البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الغدير في ضل التهديدات الإلهية للمعارضة

الباحث :  السيد جعفر مرتضى العاملي
اسم المجلة :  تراثنا
العدد :  21
السنة :  السنة الخامسة / شوّال سنة 1410 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 3 / 2015
عدد زيارات البحث :  1509
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله .
بداية :
لقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم :
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل ، فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس ، إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) (1) . نزلت هذه الآية الشريفة في حجة الوداع ، لتؤكد على لزوم تبليغ النبي صلى الله عليه وآله ما أمر به من أمر الإمامة ، وولاية علي عليه الصلاة والسلام على الناس . كما ذكرته المصادر الكثيرة . والروايات الموثوقة . . . ولسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك . . .
فقد يرى البعض أن هذه الآية قد تضمنت تهديدا للرسول نفسه ، بالعذاب والعقاب إن لم يبلع ما أنزل إليه من ربه ، وفي بعض الروايات : أنه صلى الله عليه وآله قد ذكر ذلك في خطبته للناس يوم الغدير ، وستأتي بعض تلك الروايات إن شاء الله تعالى . . .
---------------------------------------
(1) المائدة / 67 .

(الصفحة 121)


ولكننا نقول : إن التهديد الحقيقي موجه لفئات من الناس كان يخشاها الرسول ، كما صرح هو نفسه صلى الله عليه وآله بذلك ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله ممتنعا عن الابلاغ ، ولكنه كان ممنوعا منه ، فالتهديد له - إن كان - إنما هو من باب : " إياك أعني ، واسمعي يا جارة " . .
وهذا بالذات ، ما نريد توضيحه في هذا البحث ، بالمقدار الذي يسمح لنا به المجال ، والوقت . . فنقول :
الغدير والإمامة :
إن من يراجع كتب الحديث والتاريخ ، يجدها طافحة بالنصوص والآثار الثابتة ، والصحيحة ، الدالة على إمامة علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، ولسوف يجد أيضا : أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لم يأل جهدا ، ولم يدخر وسعا ، في تأكيد هذا الأمر ، وتثبيته ، وقطع دابر مختلف التعللات والمعاذير فيه ، في كل زمان ومكان ، كان ، وفي مختلف الظروف والأحوال ، على مر العصور والدهور . . وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية وشتى المضامين : فعلا وقولا ، تصريحا ، وتلويحا ، إثباتا ونفيا ، وترغيبا ، وترهيبا ، إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره ، في تنوعه ، وفي مناسباته . وقد توجت جميع تلك الجهود المضنية ، والمتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه رسميا علي عليه السلام في آخر حجة حجها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأخذت البيعة له فعلا من عشرات الألوف من المسلمين ، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة . . . وقد كان ذلك في منطقة يقال لها ، " غدير خم " واشتهرت هذه الحادثة باسم هذا المكان . وهي أشهر من أن تذكر . ولسنا هنا في صدد البحث عن وقائع ما جرى ، واستعراض جزئياته ، ولا نريد

(الصفحة 122)


توثيقه بالمصادر والأسانيد ، ولا البحث في دلالاته ومراميه المختلفة . . .
وإنما هدفنا هو الإلماح إلى حدث سبقه بفترة وجيزة ، وهو ما حصل - تحديدا - في نفس ة الوداع ، التي نصب فيها النبي صلى الله عليه وآله عليا إماما للأمة ، وهو في طريق عودته منها إلى المدينة . وذلك لأن التعرف على هذا الحدث الذي سبق قضية الغدير لسوف يمكننا من أن نستوضح جانبا من المغزى العميق الذي يكمن في قوله تعالى :
( والله يعصمك من الناس)(2) .
ولكننا قبل ذلك ، لا بد لنا من إثارة بعض النقاط المفيدة في هذا المجال فنقول :
الحدث الخالد :
إن من طبيعة الزمن في حركته نحو المستقبل ، وابتعاده عن قضايا الماضي ، هو أن يؤثر في التقليل من أهمية الأحداث الكبيرة ، التي يمر بها ، وتمر به ، ويساهم في أفولها شيئا فشيئا ، حتى تصبح على حد الشبح البعيد البعيد ، ثم قد ينتهي بها الأمر إلى أن تختفي عن مسرح الذكر والذاكرة ، حتى كأن شيئا لم يكن . ولا تحتاج كبريات الحوادث في قطعها لشوط كبير في هذا الاتجاه إلى أكثر من بضعة عقود من الزمن ، مشحونة بالتغيرات والمفاجآت . . . وحتى لو احتفظت بعض معالمها - لسبب أو لآخر - بشئ من الوضوح ، ونالت قسطا من الاهتمام ، فلا يرجع ذلك إلى أن لها دور يذكر في حياة الإنسان وفي حركته . وإنها لأنها أصبحت تاريخا مجيدا يبعث الزهو والخيلاء لدى بعض الناس ، الذين يرون في ذلك شيئا يشبه القيمة ، أو يعطيهم بعضا من الاعتبار والمجد بنظرهم . ولكن قضية الغدير ، رغم مرور الدهور والأحقاب ، وبعد ألف وأربع مئة سنة زاخرة بالتقلبات العجيبة ، وبالقضايا الغريبة ، ومشحونة بالحروب والكوارث ،
-----------------------------------------
(2) المائدة / 67 .

(الصفحة 123)


وبالعجيب من القضايا والحوادث . .
ورغم المحاولات الجادة ، والمتتابعة للتعتيم عليها ، وإرهاقها بالتعليلات والتعللات غير المعقولة ، باردة كانت أو ساخنة ، بهدف حرفها عن خطها تقويم ، وعن الاتجاه الصحيح والسليم . .
وكذلك رغم ما عاناه ويعانيه المهتمون بها من اضطهاد وغربة ، وتشريد ومحنة ، وما يصب على رؤوسهم من بلايا ومصائب ، وكوارث ونوائب . .
نعم . . .رغم ذلك كله وسواه ، فإن هذه الحادثة بما تمثله من قضية كبرى للإيمان وللإنسان ، قد بقيت ولسوف تبقى القضية الأكثر حساسية وأهمية : لأنها الأكثر صلة بالإيمان وبالإنسان ، ولأنها الأعمق تأثيرا في حياة هذا الكائن ، وفي بنية شخصيته من الداخل ، وعلى علاقاته بكل من وما يحيط به ، أو يمت إليه بأدنى صلة أو رابطة من الخارج . . وهي كذلك القضية الأكثر مساسا وارتباطا بمستقبل هذا الإنسان ، وبمصيره ، إن في الدنيا ، وإن في الآخرة . . وهذا بالذات هو السر في احتفاظ هذه القضية بكل حيويتها ، وحساسيتها بالنسبة إليه ، على مر الدهور ، وتعاقب العصور ، ولسوف تبقى كذلك كما سيتضح فيما يأتي .
مفتاح الحل :
وإذا كان الأمر كذلك ، فلا يبقى مجال لما قد يثيره البعض ، من أنه : سواء أكان الحق في ذلك لعلي عليه السلام ، وقد اغتصب منه ، وأقصي عن منصب هو له ، أم لم يكن الأمر كذلك ، فإن هذه القضية قد تجاوزتها الأحداث ، وأصبحت تاريخا يحكيه البعض ، وينساه آخرون ، كأي حدث تاريخي آخر . . فلم يعد الوقوف عندها والاهتمام بها مجديا ، ولا مفيدا ، إن لم نقل : إن فيه ما يوجب الفرقة ، ويرسخ التباعد ، بما يثيره من كوامن ، وضغائن . .

(الصفحة 124)


لا . . ليس ثمة مجال لهذا القول : فإن قضية الغدير ، لا تزال ولسوف تبقى هي القضية الأساسية والرئيسية بالنسبة للمسلمين جميعا ، بل وحتى بالنسبة لغيرهم أيضا . وهي المفتاح والباب الذي لا بد من الدخول منه لحل المشاكل المستعصية الكبرى ، وبعث وبناء الإسلام وقوته ، وحيويته . وبدون ذلك : فإن على الجميع أن يستعدوا للمزيد من المصائب ، وأن يقبلوا - شاؤوا أم أبوا - باستمرار حالة الضعف والتقهقر ، بل وانهيار بناء الإسلام الشامخ .
خلافة ، أم إمامة ! :
وذلك لأن القضية لا تقتصر عل أن تكون مجرد قضية خلافة وحكم ، أي قضية : أن يحكم هذا ، أو يحكم ذاك ، لسنوات معدودة ، وينتهي الأمر - وربما يقال إن الذين تصدوا للحكم ، واستأثروا به لأنفسهم قد قصدوا ذلك ، ولكننا نجد شواهد كثيرة قد لا تساعد على هذا الفهم الساذج للأمور - . لا . . لا يقتصر الأمر على ذلك ، وإنما هو يتجاوزه لما هو أهم وأخطر ، حيث قد عمل الحكام الأمويون على تكريس مفهوم الإمامة والخلافة الإلهية في كل شخصية تصدت للحكم . وذلك في نطاق تقديم العديد من الضوابط والمعايير ، المستندة إلى مبررات ذات طابع عقائدي في ظاهره يتم على أساسها اضطهاد الفكر والاعتقاد المخالف ، والتخلص من رجالاته بطريقة أو بأخرى . وقد سرت تلك المفاهيم المخترعة في الناس ، وأصبحت أمرا واقعا ، لا مفر منه ولا مهرب . ولا ملجأ منه ولا منجى ، وتفرقت الفرق ، وتحزبت الأحزاب ، رغم أن من عدا الشيعة من أرباب الفرق والمذاهب الإسلامية يعتقدون بالخلفاء أكثر مما يعتقده الشيعة في أئمتهم ويمارسون ذلك عملا ، ولكنهم ينكرون ذلك ، ولا يعترفون به ، كما أنهم ينكرون على الشيعة اعتقادهم في أئمتهم ما هو أخف من ذلك وأيسر .

(الصفحة 125)


دور الإمامة في بناء الإنسان والحياة :
وليس من الغريب القول بأن قضية الإمامة والموقف منها هو الذي يحدد مسار الإنسان واتجاهه في هذه الحياة ، وعلى أساس هذا التحديد ، والمعرفة والاعتراف ، يتحدد مصيره ، ويرسم مستقبله ، وبذلك تقوم حياته ، فيكون سعيدا ، أو شقيا ، في خظ الإسلام وهداه ، أو في متاهات الجاهلية وظلماتها كما أشير إليه في الحديث الشريف : " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " أو ما بمعناه (3) . فعلى أساس الاعتقاد بالإمامة يجسد الإنسان على صعيد الواقع ، والعمل ، مفهوم الأسوة والقدوة ، الذي هو حالة طبيعية ، يقوم عليها - من حيث يشعر أو لا يشعر - بناء وجوده وتكوين شخصيته ، منذ طفولته . . وعلى أساس هذا الاعتقاد ، وذلك الموقف - أيضا - يختار أهدافه ، ويختار السبل التي يرى أنها توصله إليها . . . كما لذلك تأثيره الكبير في تكوينه النفسي ، والروحي ، والتربوي ، وفي حصوله على خصائصه الإنسانية وفي حفاظه على ما لديه منها . وهي التي تبين له الحق من الباطل ، والحسن من القبيح ، والضار من النافع . وعلى أساس الالتزام بخطها يرتبط بهذا الإنسان أو بذاك ، ويتعاون معه ، ويتكامل ، أو لا يفعل ذلك . . كما أنها هي التي تقدم للانسان المعايير والنظم ، والمنطلقات التي لا بد أن يلتزم بها ، وينطلق منها ، ويتعامل ويتخذ المواقف - إحجاما أو إقداما - على أساسها . . . أضف إلى ذلك كله : أنها تتدخل في حياته الخاصة ، وفي ثقافته ، وفي أسلوبه وفي
---------------------------------
(3) راجع الغدير ج 1 / 0 39 عن التفتازاني في شرح المقاصد 2 / 275 ، وكنز الكراجكي : 151 ، والمناقب لابن شهرآشوب 3 / 217 ، ومجمع الزوائد 244 و 225 و 219 و 218 ، ومسند أحمد 4 / 96 ، والبحار 23 / 92 و 88 و 80 و 89 وفي هوامشه عن الاختصاص : 269 ، وعن إكمال الدين : 230 و 231 ، وعن عيون أخبار الرضا عليه السلام : 219 ، ومنتخب الأثر : 15 عن الجمع بين الصحيحين والحاكم .

(الصفحة 126)


كيفية تفكيره ، ومن الإمام يأخذ معالم الدين وتفسير القرآن ، وخصائص العقائد ودقائق المعارف . .
وهذا بالذات هو السر في أننا نجد إنسانا يأخذ معالم دينه من شخص دون آخر ، بجعل هذا أسوته وقدوته دون ذاك . إذن . . فموضوع الغدير ، ونصب الإمام للناس ، وتعريفهم به ، لا يمكن أن يكون على حد تنصيب خليفة ، أو حاكم ، أو ما إلى ذلك ، بل الأمر أكبر وأخطر من ذلك . . . كما أنه ليس حدثا عابرا فرضته بعض الظروف ، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى تبعا لتلاشي وانتهاء الظروف التي فرضته أو أوجدته ، وليصبح في جملة ما يحتضنه التاريخ من أحداث كبيرة ، وصغيرة ، لا يختلف عنها في شئ ، ولا أثر له في الحياة الحاضرة إلا بمقدار ما يبعثه من زهو ، واعتزاز ، أو يتركه من مرارة وألم على مستوى المشاعر والانفعالات لا أكثر . . بل أمر الإمامة ، هو الذي يمس في الصميم حقيقة هذا الإنسان ، ومصيره ومستقبله ، ودنياه وآخرته ، ويؤثر في مختلف جهات وجوده وحياته . . . ومعنى ذلك هو أنه لا بد من حسم الموقف في هذا الأمر ليكون الإنسان على بصيرة من أمره فلا يموت ميتة جاهلية . كما تقدم عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم . واشتراط الحديث الشريف تحصيل معرفة الإمام في النجاة من الهلكة ، وذلك في صيغة عامة تشمل كل إنسان حتى ولو لم يكن يعتنق الإسلام ، حيث قال : " من مات ولم يعرف إمام زمانه . . " ولم يقل : إذا مات المسلم ولم . . . إن هذا الاشتراط يوضح لنا : أن تجاهل قضية الإمامة ، وعدم حسم الأمر في موضوع الأسوة والقدوة يساوق رفضها ، وإبعادها عن محيط الحياة والانسان في كونه يوجب الميتة الجاهلية ، ويترك آثار السلبية المهلكة والمبيدة ، على مجمل حياة هذا الكائن وعلى مستقبله ومصيره ، في الدنيا والآخرة . ومما يدل على ذلك ، ويثبته ويؤكده : أنه تعالى قد اعتبر عدم إبلاغ أمر الإمامة إلى الناس ، يساوق عدم إبلاغ الرسالة نفسها من الأساس ، وذلك يعني . أنه لا يمكن

(الصفحة 127)


التسامح فيها والمحاباة ، ولا مجال لإبعادها وتعطيلها لأن ذلك يعني إبعاد الدين وتعطيله ، ومنعه من أن يكون هو سيد الموقف ، وصاحب القرار في حياة الإنسان ، وفي مجمل مواقفه .
فما بلغت رسالته ! :
وبعد أن عرفنا : أن القضية ليست قضية شخص ، وإنما هي قضية الرسالة ، أن تكون ، أو لا تكون : حتى لقد قال تعالى ، مخاطبا نبيه صلى الله عليه وآله ، في مجال الحث على حسم أمر الإمامة( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) بعد أن عرفنا ذلك . . فإن المنع من إبلاغ الرسالة والإمامة معناه حرمان الإنسان والإنسانية من الهداية الإلهية ، والرعاية الربانية ، وليس هناك جريمة أعظم وآخر من ذلك . . .
المعارضون ؟ ا
وقد أفصح القرآن لنا عن وجود فئات من الناس كانت تقف في وجه الرسول صلى الله عليه وآله مباشرة ، وتمنعه من بيان أمر الإمامة وإقامة الحجة فيها ، حتى أحتاج إلى طلب العصمة من الله سبحانه ليتمكن من مواجهة هؤلاء ، وكبح جماحهم . فمن هم هؤلاء الأشرار الأفاكون ، والعتاة المجرمون ؟ ! .
الجواب :
إن كتب التاريخ والحديث ، والسيرة زاخرة بالشواهد والدلائل القاطعة ، والبراهين الساطعة ، التي تكشف لنا القناع عن وجه هؤلاء ، وتظهر مدى تصميمهم على رفض هذا الأمر ، ومحاربته ، وطمسه ومنابذته ، بكل ما أوتوا من حول وقوة . ونحن في مقام التعريف بهم ، والدلالة عليهم نبادر إلى القول : إنهم - للأسف - قوم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقريش بالذات . قريش ، التي حاربت الإسلام في بدء ظهوره ، وحاربته ، وهو غض طري العود ، ثم حاربته بعد أن ضرب بجرانه ، وعملت

(الصفحة 128)


على زعزعة أركانه ، حينما أرادت حرمانه من العنصر الضروري والأهم للحياة وللاستمرار والبقاء . وأعني به عنصر الإمامة والقيادة .
والنصوص التالية خير شاهد على سياسات قريش هذه . . فلنقرأها بتمعن ، وصبر ، وأناة .
النصوص الصريحة :
قال عثمان بن عفان لابن عباس : " لقد علمت : أن الأمر لكم ، ولكن قومكم دفعوكم عنه " ثم تذكر الرواية له كاملا آخر ، وجواب ابن عباس له ، فكان مما قال : " فأما صرف قومنا عنا الأمر ، فعن حسد - قد والله - عرفته ، وبغي ، والله ، علمته بيننا وبين قومنا " (4) .
وحين ظهرت نتائج الشورى التي عينها عمر بن الخطاب ، قال رجل من بني محزوم لعمار " ما أنت وتأمير قريش لأنفسها " . ثم تستمر الرواية إلى أن تذكر : أن المقداد قال : " تالله ، ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت . واعجبا لقريش ، لقد تركت رجلا ، ما أقول ، ولا أعلم أحدا أقضى بالعدل . . . " (5) . وخطب أبو الهيثم بن التيهان بين يدي أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فقال : " إن حسد قريش إياك على وجهين ، أما خيارهم فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ ، وارتفاع الدرجة : وأما شرارهم فحسدوك حسدا انغل القلوب ، وأحبط الأعمال ، وذلك أنهم رأوا عليك نعمة قدمك إليها الحظ ، وأخرهم عنها الحرمان ؟ فلم يرضوا أن يلحقوك حتى طلبوا يسبقوك ، فبعدت - والله - عليهم الغاية ، وأسقط
------------------------------------
(4) قاموس الرجال 6 / 37 ، وشرح النهج للمعتزلي 9 / 9 ، والموفقيات : 606 .
(5) قاموس الرجال 6 / 384 - 385 ، وشرح النهج للمعتزلي الحنفي 2 1 / 266 و 9 / 57 - 58 . وفي كلمات المقداد رحمه الله عبارات أخرى صريحة في ذلك : فلتراجع .

(الصفحة 129)


المضمار : فلما تقدمتهم بالسبق ، وعجزوا عن اللحاق بك بلغوا منك ما رأيت ، وكنت والله أحق قريش بشكر قريش . . . " (6) .
وعمرو بن عثمان بن عفان أيضا قال : " ما سمعت كاليوم إن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض أحد بعد قتل الخليفة عثمان - إلى أن قال : - فيا ذلاه ، أن يكون حسن وسائر بني عبد المطلب - قتلة عثمان - أحياء يمشون على مناكب الأرض . . . " (7) . يقولون هذا مع أنهم يعلمون : أن الحسن كان يدافع عن عثمان وهو محاصر في داره . . وعن علي بن الحسين عليه السلام ، أنه قال : ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا (8) . ودخل العناس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنا لنخرج فنرى قريشا تحدث : فإذا رأونا سكتوا : فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ودر عرق بين عينيه (9) . وسئل الإمام السجاد عليه السلام - وابن عباس أيضا : لم أبغضت قريش عليا عليه السلام ؟ ! قال : لأنه أورد أولهم النار ، وقلد آخرهم العار . . . (10) .
-------------------------------------------
(6) الأوائل 1 / 316 - 317 .
(7) الاحتجاج 1 / 403 ، وا لبحار 44 / 71 .
(8) شرح النهج للمعتزلي 4 / 104 ، والبحار 46 / 143 ، ونقل عن الطبعة الحجرية 8 / 676 و 730 ، وراجع : الغارات 2 / 573 .
(9) مسند أحمد 4 / 164 و 1 / 207 ه‍ 208 ، وراجع ص 210 ، وسنن ابن ماجة 1 / 50 ، وحياة الصحابة 2 / 487 و 488 ، نزل الأبرار 34 - 35 ، وراجع : تاريخ المدينة 2 / 239 و 640 ، ومستدرك الحاكم 3 / 333 ، وتلخيصه للذهبي ، بهامش نفس الصفحة ، ومنحة المعبود 2 / 147 ، ومجمع الزوائد 9 / 269 ، . والجامع الصحيح للترمذي 5 / 652 وصححه ، وأسد الغابة 3 / 110 ، وكنز العمال 13 / 90 و 88 - 89 و 83 ، و 16 / 254 و 135 و 128 عن عدد من المصادر ، ونقله بعض الأعلام عن الكامل لابن عدي 6 / 1885 ، وعن الكامل لابن أبي شيبة 12 / 108 ، وعن المعرفة والتاريخ 1 / 497 و 499 .
(10) المناقب لابن شهرآشوب 3 / 220 .

(الصفحة 130)


وعن ابن عباس : قال عثمان لعي عليه السلام : " ما ذنبي إذا لم يحبك قريش : وقد قتلت منهم سبعين رجلا ، كأن وجوههم سيوف الذهب " (11) .
وقريب منه ما روي أن ابن عمر ، قد قاله لعلي أمير المؤمنين عليه السلام أيضا (12) .
وروي : أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن قريشا ، جلسوا : فتذاكروا حسابهم : فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم . . . وحسب نص آخر : أن ناسا من الأنصار جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إنا لنسمع من قومك ، حتى يقول إلا قائل منهم : إنما مثل محمد مثل نخلة (13) .
ويقولون أيضا : قد كان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان (14) .
وقال المقداد : واعجبا لقريش ، ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم (15) .
وقال الثقفي : كانت قريش كلها على خلافه مع بني أمية (16) .
وبعد بيعة عثمان تكلم عمار فذكر : أن قريشا هي (التي صرفت هذا الأمر عن أهل البيت ، ثم قال المقداد لعبد الرحمن بن عوف . " يا عبد الرحمن ، أعجب من قريش ، وإنما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت ، قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعده من أيديهم . أما وأيم الله يا عبد الرحمن ، لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي إياهم مع النبي عليه الصلاة والسلام يوم
------------------------------------------
(11) معرفة الصحابة لأبي نعيم ، الورق 2 2 مخطوط في مكتبة طوب تبوسراي رقم 1 497 / أ ، وشرح النهج للمعتزلي الحنفي 9 / 23 .
(12) المناقب لابن شهرآشوب 3 / 220 .
(13) راجع : مسند أحمد 4 / 166 ، ولسان العرب 15 / 213 . والبحار 36 / 288 / 294 ، والنهاية في اللغة 4 / 146 . والكبا : الكناسة ، والتراب الذي يكنس .
(14) شرح النهج للمعتزلي 9 / 52 .
(15) تاريخ اليعقوبي 2 / 163 .
(16) الغارات 2 / 570 ، وراجع ص 554 .

(الصفحة 131)


بدر " (17) .
كما البراء بن عازب قد ذكر : أنه حين توفي رسول صلى الله عليه وآله وسلم تخوف أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم (18) .
وروي : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لعلي عليه السلام : إن الأمة ستغدر بك بعدي (19) .
كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أمير المؤمنين عليه السلام بأن في صدور أقوام ضغائن ، لا يبدونها له إلا بعده ، وفي بعض المصادر : إن ذلك كان منه صلى الله عليه وآله وسلم حينما حضرته الوفاة (20) . الخليفة الثاني يتحدث أيضا : قال عمر لابن عباس وهو يتحدث عن سبب صرف الأمر عن علي عليه السلام : والله ما فعلنا الذي فعلنا معه عن عداوة ، ولكن استصغرناه وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب ، وقريش : لما قد وترها (21) .
وقال لابن عباس أيضا : كرهت قريش أن تجمع لكم النبوة والخلافة ،
---------------------------------------
(17) مروج الذهب 2 / 343 .
(18) شرح النهج لابن أبي الحديد . المعتزلي ، الحنفي 2 / 51 / .
(19) نزل الأبرار : 261 ، وتاريخ بغداد 11 / 216 ومستدرك الحاكم 3 / 142 وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة وعن كنز العمال 6 / 73 والبحار طبعة حجرية - 8 / 629 .
(20) راجع المصادر التالية : تذكرة الخواص : 45 - 46 وكفاية الطالب : 272 وفرائد السمطين 1 / 152 والبحار 28 / 53 - 54 وكتاب سليم بن قيس : 22 ومجمع الزوائد 9 / 118 عن البرار والطبراني وأبي يعلى . والمناقب للخوارزمي : 26 وتاريخ بغداد 12 398 ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 36 وترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام - من تاريخ دمشق . بتحقيق المحمودي - 2 - 322 - 325 ونور الأبصار : 79 وميزان الاعتدال والمستدرك والبزار وابن الجوزي والخطيب وأبي يعلى وكفاية الأثر : 124 و 158 .
(21) الغدير 1 / 389 عن محاضرات الراغب .

(الصفحة 132)


فتجفخوا الناس جفخا (22) فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت ، فأصابت (23) .
وفي موقف آخر له أيضا معه ، قال الخليفة له : استصغر العرب سنه كما وصرح أيضا بأن قومه قد أبوه (24) .
وفي مناسبة أخرى قال : لا ورب هذه البنية ، لا تجتمع عليه قريش أبدا (25) .
وقال أيضا لابن عباس : إن عليا لأحق الناس بها ، ولكن قريشا لا تحتمله . . . (26) .
قريش في كلمات علي عليه السلام :
وإذا رجعنا إلى كلمات أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام نفسه فإننا نجده يحمل قريشا مسؤولية كل المصائب والرزايا والبلايا التي واجهها هو وكل المخلصين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما فيما يرتبط بأمر الخلافة وما نشأ عن ذلك من تمرق ، في جسم الأمة ، وتوزع في أهوائها ثم ما كان من تقاتل وتناحر ، وانحراف عن خط الإسلام وعن مفاهيمه وأحكامه . وإلى يوم يبعثون . . ونذكر من كلماته عليه السلام هنا ، ما يلي :
----------------------------------
(22) الجفخ : التكبر .
(23) قاموس الرجال 6 / 33 و 403 وقال : رواه الطبري في أحوال عمر ، والمسترشد في إمامة علي عليه السلام : 167 وشرح النهج للمعتزلي 12 / 53 وراجع ص 9 وعبر فيه ب‍ (قومكم وفيه أنهم ينظرون إليه نظر الثور إلى جازره والايضاح : 199 .
(24) راجع : شرح النهج للمعتزلي الحنفي 12 / 46 و 81 وفي هامشه عن الرياض النضرة : 2 / 173 وراجع : يهج الصباغة 4 / 361 وقاموس الرجال 7 / 201 و 6 / 35 عن الموفقيات .
(25) شرح النهج 12 / 20 - 21 عن كتاب بغداد لأحمد بن أبي طاهر وراجع 12 / 79 و 85 و 86 و 84 و 80 و 82 ، وكشف الغمة 2 / 49 وقاموس الرجال 6 / 398 و 7 / 188 ونهج الصباغة 6 / 244 و 4 / 381 ونقل عن البحار طبع كمباني 6 / 213 و 266 و 292 وعن ناسخ التواريخ (الجزء المتعلق بالخلفاء) : 72 - 80 .
(26) تاريخ اليعقوبي 2 / 158 وقاموس الرجال 6 / 36 عنه .

(الصفحة 133)


قال عليه السلام اللهم اخز قريشا : فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري (27) .
وعنه عليه السلام : فجزى قريشا عني الجوازي فإنهم ظلموني حقي ، واغتصبوني سلطان ابن أمي (28) .
وفي نهج البلاغة وغيره ، قال عليه السلام : اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم : فإنهم قطعوا رحمي وصفروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ، ثم قالوا : ألا في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تتركه زاد في نص آخر فاصبر كمدا ، أو فمت متأسفا حنقا وأيم الله لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي - كما قطعوا سنتي - لفعلوا ولكن لم يجدوا إلى ذلك سبيلا (29) .
وفي خطبة له عليه السلام : يذكر فيها فتنة بني أمية ، ثم ما فعله المهدي عليه السلام بهم ، يقول : فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاما واحدا ، ولو قدر جزر جزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه (30) .
وعنه عليه السلام : حتى لقد قالت قريش : ابن أبي طالب رجل شجاع . ولكن لا علم له بالحرب (31) .
وقال عليه السلام : إني لا علم ما في أنفسهم ، إن الناس ينظرون إلى قريش ، وقريش تنظر في صلاح شانها : فنقول : إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا ، وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش (32) .
------------------------------------------
(27) شرح النهج ، للمعتزلي 9 / 306 .
(28) شرح النهج للمعتزلي الحنفي 9 / 306 .
(29) راجع : نهج البلاغة 2 / 227 والمسترشد ، في إمامة علي عليه السلام : 80 وشرح النهج للمعتزلي الحنفي 4 / 104 و 6 / 96 والغارات 2 / 570 .
(30) نهج البلاغة 1 / 184 .
(31) الأغاني 15 / 45 ونهج البلاغة 1 / 66 .
(32) راجع : قاموس الرجال 6 / 384 - 385 وشرح النهج للمعتزلي إلى 12 / 266 و 9 / 57 - 58 .

(الصفحة 134)


وقال عليه السلام :
إن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله ، وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه ، حتى قذفت زوجته ، به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها . وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته . ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة وسلما إلى العز والإمرة لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا ، ولا ارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا وبازلها بكرا (33) .
ثم فتح الله عليها الفتوح : فأثرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا . ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة ، قوم ، وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب . . . (34) . وفي نص آخر عنه عليه السلام أنه قال : (فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا (35) . وعنه عليه السلام : يا بني عبد المطلب ، إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي ، كعداوتهم النبي في حياته ، وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبدا (36) . وعنه صلوات الله وسلامه عليه : ما رأيت منذ بعث الله محمدا رخاء ، لقد أخافتني قريش صغيرا وأنبتني كبيرا ، حتى قبض الله رسوله ، فكانت الطامة الكبرى (37) .
------------------------------------------
(33) البازل من الإبل : الذي فطر نابه .
(34) شرح النهج للمعتزلي الحنفي 20 / 298 - 299 .
(35) الأمالي للشيخ المفيد : 324 .
(36) شرح النهج للمعتزلي 9 / 54 ونقل ذلك أيضا عن مروج الذهب 3 / 12 .
(37) شرح النهج للمعتزلي 5 / 108 .

(الصفحة 135)


وقال له رجل يوم صفين : لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر ، وكنتم أعلم الناس بالكتاب والسنة ؟
فقال عليه السلام : كانت إمرة شحت عليه نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين (38) كما أنه عليه السلام قد كتب لأخيه عقيل في رسالة جوابية له : فإن قريشا قد اجتمعت على حرب أخيك ، اجتماعها على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل اليوم ، وجهلوا حقي ، وجحدوا فضلي ونصبوا لي الحرب . جدوا في إطفاء نور الله اللهم فاجز قريشا عني بفعالها فقد قطعت رحمي وظاهرت علي . .) وفي بعض المصادر ذكر (العرب) بدل قريش (39) .
وأما بالنسبة لمعاوية الخليفة الأموي ، فقد أخبر عليه السلام : أنه لو استطاع لم يترك من بني هاشم نافخ ضرمة (40) .
وبعد . . . فإن الإمام الحسن عليه السلام قد ذكر في خطبة أن قريشا هي المسؤولة عن موضوع إبعاد أهل البيت عن الخلافة فراجع (41) .
بعض ما قاله المعتزلي الحنفي هنا :
هذا . . . وقد أكد المعتزلي الحنفي هنا : هذا . . . وقد أكد المعتزلي الحنفي هذه الخليفة في مواضع من شرحه لنهج البلاغة . ونحن نذكر هنا فقرات من كلامه ، ونحيل من أراد المزيد على ذلك الكتاب ، فنقول : قال المعتزلي الحنفي : إن قريشا اجتمعت على حربه منذ بويع ، بغضا له وحسدا ، حقدا عليه : فأصفقوا كلهم يدا واحدة على شقاقه وحربه ، كما كانت في
----------------------------------------
(38) المناقب لابن شهرآشوب 3 / 214 .
(39) راج : الإمامة والسياسة 1 / 56 وراجع التالية الغارات 2 / 431 وشرح النهج للمعتزلي الحنفي 2 / 119 وانساب الأشراف 2 / 75 بتحقيق المحمودي والأغاني 15 / 46 ونهج البلاغة 3 / 68 ، والدرجات الرفيعة 156 وعن البحار - طبعة حجرية - 8 621 و 673 وارجع أيضا : نهج السعادة 5 / 302 وراجع ، جمهرة رسائل العرب 1 / 595 والعبارات في المصادر متفاوتة فليلاحظ ذلك .
(40) تفسير العياشي 2 / 81 . والبخار 32 / 592 وعيون الأخبار لابن قتيبة - 1 - 181
(41) راجع : شرح النهج المعتزلي 16 / 24 و 33 .

(الصفحة 136)


ابتداء الإسلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تخرم حاله من حاله أبدا (42) .
وقال : إنه رأى من بغض الناس له انحرافهم عنه ، وميلهم عليه ، وثوران الأحقاد ، التي كانت في أنفسهم واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم وتذكروا التراث التي وترهم فيما قبل بها والدماء التي سفكها منها وأراقها - إلى أن قال : وانحراف قوم آخرين عنه للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله لشدة اختصاصه له وتعظيمه إياه ، وما قال فيه فأكثر من النصوص الدالة على رفعة شأنه وعلو مكانه ، وما اختص به من مصاهرته وأخوته ، ونحو ذلك من أحواله . وتنكر قوم آخرين له : لنسبتهم إليه العجب والتيه - كما زعموا - واحتقاره العرب ، واستصغاره الناس كما عددوه عليه ، وإن كانوا عندنا كاذبين ولكنه قول قيل ، وأمر ذكر . . . (43) .
وقال : فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة ، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس وعشرين سنة ، وفي دون هذه المدة تنسى الأحقاد وتموت التراث وتبرد الأكباد الحامية وتسلو القلوب الواجدة ويعدم قرن من الناس ، ويوجد قرن ، ولا يبقى من أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلا الأقل . فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه صلى الله عليه وآله من إظهار ما في النفوس وهيجان ما في القلوب حتى أن الأخلاف من قريش والأحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله ، وتقاعست عن بلوغ شأوه (44) .
وقال اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره ، وستر فضائله ،
-----------------------------------
(42)شرح النهج 16/151.
(43)شرح النهج11/112
(44)شرح النهج11\114.

(الصفحة 137)


وتغطية خصائصه حتى محي فضله ومرتبته من صدور الإسلام (45) .
وقال : إن قريشا كلها كانت تبغضه أشد البغض - إلى أن قال : ولست ألوم العرب ، ولا سيما قريشا في بغضها له ، وانحرافها عنه ، فإنه وترها وسفك دماءها . وكشف القناع في منابذتها ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم (46) .
هذا وقد أشار إلى بغض قريش ومنابذتها له في مواضع عديدة أخرى من كتابه فليراجعها من أراد (47) .
المتآمرون في كلمات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
ونحن إذا رجعنا إلى كلمات الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم المنقولة لنا بصور متعددة وفي موارد مختلفة فإننا نجد : أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤكد على معرفته بنوايا بهؤلاء المتآمرين ، ووقوفه على حقيقة نواياهم : ا - قال الطبرسي : قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليهما
---------------------------------------
(45) شرح النهج 18 / 18 .
(46) شرح النهج 14 / 299 ونقل أيضا عن نثر الدر - للآبي - 1 / 340 ما هو بمعنى ما ذكر .
(47) راجع : شرح النهج 9 / 28 و 29 و 52 و ج 4 / 74 - 104 .

(الصفحة 138)


السلام : أن الله أوحى إليه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم : أن يستخلف عليا عليه السلام ، فكان يخاف : أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه : فأنزل الله : هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره الله بأدائه . . (48) .
المراد ب‍ (هذه) الآية) قوله تعالى : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك . . .) .
2 - وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : أنه لما أمر بالبلاغ لأمر الإمامة قال : إن قومي قريبو عهد بالجاهلية وفيهم تنافس وفخر وما منهم رجل إلا وقد وتره وليهم . وأني أخاف ، فأنزل الله : (يا أيها الرسول بلغ . . .)(49) . 3 - وعن الحسن : ضاق بها ذرعا وكان يهاب قريشا : فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة (50) .
4 - عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في غدير خم إن الله أرسلني إليكم برسالة ، وأني ضفت بها ذرعا مخافة أن تتهموني وتكذبوني ، حتى عاتبني ربي بوعيد أنزله علي بعد وعيد . . . (51)
5 - وعن الحسن أيضا : إن الله بعثني برسالة : فضقت بها ذرعا وعرفت : أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزل الله : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك . . .) (52) .
6 - وعن ابن عباس وجابر الأنصاري : قالا : أمر الله تعالى : محمدا صلى الله عليه وآله وسلم : أن ينصب عليا الناس فيخبرهم بولايته فتخوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولوا : حابى ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك فأوحى الله : (يا أيها
----------------------------------
(48) مجمع البيان 3 / 223 .
(49) شواهد التنزيل 1 / 191 .
(50) مجمع البيان 3 / 233 .
(51) شواهد التنزيل 1 / 193 .
(52) الدر المنثور 2 / 298 عن أبي الشيخ .

(الصفحة 139)


الرسول بلغ . . . )(53) .
7 - عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بخم ، فتنحى الناس عنه ، ونزول معه علي بن أبي طالب : فشق على النبي تأخر الناس ، فأمر عليا فجمعهم ، فلما اجتمعوا قام فيهم ، متوسد (يد) علي بن أبي طالب فحمد الله ، وأثني عليه ، ثم قال : أيها الناس إنه قد كرهت تخلفكم عني ، حتى خيل إلي : أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني . . . (54) .
8 - ويقول نص آخر : أنه لما أمر صلى الله عليه وآله وسلم بنصب علي عليه السلام : خشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قومه ، وأهل النفاق والشقاق : أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية لما عرف من عدواتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي عليه السلام من العداوة والبغضاء وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس . ثم تذكر الرواية : أنه انتظر ذلك حتى بلغ مسجد الخيف فجاء جبرئيل . فأمره بذلك مرة أخرى ولم يأته بالعصمة ثم جاء مرة أخرى في كراع الغميم - موضع بين مكة والمدينة - وأمره بذلك ، ولكنه لم يأته بالعصمة . ثم لما بلغ غدير خم جاء بالعصمة فخطب صلى الله عليه وآله وسلم الناس ، فأخبرهم : أن جبرئيل هبط إليه ثلاث مرات يأمره عن الله تعالى بنصب علي عليه السلام إماما ووليا للناس - إلى أن قال : وسألت جبرئيل : أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم - أيها الناس - لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال الآثمين وختل المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم : يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا ، وهو عند الله عظيم وكثرة أذاهم لي في غير مرة ، حتى سموني
----------------------------------
(53) راجع : مجمع البيان 3 / 233 وتفسير العياشي 1 / 331 وتفسير البرهان 1 / 498 وشواهد التنزيل 1 / 192 والغدير 1 / 219 و 223 و 377 وعن المجمع ، وعن روح المعاني 2 / 348 .
(54) راجع : مناقب علي بن أبي طالب - لابن المغازلي - 25 والعمدة لابن البطريق - 107 ، والغدير 1 / 22 عنه وعن الثعلبي في تفسيره ، كما في ضياء العاملين .

(الصفحة 140)


أذنا ، وزعموا : أني كذلك لكثرة ملازمته إياي ، وإقبالي عليه ، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرأنا :( ومنهم الذين يؤذون النبي ، ويقولون هو أذن) . . . إلى أن قال : ولو شئت أن أسميهم بأسمائهم لسميت وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت ، وأن أدل عليهم لفعلت . ولكني والله في أمورهم تكرمت . . . " (55) .
9 - عن مجاهد قال : " لما نزلت : بلغ ما أنزل إليك من ربك " قال : يا رب ، إنما أنا واحد كيف أصنع ، يجتمع علي الناس ؟ فنزلت : وإن لم تفعل فما بلغت رسالته (56) .
10 - قال ابن رستم الطبري : " فلما قضى حجه وصار بغدير خم ، وذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، أمره الله عز وجل بإظهار أمر علي : فكأنه أمسك لما عرف من كراهة الناس ، لذلك ، إشفاقا على الدين ، وخوفا من ارتداد التوم : فأنزل الله : (يا أيها الرسول بلغ منزل إليك . . . )(57) .
11- وفي حديث مناشدة علي عليه السلام للناس بحديث الغدير ، إيام عثمان ، شهد ابن أرقم ، والبراء بن عازب ، وأبو ذر والمقداد ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ، وهو قائم على المنبر ، وعلي عليه السلام إلى جنبه : " أيها الناس ، إن الله عز وجل أمرني أن أنصب لكم إمامكم ، والقائم فيكم بعدي ، ووصيي ، وخليفتي ، والذي فرض الله عز وجل علي المؤمنين في كتابه طاعته ، فقرب (58) بطاعته طاعتي ، وأمركم بولايته ، وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق ، وتكذيبهم ، فأوعدني لأبلغها ، أو ليعذبني . . . " (59) .
--------------------------------------------
(55) الاحتجاج 1 / 69 و 70 و 73 و 74 ، وراجع : روضة الواعظين : 90 و 92 ، وا لبرهان 1 / 437 - 438 ، والغدير 1 / 215 - 216 عن كتاب " الولاية " للطبري .
(56) الدر المنثور 2 / 98 2 عن ابن أبي حاتم ، وعبد بن حميد ، وابن جرير .
(57) المسترشد في إمامة علي عليه السلام : 94 - 95 .
(58) لعل الصحيح : فقرن .
(59) فرائد السمطين 1 / 315 و 6 31 ، والغدير 1 / 165 - 166 عنه ، وإكمال الدين 1 / 277 وراجع : البرهان ج 1 ص 45 4 و 444 وسليم بن قيس : 49 1 وثمة بعض الاختلاف في التعبير .

(الصفحة 141)


وعنه سليم بن قيس : " إن الله عز وجل أرسلي برسالة . ضاق بها صدري ، وظننت الناس يكذبوني ، وأوعدني . . . " (60) . 12 - وعن ابن عباس : لما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم بعلي ابن أبي طالب المقام الذي قام به : فانطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة ، فقال : رأيت الناس حديثي عهد بكفر - بجاهلية - ومتى أفعل هذا به ، يقولوا : صنع هذا بابن عمه ، ثم مضى حتى قضى حجة الوداع (61) .
وعن زيد بن علي ، قال : لما جاء جبرئيل بأمر الولاية ضاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ذرعا ، وقال : قومي حديثو عهد بجاهلية ، فنزلت الآية (62) .
13 - وروي : أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما انتهى إلى غدير خم " نزل عليه جبرائيل ، وأمره أن يقيم علي ، وينصبه إماما للناس . فقال : إن أمتي حديثو عهد بالجاهلية : فنزل عليه : إنها عزيمة لا رخصة فيها ، ونزلت الآية :( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس . . .) (63) . 14 - وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام جاء فيها أنه حين نزلت آية إكمال الدين بولاية علي عليه السلام : " فقال عند ذلك رسول الله : إن أمتي حديثو عهد بالجاهلية ، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي ، يقول قائل ، ويقول قائل . فقلت في نفسي من غير أن ينطق لساني ، فأتتني عزيمة من الله بتلة أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني فنزلت : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك . . .)(64) .
وفي بعض الروايات : إنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أخر نصبه عليه السلام
------------------------------------
(60) سليم بن قيس ، 148 ، والبرهان 1 / 444 - 445 ، والغدير 1 / 196 عن سليم بن قيس .
(61) الغدير 1 / 51 - 52 و 217 و 378 ، عن كنز العمال 6 / 153 عن المحاملي في أماليه ، وعن شمس الأخبار : 38 عن أمالي المرشد بالله ، وراجع كشف الغمة 1 / 318 وغير ذلك .
(62) الغدير 1 / 217 عن كشف الغمة 1 / 317
(63) إعلام الوري : 132 .
(64) البرهان في تفسير القرآن 1 / 488 ، والكافي 1 / 0 23 .

(الصفحة 142)


فرقا من الناس أو : لمكان الناس (65) .
هذا غيض من فيض مما يدل على دور المتآمرين من قريش ، ومن يدور في فلكها ، في صرف الأمر عنه عليه السلام ، وتصميمها على ذلك ، لأسباب أشير إلى بعضها فيما نقلناه من كلمات ونصوص . وهذا يفسر لنا السر فيما صدر منهم من صخب وضجيج ، حين أراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم النص على الأئمة الاثني عشر ، في حجة الوداع ، كما سنرى . الصخب ، والغضب : لقد ذكرت الروايات الصحيحة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قد خطب الناس في حجة الوداع : في عرفة ، فلما أراد أن يتحدث في أمر الإمامة وذكر حديث الثقلين (66) ، ثم ذكر عدد الأئمة ، وأنهم اثنا عشر ، واجهته فئات من الناس بالضجيج والفوضى ، إلى حد أنه لم يتمكن من إيصال كلامه إلى الناس . وقد صرح بعدم التمكن من سماع كلامه كل من : أنس ، وعبد الملك بن عمير ، وعمر بن الخطاب ، وأبن جحيفة ، وجابر بن سمرة (67) - ولكن رواية هذا الأخير ، كانت أكثر وضوحا ، ويبدو أنه قد روى ذلك مرات عديدة ، فرويت عنه بأكثر من طريق . فنحن نختار بعض نصوصها خاصة - ولا سيما ما ورد منها في الصحاح والكتب المعتبرة : فنقول : 1 - في مسند أحمد حدثنا عبد الله ، حدثني أبو الربيع الزهراني ، سليمان بن داود ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، قالوا : حدثنا حماد ابن زيد ، ثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن جابر بن سمرة ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات - وقال المقدمي في حديثه :
--------------------------------------
(65) تفسير العياشي 1 / 332 ، وتفسير البرهان 1 / 489 .
(66) راجع : حديث الثقلين ، للوشنوي : 13 وما ذكره من مصادر .
(67) راجع : كفاية الأثر ، للخزار وراجع أيضا : إحقاق الحق (الملحقات) ج 13 وغير ذلك .

(الصفحة 143)


سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب بمنى - . . .
وهذا لفظ حديث أبي الربيع : فسمعته يقول : لن يزال هذا الأمر عزيزا ظاهرا ، حتى يملك اثنا عشر كلهم - ثم لغظ القوم ، وتكلموا - : فلم أفهم قوله بعد (كلهم) : فقلت لأبي : يا أبتاه ، ما بعد كلهم ؟ . قال : كلهم من قريش . . . وحسب نص النعماني : " فتكلم الناس فلم أفهم فقلت لأبي . . . (68) .
2 - عن الشعبي ، عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا ، ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة . قال : فجعل الناس يقومون ويتعدون . زاد الطوسي : وتكلم بكلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي ، أو لأخي . . . " (69) .
وفي حديث آخر عن جابر بن سمرة صرح فيه : أن ذلك قد كان في حجة الوداع (70) .
3 - عن جابر بن سمرة ، قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات : فقال : لا يزال هذا الأمر عزيزا منيعا ظاهرا على من ناواه حتى يملك اثنا عشر ، كلهم - قال : فلم أفهم ما بعد - قال : فقلت لأبي : ما قال بعد كلهم ؟ قال : كلهم من قريش " (71) .
وعنه أبي داود وغيره - وإن لم يصرح بأن ذلك كان في عرفات - زاد قوله : كلهم تجتمع عليه الأمة ، فسمعت كلاما من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم أفهمه ، فقلت
----------------------------------------
(68) مسند أحمد 5 / 9 9 . والغيبة - للنعماني - : 122 و 124 .
(69) مسند أحمد 5 / 99 ، والغيبة - للطوسي - : 88 و 89 ، وإعلام الورى : 384 ، وا لبحار 67 / 237 ، منتخب الأثر : 20 .
(70) مسند أحمد 5 / 99 .
(71) مسند أحمد 5 / 93 وفي ص 96 في موضعين .

(الصفحة 144)


لأبي . . . (72) . وفي لفظ آخر : كلهم يعمل بالهدى ودين الحق (73) .
4 - وحسب نص آخر ، ذكر أن ذلك كان في حجة الوداع ، قال :
ثم خفي علي قولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان أبي أقرب إلى راحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني : فقلت : يا أبتاه ، ما الذي خفي علي من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ! قال : يقول : " كلهم من قريش " . قال : فأشهد على أبي إفهام أبي إياي : قال : " كلهم من قريش " (74) .
5 - وبعد أن ذكرت رواية أخرى عنه حديث أن الأئمة اثنا عشر قال : ثم تكلم بكلمة لم أفهمها ، وضخ الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ . . . (75) .
6 - ولفظ مسلم : عن جابر بن سمرة ، قال : انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومعي أبي : فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة : فقال كلمة صمنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش . وعند أحمد وغيره . فقلت لأبي - أو لابني - : ما الكلمة التي أصمنيها الناس ؟ قال : كلهم من قريش (76) .
7 - وعن جابر بن سمرة قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : يلي هذا الأمر اثنا عشر ، فصرخ الناس : فلم أسمع ما قال ، فقلت لأبي - وكان أقرب
--------------------------------------
(72) سنن أبي داود 4 / 6 0 1 ، ومسند أبي عرانة 4 / 0 0 4 ، وتاريخ الخلفاء : 0 1 و 1 1 ، وراجع : فتح الباري 13 / 81 1 وكرر عبارة " كلهم تجتمع عليه الأمة " في ص 182 و 183 و 184 ، وذكرها أيضا في الصواعق المحرقة : 18 وفي إرشاد الساري 0 1 / 273 ، وراجع : الغيبة - للطوسي - : 88 ، وا لغيبة - للنعماني - : 1 2 1 و 2 2 1 و 23 1 و 4 2 1 .
(73) الخصال 2 / 474 ، والبحار 36 / 0 4 2 عنه وعن عيون أخبار الرضا عليه السلام .
(74) مسند أحمد 5 / 90 .
(75) مسند أحمد 5 / 93 .
(76) صحيح مسلم 6 / 4 ، وإحقاق الحق (الملحقات) 13 / 1 عنه . ومسند أحمد 5 / 98 و 1 0 1 ، والبحار 36 / 235 ، والخصال 2 / 0 47 و 472 ، والعمدة - لابن البطريق - : 1 2 4 ، وراجع : النهاية في اللغة 3 / 54 ، ولسان العرب 12 / 343 ونقل عن كتاب : القرب في محبة العرب : 9 2 1 .

(الصفحة 145)


إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني - فقلت : ما قال رسول ؟ فقال : قال : كلهم من قريش ، وكلهم لا يرى مثله (77) .
8 - ولفظ أبي داود : فكبر الناس وضجوا ، ثم قال كلمة خفية . . . (78) .
ولفظ أبي عوانة : فضج الناس . وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلمة خفيت علي . . . (79) .
وعلى كل حال . . . فإن حديث الاثني عشر خليفة بعده صلى الله عليه وآله وسلم ، والذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم كلمة لم يسمعها جابر ، وغيره - ممن كان حاضرا ، وروى الحديث - أو لم يفهمها ، أو خفض بها صوته ، أو خفيت عليه أو نحو ذلك - هذا الحديث - مذكور في كثير من المصادر والمراجع ، فليراجعها طالبها (80) .
إلفات النظر إلى أمرين :
وقبل أن نواصل الحديث ، فيما نريد التأكيد عليه ، فإننا نلفت النظر إلى أمر ين .
الأول : المكان :
فقد اختلفت الروايات حول المكان الذي أورد فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الخطبة . فذكرت طائفة من الروايات . أن ذلك قد كان في حجة الوداع ، في عرفات
----------------------------------
(77) الخصال 2 / 473 أبواب الاثني عشر ، وإكمال الدين 1 / 272 - 273 ، والبحار 36 / 239 .
(78) سنن أبي داود 4 / 6 0 1 ، وفتح الباري 13 / 81 1 ، وإرشاد الساري 0 1 / 273 .
(79) مسند أبي عوانة 4 / 4 39 .
(80) راجع المصادر التالية . صحيح مسلم 6 / 3 بعدة طرق ، ومسند أحمد 5 / 93 و 92 و 94 و 90 و 96 و 95 و 89 و 97 و 98 و 9 9 و 100 و 1 0 1 و 6 0 1 و 7 0 1 و 8 0 1 ، ومسند أبي عوانة 4 / 394 ، وحليه الأولياء 4 / 333 ، وإعلام الورى : 382 ، والعمدة - لابن البطريق - : 416 - 422 ، وإكمال الدين 1 / 272 و 273 والخمال 2 / 469 - 475 ، وفتح الباري 3 1 / 1 8 1 - 85 1 ، والغيبة - للنعماني - : 9 1 1 - 5 2 1 ، وصحيح البخار ي 4 / 9 5 1 ، وتاريخ

(الصفحة 146)


ورواية واحدة تردد فيها الراوي بين عرفات ومنى . وهناك طائفة من الروايات عبرت ب‍ " المسجد " (81) .
وسكتت روايات أخرى عن التحديد . مع أنها جميعا قد تحدثت عن حدوث فوضى وضجيج ، لم يستطع معه الراوي أن يسمع بقية كلام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : وتوجد روايات أشارت إلى عدم فهم الراوي ، ولم تشر إلى الضجيج . فهل كرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في المواضع المختلفة . فكان يواجه بالضجيج والفوضى ؟ ! ويكون المقصود بالمسجد ، هو المسجد الموجود في منى ، أو عرفة ؟ !
إن لم يكن ذكر منى اشتباها من الراوي . أم أنه موقف واحد ، اشتبه أمره على الرواة والمؤرخين ؟ ! قد يمكن ترجيح احتمال تعدد المواقف ، التي أظهرت إصرار فئات من الناس على موقف التحدي ، والخلاف . . .
الثاني : كلهم من قريش :
ما ذكرته الروايات من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد قال : " كلهم من قريش " موضع شك وريب . وذلك لأن ما تقدم من حقيقة الموقف الظالم لقريش ، ومن هم على رأيها ، وخططهم التي تستهدف تقويض حاكمية خط الإمامة ، يجعلنا نجزم بأن العبارة التي
-------------------------------------
(81) بغداد 2 / 126 و 14 / 353 ، ومستدرك الحاكم 3 / 618 ، وتلخيصه للذهبي ، بهامش نفس الصفحة ، ومنتخب الأثر : 0 1 - 23 عن مصادر كثيرة والجامع الصحيح 4 / 1 0 5 ، وسنن أبي داود 4 / 6 1 1 ، وكفاية الأثر : 49 - إلى آخر الكتاب ، والبحار 36 / 231 إلى آخر الفصل ، وإحقاق الحق (الملحقات) 13 / 1 - 0 5 عن مصادر كثيرة . (1 8) راجع : بالنسبة لخصوص هذه الطائفة من الروايات : الخصال 2 / 469 و 472 ، وكفاية الأثر : 0 5 ، ومسند أبي عوانة 4 / 398 ، وإكمال الدين 1 / 272 ، وحلية الأولياء 4 / 333 والبحار 36 / 234 ، ومنتخب الأثر : 9 1 .

(الصفحة 147)


لم يسمعها جابر بن سمرة ، وأنس ، وعمر بن الخطاب . وعبد الملك بن عمير ، وأبو جحيفة ، بسبب ما اثاره المغرضون من ضجيج هي كلمة : " كلهم من بني هاشم " كما ورد في بعض النصوص (82) ، وهي الرواية التي استقربها القندوزي الحنفي ، على أساس : أنهم " لا يحسنون خلافة بني هاشم " (83) .
إلا يكون صلى الله عليه وآله قد قال الكلمتين معا ، أي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : " كلهم من قريش ، كلهم من بني هاشم " . ويكون ذكر الفقرة الأولى توطئة ، وتمهيدا لذكر الثانية : فثارت ثائرة قريش ، وأنصارها ، وعجوا وضجوا ، وقاموا وقعدوا . . . ! ! وإلا . . فإن قريشا ، ومن يدور في فلكها لم يكن يغضبهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " كلهم من قريش " بل ذلك يسرهم ، ويفرحهم ، لأنه هو الأمر الذي ما فتئوا يسمعون إليه ، بكل ما أوتوا من قوة وحول ، يخططون ويتآمرون ، ويعادون ويحالفون من أجله ، وعلى أساسه ، فلماذا الهياج والضجيج ، ولماذا الصخب والعجيج ، لو كان الأمر هو ذلك ؟ !
الموقف . . الفضيحة :
ولا نشك في أن طائفة الأخيار والمتقين الأبرار من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كانت تلتزم بأوامره صلى الله عليه وآله وسلم ، وتنتهي بنواهيه ، وتسلم له صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما يحكم ويقضي به . أما من سواهم - وهم الأكثرية بالنسبة لأولئك - من أصحاب الأهواء ، وطلاب اللبانات ، وذوي الطموحات ، ممن لم يسلموا ، ولكنهم غلبوا عل أمرهم : فاستسلموا ، وأصبح كثير منهم يتظاهر بالورع ، والدين والتقوى ، والطاعة والتسليم لله ، ولرسوله ، متخذا ذلك ذريعة للوصول إلى مآربه ، وتحقيق أهدافه .
---------------------------------
(82) ينابيع المودة : 5 4 4 عن مودة القربى ، وراجع : منتخب الأثر : 4 1 وهامش ص 15 عنه .
(83) ينابيع المودة 46 4 .

(الصفحة 148)


أما هؤلاء ، الذين كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون ، ويسرون غير ما يعلنون ، فقد كان لم لا بد من كشف زيفهم وإظهار خداعهم ، بصورة أو بأخرى . وقد رأينا : كيف أن هؤلاء الذين كانوا يتبركون بفضل وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحتى ببصاقه ، ونخامته ، وو . . . ويدعون الحرص على امتثال أوامر الله سبحانه ، بتوقيره ، وبعدم رفع أصواتهم فوق موته (84) وبالتأدب معه ، وبأن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله وو . . . لقد رأينا : أن هؤلاء بمجرد إحساسهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم يريد الحديث عن الأئمة الاثني عشر ، وبيان مواصفاتهم ، وتحديدهم بصورة أدق ، وأوفى وأتم . . قد علا ضجيجهم ، وزاد صخبهم ، وعلى حد تعبير الروايات : " ثم لغط القوم وتكلموا . أو " وضج الناس " . أو " فقال كلمة أصمينها الناس " . أو " فصرخ الناس : فلم أسمع ما قال " . أو " فكبر الناس ، وضجوا " . أو " فجعل الناس يقومون ، ويقعدون " .
قريش . . وخلافة بني هاشم :
وقد تقدم : أن قريشا ومن هم على رأيها ، هم الذين كانوا يخططون لصرف الأمر
------------------------------------
(84) راجع سورة الحجرات : 1 و 2 . وقد ورد أن هذه الآيات نزلت حينما حصل اختلاف فما بين أبي بكر وبين عمر حول تأمير بعض الأشخاص من قبل النبي ، فأصر أحدهما على شخص وأصر الآخر على آخر ، حتى ارتفعت أصواتهما . راجع الدر المنثور 6 / 83 - 84 عن البخاري وابن المنذر وابن مردويه ، وأسباب النزول : 218 وصحيح البخاري 3 / 2 2 1 ، والجامع الصحيح 5 / 387 ، وتفسير القرآن العظيم 4 / 205 - 206 ، ولباب التأويل 4 / 164 ، وفتح القدير 5 / 61 ، والجامع لأحكام القرآن 300 / 16 - 1 0 3 ، وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) 26 / 72.

(الصفحة 149)


عن بني هاشم ، وبالذات عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ، ويتصدون لملاحقته ومتابعته في جميع تفاصيله وجزئياته . وقد رأوا : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في مختلف المواقع والمواضع لا يزال يهتف باسمه ، ويؤكد على إمامته ، ولم يكن في مصلحتهم أن يعلن بذلك أمام تلك الجموع الغفيرة ، التي جاءت للحج من جميع الأقطار والأمصار ولأجل ذلك فقد بادروا إلى التشويش والاخلال بالنظام . قريش بالذات هي التي قصدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منزله بعد هذا الموقف مباشرة لتستوضح منه ماذا يكون بعد هؤلاء الأئمة ، فكان الجواب ثم يكون الهرج . والصحيح : (الفرج) ، كما رواه الخزاز (85) .
وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله : أن مجرد التلميح لهذا الأمر ، قد دفعهم إلى هذا المستوى من الإسفاف والاسراف في التحدي لإرادة الله سبحانه ، ولشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، دون أن يمنعهم من ذلك شرف المكان ، ولا خصوصية الزمان ، ولا قداسة المتكلم ، وشأنه ، وكرامته . فكيف لو أنه صلى الله عليه وآله صرح بذلك وجهر باسمه عليه الصلاة والسلام ، فقد يصدر منهم ما هو أمر وأدهى ، وأقبح وأشد خطرا على الإسلام وعلى مستقبله بصورة عامة .
التدخل الإلهي :
ثم جاء التهديد الإلهي لهم ، فحسم الموقف ، وأبرم الأمر ، وظهر لهم أنهم عاجزون عن الوقوف في وجه إرادة الله ، القاضية بلزوم إقامة الحجة على الناس كافة ، بالأسلوب الذي يريده الله ويرتضيه ، وأدركوا : أن استمرارهم في المواجهة السافرة قد يؤدي بهم إلى حرب حقيقية ، فيما بينهم وبين الله ورسوله ، وبصورة علنية ومكشوفة ،
-----------------------------------
(85) راجع : كفاية الأثر : 52 ، ويقارن ذلك مع ما في إحقاق الحق (الملحقات) وغيبة النعماني . وغيرها . . فإنهم صرحوا بأن قريشا هي التي أتته . .

(الصفحة 150)


فلم يكن لهم بد من الرضوخ ، والانصياع . لا سيما بعد أن أفهمهم الله سبحانه :
أنه يعتبر عدم إبلاغ هذا الأمر بمثابة عدم إبلاغ أصل الدين ، وأساس الرسالة . الأمر الذي يعني : العودة إلى نقطة الصفر ، والشروع منها ، وحتى لو انتهى ذلك إلى خوض حروب في مستوى بدر وأحد والخندق ، وسواها من الحروب التي خاضها المسلمون ضد المشركين ، من أجل تثبيت أساس الدين وإبلاغه . ومن الواضح لهم : أن ذلك سوف ينتهي بهزيمتهم وفضيحتهم ، وضياع كل الفرص ، وتلاشي جميع الآمال في حصولهم على امتياز يذكر ، أو بدونه ، حيث تكون الكارثة بانتظارهم ، حيث البلاء المبرم ، والهلاك والفناء المحتم . فآثروا الرضوخ إلى الأمر الواقع ، والانحناء أمام العاصفة ، في سياسة غادرة وما كرة . . ولزمتهم الحجة ، بالبيعة التي أخذت منهم عليه السلام في يوم الغدير . وقامت الحجة بذلك على الأمة بأسرها أيضا . ولم يكن المطلوب أكثر من ذلك . ثم كان النكث منهم لهذه البيعة ، وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإحساسهم بالأمن ، وبالقوة .(فمن نكث فإنما ينكث على نفسه)(86) .
(وليحملن أثقالهم ، وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون)(87) .
تذكير ضروري :
وقد يدور بخلد بعض الناس السؤال التالي : إنه كيف يمكن أن نصدق أن يقدم عشرات الألوف على محالفة ما رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم في أمر الخلافة
---------------------------------
(86) الفتح 48 : 10 . (87) العنكبوت 29 : 13 :

(الصفحة 151)


والإمامة . وهم أصحابه الذين رباهم على الورع والتقوى ، وقد مدحهم الله عز وجل في كتابه العزيز ، وذكر فضلهم ، وهم الذين ضحوا في سبيل هذا الدين ، وجاهدوا فيه بأموالهم وأنفسهم . . .
ونقول :
إن ما ذكر حول الصحابة أمر مبالغ فيه . وذلك لأن الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبيل وفاته ، وإن كانوا يعدون بعشرات الألوف ، ولكن لم يكن هؤلاء جميعا من سكان المدينة ، ولا عاشوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فترات طويلة ، تسمح له بتربيتهم وتزكيتهم وتعليمهم وتعريفهم على أحكام الإسلام ، ومفاهيمه . بل كان أكثرهم من بلاد أخرى بعيدة عن المدينة أو قريبة منها ، وقد فازوا برؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المرة ، وقد يكون بعضهم قد رآه قبلها أو بعدها بصورة عابرة أيضا وقد لا يكون رآه . وقد تفرق هؤلاء بعد واقعة الغدير مباشرة ، وذهب كل منهم إلى أهله وبلاده . ولعل معظمهم - بل ذلك هو المؤكد - قد أسلم بعد فتح مكة ، وفي عام الوفود - سنة تسع من الهجرة - ، فلم يعرف من الإسلام إلا اسمه ، ومن الدين إلا رسمه مما هو في حدود بعض الطقوس الظاهرية والقليلة . . . ولم يبق مع رسول الله بعد حادثة الغدير ، إلا أقل القليل من الناس ممن كان يسكن المدينة ، وقد يكونون ألفين أو أكثر ، وربما دون ذلك أيضا . وقد كان فيهم العديد من الخدم والعبيد ، والأتباع ، بالإضافة إلى المنافقين والذين مردوا على النفاق ممن أخبر الله عن وجودهم ، وأنهم كانوا من أهل المدينة ، ومن البلاد المجاورة لها . ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمهم بصورة تفصيلية ، وكان الله سبحانه هو الذي يعلمهم . هذا إلى جانب فئات من الناس ، من أهل المدينة نفسها ، كانوا لا يملكون

(الصفحة 152)


درجة كافية من الوعي للدين ، وأحكامه ، ومفاهيمه ، وسياساته ، بل كانوا مشغولين بأنفسهم وملذاتهم وتجاراتهم ، فإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما . وقد تعرض كثير من الناس منهم لتهديدات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحرق بيوتهم ، لأنهم كانوا يقاطعون صلاة الجماعة التي كان يقيمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذات ، كما أنه قد كان ثمة جماعة اتخذت لنفسها مسجدا تجتمع فيه ، وتركت الحضور في جماعة المسلمين ، وهو ما عرف بمسجد الضرار ، وقد هدمه صلى الله عليه وآله وسلم ، كما هو معروف .
وتكون النتيجة هي أنه لا يبقى في ساحة الصراع والعمل السياسي إلا أهل الطموحات ، وأصحاب النفوذ من قريش ، صاحبة الطول والحول في المنطقة العربية بأسرها . بالإضافة إلى أفراد معدودين من غير قريش أيضا . فكان هؤلاء هم الذين يدبرون الأمور ويوجهونها بالاتجاه الذي يصب في مصلحتهم ، ويؤكد هيمنتهم ، ويحركون الجماهير بأساليب متنوعة ، أتقنوا الاستفادة منها بما لديهم من خبرات سياسية طويلة . فكانوا يستفيدون من نقاط الضعف الكثيرة التي كانت لدى السذج والبسطاء ، أو لدى غيرهم ممن لم يستحكم الإيمان في قلوبهم بعد ، ممن كانت تسيرهم الروح القبلية ، وتهيمن على عقلياتهم وروحياتهم المفاهيم والرواسب الجاهلية . كما أن أولئك الذين وترهم الإسلام - أو قضى على الامتيازات التي لا يستحقونها ، وقد استأثروا بها لأنفسهم ظلما وعلوا - كانوا يسارعون إلى الاستجابة إلى أي عمل يتوافق مع أحقادهم ، وينسجم مع مشاعرهم رأحاسيسهم الثائرة ضد كل ما هو حق وخير ، ودين وإسلام . وهذا هو ما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حينما ذكر : أن تأخيره إبلاغ أمر الإمامة بسبب أنه كان يخشى قومه ، لأنهم قريبو عهد بجاهلية ، بغيضة ومقيتة ، لا يزال كثيرون منهم يعيشون بعض مفاهيمها ، وتهيمن عليهم بعض أعرافها . وهكذا يتضح : أن الأخيار والواعين من الصحابة ، مهما كثر عددهم فإن

(الصفحة 153)


الآخرين هم الذين كانوا يقودون التيار ، بما تهيأ لهم من عوامل وظروف فكان أن تمكنوا - في المدينة التي لم يكن فيها سوى بضعة ألوف من الناس ، قد عرفنا بعض حالاتهم - من صرف الأمر - أمر الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - عن أصحابه الشرعيين ، إلى غيرهم حسبما هو مذكور ومسطور في كتب الحديث التاريخ . . .
خلاصة . . وبيان :
وبعد ما تقدم ، فإنه يصبح واضحا : أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يواجه عاصفة من التحدي ، والاصرار على إفشال الخطط الإلهية ، بأي ثمن كان ، وبأي وسيلة كانت ! وأن التدخل الإلهي ، والتهديد القرآني هو للعناصر التي أثارتها ، وإفهامهم : أن إصرارهم على التحدي ، يوازي في خطورته وفي نتائجه ، وقوفهم في وجه الدعوة الإلهية من الأساس ، هو الذي حسم الموقف ، ولجم التيار ، لا سيما بعد أن صرح القرآن بكفر من يتصدى ، ويتحدى وتعهد بالحماية والعصمة له صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال :( وإن لم تفعل فما بلغت رسالة ولله ويعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)(88) . وإذا كان الله سبحانه هو الذي سيتصدى لكل معاند وجاحد ، فمن الواضح : أنه ليس بمقدور أحد أن يقف في وجه الإرادة الإلهية ، فما عليهم إلا أن ينسحبوا من ساحة التحدي ، من أجل أن يقيم الله حجته ، ويبلغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دينه ورسالته . وليبوؤا هم بإثم المكر والبغي ، وليحملوا وزر النكث ، والخيانة والله لا يهدي كيد الخائنين .
-----------------------------------
(88) المائدة 5 : 67 .

(الصفحة 154)


دراسة الحدث في حدود الزمان والمكان:
ونحن في نطاق فهمنا لموقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع نسجل النقاط التالية :
1 - يوم عبادة :
إن يوم عرفة هو يوم عبادة ودعاء ، وابتهال ، وانقطاع إلى الله ، سبحانه ، ويكون فيه كل واحد من الناس منشغلا بنفسه ، وبمناجاة ربه ، لا يتوقع في موقفه ذاك أي نشاط سياسي عام ، ولا يخطر ذلك له على بال . . . فإذا رأى أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يبادر إلى عمل من هذا القبيل ، فلا بد وأن يشعر : أن هناك أمرا بالغ الخطورة ، وفائق الأهمية ، فينشد لسماع ذلك الأمر والتعرف عليه ، ويلاحق جزئياته بدقة ووعي ، وبانتباه فائق .
2 - لماذا في موسم الحج :
وإذا كان موسم الحج هو المناسبة التي يجتمع فيها الناس من مختلف البلاد ، على اختلاف طبقاتهم ، وأجناسهم ، وأهوائهم ، فإن أي حدث متميز يرونه ويشاهدونه فيه لسوف تنتشر أخباره بواسطتهم على أوسع نطاق ، فكيف إذا كان هذا الحدث يحمل في طياته الكثير من المفاجئات ، والعديد من عناصر الإثارة ، وفيه من الأهمية ما يرتقي به إلى مستوى الأحداث المصيرية للدعوة الإسلامية بأسرها .
3 - وجود الرسول أيضا :
كما أن وجرد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في موسم الحج ، لسوف يضفي على هذه المناسبة المزيد من البهجة ، والارتياح ، ولسوف يعطي لها معنى روحيا أكثر عمقا ، وأكثر شفافية وسيشعرون بحساسية زائدة تجاه

(الصفحة 155)


أي قولي أو فعل يصدر من جهته صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيكون الدافع لديهم قويا لينقلوا للناس مشاهداتهم ، وذكرياتهم في سفرهم الفريد ذاك . كما أن الناس الذين يعيشون في مناطق بعيدة عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، ويشتاقون إليه ، لسوف يلذ لهم سماع تلك الأخبار ، وتتبعها ، بشغف ، وبدقة ، وبانتباه زائد : ليعرفوا كل ما صدر من نبيهم ، من : قو ل ، وفعل ، وتوجيه ، وسلوك ، وأمر ، ونهي ، وتحذير ، وترغيب ، وما إلى ذ لك .
4 - الذكريات الغالية :
وكل من رافق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا السفر العبادي ، لسوف يحتفظ في ذاكرته بذكريات عزيزة وغالية على قلبه ، تبقى حية غضة في روحه وفي وجدانه ، على مدى الأيام والشهور والأعوام والدهور ما دام أن هذه هي آخر مرة يرى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أعظم ، وأكرم ، وأغلى رجل وجد ، ويوجد على وجه الأرض . وحين تتخذ العلاقة بالحدث بعدا عاطفيا ، يلامس مشاعر الإنسان ، وأحاسيسه ، فإنها تصبح أكثر رسوخا وحيوية ، وأبعد أثرا في مجال الالتزام والموقف .
5 - الناس أمام مسؤولياتهم :
وبعد أن عرفنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد اختار الزمان ، ليكون يوم العبادة والانقطاع إلى الله سبحانه - يوم عرفة - والمكان ، وهو نفس جبل عرفات ، ثم اختار الخصوصيات والحالات ذات الطابع الخامل ، ككونها آخر حجة للناس معه ، حيث قد أخبر الناس : أن الأجل قد أصبح قريبا . ثم اختار أسلوب الخطاب الجماهيري ، لا خطاب الأفراد والأشخاص ، كما هو الحال في المناسبات العادية ، - إذا عرفنا ذلك ، وسواه - فإنه يصبح واضحا : أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أراد أن يضع الأمة أمام مسؤولياتها ، ليفهمها : أن تنفيذ هذا

(الصفحة 156)


الأمر يقع على عاتقها جميعا : فليس للأفراد أن يعتذروا بأن هذا أمر لا يعنيهم ، ولا يقع في دائرة واجباتهم . كما أنهم لا يمكنهم دعوى الجهل بأبعاده وملابساته ، بل الجميع مطالبون بهذا الواجب ، ومسؤولون عنه ، وليس خاصا بفئة من الناس ، لا يتعداها إلى غيرها ، وبذلك تكون الحجة قد قامت على الجميع ، ولم يبق عذر لمعتذر ، ولا حيلة لمتطلب حيلة .
6 - احتكار القرار :
وهذه الطريقة في العمل قد أخرجت القضية عن احتكار جماعة بعينها ، قد يروق لما أن تدعي : أنها وحدها صاحبة الحل والعقد في هذه المسألة - أخرجها عن ذلك لتصبح قضية الأمة بأسرها ، ومن مسؤولياتها التي لا بد وأن تطالب ، وتطالب بها ، فليس لقريش بعد هذا ، ولا لغيرها : أن تحتكر القرار في أمر الإمامة والخلافة ، كما قد حصل ذلك بالفعل . ولنا أن نعتبر هذا من أهم س إنجازات هذا الموقف ، وهو ضربة موفقة في مجال التخطيط لمستقبل الرسالة ، وتركيز الفهم الصحيح لمفهوم الإمامة لدى جميع الأجيال ، وعلى مر العصور . وقد كان لا بد لهذه القضية من أن تخرج من يد أناس يريدون أن يمارسوا الاقطاعية السياسية والدينية ، على أسس ومفاهيم جاهلية ، دونما أثارة من علم ، ولا دليل من هدى . وإنما من منطلق الأهواء الشيطانية ، والأطماع الرخيصة ، والأحقاد المقيتة والبغيضة .
7 - تساقط الأقنعة :
ولعل الانجاز الأهم هنا هو : أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد استطاع أن يكشف زيف المزيفين ، وخداع الماكرين ، ويعريهم أمام الناس ، حتى عرفهم كل أحد ،

(الصفحة 157)


وبأسلوب يستطيع الناس جميعا على اختلاف مستوياتهم وحالاتهم ودرجاتهم في الفكر ، وفي الوعي ، وفي السن ، وفي الموقع ، وفي غير ذلك من أمور أن يدركوه ويفهموه . . فقد رأى الجميع : أن هؤلاء الذين يدعون : أنهم يوقرون الرسول ، ويتبركون بفضل وضوئه ، وببصاقه ، وحتى بنخامته ، وأنهم يعملون بالتوجيهات الإلهية التي تقول :
( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)(89) .
( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) (90) .
(ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا)(91) .
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)(92) .
وغير ذلك من آيات تنظم تعاملهم ، وتضع الحدود ، وترسم معالم السلوك معه صلى الله عليه وآله وسلم ، مما يكون الفسق والخروج عن الدين ، في تجاهله ، وفي تعديه . هذا إلى جانب اعترافهم بما له صلى الله عليه وآله وسلم من فضل عليهم وأياد لديهم ، فإنه هو الذي أخرجهم - بفضل الله - من الظلمات إلى النور ، ومن الضلال إلى الهدى ، وأبدالهم الذل بالعز ، والشقاء بالسعادة ، والنار بالجنان . مع أنهم يدعون : أنهم قد جاؤوا في هذا الزمان الشريف ، إلى هذه المكان المقدس - عرفات - لعبادة الله سبحانه وطلب رضاه ، منيبين إليه سبحانه ، ليس لمم في حطام الدنيا ، وزخارفها ، مطلب ولا مأرب . ولكن مع ذلك كله . . فقد رأى الجميع بأم أعينهم : كيف أن حركة بسيطة منه صلى الله عليه وآله وسلم قد أظهرتهم على حقيقتهم ، وكشفت خفي مكرهم ، وخادع زيفهم ، ورأى كل أحد كيف أنهم : لا يوقرون رسول الله صلى الله عليه وآله ،
-----------------------------------
(89) الحجرات 49 : 1 .
(90) الحجرات 49 : 2 .
(91) الحشر 59 : 7 .
(92) النساء 4 : 59 .

(الصفحة 158)


ويرفعون أصواتهم فوق صوته ، يجهرون له بالقول أكثر من جهر بعضهم لبعض ، ويعصون أوامره ، كل ذلك رغبة في الدنيا ، وزهدا في الآخرة ، وطلبا لحظ الشيطان ، وعزوفا عن الكرامة الإلهية ، ورضى الرحمان .
8 - وعلى هذه فقس ما سواها :
وإذا كان هؤلاء لا يتورعون عن معاملة نبيهم بهذا الأسلوب الوقح والقبيح ، فهل تراهم يوقرون من هو دونه ، في ظروف وحالات لا تصل إلى حالاتهم معه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا تدانيها ؟ ! . . وماذا عسى أن يكون موقفهم ممن طفحت قلوبهم بالحقد عليه ، ولهم قبله ترات وثارات من قتلهم على الشرك من أسلافهم ، كعلي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه . وهكذا . . فإنه يكون صلى الله عليه وآله وسلم قد أفقدهم ، وأفقد مؤيديهم كل حجة ، وحجب عنهم كل عذر ، سوى البغي والاصرار على الباطل ، والجحود للحق : فقد ظهر ما كان خفيا ، وأسفر الصبح لذي عينين ، ولم يعد يمكن الإحالة ، على المجهول ، بدعوى : أنه يمكن أن يكون قد ظهر لهم ما خفي علينا . أو أنهم - وهم الأتقياء الأبرار - لا يمكن أن يخالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا أن يبطلوا تدبيره ، ويخونوا عهده ، وهو لما يدفن . أو أنه إذا كان الخونة أفرادا معدودين : فهل يعقل صدور الخيانة من أكثر الصحابة ؟ ! أو سكوتهم عليها ؟ ! وما إلى ذلك من أساليب يمارسونها لخداع السذج والبسطاء ومن لا علم لهم بواقع أولئك الناس ، ولا بمواقفهم .
فإن كل هذه الدعاوي قد سقطت ، وجميع تلكم الأعذار قد ظهر زيفها وبطلانها ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر .

(الصفحة 159)


9 - القرار الإلهي الثابت :
والذي ساهم في قطع كل عذر وبوار كل حجة : أن ذلك قد كان منهم في الأيام الأخيرة من حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، بحيث لم يبق مجال لدعوى الإنابة والتوبة ، أو الندم على ما صدر منهم ، ولا لدعوى تبدل الأوضاع والأحوال ، والظروف والمقتضيات . ولا لدعوى تبدل القرار الإلهي النبوي.
10 - التهديد ، والتآمر :
هذا . . وقد تقدم : أن هؤلاء أنفسهم حينما رأوا جدية التهديد الإلهي ، قد سكتوا في المرحلة اللاحقة ، حينما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعلن إمامة علي عليه السلام في غدير خم : فلم نجد منهم أية بادرة خلاف ، إلا فيما ندر من همسات عابرة ، لا تكاد تسمع . وقد بادر هؤلاء أنفسهم إلى البيعة له عليه السلام . وإن كانوا قد أسروا وبيتوا ما لا يرضي الله ورسوله من القول والفعل ، والنية والتخطيط . الذي ظهرت نتائجه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم لما يدفن ، بل وقبل ذلك ، حينما منعوا الناس من كتابة الكتاب بالوصية لعلي عليه السلام حينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فراش المرض ، في ما عرف برزية يوم الخميس ! ! وقال قائلهم : إن النبي ليهجر ! أو : غلبه الوجع ! (93) .
---------------------------------
(93) الايضاح : 9 5 3 ، وتذكرة الخواص : 2 6 ، وسر العالمين : 1 2 ، وصحيح البخاري 3 / 0 6 و 4 / 5 و 73 1 و 1 / 1 2 - 2 2 و 2 / 2 1 1 ، والبداية وا لنهاية 5 / 227 ، والبدء والتاريخ 5 / 5 9 ، والملل والنحل 1 / 2 2 ، والطبقات الكبرى 2 / 244 . وتاريخ الأمم والملوك 3 / 192 - 193 ، والكامل في التاريخ 2 / 320 وأنساب الأشراف 1 / 562 ، وشرح النهج للمعتزلي 6 / 1 5 . وتاريخ الخميس 1 / 164 ، وصحيح مسلم 5 / 75 . ومسند أحمد 1 / 5 35 وص 62 ، والسيرة الحلبية 3 / 4 4 3 ، ونهج الحق : 273 . وراجع المصادر التالية : حق اليقين 1 / 181 - 182 ، ودلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 63 - 70 ، والصراط المستقيم 3 / 3 و 6 ، والمراجعات : 53 3 ، والنص والاجتهاد : 149 - 163 .

(الصفحة 160)


11 - الخير فيما وقع :
وأخيرا . . فإن ما جرى في عرفة ، وإظهار هؤلاء الناس على حقيقتهم ، وما رافق ذلك من فوائد ، وعوائد أشير إليها ، قد كان ضروريا ولازما ، للحفاظ على مستقبل الدعوة ، وبقائها ، فقد عرفت الأمة الوفي من المتآمر ، والمؤمن الخالص ، من غير الخالص ، وفي ذلك النفع الكثير والخير العميم .( فعسى أن تكرهوا شيئا ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)(94) .
وصدق الله ورسوله ، وخاب من افترى . .
و (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (95) . والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
جعفر مرتضى العاملي
----------------------------------------
(94) النساء 4 : 19 . (95) الفتح 48 : 10 .

(الصفحة 161)


المصادر والمراجع
1 - القرآن الكريم .
2 - الاحتجاج ، للطبرسي ، طبعة سنة 1386 ه‍ . ق .
3 - إحقاق الحق (الملحقات) للمرعشي النجفي ، طبعة قم - إيران .
4 - إرشاد الساري ، للقسطلاني ، طبعة سنة 1304 ه‍ . ق - دار المعرفة - بيروت / لبنان - .
5 - أسد الغابة ، لابن الأثير الجزري ، طبعة سنة 1380 ه‍ . ق - ثم انتشارات إسماعليان - طهرا ن - إيران .
6 - إعلام الورى ، للطبرسي ، طبعة سنة 1390 ه‍ . ق - الحيدرية - النجف الأشرف .
7 - الأغاني ، لأبي الفرج الأصفهاني .
8 - الأمالي ، للشيخ المفيد ، من منشورات جماعة المدرسين - قم - إيران .
9 - الإمامة والسياسة ، لابن قتيبة ، طبعة سنة 1388 ه‍ . ق‍ ، مصر .
10 - أنساب الأشراف ، للبلاذري ، بتحقيق المحمودي ، طبعة سنة 1394 بيروت - لبنان .
11 - الأوائل ، لأبي هلال العسكري ، طبعة سنة 1975 م ، دمشق - سوريا .
12 - الايضاح ، لابن شاذان ، طبعة سنة 1392 ه‍ . ق - جامعة طهران - إيران .
13 - بحار الأنوار ، للعلامة المجلسي - طبعة دار الوفاء ، بيروت - لبنان .
14 - البرهان في تفسير القرآن ، للبحراني - دار الكتب العلمية - قم - إيران .
15 - بهج الصباغة ، للتستري ، طبعة سنة 1390 ه‍ . ق‍ . مكتبة الصدر - طهران - إيران .
16 - تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت - لبنان .
17 - تاريخ الخلفاء ، للسيوطي ، طبعة سنة 1371 ه‍ . ق - مصر .
18 - تاريخ المدينة ، لابن شبة ، طبعة سنة 1410 ه‍ . ق . دار الفكر - قم - إيران .
19 - تاريخ اليعقوبي ، لابن واضح ، طبعة دار صادر - بيروت - لبنان .
20 - ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ، من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) طبعة بيروت - لبنا ن .
21 - تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، طبعة سنة 1383 ه‍ . ق - النجف الأشرف - العراق .

(الصفحة 162)


22 - تفسير العياشي ، نشر المكتبة العلمية الإسلامية ، طهران - إيران .
23 - تلخيص المستدرك على الصحيحين ، للذهبي ، مطبوع بهامش المستدرك نفسه في الهند ، سنة 1342 ه‍ . ق .
24 - الجامع الصحيح ، للترمذي ، نشر المكتبة الإسلامية ، للحاج رياض الشيخ .
25 - حديث الثقلين ، للشيخ قوام الدين الوشنوي ، طبعة دار التقريب القاهرة .
26 - حلية الأولياء ، لأبي نعيم ، طبعة سنة 1387 ه‍ . ق ، دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان - .
27 - الخصال ، للشيخ الصدوق ، طبعة سنة 1403 ه‍ - ق ، منشورات جماعة المدرسين - قم - إيران.
28 - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ، منشورات مكتبة بصيرتي ، سنة 1397 ه‍ . ق ، قم - إيران .
29 - روضة الواعظين ، للفتال النيسابوري ، طبعة الحيدرية ، سنة 1386 ه‍ . ق - النجف الأشرف - العرا ق .
30 - سنن ابن ماجة ، طبعة سنة 1373 ه‍ . ق .
31 - سنن أبي داود ، نشر دار إحياء السنة النبوية .
32 - شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي ، طبعة سنة 1385 ه‍ . ق - مصر - .
33 - شواهد التنزيل ، للحسكاني ، طبعة الأعلمي - بيروت - سنة 393 1 ه‍ . ق .
34 - صحيح البخاري ، طبعة سنة 309 ه‍ . ق - مصر - .
35 - صحيح مسلم . طبعة محمد علي صبيح وأولاده - مصر - .
36 - الصواعق المحرقة ، لأحمد بن حجر الهيثمي المكي ، دار الطباعة المحمدية - القاهرة .
37 - العمدة ، لابن البطريق ، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، سنة 1407 ه‍ . ق - قم - إيران .
38 - عيون الأخبار ، لابن قتيبة - دار الكتب ، مصر .
39 - الغارات ، للثقفي ، طبعة مطبعة الحيدري - إيران .
40 - الغدير ، للعلامة الأميني ، طبعة سنة 1397 ه‍ . ق ، دار الكتاب العربي ، بيروت - لبنان .
41 - الغيبة ، للطوسي ، مطبعة النعمان ، سنة 1385 ه‍ - ق النجف الأشرف - العراق .
42 - الغيبة ، للنعماني ، مكتبة ا لصدوق ، طهرا ن - إيران .

(الصفحة 163)


43 - فتح الباري ، للعسقلاني ، نشر دار المعرفة ، بيروت - لبنان .
44 - فرائد السمطين ، للجويني ، طبعة بيروت .
45 - قاموس الرجال ، للتستري ، طبعة طهران - مركز نشر الكتاب .
46 - الكافي - الأصول - المطبعة الإسلامية 1388 ه‍ . ق - إيران .
47 - كتاب سليم بن قيس ، طبعة سنة 1407 ه‍ . ق ، مؤسسة البعثة ، طهران - إيران .
48 - كشف الغمة ، للإربلي رحمة الله عليه ، المطبعة العليمة - قم - إيران .
49 - كفاية الأثر ، للخزاز القمي ، طبعة سنة 1401 ه‍ . ق . مطبعة الخيام - قم - إيران .
50 - كفاية الطالب ، للكنجي الشافعي ، المطبعة الحيدرية ، سنة 1390 ه‍ . ق النجف الأشرف العراق.
51 - إكمال الدين ، للشيخ الصدوق - طبعة سنة 1395 ه‍ . ق . طهران - إيران .
52 - كنز العمال ، للمتقي الهندي ، طبعة الهند ، سنة 1381 ه‍ . ق .
53 - كنز الفوائد ، للكراجكي ، طبعة حجرية .
54 - لسان العرب ، لابن منظور ، طبعة دار صادر ، بيروت - لبنان .
55 - مجمع البيان (تفسير) ، للطبرسي ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان .
56 - مجمع الزوائد ، للهيثمي ، طبعة سنة 967 1 م .
57 - مر و ج الذهب ، للمسعودي ، طبعة دار الأندلس - بيروت .
58 - المستدرك على الصحيحين ، للحاكم النيسابوري ، طبعة الهند ، سنة 1342 ه‍ . ق .
59 - المسترشد في الإمامة ، لابن جرير بن رستم الطبري ، طبعة الحيدرية - النجف الأشرف - العراق .
60 - مسند أبي عوانة : طبعة الهند ، سنة 1362 ه‍ . ق .
61 - مسند أحمد بن حنبل ، طبعة مصر ، سنة 1313 د . ق .
62 - معرفة الصحابة ، مخطوط ، في مكتبة طوب ، قپوسراي .
63 - مقتل الحسين ، للخوارزمي ، منشورات مكتبة المفيد ، قم - إيران .
64 - مكاتيب الرسول ، للأحمدي ، طبعة سنة 1379 ه‍ . ق - المطبعة العلمية قم - إيران .
65 - المناقب ، للخوارزمي ، طبعة الحيدرية ، في النجف الأشرف - سنة 1385 ه‍ . ق .
66 - مناقب آل أبي طالب ، لابن شهرآشوب ، طبعة مصطفوي - إيران .

(الصفحة 164)


67 - مناقب علي بن أبي طالب ، لابن المغازلي - المطبعة الاسلامية سنة 1394 ه‍ . ق ، طهران - إيران .
68 - منتخب الأثر ، للطف الله الصافي ، طبعة إيران - مكتبة الصدر .
69 - منحة المعبود ، في ترتيب مسند الطيالسي - للساعاتي ، طبعة مؤسسة مكة للطباعة والإعلام - مكة المكرمة - الحجاز .
70 - الموفقيات ، للزبير بن بكار طبعة سنة 1972 م .
71 - ميزان الاعتدال ، للذهبي ، طبعة دار المعرفة - بيروت .
72 - نزل الأبرار للبدخشاني الحارثي - طبعة سنة 1403 ه‍ . ق طهران - إيران .
73 - النهاية في اللغة ، لابن الأثير ، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت .
74 - نهج البلاغة ، (جمع الشريف الرضي رحمه الله تعالى) طبعة الاستقامة ، بشرح عبده .
75 - نهج السعادة ، الطبعة الأولى ، بيروت - لبنان .
76 - نور الأبصار للشبلنجي الشافعي ، طبعة مصر - المطبعة اليوسفية .
77 - ينابيع المودة ، للقندوزي الحنفي ، طبعة إسلامبول - تركيا - سنة 1309 ه‍ . ق . وثمة مصادر عديدة أخرى تعلم من هوامش البحث .

(الصفحة 165)
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف