البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عجالة المعرفة في أصول الدين تأليف الشيخ الإمام الفقيه العلامة ظهير الدين أبي الفضل محمد بن سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي من أعلام القرن السادس الهجري

الباحث :  السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
اسم المجلة :  تراثنا
العدد :  29
السنة :  السنة السابعة / شوال سنة 1412 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 4 / 2015
عدد زيارات البحث :  2217
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لدينه الحق ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين الذي جاء بالصدق ، وعلى الأئمة المعصومين من آله حجج الله على الخلق . وبعد ، فمما وفقني له ربي أن وفقت على هذا الكتاب القيم ، فوجدته من نوادر تراثنا الغالي . فهو نادر حيث لم يعرف من ذي قبل ، ولم توجد له نسخة ، بل لم يذكر اسمه في شئ من الفهارس ، حتى فات (الذريعة) لشيخنا الإمام الطهراني على سعة تتبعه قدس الله روحه . وهو نادر في نسبته إلى مؤلفه الموصوف (بالإمام العلامة الفقيه) . وهو نادر في أسلوب تأليفه ومنهج ترتيبه الرائع .
وقد وفقني الله جل اسمه للعمل فيه ، فكانت حصيلة الجهد الذي بذلته ، ما أقدمه بهذا الشكل . والله هو المسؤول أن يتقبل عملنا بأحسن القبول ، وأن يوفقنا للمزيد من فضله المأمول بمحمد وآله .

(الصفحة 201)


مقدمة الكتاب
1 - مع المؤلف
1 - اسمه وأوصافه :
قال الشيخ منتجب الدين : محمد بن سعيد بن هبة الله ، الراوندي ، الشيخ ، الإمام ، ظهير الدين ، أبو الفضل ، . . . ، فقيه ، ثقة ، عدل ، عين (1) .
والشيخ منتجب الدين من معاصري المؤلف . ووصفه تلميذه القطب الكيدري ب‍ (الشيخ الإمام) (2).
ووصفه كاتب هذه النسخة ب‍ (الإمام السعيد العلامة) (3) .
2 - لقبه :
هو ملقب ب‍ (ظهير الدين) كما عرفنا في نص المنتجب ، إلا أن كاتب هذه النسخة لقبه ب‍ (قطب الدين) فليلاحظ (4) .
--------------------------------------
(1) فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفيهم : 172 رقم 418 وقد تناقل العلماء هذا النص ، فانظر : أمل الآمل ، للحر العاملي 2 / 274 رقم 807 والفوائد الرضوية للقمي : 537 والثقات العيون للطهراني : 265 .
(2) سيأتي نقل كلامه عند ذكره في تلامذة المؤلف .
(3) لاحظ خاتمة النسخة من كتابنا هذا .
(4) لاحظ نهاية هذه النسخة .

(الصفحة 202)


3 - كنيته :
كنى نفسه ب‍ (أبي الفضل) كما في إجازته لبعض تلامذته (5) وكذلك كناه منتجب الدين كما عرفنا .
4 - نسبته :
نسب المؤلف (راونديا) وهي نسبة أسرته جميعا ، و (راوند) المنسوب إليها بفتح الراء والواو ، بينهما الألف ، وسكون النون ، وفي آخرها الدال [ المهملة ] - كما قال السمعاني : - قرية شيعية من قرى قاشان بنواحي أصبهان (6) وهي لا تزال قائمة ، وفيها آثار قديمة .
5 - أسرته :
(الراونديون) من العلماء كثيرون جدا ، وأكثرهم ينتسبون إلى عائلتين . إحداهما : علوية النسب ، وجدهم أبو الرضا فضل الله بن علي الراوندي الحسني (ت بعد 571) . والأخرى : عائلة القطب الراوندي (ت 573) والد المؤلف . وإليك أسماء من وقفنا على اسمه من عائلة المؤلف :
1 - أبوه : الشيخ الإمام ، قطب الدين ، أبو الحسين ، سعيد بن هبة الله ، الراوندي ، الفقيه المتكلم ، الفاضل في جميع العلوم ، والمصنف في كل نوع ، توفي سنة (573) وهو صاحب (الخرائج والجرائح) و (فقه القرآن) وغيرهما من المؤلفات
-------------------------------------------------
(5) سنقف على نص الإجازة عند ذكر التلميذ المذكور .
(6) الأنساب ، للسمعاني ص 245 ب .

(الصفحة 203)


الكثيرة الممتعة .
ترجم له الشيخ منتجب الدين في الفهرست (ص 87) رقم (186) ، وفي تاريخ الري ، على ما نقله ابن حجر في لسان الميزان (3 / 180) ، وترجم له ابن الفوطي في تلخيص مجمع الآداب (4 / 639) رقم (2799) . يروي عنه أبناؤه ، وكثير من معاصريه .
2 - أخوه :
الشيخ ، نصير الدين ، أبو عبد الله ، الحسين ، العالم الصالح ، الشهيد ، ترجم له المنتجب في الفهرست (ص 65) رقم (111) ، ولاحظ الثقات العيون (ص 75) ، وشهداء الفضيلة للأميني (ص 40) .
3 - أخوه :
علي ، عماد الدين ، الفقيه ، الثقة . لاحظ الفهرست للمنتجب (ص 127) رقم (275) ، والثقات العيون (ص 190) .
4 - أخوه :
أبو سعيد ، هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي . ذكره في الروضات .
5 - ابنه : محمد بن محمد بن سعيد بن هبة الله الراوندي . وقع راويا عن أبيه المؤلف كما سيأتي في الرواة عنه .
6 - ابن أخيه : محمد بن علي بن سعيد ، الشيخ ، برهان الدين ، أبو الفضائل ، الفاضل ، العالم . ذكره المنتجب في الفهرست (ص 172) رقم (419) .

(الصفحة 204)


تنبيه :
ولا بد أن يميز المؤلف عن (محمد بن سعيد بن هبة الله بن دعويدار القمي القاضي) وفي نسخة (بن سعد) . وهو مترجم في الفهرست للمنتجب (ص 185) رقم (479) وهو من (آل دعويدار) أسرة علمية عريقة في (قم) أنجبت كثيرا من العلماء والقضاة في القرنين الخامس والسادس . فلاحظ الفهرست للمنتجب (ص 11) هامش (3) .
6 - مشايخه :
يروي عن أبيه القطب الراوندي . وقد وقع في سند رواية أوردها ابن العديم في ترجمة أبي جعفر الحلبي (7) ، من تلامذة الشيخ الطوسي : قال ابن العديم : أخبرنا أبو المؤيد ، محمد بن محمود بن محمد ، قاضي خوارزم ، قال :
أخبرنا محمد بن محمد بن سعيد الراوندي ، قال : أخبرني والدي ، محمد بن سعيد بن هبة الله ، الراوندي ، قال :
أخبرني والدي ، قطب الدين ، سعيد بن هبة الله بن الحسن ، الراوندي ، قال : أخبرنا الشيخ أبو جعفر الحلبي ، قال : أخبرنا الشيخ ، الفقيه ، الثقة ، أبو جعفر ، محمد بن الحسن ، الطوسي ، قال : أخبرنا الشيخ المفيد ، محمد بن محمد بن نعمان الحارثي ، قال : أخبرنا أبو الطيب ، الحسين بن علي بن محمد ، التمار ، عن محمد بن أحمد ، عن جده ، عن علي بن حفص المدائني ، عن إبراهيم بن الحارث ، عن عبد الله بن
-----------------------------------------
(7) هو محمد بن علي بن المحسن ، أبو جعفر الحلبي ، ترجم له المنتجب في الفهرست : 155 رقم 357 وصرح برواية القطب الراوندي عنه ، فلاحظ .

(الصفحة 205)


دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي) (8) .
وقد صرح القطب الكيدري أن المؤلف يروي كتب أصحابنا عن أبيه . كما سيأتي . ولا بد أن المؤلف لقي أعلاما من رجال الطائفة وروى عنهم إلا أنا لم نقف على شئ من أسمائهم .
7 - الرواة عنه :
روى عن المؤلف عدة من العلماء ، وقفنا منهم على :
1 - ابنه محمد : كما مر في سند الحديث الذي رواه ابن العديم ، ونقلناه سابقا .
2 - قطب الدين الكيدري : هو محمد بن الحسين بن الحسن ، البيهقي ، الشيخ أبو الحسن النيسابوري ذكر في كتابه (بصائر الأنس بحاظر القدس) أن له إجازة رواية كتب الأصحاب ، عن الشيخ الإمام محمد ، بن السعيد بن هبة الله ، الراوندي ، وهو يرويها عن والده القطب الراوندي . نقل ذلك الشيخ النباطي في كتابه (الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم) (9) .
3 - الجاسبي القمي :
الشيخ علي بن محمد بن علي ، رشيد الدين ، الجاسبي القمي
----------------------------------------
(8) بغية الطلب ، لابن العديم : 4375 في الجزء العاشر .
(9) لاحظ : الثقات العيون : 260 .

(الصفحة 206)


الفقيه (10) .
قرأ على المؤلف كتاب (النهاية) للشيخ الطوسي ، فكتب المؤلف على نسخته بلاغ القراءة ، وأجاز له رواية الكتاب عنه ، وإليك نص ما كتبه : (قرأ علي شيخ ، الإمام ، العالم ، وحيد الدين ، جمال الإسلام ، أبو القاسم ، علي بن محمد بن علي ، الجاسبي ، أدام الله سداده . وأجزت له روايته عني ، عن مشايخي ، عن المصنف ، رضي الله عنهم . وقد بينت له الطرق في رواياتي عنه . وكتب أبو الفضل الراوندي محمد بن سعيد بن هبة الله الراوندي في شهور سنة ثمانين وخمسمائة هجرية حامدا ، مصليا ، مسلما) (11) و (جاسب) المنسوب إليها الشيخ الراوي ، من قرى مدينة (قم) وهي قائمة آهلة حتى الآن .
4 - أبو طالب ابن الحسين الحسيني :
ذكر شيخنا العلامة الطهراني : أنه وجد على نسخة من (النهاية) للشيخ الطوسي ، محفوظة في مكتبة (ملك) في طهران : أن (أبا طالب) المذكور تلميذ
----------------------------------------
(10) ترجمة المنتجب في الفهرست : 137 رقم 312 .
(11) جاء نص هذه الإجازة في مجلة معهد المخطوطات العربية ، التي تصدر في القاهرة ، في المجلد الثالث ، الجزء الأول ، الصادر في شوال سنة (1376) عن نسخة من (النهاية) كانت في خزانة محمد أمين الخونجي في طهران . وعن النسخة فلم في أفلام دانشگاه طهران ، برقم 2095 ، ولاحظ الذريعة : 24 / 404 .

(الصفحة 207)


الراوندي محمد - المؤلف - .
وأن أبا طالب أجاز تلك النسخة لكاتبها محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن في سنة (633) (12) .
5 - علي بن يوسف بن الحسن ، علاء الدين :
نسخة من (نهج البلاغة) رقم 5690 ، في المكتبة المرعشية - قم ، كما في فهرسها 15 / 87 ، ومصورات من بعض صفحاتها في نهاية ذلك الجزء بالأرقام 43 - 49 . وعلى النسخة قراءات وإجازات وبلاغات إنهاء من :
1 - يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد .
2 - أبو الفضل الراوندي .
3 - سعيد بن هبة الله بن الحسن [ القطب الراوندي ] . ونص بلاغ قراءة أبي الفضل وإجازته لروايته : (قرأ علي الشيخ الإمام علاء الدين جمال الحاج والمحرمين ، علي بن يوسف بن الحسن دام توفيقه وإلى كل طريقه هذا المجلد قراءة محقق مدقق . وأجزت له روايته عني عن جماعة عن المصنف رضي الله عنهم وعنا . وكتب أبو الفضل الراوندي [ حامدا ]) وقد ترجم صاحب الرياض للمجاز في رياض العلماء 4 / 293 وذكر هذه الإجازة بعينها ، وتحدث عن تلك النسخة بتفصيل .
--------------------------------------
(12) لاحظ الذريعة : 24 / 404 .

(الصفحة 208)


ونورد - في النماذج المصورة الآتية - صورة خط المؤلف من هذه النسخة ، وكذلك صورة خط والده القطب الراوندي الموجودة في نفس النسخة .

(الصفحة 209)


2 - مع الكتاب
1 - موضوعه :
يبحث الكتاب عن أصول الدين ، والعلم المتكفل لمثل هذا البحث هو (علم الكلام) .
ويتميز - بين العلوم - بوجوبه العيني على كل منتم إلى الدين الإسلامي الحنيف ، بل على كل إنسان يتمتع بنعمة العقل ، ومخاطب بنداء الضمير والفطرة ، حيث تدعوه إلى البحث عن المسائل الأساسية المطروحة في هذا العلم . وقد سلك العلماء مناهج عديدة للوصول إلى (إثبات هذه الحقيقة) وتوضيح هذا الوجوب ، وإيصال ذلك الخطاب ، وتوجيه تلك الدعوة . ويمكن اختصار القول في ذلك بأن الالتزام بعقيدة محددة ، هو الأساس اللازم ليرسم الإنسان خطة معينة يسير عليها في حياته ، وكلما كان الأساس قويما رصينا ، كانت الخطة المبتنية عليه والمرسومة حسبه موصلة ، شاملة ، موثوقة . ومن الواضح ، أن الإنسان - مهما كانت اتجاهاته وقدراته وتطلعاته - فإنه مجبول على الفطرة السليمة ، وموهوب له العقل الهادي ، فهو - لو خلي وطبعه - يحس بهاجس هذين العاملين ، فلا بد أن يحس بضرورة مثل هذا المعتقد ، ويتوجه إلى لزوم مثل تلك الخطة . وإن من أهم ما يعتني به علماء الكلام ، ويحاولون إبراز قدراتهم العلمية ، وإبداعاتهم المنهجية فيه ، هو إبراز هذه الحقيقة وإثباتها ، ولهذا - بعينه - اختلفت مناهجهم ، وتعددت أساليبهم في عرض الكتب والمؤلفات .

(الصفحة 210)


2 - منهج المؤلف :
وقد أبدع المؤلف في رسم منهج فريد ، يعتمد عنصر (الحاجة) التي يحسها كل إنسان في وجوده ، فهو ليس بمستغن عمن سواه ، وهذا إحساس فطري ، وبديهي ، غير قابل للانكار ، وقد ذكر الله تعالى بهذا الاحساس في قوله : (يا أيها الناس ، أنتم الفقراء إلى الله ، والله هو الغني الحميد) سورة فاطر (35) الآية (15) وقوله تعالى : (والله الغني ، وأنتم الفقراء) سورة محمد (47) الآية (38) . ثم إن كانت (الحاجة) محسوسة ، فطريا ، فإن رفضها ونفيها أمر مطلوب للانسان ، لأنها نقص ملموس ، ولذلك كان (الكمال) الذي يضاده أمرا مطلوبا ، بالطبع الأولي ، والفطرة السليمة ، بل هو من المقاصد العالية والشريفة للانسان على الأرض . وهذا الاحساس هو الذي تؤكد عليه الشرائع بأنبيائها وكتبها ، وإرشاداتها ، ومدارسها ، وما تملك من سبل ، وطرق ، وأدوات ، وعوامل . ولا بد للانسان أن يتجاوز حد (الحاجة) وما فيها من نقص ، ويصل إلى الكمال ، فيكون (غنيا بالله عمن سواه) كي يليق بمقام (الخلافة عن الله) في الأرض ، وإلا : فالفقر سواد الوجه في الدارين ، كما ورد في الأثر الشريف (13) .
3 - أسلوب الكتاب :
وعلى أساس من ذلك المنهج القويم ، والراسخ ، والمتين ، ألف الشيخ الإمام المؤلف كتابه القيم (عجالة المعرفة) هذا الذي نقدم له . وقد اتخذ له أسلوبا رائعا ، في جانبي العبارة ، والترتيب :
---------------------------------------
(13) حديث نبوي ، لاحظ : سفينة البحار ، للقمي 2 / 378 .

(الصفحة 211)


ففي العبارة :
لا تجد أي تعقيد ، أو غرابة ، أو صعوبة ، بل على العكس من كل ذلك ، يحاول التوضيح والتيسير ، والتقريب . ويعتمد على الحجة والاستدلال على كل حكم في كل قضية ، حتى لا نجد فيه أمرا ، غير مستدل عليه ، على الإطلاق . وهذا - مع الالتزام بالاختصار الشديد والوجازة البليغة - أمر ملفت للنظر ، ويدل على عبقرية أدبية فائقة . ومن جهة أخرى لا تكاد تجد في كل الكتاب - على استيعابه لموضوعات أصول الدين كلها - جملة زائدة مستغنى عنها . وهذا - أيضا - يدل على نباهة ودقة وعمق.
وفي الترتيب :
حيث عمد إلى ربط فصول الكتاب ، على اختلاف مواضيعها وبحوثها ، بشكل يلمس القارئ (منطقية) ترتيب الفصول ، كما هو الحال في ترتيب مقدمات قياس برهاني متكامل . وهذا ما يجعل القارئ يتابع الكتاب ، متنقلا من فصل إلى آخر بيسر ، ورغبة ، واستيعاب .
ففي مقدمة الكتاب :
أورد الاعتماد على الأساس الذي اعتبره (منهجا) لتفكيره ، وهو إثبات (أصل الحاجة) الذي يتوصل به إلى (المعرفة) ولزومها وضرورتها .

(الصفحة 212)


وفي الفصل الأول :
وعلى ذلك الأساس ، أثبت وجود الصانع ، وأثبت له الصفات الإلهية ، الثبوتية الجلالية ، والسلبية الإكرامية . ومهد في آخر الفصل للحاجة إلى (النبوة) باعتبارها طريقا إلى (الكمال) المنشود .
وفي الفصل الثاني :
دخل في بحث (النبوة) وخصائصها ، ولوازمها . ومهد في نهايته (للإمامة) باعتبارها استمرارا لأداء مهمة هداية الأمة .
وفي الفصل الثالث :
دخل في بحث (الإمامة) وتحديد شرائطها ، وتعيين المتأهلين لها ، وهم (الأئمة الاثنا عشر) حتى الإمام الثاني عشر ، الذي أثبت صحة (غيبته) وأسرارها . وفي نهاية الفصل مهد للبحث عن (المعاد) وشؤونه ، على أساس أن الداعي إلى وجود الإمام ، وهو حفظ النظام ، ولا يتم إلا بثبوت الجزاء ، من ثواب للطاعة ، وعقاب للعصيان ، إلى آخر ما تستتبعه من أمور .
وفي الفصل الرابع :
يدخل في البحث عن (العدل والوعد والوعيد) وما يترتب على ذلك من شؤون (المعاد) . مستندا إلى أن (الكمال) البشري المنشود ، لا يتوصل إليه إلا بوجود

(الصفحة 213)


ذلك ، إذ لولاه لما استقر للتكليف والنظام أثر منظور ، ولم يفرق بين الحق والباطل ، ولا بين المعصية والطاعة ، فلم يتوصل إلى (الكمال) المنشود . وهكذا قدم المؤلف في هذه الرسالة مجموعة موجزة عن (أصول الدين) الاعتقادية : التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد .
4 - أهمية الكتاب :
وبعد الالتفات إلى أن الكتاب واحد من عيون التراث الكلامي في المكتبة الإسلامية .
وواحد من مؤلفات علمائنا ، التي كانت من الكنوز المخفية . فإن أهميته ليس في تلك الجوانب ، فحسب ، بل باعتباره دالا على اتصال حلقات (العقيدة الشيعية الإمامية) وتواصل حلقاتها المعرفية ، عبر القرون ، إذ يمثل هذا الكتاب هذا الفكر في القرن السادس الهجري ، وبنفس العمق والقوة والأبعاد التي يتمتع بها في القرن الحاضر ، والحمد لله .
5 - اسم الكتاب :
جاء في آخر النسخة المعتمدة ما نصه : نجز تحرير هذه الرسالة ، وهي مختصر (عجالة المعرفة) . والظاهر أن أضافة كلمة (مختصر) إلى (عجالة المعرفة) إضافة بيانية ، أي المختصر الذي هو العجالة ، وليست إضافة لامية حتى يكون هذا مختصرا لكتاب آخر مسمى بالعجالة . إذ لم نجد في ما بأيدينا من مصادر التراث كتابا آخر بهذا الاسم . كما أنه يبعده تكرار المؤلف في هذا الكتاب التعبير بأنه لا يتحمل التفصيل ، مما يدل على أن بناءه على الإيجاز والاختصار . مع أن لفظة (العجالة) تقتضي أن يكون وضع الكتاب المسمى بها على

(الصفحة 214)


الإيجاز فلا مورد لأن يختصر منها كتاب آخر . فإن (العجالة) - بضم العين وكسرها - تأتي في اللغة لمعان : منها : أن يعجل الراعي من الرعي لبنا إلى أصحاب الغنم قبل أن تروح إليهم . ومنها : ما تعجلته من شئ ، كطعام يقدم قبل إدراك الغذاء . ومنها : ما تزوده الراكب مما لا يتعبه أكله كالتمر والسويق ، لأنه يستعجله ، أو لأن السفر يعجله عما سوى ذلك من الطعام المعالج (14) .
وتستبطن الاختصار ، والاقتصار على الجاهز من الحاجة . والمناسب لاسم الكتاب ، أنه يؤدي دورا جاهزا في (المعرفة) بشكل يغني عما سواه بصورة مستعجلة . وقد سميت كتب تراثية بهذا الاسم (العجالة) منفردة ، أو مضافة إلى شئ (15) .
ولم يرد اسم هذا الكتاب في شئ من فهارس الكتب والمخطوطات إلا في فهرس مكتبة جامعة طهران المركزية ، حيث توجد النسخة المعتمدة (16) .
6 - نسخة الكتاب :
النسخة المعتمدة للكتاب هي نسخة فريدة ، موجودة في مجموعة كبيرة معروفة باسم (الدستور) وهي برقم (2144) في المكتبة المركزية لجامعة طهران . وتقع رسالتنا في الصفحات (415 - 424).
----------------------------------------
(14) لسان العرب ، مادة (عجل) : 13 / 453 .
(15) لاحظ فهرس الفهارس والأثبات ، للكتاني ج 3 : 314 - 315 .
(16) فهرست كتابخانه مركزي دانشگاه طهران : 9 / 804 .

(الصفحة 215)


وقد جاء في نهايتها ما نصه :
(قد نجز تحرير هذه الرسالة ، وهي مختصر (عجالة المعرفة) من تصانيف الإمام السعيد العلامة ، قطب الدين ، محمد ، ابن الإمام الصدر ، السعيد ، حجة الحق ، هادي الخلق ، قطب الدين ، شيخ الإسلام ، أبي الحسين ، سعيد بن هبة الله بن الحسن ، الراوندي ، قدس الله تعالى أرواحهم . بحق محمد وآله الطاهرين ، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين الطيبين الطاهرين ، وذلك في بعض من يوم الخميس ثامن عشر شوال . . . . . . . . . (17) سنة 986 (18) و (19) .
7 - تحقيقه :
قمنا في سبيل إحياء هذا الكتاب بالأعمال التالية :
1 - ضبط نصه ، حسب النسخة الفريدة .
2 - تقطيعه بشكل تبدو قوة بناء الجملة فيه ، ويبدو نسق مطالبه المعروضة وفق القانون المنطقي ، باعتباره كتابا يعتمد الحجة والدليل في كل قضاياه . وقد أشرنا إلى اعتماد المؤلف لهذا الأسلوب في تأليف الكتاب .
3 - تصحيح ما بدا من عبارته ، إما بتعديل النص مباشرة ، ثم الإشارة إلى ما كان في النسخة من الهوامش . أو بجعل ما أضفناه على النص بين معقوفتين .
4 - وقد أعربنا تمام المتن ، إبرازا لأهميته ، وإسهاما في توضيح مراده .
-------------------------------------------
(17) هنا كلمات غير مقروءة .
(18) كتب هنا (قوبل) .
(19) فهرست كتابخانه مركزي دانشگاه طهران ج 9 : 804 .

(الصفحة 216)


5 - ووضعنا له هذه المقدمة المحتوية على الحديث عن المؤلف ثم عن الكتاب ، سعيا في التعريف بالمؤلف بأوسع ما بالامكان ، ومن خلال ما وقع في أيدينا من أدوات ومصادر .
6 - ونرى لزاما علينا أن نقدم وافر التقدير إلى سماحة العلامة المحقق السيد الطباطبائي ، حيث أسعفنا بمعلومات قيمة عن المؤلف ، ووضع تعليقاته القيمة على كتاب (الفهرست) لمنتجب الدين - الذي حققه قبل سنوات - فاستفدنا منها . ونحن إذ نشكر الله على هذا التوفيق ، حيث ادخر هذا الكتاب القيم لنعمل في إحيائه ، نسأله أن يسهل لنا الطريق لما يحب ويرضى ، وأن يتقبل أعمالنا ، ويغفر ما سلف من سيئاتنا ، ويعصمنا فيما بقي من عمرنا ، ويحشرنا مع الصالحين ، بحق محمد وآله الطاهرين . وقد تم تحقيقه والتقديم له يوم الجمعة العشرين من شهر شعبان المعظم سنة ثلاث عشر وأربعمائة وألف للهجرة النبوية المقدسة .
وكتب
السيد محمد رضا الحسيني
حامدا مصليا

(الصفحة 217)


صورة الورقة الأولى من مخطوطة (عجالة المعرفة) .

(الصفحة 218)


صورة الورقة الأخيرة من مخطوطة (عجالة المعرفة)

(الصفحة 219)


مصورة الورقة الأخيرة من نسخة (نهج البلاغة) تظهر فيها إجازة المؤلف ظهير الدين أبي الفضل الراوندي

(الصفحة 220)


مصورة الورقة الأخيرة من نسخة (نهج البلاغة) تظهر فيها إجازة والد المؤلف القطب الراوندي

(الصفحة 221)


متن الكتاب :
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
الحمد لله كما هو أهله ، وصلواته على محمد وآله أجمعين . [ مقدمة ] : إعلم أن العبد إذا نشأ بإنشاء الله إياه ، لا يخلو : إما أن ينشأ وحده على ، أو مع غيره : ووحده لا يخلو : إما أن يكون مستقلا بنفسه ، أو لا يكون . ومعلوم أن أكثر الناس - بل كلهم - يعلمون من أنفسهم احتياجهم إلى غيرهم ، وذلك أول مراتب الاحتياج . وإذا كان وحده محتاجا ، يعلم أن المحتاج إليه ممن تنتهي إليه الحاجة ، وهو لا يحتاج إلى غيره : إذ لو أحتاج إلى غيره لانتهى إلى غير نهاية ، وهو محال . والذي ينشأ مع غيره يعلم أن غيره - في حقيقة الحاجة - مشاركه ، فيعلم أن حال غيره كحاله في الحاجة . فيضطر : أن المحتاج لا بد [ له ] من محتاج إليه .
------------------------------
(1) كتب في النسخة هنا : (رب وفق بحق وليك الرضا عليه الصلاة والتحية والتسليم) .

(الصفحة 222)


فصل
[ في الصانع وصفاته ]
لما ثبت أن المتغير محتاج ، والعالم - بجميع أجزائه وتركيبه - متغير ، فهو محتاج ، والمحتاج لا بد له من محتاج إليه ، وهو صانعه .
مسألة [ في غناه ، ووجوبه ، وقدرته ] :
ولما ثبت هذا ، فلا بد أن يكون هو غنيا من كل وجه : إذ بينا أن الحاجة علة لإثبات المحتاج إليه ، فهو - بذاته - مستغن عن كل شئ ، فيكون واجب الوجوب بذاته ، وكل شئ سواه يحتاج إليه .
وإذا كان مؤثرا ، فلا بد أن يكون تأثيره على وجه يصح أن يفعل ويصح أن لا يفعل ، وهذا معنى كونه قادرا . مسألة [ في علمه ] : ولما ميز بين أجزاء الأفعال ، وقصد بعضها دون بعض ، وركبها على وجه تصلح للنفع ، واستمر ذلك منه ، دل على كونه عالما .

(الصفحة 223)


مسألة [ في حياته ، ووجوده ] :
ولما علم أنه قادر ، ثبت أنه حي ، موجود : إذ يستحيل تصور عالم قادر غير حي ، ولا موجود . على أنا أثبتنا - أولا - وجوب وجوده ، وإذا كان الممكن المحتاج موجودا ، فواجب الوجود - الذي لا يحتاج إلى غيره - بالوجود أولى .
مسألة [ في الإرادة ، والاختيار ] :
ويتفرع من كونه حيا ، وعالما أنه لا بد أن يعلم الأشياء كما هي ، إذ لا اختصاص لكونه عالما بمعلوم دون معلوم . فيعلم ما يفضي إلى صلاح الخلق ، وما يؤدي إلى فسادهم ، فيختار ما يفضي إلى صلاحهم ، ويعبر عنه بالحسن ، ولا يختار ما يؤدي إلى فسادهم ، وهو القبيح .
ثم ذلك الاختيار ، لا يخلو : إما أن يتعلق بفعله ، أو بفعل غيره : فما يتعلق بفعله يكون علمه بحسنه داعيا إلى فعله ، فيسمى مريدا . وما يتعلق بفعل غيره ، يعلمه أن صلاحه في بعض ، وفساده في بعض ، فيكون إعلامه ، أمرا ، ونهيا ، وخبرا . ويسمى كارها ، إذا تعلق علمه بقبح شئ ، ويصرفه علمه عنه ، أو ينهى عنه غيره .

(الصفحة 224)


مسألة (في الإدراك) :
وعلمه - أيضا - يتعلق بالمعدوم والموجود . فما يتعلق بالمعدوم يسمى كونه عالما ، فحسب . وما يتعلق بالموجود المدرك يسمى كونه مدركا . والسمع ورد بأن يوصف - تعالى - بكونه سميعا ، بصيرا ، وإلا ، فقد كفانا إثبات كونه عالما بجميع المعلومات أنه يعلم المدركات ، والمسموعات ، والمبصرات إذ ليس إدراكه لشئ منها من جهة الحاسة .
مسألة (في القدم ولوازمه) :
وإذا ثبت أنه تعالى واجب الوجود من كل وجه ، فلا يتوقف وجوده على غيره ، فلا يحتاج إلى فاعل ، ولا شرط ولا علة ، ولا زمان ولا مكان ، ولا غاية ولا ابتداء ولا انتهاء .
لأن هذه الأشياء غيره ، وقد قررنا أنه لا يحتاج إلى غيره . فيكون قديما - موجود أزلا ، إذ هو عبارة عما لا أول له ، ولا يزال ، إذ هو عبارة عما لا آخر له - : إذ لو توقف وجوده على الابتداء والانتهاء لبطل وجوب وجوده ، وقد ثبت وجوبه .
مسألة (في التوحيد ولوازمه) :
وإذ قد ثبت وجوب وجوده ، فهو واحد من كل وجه لا ثاني له :

(الصفحة 225)


لأنه لو كان له ثان واستغنى عنه من كل وجه : لما استغنى عنه في العدد ، وهو كونهما اثنين ، وقد فرضناه غنيا من كل وجه . وأيضا : لما تميز الواحد من اثنين إذ كان من كل وجه مثله ، فبماذا يتميز منه ؟ ! وإثبات ما لا يتميز يفضي إلى الجهالات . وكما لا ثاني له فلا جزء له : لأنه لو كان له جزء لاحتاج إلى ذلك الجزء فيكون محتاجا إلى غيره وقد فرضناه غنيا من كل أحد . فقد ثبت أنه واحد لا ثاني له ، ولا جزء له .
مسألة (في التنزيه ولوازمه) :
ولما ثبت غناه ، وعلمه فكل ما يجوز على المحتاج لا يجوز عليه : فلا يحتاج إلى الجهة ، ليشغلها فلا يكون جوهرا . ولا إلى التركيب ، فلا يكون جسما . ولا إلى المحل ، فلا يكون عرضا . ولا إلى الزمان ، إذ قد ثبت قدمه ، فبطل عدمه . ولا إلى المكان : إذ هو من لواحق الجسم . ولا يختار إلا ما هو صلاح العباد ، لأنه لا يحتاج إلى فعله ، فلا بد من أن يكون قد خلق الخلق لغاية تؤدي إليها حكمته وتلك الغاية تكون كمال خلقه .

(الصفحة 226)


والطريق إلى ذلك الكمال لا يخلو : إما أن يفعله هو ، (أ) وأن يعلمنا الطريق إليه : ومن يفعله هو ، لا يخلو : إما أن يفعله - أولا - لا من شئ ويسمى ذلك الفعل مخترعا .
أو يخلق شيئا من شئ وهو المتولد . والمخترع يكون مبدأ المتولد ، لأنه لا بد وأن يبتدئ أولا ، ثم يخلق منه شيئا . فقد عرفت - حينئذ - أن الملائكة ملأ خلقهم الله - تعالى - لا عن شئ لما علم أن كنه قدرة البشر لا يبلغ أدنى أثر ، جعل الملائكة واسطة المتولدات وهم الذين ذكرهم الله في كتابه : من حملة عرشه وسكان سماواته والذاريات والمرسلات وغيرهم ، ممن لا يعلمهم إلا الله - تعالى - كما قال : (. . . وما يعلم جنود ربك إلا هو . . .) (الآية (31) من سورة المدثر (74)) . والمقصود من هذا : أن العبد لا يصل إلى كماله ونجاته إلا : إما بفعله : كخلقه . (أ) وبعث الملائكة إلى ما يحتاج إليه ، وإعلامه بأن كماله فيما هو ؟ وهو الكلام في النبوات .

(الصفحة 227)


فضل
في النبوة
تقتضي حكمة الصانع - تعالى - إعلام العبد أن كماله فيما هو ؟
وكم هو ؟
وكيف هو ؟
وأين هو ؟
ومتى هو ؟
وهذه الأشياء مما لا تهتدي إليه عقول البشر ، لأنها تفاصيل مقتضى العقل ، لأنه يقتضي أن طلب الكمال ، حسن ، والهرب من الهلاك واجب ، وهو دفع المضرة ، ولكنه لا يهتدي إلى طريق كل واحد منهما - من الكمال والهلاك - .
فيختار الحكيم من (1) يستعد لقبول تفاصيل الكمال ، ولكن بواسطة الملائكة - الذين هم خواص حضرته - فيفضي إليه ما هو سبب كمالهم ، فيسمى (نبيا) . وقبوله من الملائكة يسمى (وحيا) . وتبليغه إلى الخلق يسمى نبوة) .
--------------------------------
(1) في المخطوطة جاءت كلمة (إن) هنا ويمكن أن تكون شرطية فليلا حظ .

(الصفحة 228)


ولا بد أن يكون ممن لا يغير ما يوحى إليه ، ويؤمن عليه من الكذب ، والتغيير ويسمى (عصمة) وهي : لطف يختار عنده الطاعة ، ويصرفه عن المعصية مع قدرته على خلافه .
فيظهر الله عليه من العلم ما يدل على صدقه بعد دعواه ويكون ذلك خارقا للعادة ومما يعجز عنه غيره فيسمى معجزا) . وما يظهره من الطريق إلى النجاة والدرجات يسمى شريعة . ثم لا تخلو تلك الشريعة من أن تتعلق بمصالح العبد آجلا ، أو عاجلا : فالمصالح الآجلة تسمى عبادات . والمصالح العاجلة تسمى معاملات . كما هي مذكورة في كتب الفقه . فيضع كل أمر موضعه ويعلم كل من يطلب مبدأه ، ومعاده والطريق إليه ، وينظم الخلق على نظام مستقيم . وتلك الغاية التي يعلمنا أنها كمالنا ، تسمى معادا وآخرة) .
ويعلمنا - أيضا - مقادير العبادات ، والمعاملات وكيفياتها ، وأين يختص بالتوجه إليه ؟ كالقبلة ، ومتى يجب ؟ كأوقات العبادات .
ومتى خالفنا ذلك ، إلى ماذا يصير أمرنا ؟ ونهلك هلاكا دائما ؟ أو منقطعا ؟ . هذه كلها مما لا يعلم إلا بواسطة . فعلمنا أن الخلق محتاجون - في هذه الوجوه - إلى من يعلمهم

(الصفحة 229)


هذه الأشياء .
فلما ثبت - على الجملة - وجوب النبوة بقي علينا أن نثبت نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو : أن الناس ضربان : ضرب منهم من ينكر النبوة ، أصلا . ومنهم من يثبتها ، ولكنه ينكر نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد بينا أن الدليل على صحة نبوة كل نبي العلم المعجز .
وإذا تقرر هذا ، فظهور معجز نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أجلي ، وأمره في ذلك أعلى ، فهو بالنبوة أولى . وهو : القرآن : الظاهر بين ظهراني البر والفاجر والباهر بفصاحته على فصاحة كل ماهر .
وغيره ، مما ذكر أقله لا يحتمله هذا الموضع ، فضلا عن أكثره .
ولما ثبت - بالتجربة وعليه البراهين المعقولة التي ليس هيهنا موضع ذكرها - أن الإنسان لا يبقى في الدنيا أبدا ، فلا بد أن يرجع النبي إلى معاده ، ويبقى بعده من يحتاج إلى هذه الأشياء وإلى النظام في أمور الخلق فيفضي جميع ما تحتاج إليه أمته إلى من يؤمن عليه من التغيير والتبديل . وهو الكلام في الإمامة .

(الصفحة 230)


فصل في
الإمامة
إعلم أن الوصول إلى الكمال والتمام لا يحصل إلا بالنظام ، وذلك لا يتم إلا بوجود الإمام .
فوجوده مقرب إلى الطريق المفضي إلى الكمال . ويأمر بالعدل ، وينهى عن الفحشاء والمنكر ، فلا بد من وجوده ، ما دام التكليف باقيا . ويجب أن يؤمن عليه مثل ما يؤمن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، من التغيير والتبديل فيكون معصوما . ويجب أن يكون أعلم أهل زمانه ، فيما يتعلق بالمصالح .
الدينية والدنيوية .
ونعلم أنا لا نعرف من هذه صفته إلا بإعلام من قبل الله ، وهو : إما بالعلم المعجز عقيب دعواه ، عند فقد حضور النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وإذا ثبت هذا ، فالإمام - على هذه الصفات ، بعد نبينا صلى

(الصفحة 231)


الله عليه وآله وسلم ، بلا واسطة - أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام . لأن الناس ضربان : أحدهما لا يوجب الإمامة ، وهذا يكذبه فعله ، واحتياجه إلى الإمام .
والآخر يوجبها . والقائل بوجوبها على ضربين : منهم من قال بوجوبها شرعا ، وهو باطل لأنه لو لم يرد الشرع لعلمنا أن الخلق لا بد لهم من ناظم يكون أعلم منهم بنظمهم على طريق مستقيم . ومن قال بوجوبها عقلا :
يعتبر الصفات التي ذكرناها ، وكل من أثبت الصفات لم يثبتها إلا لأمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام . فالقول بوجوب العصمة ، مع إثباتها لغيره خروج عن الإجماع . ولأن الأخبار المتواترة - من طريق الخاصة والعامة - دلت على تنصيص النبي صلى الله عليه وآله السلام ، عليه وعلى أولاده .
والأخبار المتواترة تقضي إلى العلم إذا لم تكن عن تواطؤ ، ولا ما يجري مجرى التواطؤ من المراسلة وهذا لا يمكن في رواة أخبار النص مع تباعد الديار ، وعدم معرفة أهل كل بلد لأهل بلد آخر ، فعلم

(الصفحة 232)


أنه لا جامع لهم على نقل هذه الأخبار إلا صدقها .
ويعده لأولاده إلى الثاني عشر عجل الله فرجه ، والدليل على إمامته نص النبي عليه ، ونص آبائه وقولهم حجة . ودليل وجوده - على الجملة - هو ما ذل على أن الزمان - مع بقاء التكليف - لا يجوز أن يخلو من إمام معصوم هو أعلم أهل زمانه .
(سبب غيبة الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه)
بقي علينا أن نبين سبب غيبته عليه الصلاة والسلام وهو السبب المحوج للأنبياء إلى الغيبة : مثل هرب موسى عليه السلام الذي دل عليه القرآن ، حيث قال : (. . . فقررت منكم لما خفتكم . . .) (الآية (21) من سورة الشعراء (26)) .
وهرب يونس عليه السلام . ودخول (2) إبراهيم عليه السلام النار . ودخول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الغار . فإذا لم يوجب هرب الأنبياء خللا في نبوتهم فبأن لا يوجب هرب الإمام - مع أن الأعداء الآن أكثر - أولى . وأما طول حياته - فمما لا يتعجب منه . لأن هذا الإنكار : أما أن يكون ممن يثبت قدرة الله ، أو ممن لا
-----------------------------------
(2) في النسخة : ودخل .

(الصفحة 233)


يثبتها :
فكم أثبتها : إن شك في أن الله - تعالى - قادر على إبقائه أحدا ، مع أنه قادر على جميع المقدورات ، فهو كمن شك في أن الله - تعالى - عالم بجميع الجزئيات ، مع أنه عالم بجميع المعلومات . وإن كان لا يثبته قادرا على ذلك : فالكلام معه لا يكون في الإمامة والغيبة ، ولكنه في كونه - تعالى - قادرا ومن ثم إلى هنا بون بعيد .
فعلمنا أن ذلك غير منكر . وإذا كان سبب الغيبة الخوف ، والله عالم بجميع المعلومات ، فمهما علم أن تلك العلة المحوجة زالت ، أظهره . فإن قلت : فالله قادر على إزالة الخوف ، فإذا لم يزله : فهو محوجه إلى الغيبة ؟ ! قلنا :
إزالة علة المكلف في التكليف واجبة ، ولكن حمله على فعل التكليف بالقهر غير جائز فضلا عن أن يكون واجبا ، لأنه لو حمله على ذلك بالجبر ، لزال التكليف ويطل الثواب والعقاب .

(الصفحة 234)


فصل
في الكلام في العدل والوعد والوعيد
الطاعة : فعل يعرض العبد لعوض مع التعظيم ، ويسمى ذلك العوض المقارن (ثوابا) .
والمعصية : فعل يفضي إلى عوض يقارن الاستخفاف ، ويسمى ذلك (عقابا) . والعبد مخلوق على أنه يقدر على اكتساب كلي الطرفين ، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى : (وهديناه النجدين) (الآية (10) من سورة البلد (9) طريق الخير ، وطريق الشر .
ولو لم يقدر على ذلك ، لما أمره الله تعالى ، ولا نهاه ، كما أنه لم يأمره بتغيير هيئاته وألوانه ، وأشكاله التي لا يقدر الإنسان على تغييرها . وإذا ثبت هذا ، فالعبد معرض بالطاعات والتكاليف العقلية والشرعة لعوض مقارن للتعظيم ، وهو (الثواب) . وهذا هو الذي بينا أن العبد مخلوق له ، وهو أنه خلق لا لانتفاع الخالق بل لانتفاع الخلق . وكلما كان النفع أجل وأجمل ، دل على أن فاعله أجود وأكمل . وأجل المنافع أن تكون دائمة ، لا تزول .

(الصفحة 235)


ولما ثبت - قطعا - أن هذه الدار ليست بدار الخلود ، ثبت أن دار الخلود غير هذه وهي دار الآخرة . فعلم أن هناك بقاء لا فناء معه وعلما لا جهل معه ، ولذة لا نفرة معها ، وعزا لا ذل معه . ولما لم تصل إلى تفاصيل ما قلناه عقول البشر شرحه الشرع بالجنة والحور والقصور والأنهار والأشجار والأثمار . وكل من فوت (1) (على) نفسه هذه الدرجات بقي في دركات الهلاك وهي مقابلات ما قلناه من الفناء والجهل ، والنفرة ، والذل . وشرح جميع ذلك السمع بالجحيم والحميم والعقاب ، والعذاب الأليم ، والعقارب والحيات والنيران ، واللظى ، أعاذنا الله - تعالى - منها . ولما كان الخلق في باب التكليف على درجتين مطيع ، وعاص ، كان العدل أن يبني دارين : جنة ونار . والمطيع ، إما أن يكون في الغاية القصوى وهوا الذي يطيع ولا يعصي ، كالملائكة والأنبياء والأئمة - على الصحيح من المذهب - . وإما أن يطيع ويعصي ، كسائر المسلمين ، من المجرمين . وإما أن يعصي ولا يطيع ، كالشياطين ، والكفرة . و (لما) كانت الطاعة ضربين : علمي ، وعملي ، كان العوض في
------------------------------------
(1) كذا في النسخة واستعمال باب التفعيل من (فات) غير فصيح ولعل الأصل (فرط) فلاحظ .

(الصفحة 237)


معرضها : والعلمي دائم : كمعرفة الله - تعالى - ومعرة رسوله ، والأئمة ، ومعرفة الشرائع ، فثوابه دائم . والعملي منقطع كالصلاة والصدقة ، فعوضه منقطع . والمعصية - أيضا - ضربان اعتقادي ، وعملي : فالاعتقادي عقابه دائم كالشرك بالله ، وتكذيب حجج الله من الأنبياء والأئمة . والعملي عقابه منقطع كلطمه اليتيم ، وترك الصلاة والزنا ، والرياء وتفاصيل ذلك مما أورده الشرع .
(المعاد وشؤونه)
ولما لا بد من إيصال الثواب والعقاب إلى مستحقهما ، ولا يصح ذلك إلا بالحشر والنشر ، وجب الحشر للعباد . ولما كان عدله يقتضي أن لا يؤاخذ أحدا على غفلة فلا بد من حساب يعلمهم الله أن ذلك جزاء أعمالهم . ولما كانت الأعمال تتفاضل ، ولا يمكن معرفة ذلك إلا بتعديل وتسوية ، فلا بد من الميزان . ولا بد من أن تكون مثبتة في كتاب لتقرأ كل نفس كتابها ، كما قال : (. . . كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا . . .) (الآية (14) من سورة الإسراء (17) فالكتاب حق .

(الصفحة 237)


وإذا ثبت بالسمع أن القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران فلا بد من أن يشعر ذلك حتى لا يكون عبثا .
وإذا كان النبي صادقا مصدقا وأخبر بشفاعته للأمة وجب تصديقه لأنا صدقناه على الجملة ، فمتى لم نصدقه في هذه القضية ، بطل ما أثبتناه - من تصديقه عليه وآله الصلاة والسلام .
ولما كان الناس فريقين : فريق في الجنة وفريق في السعير ، فلا بد من طريق لكل فريق وذلك هو الصراط ، الذي وصف بأنه أدق من الشعر . (و) في هذه الدار له نظير ، وهو الطريقة الوسطى التي هي واسطة بين الإفراط والتفريط . فمتى عبر السالك هذا الصراط - الذي هو بين التفريط والافراط - عبر ذلك الصراط ، كالبرق الخاطف . ومتى كان هيهنا في الطريق عاثرا (1) يكون هناك كذلك (2) .
كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يموت المرء على ما عاش عليه ، ويحشر على ما مات عليه . ثبتنا الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وأقامنا على الصراط المستقيم ، إنه رؤوف رحيم .
-------------------------------
(1) كان في النسخة : عابرا .
(2) كان في النسخة : كذا .

(الصفحة 238)


المصادر والمراجع
1 - أمل الآمل في علماء جبل عامل للحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن (ت 1104) تحقيق السيد أحمد الحسيني - دار الكتاب الإسلامي - قم 1402 ه‍ .
2 - الأنساب ، للسمعاني عبد الكريم بن محمد ، أبي سعد (ت 562) ، طبعة مرجليوث - ليدن 1912 .
3 - بغية الطلب في تاريخ حلب ، لابن العديم ، الصاحب كمال الدين ابن أبي جرادة (ت 660) حققه الدكتور سهيل زكار - دمشق 1409 .
4 - تلخيص مجمع الآداب ، لابن الفوطي البغدادي ، تحقيق الدكتور مصطفى جواد - طبع المجمع العلمي بدمشق .
5 - الثقات العيون في سادس القرون ، (من طبقات الشيعة) للشيخ آغا بزرك الطهراني ، تحقيق علي نقي المنزوي - بيروت - دار الكتاب العربي - 1392 .
6 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة - للشيخ آغا بزرك الشهراني ، المولى محمد محسن ابن محمد رضا (ت 1389) الطبعة الأولى - النجف وطهران .
7 - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات للأصفهاني السيد محمد باقر الخونساري (ت 1313) تحقيق أسد الله اسماعيليان انتشارات اسماعيليان - قم 1391 .
9 - رياض العلماء وحياض الفضلاء للشيخ المولى عبد الله الأصفهاني الشهير بالأفندي ، إعداد السيد أحمد الحسيني - مطبعة الخيام - قم 1401 .
10 - سفينة البحار ، للقمي ، الشيخ عباس بن محمد رضا (ت 1359) دار المرتضى - بيروت .
11 - شهداء الفضيلة للأميني ، الشيخ عبد الحسين بن أحمد (ت 1390) الطبعة الأولى - النجف ، أعادته دار الشهاب - قم .
12 - فهرس الفهارس والأثبات للكتاني ، عبد الحي المغربي ، حققه وفهرسه الدكتور إحسان عباس - دار الغرب الإسلامي - بيروت .
13 - فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفيهم . للشيخ منتخب الدين علي بن عبيد الله أبي الحسن الرازي (ق 5) تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي - مطبعة الخيام - قم 1404 .
14 - فهرست كتابخانه مركزي دانشگاه تهران ، لمحمد تقي دانش پژوه ، طهران

(الصفحة 239)


1340 هجري شمسي .
15 - الفوائد الرضوية ، للقمي الشيخ عباس بن محمد رضا (ت 1359) .
14 - لسان العرب لابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (ت 711) . طبع بولاق .
16 - لسان الميزان لابن حجر العسقلاني - دائرة المعارف العثمانية - حيدرآباد - الهند - أعادته مؤسسة الأعلمي - بيروت .
17 - مجلة معهد المخطوطات العربية ، تصدر من المعهد في القاهرة ، السنة 1376 . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

(الصفحة 240)
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف