ضاعت كلّها ولم يصل إلينا منها إلاّ النزر القليل، ولكنّها بعناوينها وأسمائها وما توحيه هذه العناوين، تدلّ على أنّ الكلام الإمامي سلسلة متّصلة متواصلة، عاشَتْ واستمرَّتْ إلى عصر الشيخ المفيد، وما لم نحصل على نماذج منها، ولا أقلّ من أنْ ندرس عناوينها وما تبقى من النماذج القليلة من محتوياتها فلا تكون دراستنا إلا ناقصة مبتورة، ولا يصحّ لنا أنْ نحكم بأنّ ما نراه ميزة عند المفيد إنما أخذها عن المعتزلة، بل أنّ هناك من الأدلّة التي تدلّنا على أنّ هذه الميزة توارثها متكلِّمو الإمامية كعقيدتهم التي توارثوها بمالها من الخصائص، وقدمت سابقاً بعض الكلام حول الفرق المنهجي بين الاسلوب الحديثي والاسلوب الكلامي. ومنه يظهر أنّ تلك الأحكام الصارمة الباتة التي حكموا بها قديماً

(الصفحة 226)


وحديثاً حول تأثّر الإماميّة بالمعتزلة، ليس لها ما يبررّها. وقد بيّنب أنّهم في عقائدهم لم يتأثروا بالمعتزلة، وكانت هذه مهمّتي في هذا المدخل، وامّا البحث عن الجوانب الاُخر فأرجىء التبسط فيه إلى مجال آخر.
ولكنّي هنا أسوق مثالا واحداً لتلك الأحكام الصارمة، وهو أخفّ الأمثلة وأقلّها جَوْراً وتعسّفاً، لصلته بالصدوق والمفيد. يذكر (م. مكدرموت): إنّ «كتاب التوحيد» للصدوق متأخّر في تأليفه عن كتابيه الآخرين «اعتقادات الإماميّة» و «الهداية» وإنّ الصدوق فيه كان أقرب إلى الفكر الاعتزالي منه فيهما، إذ أنّ الصدوق بعدما هاجر إلى الري كان يعيش في بلاط البويهيين هناك، ولعلّ هذا الفرق يعود إلى «ضغط الوزير الصاحب بن عَبَّاد ]وزير البويهيّين (326 / 938 ـ 385 / 995)[ والأثر الذي كانت تتركه أدلّة المعتزلة في نفس الصدوق، اللذَيْن أوجبا التغيير الذي حصل في تفكير الصدوق» (1).
وأنا أضع أمامه وأمام الباحثين مثالاً أسبق عصراً وأرفع مستوى، وهو الكليني، الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي، ثم البغدادي ( ـ 329 / 941) شيخ محدّثي الإماميّة، وكان يعيش في الريّ، ثم هاجر إلى بغداد في أواخر عمره وبها مات (2).
فإنّ الكليني عقد باباً في توحيد الكافي: «تأويل الصمد» وذكر فيه حديثين فسّرا «الصَّمَدَ» بالسّيّد المصمود إليه كلّ شيء، في القليل والكثير(3) ثم قال:
«فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل «الصمد»، لا ما يذهب إليه المُشَبِّهة: أنَّ تأويل الصَّمَد: المُصْمَت الّذي لا جَوْف له، لأنَّ ذلك لا يكون إلاّ صفة الجسم ، والله، جلّ ذكره ، متعال عن ذلك (. . .) ولو كان تأويل
---------------------------------------
(1) نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد / 323، 341 ـ 349.
(2) راجع ترجمته في فاتحة الترجمة الانجليزية لكتاب العقل والجهل من الكافي.
(3) الكافي، 1 / 123 ـ 124 = 323، 324،

(الصفحة 227)


«الصمد» في صفة الله، عزّ وجلّ، المُصْمَت، لكان مخالفاً لقوله عزّ وجلّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءً)(1). لأنّ ذلك من صفة الأجسام المُصْمَتة التي لا أجواف لها، مثل الحجر، والحديد، وسائر الأشياء المصمتة (...).
فأمّا ما جاء في الأخبار من ذلك «فالعالِمُ عليه السلام أعلم بما قال..» ثم استدلّ بأدلّة لغوية على صحة هذا التفسير (2).
وبهذا سبق بأكثر من قرن الشيخ الطوسي تلميذ المفيد الذي يقول: «ومن قال الصمد بمعنى المُصْمَت، فقد جهل الله، لأنّ المُصْمَت هو المتضاغط الأجزاء، وهو الّذي لا جَوْف له، وهذا تشبيه وكفر بالله تعالى» (3).
وما أشار إليه الكليني من الروايات التي لم يذكرها، والّتي فسرت «الصمد» بالّذي لا جوف له، قد ذكرها الصَّدوق ولم يتغافل عنها في «كتاب التوحيد» ـ الّذي تأثر فيه بالمعتزلة أكثر من رسالته وهدايته، كما يقول مكدرموت (4) ـ وجمع بينه وبين المعنى الّذي اختاره الكليني عندما فسّر «الصمد» وأخذ بهما جميعاً، وإنْ أوّلَ «الصّمد» بما لا يلزم منه الجسمية (5)ومن هذا يظهر أنّ الكليني كان أكثر اعتزالاً من الصدوق!
ولعلّ الاحتفاظ بقدسيّة تلك الأحكام التي صدرت حول الإمامية، قديماً وحديثاً، وأنّهم عيال على المعتزلة يَعُولونهم بارائهم وأدلّتهم، يدعو البعض إلى أن يجد أو يُوجد بلاطاً اعتزاليّاً آخر عاش فيه الكليني ووزيراً معتزلياً آخر ضغط عليه! ولا أمنع بأيّ وجه أن يتأثّر عالم إمامي بأُستاذه المخالف له في العقيدة، أو بالجوّ المخاصم له، ولكنّ الّذي لا أقبله هو ما يوحي به رأي (م. مكدرموت)
-----------------------------------
(1) الشورى، 42 / 11،
(2) الكافي، 1 / 124.
(3) التبيان، 10 / 431.
(4) التوحيد / 93، 140، 171.
(5) التوحيد / 197.

(الصفحة 228)


من أنّ الصَّدوق تنازل عن بعض آرائه، أو أخفى جانباً منها، مراعاةً للصاحب أو للمعتزلة، وأن يكون هذا تحفُّظاً على قدسيّة تلك الأحكام التي تقول إنّ أي تعديل حصل في رأي الإمامية إنّما كان من جرّاء تأثّرهم بالمعتزلة!
والصَّاحب بن عَبّاد لم يكن في رأي الصدوق ذلك المعتزليّ الذي تصوّره مصادر المعتزلة، بل كان إماميّاً اثنى عشرياً يمدح الأَئمّة والرضا خاصة، عليهم السلام في قصائد يصرّح فيها بإمامتهم، ويؤلّف له الصدوق «عيون أخبار الرضا، عليه السلام» ويصرّح بذلك في فاتحة الكتاب، ويذكر شعر الصاحب في ذلك(1).
ويجب التفريق في المسائل الكلاميّة بين المسائل التي تمسّ العقيدة مباشرة، وبين ما لا يكون كذلك، كالمسائل التي كانوا يعبّرون عنها يومذاك باللطيف من الكلام. وقد ذكر شيخنا المفيد كثيراً من عناوينها في آخر أوائل المقالات (2)، ومهمتي تنحصر، في هذا المدخل، في أنّ الإمامية لم يأخذوا عقائدهم من المعتزلة، ولم يحكمهم التشبيه والجبر يوماً مّا قبل أنْ يتّصلوا بالمعتزلة، وأمّا التأثر في مثل هذه المسائل، أو التأثّر في نوعية الاستدلال في المسائل المتفّق عليها فلا أمنعه، بل هناك شواهد كثيرة على وقوعه، ولكنه تأثّر وتأثير متقابل، ولكنذ الذي يحزّ في النفس اغفال تأثر النَّظّام وأبي الطيّب المعتزليَّيْن بهشام بن الحكم مثلاً، والاهتمام بتأثّر المفيد بالمعتزلة! ولعل الآثار التي تركها متكلِّمو الإِمامية والمعتزلة على حدٍّ سواء، إن كانت قد سلمَتْ من الضّياع ووصلت إلينا، لكان لنا رأياً آخر، ولعلّنا كنا نرجّح حينئذ: أنّ التأثر في جانب الاعتزال بالإِمامية كان أقوى وأكثر من تأثر الإِماميّة بالمعتزلة.
وأمّا مدى تأثر المفيد خاصّة بالمعتزلة في مثل هذه المسائل «اللطيف من الكلام» وفي المسائل التي لا تمسّ العقيدة مباشرة، وخاصة متابعة المفيد لآراء
-------------------------------------
(1) عيون الاخبار، 1 / 3 ـ 7.
(2) راجع / 72 ـ فما بعد.

(الصفحة 229)


الكعبيّ البلخي، الّذي ملأ به (م. مكدرموت) كتابه: «نظريّات علم الكلام عند الشيخ المفيد» فلا أُناقش شيئاً ممّا ذكره، إذ الأُصول التي قد اعتمد عليها قد ناقشتها وذكرت رأيي فيها، وأمّا التفاصيل فللحديث عنها مجال آخر.
ويجب أنْ ننتبه أيضاً إلى أنّ الأخذ عن متكلّم غير إمامي لا يعني بالضرورة متابعة التلميذ لآراء أُستاذه ـ وخاصة فيما يختلف معه في العقيدة ـ، والمتكلّمون غير الإمامية يومذاك كانوا معتزلة، وبعد عصر شيخ الطائفة الطوسي كانوا في الأَغلب أشاعرة، وقد حضر عليهم جمع من علمائنا الإِماميّة ،وعكس هذا أيضاً، وهو حضور غير الإمامي على متكلِّم إمامي، كتلامذة نصير الدين الطوسي، المتكلّم والفيلسوف الشهير، صحيح. وما هذا إلاّ كالأخذ عن محدِّث غير إماميّ، وماأكثر شيوخ الحديث غير الإمامية الّذين أخذ عنهم المفيد، والمرتضى، والطوسي، والكراجكي وأمثالهم، بل ومن سبقهم كالصدوق، ومن لحقهم كالعلاّمة الحلّي! فإنّ هؤلاء كانوا يقيسون ما يسمعونه من الحديث بالمقاييس التي صَحَّتْ عندهم، وبها يجب أن تستكشف صحة الحديث أو زَيْفُه، في رأيهم، والغاية من ذلك أنْ يستعين المحدّث الإماميّ بما يسمعه من شيخه غير الإِماميّ في إثبات ما يعتقده من شؤون الإِمامة وحالات الأئمّة عليهم السلام، أو في ردّ حجج الخصوم. وهكذا الحال في علم الكلام، والتفسير، والفقه، وأصول الفقه، فإن مثل هذا الحضور يفيد أوّلاً تعلّم ما ينفع فيما يرجع إلى ما اتّفق عليه الطرفان، وإلى الاستعانة بعلم الأُستاذ في الدفاع عما يراه التلميذ حقّاً، ثانياً.
2 ـ تطوُّر الكلام عند الإِماميّة
25 ـ نظرة عامة، من غير تفصيل:
وأقصد بالتطور هنا المسيرة الفكريّة التي تجتازها العلوم والافكار البشرية منذ نشأتها، فتغذ السير تارة وتتباطأ اُخرى بل وقد تحبو أو تضلع في سيرها أحياناً، ولست أقصد بالتطور معناه البيولوجي المراد به في عالم الاحياء، ولا

(الصفحة 230)


المفهوم الماركسي الّذي كثيراً ما تستعمل الكلمة فيه من الماركسيّين وغير الماركسييّن، بعمد أو عن غفلة وقلت هذا لأنّي لم تحضرني الآن كلمة اُخرى أقرب إلى سمع القارىء وأحضر في ذهنه منها .
والحديث هنا طويل يستدعي ملء الفجوة الزمنية بين عصر النشأة وعصر المفيد بتراجم أعلام متكلمي الإِمامية، حسب التسلسل الزمني وذكر خصائصهم وميزاتهم، ولا مجال لهذا البتة. ولهذا فإني البحث ضمن النقاط التالية:
1 ـ إن كانت الكوفة قد احتضنت الحديث والفقه الإماميّ ثم بعد قرنين من الزمان كانت قم إحدى المدن التي ملكت الكثير من هذا العلم. فإن الكلام الإماميّ قد احتضنتها بغداد منذ أيامها الأُوَل. فقد قدمت إنّ هشام بن الحكم كانت له صلة قويّة ببغداد منذ أنّ ابتليت في فجر الدولة العباسية، وسكنها في أواخر أيامه وكان يدير ندوتها الكلامية التي كانت تنعقد في ظل البرامكة. واستمر فيها تلامذته المتكلمون يدرسون ويناظرون ويورثون علمهم من يحل محلهم من بعدهم.
والحديث والفقه الإماميّان وإن كانا يتواجدان في بغداد منذ نشأتها إلاّ إنّ بغداد قد اصبحت حاضرة الحديث أو الفقه بعد أن انتقلا إليها من الكوفة مباشرة، ومن قم بصورة غير مباشرة. ولكنها كانت حاضرة الكلام الإماميّ من يومها الأوّل.
2 ـ الفكرة الاعتزالي وإن نشأ من نقطة لم يلتق فيها بالفكر الإمامي، وهي موقف رائدي الاعتزال ; واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد من مرتكبي الكبيرة وقولهما بالمنزلة بين المنزلتين وبقيت هذه الركيزة هي التي تجمع شتات المعتزلة، إلاّ أنّ رفض المعتزلة للجبر والتشبيه والتجسيم قد أشرنا سابقاً إلى أنّه
مسبوق بمثله عند الإمامية، إن لم يكن مأخوذاً منهم. وبهذا حكمنا بأنّ الكلام الإمامي كان اصيلاً غير تابع ولا مُسْتَجْد من غيره، لأنّ الله أغناه بأئمته الطاهرين

(الصفحة 231)


صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عن الاستعطاء والاستجداء عقيدةً وشريعةً، خلقاً وسيرةً، في هذه الحياة الدّنيا ويوم يقوم الناس لربّ العالمين. ولا يسع المجال هنا سوى أنّ اُنبّه إلى أنّ الكلام الإمامي وإن رفض الجبر والتشبيه والتجسيم ولكنه لم يؤدّ به هذا الرفض بأيّ حال إلى التعطيل أو الاتهام به والذي يُتَّهم بمثله الفكر الاعتزالي، صحّ هذا الاتّهام أو لم يصح.
3 ـ ولا بدّ هنا من الإشارة المقتضبة إلى أعلام متكلمي الإمامية الّذين خلفوا هشاماً في وطنه الأخير بغداد:
1 ـ علي بن منصور، أبو الحسن الكوفي، ثم البغدادي.
2 ـ يونس بن عبد الرحمن، أبو محمد اليقطيني، الكوفي ثم البغدادي (نحو 125 / 742 ـ 208 / 823 ـ 824) صاحب هشام وتلميذه (وكان جماعة لهم الشيعة قد أدبهم هشام ويونس وعلّماهم الكلام) (الكشي / 498، مجمع الرجال 2 / 34).
وأرى أنّ قول الرجاليين: (يونس) عند التعريف يقصدون منه التلمذة ليونس في الكلام لا مجرد أخذ الحديث عنه. ولا مجال هنا لهذا البحث.
3 ـ محمد بن أبي عميرة أبو محمد الأزدي البغدادي (** ـ 217 / 832).
4 ـ علي بن إسماعيل، أبو الحسن الميثمي.
5 ـ أبو مالك، الضحاك الحضرمي.
6 ـ محمد بن الخليل أبو جعفر السكاك البغدادي وكلاهما من تلاميذ هشام.
7 ـ الحسن بن علي بن يقطين البغدادي.
8 ـ الفضل بن شاذان، أبو محمد الأزدي النيسابوري (ح 195 / 811 ـ 260 ـ 873).
وكان يقول: أنا خلف لمن مضى، أدركت محمد بن أبي عمير، وصفوان

(الصفحة 232)


ابن يحيى، وغيرهما، وحملت عنهم منذ خمسين سنة، ومضى هشام بن الحكم رحمه الله وكان يونس بن عبد الرحمن رحمه الله خليفة له، وكان يرد على المخالفين، ثم مضى يونس بن عبد الرحمن ولم يخلف خلفاً غير السكاك، فردّ على المخالفين، حتى مضى، رحمه الله، وأنا خلف لهم من بعدهم. (راجع ترجمته في الكشي / 537 ـ 44، والنجاشي / 306 ـ 307، وفهرست شيخ الطائفة / 150 ـ 151، وغيرها).
والفضل وإن سكن نيسابور في آخر حياته، إلاّ أنّ قسماً كبيراً من نشاطه العلمي قام به في بغداد.
9 ـ إسماعيل بن علي بن إسحاق، أبو سهل النوبختي البغدادي (237 / 850 ـ 311 / 923).
من أعلام المتكلمين في بغداد، وكان له مجلس يحضره المتكلمون. وقد ذكرت في ترجمته أن ما يدعيه المعتزلة: انّه أخذ عن أبي هاشم الجبّائي لا يصحّ بأي وجه وإنّ أبا سهل إنّما كان في طبقة أبيه أبي علي وكانت له معه مناظرات ومساجلات، وأنّ أبا هاشم حينما انتقل من البصرة إلى بغداد كان لأبي سهل من السن والمكانة العلمية والثراء الفكري ما أغناه عن أبي هاشم وأمثاله.
10 ـ الحسن بن موسى، أبو محمد النوبختي (** ـ ج 310 ـ 922).
ومن أعلام المتكلمين، بل والعارفين بالفلسفة وكان له مجلس يحضره المتكلمون والفلاسفة والعلماء، مسلمين وغير مسلمين قال (ابن) النديم: وكانت المعتزلة تدّعيه، والشيعة تدّعيه، ولكنه إلى حيّز الشيعة ما هو، لأنَّ آل نوبخت معروفون بولاية علي وولده عليهم السلام. (ابن النديم / 225 ـ 226).
وقال فيه المعتزلة ما قالوا في خاله أبي سهل.
11 ـ محمد بن بشر، أبو الحسين السُّوسَنْجردي الحمدوني من تلاميذ ابي سهل النوبختي.

(الصفحة 233)


12 ـ الحسن بن علي، أبو محمد بن أبي عقيل العُماني الحذّاء، البغدادي.
فقيه متكلّم، كان المفيد يكثر الثناء عليه.
13 ـ علي بن عبد الله بن وَصيف، أبو الحسن، الحلاء البغدادي الناشىء الأصغر (271 / 884 ـ 366 / 976) المتكلم والشاعر الشهير وكان من تلاميذ أبي سهل.
14 ـ المظفر بن محمد بن أحمد، أبو الجيش البلخي، البغدادي (** ـ 367 / 977 ـ 978) من كبار المتكلمين وحملة الحديث. ومن تلاميذ أبي سهل النوبختي قال فيه أبو حيان التوحيدي: «شيخ الشيعة وكان متكلم الشيعة» (أخلاق الوزيرين / 203، 206 ـ 207).
وهو ثاني من قرأ عليهما المفيد الكلام. (الطوسي، الفهرست / 198، النجاشي / 422).
5 ـ وهؤلاء الذين ذكرناهم والذين اختصرنا فيهم الذين تجاوزوا الخمسين من متكلمي ذلك الممتد من هشام إلى عصر المفيد، هؤلاء كلهم لم يأخذوا الكلام إلاّ عن مصدر إماميّ، ولم يذكر لهم شيخ غير اماميّ، وإنّ ابناء نوبخت مع شموخهم العلمي لم يسمّ لهم استاذ معين عندما ترجم لهم ممّا يدلّ دلالة قاطعة على ان نشأتهم العلمية كانت ضمن الدائرة الشيعية وعلى أيدي شيوخ إماميّين قد أغنوهم عن الرجوع إلى غيرهم.
نعم إنّ الفاعلية الكاملة تجاه المخالفين، والقدرة على التأثير القوي والمثمر يستدعيان الاتصال الفكري بأعلام متكلمي غير الإمامية وكانوا هم المعتزلة ولم يكن متيسّراً هذا لهم ـ خاصة يومذاك ـ إلاّ عن طريق الحضور عند شيخ غير إمامي، ولا سيّما في مقتبل العمر، وعندما لم تتهيأ بعد لهم المكانة العلمية والشخصيّة البارزة التي تجعل من مجالسهم ندوات علم وملتقى فكر ـ كما حصل لابناء نوبخت ـ وكما حصل للمفيد والمرتضى فيما بعد.

(الصفحة 234)


والحال هي نفسها بالنسبة إلى الحديث أو الفقه غير الإمامي، وهذا هو الذي اضطر الشيخ المفيد إلى الحضور عند متكلمين غير إماميّين كما اضطره هو وغيره من أعلام الطائفة إلى تحمل الحديث أو تعلّم الفقه عند محدثين أو فقهاء غير إماميّين.
6 ـ نعم كان هناك روافد من الفكر الاعتزالي تلتقي بالكلام الإمامي عن طريق متكلمين معتزلة. تحوّلوا إلى القول بالإمامة. ولم أعثر إلاّ على مثالَيْن:
1 ـ محمد بن عبد الله، أبو عبد الله بن مُمْلَك الاصبهاني متكلم جليل القدر، كان معتزلياً ثم قال بالإمامة وله مجالس وردود على أبي علي الجبائي في الإمامة وتثبيتها.
2 ـ محمد بن عبد الرحمن، أبو جعفر بن قِبَة الرازي (** ـ ح 315 / 927).
متكلّم، عظيم القدر، قويّ في الكلام، كان قوياً في المعتزلة وتبصّر وانتقل.
وإنّما قلت: ( روافد اعتزالية) مسايرة مع من يرى أنّ أمثال هؤلاء إنْ تَخلَّوْا عن رأيهم حول الإمامة، فإنّهم لم يتَخلَّوا عن بقية ارائهم، وأرى أنّ الانتقال إلى القول بالإمامة يلزمه التمسك الاعتقادي الفكري في شتى شؤون المعتقد، والانتقال في أمر الإمامة ينتهي إلى التأثر التامّ في سائر المناحي الفكرية.
يضاف إلى هذا أننا إن سلمنا بانّهم احتفظوا لأنفسهم ببقية أجزاء عقيدتهم بعدما تخلّو عن الجزء الراجع إلى الإمامة، فإنّهم لم يكونوا من الشدّة والقوة والعدد ما يمكنهم من التأثير البيّن ـ أو المصيري كما يُعبِّرون ـ ولا يُخيَّل إلى أحد إنّي أنكر آثار الاحتكاك الفكري، بل إنّ الاحتكاك ينمّي التفكير، ويصحح طرق الاستدلال ويقصر السُّبُلَ ويُسَهّلُها، وهذا ما حدث ـ في رأيي ـ لكلا الفريقين: الإماميّة، والمعتزلة على سواء فبعد أنْ تعرّف كلّ منهما على الآخر، أمكنه ـ عن طريق هذه المعرفة ـ الوصول إلى النتائج التي ذكرتها، بل وإلى

(الصفحة 235)


تصحيح الاخطاء في كيفية الاستدلال، بل وفي تصوير المعتقد إلى حدّ ما، ولكن هذا شيء لا يختصر بأحد الفريقين دون الآخر كي يصح أن يقال: ان الإماميّة تأثروا، وغيرهم بقي كالصخرة الصّماء الصامدة لا يهزّها شيء!
7 ـ ولا بدّ لنا من وقفة أمام هذا الانقسام الذي نجده في الفكر الاعتزالي. فالمعتزلة قد انقسموا إلى مدرستين: المدرسة البغدادية والمدرسة البصرية، وأقربهما إلى الإمامية هي البغدادية، وأبعدهما البصرية، فلماذا حصل هكذا ؟ ما هي العوامل التي جعلت المدرسة البغدادية تلتقي مع الكلام الإماميّ في كثير من النقاط، بل وحتّى في النظرة المذهبية إلى إمام الأئمة وسيد العترة أمير المؤمنين عليه السلام؟ فالمعروف عن معتزلة بغداد أنّهم مفضّلة يرونه عليه السلام أفضل الخلق بعد أخيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا يستثنون أحداً ممّن تقدّم عليه أو تأخر، ولا مجال للتوسع واستقصاء المصادر، وفيما سيأتي من الكلام عن المفيد واستاذيه المعتزليين مثال لما قلت. وعلى العكس من هذا معتزلة البصرة، فبعد أنْ نجد في تأريخ رائدي الاعتزال: واصل ابن عطاء وعمرو بن عبيد ما فيه غمط لحقه وإنكار لفضله عليه السلام، بل والنّصب والبغض ـ وإن كان خفيفاً ـ، وأصبح هذا خلقاً لرجال المدرسة البصرية كالأصمّ وغيره.
وهذا جانب من الافتراق ن وإما في الجوانب الاُخر، فإنّ كثيراً من الأمثلة قد اشرت إليها عندما تكلّمت عن موقف الشيخ المفيد من المعتزلة، وإنه عندما يستعرض نقاط الخلاف بين المدرستين نجده يذكر أنّ معتزلة بغداد يوافقون الإماميّة، وإن معتزلة البصرة يناهضون.
وقد ساق مكدرموت أمثلة كثيرة لذلك قارن فيهابين أراء المفيد واراء القاضي عبد الجبار، وذكر أنّ المفيد يميل إلى معتزلة بغداد، وإنّ القاضي يميل إلى البصريين. (راجع مكدرموت، النصّ الانجليزي / 79 ـ 307).
وسيأتي الكلام في هذا وأنّ القاضي إنّما تبع في ذلك ما تلقاه من استاذه

(الصفحة 236)


أبي عبد الله البصري الذي كان يمثل معتزلة البصرة.
بل أنّ المفيد قد ألف: (الرسالة المقنعة في وفاق البغداديين من المعتزلة لما روى عن الأئمة، عليهم السلام) (راجع كتب المفيد = 20)، وفي هذا كفاية لما اُريد أن أقول.
وقد ذكر مكدرموت مثالاّ لهذا، وانّ معتزلة بغداد وافقوا فيها رأي جمهور آل البيت عليهم السلام (مكدرموت، النصّ الانجليزي / 80 ـ 81)، وانظر في الموضوع نفسه أوائل المقالات ـ ط المؤتمر / 61).
وليست بغداد بأرضها شيعية والبصرة سنيّة، فإنّ بغداد كانت يومذاك موئل السّنّة ومركز علمهم وحديثهم وفقههم، ولم تكن البصرة يومذاك في مستواها، وهذا واضح لمن درس (تاريخ بغداد) للخطيب وغيره من تواريخها.
إنّما الفارق بين البلدين تواجد الإمامية في بغداد وعدم تواجدهم في البصرة.
وكلّ الشواهد والأدلّة تسوقنا إلى أنّ معتزلة بغداد من بشر بن المعتمر فمَنْ بعد إنّما افترقوا عن إخوانهم البصريين لاتصالهم بمتكلمي الإمامية الذين كانوا يتواجدون في بغداد دون البصرة، وقد مرّ عندما ترجمنا بعض الشيء لهشام بن الحكم والندوة البرمكية التي كان يتزعمها، ومن حضّارها بشر بن المعتمر وغيره من شيوخ المعتزلة، وليس تأثر النظام بالإمامية أقوى من غيره، ولا مجال هنا للاستمرار في وإعطاء الأمثلة وذكر المصادر.
وكلّ هذا يؤكد لنا أنّ هذا الافتراق إنما حَصَلَ من جهة احتكاك المعتزلة في بغداد بالإمامية فتأثروا بهم دون معتزلة البصرة الّذين انطووا على أنفسهم ـ ولو من جهة عدم تواجد الإمامية هناك ـ فعاشوا كما نشأوا، ولم يتغيروا عما كانوا عليه.
8 ـ والآن يحق لي أنّ اُلخّص جميع ما قدمت في النقاط التالية:
أ ـ أنّ الكلام الإماميّ منذ أن نشأ كان له وجوده الخاصّ وكيانه الخاصّ

(الصفحة 237)


وخصائصه المميزة له عن غيره، لم يستعط غيره، ولم ينعم عليه غيره بارائه وأفكاره، كان له وجود مستمر على الساحة العقائدية، نشط فعال له في كلّ عصر أعلامه ورجاله إلى عصر الشيخ المفيد الّذي سيأتي أنّه أخذ الكلام الإمامي من أساتذة إماميّين، وإنّه إن رجع إلى غيرهم، لم يرجع لحاجة داخلية ترجع إلى المجتمع الشيعي الإماميّ، وإنّما رجع لحاجته إلى مَنْ يصوّر له المدرسة البغدادية ويدافع عنها أمام مدرسة البصرة.
ب ـ إنّ المعتزلة هم الذين تأثروا بالإمامية، دون العكس، فالمعتزلة في بدء نشأتهم تأثروا بهم في النقاط التي يتّفق عليها المعتزلة ـ ومن الطبيعي أن يكون ضمن الحدود المعقولة لهم ككيان سُنّي مستقل لا يقول بالإمامة الإلهية ولا بلوازمها ـ، وعندما افترقوا إلى مدرستين، فالعامل الّذي أوجب انفصال البغداديين من إخوانهم البصريين، لم يكن سوى إنّ هؤلاء احتكّوا بمتكلمي الإمامية فكرياً فتأثروا بهم، دون أُولئك.
وهذا هو التعليل المعقول الّذي يتّفق مع كل الاعتبارات التاريخية والمذهبية، وليس اعتباطياً ومجازفة في القول، أو تخرّصاً بالغيب!
ج ـ ومن الخطأ في التعليل والاعتباط في الرأي أن نجعل موافقة الإمامية للمعتزلة دليلاً على تأثرهم بهم، وهكذا حضور إمامي عند معتزلي شاهداً على استجداء العقيدة واستماحة الفكرة.
لا يصحّ هذا لا في المفيد، ولا فيمن سبقه من متكلمي الإماميّة ولا فيمن تأخر عنه.
د ـ أن الذي نجده عند غير الإمامية من انقسامهم إلى مدرستين: مدرسة أصحاب الحديث، ومدرسة المتكلمين، وأنّ الّذي يتجه إلى الحديث كلّما توغّل فيه أكثر فأكثر والتزم بمضمونه ابتعد عن الكلام ومسائله، وعلى العكس كلمّا توغّل في الكلام ابتعد من الحديث والالتزام به.
إنّ هذا الانقسام لا نجده عند الإمامية، فالمحدّثون لا يفترقون في اُصول

(الصفحة 238)


العقيدة وفيما يجب الإيمان به عن إخوانهم المتكلمين. والافتراق إنّما يرجع إلى كيفية الاستدلال وبرمجة الفكرة، وعرضها في قالب فكري.
هـ ـ أنّ الاتهام الّذي يُوجهه أصحاب مدرسة الحديث غير الإماميّة إلى إخوانهم المتكلمين، بجهلهم بالحديث، وزهدهم في سماعة وتحمّله، وترفّعهم عن الالتزام بمضمونه ـ ولا اُريد أن أقرّهم أنّهم على حق، فإنّ للمتكلمين عذرهم المعقول والمقبول في رفض الحديث غير الإمامي أو عدم الالتزام العقائدي بمضمونه، وقد قدّمت أمثلة لذلك.
أقول: إنّ مثل هذا الاتهام لا أثر له عند الإماميّة. فإنّ كبار متكلمي الإمامية ـ ومنهم الشيخ المفيد ـ كانوا رواة للحديث بما له من سعة وشمول، ورعاة لمضامينه ومداليله، بنفس المستوى الّذي نجده عند من لم يُعْنَ إلاّ بالحديث وحده.
3 ـ الشيخ المفيد وموقعه من الكلام الإِماميّ:
والآن وبعد أن انتهيت إلى (بيت القصيد) أجد نفسي قد استنزفت كلّ ما كنت أملك من وقت واستعداد وتهيُّؤ، فأكتفي هنا بالترجمة التي كنت قد أعددتها ضمن تراجم متكلمي الإماميّة كما أشرت إليه في مفتتح هذا المقال، وأتوسع بعض التوسّع فيما ذكرته والّذي يرجع إلى دراسته واساتذته ومدى التأثير الّذي كان لهم عليه والتأثير الذي كان له عليهم. وهو أهم بكثير مما كان لهم عليه.
وإني أعتذر إلى شيخ الاُمة وعالمها ومتكلمها المفيد والسر واضح، فالمفيد علم شامخ لا يسموا إليه إلاّ من يملك ما كان يملكه هو، ومتى أجدني أملك ما يملك؟ كيف لي أن أتناول أراءه الكلامية وقد وهبه الله تعالى ما لا يمنحه إلاّ للأفذاذ من عباده المخلصين!.
وحتى تفاصيل الآراء التي تعرّض لها مكدرموت في كتابه (اراء الشيخ المفيد الكلامية)، إن كان هناك نقاط اختلاف في الرأي مع المؤلف فإنّي أتركها إلى فرصة اُخرى لعلّ الله سبحانه يوفقني إلى أنْ أكتبها، وبالله التوفيق

(الصفحة 239)


والتسديد.
26 ـ الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن النّعْمَان، الشيخ أبو عبد الله المفيد ابن المُعَلِّم العُكْبَرِي البغدادي (336 / 948 ـ أو: 338 / 950، 413/ 1022).
أ ـ التعريف به
قال فيه تلميذه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي ]الآتية ترجمته = 130 [: «انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدَّماً في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدِّماً فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب....» (1).
وقال تلميذه الآخر أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي (372 / 982 ـ 450 / 1058): «فضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية، والثقة، والعلم...» (2).
وقال العلاّمة الحلّي ـ من أشهر أعلام الإمامية وعلمائهم ـ (648 / 1250 ـ 726 / 1325): «من أجلّ مشايخ الشيعة ورئيسُهم وأُستاذُهم، وكلّ من تأخّر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رئاسة الإمامية إليه في وقته، وكان حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب...» (3).
وقد أقرّ بهذا عامّة المترجمين له من الإمامية.
وترجم له من لم يكن على مذهبه ورأيه، فقالوا: «شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام، والفقه، والجَدَل» (4) «شيخ الإمامية،
------------------------------------------
(1) الفهرست / 186، مجمع الرجال، 6 / 33.
(2) الفهرست / 311، مجمع الرجال، 6 / 34.
(3) خلاصة الاقوال / 147.
(4) الذهبي، العبر، 3 / 114.

(الصفحة 240)


والمُصنَّف لهم، والمُحَامي عن حوزتهم» (1). «فقيه الإمامية» (2) «كان أوحد عَصْره في فنونه» (3).
وقال فيه (ابن) النديم، عندما عَدَّ متكلِّمي الإِمامية: «في عصرنا انتهت رئاسة متكلّمي الشيعة إليه، مقدَّم في صناعة الكلام على مذاهب أصحابه، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهَدْتُه فرأَيْتُه بارعاً» (4).
وقال عندما عَدَّ فقهاءهم: «إليه انتهت رئاسة أصحابه من الشيعة الإِمامية في الفقه، والكلام، والآثار» (5).
«وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصَّوْم، حسن اللباس» (6).
«وكان كثير التَقَشُّف والتَخشُّع والإِكباب على العلم، تخرّج به جماعة، وبرع في المقالة الإِمامية حتى كان يقال على كلّ إماميّ منه مِنّةٌ» (7).
«ما كان ينام من الليل إلاّ هَجْعَة، ثم يقوم يصلّي، أو يطالع، أو يُدَرِّس، أو يتلو القرآن» (8).
«البارع في الكلام، والجَدل، والفقه، وكان يناظر أهل كلِّ عقيدة، مع
-------------------------------------
(1) ابن الجوزي، المنتظم 8 / 12، ابن كثير 12 / 5، ابن تَغْرِي بِرْدِي، النجوم الزاهرة، 4 / 258، ابن حجر، لسان الميزان، 1 / 424، (فقيه الإمامية).
(2) ابن الاثير، 9 / 329، ابو الفداء، 2 / 154، ابن الوَرْدي، 1 / 507.
(3) الصَّفدي، الوافي بالوفيات، 1 / 116.
(4) الفهرست / 226.
(5) المصدر / 247.
(6) اليافعي، مرآة الجنان، 3 / 28، الذهبي، مختصر دول الإِسلام، 1 / 246، العبر، 3 / 114، ابن عبد الحي، شذرات الذهب، 3 / 200.
(7) ابن حجر، لسان الميزان، 5 / 368.
(8) ابن حجر، لسان الميزان، 5 / 368.

(الصفحة 241)


الجلالة والعظمة في الدولة البويهية»(1).
«كان حسن اللسان والجدل، صبوراً على الخَصْم، كثير الحيلة، ظنين السّرِّ، جميل العلانية» (2).
«كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف، لِمَيْل كثير من أهل ذلك الزمان إلى التشيّع، وكان له مجلس نظر بداره بدَرب رِياح ]من محلاّت غربي بغداد[ (3)يحضره كافّة (خلق كثير من) العلماء من سائر الطوائف» (4).
«وكان ذا عظمة وجلالة في دولة عضد الدولة» (5).
«وله صولة عظيمة بسبب عضد الدولة» (6).
«وكان عضد الدولة يزوره في داره ويعوده إذا مرض» (7).
«ولمّا مات شيّعه ثمانون ألف رافضي ـ وأضاف الذهبي ـ: لا بارك الله فيهم ـ وأضاف هو واليافعي وابن عبد الحيّ ـ: وأراح الله منه» (8).
«وكانت جنازته مشهودة» (9).
-----------------------------------
(1) الذهبي، العبر، 3 / 114، اليافعي، مرآة الجنان، 3 / 28، ابن عبد الحي، شذرات الذهب، 3 / 199 ـ 200.
(2) ابو حيان التوحيدي ـ المعاصر له ـ، الإمتاع والمؤانسة، 1 / 141.
(3) بَدرب رَياح ]من محلات غربي بغداد[.
(4) ابن الجوزي، المنتظم، 8 / 12، ابن كثير، 12 / 15، ابن تَغْرِي بِرْدى، النجوم الزاهرة، 4 / 258.
(5) الذهبي، ميزان الاعتدال، 4 / 26، مختصر دول الاسلام، 1 / 246، العبر، 3 / 114.
(6) الذهبي، ميزان الاعتدال، 4 / 30، ابن حجر، لسان الميزان، 5 / 368.
(7) الذهبي، مختصر دول الإِسلام، 1 / 246، العبر، 3 114/، اليافعي، مرآة الجنان، 3 / 28، ابن عبد الحي، شذرات الذهب، 3 / 200.
(8) الذهبي، ميزان الاعتدال، 4 / 30، مختصر دول الإِسلام، 1 / 246، العبر، 3 / 115، ابن حجر، لسان الميزان، 5 / 368، اليافعي، مرآة الجنان، 3 / 28، ابن عبد الحي، شذرات الذهب، 3 / 200.
(9) الذهبي، العبر، 3 / 115، اليافعي، مرآة الجنان، 3 / 28، ابن عبد الحي، شذرات الذهب، 3 / 200.

(الصفحة 242)


«وقال عند مشهد جنازته ودفنه شيخ الطائفة الطوسي: «وكان يوم وفاته يوماً لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه، وكثرة البكاء من المخالف والموافق» (1).
وقال النجاشي: «وصلّى عليه الشريف المرتضى (...) بميدان الأشْنَان(2) وضاق على الناس مع كبره» (3).
ويكفي في بيان موقف خصومه منه، ما قاله أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت، الخطيب البغدادي الأشعري الشافعي (392 / 1002 ـ 463 / 1072) عنه: «شيخ الرافضة والمتكلم على مذاهبهم، صنّف كتباً كثيرة في ضلالاتهم، والذبّ عن اعتقاداتهم ومقالاتهم، والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين ]المنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام، والموالين لخصومهم أبناء أُميّة [وعامة الفقهاء والمجتهدين، ].....؟[ وكان أحد أئمة الضّلال، هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه» (4).
وما صنعه معاصره عبيد الله بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم الحفّاف، المعروف بابن النقيب: (305 / 917 ـ 918 ـ 415 / 1024)، كما قال الخطيب وغيره: «وكان شديداً في السُّنَّة، وبلغني أنه جلس للتهنئة لمّا مات ابن المُعَلِّم شيخ الرافضة، وقال: ما أبالي أيّ وقت مت، بعد أنْ شاهَدْتُ مَوْت ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفهرست / 187.
(2) من اكبر ميادين بغداد يومذاك وكان الميدان الرئيسي بكرخ بغداد (بغداد قديماً وحديثاً / 228) ثم نقل الى الكاظمية فدفن بمقابر قريش، بالقرب من رجلي الامام الجواد، عليه السلام، الى جانب استاذه ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (ح 282 / 898 ـ 368 / 979) وقبره الان معروف في وسط الرواق الشرقي من المشهد الكاظمي الشريف.
(3) الفهرست / 187.
(4) تاريخ بغداد، 3 / 231، وتجد صدى كلمة الخطيب هذه عند كل من الذهبي، ميزان الاعتدال، 4 / 26، 30، ابن حجر، لسان الميزان، 5 / 368، الصفدي، الوافي بالوفيات، 1 / 116، ابن تَغْرِى بِرْدى، النجوم الزاهرة، 4 / 258.

(الصفحة 243)


المُعلِّم»(1).
وعلّق: «قلتُ: ومما يدّل على دينه وحسن اعتقاده بُغْضُه للشيعة عليهم الخِزي، ولم لو يكن من حسناته إلاّ بذلك لكفاه عند الله» (2).
ويكفي في بيان شأن الشيخ المفيد ومنزلته في عَصْره أنهم حينما يَعُدّون الرؤوس للفرق والجماعات في عصر الخليفة القادر العباسي ـ أحد من امتدّ بهم عمر خلافتهم ـ (336 / 947 ـ الخلافة 381 / 991 ـ 422 / 1031) وانه كان على رأس الدّولة في عصره، يعدون الشيخ المفيد رأس الإمامية، والشيخ أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الأسفراييني الأشعري الشافعي (ـ 418 / 1027) رأس الأشعرية، والقاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي (320 / 932 ـ 415 / 1025) رأس المعتزلة، وأبو عبد الله محمد بن الهَيْصم الناوي النيسابوري (409 / 1019) رأس الكرّاميّة (3).
ب ـ أساتذته في الكلام خاصة.
أحصى مشايخ المفيد واساتذته ومَنْ قرأ عليهم أو روى عنهم فبلغوا (خمسين) في (مستدرك الوسائل 3 / 520 ـ 521) و(تسعاً وخمسين) في (مقدمة البحار 1 / 74 ـ 77) و( واحداً وستين) في (مقدمة التهذيب 1 / 11 ـ14)، إلاّ أن من قرأ عليهم علم الكلام هم:
1 ـ أبو ياسر طاهر المتكلّم الإِمامي غلام (تلميذ) أبي الجيش الخراساني قالوا: «وعليه كان ابتداء قراءة شيخنا أبي عبد الله، قرأ عليه في منزله
--------------------------------------------
(1) الخطيب، تاريخ بغداد، 10 / 282 ،ابن الجوزي، المنتظم، 8 / 18، ابن كثير، 12 / 18، ابن كثير، 12 / 18، ابن تَغْرِى بِرْدى، النجوم الزاهرة، 4 / 261.
(2)
(3) الصفدي، الوافي بالوفيات، 5 / 171، ابن عبد الحي، شذرات الذهب، 3 / 222، العصامي، سَمْط النجوم العوالي، 3 / 366 ـ 367، السيوطي، تاريخ الخلفاء / 416.

(الصفحة 244)


بباب خراسان (1)» (2).
يذكر ابن ادريس وورّام:
إنّ المفيد بعدما انحدر من عكبرا إلى بغداد (اشتغل بالقراءة على الشيخ أبي عبد الله المعروف بالجُعل ]وسيأتي أنّ هذا لا يصح في رأينا[ ثم قرأ من بعده على ياسر غلام أبي الجيش ]في الطبعة الحجرية للسرائر: أبي الحسن وهكذا جاء في معجم رجال الحديث، عنه وفي ط قم: أبي الحيش ـ بالمهملة وكلاهما تصحيف، ومن هنا استنبطنا أنّ أباياسر هذا هو طاهر غلام أبي الجيش الذي ترجم له النجاشي وغيره، وذكروا أنّه كان عليه ابتداء قراءة الشيخ المفيد[ بباب خراسان...» (3).
ويذكر مكدرموت أنّ المفيد أخذ أيضاً عن الناشىء الأصغر (4) وهو: علي بن عبد الله بن وَصِيف، أبو الحسن الحَلاّء البغدادي، الناشىء الأصغر (271 / 884 ـ 365 / 975 أو 366 / 796) الشاعر الأديب المتكلم، تلميذ أبي سهل النوبختي ،وبهذا أوجد مكدرموت للمفيد طريقاً علميّاً ثانياً إلى أبي سهل النوبختي وكلامه. ولكني لست على ثقة من صحة هذا الاستنباط، لأنّ النجاشي لا يعدو في ترجمة الناشىء أن يقول: «ذكر شيخنا أبو عبد الله، رضي الله عنه: أنّ له كتاباً في الإِمامة» (5). وشيخ الطائفة
---------------------------------
(1) كان في الأصل الباب الشرقي لمدينة المنصور المُدوّرة ثم اصبح من محلاّت الجانب الغربي في بغداد ـ معجم البلدان، 1 / 459، تاريخ بغداد، 1 / 72، 74، الروض المعطار / 111، 529.
(2) راجع بالاضافة إلى ما تقدم من المصادر في = 93 ما يأتي من المصادر في استاذيه الثالث والرابع.
(3) السرائر ـ ط الحجر ـ / 493 ـ ط مؤسسة النشر الاسلامي ـ قم، 3 / 648، مجموعة ورام، 2 / 302، والمصادر الاتية ـ.
(4) مكدرموت، النص الانجليزي، / 12.
(5) النجاشي / 271 = 709.

(الصفحة 245)


وإن قال في ترجمته: «وله كتب (...) أخبرنا عنه الشيخ أبو عبد الله المفيد رحمه الله»(1). إلاّ أنّ هذا النصّ لا يفيد سوى الرواية عن الناشىء لا أخذ العلم عنه.
يضاف إلى ذلك أنّه لم ينصّ أحد من المترجمين للمفيد أنّه تلقى العلم عن متكلم إماميّ سوى أبي ياسر، وأبي الجيش.
2 ـ المظفر بن محمد بن أحمد، أبو الجَيْش البلخي الخراساني ثم البغدادي المتكلّم الإمامي (** ـ 367 / 977 ـ 978) ]= 92 [ تلميذ أبي سهل النوبختي ]= 49 / 1 [ واستاذ أبي ياسر.
والشيخ المفيد كثيراً ما يروي عن طريقه الحديث، فهو قد تحمّل منه الحديث أيضاً (2).
3 ـ الحسين بن علي بن إبراهيم، أبو عبد الله البَصْري ثم البغدادي، المعتزلي الحنفي المعروف بـ «جُعَل» (293 / 906 ـ 369 / 980)، من أعلام المعتزلة وكان مقدَّماً في علمي الكلام والفقه.
ذكروا: أنه انحدر الشيخ المفيد، وهو صبيّ، مع أبيه من مسقط رأسه عُكْبَرا(3).
انحدر إلى بغداد، واشتغل بالقراءة على أبي عبدالله البصري في منزله
-----------------------------------------
(1) الفهرست / 115 ـ 116.
(2) المفيد، الأمالي / 18، 19، 175، 190، 202، 215، 218، الارشاد / 39، 40 ـ 41، الطوسي، المالي /1 / 62، 76، 93، 97، 120، 125، 132، 166، 234، 239، 243ـ 244، 250، 251.
(3) بُلَيْدة كانت على شاطىء دجلة من نواحي دُجَيْل ـ ولا تزال دُجَيْل قائمة بالعراق تحمل اسمها هذا ـ بينها وبين بغداد عشرة فراسخ، معجم البلدان، 4 / 142، الانساب، 9 / 345، مراصد الاطلاع، 2 / 953 بلدان الخلافة... / 50 ـ 51.

(الصفحة 246)


بدَرْب رِباح(1).
وأرى أنَّ قولهم هذا لا يَدُلّ على أنّ تتلمذ الشيخ المفيد على أبي عبد الله البصري كان سابقاً على تتلمذه على أبي ياسر، بل يعنون أنه كان سابقاً على تتلمذه على استاذه الرمّاني الآتي ذكره، إذ من البعيد جداً أن يبدأ المفيد الإِمامي الذي يرعاه أب إمامي بقراءة علم الكلام على متكلم غير إمامي، لكن جاء في هذه الرواية قولها: «اشتغل بالقراءة على الشيخ أبي عبد الله المعروف بالجُعَل ]؟ [ثم على أبي ياسر، وكأن أبو ياسر ربما عجز عن البحث معه والخروج عن عهدته فأشار عليه بالمضي إلى علي بن عيسى الرُّمَّاني الذي هو من أعاظم علماء الكلام...» وهذا خطأ من الراوي يصحّحه نص علماء الرجال على أن الشيخ المفيد قرأ أوّل ما قرأ، على أبي ياسر.
4 ـ علي بن عيسى بن عليّ بن عبد الله، أبو الحسن الرُّمَّاني البغدادي المعتزلي (296 / 908 / 909 ـ 384 / 994) المتكلّم، والمفسِّر، والأديب، والعارف بعلوم اللغة والنحو.
أرشده إلى قراءة علم الكلام على الرُّمّاني استاذه أبو ياسر، وهو كان بعد يقرأ على أبي عبد الله البصري، فقرأ عليه، وهو الذّي لقّبه بالمفيد اثْر مناقشة وقعت بين الأستاذ والتلميذ (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من دروب الكرخ بغربي بغداد ـ الانساب، 6 / 209، السرائر / 493 ط الحجر = ط جامعة المدرسين، 3 / 648 مجموعة ورَّام، 2 / 302، روضات الجنات، 6 / 159، 160، رجال بحر العلوم، 3 / 314، 315، تنقيح المقال، 3 ـ 1 / 180، 181، سفينة البحار، 2 / 390، معجم رجال الحديث، 17 / 232، مستدرك الوسائل 3 / 519، لُؤلُؤة البحرين / 359.
(2) السرائر / 493 ـ 494 = 3 / 648 ـ 649، مجموعة ورام، 2 / 302 ـ 303، روضات الجنّات، 6 / 160 ـ 161، رجال بحر العلوم، 3 / 314 ـ 315، سفينة البحار، 2 / 390، تنقيح المقال، 3 ـ 1 / 180، معجم رجال الحديث، 17 / 232 ـ 233، مستدرك الوسائل، 3 / 519 ـ 520، لؤلؤة البحرين / 359 ـ 361.

(الصفحة 247)


وقال ابن حجر في ترجمة أبي سهل النَّوْبَخْتي (237 / 851 ـ 311 / 923) ]= 49 / 1 [: «أخذ عنه أبو عبد الله بن النعمان المعروف بالمفيد شيخ الشيعة في زمانه» (1) وهذا خطأ بلا شكّ، إذ ان المفيد الذي ولد 336 / 948 أو 338 / 950 لم يدرك حياة أبي سهل، وإنما هو استاذ لاستاذ المفيد،وهو أبو الجيش الخراساني الذي أخذ عن أبي سهل، وأخذ عنه المفيد.
وقال ابن شهر آشوب: «وقرأ على جعفر بن قولويه، وعلى أبي القاسم علي بن محمد الرّفّاء، وعلى أبي الجيش البلخي (2)، ولم يرد ثاني من ذكرهم ابن شهر آشوب عند غيره ولم يعثر على ذكر له فيمن يروي عنهم شيخنا المفيد. وأرى: إنّه (الرُّمَّاني، أبو الحسن عليّ بن عيسى) وأمّا الرُّفّاء فلم يرد لقباً لمن اسمه واسم أبيه علي بن محمد، وكنيته أبو القاسم (3).
وأبو القاسم كنية لابن قولويه شيخ المفيد في الفقه والحديث وهو أولّ من ذكرهم ابن شهر آشوب وقد تقدّم ذكره عندما ذكرنا إنّه دفن إلى جانب استاذه في الحرم الكاظمي الشريف على مُشَرِّفَيْه سلام الله وتحيّاته. وهو: أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولوَيْه القمي (ح 282 / 898 ـ 368 / 979) وصحيح الكلام: «وقرأ على أبي القاسم جعفر بن قولويه، وعلى علي بن عيسى الرّماني، وعلى أبي الجيش البلخي).
27 ـ أثر التلمذة
ولا بدّ لنا من وقفة عند الشيخين المعتزليين للشيخ المفيد وتتلمذه عليهما، فأوّلهما هو: أبو عبد الله البصري، ثمّ البغدادي الحنفي، الجعل الكاغدي. أخذ أوّلاً عن أبي علي بن خلاّد، من مقدمي أصحاب أبي هاشم
--------------------------------------
(1) لسان الميزان، 1 / 424.
(2) معالم العلماء / 101، ط النجف الأشرف / 113.
(3) راجع: الانساب، 6 / 144 ـ 147.

(الصفحة 248)


الجبائي ]عبد السلام بن محمد، أبو هاشم بن أبي علي الجُبَّائي البصري، ثمّ البغدادي ( 277 / 890 ـ 321 / 933)[ ثم عن أبي هاشم نفسه، ولازمه إلى أنّ تخرّج عليه (1).
وكان القاضي عبد الجبار بن أحمد الهَمذاني، المتكلم المعتزلي الشهير، والفقيه الشافعي (320 / 932 أو 325 / 936 ـ 415 / 1025) أحد من أخذ عنه، فإنّه قرأ على أبي إسحاق بن عياش في البصرة أولاً، ثم رحل إلى بغداد وأقام عند الشيخ أبي عبد الله البصري مدّة مديدة(2).
وعلى هذا فقد شارك المفيد في شيخه أو لا أدري هل زامله في محضر استاذه؟! ومن المحتمل قوياً أنّهما تلاقيا في مجلس أبي عبد الله، وإنّ لم أجد ما يدلّ على ذلك، ولعلّ في الاعتبارات القائمة على ملاحظة سنيّ ولادتهما وكيفية دراستهما ما يؤكد لنا أنّ هجرة القاضي إلى بغداد كانت في أيّام حضور الشيخ المفيد على أبي عبد الله البصري.
ولهذا يمكننا أن نحتمل أنّ المفيد والقاضي قد تعرّف كلّ منهما على الآخر، في مجلس شيخهما البصري تحكيماً للزمالة الدراسية.
ولعلّ هذا يكون المبرّر لما ضعفه مكدرموت من قياس اراء المفيد بأراء القاضي عبد الجبار خاصة دون غيره (3).
------------------------------------------
(1) (ابن) النديم (المعتزلة) / 222، (اصحاب ابي حنيفة) / 261، فضل الاعتزال / 325 ـ 328، المنية والأمل / 189 ـ 190، وراجع للتْوَسّع: تاريخ بغداد، 8 / 73 ـ 74، المنتظم، 7 / 101، الوافي بالوفيات، 13 / 17، لسان الميزان، 2 / 303، تاريخ الاسلام (351 ـ 380) / 155 ـ 156، طبقات المفسرين، 1 / 155 ـ 156، سزكين (فقهاء الحنفية) ط مصر ـ 2 / 94 ـ 95.
(2) فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، / 365، 366، المنية والامل / 190 ـ 191، 194، والقاضي قد رحل عن بغداد حدود 366 / 976 (راجع ترجمته المنشورة في مفتتح فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة).
(3) راجع: القسم الأول من النص الانجليزي.

(الصفحة 249)


وأبو عبد الله البصري في ارائه كان امتداداً للاتجاه الاعتزالي البصري، وبهذا يختلف عن المدرسة البغدادية، وسيأتي الكلام عن هذا فيما بعد. ولكنّه لم يكن يحمل العواطف الخاصة بمعتزلة البصرة، تجاه أمير المؤمنين وآله عليهم السلام. قال ابن المرتضى الزندي عنه، «وكان يميل إلى علي عليه السلام ميلاً عظيماً، وصنّف كتاب التفضيل وأحسن في غاية الإِحسان»(1).
وجاء عند الزيدية: وروى السيّد أبو طالب ]الهاروني الزيدي[عن أبي العباس العماري الطبري، قال:
كان أبو عبد الله البصري عند أبي عبد الله بن الداعي رضي الله عنه ]أبو عبد الله محمد بن (الداعي إلى الله) الحسن بن القاسم بن الحسن، الحسني الزيدي ( 304 / 916 ـ 360 / 971) [ ليلة، وكان يجري كلام في الإِمامة والنصّ على أمير المؤمنين عليه السلام، فقال أبو عبد الله البصري: قول العباس له: «أمدد يدك اُبايعك» يدلّ على أنّه لم يكن منصوصاً عليه، ألا ترى إنّه ذكر في سبب إمامته البيعة دون النّصِّ المُتَقِّدم! فقال أبو عبد الله بن الداعي: قوله: «أمدد يدك اُبايعك» يدلّ على أنّه كان منصوصاً عليه، ألا ترى أنّه ذكر في سبب إمامته البيعة دون النّصِّ المُتَقِّدم! فقال أبو عبد الله بن الداعي: قوله: «أمدد يدك اُبايعك» يدلّ على أنّه كان منصوصاً عليه، ألا ترى أنّه لم يستشر ولم يقل: نختارك، جماعةٌ منا، ونَتَّفقُ عليك، ثم اُبايعك!
وكان أبو عبد الله البصري يقول لأصحابه: لا تتكلّموا في مجلس الشريف أبي عبد الله وبحضرته في مسألتين: في مسألة الإِمامة، وفي مسألة سهم ذوي القربى، فإنّه لا يحتمل ما يسمع منكم في هاتين المسألتين ويوحشه ذلك (2).
وأما الثاني، وهو الرّماني، وكان من أصحاب ابن الإِخشيد (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المنية والأمل / 190.
(2) الحدائق الوردية، 2 / 54، وذكر الاخير ابن المرتضى في المنية والأمل / 190.
(3) ابن النديم / 221، فضل الاعتزال وذكر المعتزلة / 333، معجم الادباء، 5 / 281.

(الصفحة 250)


وابن الاخشيد هو: أحمد بن عليّ بن بَيْغَجُور، أبو بكر بن الإخشاد / الاخشيد، البغدادي، الشافعي (270 / 883 ـ 326 / 938). كان أبوه من أبناء الأتراك، وكان والياً على الثغور ـ كما قال ابن حزم ـ. وكان هو من أفاضل المعتزلة وصلحائهم وزهّادهم، ومنزلة في سوق العطش ببغداد في درب يعرف بدرب الاخشاد.
وكانت له معرفة بالفقه والعربية، وله مصنفات في الكلام والفقه ذكر (ابن) النديم سبعة منها. وكان يعارض الكعبي، وأبا علي الجبّائي وابنه. وعده (ابن) النديم من بدعية المعتزلة. وله أتباع يعرفون بالاخشيدية.
أخذ الكلام عن أبي عبد الله محمد بن عمر الصيمري البصري(1).
وهكذا كان ابن الاخشيد مناهضاً للخطّ الاعتزالي البصري، وورث تلميذه الرماني منه هذا الاتجاه أيضاً، فقال عنه المعتزلة: وكان يتعصَّب على أبي هاشم ]الجُبَّائي[. قال البلخي ]الكعبي[: وحضرته لأعرف طريقته فتجاوز كلَّ حد في التّعصُّب فلم أعد إليه(2).
* * *
وبما قدمنا من الفارق بين الشيخين المعتزليين، وأنّ كلاّ منهما كان يمثل اتجاهاً اعتزالياً خاصاً يختلف مع الآخر في كثير من النقاط، فإنّ المفيد حينما تحوّل من شيخه الأوّل أبي عبد الله البصري البصري الاتجاه إلى شيخه الثاني
----------------------------------------
(1) فضل الاعتزال وذكر المعتزلة / 308 ـ 309، 331 ـ 333، المنية والأمل / 185 ـ 186، 191، (ابن) النديم / 220 ـ 221، تاريخ بغداد، 4 / 309، سير أعلام النبلاء، 15 / 217 ـ 218، تاريخ الاسلام (321 ـ 330) / 186 ـ 187، الوافي بالوفيات، 7 / 216، لسان الميزان، 1 / 213، دائرة المعارف الاسلامية ـ بالانجليزية ـ الطبعة الحديثة، 3 / 807.
(2) المنية والأمل / 193.

(الصفحة 251)


الرماني البغدادي الاتجاه، فإنّه يكون قد اتصّل بتيّار فكريّ اعتزالي جديد. وهناك من الأدلّة الشيء الكثير الذي يُقْنِعُنا بأنّه وجد في الثاني التعليم المقنع والجواب المناسب لما كان يدور في نفسه من الأسئلة العلمية. ولعلّ رواسبه الفكرية كانت تساعده على الاندماج في هذا الاتجاه الجديد وهذا هو الذي يفسّر لنا ما جاء في رواية ابن ادريس والشيخ ورّام من أنّ استاذه السابق علي الرماني (ربّما عجز عن البحث معه والخروج عن عهدته فأشار عليه بالمضيّ إلى علي بن عيسى الرمّاني الذي هو من أعاظم علماء الكلام) (وقد مرّ بمصادره). ونرى في هذا دليلاً مقنعاً على أن يكون الاستاذ السابق هو أبو عبدالله البصري المختلف مع تلميذه في اتجاهه الفكري، والّذي لم يكن ليرضي نهمه العلمي، بل ولا يملك ما يقنع تلميذه بصحة ارائه والثقة بسلامة اتجاهه الاعتزالي القائم على اتباع المدرسة البصرية.
ولعلّ من آثار تتلمذ المفيد على الرمّاني معارضته لمدرسة البصرة ومعاكسته لرجالها وخصائصها خاصة أبرز شيوخها وآخر من يمثل بحقّ مدرستها وهما أبو عليّ الجبّائي وابنه أبو هاشم (1).
ولا بدّ لي من التنبيه على انّي استعملت (التأثر) وأنا عالم بخطأ هذا الاستعمال، وإنّما أردت به موافقة التلميذ لأراء استاذه الجديد دون القديم فحسب.
والسر في هذا انّي قد قدّمت أنّ المفيد تعلّم الكلام الإمامي القائم على خصائص عقيدة الشيعة الإِمامية وتشبع بها فحينما ينكر رأياً اعتزالياً بصرياً
--------------------------------------------
(1) راجع معارضته للاتجاه البصري اوائل المقالات ـ ط المؤتمر ـ / 53، 54، 59، 60 ـ وفيها موردان ـ، 61، 88، 89 ـ وفيها موردان ـ 91، 93، 98، 103، 109، 111، 113 ـ وفيها موردان ـ وانكار المفيد الشديد لأحوال ابي هاشم ـ 52، 56 ولاراء ابيه ابي علي / اوائل المقالات / 61، 85، 96، 125 واراء ابنه ابي هاشم / 86، 105، ورأي الاثنين / 92 ،97، 100، 102 ـ 103، 104، 105 ـ 106، 129، 130.

(الصفحة 252)


لا ينكره لأنّ معتزلة بغداد ومنهم استاذه الرماني قد انكرها وعارضها، وإنّما لأنّ الكلام الإمامي لا يقبل بها، وفيما أشرت من الأمثلة لا نجد ولا مثالاً واحداً انفرد فيه المفيد عن إخوانه الإمامية فتبع المعتزلة وخالفهم وفي هذا وحده الدليل الكافي والمقنع في أنّ الإمامية كان لهم رأي مستقل، وان تعليل موافقة معتزلة بغداد لهم، التعليل الصحيح إنما هو إنهم تأثروا بالإمامية، ولهذا انفصلوا عن إخوانهم البصريين.
وذكر في الثلاثة اشياء التي لا تعقل: أحوال «الهشمية» وإنّ القول بالاحوال يتضمّن من فحش الخطأ والتناقض ما لا يخفى على ذي حجا ـ ثم فصل ذلك(1) ـ .
ومن المُرَجَّح أن يكون الذي أشار عليه بالحضور عند الرماني هو شيخه أبو ياسر لا البصري، ولكنّه لم يكن هو الّذي تحوّل منه إلى الرماني، والصورة التي نراها تعكس الواقع بدقّة هي أن المفيد بعد أن حضر عند متكلّمَيْن إماميَّيْن، حضر عند البصري، فلم يُرْضه فاستشار استَاذَه أبا ياسر فأشار عليه بالحضور عند الرماني، فيكون الذي عَميَ من الجواب البصري، والذي أشار أبو ياسر.
ولا بدّ لنا من وقفة اُخرى عند الرماني ـ وإن طال بنا الوقوف ـ:
إنّ علي بن عيسى، أبا الحسن الرمّاني، البغدادي (296 / 909 ـ 384 / 994) كان من أعلام المعتزلة في عصره مُغَنّنا في علوم كثيرة من الفقه، والقرآن، والنحو، واللغة، والأدب، والمنطق، والكلام، كثير التصنيف في عامّة العلوم التي كان يعرفها. وقد امتد به عمره إلى ما يقرب من تسعين سنة.
وقد عُرف عنه الثبات في الرأي والمذهب والصمود أمام النوازع الفكرية والزعازع المذهبية، وإنّ قصته مع السّريّ الرّفّاء لتعكس هذه الناحية من خلقه
--------------------------------------------
(1) الحكايات ـ ط المؤتمر / 45 ـ 56.

(الصفحة 253)


النفسي والعلمي. والسّري بن أحمد بن السّري الكندي أبو الحسن الرَّفَّاء المّوْصلي، ثم البغدادي (** ـ 362 / 973) شاعر أديب، كان في صباه يرفو ويُطَرِّز في دكان بالمَوْصل، فعُرِف بالرّفَاء، ولما جاد شعره ومهر في الأدب قصد سيف الدولة بحلب، فمدحه وأقام عنده مدّة، ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد، ومدح جماعة من الوزراء والأعيان ونفق شعرُه إلى انّ تصدّى له الخالديان، محمد وسعيد ابنا هاشم ـ بسبب ذكروه في ترجمته ـ وكانت بينه وبينهما مهاجاة فآذياه وأبعداه عن مجالس الكبراء فضاقَتْ دنياه، ويقال: إنّه عُدِمَ القوتَ، ودُفع إلى الوراقة، وركبه الدين ومات على تلك الحال. وكان في شعره عذب الالفاظ مُغَنَّناً في التشبيهات والأوصاف ولكن لم يكن له رُواء ولا منظر (1).
قال (ابن) النديم: كان السَّريُّ الرَّفَّاءُ جاراً لأبي الحسن علي بن عيسى الرّماني، وكان كَثِيراً ما يجتاز بالرماني، وهو جالس على باب داره، فيستجلسه ويحادثه ويستدعيه إلى أنّ يقول بالإِعتزال، وكان سَرِيٌّ يتشيّع، فلما طال ذلك عليه أنشد:
أُقارعُ أعداءَ النَّبيّ وآلهِ *** قِراعاً يَغُلُّ البِيضُ عِنْدَ قِراعهِ
وأَعَلمُ كُلَّ العِلم أنَّ وليَّهم *** سَيُجْزَى غداةَ البَعْثِ صاعاً بصاعِهِ
فلا زَالَ مَنْ والاهُمُ في عُلُوِّه *** ولا زالَ مَنْ عاداهُم في اتّضاعهِ
----------------------------------------------------
(1) ابن النديم / 195، تاريخ بغداد، 9 / 194، المنتظم، 7 / 62 ـ 63، الانساب، 6 / 144 ـ 145، ابن خلكان، 2 / 359 ـ 362، معجم الادباء، 4 / 227 ـ 229، بغية الطلب، 9 / 4204، الوافي بالوفيات، 15 / 136 ـ 141.

(الصفحة 254)


ومعتزلـيّ رامَ عَزْلَ وِلايتـي *** عن الشُرف العالـي بهـم وارتفـاعِهِ
فمـا طاوعَـتْـنـي النَّفْسُ في أنْ أُطيعَه *** ولا آذَنَ الـقـرآنُ لي في اتّـبـاعـهِ
طُبِـعْـتُ على حُبِّ الـوصـيِّ ولـم يَكُـنْ *** لِيُنْقَـلَ مَطْبُوعُ الهَوَى عَنْ طِبـاعِـهِ(1)
وللناشىء الأصغر، المتكلم الإِمامي الشهير ـ الذي سبقت الإِشارة إليه عند الكلام عن أساتذة المفيد ـ مناظرة مع الرماني، انقطع الرمّاني، فأخذ الناشىء يُندِّد به. وللقصة طول(2).
فالرماني هذا وبهذه النفسية، نجدهم يذكرون عنه أنّه رافضيّ معتزلي ـ كما يقول الذهبي وابن حجر وآخرون ـ وقال القفطي: وكان مع اعتزاله شيعياً. ويقول التنوخي الراوي عنه: وممَّنْ ذهب في زماننا إلى أنّ علياً عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من المعتزلة أبو الحسن علي بن عيسى النحوي المعروف بالرّماني الاخشيذي (3).
والأهمّ من هذا أنّ ابن حجر يقول: وقد ذكر ابن النديم في الفهرست: انّ مصنّفات علي بن عيسى الرمّاني التي صنّفها في التشيّع لم يكن يقول بها،
-----------------------------------------
(1) الفهرست ـ ط تجدد ـ / 218 ـ الهامش ـ، ط مطبعة الاستقامة، القاهرة / 256، والفهرست، صياغة جديدة ـ تحقيق الدكتورة ناهد عباس عثمان، دار قطري بن فجاءة، الدوحة، ط (19852 / 362).
(2) معجم الادباء، 5 / 237، الوافي بالوفيات، 21 / 204.
(3) راجع حول قول التنوخي خاصة معجم الادباء 6 / 280 ـ 281، تاريخ الاسلام (381 ـ 400) / 82 ـ 83 واضاف الذهبي: لله دَرُّه!، سير أعلام النبلاء، 16 / 534، لسان الميزان، 4 / 248.
وذكر القفطي في جملة كتبه الكلامية: كتاب تفضيل علي إنباه الرواة، 2 / 296.

(الصفحة 255)


وإنما صنّفها تقية لأجل انتشار مذهب التشيع في ذلك الوقت (1). وقد ضاع هذا النصّ في جملة ما ضاع من النصوص من الفهرست التي وصلتنا.
وأرى أنّ ممّا لا يقبل الشّكّ أنّ المفيد هو الذي أثر في استاذه الرّماني هذا الأثر الأشد والأقوى ممّا صنعه الاستاذ بتلميذه. وأنّ التقية يومذاك ـ بل وفي جميع عصور الشيعة تأريخ التشيع ـ لم تكن يوماً ما في صالح الشيعة، خاصة يومذاك، ولا أريد أن اسوق من الأدلة والشواهد التاريخية التي كانت تتواجد يومذاك فى بغداد بلد الاستاذ والتلميذ، والّتي إن كانت تحمل المفيد على التقية ـ وكثيراً ما كان المفيد يتجاوزها بشجاعة ندر أنّ توجد في غيره ـ فانّها لم تكن لتحمل الاستاذ السنّي على أنْ يتّقي التلميذ ومذهبه، إن لم تكن موافقة رأيه ومتفقة مع عقيدته القلبية وعواطفه المذهبية.
* * *
28 ـ معلّم الاُمّة.
ولا اُطيل هنا الكلام، وإنّما أكتفي بترجمة له جاءت عن ابن أبي طيّ، يحيى بن حميدة بن ظافر الغساني الحلبي (575 / 1179 ـ 630 / 1233) ذكرها في (تاريخ الإمامية) وحكاها الذهبي باختصار، قال:
هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإِمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، كان أوحد في جميع فنون العلوم: الاُصولين، والفقه، والأخبار، ومعرفة الرجال، والقرآن، والتفسير، والنحو، والشعر، ساد في ذلك كله.
وكان يناظر أهلَ كلِّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية، والرتبة الجسيمة عند الخلفاء العبّاسية.
وكان قوىَّ النفس، كثير المعروف ]البر ـ سير[ والصدقة، عظيم
---------------------------------------
(1) لسان الميزان 4 / 248.

(الصفحة 256)


الخشوع ، كثير الصلاة والصّوم يلبَس الخشِنَ من الثياب ،وكان بارعاً في العلم
وتعليمه، مدُيماً للمطالعة والفكر، وكان من أحفظ الناس.
حدثني شيخي ابن شهر آشوب المازندراني، حدثني جماعة ممَّنْ لقيت: أنّ الشيخ المفيد ما ترك كتاباً للمخالفين إلاّ وحفظه وباحث فيه، وبهذا قدر على حلّ شبه القوم.
وكان يقول لتلامذته: لا تضجروا من العلم، فإنّه ما تعسَّر إلا وهان، ولا تأبَّى إلاّ ولان. وقد قصدَ الشيخَ من الحشوية، والجبرية، والقدرية فأذلّ له حتّى أخذَ منه المسألة أو أسمَع منه.
وقال آخر: كان المفيد من أحرص الناس على التعليم، وإن كان ليدور على المكاتب وحوانيت الحاكة فيلمح ]فيتَلمَّح ـ سير[ الصّبيَّ الفطن، فيذهب إلى أبيه أو اُمّه، حتّى يستأجره ثم يعلّمه ]يعني: فيُضِلّه ـ سير[، وبذلك كثر تلامذته.
وقال غيره: كان المفيد ذا منزلة عظيمة من السُّلْطان، ربّما زاره عضد الدولة، وكان يقضي حوائجه، ويقول له: اشفَعْ تُشَفَّعْ.
وكان يقوم لتلامذته بكلّ ما يحتاجونه إليه.
وكان الشيخ المفيد ربعةً، نحيفاً اسمر. وما استغلق عليه جوابُ معاند إلاّ فزع إلى الصّلاة، ثم يسأل الله فيُيَسِّرُ له الجوابَ...(1).
29 ـ المفيد المتكلّم والمناظر
عاش الشيخ المفيد في عصر احتفل بشتى المذاهب والفرق، الكلامية منها والفقهية،، وفي بيئة جمعت مختلف العلماء والمفكِّرين، وكانت حرية البحث والنظر واصطراع الفكر والرأي لا تزال قائمة لم يقتلها تغلّب مذهب معين
---------------------------------------
(1) تاريخ الاسلام (احداث 413 هـ) سير أعلام النبلاء، 17 / 344 ـ 345، وحذف منها وصيته لتلامذته وقصده الحشوية واخوانهم، وقيامه بحاجة تلامذته، ولجوؤه إلى الله سبحانه! ولا حاجة بنا إلى التعليق.

(الصفحة 257)


على بقية المذاهب والآراء تلك الغلبة المطلقة التي حدثت ببغداد فيما بعد عصر المفيد.
وكان المفيد ـ كما تقدّم في التعريف به ـ: «بارعاً في الكلام والجَدَل، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، حاضر الجواب، فقيهاً مناظراً، يناظر أهل كلّ عقيدة. وكان له مجلس نظر بداره يحضره كافة العلماء من سائر الطوائف. وقد مكّنه من ذلك ما كان قد حظي به من الجلال والعظمة في الدولة البويهية، والوجاهة والقبول عند ملوك الأطراف، لمَيْل كثير من أهل ذلك الزمان إلى التشيع...».
ولكن المصادر التي وصلتنا ـ وما ألّها، ومنها مجموعة كتب الشيخ المفيد وتأليفه، التي سنذكر ما يرجع منها إلى الكلام والجدل والنظر ـ لا تعكس هذه الظاهرة إلاّ في نطاق ضيّق جداً. وكلّ ما عثرت عليه يرجع أهمّ اجزائه إلى ما جاء في «الفصول المختارة من العيون والمحاسن» تأليف الشريف المرتضى، الذي ساصفه عندما أذكر كتب الشيخ المفيد. وكل هذه المجادلات والمناظرات التي أحصيت موارده إنّما وقعت في أماكن اُخر، غير دار الشيخ المفيد الذي كان له فيه مجلس نظر مستمر، وبهذا يصحّ لي أنْ أقول أنّ القائمة الآتية لا تعكس من الواقع ـ مع الأسف الشديد ـ إلاّ في أضيق حدوده ومعالمه.
1 ـ المعتزلة:
1 ـ من لم يُسَمَّ منهم:
«بعض متكلميّ المعتزلة»(1).
«رجل من المعتزلة»(2).
--------------------------------------
(1) الافصاح / ، عدة رسائل / 68.
(2) عدة رسائل / 195 ـ 199.

(الصفحة 258)


«شيخ من المعتزلة»(1).
«شيخ من حُذّاق المعتزلة وأهل التَدَيُّن بمذهبه منهم»(2).
«جماعة من متكلمي المعتزلة»(3).
«حضرت ـ كما يقول الشيخ المفيد نفسه ـ بمجمع لقوم من الرؤساء وكان فيهم شيخ من أهل الرَّيّ معتزلي كانوا يُعظِّمُونه لمحلّ سلفه وتعلّقه بالدولة»(4).
«بعض المعتزلة، في مجلس قد ضمّ جماعة كثيرة من أهل النظر والمتفقِّهة»(5).
«بعض المعتزلة»(6).
«انسان من المعتزلة»(7).
«قال الشيخ المفيد رضي الله عنه: أنكر رجل من البهشمية ]أتباع أبي هاشم الجُبَّائي[ ضمَّنا وأيّاه وجماعة من العتزلة والمجبرة...»(8).
2 ـ القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسد آبادي الهَمَداني المعتزلي الشافعي (320 / 93 ـ 415 / 1025) أحد أعلام المعتزلة وأئمتهم «وشاعت المناظرة واتصلت بعضد الدولة الديلمي فارسل إلى الشيخ فأحضره وسأله عما جرى فحكى له ذلك فخلع عليه خلعة سنية وأخدمه بفرس محلّى
----------------------------------------
(1) الفصول المختارة، 1 / 51.
(2) الفصول، 1 / 76.
(3) الفصول، 1 / 86.
(4) الفصول، 1 / 97.
(5) الفصول، 1 / 115.
(6) الفصول، 2 / 157.
(7) الرسالة الخامسة في الغيبة ـ عدة رسائل / 401 ـ 402.
(8) رسالة في معنى المولى = تح: الشيخ مهدي نجف، ط لندن 1410 / بمناسبة المهرجان.

(الصفحة 259)

بالزينة وأمر له بوظيفة تجري عليه»(1).
3 ـ القاضي أبو محمد العُمَاني المعتزلي.
]عبد الرحمن بن محمد (ـ 38 / 996) ولي القضاء بربع الكرخ، وكان فيه جلادة وشهامة(2).
وقعت المناظرة (في مجلس النقيب أبي الحسن العُمَري أدام الله عزّه)(3).
-------------------------------------
(1) مجالس المؤمنين، 1 / 464 ـ 465، روضات الجنات، 6 / 159، رجال بحر العلوم، 3 / 315 ـ 317، تنقيح المقال، 3 ـ 1 / 180، سفينة البحار، 2 / 390. معجم رجال الحديث، 17 / 233، مستدرك الوسائل، 3 / 520، لؤلؤة البحرين / 361 ـ 362.
(2) تاريخ بغداد، 10 / 300.
(3) النقيب ابو الحسن العُمَري هذا هو: علي بن أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر الملك المُلتاني بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عَمر الاطرف بن أمير المؤمنين عليه السلام، ابو الحسن العمري، الذي انحدر الى بغداد وولاه عضد الدولة نقابة الطالبين اربع سنين عند القبض على أبي احمد المهدي والد الشريفين.
السيد عبد الرزاق كمونة، منية الراغبين في طبقات النشابين / 209 ـ 210، موارد الاتحاف في نقباء الأشراف، 621 / 206.
وليس هو ابو الحسن علي بن ابي الغنائم محمد بن الفخرية بن علي بن ابي الطيب محمد بن ابي عبد الله محمد الملقب ملقطة بن احمد الضرير بن ابي القاسم علي بن محمد الصوفي بن عبد الله بن محمد بن عُمر ابو الحسن المعروف بابن الصوفي صاحب (المجدي في النسب).
منية / 254 ـ 257 ـ فانه متاخر اولا ولم يكن نقيباً ثانياً.
وأيّام نقابته كانت عند قبض عضد الدولة على النقيب أبي احمد الموسوي.
وفي صفر ]369 / 979[ قبض عضد الدولة الديلمي على النقيب ابي احمد الحسين الموسوي، والد الشريفين المرتضى والرضي، وعلى اخيه ابي عبد الله احمد، وعلى قاضي القضاة ابي محمد بن معروف، وسيّرهم الى فارس.
تجارب الامير، 6 / 399. المنتظم، 7 / 98، ابن الاثير، 8 / 710، ابن كثير، 11 / 295.
وبعد وفاة عضد الدولة وتملك شرف الدولة فارس اطلق النقيب ابا احمد الموسوي ومن كان معه سنة ]372 / 983[. ابو شجاع، ذيل تجارب الامم / 81.
ابن الاثير، 9 / 23، ابن خلدون، 4 / 456.
ولكنه لم يعد الى بغداد الا سنة 376 / 986 ـ 987 كما جاء في ديوان الشريف الرضي عندما مدح اباه بقدومه من فارس بعد خروجه من القلعة التي كان محبوساً فيها.
الديوان ـ ط بيروت ـ 1 / 57 ـ 60، ط الخلد، 1 / 237 ـ 241.

(الصفحة 260)


وكان بالحضَرْة جمع كثير (1).
4 ـ أبو بكر بن صرايا (وفي البحار: صراما) المعتزلي.
واظنّ ظنّاً قوياً: ان: (صرايا) أو (صراما) تصحيف، وإنّه محمد بن عبد الرحمن الصُّبْرَي، أبو بكر ابن صُبْرَ الحنفي (320 / 932 ـ 380 / 991) قاضي عسكر المهدي ]محلّه في الجانب الشرقي من بغداد عرفت فيما بعد بالرُّصافة[(2).
اشتهر بالاعتزال والدعوة إليه، وكان رأساً في الكلام، وكان من عقلاء الرجال له كتب في الفقه والكلام والتفسير(3).
وقعت المناظرة حينما «حضر الشيخ ]المفيد[ مجلس أبي منصور بن المَرْزَبان، وكان بالحضرة جماعة من متكلمي المعتزلة»(4).
أبو منصور بن المَرْزُبان الشيرازي، أخو أبي الفضل بن المَرْزُبان ]محمّد ابن عبد الله الكاتب[(5). وهو أبو منصور أحمد بن عبيد الله ]وجاء في المنتظم، 7 / 64: بن عبد الله [ الشيرازي كاتب الطائع ](317 / 929 ـ
-----------------------------------
(1) الفصول، 1 / 11.
(2) معجم البلدان، 4 / 124.
(3) تاريخ بغداد، 2 / 321 ـ 322، الانساب، 8 / 275 ـ 276، اللُبّاب، 2 / 234، تاج العروس ،3 / 326، طبقات المفسرين الداودي، 2 / 158 ـ 159، هدية العارفين، 2 / 51، الذهبي، تاريخ الاسلام (351 ـ 380) / 666 ـ 667.
(4) الفصول، 1 / 85 ـ 89، البحار، 10 / 436 ـ 439.
(5) الهفوات النادرة / 302، 304.

(261)


خ = 363 / 974 ـ 381 / 991)[(1).
«وكان أبو منصور أحمد بن عبيد الله بن المَرْزُبان الشيرازي له دار كان يصفها بكثرة من يطرقها»(2).
وكانت زوجته بنت أبي الحسين بن مُقْلَة ]أبو الحسين عليّ بن محمد بن علي بن مُقْلَة (ح 307 / 919 ـ 346 / 957) آخر وزراء المتّقي خلع عليه في 18 / 9 / 331 (...)(3)
وكان قبله قد وزر للراضي أيّام أبيه ]محمد بن علي بن مقلة أبو علي (272 / 866 ـ 328 / 940) وزير المقتدر والقاهر[(4).
وقبض شرف الدولة البويهي عليه 378 / 988 ـ 989(5).
وكان 363 / 991 صاحب ديوان الرسائل، وهو الذي كتب الكتاب الذي خلع فيه المطيع نفسه في هذه السنة(6).
5 ـ أبو الحسن علي بن عيسى الرُّمّاني «ثاني استاذي المفيد المعتزليين» وكانت المناظرة في مجلس (لبعض الرؤساء، وكان فيه جمع كثير من المتكلمين والفقهاء»(7).
6 ـ الكُتُبي.
]لم أعثر له على ترجمة سوى أنّه جاء ذكره في مجلس حكاه أبو حيان
------------------------------------------
(1) ابو شجاع / 104، 105، 107.
(2) ابو شجاع / 145 ـ 147.
(3) التنبيه والاشراف / 344، مروج الذهب، 4 / 247 ـ 250.
(4) التنبه والاشراف / 337، وراجع: تجارب الامم 1 / 310، 2 / 43 ـ 44، 167، 168 ـ الهامش، تكملة الطبري 11 / 383.
(5) ابو شجاع / 145 ـ 147.
(6) المنتظم 7 / 64.
(7) الفصول، 2 / 269 ـ 274.

(الصفحة 262)


التوحيدي تناظر فيه أبو سعيد السيرافي (284 / 897 ـ 368 / 979) وأبو بشر متى ]بن يونس القُنَّائي المنطقي والفيلسوف ( ـ 328 / 940) [ بمحضر الوزير ابن الفرات سنة 326 / 937، وفي المجلس جماعة من أصحاب الكلام وغيرهم. وان تصحّف عند ياقوت الذي يحكي عن أبي حيان بـ (الكندي) إذ الكندي الفيلسوف كان قد توفي قبل هذا بكثير (ح 185 / 108 ـ نحو 252 / 867)(1).
وفيمن حضر هذا المجلس عدد ممن امتد بهم عمرهم إلى سبعينات هذا القرن، منهم السيرافي نفسه، والراوي وهو علي بن عيسى الرُّماني (296 / 908 ـ 384 / 994) وأبو عمران موسى بن رباح تلميذ ابن الإِخشيد الذي هو أحد من حضر المجلس، والمرزْباني صاحب آل سامان ـ إن كان هو محمد بن عمران، أو عبيد الله المَرْزُباني (297 / 910 ـ 384 / 994) ـ، ولعلّ فيهم غير هؤلاء حيث أن تواريخ حياة أكثرهم مجهولة. والظاهر أن الكتبي من المعتزلة(2).
7 ـ رجل من المعتزلة يعرف بعرزالة ]؟ وجاء في هامش البحار: في نسخة: يعرف بغَزالة[ (3).
8 ـ رجل من المعتزلة يعرف بأبي عمرو الشَّطَوي ]وفي البحار: الشَوْطي متى ما جاء اسمه [ (4).
2 ـ الزيدية:
18 / 1 ـ من لم يُسَمّ منهم.
-----------------------------------------
(1) راجع: الامتاع والمؤانسة، 1 / 107 ـ 108، معجم الأدباء، 3 / 105 ـ 106.
(2) الفصول، ـ 1 / 7، البحار، 10 / 411، مجالس المؤمنين، 1 / 471.
(3) الفصول، 1 / 7 ـ 8، البحار، 10 / 412، مجالس المؤمنين، 1 / 471.
(4) الفصول، 1 / 8 ـ 9، البحار، 10 / 412 ـ 414، مجالس المؤمنين، 1 / 471 ـ 472، وفي الصراط المستقيم، 3 / 79: (السطوي)؟.

(الصفحة 263)


(رجل من الزيدية)(1)، (حضر ]الشيخ المفيد[بمسجد الكوفة فاجتمع إليه من أهلها ومن غيرهم أكثر من خمسمائة إنسان، فانتدب إليه رجل من الزّيديّة أراد الفتنة والشناعة...)، وكان السؤال والمناقشة حول إمامة زيد بن علي (عليه السلام)(2). 19 /.
2 ـ الطبراني
شيخ من الزيدية كان معتزلياً «يميل إلى مذهب أبي هاشم ]الجُبَّائي [ويُعظِّمه ويختاره»(3).
3 ـ الاسماعيلية:
20 / 1 ـ شيخ من الاسماعيلية يعرف بابن لؤلؤ
]أظنّه هو: علي بن محمد بن أحمد، أبو الحسن الثقفي الوراق البغدادي المعروف بابن لؤلؤ (281 / 894 ـ 377 / 987) كان ورّاقاً وصاحب حديث، وكان يقول عن نفسه أنّه شيعي، شاطر في البحث والنظر لا يغلبه أحد(4).
وكانت المناظرة في (دار بعض قوّاد الدولة)(5).
4 ـ المرجئة:
21 ـ «بعض المرجئة» (6).
5 ـ المُجَبّرَة:
-------------------------------------------
(1) الفصول، 2 / 277، ابن شهر آشوب ،المناقب، 1 / 260.
(2) الفصول، 1 / 93 ـ 94، البحار، 10 / 439 ـ 443.
(3) تاريخ بغداد، 12 / 89 ـ 90، المنتظم، 7 / 130،
(4) الفصول، 1 / 119.
(5) الافصاح / ، عدة رسائل / 69.
(6) الفصول، 1 / 53 ـ 55، مجالس المؤمنين، 1 / 467 ـ 470.

(الصفحة 264)


22 / 20 ـ بعض المجبّرة(1).
6 ـ الاشاعرة:
22 / 1 ـ القاضي الباقلاّني
أبو بكر محمد بن الطَّيِّب بن محمد البصري، ثم البغدادي الأشعري المالكي (338 / 950 ـ 403 / 1013) أحد أعلام الاشاعرة وائمتهم).
مناظرة حول النّصَّ على أمير المؤمنين (عليه السلام)(2).
ومناظرة ثانية حول الموضوع نفسه(3).
ومناظرة ثالثة (4).
(الخطيب البغدادي الأشعري) يقول في ابن الباقِلاّني:
فأمّا الكلام فكان أعرفَ الناس به، وأحسنهم خاطراً، وأجودهم لساناً، وأوضحهم بياناً، وأصحهم عبارة، وله التصانيف الكثيرة المنتشرة في الرّدّ على المخالفين: من الرافضة، والمعتزلة والجهميّة، والخوارج، وغيرهم.
وحدّث ]الباقلاني[ ]وحُدِّثْتُ ـ تبيين[: انّ ابن المعلّم ـ شيخ الرافضة ومتكلّمها ـ حضر بعض مجالس النظر مع أصحاب له، إذ أقبل القاضي أبو بكر الأشعري ]ابن الباقلاني[، فالتفت ابن المعلّم إلى اصحابه وقال لهم: قد جاءكم الشيطان! فسمع القاضي كلامهم ـ وكان بعيداً من القوم ـ فلما جلس أقبل على ابن المعلّم وأصحابه وقال لهم: قال الله تعالى: (إنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطينَ عَلَى الْكافرينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً) ]في القرآن الكريم: (ألمْ تَرَانا...)(5). أي: إنْ كُنْتُ
--------------------------------------------
(1) الفصول 1 / 65، البحار 10 / 432.
(2) الفصول 1 / 53 ـ 55، مجالس المؤمنين، 1 / 467 ـ 470.
(3) عدة رسائل / 181 ـ 182، الذريعة، 5 / 177 ـ 178.
(4) مجالس المؤمنين، 1 / 467، تنقيح المقال، 3 ـ 1 / 180، روضات الجنان، 6 / 159 ـ 160.
(5) مريم، 19 / 83.

(الصفحة 265)


شيطاناً فأنتم كفّار، وقد اُرسلت إليكم(1).
أقول: قال الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه ]وآله [وسلم: (ألم تر)، يا محمد، (أنّا ارسلنا الشياطين) على أهل الكفر بالله (تَؤُزُّهم)يقول: تحرّكهم بالاغواء والاضلال فتزعجهم إلى معاصي الله وتُغْريهم بها حتّى يواقعوها (أَزّاً)ازعاجاً وإغْواء. وبنحو ما قلنا قال أهل التأويل ـ ثم ذكر من قال به(2)ـ.
قال: وفي حديث الاشتر: كان الّذي ازّ امّ المؤمنين ]عائشة[ على الخروج ابن الزبير. أي هو الذي حركها وازعجها وحملها على الخروج.
وقال الحربي: الأزّ أن تحمل إنساناً على أمر بحيلة ورفق حتى يفعله. وفي رواية اُخرى: أنّ طلحة والزبير أزَّا عائشة حتى خرجت(3).
فالأزّ هو التحريك والاغراء عن طريق التودّد والتحبّب بالنسبة لمن بينهم مودة وملاءمة وموافقة، وهذا من الشيطان لا يكون إلاّ للكافرين، وأمّا المؤمنين، فلا يصح إلاّ الاغواء، ولو كان الحضور متفّقين مع الباقلاني في
---------------------------------------
(1) تاريخ بغداد 5 / 379 = 2906، تبيين كذب المفتري / 217 ـ 218، عنه الأنساب 2 / 52 ـ 53، مرآة الجنان 3 / 7، شذرات الذهب 3 / 169، القاضي عياض، ترتيب المدارك 4 / 589، عن الخطيب، وقال: وحكى غيره أنّ المناظرة جرت له مع أهل مجلس فنا خسرو الملك ]فنا خسرو عضد الدولة بن ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي (324 / 936 ـ 372 / 983) [ مع شيوخ المعتزلة ـ ثم ذكرها ـ وهكذا ذكرها أبو الحجاج البلوي، الف باء 2 / 143 ـ 144.
(2) تاريخ بغداد 5 / 379 = 2906، تبيين كذب المفتري / 217 ـ 218، عنه الأنساب 2 / 52 ـ 53، مرآة الجنان 3 / 7، شذرات الذهب 3 / 169، القاضي عياض، ترتيب المدارك 4 / 589، عن الخطيب، وقال: وحكى غيره أنّ المناظرة جرت له مع أهل مجلس فنا خسرو الملك ]فنا خسرو عضد الدولة بن ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي (324 / 936 ـ 372 / 983) [ مع شيوخ المعتزلة ـ ثم ذكرها ـ وهكذا ذكرها أبو الحجاج البلوي، الف باء 2 / 143 ـ 144.
(3) تاج العروس، 4 / 5 لسان العرب، 5 / 307 ـ 308 ومثله ابن الاثير، النهاية، 1 / 45، ابو اسحاف الحربي، واستشهد بالاية الكريمة غريب الحديث ج 5 ـ 3 / 983 ـ 984.

(الصفحة 266)


العقيدة، أو كان الباقلاني يخاطب اشعرياً ـ وأقول لو ـ لصّح الاستشهاد بالآية الكريمة.
وأرى انّ الخطيب هو الّذي حرّف القصة. وحوّلها من مجلس عضد الدولة والمعتزلة إلى الشيخ المفيد وأصحابه، ومن يرجع إلى كلامه في المفيد يسهل عليه تصديق ما قلته.
7 ـ الشافعية:
23 / 1 ـ أبو بكر الدَّقَّاق
محمد بن محمد بن جعفر، القاضي أبو بكر الخَيَّاط، المعروف بابن الدّقَّاق، (306 / 918 ـ 392 / 1002) الفقيه الشافعي، صاحب الاصول والكتب الفقهية. ولي القضاء بالكرخ(1).
وكانت المناظرة في مجلس النقيب أبي الحسن العُمَري(2).
«وكان بالحضرة جمع كثير»(3).
24 / 2 ـ أبو القاسم الدَّاركي
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد، أبو القاسم الدَّاركي(4) ـ ودَارَك: قرية من أصبهان ـ البغدادي (نحو 300 / 913 ـ 375 / 986) رئيس أصحاب الشافعي بالعراق. قال أبو حامد الأَسْفَراييني (344 / 955 ـ 406 / 1016) الفقيه الشافعي الكبير: (ما رأيت أفقه من الدَّاركي). وكان الداركي إذا جاءته مسألة يُسْتَفْتَى فيها تفكّر طويلاً ثم أفتى، وربّما كانت فتواه خلاف مذهب
-------------------------------------
(1) تاريخ بغداد، 3 / 229 ـ 230. المنتظم، 7 / 222، ابن الأثير، 9 / 171، الاسنوي، طبقات الشافعية، 1 / 522 ـ 523، الشيرازي، طبقات الشافعية / 118، الوافي بالوفيات، 1 / 116 تاريخ الاسلام (381 ـ 400) / 275، معجم المؤلفين، 11 / 203.
(2) راجع المناظرات 12 / 3.
(3) الفصول، 1 / 11.
(4) ودَارَك قرية من اصبهان ـ البغدادي (نحو 300 / 913 ـ 375 / 986).

(الصفحة 267)


الشافعي وأبي حنيفة فيقال له في ذلك فيقول: ويحكم! حدَّث فلان عن فلان، عن رسول الله صلى عليه ]وآله[ وسلّم بكذا وكذا، والأخذ بالحديث من رسول الله صلى الله عليه ]وآله[ وسلّم أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة إذا خالفاه(1).
8 ـ الحنفية:
25 ـ أبو جعفر المعروف بالنسفي العراقي.
«سأل بعض أهل مجلس الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، رضي الله عنه أبا جعفر المعروف بالنسفي العِراقي ]الحنفي[ فقال:...».
(الرّدّ على النسفي) وكان قد سأله عن الوضوء فافتى بغسل الرجلين، فناظره شيخنا المفيد، وبعد ذلك أتم البحث بفصل الحق به(2).
وقال: وقد عدّ النجاشي في كتب المفيد: (مسألة في المسح على الرجلين) ولعلّ هذا هو المراد من المسألة...
وهو: محمد بن أحمد بن محمود، أبو جعفر النسفي، الحنفي، القاضي (414 / 1023) من فقهاء الحنفية، وكان فقيراً متزهداً، له تعليقة في الفقه مشهورة وله شعر(3).
-------------------------------------
(1) تاريخ بغداد، 10 / 463 ـ 465، المنتظم، 7 / 129 ـ 130، الانساب، 5 / 276 ـ 278، ابن خلكان 3 / 188 ـ 189، سير أعلام النبلاء، 16 / 404 ـ 406، 293، تاريخ الاسلام (351 ـ 380) / 575 ـ 576، الوافي بالوفيات، 18 / 517 ـ 518 = 517، 3 / 188، ابن كثير، 11 / 304، ومصادر اُخرى تناظر معه الشيخ المفيد (في مجلس كان صاحبه رئيس زمانه) الفصول، 1 / 123 ـ 126.
(2) الذريعة 1 / 230 ـ 231 = 709.
(3) المنتظم، 8 / 15، ابن الاثير، 9 / 334، الشيرازي، طبقات الفقهاء / 145، النجوم الزاهرة، 4 / 259، ابن كثير، 12 / 17، الوافي بالوفيات، 2 / 74، الجواهر المضيئة، 3 / 67 ـ 68 = 1205، الفوائد البهية / 157، تاج التراجم / 38، كشف الظنون، 1 / 424 هدية العارفين، 2 / 62، معجم المؤلفين، 9 / 20 ـ 21.

(الصفحة 268)


9 ـ من لم يعرف مذهبهم الكلامي أو الفقهي
26 ـ القاضي أبو بكر أحمد بن سيّار
أحمد بن سيّار بن محمد، القاضي أبو بكر الصَّيْمَري ثم البغدادي ( ـ 368 / 978 ـ 979) قُلِّد قضاء الجانب الشرقي من بغداد، ثم قلّد قضاء الحريم بدار الخلافة، ثم عُزل وقلّد القضاء بطريق خراسان وكان أديباً فاضلاً وله نظم ـ كما قال الصفدي ـ وقال أبو حيّان التَّوْحيدي: (كان نبيلاً، جليلاً، أديباً، مُفَوَّهاً). ووصفه بالعفّة والزُّهْد والترفع عن المناصب والواهبين لها(1).
تناظر مع الشيخ المفيد حول معنى النّص واثبات النّص على أمير المؤمنين عليه السلام في دار السَّلام ]بغداد[ بدار الشريف أبي عبد الله محمد ابن محمد بن طاهر الموسوي، رضي الله عنه.
لم يرد له ذكر سوى أنّ الشيخ المفيد يروي من طريقه عن ابن عقدة:
1 ـ (المفيد): أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر الموسوي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهَمْداني...(2).
2 ـ (شيخ الطائفة): أخبرنا محمد بن محمد ]بن النعمان رحمه الله[
قال: أخبرنا الشريف الصالح أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر الموسوي رحمه الله(3).
3 ـ (ـ): الشيخ رحمه الله، قال: أخبرني الشريف الفاضل أبو عبد الله
----------------------------------------------
(1) الوافي بالوفيات، 6 / 414 ـ 414، المنتظم، 7 / 38، 43، 51، 54، الإمتاع والمؤانسة، 3 / 154، البصائر والذخائر، 1 / 307، 6 / 275..
(2) المفيد، الامالي / 39 = 6، 42 = 9.
(3) الطوسي، الامالي (ج 8) 1 / 229.

(الصفحة 269)


محمد بن محمد بن طاهر الموسوي، عن أحمد بن محمد بن سعيد...(1).
وعلى هذا فقد عدّه شيخنا الرازي من مشايخ المفيد(2).
ويبدو ممّا جاء في حكاية المناظرة انّ هذا الشريف كان أحد شخصيات بغداد اللامعة يومذاك، وكان يجتمع عنده اشراف العلويين والعباسيين ووجوه الناس.
ولكنه لم يرد له ذكر في تاريخ بغداد ولا التواريخ الحوليه التي أرّخَتْ ذلك العصر، وأنا واثق أنه لو كان عمرياً أو أموياً في نسبه و... في مذهبه لملأ له الخطيب صحائف من تاريخ بغداده.
وكم أهمل الخطيب اعلاماً للإماميّة هم بغداديون بجميع المقاييس التي اختيرت لاكتساب هذه النسبة ولم يورد لهم ذكرا. كهشام بن الحكم واضرابه وقد ذكرت قائمة تشتمل على أربعة عشر رجلاً من قبل.
ولا يقولَنَّ قائل: إنّ الخطيب وأمثاله كانوا يجهلونهم، فإنّه في كثير من كتبه يذكر معلومات عن رجال الإمامية وحديثهم باسانيد تنتهي إليهم أنفسهم تبدو في غاية الدقة، ولا مجال لذكرها هنا. ويكفينا إنّه اختصر ترجمة الشيخ المفيد بما سبق أنْ حكيته عنه. وأنا واثق بأنّ الخطيب لو تُحُدِّيَ لألَّف كتاباً في أعلام الإمامية البغداديين كان قد أدهش القارىء كما صنع ابن جرير حينما اهمل حديث الغدير في تاريخه، وقفز بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في رجوعه من حجة الوداع من مكة إلى المدينة مؤرخاً أيّام مرضه ووفاته، وعندما اصطدم بالحنابلة ألّف كتابه الشهير حول حديث الغدير، مما أدهش الذهبي وأمثاله بعض اجزائه. وإلى الله المشتكى.
وكان بالحضرة جمع كثير يزيد عددهم على مائة إنسان، وفيهم أشراف
-------------------------------------
(1) طبقات اعلام الشيعة، القرن الرابع / 303.
(2) الفصول، 1 / 1 ـ 4، البحار، 10 / 408 ـ 411.

(الصفحة 270)


من بني علي عليه السلام، وبني العبَّاس، ومن وجوه النّاس والتّجار(1).
27 ـ الشيخ أبو طاهر الجَوْهَري
المُحَسَّن بن محمد بن الحسن بن عبد الله، أبو طاهر الجَوْهري الشيرازي الأصل البغدادي (ـ 378/988 ـ 989) من ثقات شهود بغداد وذوي الفضل والوجاهة(2).
28 ـ الشيخ أبو الحسن الجَوْهري
علي بن محمد، أخو المُحَسِّن الأصغر منه (ـ 95 / 1004) من ثقات مُقْرِئي بغداد وشهودها(3).
29 ـ الشريف أبو محمد، ابن المأمون
تناظر مع هؤلاء الثلاثة في مجلس واحد. ويبدو من المناظرة أنّهم كلّهم كان لهم بصر بالفقه والحديث(4).
1 ـ محمد بن الحسن بن الفَضْل بن العباس بن عبد الله (المأمون)، أبو الحسن بن المأمون الهاشمي (بعد 350 / 961).
محدِّث مات قديماً، ولم يخرج عنه شيء من العلم.
2 ـ (اخوه الأصغر) ـ محمد بن الحسن...، أبو الفضل، ابن المأمون الهاشمي (310 / 922 ـ 396 / 1006).
محدِّث ثقة، وهو أشهر الأخوة الأربعة.
مات وله ست وثمانون سنة (5).
واظن ظنّاً قوياً أن المقصود هذا الثاني، إذا لم أعثر على أبي محمد بن
------------------------------------
(1) التهذيب، المزار (الزيارات) 6 / 106 = 185 / 1.
(2) تاريخ بغداد، 12 / 155.
(3) تاريخ بغداد، 12 / 95، غاية النهاية، 1 / 578 ـ 579.
(4) الفصول، 1 / 134 ـ 136.
(5) تاريخ بغداد، 2 / 214 ـ 216، المنتظم، 7 / 232، شذرات الذهب، 3 / 148، حول النسب جمهرة انساب العرب / 24.

(الصفحة 271)


المأمون.
3 ـ (اخرهما الأصغر منهما)، محمد بن الحسن...، أبو بكر، ابن المأمون الهاشمي(1).
4 ـ (اخوهم الأصغر) عبد الله بن الحسن...، أبو الحسين، ابن المأمون الهاشمي (2).
30 ـ بعض مشايخ العبّاسيين
(وحضر الشيخ بُسِّر مَنْ رأى ]سامراء، المدينة العراقية ومرقد الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام[ واجتمع عليه من العبّاسيين وغيرهم جمع كثير، فقال له بعض مشايخ العباسيين)(3).
31 ـ رجل من المتفقّهة يُعْرَف بالوَرْثاني
لعلّهُ: عبد الواحد بن بكر، أبو الفرج الوَرْثاني الصوفي (ـ 372 / 982 ـ 983) محدِّث مكثر رحّالة(4).
وكانت المناظرة (في دار الشريف أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر، رحمه الله ]راجع المناظرة = 26[ وجاء في المطبوع من الفصول: (وهو من فقهائنا) وهو تصحيف، والصحيح: (من فقهائهم) وفي البحار: (فُهَمائهم)، ويدّل على التصحيف المناظرة نفسها(5).
32 ـ الجراحي
أظّنه هو: علي بن الحسن بن علي القاضي أبو الحسن الجَرَّاحي
--------------------------------------
(1) تاريخ بغداد، 2 / 214 ـ 215.
(2) تاريخ بغداد، 9 / 439، المجموع: تاريخ بغداد 2 / 214 ـ 216، 9 / 439.
(3) الفصول، 2 / 277 ـ 279، المناقب، 1 / 262 ـ 263.
(4) الانساب، الورقة 580 / 2، اللباب، 3 / 358 ـ 359، معجم البلدان، 5 / 371.
(5) الفصول، 1 / 12 ـ 14، البحار، 10 / 414 ـ 417، مجالس المؤمنين، 1 / 472 ـ474 ـ ولم ترد العبارة فيه ـ.

(الصفحة 272)


البغدادي (298 / 910 ـ 376 / 986)(1).
المناظرة السابقة ومصادرها.
33 ـ رجل من أصحاب الحديث ممّن يذهب إلى مذهب الكرابيسي الحسين بن علي الشافعي (ـ 248 / 862) ومذهبه يقرب من مذهب الأشعري(2).
34 ـ بعض القضاة في إبطال القياس
وكان قد سألهُ (في مجلس لبعض القضاة وكان فيه جمع كثير من الفقهاء والمتكلِّمين)(3).
35 ـ مناظرة للشيخ المفيد «مع مجلس الشيخ أبي الفتح عبيد الله بن فارس قبل أن يتولى الوزارة»(4) مع جماعة من متفقّهة العامة في قولهم: (ان كل مجتهد مصيب).
ولا بدّ من أنّ ننبه على أمر يبدو من هذه المناظرات وتواريخ وفيات اشخاصها وما تشير إليه تواريخ الأحداث، بالقدر الذي تمَكَّنْتُ من استخراجه وتعيينه: أنّ شيخنا المفيد رضي الله عنه كان يحضر المجالس، ويزور الشخصيات اللامعة في البلد الذين يليق بهم ويليقون به إلى آواخر السبعينات
------------------------------
(1) تاريخ بغداد، 11 / 387، المنتظم، 7 / 130، تاريخ الاسلام (351 ـ1380 / 593 ـ 594.
(2) الفصول، 1 / 29، البحار، 10 / 424 ـ.
(3) الفصول، 1 / 50 ـ 51.
(4) ابو الفتح محمد بن فارس وابو عبيد الله ]ابو عبد الله ـ ابو شجاع[ محمد بن ابراهيم، ولاّهما صمصام الدولة البويهي الوزارة بالاشتراك، ولم تطل أيّامهما (تجارب السلف / 247 ـ 248 وفي مخطوطة أ (215): (أبو عبيدالله محمّد بن الهيثم). (وكان ذلك 375 / 985 ـ 986)، أبو شجاع / 119 ـ وفيه: ابو عبدالله ابن الهيثم ـ (وكان أبو الفتح محمّد بن فارس أحد من نظر في الوزارة أيّام صمصام الدولة أبي طاليجار بن عضد الدولة...) (الهفوات النادرة / 342، معجم الأدباء (15 / 7).

(الصفحة 273)


من القرن الرابع.
ولكنا لم نعثر على مناظر له تأخرّ عن هذه الفترة الزمنية، سوى القاضي عبد الجبار، وقد مرّ في المناظرة نفسها أنّها كانت أيّام عضد الدولة والتي انتهت في أوائل السبعينات، يبدو هذا بوضوح لمن استعرضها. وفي هذه دلالة على أنّ الشيخ المفيد قد سمت به شخصيّته في الثلاثين سنة الأخيرة من عمره الشريف وارتفع موقعه الاجتماع والمذهبي إلى الحدّ الذي أصبح بزار ولا يزور ويؤتى ولا يدور على المجالس التي كان يحضر أمثالها فيما سبق من عمره، وعندها كان له مجلس نظر بداره بحضرة كافة العلماء من سائر الطوائف ـ كما مرّ في مفتتح ترجمته ـ. ومع الأسف الشديد لم يصلنا أيّ نبأ عن هذا المجلس المستمر قرابة ثلاثين عاماً، وما كان يدور فيه من المناظرات. ومن الطبيعي أن يكون المفيد هو الذي البحث والنظر فيها ويشرف عليه، والذي تنتهي إليه الحكومة فيما يقال وفيما يطرح، أو كان إليه الرأي الأوّل والأخير ـ كما يقولون في أمثاله ـ ولو كان هناك سجلّ له ولامثاله من مجالس النظر لمتكلمينا الأبرار كالنوبختيين من قبله والشريف المرتضى وشيخ الطائفة من بعده. ويؤرخها ويذكر الاراء المطروحة فيها والمناقشات والمناظرات، وما انتهت من نتائج علمية لوصلنا الخير والعلم الكثير. ولكنا ـ ولله الحمد ـ نعيش في (لَوْ) ونحلم بـ (لَوْ) ولم ننته إلى (قد) والعوامل ليست مجهولة.
30 ـ كتبه ورسائله في الكلام والمناظرة.
كان شيخنا المفيد (كثير التصانيف في الاُصول، والكلام، والفقه)(1).
له أكثر من مائتي مصنّف(2).
----------------------------------
(1) تاريخ بغداد، 3 / 231، ميزان الاعتدال، 4 / 26، الاعلام، 7 / 245، هدية العارفين، 2 / 62، معجم المؤلفين، 11 / 306.
(2) الطوسي، الفهرست / 186 ابن داود / 334، العلامة / 147، مجمع الرجال، 6 / 33، ميزان الاعتدال، 4 / 30، العبر، 3 / 114 ـ 115، مختصر دول الاسلام، 1 / 246، لسان الميزان، 5 / 368، شذرات الذهب، 3 / 200، تاريخ التراث العربي، 2 / 277، تاريخ الاسلام (احداث 413)، سير أعلام النبلاء، 17 / 345.

(الصفحة 274)


والذي يرجع منها إلى البحوث الكلامية والجدل والمناظرة:
1 + 2 ـ (العيون والمحاسن) و (الفصول من العيون والمحاسن).
ألف الأوّل ثم اختصره في الكتاب الثاني، وكلاهما ذكره النجاشي، ولكن الشيخ الطوسي ذكر الثاني فحسب، وألّف تلميذه الشريف المرتضى في حياة استاذه (الفصول المختارة من العيون والمحاسن).
قال في أوّله: (سألت، أيّدك الله، أن أجمع لك فصولاً من كتب شيخنا ومولانا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، أدام الله عزه، في المجالس، ونكتاً من كتابه المعروف بـ (العيون والمحاسن) لتستريح إلى قراءته في سفرك، وتنشر ذكره في مستقرّك وبلدك...) ولم أتحقق السائل من هو.
ويبدو أن الشيخ آغا بزرك يرى أن (العيون والمحاسن) إنما هو الكتاب الذي يسمى بـ (الاختصاص) المطبوع، إذ أنه حينما يصف النسخة المخطوطة من العيون يكون وصفه منطبقاً على الاختصاص، وحجته في ذلك قول المفيد في فاتحة (الاختصاص): (هذا كتاب الّفته (...) وأقحمته فنوناً من الاحاديث، وعيوناً من الأخبار ومحاسن من الآثار...) وقد ناقش هذه الحجة السيد محمد مهدي الخرسان وأثبت إنهما كتابان مختلفان مادة واسلوباً(1).
3 ـ اوائل المقالات في المذاهب والمختارات (مطبوع).
وقد ألّف الشيخ المفيد بعد هذا بطلب من تلميذه الشريف المرتضى.
الإعلام فيما اتفقت الإمامية عليه من الأحكام وجعله كتكملة لأوائل المقالات، حيث أن المفيد في الأوائل ذكر ما اتفقت عليه الإمامية في
---------------------------------------
(1) طبقات اعلام الشيعة، الرابع / 25.

(الصفحة 275)


الاعتقادات (الاصول) وفي الإعلام ما اتفقوا عليه في الفروع(1).
4 ـ تصحيح الاعتقاد (مطبوع).
وهو تعليق على (اعتقادات الإمامية) للشيخ الصدوق.
5 ـ جوابات الفيلسوف في الاتحاد.
6 ـ (جوابات المسائل في لطيف الكلام) ويقال له: (اللطيف من الكلام).
فيه الكلام على الجوهر، والعَرَض، والفلك، والخَلأ، وأمثال ذلك (2).
7 ـ الكلام في المعدوم.
8 ـ الكلام في المعدوم والرّدّ على الجُبَّائي.
]محمد بن عبد الوهاب، أبو علي (235 / 849 ـ 303 / 619) شيخ المعتزلة في عصره[.
9 ـ الكلام في الإنسان.
10 ـ الكلام في أنَّ المكان لا يَخْلُو من مُتَمَكِّن.
11 ـ مسألة في الإرادة.
12 ـ مسألة في الأصلح.
13 ـ قضيّة العقل على الأفعال.
14 ـ المجالس المحفوظة في فنون الكلام.
15 ـ الرّدّ على الجاحظ في العثمانية.
]عمرو بن بَحْر، أبو عثمان (163 / 780 ـ 255 / 869) الأديب والمتكلم المعتزلي الشهير، والعثمانية من أشهر آثاره التي ردّ عليها متكلمو الإمامية[.
-------------------------------------------
(1) الذريعة، 2 / 237، 472 ـ 473.
(2) ـ ط تبريز ـ ايران، 1371 /.

(الصفحة 276)


16 ـ النقض على الجاحظ في فضيلة المعتزلة.
(نقض فضيلّة المعتزلة للجاحظ)(1).
17 ـ نقض فضيلة المعتزلة.
(ذكره النجاشي مضافاً إلى السابق، ولعلّه كتاب آخر في النقض على الجاحظ، أو على مؤلّف آخر يحمل كتابه نفس هذا الاسم).
18 ـ جوابات مقاتل بن عبد الرحمن عمّا استخرجه من كتب الجاحظ.
19 ـ مسألة الفَرْق بين الشيعة والمعتزلة، والفصل بين العَدْلية منهما، والقول في اللطيف من الكلام.
(ويقصد المتكلمون من لطيف الكلام المسائلَ الدقيقةَ الغامضةَ التي يحتاج فهمها والبحث حولها إلى دقة وعمق).
20 ـ الرسالة المُقْنِعة: في وفاق البغدادييّن من المعتزلة لما روي عن الأئمّة رحمه الله.
21 ـ النقض على البلخي في خمسة عشر مسألة (نقض الخمسة عشر مسألة على البلخي ـ النجاشي).
]أبو القاسم الكعبي المعتزلي (273 / 886 ـ 319 / 931)[.
22 ـ الرّدّ على المعتزلة في الوعيد (مختصر على المعتزلة في الوعيد النجاشي).
23 ـ الرّدّ على ابن كُلاَّب في الصِّفات.
]عبد الله بن سعيد بن محمد، أبو محمّد بن كُلاَّب القَطَّان البغدادي (ـ 241 / 855) عدّوه من متكلّمي السُّنّة ومن مثبتي الصفات الالهية ـ كما يقولون ـ على النهج الذي يقول به أهلُ الحديث من السُّنَّة، وعنه أخذ الأشعري أراءه بعد أن رجع عن الاعتزال[.
--------------------------------------------
(1) الذريعة 24 / 286، 290.

(الصفحة 277)


24 ـ الرّدّ على أصحاب الحلاّج.
]الحسين بن منصور (244 / 858 ـ 309 / 922) المتصّوف الشهير، وصاحب الاراء المعروفة التي قتل أشنع قتلة لأجلها، أو كانت ذريعة قاتليه تلك الاراء[.
25 ـ الرّدّ على الشَّعْبي.
]عامر بن شراحيل، أبو عمرو الشَّعْبي (19 / 640 ـ 103 / 721) [.
المُحدِّث والرّاوية الشهير. اتّصل بعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي (26 / 746 ـ الخلافة 65 / 685 ـ 86 / 705) فكان نديمه وسميره ومن أركان تثبيت سلطانه(1).
26 ـ كتاب في القياس.
وسماه آغا بزرك. (إبطال القياس)(2).
27 ـ كتاب في الإجماع.
28 ـ نقض المَروانية.
كتب للجاحظ
1 ـ قال المسعودي: إنّ الجاحظ صنّف كتاباً، وهو المترجم بكتاب (إمامة ولد العباس) (...) وصنّف كتاباً آخر المترجم بكتاب (العثمانية) (...) (ثم لم يرض بهذا الكتاب المترجم بكتاب العثمانية حتى أعقبه بتصنيف كتاب آخر في إمامة المروانية وأقوال شيعتهم، ورأيته مترجماً بكتاب (إمامة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان) في الانتصار له من علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشيعته الرافضة، يذكر فيه رجال المروانية، ويؤيد فيه إمامة بني اُمية، وغيرهم ]كتب المفيد = 28 [.
----------------------------------------
(1) الاعلام، 4 / 18 ـ 19، معجم المؤلفين، 5 / 54، والمصادر المشار اليها فيهما.
(2) الذريعة، 1 / 170، 17 / 220 ـ 221.

(الصفحة 278)


ثم صنّف كتاباً آخر ترجمه بكتاب (مسائل العثمانية) يذكر فيه ما فاته ذكره ونَقْضُه عند نفسه من فضائل أمير المؤمنين علي ومناقبه...) ]كتب المفيد = 17 [(1).
2 ـ قال المسعودي:
(ورأيت في سنة 324 (936) بمدينة طبريّة من بلاد الأردن من أرض الشام عند بعض موالي بني اُمية ممّن ينتحل العلم والأدب، ويتحيّز إلى العثمانية كتاباً فيه نحو من ثلاثمائة ورقة، بخطّ مجموع، مترجم بكتاب (البراهين في إمامة الامويين) ونَشَر ما طوى من فضائلهم أبواب مترجمة ودلائل مفصَّلة، يذكر فيه خلافة عثمان بن عفّان، ومعاوية، ويزيد، ومعاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، ومن تلاه من بني مروان، إلى مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، ثم يذكر عب الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، وأنّ مروان بن محمد نصّ عليه وعهد بالأمر بعده إليه، وينسّق سائر من تملّك بالاندلس من بني أميّة من ولد عبد الرحمن المقدّم ذكرهم، إلى سنة 310 (922 ـ 923) وذكر عبد الرحمن بن محمد الوالي عليها في هذا الوقت، وهو سنة 345 (956 ـ 957).
ووصف لكلّ واحد منهم فضائل ومناقب واُمور استحقّ بها الإمامة، ونصوصَّاً على أسمائهم وأعيانهم، وادّعى الأخبار المتواترة الجائية مجيء الاستفاضة، وعزى ذلك إلى شيعة العثمانيّة ورجال السّفيانيّة وأنصار المروانيّة معارضاً لأهل الإمامة وهم جمهور الشيعة في المنصوص والنقل، ومستدلاً على فساد أقاويل أصحاب الاختيار، من المعتزلة والزّيديّة، والخوارج، والمرجئة، والحشوية، والنابتة، ومناقضاً لأصحاب النّصّ على أبي بكر من أصحاب
--------------------------------------
(1) وذكره (ابن) النديم بعنوان: كتاب امامة معاوية (الفهرست / 210) وبمثله قال ياقوت معجم الادباء، 6 / 76) والدكتور محمد عبد المنعم الخفاجي، ابو عثمان الجاحظ / 292 = 62.

(الصفحة 279)


الحديث، والبيهيّة من الخوارج، والبكرية أصحاب بكر بن أخت عبد الواحد، وأتى بمسائل ومعارضات على من ذكرنا والزامات.
وذكر من بعد ذلك أخباراً من أخبار الملاحم الآتية، والانباء الكائنة، مما يحدث في المستقبل من الزّمان والآتي من الأيّام، منظهور أمرهم، ورجوع دولتهم، وظهور السفياني في الوادي اليابس من أرض الشام، في غسّان، وقُضاعة، ولَخّم، وجذام، وغاراته وحروبه، ومسير الأمويين من بلاد الأندلس إلى الشام، وأنّهم أصحاب الخيل الشّهب والرايات الصفر، وما يكون لهم من الوقائع والحروب والغارات والزحوف....)(1).
ولا أدري أيهما الذي ردّ عليه المفيد، وان كان الأقرب أنّه ردّ على الجاحظ، لشهرته وتداول كتبه وانتشارها وخاصة في بلد المفيد.
29 ـ الرّدّ على ابن عَوْن في المخلوق.
والظاهر أنّه محمد بن جعفر، أبو الحسين بن عَوْن الأسدي.
30 ـ النقض على ابن الجُنَيْد ]الاسكافي[ في اجتهاد الرأي.
31 ـ رسالة الجُنَيْدي إلى أهل مصر.
وهو ردّ على الرسالة التي كتبها ابن الجُنَيْد إلى أهل مصر(2).
32 ـ الموضح في الوعيد.
33 ـ مقابس الأنوار في الرّدّ على أهلِ الأخبار.
34 ـ نهج البيان عن سُبُل الإيمان.
35 ـ النقض على أبي عبد الله البصري ]أحد أستاذي المفيد المعتزليَّيْن [كتابَه المتعة.
--------------------------------------------
(1) التنبيه والاشراف / 291 ـ 292.
(2) راجع: المسائل السروية ، عدة رسائل / 224، الذريعة، 5 / 187.

(الصفحة 280)


36 ـ الرّدّ على أبي عبد الله البصري في تفضيل الملائكة على الأنبياء.
37 ـ جواب الكرماني في فضل النبيِّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، على سائر الانبياء رحمه الله.
لم أجد للكرماني ترجمة ولا ذكرا سوى ما ذكره الحاكم الجُشمي وابن المترضى المعتزليان من قولهما: (ومن أصحابهم المعتزلة الذين هم في طبقة القاضي عبد الجبار (320 / 932 ـ 415 / 1025) أبو الحسن الكرماني) (1).
38 ـ مسألة في معرفة النبيِّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، بالكتابة.
39 ـ مسألة في انشقاق القمر وتكليم الذّراع ]للنبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم [.
40 ـ مسألة المعراج.
41 ـ الردّ على القُتَيْبيّ (على ابن قُتَيْبة ـ الطوسي) في الحكاية والمحكيّ ]= 49 / 1[.
عبد الله بن مسلم القُتَيْبيّ، أبو محمد بن قُتَيْبة الدِّينَوَري (213 / 828 ـ /276 889) الأديبَ، المحدِّث، المتكلم، والمُؤرخ. و (الحكاية والمحكي)(2).
42 ـ الكلام في وجوه إعجاز القرآن ./
43 ـ البيان في تأليف القرآن.
44 ـ الكلام في دلائِل القرآن.
45 ـ البيان عن غَلَط قُطْ رُب في القرآن.
محمد بن المُستَنير بن أحمد، أبو علي البصري المعتزلي (ـ 206 / 821) الأديب، النحوي، اللغوي، وتلميذ النظام(3).
-----------------------------------------
(1) شرح العيون (فضل الاعتزال...) / 391، المنية والأمل / 199.
(2) ذكره له (ابن) النديم / 86، هدية العارفين، 1 / 441.
(3) الاعلام، 7 / 315، معجم المؤلفين، 12 / 15 ـ 16.

(الصفحة 281)


46 ـ الكلام في حدوث القرآن.
47 ـ الرّدّ على الجُبَّائي في التفسير.
]محمد بن عبد الوهاب، أبو علي (235 / 849 ـ 303 / 916) شيخ المعتزلة في عصره، وتفسيره من أشهر آثاره [.
48 ـ الرّدّ على الزيديّة.
49 ـ 51 ـ المسائل الجارودية (المسائل الزيدية ـ النجاشي).
في انّ الإمامة في ولد الحسين بن علي، عليهما السلام.
وهي مناقشات أثارها الجارودية ـ من أشهر فرق الزيدية ـ بصورة خاصة، والزيديّة عامة حول عقيدة الإمامية في أنّ الإمامة بعد الحسين عليه السلام تنحصر في ولده خاصة، وفي نفس الموضوع ـ أي النقاش مع الجارودية ـ رسالة المفيد الاُخرى: (الثقلان) ورسالته الثالثة في تفضيل أمير المؤمنين، عليه السلام، على جميع الانبياء، عليهم السلام، عدا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والكتب الثلاثة مطبوعة(1).
52 ـ الرّدّ على ابن الإخشيد في الإمامة.
أحمد بن علي بن بيغجوُر، أبو بكر بن الإخشيد، أو: الإخشاد البغدادي (270 / 883 ـ 326 / 936) من مشهوري متكلمي المعتزلة وأحد رؤسائهم، تتلّمذ على جماعة منهم أبو هاشم الجُبَّائي. ومنه أخذ الرّمّاني أحد شيخي المفيد في الكلام من غير الإمامية وقد تقدم ذكره(2).
53 ـ النقض على جعفر بن حرب ]المعتزلي البغدادي (177 / 793 ـ
----------------------------------
(1) المسائل الجارودية ـ عدة رسائل / 166 ـ 173، الثقلان ـ عدة رسائل / 176 ـ 180، التفضيل ـ عدة رسائل / 200 ـ 206.
(2) (ابن النديم / 220 ـ 221، تاريخ بغداد، 4 / 309، الوافي بالوفيات، 7 / 216، الفصل لابن حزم، 4 / 203، لسان الميزان، 1 / 231، الاعلام، 1 / 165، معجم المؤلفين، 1 / 320.

(الصفحة 282)


236 / 850) [ في الإمامة.
54 ـ النقض على علي بن عيسى الرُّمَّاني ]ثاني أستاذي المفيد المعتزليَّيْن [ في الإمامة.
55 ـ النقض على الواسطي.
]محمد بن زيد بن علي، أبو عبد الله الواسطي البغدادي (ـ 307 / 919) متكلم معتزلي من تلاميذ أبي علي الجُبَّائي، له كتب منها[(1).
56 ـ الرّدّ على الكرابيسيّ في الإمامة ]راجع = 40 [.
57 ـ الإيضاح في الإمامة.
58 ـ الإفصاح في الإمامة (مطبوع).
59 ـ كتاب في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من القرآن.
60 ـ مسألة في النّصّ الجليّ ]على أمير المؤمنين عليّ، عليه السلام [.
61 ـ العُمْدَة في الإمامة.
62 ـ المُقْنعة في إمامة أمير المؤمنين،عليه السلام.
63 ـ النقض على النَّصِيبي في الإمامة.
إبراهيم بن علي بن سعيد بن علي بن زَوْبَعَةَ أبو إسحاق النَّصِيبي / النَّصِيبيني المتكلم المعتزلي، يُلَقّب بمُقْعَدة تلميذ جُعلَ ] أبي عبد الله البصري، أحد أستَاذي المفيد المعتزليين(2).
وقال فيه أبو حيان التوحيدي: (دقيق الكلام، يشك في النبوات كلّها،
-----------------------------------
(1) الإمامة ـ الاعلام 6 / 367، معجم المؤلفين، 10 / 13، والمصادر المشار إليها فيهما.
(2) المقابسان / 159، المنتظم، 7 / 179 ـ حيث جاء اسمه كاملا في سند حكاية، اخلاق الوزيرين / 211 ـ الهامش، نشوار المحاضرة، 1 / 91، 2 / 202، 5 / 21، الفرج بعد الشدة،3 / 371، 374، وذكره الحاكم الجشمي وابن المرتضى المعتزليان في طبقة القاضي عبد الجبار (320 / 932 ـ 415 / 1025) وقالا: (يرجع إلى فضل غزير) (شرح العيوم (فضل الاعتزال) / 378، المنية والأمل / 196).

(الصفحة 283)

ولقد سمعت منه فيها شبهات (الامتاع والمؤانسة 1 / 141، وذكر مثله في أخلاق الوزيرين / 297، وطعن في خلقه ودينه أشد الطعن، وقال: وكان من أفسق الفاسقين).
ثم حكى أشياء(1).
64 ـ نقض كتاب الأصمّ في الإمامة.
]عبد الرحمن بن كَيْسان أبو بكر الأصم البصري المعتزلي (ـ 200 / 816) كان معروفاً بعداء أمير المؤمنين عليه السلام [.
65 ـ الرّدّ على الخالدي في الإمامة.
ابراهيم بن محمد بن شهاب، أبو الطَّيب الخالدي العطار البصري ثم البغدادي الحنفي المتكلّم (ح 272 / 885 ـ 356 / 967) الذي جمع إلى القول بالاعتزال القول بالإرجاء الشديد(2).
قال الخطيب: أحد متكلمي المعتزلة، وحكى عن محمد بن عمران المرزباني انه قال: كان أحد مشايخ المتكلمين والفقهاء على مذاهب العراقيين توفي في ربيع الثاني / 356 عن أربع وثمانين أو: خمس وثمانين.
66 ـ الرّدّ على ابن رشيد في الإمامة.
لم أجد له ترجمة ولا ذكراً، سوى أن أبا حيان التوحيدي ذكر جماعة من المتكلمين حضروا مجلس الوزير ابن الفرات سنة 326 / 937 وذكر منهم: ابن رشيد، والخالدي، وابن الإخشاذ، وابن أبي بشر، (أبو الحسن الأشعري)،
-----------------------------------------------
(1) راجع اخلاق الوزيرين / 211 ـ 213.
(2) (ابن) النديم / 221، فضل الاعتزال / 324، المنية والأمل / 193، الشهرستاني، 1 139/، هدية العارفين، 1 / 6، معجم المؤلفين، 1 / 96 ـ 97، ايضاح المكنون، 2 / 429، التونكى، معجم المصنفين، 4 / 365 ـ 366، تاريخ بغداد، 6 / 167، لسان الميزان، 1 / 97، الاعلام ـ ط 4 ـ 1 / 61.

(الصفحة 284)


وجماعة آخرين(1).
جاء: سعيد بن محمد بن سعيد، أبو رشيد النيسابوري، له (كتاب المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين في الكلام في الجوهر، طبع بليدن 1902 مع الترجمة الالمانية لأرثر بيرم.
ويذكر المؤلف في ص 35 منه ان تلميذ الكعبي البلخي(2).
67 ـ النقض على غلام (وفي بعض المصادر: علاّم) البَحْراني (وفي بعضها: النَّجْراني) في الإمامة.
ولعله تصحيف أبي القاسم البحراني فقد جاء ذكره في ضمن ترجمة أبي عبد الله البصري، أحد استاذي المفيد المعتزليين، ووصف بأنّه (صاحب أبي عبد الله البصري) (فضل الاعتزال وذكر المعتزل / 326) والمقصود بالصحبة هنا هي الصحبة العلمية، لا الصحبة بمعناها العام، وقد جاء نظيرها في المصدر / 332.
68 ـ النقض على ابن عبّاد في الإمامة.
هكذا جاء عند شيخ الطائفة الطوسي(3).
وذكر المحقق عباس إقبال في هامش المعالم: أنّ في أصل النسخة: (النقض على عليّ بن عباد) وقال آغا بزرك في الذريعة، 24 / 288: أنّ هذا إنّما جاء في بعض نسخ المعالم. فإنّ صحّ أنّ الصورة الصحيحة لاسم كتاب المفيد: (لنقض على ابن عباد) فالظاهر أنّ المقصود منه: إسماعيل بن عبّاد
--------------------------------------
(1) الإمتاع والمؤانسة، 1 / 107 ـ 108، معجم الادباء، 3 / 105 ـ 106.
(2) راجع: دكتر محقق، محمد بن زكرياى رازي / 22، 461 وراجع: سزكين، 2 / 414 فانه يترجم له ويذكر انه من تلاميذ القاضي عبد الجبار وبعد موته جلس مجلسه، وما نشر جزء من كتابه المخطوط: (المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين) وجاء ذكره في معجم المؤلفين، 4 / 230 ( ـ 400 / 1009) وترجم له حاكياً عن بروكلمان، 1 / 196 ـ 197.
(3) في الفهرست / 187، والنجاشي / 312.

(الصفحة 285)


ابن العبّاس، أبو القاسم الصاحب بن عَبَّاد الطالقاني (326 / 938 ـ 385 / 995) الوزير والاديب والمتكلّم الشهير(1).
وابن عبّاد قد تنازعته المعتزلة والزيدية والإمامية، فعامة المترجمين له من الإمامية قد عدّوه من أنفسهم، وردّوا على من نسبه إلى غيرهم(2).
وراجع حول الأقوال في مذهبه: الشيخ محمد حسن آل يس، الصاحب ابن عباد (69 / 86). إلاّ أنّ الشريف أبا القاسم علي بن طاوس الحسني الحلي (589 / 1193 ـ 664 / 1266) عدّه من غير الإمامية، وقال: (وإنْ كان في تصانيفه ما يقتضي موافقة الشيعة في الاعتقاد، لأننا وجدنا شيخ الإمامية في زمانه المفيد محمد بن النعمان، قدّس الله روحه، قد نسب إسماعيل بن عبّاد إلى جانب المعتزلة في خطبة كتاب (نهج الحق) وكذلك رأينا المرتضى، نوّر الله ضريحه، قد نسب إسماعيل بن عبّاد إلى جانب المعتزلة في كتاب (الانصاف) الذي ردّ فيه على ابن عبّاد الذي يتعصّب للجاحظ)(3).
ويقول فيه الرافعي: (...لولا أنَّ بدعة الاعتزال وشنعة التشيّع شّانا
----------------------------------
(1) ويحتمل احتمالا غير مدفوع بيقين أنه مَعْمُر بن عبّاد، البصري، ثم البغدادي (ـ 215 / 830) من أعلام المعتزلة انفرد بمسائل، وله مع النّظام مناظرات. واليه تُنْسب (المعْمرية) من المعتزلة، ووصف بالمغالاة في الاعتزال. (الاعلام ط 4 ـ 7 / 272). معمر بن عباد، ابو المعتمر (أبو عمرو)، وعده ابن النديم من المعتزلة الذين الفوا الكتب، وذكر خمسة من كتبه ابن النديم 207 و 220 سير اعلام النبلاء 10 / 546 المنية والأمل 155 ـ 156 فضل الاعتزال وذكر المعتزلة 171 و266 و270 تاريخ الاسلام (211 ـ 220) 413 ـ 414، الشهرستاني 1 / 65 ـ 68، الانساب 537 / أ اللباب 3 / 237 لسان الميزان 6 / 171 وحيث ان الكتاب لم يصلنا لم يمكنا الجزم بمضمونه.
(2) راجع معالم العلماء / 8، أمل الأمل، 2 / 34 ـ 39، روضات الجنات، 2 / 19 ـ 43، مجالس المؤمنين، 2 / 446 ـ 452، الكنى والالقاب، 2 / 403 ـ 409، الغدير، 4 / 40 ـ 81، اعيان الشيعة، 11 / 231 ـ 374.
(3) اليقين / 174، الذريعة، 25 / 281 ـ 282.

(الصفحة 286)


وجه فضله...)(1).
وهناك من يذهب إلى أنّ الصاحب كان زيدياً، والتوحيدي ينسب إليه هذا المذهب(2).
وقد نشر له الدكتور ناجي حسن (نصرة مذاهب الزيدية)(3) وهو أمال للصاحب أملاها على كاتب فدوّنها، وهي تبحث عن الموارد التي اختلف فيها الإمامية والزيدية، وفي الكتاب ينصر الصاحب رأي الزيدية، والكتاب وصلنا من طريق الزيدية أنفسهم، وأنا أرى أن الصاحب كان في أوّل أمره زيدياً ثم تحوّل فصار إمامياً، إلاّ أنّ جميع ما وصلنا من كتب الصاحب وآثاره في اُصول الدين والعقائد إنّما كتبه بالروح الاعتزالية، ولهذا لم أعدّه من متكلمي الإمامية. وهو ملحق بالمعتزلة لأنّ آثاره الكلامية اعتزالية صرفة إن صحّت نسبتها إليه.
* * *
وقد أعاد الدكتور ناجي حسن طبع هذا الكتاب ببيروت، بعنوان (الزيدية) للصاحب بن عباد (326 ـ 385) الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط 1 ـ 1986، ووصف نفسه في لوحة الغلاف: استاذ ومساعد في التاريخ الإسلامي، ولم يعرض في المدخل لا في الطبعة البغدادية ولا في الطبعة البيروتية لتوثيق نسبة الكتاب إلى الصاحب، ولم يصف المخطوطة أو المخطوطات التي اعتمد عليها، وإنّما أرسله ارسالاً مُسلّماً به.
وأنا أشكّ في صحة النسبة، إن لم اُرجّح عدم صحتها. بل الذي اُرجّحه إنّه عمل أحمد التالين:
----------------------------------------
(1) التدوين في اخبار قزوين، 2 / 293.
(2) اخلاق الوزيرين / 167.
(3) بغداد، مطبعة الجامعة 1395 / 1975.

(الصفحة 287)


1 ـ أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين، أبو الحسين الهاروني الحسني، المؤيَّد بالله الزيدي (333 / 945 ـ 411 / 1021) قام بالإمامة في الجبل والديلم، وتسمّى بالمؤيَّد بالله(1).
وكان أبو الحسين هذا إمامياً من اُسرة إماميّة ثم انتقل إلى الزيدية لعلّه يشير إليها شيخ الطائفة في مقدمة التهذيب، ويقول المترجمون له من الزيديّة إنّه كان هو وأخوه أبو طالب الهاروني الآتي ذكره إماميَّيْن من أب إمامي، ثمّ انتقلا إلى الزيدية. ولا اقتنع أنا بأنّ الباعث للانتقال هو ما يشير إليه شيخ الطائفة. ولعلّه البحث عن (ايديولوجية) والتبني لفلسفة بإمكانها أسناد الثورة ودعوى الإمامة، وقد عثرا عليها في الزيدية! كما قلت في مثله عندما ترجمت للمناصر الزيدي.
2 ـ أخوه يحيى بن الحسين، أبو طالب الهاروني الحسني، الناطق بالحق، الزيدي (340 / 951 ـ 424 / 1033) وكان قد قرأ على الشيخ أبي عبد الله المفيد في جملة من قرأ عليهم(2). وقام بالإمامة بعد موت أخيه(3). ولعلّ البحث المقارن بين ما جاء في الكتاب الذي نشره ناجي حسن وبين أراء أبي طالب هذا يرجح نسبة الكتاب إليه. ولا مجال هنا لتفصيل أكثر من هذا.
* * *
والظاهر أيضاً أن شيخنا المفيد ردّ بكتابه هذا على ابن عبّاد في (كتاب الإمامة) الذي ذكره له (ابن) النديم وغيره ووصفوه بقولهم: (يذكر
-----------------------------------------
(1) الحدائق الوردية، 2 / 65 ـ 67، ومصادر اخرى.) فقد ذكر سزكين من كتبه: (كتاب في نصرة مذاهب الزيدية) (سزكين ـ ط القاهرة ـ 2 / 312 ـ 313 = ط السعودية، 1 ـ 3 / 349 ـ 351).
(2) معجم البلدان، 4 / 612، الانساب، 114 / 2 و214 / 1.
(3) الحدائق الوردية، 2 / 88 ـ 90، تاريخ طبرستان لابن اسفنديار ص101.

(الصفحة 287)


فيه تفضيل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ]عليه السلام[ وتثبيت إمامة من تقدّمه)
69 ـ المسائل العشرة في الغيبة (مطبوع).
70 ـ الجوابات في خروج المهدي عليه السلام.
71 ـ النقض على الطَّلْحي في الغيبة.
]لعلّه: محمد بن علي بن عيسى القمي، يعرف بالطَّلحي (كان وَجْهاً بقم وأميراً عليهامن قبل السلطان ]أي الدوَّلْة[ وكذلك كان أبوه. له مسائل لأبي محمد العسكري،عليه السلام ](232 / 827 ـ 260 / 868) [(1).
72 ـ مسألة في معنى قوله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إني مُخلَّف فيكم الثّقلَيْن) (النجاشي) ولعله نفس = 50 (الثقلان).
73 ـ كتاب في قوله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى).
74 ـ المسألة في اقضى الصّحابة.
75 ـ مسألة في معنى قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (اصحابي كالنّجوم).
76 ـ مسألة في ميراث النبىّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم.
77 ـ الرّدّ على العتيقي (وقد يذكر في بعض النسخ غير المتأكد من صحتها: العقيقي وفي بعض نسخ النجاشي المخطوطة: النَّسَفي) في
------------------------------------------
(1) النجاشي 287، الطوسي الفهرست / 175، مجمع الرجال 5 / 275 ـ 276، ابن داود / 325 ـ 326، العلامة / 160، نقد الرجال / 323، جامع الرواة / 2 / 155، تنقيح المقال، 3 ـ 1 / 158، معجم رجال الحديث، 16 / 378 ـ 379 فلعلّه بعد وفاة العسكري عليه السلام ألّف في الغيبة كتاباً وجد فيه المفيد ما يلزم أن يردّ عليه فنقضه.

(الصفحة 288)


الشورى.
ولم أتحقق من الكتاب ولا مؤلفه، إلاّ إني عثرت على أربعة كتب سميّت بهذا الاسم ـ كتاب الشورى(1) ـ اثنان منها لا يمتنع أن يكون فيهما ما يوجب للمفيد أنْ ينقضه:
أ ـ (كتاب الشورى) تأليف محمد بن عبد الواحد، أبي عمر الزّاهد المُطَرِّز الباوَرْدي ثم البغدادي، المعروف بغُلاَم ثَعْلَب (261 / 875 ـ 345 / 956) وقد اشتهر عنه موالاة معاوية بن أبي سفيان وإبنه يزيد وغُلوّهُ في حبهما والدِّفاع عنهما، وله تأليف في ذلك(2).
ب ـ (الشورى) تأليف أحمد بن محمد بن سعيد، الحافظ أبي العباس ابن عُقْدَة الكوفي (249 / 863 ـ 332 / 944) المحدِّث الزيديّ الشهير، والذي كان يخالط الإمامية ويؤلف لهم أيضاً(3).
والأول من هذين هو الأقرب إلى أن يكون كتاب المفيد نَقْضاً له إن صحّ إنه نقض لأحدهما.
وأما (العتيقي) فإن ّ من عثرت عليه ممن يمكن أن يؤلف كتاباً يجد فيه المفيد ما يلزم نقضه، فهو محمد بن أحمد بن محمد بن منصور، أبو العباس الرُّويَاني ـ ورويان من بلاد طبرستان ـ العتيقي (331 / 942 ـ 943 ـ 413 / 1022) فقيه أهل طرسوس ومفتيهم، وفي أواخر عمره سكن بغداد(4).
وابنه أبو الحسن أحمد (367 / 977 ـ 441 / 1049) أحد ثقات الحفاظ
-------------------------------------------
(1) راجع الذريعة، 14 / 245 ـ 246
(2) وذكر الكتاب في (ابن) النديم / 83، وابن خلكان، 4 / 330، ومعجم الادباء، 7 / 26 ـ 29، وكشف الظنون، 2 / 1431.
(3) والكتاب ذكره الطوسي، في الفهرست / 53، والنجاشي / 74، والذريعة، 14 / 245 ـ 246، ايضاح المكنون، 2 / 306.
(4) تاريخ بغداد، 1 / 353.

(الصفحة 289)


المكثرين(1).
والأب هو الذي عاصر الشيخ المفيد، غير أني لم أجد له كتاباً بهذا الاسم، وأما على نسخة (النسفي) وأنا أشك في صحة هذه النسخة، فإنّه قد جاء في الأنساب 7 / 280 ذكر شيخ كان يقال له: أحمد بن محمد بن عبد العزيز، وكان معتزلياً من رجال القرن الرابع / العاشر.
78 ـ كتاب في تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على سائر أصحابه، صلّى الله عليه وآله وسلّم. 79 ـ تفضيل الأئمة عليهم السلام على الملائكة.
80 ـ الكلام في الخبر المُخْتَلَق بغير أثر.
81 ـ جواب المسائل في اختلاف الأخبار.
82 ـ رسالة في الردّ على البْاقِلاَّني.
وهى في الأصل مناظرة وقعت بين الشيخ المفيد والقاضي الباقلاّني حول النّصّ على أمير المؤمنين، عليه السلام بالإمامة، وقد ذكرناها ضمن مناظرات الشيخ المفيد مع الباقِلاّني (= 13 / 1) افردت في رسالة طبعت في النجف الأشرف ـ المطبعة التجارية.
83 ـ مسألة في (مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه) ـ النجف الأشرف 1370.
84 ـ رسالة في تحقيق لفظ (المَوْلَى) ـ النجف الأشرف ـ المطبعة التجارية.
85 ـ رسالة في سبب استتار الحجّة ـ النجف الأشرف 1370.
86 ـ مختصر في الغيبة ـ النجف الأشرف 1370.
87 ـ مسألة في الغيبة ـ النجف الأشرف 1370.
-------------------------------------
(1) تاريخ بغداد، 4 / 379، الانساب، 9 / 233.

(الصفحة 290)


88 ـ النُّكَت الاعتقادية ـ بغداد، 1343(1).
89 ـ الكامل في علوم الدين.
90 ـ الأركان في دعائم الدين.
يقول شيخنا المفيد: (أخطأت المعتزلة والحشوية فيما ادعوه علينا من خلاف جماعة أهل مذهبنا في استعمال المناظرة، وأخطأ من ادّعى ذلك من الإمامية أيضاً وتجاهل، لأنّ فقهاء الإماميّة ورؤساءهم في علم الدين كانوا يستعملون المناظرة ويدينون بصحّتها، وتلقَّى ذلك عنهم الخلف ودانوا به، وقد اشبعت القول في هذا الباب، وذكرت اسماء المعروفين بالنظر وكتبهم ومدائح الأئمة عليهم السلام لهم في كتابي (الكامل في علوم الدّين) وكتاب (الأركان في دعائم الدّين)...)(2).
30 ـ أجوبة المسائل
واقصد منها، الأسئلة التي وجهت إلى المفيد خاصة، فأجاب عنها، سواء أكانت موجهة من قبل السائل نفسه أم بعثها إليه آخر يسألهُ عنها، لا المسائل التي كانت مثارة وغير موجهة إلى شخص معيّن. وأجوبة المسائل هذه وإن لم يعد كلها إلى الموضوعات الكلامية، إلاّ أن الغالب عليهاـ بالطبع ـ روح الجَدل والنظر والردّ على المخالف ومناقشته.
وإنّما استوعبتها كلّها في هذه القائمة لأنّها تدّل ـ أولاً ـ على جانب هام من شخصية المفيد وتبيّن مدى ما كان يتمتع به من شهرة علمية ومرجعية عامة، لا في الوسط الذي كان يعيش فيه فحسب، بل في عامة البلاد الإسلامية يومذاك، وتدل ـ ثانياًـ على أماكن تواجد الشيعة الإمامية يومذاك والذي قد أغفلته عامة المصادر التي وصلتنا.
------------------------------------------
(1) راجع حولها، الذريعة، 24 / 302.
(2) الفصول المختارة، 2 / 284 ـ ولم يأت لأولهما ذكر في الذريعة، أما الثاني فمذكور في 1 / 525. وذكرهما ابن شهر اشوب في معالم العلماء / 101.

(الصفحة 291)


1 ـ المسائل الصَّاغَانيَّة
وهي إجابة عن كتاب وُجِّه إليه من صاغان ]قرية بمرو ـ خراسان [وقد تسمى (جاغان)(1).
يتضمن ذكر مطاعن طعن بها فقيه حنفي على الإمامية وفقههم (مطبوع)(2).
جاء في أوّلها: (فقد وقَفْتُ، أدام الله عزَّك، على ما ذكرت عن بناحيتك من أصحاب الرأيّ ]اتباع المذهب الحنفي[ وما هو عليه من التحريك في عداوة أولياء الله منهم، والتبديع ]النسبة إلى البدعة[ لهم فيمايذهبون إليه من الأحكام المأثورة عن أئمة الهدى، عليهم السلام، وأنّه قد لح بذكر عشر مسائل عَزَى إليهم فيها أقوالاً قصد بها التشنيع وحكم عليهم بها بالضلالة (...) وسألت بعد ذكرك في كتابك (...) أن أقفك على الحقيقة من ذلك...).
2 ـ الأجوبة عن المسائل الخوارَزْميّة
خوارَزْم: منطقة كبيرة تقع في شمال خراسان ـ الكبرى يومذاك لا الحالية التي لا تمثل إلاّ جزءاً صغيراً منها ـ في الجانب الشرقي لنهر جيحون(3).
3 ـ جوابات المسائل النيسابورية
]نيسابور، من أشهر مدن خراسان، ولا تزال عامرة تحمل نفس الاسم [أشار إليها في المسائل السروية(4).
4 ـ جوابات أبي الحسن النيسابوري
هكذا جاء عند النجاشي، ولعلّها نفس جوابات المسائل النيسابورية التي لم يذكرها النجاشي.
--------------------------------------
(1) معجم البلدان، 3 / 389، الانساب، 8 / 252 الخلافة الشرقية ـ بالانجليزية ـ / 392.
(2) وراجع عدة رسائل / 234 ـ 242.
(3) معجم البلدان، 2 / 395 ـ 398، بلدان الخلافة الشرقية / 443، 446 ـ 459.
(4) عدة رسائل / 223.

(الصفحة 292)


5 ـ جوابات أهل طبرستان (جوابات المسائل الطبرية).
6 ـ جوابات المسائل المازندرانية.
7 ـ جوابات أهل جرجان في تحريم الفُقَّاع.
8 ـ جوابات المسائل الجُرْجانية.
وهي غير التي سبقتها.
9 ـ المسائل السروية.
]سارية ـ وتسمّى اليوم ساري ـ مركز مقاطعة مازندران [(1).
يقول فيها: (فقد وصلني المدرج المنطوي على المسائل من جهة السيد الشريف الفاضل أطال الله عمره ووقفت على جميعها، وضاق المدرج عن إثبات أجوبتها، فأمليت ذلك في كتاب مفرد (المسألة الاولى) ما قول الشيخ المفيد أدام الله بقاه وتأييده وعلاه، وحرس معالم الدين بحياطة مهجته، وأقرّ عيون الشيعة بنضارة أيامه...) وهي كلها حول مباحث كلامية.
10 ـ جوابات المسائل الشيرازية.
وشيراز مدينة شهيرة تقع مركز أقليم فارس في الجنوب الشرقي من إيران. وجاء اسم الكتاب في الذريعة 5 / 225، هكذا: والمفيد نفسه قد أشار في المسائل السروية(2)، إلى جواب المسائل التي وردت من فارس.
11 ـ جوابات المسائل النُوْبَنْدجانية.
هكذا جاء في الذريعة 5 / 240، إلاّ أنّ الوارد في النجاشي: المسائل الواردة عن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الفارسي المقيم بالمشهد ]مشهد عثمان كما يأتي[ بالنوبندجان. وجاء في الذريعة، نقلاً عن (اسامي دهات
--------------------------------------
(1) مطبوع، عدة رسائل / 207 ـ 232.
(2) عدة رسائل / 223.

(الصفحة 293)


كشور / 334)، نشر وزارة الداخلية الإيرانية: نَوْبَنْدكان هي اليوم من توابع فسا، بإقليم فارس(1).
12 ـ جواب أبي محمد الحسن بن الحسين النوبندجاني المقيم بمشهد عثمان.
13 ـ جواب المسائل الواردة من خوزستان(2).
ولم يُذْكر في الذريعة لا في (جواب...) ولا (المسائل...).
14 ـ جوابات أهل الدِّيَنوَر (جوابات المسائل الدُينَورية المازرَانيّة)(3).
15 ـ (جوابات) المسائل العُكْبَريّة = جوابات المسائل الحاجبيّة = جوابات أبي الليث الأواني.
وأوَنَا: بُلَيْدَة من نواحي دُجَيْل كانت تقع بقرب عُكْبَرا(4).
16 ـ جوابات أهل المَوْصِل في العَدد والرؤية ]لأيام شهر رمضان والهلال[ = جوابات المسائل الموصليات.
والموْصل هي المدينة العراقية الشهيرة.
17 ـ جوابات الفارقييّن في الغَيْبة = جوابات المسائل المَيَّافارقيَّات(5).
-----------------------------------------
(1) وراجع معجم البلدان 5 / 307، بلدان الخلافة.../ 263 ـ 265.
(2) معالم العلماء / 101 (ط النجف الاشرف / 113).
(3) كما في الذريعة، 5 / 220 ـ 221، وفيه تفسير لهذه التسمية. ودِيَنَور مدينة كانت تقع في القسم الجبلي من غرب ايران (الجبال) قرب كرمانشاه الحالية ـ معجم البلدان، 2 / 545 ـ 546، بلدان الخلافة الشرقية / 188، 189، 201، 227.
(4) معجم البلدان، 1 / 274 ـ 275 مراصد الاطلاع، 1 / 128، بلدان الخلافة الشرقية / 50، وهي احدى وخمسون مسألة وردت من الحاجب ابي ليث بن سراج فأجاب عنها المفيد ـ راجع الذريعة، 5 / 198، 219، 228.
(5) الذريعة، 5 / 198. وميَافارقين أشهر مدينة بدياربكر، الجزيرة، ويَقع اليوم موقعها ضمن اراضي الجمهورية التركيّة، وكان يحكمها يوم ذاك بنو حَمْدان ـ معجم البلدان، 5 / 235 ـ 238، بلدان الخلافة الشرقية / 111 ـ 112.

(الصفحة 294)


18 ـ جوابات الرفقي(1) = الترفقي(2) = البرقعي في فروع الفقه واظنّه هو: الحسن بن عَنْبَس بن مسعود، أبو محمد الرّافقي (نحو 384 / 994 ـ 485 / 1092) ممن قرأ على الشيخ المفيد، وكان قد سكن الرافقة ـ وهي بلدة كانت متصلة بالرقة على ضفة الفرات ،ثم اتحدتا واُطلق عليهما الرقة، وهي من أعمال الجزيرة، وتقع حالياً في أراضي الجمهورية السُّوريّة(3).
19 ـ جواب أهل الرَّقَّة في الأهِلَّة والعدد.
20 ـ المسائل الحرَّانية.
وحرّان مدينة كانت تقع في القسم الغربيّ من الجزيرة، ويقع موقعها
----------------------------------------
(1) 1 ـ في الذريعة، 5 / 201: (جوابات البرقعي في فروع الفقه) (...) ذكره النجاشي). ومثله في مقدمة التهذيب (1 / 24) واعيان الشيعة، 46 / 22.
2 ـ في النجاشي (ط بمبي) / 285: (جوابات البرقعي) وصحيح في طبعة الافست ـ (نشر مكتبة الداودي ـ قم): (الترقفي) ومثله في (ط طهران / 313: (البرقعي) وفي هامشه عن نسختي (ت) و(ن): الترفقي) وفي ط ش / 400: الترقفي) وفي مجمع الرجال، 6 / 35: (البرقعي) وفي معجم رجال الحديث 17 / 228: (جوابات البرقعي (الترفقي)...). ت ـ كتابخانه ملى تبريز = المكتبة الأهلية ـ تبريز.
ن ـ فخر الدين النصيري.
(2) فلعلها: (الترقفي)، و(ترْقُف) قال السمعاني: (وظّني انها من أعمال واسط) (الانساب، 3 / 37، اللباب، 1 / 212 ـ وفيه: تُرْقف، بضم التاء) وقال ياقوت: (واظنّه من نواحي البَنْدينجين من بلاد العراق) (معجم البلدان، 2 / 23، مراصد الإطلاع، 1 / 259 واضاف: (عند بَاكُسايّا).
ينسب إليه: أبو محمد، العباس بن عبد الله بن أبي عيسى التُرْقفي الباكُسَائي (ـ 267 / 881)، محدّث ثقة مكثر، سكن بغداد (تاريخ بغداد، 12 / 143 ـ 144، الانساب، 3 / 37 ـ 38، الباب، 1 / 212، معجم البلدان ،2 / 23، تهذيب التهذيب، 5 / 119 ـ 120، ولا ضاف في ألقابه: الواسطي)، ومثله تقريب التهذيب، 1 / 397.
(3) معجم البلدان، 3 / 15 58 ـ 60، الانساب، 6 / 42 بلدان الخلافة الشرقية / 101 ـ 103) وكانت له حلقة عظيمة يقرؤن عليه كتب الامامية ـ لسان الميزان، 2 / 242.

(الصفحة 295)


حالياً في أراضي الجمهورية التركيّة(1).
21 ـ جوابات عليّ بن نَصْر العبدجاني.
]لم أعثر على هذا اللقب (العبدجاني) على ذكر ولا على تفسير، واظنه مصحف: (الغُنْدِجَاني) و(غُنْدِجَان) وضبطه السمعاني: (الغَنْدجاني) و(غَنْدَجان) بليدة ـ كانت ـ بارض فارس أو من كور الأهواز ـ كما قال السمعاني أخرجت جماعة من أهل الأدب والعلم(2).
22 ـ الرّسالة إلى الأمير أبي عبد الله، وأبي طاهر ابني ناصر الدولة في مجلس جرى في الإمامية.
وهما: أبو عبد الله الحسين بن ناصر الدولة الحسن بن أبي الهَيْجاء عبد الله ابن حَمْدان التَّغْلبي الحمداني (ـ 380 / 990) وناصر الدولة (ـ 358 / 969) هو أخو سيف الدّولة الأكبر وملك الموصل ،وأخوه أبو طاهر إبراهيم بن ناصر الدولة (ـ 381 / 991)(3).
23 ـ جوابات الأمير أبي عبدالله ]الحمداني[.
24 ـ جوابات ابن نباتة.
وجاء في الذريعة، 5 / 196 ـ 197 إنّه الفارقي، وهو عبد الرحيم بن محمد ابن إسماعيل أبو يحيى ابن نُبَاتة (335 / 946 ـ 374 / 984) الأديب والخطيب الشهير(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم البلدان، 2 / 235 ـ 236، الانساب، 4 / 107، بلدان الخلافة الشرقية / 103، 124.
(2) معجم البلدان، 4 / 216، الأنساب، 411 / 2 و 412 / 1 وذكر جملة منهم، اللباب، 2 / 390 ـ 391، بلدان الخلافة الشرقية / 260، 268، 294.
(3) راجع الدكتور فيصل السامر، الدولة الحمدانية ـ جزءان ـ خاصة، 1 / 270.
(4) الاعلام، 4 / 122 ـ 123، معجم المؤلفين، 5 / 211. ويحتمل أن يكون معاصره السَّعْدي، وهو عبد العزيز بن عمر بن محمد، أبو نَصْر ابن نُبَاتة السَّعْدي التميمي البغدادي (327 / 939 ـ 405 / 1015) ـ معجم المؤلفين، 5 / 255.

(الصفحة 296)


25 ـ جوابات النَّصْر (النَّضْر) بن بَشير في الصِّيام.
26 ـ جوابات بني عرقل.
ـ هكذا جاء في الذريعة، 5 / 202 ـ وفي غيره تصعب قراءته بدقة.
27 ـ جوابات أبي الحسن الحُصَيْني(1).
28 ـ جوابات أبي جعفر محمد بن الحسين اللَّيْثي.
29 ـ جوابات الشرقيين في فروع الدين.
30 ـ مسألة محمد بن الخضر الفارسي.
31 ـ جوابات ابن الحَمَّامي.
اظنّ ظناً قويّاً أنّه هو: علي بن أحمد بن عُمَر بن حَفْص، أبو الحسن بن الحَمَّامي المُقْرى البغدادي (328 / 939 ـ 417 / 1026) مقرىء أهل بغداد ومحدّثهم، كان ثقة صادق ديّناً فاضلاً حسن الاعتقاد(2).
وابن الحمامي هذا من مشايخ شيخ الطائفة الطوسي ويروي عنه(3).
32 ـ جوابات المافَرُّوخي في المسائل.
33 ـ جواب ابن واقد السُّنِّي.
34 ـ جوابات أبي جعفر القمي.
35 ـ جوابات أبي الفرج بن إسحاق عمّا يُفْسد الصَّلاة.
36 ـ جواب أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان ]الكَرَاجكي[.
37 ـ جوابات أبي الحسن سبط المُعَافا بن زكريّا في إعجاز القرآن.
]المُعافا بن زكريا، أبو الفرج النّهرواني البغدادي (303 / 916 ـ
-------------------------------------------
(1) وفي الذريعة، 5 / 197: الحُضَيْني.
(2) تاريخ بغداد، 11 / 329 ـ 330، المنتظم، 8 / 28، الانساب 4 / 232، تذكرة الحفاظ، 3 1073/، شذرات الذهب، 3 / 208، غاية النهاية، 1 / 521 ـ 522، معرفة القراء الكبار، 1 / 376 ـ 377 = 307.
(3) (الأمالي، 1 / 389 ـ 391).

(الصفحة 297)


390 / 1000) فقيه، اُصولي، متكلّم، أديب، شاعر، نحوي، لغويّ، مؤرخ. وكانت له صلة وثيقة بعلماء عصره من الإمامية [(1).
* * *
----------------------------------------
(1) الاعلام 8 / 169، معجم المؤلفين، 12 / 302 ـ303، طبقات اعلام الشيعة، الرابع / 319، وسبطه لم اعثر له على ترجمة.
واهم مصادر ترجمة المفيد: الطوسي، الفهرست / 186 ـ 187، النجاشي 399 ـ 403 = 1067، مجمع الرجال، 6 / 33 ـ 38، تنقيح المقال، 3 ـ 1 / 180 ـ 181، معجم رجال الحديث، 17 / 227 ـ 236، روضات الجنات، 6 / 153 ـ 177، رجال بحر العلوم، 3 / 311 ـ 323، مستدرك الوسائل، 3 / 517 ـ 521، مقدمة تهذيب الأحكام، 1 / 4 ـ 43، مجالس المؤمنين، 1 / 463 ـ 480، تاريخ التراث العربي، 2 / 277 ـ180، الشيخ محمد حسن آل ياسين ن البلاغ، السنة الثالثة، العد الأول، بغداد ،1389 / 1970 / 90 ـ 104، أراء الشيخ المفيد ـ مارتن مكدرموت ـ بالانجليزية ـ.

(الصفحة 298)
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف